مجموعة الأسئلة والأجوبة (8)
التاريخ : 8 / جمادى الأولى / 1424هـ .
الموافق : 8 / يوليو ـ تموز / 2003م .
السؤال ( 1 ) :كيف لنا أن نستثمر العطلة الصيفية في ما يرضي الله عز وجل ؟
الجواب ( 1 ) :روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: ( واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات ، ساعة لله لمناجاته ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات والذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات ) .
من خلال هذه الرواية الشريفة : نستطيع أن نتعرف على المحاور الرئيسية التي ينبغي أن يكون عليها توزيعنا لأوقاتنا.. وهي كالتالي :
المحور الأول: العبادة وطلب العلم الذي هو أفضل العبادات .
المحور الثاني: طلب الرزق والتوسعة على العيال .
المحور الثالث : صلة الأرحام ، ومعاشرة الأخوان / الأصدقاء .. وقد حددت الرواية بعض أهم صفاتهم .
المحور الرابع : الترفيه ، وقد بينت الرواية أهميته .
ولكل محور من المحاور الأربعة تفاصيله الخاصة به ، يستطيع كل شخص الاجتهاد فيها حسب ظروفه .
السؤال ( 2 ) : كيف يمكننا التوفيق بين التعليم المدرسي والتعليم الديني ؟
الجواب ( 2 ) :في البداية أرغب في شكر أبنائي الطلبة الأعزاء ، على اهتمامهم بتعلم مسائل الدين الحنيف ، الذي هو سبيل عزتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، وأنصحهم بأن لا يثقلوا على أنفسهم ويرهقوها بكثرة القراءة الدينية إلى جانب واجباتهم المدرسية ، وإنما يحرصوا على التعلم الديني اليسير والسهل ، من خلال القراءة الذاتية والتعلم في الساجد والمؤسسات الإسلامية التعليمية ، حسب ما يتاح لهم في أوقات الراحة والفراغ ، وأن يكثروا من السؤال عن دينهم في أوساط الأسرة والمجتمع ، فإن في التعلم اليسير المتراكم والسؤال المستمر خير كثير ، إذا كان عن اهتمام وعناية وتوجه ، وأن يركزوا في البداية على تعلم المسائل الضرورية في العقيدة والفقه التي سوف أوضح بعد قليل بعض جوانبها ، ثم يتوسعوا تدريجياً في العلوم والثقافة الإسلامية .. وأنصح القائمين على التعليم الديني في المساجد والمؤسسات الدينية التعليمية : بأن لا يرهقوا الطلبة كثيراً بالتعليم الديني الكثير إلى جانب التعليم المدرسي .. وحتى في العطل الصيفية : لا يرهقوا الطلبة بكثرة الدروس الدينية ، فمن حق الطلبة أن يرتاحوا في العطل الصيفية ، لكي يتجدد نشاطهم للعام الدراسي الجديد ، وأن يركز الطلبة اهتمامهم على التعليم المدرسي ، في مراحل التعليم المختلفة ، فهذه وظيفتهم التي يجب عليهم أن يؤدوها في المجتمع ، شأنهم في ذلك شأن العمال والموظفين ، بدون أن يهملوا التعليم الديني الذي هو السبيل الوحيد إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة . وبهذه الطريقة لن تكون هناك مشكلة في التوفيق بين التعليم المدرسي والتعليم الديني .
والآن أرغب في ذكر أهم المحاور التي ينبغي الاهتمام بها في التعليم الديني ، وتمثل أهم المحاور في الثقافة الإسلامية .. وهي كالتالي :
المحور الأول – أصول الدين : وهي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد يوم القيامة ، ويجب على المكلف أن يحصل على العلم الإجمالي فيها عن دليل وبرهان ولا يجوز فيها التقليد . أما العلم التفصيلي فيها فهو غير واجب إلا في حالة وجود الشبهة ، فإن على المكلف أن يزيل كل شبهة تعترضه في دينه . وأما المسائل العقائدية الفرعية .. مثل : البداء والقضاء والقدر، فإنه يجوز التقليد فيها لمن يثبت بالدليل العقلي عدم خطئه .. مثل : الأنبياء والأئمة ( عليهم السلام ) مع التذكير بالفضل الكبير للتعمق والتوسع في العقيدة والاجتهاد في كل مسائلها وتحصيل الأدلة القطعية عليها .
المحور الثاني – الأحكام الشرعية : ويجب على المكلف تعلم المسائل الشرعية محل الابتلاء ، مع التذكير بالفضل الكبير للتوسع في معرفة الفقه وأحكام الشريعة المقدسة ، وأذكر ثلاثة أقسام من الأحكام الشرعية ، ينبغي على المكلف تعلمها .. وهي كالتالي :
القسم الأول : أحكام العبادات محل الابتلاء ، مثل أحكام الطهارة والصلاة والصيام ، لكي يضمن وقوع عباداته على الوجه الشرعي الصحيح .. كما أمر الله ( جل جلاله ) ليكون مستحقاً للثواب من عند الله جل جلاله .
القسم الثاني : الأحكام الشرعية التي تتعلق بالمهنة .. مثل : أحكام التجارة لمن يمارس التجارة ، وأحكام التربية لمن يمارس التربية والتعليم ، والأحكام التي تتعلق بالنشاط العام : الإسلامي والمجتمعي ، الذي يمارسه المكلف ، لكي تقع أعمال المكلف كلها على الوجه الشرعي الصحيح .
القسم الثالث : الأحكام الشرعية للمسائل محل الابتلاء في الساحة العامة المحلية ، لكي يستطيع المكلف القيام بوظيفته الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المحور الثالث – تعلم مسائل الأخلاق : ففي الحديث الشريف عن الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” فتعلم مسائل العقيدة والفقه والقيام بالوظائف الدينية ، إنما قيمتها في تزكية النفس وتطهيرها ، والتي تتحدد بناءً عليها مكانة الإنسان وقربه من الله ( جل جلاله ) وما لم تؤدي العلوم والعبادات هذا الدور الأخلاقي في النفس ، فلا قيمة فعلية لها في الواقع وعند الله ( جل جلاله ) .
المحور الرابع – السير المطهرة للأنبياء والأوصياء عليهم السلام : وذلك للإقتداء بهم في الحياة كقادة ربانيين ، ومعارضين للظلم والطغيان ، وكمواطنين صالحين في الحياة ، ونافعين لمجتمعاتهم ، وعباد مخلصين لله سبحانه وتعالى . ويحسن أيضاً الإطلاع على السير المباركة لعباد الله الصالحين ، لاسيما العلماء الروحانيين منهم ، وذلك للإقتداء بهم كأناس غير معصومين ، تتضمن حياتهم الكثير من الدروس والعبر في الحياة ، وتعكس قصص كفاحهم وجهادهم وتدرجهم في سلم الكمال الإنساني المشرق.
المحور الخامس – مجال الدراسة والمهنة والنشاط الإسلامي والمجتمعي : وقد أدخلته في محاور الثقافة الإسلامية ، نظراً لتركيز الإسلام عليه ، واهتمامه به ، ولدوره في تطوير المجتمع المسلم وسعادة أبنائه في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، حيث ينبغي للمؤمنين ، أن يتتبعوا الجديد في تخصصاتهم ، ويطوروا أنفسهم ، ويتقنوا صناعاتهم وأعمالهم ، وذلك من أفضل العبادات . ومن المعلوم أن طلب العلوم التي يتوقف عليها رقي وتطور المجتمع الإسلامي واستقلاله .. هي من الواجبات الكفائية ، ويجب على المكلف أن يضمن تطابق عمله مع الشريعة المقدسة في جميع الحقول التي يرتادها في الحياة .. تطوعا أو مهنة أو تكليف شرعي .
السؤال ( 3 ) : أنا طالبة في نهاية المرحلة الإعدادية ، أفكر في الخروج من المدرسة ، ومتابعة دراستي الحوزوية . ما هو رأي الأستاذ في ذلك ؟
الجواب ( 3 ) :لا أنصح ابنتي بذلك ، وأرى بأن عليها أن تواصل دراستها في المدرسة والجامعة ، وأن تتعلم مسائل دينها بالطريقة التي بينتها قبل قليل ، وإذا شاءت أن تتخصص في العلوم الدينية الحوزوية ، ونحن في حاجة ماسة لنساء متخصصات في العلوم الحوزوية ، فذلك بعد التخرج من الثانوية العامة .. على أقل تقدير ، ولنساء متفوقات في دراستهن ، وعلى مستوى عالي في الأخلاق والتقوى .. لأن الحمل ثقيل ، والمسؤولية ضخمة ونوعية جداً .. جداً . إنها مسؤولية تزكية الأرواح وتطهيرها وعلاج أمراضها ، وبناء إنسانية الإنسان ، وتأهيله للسعادة الدنيوية والأخروية . ونحن نرجوا أن تكون طالبات العلوم الدينية ، قدوات حسنات لبناتنا ونسائنا في حياتهن ، كما هو المطلوب فعلاً من العلماء الروحانيين .. والعالمات الروحانيات . وأعتقد بأن أحد أهم أسباب التراجع في واقعنا الإسلامي والوطني ، أننا لا نملك العدد الكافي من العلماء والعالمات الروحانيين ، وأن أغلب الذين عندنا منهم ليسوا بالمستوى الكافي في العلم والتقوى ، لممارسة الدور المطلوب منهم فعلاً ، ولم ينهضوا بالدور المنشود منهم على أرض الواقع . ولكي تتحسنا أوضعنا ، فإننا نحتاج لتوفير رعاية أفضل للعلماء الروحانيين والعالمات وتفعيل أدوارهم على أرض الواقع بكفاءة عالية .
السؤال ( 4 ) : ما هي قيمة دراستنا ونحن نعيش في دولة تعشش فيها الطائفية .. والتوظيف يعتمد على الواسطة ؟
الجواب ( 4 ) : نعم هذه مشكلة يجب أن نتعامل معها بمزيد من الوعي والصبر والتوكل على الله العزيز المقتدر ، لأنها قضية مصير في ظل هذا الوضع الظالم جداً ، الذي يكتنفنا من كل جانب ، والذي يمثل لنا تهديداً جدياً ، وقد أثر فعلاً في نفوس أبنائنا وبناتنا ، وأشعرهم بالغبن والإحباط .. فمن القصص المؤلمة جداً : أن طالباً في المرحلة الإعدادية ، كان من المتفوقين ليس على صفه فحسب ، وإنما على المدرسة ، انقطع فجأة عن المدرسة ، ولم تنجح جميع محاولات إدارة المدرسة في إعادته إلى المدرسة ، وفي ذات يوم رآه أحد المدرسين في السوق يقوم بتنظيف السمك ، فأندهش وتعجب وتألم مما رآه ، فسأله عن سبب تغيبه عن المدرسة ؟ فأجاب الأب نيابة عن ابنه : ما قيمة أن يفني عمره في التعليم ، ما دامت النتيجة واحدة ، وهي التعطيل عن العمل ، فأخته كانت شاطرة في المدرسة ، وتخرجت من الثانوية العامة بنسبة ( 90,7 % ) وهي الآن جالسة في البيت بدون عمل أو دراسة ، فالبحرين اليوم ليست لأبنائها .. وإنما هي للأجانب فقط ، والأفضل للولد أن يعمل ويكسب لنفسه بعض المال لعله ينفع نفسه بشيء في المستقبل ، خير له من فناء عمره في دراسة لا فائدة منها ؟!
أقول : هذا واقع مر ومؤلم جداً ، ولكن الحالة تحتاج إلى وعي وصبر، وإلا سوف تكون النتائج في المستقبل كارثية ، لأنهم اليوم يمارسون ضدنا التمييز الطائفي ، بغير مبرر معقول ، وعلى حساب الكفاءة ، وسوف يمارسونه ضدنا في المستقبل تحت عنوان الكفاءة ، لأننا غير متعلمين .
إنهم يخلقون المشاكل ضدنا ثم يعاقبوننا عليها !!
إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق التاريخي الخطير جداً : هو أن نهتم بالتعليم ، وأن نضحي من أجله ببعض طعامنا ولباسنا ومسكننا .
علينا أن ندرك : بأن الواجب علينا هو أن نمتلك سلاح العلم والمعرفة ، الذي هو أقوى وأمضى سلاح ، وأن ندافع عن أنفسنا وحقوقنا بقوة العقول والمعرفة .. وليس بأية قوة أخرى ، وما لم نمتلك هذا السلاح النوعي ، لن نستطيع الخروج من المأزق التاريخي الذي أوقعونا فيه بغير وجه حق ، وسوف تزداد أحوالنا سوءً مع تزايد التحديات والصعوبات يوماً بعد يوم .
أيها الأحبة الأعزاء : عليكم بالتعليم .. عليكم بالتعليم .. عليكم بالتعليم ، ضحوا من أجله ، فهو السبيل الوحيد لخروجنا من المأزق التاريخي ، الذي أوقعونا فيه بغير وجه حق ، وعلى رموزنا العلمائية الكبيرة ، والقيادات وأصحاب التوجيه والإرشاد ، ورجال الأعمال والتجار والمحسنين ، أن يولوا هذا الموضوع جل اهتمامهم ، لأهميته القصوى .
عليهم أن يهتموا بالتعليم والتدريب والاستثمار في هذا الحقل المهم جدا لوجه الله ( جل جلاله ) عليهم أن يبذلوا فيه المال والجهد والتخطيط للخروج بأبناء جلدتهم من هذا المأزق الخطير ، قبل أن يستفحل ويستعصي على الحل والعلاج .
السؤال ( 5 ) : في ظل بطالة ما زلت أعيشها وأنا خريجة جامعية ، وظروفي المعيشية صعبة جداً ، فما أعمل لمساعدة زوجي الذي لا يتجاوز راتبه (150 دينار) ؟
الجواب ( 5 ) : الله الرحيم يكون في عونك وعون زوجك المظلوم المجاهد .. وأنصحك يا عزيزتي بالتالي :
أولاً : عليك قبل كل شيء بالصبر والدعاء ، وأن تكوني حريصة على أن لا يؤثر الوضع المادي المتدهور على حياتكم العائلية ، فكثيراً ما يؤدي الوضع المادي المتدهور ، إلى الإضرار بالمودة والمحبة بين الزوجين ، وخلق المشاكل العائلية بينهم ، مما يهدد استقرار الأسرة والوضع الروحي والأخلاقي فيها ـ كما أثبتت التجارب ذلك ـ وهذا من أخطر مشاكل الفقر .. فعليك أيتها العزيزة : أن تتفهمي الوضع ، وأن تحذري من تأثيراته السلبية على حياتكم الأسرية ، وأعلمي بأن الصبر على هذه الحالة ، سوف يعمق الإخلاص والوفاء بينكم ، ويكون لكم رصيداً قوياً للمستقبل . أسأل الله جلت قدرته ، أن يغير سوء حالكم بحسن حاله إنه على كل شيء قدير .
ثانياً : تجنبوا الإسراف والتبذير والسلوك الاستهلاكي والمناظرة غير الواقعية للآخرين ، وركزوا على الأشياء الضرورية والحاجات الواقعية .
ثالثاً : ابحثي عن أي فرصة للعمل الشريف مهما كان متواضعاً ، بدون أن يؤثر ذلك على طموحك ، والحصول على حقك في الوظيفة المناسبة .
وأحب أن أذكر أحبتي بواقع بعض الأجانب الذين يأتون إلى البحرين ، وهم لا يملكون شيئا يذكر، وبعد فترة من الزمن نجدهم يمتلكون الكثير ، لأنهم بحثوا وقاتلوا من أجل رزقهم ، وأنا أعتقد بأنهم ليسوا أكثر ذكاءً منا ، ولكنهم فكروا وعملوا بجد حتى استطاعوا أن يغيروا أوضاعهم ، وهم في موطن غربة ، ولكن الحاجة والشعور بالتحدي حملهم على ذلك .
ونحن نستطيع أن نفعل مثلهم ، حتى نغير أوضاعنا ، رغم إنني أظن أنهم قد تتاح لهم الفرصة ، وتسهل إليهم الأمور أفضل منا ، ولكن علينا أن نصبر ونجاهد من أجل رزقنا ولقمة عيشنا الحلال ، وتحسين مستوى معيشتنا .. بكل وسيلة شرعية متاحة ، وأن نقاتل من أجل ذلك ، فهذا هو التحدي الذي فرض علينا ، وعلينا أن نواجهه بكل الأسلحة السلمية المشروعة .. فإذا نحن فعلنا ذلك : فسوف نخرج من المعركة أقوياء لا يستطيع أن يقف في وجهنا المترفون والناعمون من الناس .
قال الله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ 155 الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ 156 أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } ( البقرة : 155 – 157 ) .
وأعلموا أيها الأحبة الأعزاء : بأن المراتب العالية في الدنيا والآخرة ، لا تأتي من خلال الظروف الرخوة ، وإنما تأتي من خلال الظروف الصعبة والابتلاء ، فهذا نبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) لم يحصل على مقام الإمامة الشامخ ، إلا بعد أن تأهل إلى مسؤولياته من خلال الابتلاء العظيم الذي تعرض له وصبر عليه.
قال الله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ( البقرة : 124. (
وقال الله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } ( البقرة : 214 ) .
فعليكم أيها الأحبة الأعزاء : أن تصبروا وتعملوا بجد واجتهاد من خلال العمل النوعي لتغيير واقعكم ، وأعلموا أن الله ( جل جلاله ) معكم .. وأنه على كل شيء قدير ، وأن هذا الابتلاء سوف يؤهلكم لرفع راية الحق ، ونصرة الدين العظيم ، ورفعة الوطن العزيز، الذي نسأل الله جلت قدرته ، أن يحميه من كيد الأشرار، ومكر الفجار بالليل والنهار ، إنه سميع عليم ، وهو على كل شيء قدير .
السؤال ( 6 ): أنا كبرت في السن ، وقد فاتني التعليم في الصغر ، والآن أشعر بالحرج من التعلم الديني أو الأكاديمي ، بسبب جهل الناس بقيمة العلم .. فماذا أفعل لكي أتعلم ؟
الجواب ( 6 ) : قال الله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ) الزمر : 9 ) .
وقال الله تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } ( المجادلة: 11 ) .
وفي الحديث الشريف : قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” العلم رأس الخير كله ، والجهل رأس الشر كله : .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم: ( ” أطلبوا العلم ولو في الصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم :
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ): ” لو علم الناس ما في طلب العلم ، لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج ” ) المهجة : الروح ودم القلب ، واللجة : الماء الكثير حيث لا يدرك قعره ) .
هذا هو فضل العلم ومكانته عند الله ..
وفي الحديث الشريف : قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ما استرذل الله تعالى عبداً ألا حرم عليه العلم والأدب ”
أيها الأحبة الأعزاء : إذا كانت للعلم كل هذه المكانة العالية ؟! وهذا الفضل العظيم ؟! وهذا الدور المتميز في الحياة ؟! فهل يترك حياءً من الناس ؟! وهل في طلب العلم حرج أو حياء ؟!
عليكم أيها الأحبة الأعزاء : أن تبذلوا جهودكم في طلب العلم والمعرفة حتى في الكبر ، فهذا يعطي انطباعاً جيداً عن المسلين وحبهم للعلم والمعرفة ، خلافاً للانطباع الموجود عنهم حالياً في العالم ، ومن شأن اهتمام الكبار بالتعليم أن يغير فعلاً أوضاعنا ، فالعلم قوة حقيقية ، وقوة العقل والعلم أعظم من أي قوة أخرى ، وقد استطاع الإسلام أن يغير أوضاع العرب ، ويحولهم من أمه جاهلة تخاف أن يتخطفها الطير، إلى أمة قوية فتحت العالم المتحضر وقادته إلى الخير والتقدم ، وقد حث الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جميع المسلين على طلب العلم : رجالاً ونساءً ، كباراً وصغاراً ، فاستجابوا له ، فغير بهم وجه العالم ، ولا تزال الأمم الأكثر تعليماً ، هي الأمم الأكثر تقدماً وسيطرة في العالم ، وقد تخلفت الأمة الإسلامية إلى آخر الركب ، بسبب تخليها عن العلم والمعرفة ، ولن تستطيع استعادة أمجادها ومكانتها في العالم ، إلا إذا استعادت اهتمامها بالعلم والمعرفة ، وتسابقت على تحصيله وتطبيقه في جميع مجالات الحياة وحقولها .
وفي نهاية إجابتي على هذا السؤال المهم جداً ، الذي أرجو أن أكون قد وفقت في الإجابة عليه : أذكر هذه القصة الواقعية ، التي قرأتها من زمن بعيد ، وأعتمد في نقلها إليكم على الذاكرة ، أذكرها لأن فيها درساً بليغاً في موضوع بحثنا .. وهي لامرأة سورية ، تزوجت وهي أمية لا تقرأ ولا تكتب ، ولما رزقها الله العظيم الأبناء ، ودخل أول أبنائها إلى المدرسة ، وأرادت مساعدته ، قررت أن تدخل تعليم الكبار ، حتى تتمكن من مساعدة ابنها ، وفعلاً دخلت تعليم الكبار، وقامت بمساعدة ابنها في دروسه ، وتدرجت في التعليم مواكبة لتعليم أبنائها ، حتى دخلت الجامعة ، وواصلت دراستها حتى حصلت على الدكتوراه ، وأصبحت أستاذة في الجامعة .. هكذا يفعل الحب ، ويفعل المتميزون الذين يمتلكون إرادة التغيير والتطوير ، ولا يصيبهم الإحباط أمام التحديات والعوامل السلبية .
أسأل الله جلت قدرته : أن يعيننا على أنفسنا ، لأمور ديننا ودنيانا ، إنه حميد مجيد ، بالمؤمنين رؤوف رحيم .