مجموعة الأسئلة والأجوبة (44)

التاريخ : 2 / ذو الحجة / 1427هـ .
الموافق : 23 / ديسمبر ـ كانون الأول / 2006 م .

السؤال ( 1 ) : لقد كنت شريكا لسماحة العلامة المجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري في نضاله ، وها هو الشيخ الجمري قد رحل عن هذه الحياة إلى جوار ربه ، وقد وجدنا امتناعك عن التصريح للصحافة ووسائل الإعلام التي توجهت لك بالسؤال عن الحدث الجلل الذي يعني لك ـ بدون شك ـ الكثير ، ونحن أبناؤك وحواريوك ، نتمنى عليك أن نسمع منك كلمة بهذه المناسبة .

الجواب ( 1 ) : أيها الأحبة الأعزاء : بعض الأحداث والمشاعر الصادقة تصغر دونها الكلمات ، وما أكثر الكلام الجميل المزخرف وأقل الصدق في مثل هذه المناسبات . لقد فقدت في الشهور القليلة الماضية شقيقي الغالي إبراهيم حسين ، واليوم فقدنا جميعا الرمز الكبير سماحة المجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري .. وقد أثبتت لي التجربتان المؤلمتان حقا وحقيقة : بأن نفسي قد أصبحت مشبعة بالألم لما نحن فيه من محن وأوضاع سيئة صنعناها بأنفسنا لأنفسنا . فأنا لذلك أتنفس ألما ، وآكل ألما ، وأشرب ألما ، وحينما تدخل المشاعر المؤلمة الجديدة إلى نفسي ، فإنها تدخل إلى نفس قد صارت ألما ، فلا أكاد أشعر بالجديد من المشاعر المؤلمة ، وإن كانت بمستوى فقد شقيقي الغالي إبراهيم حسين أو الأب الرمز المجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري ( رحمهما الله تعالى برحمته الواسعة وأسكنهما الفسيح من جنته ) لهذا وجدت من الأجمل أن ألوذ بالصمت في المناسبتين .

أيها الأحبة الأعزاء : من أجلكم أقول : أني قد تعارفت مع الرمز المجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري ومضيت معه على الصدق والإخلاص متعاونا كل التعاون في طريق الجهاد والنضال الوطني من أجل الله ( جل جلاله ) والدين والوطن والشعب ـ كل الشعب وليس من أجل طائفة أو جماعة معينة ـ فهو رمز لكل الشعب وليس لطائفة معينة . وكانت العلاقة القلبية والروحية التي تربط بيني وبين سماحة الأب الرمز المجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري أصدق وأسمى وأجل من خزعبلات المزايدين وأراجيف المبطلين ومصالح المتمصلحين ، كشف عن ذلك ذكره الخاص لي في مرضه الشديد واحتفاظه باسمي في ذاكرته المنهكة رغم نسيانه لأسماء القريبين منه !! وهذه الحالة لها عندي دلالتها ، وتضع في وجدان سماحة الشيخ وسريرته ـ لمن يفهمها ـ حدا فاصلا بين الصدق والمزايدات وبين الحقيقة والخزعبلات ، وتشيرا إلى أين تقع الحقيقة وإلى أين يقع الصدق . وكانت بالنسبة لي بلسما أداوي بها بعض جروحي التي أحدثها بعض الناس لغايات في أنفسهم سامحهم الله تعالى جميعا وغفر لهم . لقد كنت صادقا ومخلصا وجريئا أيضا مع سماحة الشيخ الجمري أروم بذلك الحقيقة والصواب لما فيه مرضاة الرب ( جل جلاله ) ومصالح العباد ، ولم أكن مجاملا ولا مجاريا له ـ وهذا مما كان يعرفه القريبون منا ـ وكان سماحة الشيخ مع ذلك محبا لي غاية الحب ، ومودا لي غاية الود ، وشفوقا علي ورحيما بي غاية الشفقة والرحمة ، ومتفهما لي ومقدرا وراضيا عني . كنت أرفع صوتي ويرفع صوته في الجلسات الخاصة ولم يكن يرفع صوته علي أبدا ولم يسأ لي قط . وقد كشفت حالته معي بعد مرضه الشديد أنه مع الصدق والحقيقة وليس مع المزايدات والأراجيف ، ليؤكد حقيقة أن الصديق من صدَقك لا من صدّقك .

أيها الأحبة الأعزاء : لقد تقدم الأب الرمز المجاهد سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري بمطالب محددة ، ورفع شعارات وطنية صادقة ، وجاهد وضحى كثيرا من أجل دينه ووطنه وشعبه ولم يدخر في سبيلها جهدا . فلما انقلبت السلطة على ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب في سبيل تحقيق مطالبه العادلة ، ولم يجد نفسه قادرا على مواصلة النضال من أجل تحقيق المطالب .. اعتزل وقال كلمته المشهورة : ” ليس هذا البرلمان الذي ضحى من أجله الشعب سنة وشيعة ” فقد بين للشعب الحقيقة ، وترك له أن يختار طريقه بمحض إرادته : إما القبول بالواقع الجديد الذي فرض عليه بخلاف إرادته أو مواصلة النضال لنيل مطالبه العادلة المشروعة . ولم يخدع نفسه ويزين لها الخطأ أو يخدع شعبه ويزين له التراجع ، ولم يختزل شعبه في نفسه ويفصّل له على قدها ، ولم يسيره في الطريق الذي لا يقدر على السير إلا فيه ، وإنما اعترف له بالرشد وحق الاختيار ، وسمح له بالانطلاق في الطريق الذي يقرره لنفسه ـ بمحض إرادته واختياره ـ من أجل مجده ورفعته وتقرير مصيره !!

أيها الأحبة الأعزاء : أختم بالقول : لقد كان سماحة الشيخ الجمري ـ وهو بمعاناته وجهاده الصادق الرمز لهذا الشعب المستضعف في طموحه وآلامه وآماله ـ يمثل لدي بمرضه الشديد حالة رمزية للدلالة الروحية والمعنوية على حالة وطنية : دستورية وبرلمانية وحقوقية وسياسية مريضة مع الأمل الصعب في الشفاء والتصحيح ، وكان بموته بعد المشاركة يمثل حالة رمزية للدلالة الروحية والمعنوية على موت الحالة وانتهاء الأمل بالشفاء والتصحيح فيها ، ليرحل في يوم الشهداء الأبرار ( عليهم الرحمة ) ماضيا على خطهم مؤكدا صوابية منهجهم وأحقية مطالبهم الوطنية العادلة !!

السلام على الشيخ الجمري يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا !!

السؤال ( 2 ) : في خطوة مفاجئة قاطعة كتلة الوفاق الجلسة الافتتاحية للبرلمان والجلسة الإجرائية الأولى والثانية .

أ ـ كيف يقرأ الأستاذ عبد الوهاب هذه الخطوة ؟

ب ـ بماذا ينصح الأستاذ في التعاطي معها ؟

الجواب ( 2 ـ أ ) : لقد نالت الخطوة إعجاب الكثير من الناس لأنها جاءت تحت عنوان الرفض لتدخلات السلطة ، ولأنها أحرجت السلطة ووجد الناس فيها ـ بحسهم الثوري ـ إرادة التحدي للظلم والاستبداد ، فهي لديهم دليل عافية تدعو إلى الفخر والتفاؤل بعمل كتلة الوفاق ودورها القادم في البرلمان . ولكنها حرفيا ـ بحسب فهمي : استنادا إلى خيار المشاركة وليس المقاطعة وللمنهج الذي تقره الممارسات لإدارة الوفاق ثم لأمانتها العامة في السنوات الماضية ـ تعتبر خطوة انفعالية متسرعة ومبتورة ، لم تدرس بدقة ، ولم يؤسس لها بصورة صحيحة ، وغير محسوبة العواقب بالنسبة لعلاقة الجمعية بجماهيرها ولعلاقتها بالسلطة ولمهامها بالمجلس ( مقاطعة الجلسات الإجرائية ثم العودة وأداء القسم مع التأكيد على التعاون الإيجابي مع السلطة والكتل الموالية لها بالكامل في المجلس ) انتصرت فيها السلطة وحلفاؤها على الوفاق ، حيث عادت الوفاق ولم يتغير شيء . فهي بداية غير موفقة للتجربة البرلمانية الجديدة للجمعية ، في ظرف من التحدي الصعب ـ متعدد الوجوه والأطراف ـ الجمعية أحوج ما تكون فيه للحرفية ولإظهار الحنكة والاتزان وحسن التصرف والاهتمام بالجوهر بعيدا عن الانفعال والتسرع والاستعراض الشكلي والاهتمام بالقشور . فالخطوة ـ بحسب تقديري ـ ارتجالية تغيب عنها المؤسسة وآليات عملها ، وليس وراءها إستراتيجية عمل واضحة ( ليس للوفاق إلا خيار واحد وهو العودة لأن خيار الانسحاب الكامل غير وارد في حساباتها وبالتالي فالنتيجة الحاصلة محسومة سلفا ) والخطوة لا تخدم ـ في فهم الكثير من المراقبين والمثقفين وعامة الناس ـ الهدف المعلن من المشاركة وهو دفع الضرر ، بعد حرمان الوفاق نفسها من المناصب الأساسية المتاحة لها في المجلس بغير مبرر معقول ، وقد بعثت الخطوة برسالة في الصميم ـ على خلاف المقصود ـ مفادها : أن خيار المشاركة لم يكن الخيار الصحيح ، وأن خيار المقاطعة هو الخيار الصائب فعلا . والخطوة تنذر ـ كمؤشر على الأداء والإدارة ـ بانقسامات جديدة في الجمعية وفشل ذريع في تجربة عملها البرلمانية ما لم يحدث التصحيح ، الأمر الذي ينبغي على الأخوة الأعزاء من قيادات الوفاق المحترمين الحذر الشديد منه لخطره الشديد على الجمعية وعلى جماهيرها وعلى الطائفة الكريمة ورموزها التي قدمت للجمعية كل ما تستطيع من الدعم والمساندة ولم تدخر جهدا لإنجاح قائمتها ولخطره على العمل الوطني بأسره . وهذا يتطلب من الوفاق المراجعة والتدارك والترميم والعودة إلى المؤسسة وأجهزتها وترك المطابخ خارج المؤسسة والاستفادة من تجارب الماضي المؤلمة قبل المضي قدما في الطريق . ولا يتغير هذا الكلام إلا إذا كانت الخطوة من العبقرية والخفاء بحيث لا أدركها أنا وأمثالي من المراقبين والمحللين السياسيين . فأنا لا أفهم الخطوة فهما علميا سياسيا تصويبيا في سياق الرؤية والأداء الظاهرين للجمعية ، وتدخل لدي ـ حتى الآن ـ في دائرة الغموض ، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور وخباياها .

الجواب ( 2 ـ ب ) : أنصح بالمحافظة على الأخوة الإيمانية والوطنية وأداء حقهما إلى كافة الأهل والأحباب من المشاركين والمقاطعين ، والتزام الصدق والنصيحة معهم جميعا بدون تمييز بينهم ، وتقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة : الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية ، والتحلي بالمسؤولية الدينية والوطنية في القول والعمل ، وممارسة النقد بموضوعية علمية ونزاهة أخلاقية تحريا للحق والعدل والمصالح العامة : الإسلامية والوطنية وتقديمها على الذوات والأشخاص مهما كانوا ، والاستعداد التام للتصحيح وحث الخطى نحو التقدم وتحصيل الحقوق الوطنية العامة لأبناء الشعب بدون تمييز بينهم . وأحذر من العجلة في إصدار الأحكام ، ومن التبرير والتحزب على حساب المصالح العامة ، ومن الإساءة للشرفاء والمخلصين من الرموز والقيادات من خلال خلط الأوراق والأمور وعدم التمييز بينها ، ومن أتباع الهوى والشيطان والتصرف تحت تأثيراتهما بما يعود بالضرر والسوء على الدين والوطن وأبناء الشعب الشرفاء .

السؤال ( 3 ) : تشهد الساحة العراقية واللبنانية والفلسطينية صراعات بينية شرسة .بحسب رأي الأستاذ ..

أ ـ ما هو جوهر هذه الصراعات ؟

ب ـ ما هو الموقف المناسبة منها ؟

الجواب ( 3 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : الصراعات المذكورة ـ بحسب فهمي ـ صناعة صهيو ـ أمريكية في سبيل تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعطي الهيمنة لأمريكا والكيان الصهيوني على المنطقة بأسرها ويهدف إلى تصفية قوى الممانعة لهذه السياسة الاستكبارية العدوانية فيها . وقد اكتست الصراعات صبغة طائفية هدامة في العراق ولبنان ، وسوف تنتقل هذه الصبغة الدنيئة إلى صراعات أخرى في المنطقة ، وهي تقوم على أساس الفوضى الخلاقة في الإستراتيجية الشيطانية الصهيو ـ أمريكية ، وقد جُندت لها أطراف من الداخل تقاطعت مصالحها مع مصالح الاستكبار العالمي أو باعت نفسها للشيطان ، وأطراف تنتظر بيع نفسها للشيطان الأكبر في مناطق أخرى مرشحة للصراع على حساب الدين والوطن والإنسانية والأخلاق .

وسوف يتولد محوران أساسيان في الصراع .. وهما :

المحور الأول : بقيادة أمريكا والكيان الصهيوني ويهدف إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد .

المحور الثاني : بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران ويهدف إلى مواجهة المشروع وتقويضه .

النقطة الثانية : لقد كان دخول بعض القوى الإسلامية والوطنية الشريفة في العراق في العملية السياسية وإصرار المرجعية على أن يضع الشعب دستوره بنفسه قرارا صحيحا ، إلا أن الوضع الحالي للحكومة في العراق ليس مطمئنا ، وهو ـ بحسب فهمي ـ ليس امتدادا طبيعيا لتأسيس المرجعية بالدخول في العملية السياسية ، ويسيطر عليه البعد المحلي والرؤى الخاصة والمصالح الحزبية ، ولا يأخذ بعين الاعتبار التوجه الوحدوي في مواجهة المشروع الصهيو ـ أمريكي في المنطقة .

الجواب ( 3 ـ ب ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أرى بأن واجب الشعوب والقوى الإسلامية والقومية والوطنية الشريفة الانحياز الكامل إلى المحور المناهض للمشروع الصهيو ـ أمريكي الاستكباري ، وأن تتخلص من العصبيات الجاهلية : العرقية والمذهبية والطائفية وغيرها في مواقفها الإسلامية والقومية والوطنية ، وتسعى للتغلب على الصعوبات الجغرافية والسياسية وغيرها التي تقف في وجهها ، فعلى ذلك يتوقف مستقبل الإسلام العزيز والمنطقة ، وهما أمانة في أعناقنا جميعا ونحن مسؤولون عنهما أمام الله ( جل جلاله ) والتاريخ .

النقطة الثانية : ينبغي تكريس الاتجاه الوحدوي وتوحيد الرؤى بين مختلف القوى الإسلامية والقومية والوطنية الشريفة لمواجهة المشروع الصهيو ـ أمريكي . وعليها التدقيق ـ سياسيا ـ في مواقف مختلف الأطراف المتصارعة محليا وإقليميا على ضوء مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وعدم عزل الوضع المحلي لأية دولة في المنطقة عن الوضع الإقليمي فيها ، لأن بعض الصراعات المحلية والإقليمية القائمة ، لو فرضنا أنها اليوم ليست جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير ، فإنها سوف تتحول إليه غدا . كما ينبغي على كافة الأطراف الشريفة أن تتوخي الحذر من الفتنة الطائفية خاصة ، لأنها تلبس لبوس الدين الذي يستحوذ على نفوس عامة الناس بقدسيته وهو الأكثر تأثيرا فيهم وإلهابا لمشاعرهم وتحريكا لهم . فهي السلاح الأخطر بيد الشيطانين : الأكبر والأصغر لتلويث سمعة الدين ، والنار الأعظم التي يمكن أن تأتي على الأخضر واليابس في بلاد المسلمين وتحرقه لصالح أعداء الدين والإنسانية ، وتنذر بسوء العاقبة للأطراف المشاركة فيها من خلال الأفعال وردود الأفعال غير الرشيدة التي تزيد لهيب الفتنة . وهنا ينبغي التنبيه إلى خطورة التيار التكفيري لأنه زاد الفتنة الطائفية وزيت نارها الحطمة .

النقطة الثالثة : يعتبر الالتزام العملي بنظرية الولي الفقيه ـ بغض النظر عن التأسيس العلمي للنظرية لدى الفقهاء ـ سبيلا لتوحيد الرؤى والمسار لدى الشيعة الإمامية في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وينسجم هذا الالتزام ـ سياسيا ـ مع فكرة المحاور الرئيسية التي سوف تبرز في ساحة الصراع المذكور ، والتحالف المطلوب إسلاميا وقوميا فيه ـ كما سبق توضيحه ـ ولا يضر ذلك بالاستقلال الوطني كما بين في حلقات سابقة من حلقات أسئلة وأجوبة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى