مجموعة الأسئلة والأجوبة (49)

التاريخ : 7 / شعبان / 1428هج .
الموافق : 20 / أغسطس ـ آب / 2007م .

السؤال ( 1 ) : أثيرت زوبعة شديدة حول شعار ” فلتسقط العلمانية ” وكثرت الأقوال والتخرصات وتعددت الرؤى الفكرية والشرعية حولها ، ونرغب في أن نتعرف على رأي الأستاذ عبد الوهاب في هذا الموضوع الذي شغل الساحة الوطنية لفترة طويلة .

الجواب ( 1 ) : راقبت ما قيل حول هذه المسألة ، وكان من الممكن والأفضل للساحة الوطنية أن تمر بسرعة ، إلا أنها ضخمت كثيرا وأعطيت أكثر وغير ما تتطلب ، واستمر التعاطي فيها إلى فترة طويلة ، وتوجهت بعض الأطراف لسوء توظيفها ، وحاول البعض تصديرها إقليميا وعربيا ، ولم أكن أرغب في الدخول ضمن السجال المثار حولها ، إلا أن إصرار بعض الأحبة وكثرة السؤال حملني على الاستجابة بالإجابة على هذا السؤال ، وتتضمن الإجابة نقاط عديدة ، ومن الله سبحانه وتعالى التوفيق ..

النقطة الأولى : ينبغي الرجوع في المسألة من الناحية الشرعية إلى الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) والالتزام بالفتاوى الشرعية في مقام العمل .
أما من الناحية الفكرية : فإنه ـ بحسب الرؤية القرآنية المرتكزة في ذهني ـ ينبغي التمييز بين ثلاثة أبعاد : البعد الفكري ، والبعد السياسي ، والبعد الحقوقي .
في البعد الفكري : لا يوجد تساهل ولا مداهنة ، وغير مسموح بذلك أبدا ، فعلميا : الحق حق ، والباطل باطل ، ولا توجد حالة وسط بينهما .
قول الله تعالى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } .
( الكهف : 29 ) .
وقول الله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } .
( سورة الكافرون ) .
وقول الله تعالى : { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ . وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } ( القلم : 8 ـ 9 ) .
وينبغي التنبيه : إلى أن عدم التساهل وعدم المداهنة في البعد الفكري ورفض الحالة الوسط بين الحق والباطل ( على أساس علمي ) لا تعني ( من الناحية العملية ) المواجهة والحرب الفكرية الطاحنة مع الغير المختلف فكريا مع المسلمين ، فالصورة التي يرسمها القرآن الكريم تختلف عن ذلك تماما ، فالقرآن الكريم يسعى لإشاعة أجواء الرحمة والمحبة والحوار مع الغير المختلف فكريا مع المسلمين ، على أساس أن الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أُرسل رحمة للعالمين { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء : 107 ) وأن العقيدة الصحيحة المطلوبة إسلاميا : لا تقوم على أساس القهر والتسلط والغلبة { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } ( البقرة : 256 ) وإنما تقوم على أساس الاقتناع المستند إلى الدليل الصحيح والبرهان الرصين { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ( البقرة : 111 ) وعلى هذا الأساس أوصى الله تبارك وتعالى المؤمنين في أمر الدعوة إليه بقوله سبحانه : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } ( النحل : 125 ) وأسس إلى الحوار العلمي الموضوعي بقوله : { قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ( سبأ : 24 ) فهذه هي الصورة الإنسانية التي يرسمها القرآن الكريم للعلاقة مع الغير المختلف فكريا مع المسلمين ، وفيها تشع أجواء الرحمة والمحبة والحوار وليست أجواء العدوانية والمواجهة والحرب .

النقطة الثانية ـ في البعد السياسي : إذا كان القرآن الكريم يسعى لإشاعة أجواء الرحمة والمحبة والحوار مع الغير المختلف فكريا مع المسلمين ، فهذا يعني أن الاختلاف في البعد الفكري ـ بحسب الرؤية القرآنية ـ لا يعني أبدا المواجهة السياسية ، فيمكن أن تكون العلاقة السياسية معه طيبة جدا ، ويمكن التعاون معه سياسيا من أجل تحقيق الأهداف السياسية المشتركة ، قول الله تعالى : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ( الممتحنة : 8 ) وقول الله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ( المائدة : 2 ) وقول الله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } ( آل عمران : 64 ) وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن حلف الفضول الذي شارك فيه فبل الإسلام لنصرة المظلومين والمستضعفين من أهل مكة وغيرها من سائر الناس : ” لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت ” ( ابن هشام . ج1 . ص92 ) .

النقطة الثالثة ـ في البعد الحقوقي : لو حدثت المواجهة السياسية أو العسكرية بين المسلمين ومن يختلفون معهم فكريا لأسباب سياسية أو حقوقية : بسبب الاعتداء على الحقوق وليس لأنهم يختلفون فكريا معهم ، فإن هذه المواجهة لا تعني إسلاميا السماح بظلمهم والاعتداء على حقوقهم ، لأن المواجهة لا تعطي الحق أو المبرر في الإسلام للاعتداء على حقوق الغير ومصادرتها .
قول الله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } ( المائدة : 2 ) .
وقول الله تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 ) .
فلأسرى الحرب في الإسلام حقوق لا يجوز التعدي عليها ، وقد استمر الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في دفع المخصصات المالية لخصومه السياسيين من بيت المال ( الخوارج وغيرهم ) ولم يمنع عنهم مخصصاتهم المالية التي يستحقونها من ميزانية الدولة في حكومته ، بسبب اختلافهم السياسي معه ، ومواجهتهم السياسية لحكومته .

النقطة الرابعة : لا توجد اليوم مواجهة سياسية بين الإسلاميين والعلمانيين في البحرين على أساس فكري ، وأرى : بأن سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى ) لم يقصد بالهتاف ” فلتسقط العلمانية ” المواجهة السياسية مع العلمانيين على أساس فكري ، فهو يطرح ولا يزال التعايش مع السلطة ، والسلطة علمانية إلى النخاع وأكثر ، وهي أكبر مؤسسة علمانية في البلاد وأخطرها ، فبيدها الحل والعقد ، وبيدها الثروة والمؤسسات : ( الإمكانيات المادية والبشرية ) وهي لا غيرها التي تستطيع أن تمرر قانون الأحوال الشخصية وغيره ، وهي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الفساد الأخلاقي والإداري والتضييق على الناس في معيشتهم وسلب حقوقهم وحرياتهم ، وليست جمعية وعد أو المنبر أو التجمع أو غيرها من الجمعيات السياسية ذات التوجه العلماني المحرومة من المشاركة البرلمانية وغيرها من الحقوق ، فلو قصد سماحته المواجهة السياسية مع العلمانيين على أساس فكري ، لكانت مواجهته السياسية الأولى والأشد ضد السلطة لا ضد غيرها ، فالهتاف لم يفهم في سياقه ، وضخم كثيرا ، وأخرج عن حدوده ، وساعد على ذلك : أن بعض من تصدى للتوضيح لم يكن لديه وضوح رؤية في الأبعاد الثلاثة : ( الفكرية والسياسية والحقوقية ) فهو يخلط بينها كثيرا ، ولا يمتلك الخبرة السياسية الكافية ، فكان قليل من النار قد أشعلها الهتاف ، وبدلا من أن يُصب الماء على النار ليطفئها ، صُب عليها الزيت فزاد اشتعالها .
الجدير بالذكر :
( أ ) : أن المجلس العلمائي والوفاق لم يغيرا في علاقاتهما السياسية مع السلطة والمؤسسات والشخصيات العلمانية بعد الخطاب ، مما يدل على أن الهتاف لم تقصد منه المواجهة السياسية مع العلمانية على أساس فكري ، علما بأن شعار المجلس العلمائي لهذا العام : هو الوحدة الإسلامية والوطنية .
( ب ) : أن الإسلاميين الذين يتبنون المواجهة مع السلطة لا يتبنونها على أساس فكري أو عقائدي ، وإنما يتبنونها على أساس سياسي وحقوق .

النقطة الخامسة : أشار البعض إلى أن المجلس العلمائي وجمعية الوفاق أرادا بطرح هذا الشعار السعي إلى جر الساحة إلى معارك جانبية لشغل الناس عن الفشل الذي لحقهم في البرلمان ، وهذا غير صحيح : لأن الطرح المتعلق بالهتاف لم يوظف عمليا لصالح المجلس أو الجمعية ، وإنما وظفه خصومهما ولا زالوا يوظفونه ضدهما ، ولم يعود بفائدة على المجلس العلمائي والوفاق ، ليس لأنه أرتد عليهما ، وإنما لأنه لم تقصد ( في الأصل ) به المواجهة السياسية على أساس فكري ، وتمنيت لو أدرك الأخوة هذه الحقيقة ، وتمت المعالجة على أساسها وعند حدودها .

السؤال ( 2 ) : يرد بعض المؤمنين على الأطروحات والتوجهات والمواقف والممارسات الطائفية بمثلها ، ويقول : البادئ أظلم . ما هو رأي الأستاذ عبد الوهاب حسين في ذلك ؟

الجواب ( 2 ) : وفيه نقاط عديدة ..
النقطة الأولى : أرى بأن الفتنة الطائفية في العالم الإسلامي هي مطلب أمريكي وصهيوني ، لخدمة المصالح الاستعمارية لأمريكا خصوصا والكيان الصهيوني قبل كل شيء ، وأن بعض الدول العربية ، مثل : مصر والأردن ، تبنت ذلك على الصعيد الإقليمي وسارت في الركب الصهيو / أمريكي عن قصد لدوافع سياسية لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد ، وبعض الحكومات ، مثل : الحكومة البحرينية تمارس التمييز الطائفي ( بل تعدته إلى الاضطهاد ) على الصعيد الوطني لدوافع سياسية أيضا لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد ، وقد تقاطعت رؤى بعض الأطراف التكفيرية في ظل الجهل والتعصب الأعمى مع المصالح الاستعمارية والصهيونية وتم تسخيرها لهذا الغرض بامتياز ، وقد انطلت الأكاذيب على بعض البسطاء من الناس .

النقطة الثانية : أن التوجه الإسلامي الصحيح هو في الحقيقة نحو الوحدة الإسلامية ، قول الله تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ( الأنبياء : 92 ) أو قوله تعالى : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ( المؤمنون : 52 ) وقول الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا ، فذلـك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا ( الاخفار : نقض العهد ) الله في ذمته ” ( صحيح البخاري ) وفي الصحيحين : ( البخاري ومسلم ) عن أسامة بن زيد ، قال : بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” قال لا إله إلا الله وقتلته ؟! ” قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح ! قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟! ” قال : فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ( أي لم يكن تقدم إسلامي بل ابتدأت الآن الإسلام ليمحوا عني ما تقدم ) قال : فقال سعد : وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة ، قـال : قـال رجل : ألم يقل الله { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه } ؟ فقال سعد : قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة ، وأنت وأصحابك تريد أن تقاتل حتى تكون فتنة ! ( مختصر مسلم . الألباني . ص9 ) وهذا شيء في غاية التأكيد في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ” وقـال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ” والإسلام ما ظهر من قول وفعل ، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان ” .
( الفصول المهمة . شرف الدين . ص 23 ـ 24 ) .
وهذا يتطلب من المسلمين جميعا رفض الأطروحات والتوجهات والمواقف والممارسات الطائفية وإدانتها ومقاومتها بشدة .
ويجب التنبيه : أن رفض الأطروحات والمواقف والممارسات الطائفية وإدانتها ومقاومتها ، لا ينبغي أن تخلق توجهات طائفية كردة فعل عليها ، فيكون الجميع : أصاحب الفعل ورد الفعل سواء في الفتنة .
يجب أن يكون : فكرنا فكرا وحدويا ، وتوجهاتنا توجهات وحدوية ، ومواقفنا مواقف وحدوية ، وممارساتنا ممارسات وحدوية ، ويجب أن نرفض وندين ونواجه ونقاوم كل الأطروحات والتوجهات والمواقف والممارسات الطائفية ، ولا ينبغي أن تخلق تلك الأطروحات والتوجهات والمواقف والممارسات الطائفية لدينا توجهات طائفية كردة فعل عليها ، فنكون نحن وهم سواء في الفتنة ، ونكون بذلك مستحقين للإدانة مثلهم .

والخلاصة : على كل مؤمن مخلص لدينه وأمته وشعبه أن يكون واعيا ومتيقظا ، ولا ينخدع أو يجر إلى المساهمة في هذه الفتنة الطائفية الشيطانية من خلال الفعل أو رد الفعل ، فيغضب بذلك الرب ، ويرضي الشيطان ، ويضر بمصالح الأمة والشعوب الإسلامية ، ويحقق مصالح وإرادة أمريكا ( الشيطان الدموي الأكبر ) والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة .

السؤال ( 3 ) : نلاحظ تركيز المؤمنين اهتمامهم بالجانب السياسي وتقصير العلماء والمؤسسات الإسلامية في التثقيف الإسلامي ، وهبوط الحالة الروحانية في صفوف المؤمنين في السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة . ما هو تعليق الأستاذ عبد الوهاب حسين على ذلك ؟

الجواب ( 3 ) : وفيه نقاط عديدة ..
النقطة الأولى : يعتبر المشروع الثقافي هو المشروع الإمام الذي يقود المشروع السياسي وغيره من المشاريع في الحياة الإسلامية كلها ، وأن كل مشروع سياسي لا يخضع لمشروع ثقافي فهو مشروع سلطوي سطحي وليست له أية قيمة إنسانية على الإطلاق ، وهذا المعنى يطرحه الفلاسفة والمفكرون الغربيون ، إلا أنه أكثر وضوحا لدى المفكرين الإسلاميين ، فالمشروع السياسي الإسلامي هدفه هو الدفاع عن الدين وتحقيق الأهداف الإنسانية السامية للإسلام الحنيف في الحياة ، ويترتب على ذلك نتائج عديدة .. منها :
النتيجة الأولى : لا يكون السياسي معبرا بحق وحقيقة عن المشروع السياسي الإسلامي حتى يكون مستوعبا للمشروع الإسلامي الثقافي ( بحده الأدنى على الأقل ) وأن تكون تحركاته ومواقفه السياسية على هديه وفي مصلحته .
النتيجة الثانية : كل مشروع سياسي لا يكون نابعا بحق وحقيقة من المشروع الإسلامي الثقافي فهو ليس بمشروع إسلامي ، وهو لا يختلف من حيث الجوهر عن أي مشروع سياسي علماني آخر ، ولا يكفي أن يكون القائمون على المشروع من المصلين أو من علماء الدين ليوصف مشروعهم بأنه مشروع إسلامي ما لم يكن ينبع بحق وحقيقة من المشروع الإسلامي الثقافي ويخضع إليه بصورة فعلية .
النتيجة الثالثة : يجب على المؤسسات الإسلامية السياسية أن تمارس التثقيف لمنتسبيها وتربيهم على الخضوع التام للمشروع الثقافي الإسلامي إذا أرادت لهم أن يكونوا من الكوادر الإسلامية السياسية ، ولا يكفي أن نطلق على المؤسسة أسم إسلامية لتكون كوادرها كوادر إسلامية ما لم يستوعبوا المشروع الإسلامي الثقافي ويخضعوا له في كافة أنشطتهم السياسية في الحياة .

النقطة الثانية : يذهب القرآن الكريم لشيء أبعد مما ورد في النقطة الأولى ، فحينما يقرر القرآن بأن غاية الإنسان من الوجود هي العبادة { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ( الذاريات : 56 ) فإنه يقرر أيضا بأن الإنسان إنما يحي الحياة الإنسانية المعنوية الطيبة بالعبادة ، ويكون بذلك على نور في سيرته وسلوكه ومشاريعه ومواقفه في الحياة ، أما إذا انحرف عن العبادة ، فإنه يموت بذلك من الناحية المعنوية ، ويكون في سيرته وسلوكه ومشاريعه ومواقفه في ظلام دامس .
قول الله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (الأنعام : 122) .
وقول الله تعالى : { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ( البقرة : 257 ) .
ويترتب على ذلك أن كل مشروع أو موقف سياسي لا ينبع من الحالة العبادية الصادقة للإنسان ، فإنه يكون قطعة من الظلام الدامس ، وتكون كل الحجج التي تساق من أجل تبريره هي عبارة عن قطع مظلمة لا نور فيها لمن يبصر حقيقتها وإن كانت مصحوبة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة ، فليست العبرة بأن تسوق آية أو حديث شريف لتكون الفكرة نورانية وصحيحة ، إنما العبرة في حقيقة الفكرة ، وأنها تنبع فعلا من حالة الخضوع التام لله عز وجل والتسليم المطلق لأمره ونهيه ( الحالة العبادية ) وليست من الحالة النفسية في ضعفها وهوانها أو غرورها وطغيانها ، وهذا هو السر في قوة الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) وانتصاره ، وقوة حزب الله المظفر في لبنان وانتصاره ، إنه الانطلاق من الحالة العبادية والتمسك بالتكليف الإلهي أولا وقبل كل شيء ، وليس النظر إلى حالة النفس والانسياق وراء الأمر الواقع والخضوع له ، ثم البحث عن التبريرات الفقيهة والسياسية ( الحجب ) والاستدلال بالآيات والأحاديث الشريفة لإتباع هوى النفس ، كما يفعل الكثير من الناس باسم الدين والإيمان وليس من الدين والإيمان في شيء !!

والنتيجة التي تترتب على ذلك : أن الإنسان المؤمن الذي يمارس العمل السياسي والجهاد في سبيل الله عز وجل ، محتاج إلى تربية الحالة الروحية لديه وتعميقها ليكون على نور ويصح منه عمله السياسي وجهاده ، كما كانت حالة الإمام الخميني العظيم وأنصاره ، وكما هو حال السيد حسن نصر الله وأصحابه ، وليست تشغله السياسة والجهاد عن التربية الروحية والأخلاقية ، فإذا كان الحال كذلك ، فهذا يدعو لوضع علامة استفهام .
في الحديث الشريف : لقي الزهري ـ وفي راية عباد البصري ـ الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) في طريق الحج ، فقال للإمام : تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت إلى الحج ، والله سبحانه يقول : { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ( التوبة : 111 ) فقال له الإمام ( عليه السلام ) : أتم الآية الأخرى { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } ( التوبة : 112 ) ثم قـال : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج .
( مجمع البيان . ج5 . ص114 ) .

السؤال ( 4 ) : نلاحظ عليك إصرارك على ممارسة النقد لإخوانك المؤمنين . فلماذا هذا الإصرار ، ولماذا لا يكون في السر ؟

الجواب ( 4 ) : وفيه نقاط عديدة ..
النقطة الأولى : حينما أمارس النقد فإني اجعله ( مع الخصوم والأصدقاء ) وقفا على الأطروحات والمواقف التي تتعلق بالشأن العام ، ولا أدنو من الذوات ولا من الأحوال الشخصية للأفراد أبدا .

النقطة الثانية : أرى بأن النقد من الناحية النظرية من صميم المنهج الإسلامي العظيم ، على أساس أن الله عز وجل لا يعبد إلا بالحق وإقامة العدل ( العدل هو الوجه العملي للحق ) وما لم نمارس النقد للأفكار والمواقف فلن نتعرف على الحق والعدل ، ولهذا يمارس العلماء النقد العلمي شهارا ظهارا لأفكار بعضهم البعض ، ولا يعترض عليهم أحد من العقلاء ، ولا يرون في نقدهم انتقاصا أو تعديا لبعضهم على بعض ، ولا يطالبهم أحد من العقلاء بممارسة النقد العلمي للأطروحات والمواقف في السر ، وإذا أخذ على بعضهم ، فإنما يؤخذ عليهم تعديهم دائرة النقد العلمي إلى دائرة التسقيط والتحقير والتسخيف والتوهين ، وهو خارج عن أدب النقد العلمي وشروطه .

النقطة الثالثة : أن الاعتراض لا يأتي على ممارسة النقد لأطروحات ومواقف عامة الناس ، فالكل يفعل ذلك ، وإنما يأتي الاعتراض حينما تصل نوبة النقد إلى أطروحات ومواقف الرموز والقيادات ، وهذا ظلم ومن عادات الجاهلية المدانة في المنهج الإسلامي العظيم ، ففي الجاهلية : إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإذا سرق القوى تركوه ، أما في الإسلام : فقد قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” طبعا فاطمة ( عليها السلام ) معصومة ومنزهة عن السرقة ، ولكنه التأكيد على الالتزام بالمبدأ الصحيح في الإسلام الحنيف .
وبخصوص النقد : إما أن يكون النقد ممارسة صحيحة فتطبق على الجميع ، أو أنها ممارسة خاطئة فترفع عن الجميع ، أما ممارسة النقد لأطروحات ومواقف عامة الناس ورفض ممارسته ضد أطروحات ومواقف الرموز والقيادات ، فهذا ظلم ومخالف للمنهج الإسلامي العظيم .

النقطة الرابعة : أن أطروحات ومواقف الرموز والقيادات هي الأخطر والأكثر تأثيرا في هداية الناس وضلالهم ، وفي أوضاع الناس ومصالحهم ، وعليه : فهي الأحق بالنقد وليست أطروحات ومواقف عامة الناس .
وأرى : بأن جعل أطروحات ومواقف الرموز فوق النقد تحتوى على حالة خطيرة من الناحية العقائدية ، فإن الله عز وجل لا يعبد إلا بالحق ، وأن جعل أطروحات ومواقف الرموز والقيادات فوق النقد ، يعني جعلهم حجابا حقيقيا بين العبد وربه ، بل جعلهم في مكانة تضاهي مكانة الجبار : ( جبار السماوات والأرض ) بل فوقها ، فقد تنزل الرب الجليل للحوار مع الملائكة بشأن خلافة آدم { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ( البقرة : 30 ) ومع إبليس بشأن السجود لآدم { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ( الأعراف : 11 ـ 12 ) وعليه : فمن يرفع أطروحات ومواقف الرموز فوق النقد والمناقشة ، فقد رفعهم فوق منزلة الجبار : ( جبار السماوات والأرض ) وينطبق عليه ما قاله الله عز وجل بحق اليهود والنصارى { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) .

النقطة الخامسة : أن ممارسة النقد كما أنها السبيل لتحصيل الحق والعدل ( من الناحية النظرية ) فإنها ( من الناحية العملية ) شـرط لتصحيح أوضاع الشعوب والمجموعات والمؤسسة وتطويرها ، فلا يمكن أن تتصحح أوضاع شعب أو مجموعة أو مؤسسة وتتطور مع تعطيل النقد ، فمع تطيل ممارسة النقد سوف يكون الشعب وتكون المجموعة والمؤسسة أسيرة الانحراف والاستبداد والضعف والتخلف ولن تصلح أوضاعها بأي حال من الأحوال ، ويعتبر تعطيل النقد من شيم الطواغيت والحكومات المستبدة ، وليس من شيم المؤمنين والعلماء والمناضلين الشرفاء والقيادات الإسلامية الصادقة المخلصة التي تسعى وتجاهد وتضحي بالغالي والنفيس من أجل الحق والعدل والمصالح العامة إلى الناس .

النقطة السادسة : أن ممارسة النقد بصورة علنية للشؤون الخاصة مذموم ، ولا تجدون عندي ـ إن شاء الله تعالى ـ شيء من هذا ، وأما النقد للأطروحات والمواقف التي تتعلق بالشأن العام ، فهو حق ، وتكليف تقتضيه معرفة الحق وهداية الناس ، وإقامة العدل ، وتحقيق المصالح العامة ، ويحكم به العقل والدين ، وتتطلبه البصيرة التي يسعى الدين الحنيف لخلقها وترسيخها في الأمة والشعوب الإسلامية { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( يوسف : 108 ) وتعطيله أمر مرفوض لا يقره عقلا ولا دين صحيح .
فالأطروحات والمواقف معلنة ، ويتداولها الناس بينهم ، وتتوقف عليها هداية الناس ومصالحهم !!
فأي عقل وأي دين يطالب بنقد الأطروحات والمواقف المعلنة والمتداولة بين الناس والتي تتوقف عليها هداية الناس ومصالحهم في السر ؟!
وأي فائدة ترتجى من النقد في الهداية العامة وإقامة العدل وتحقيق المصلحة ، حينما يغيب بين الجدران ويحجب عن الناس ؟!
ولماذا الخوف من النقد إذا كان الشخص أو الطرف واثقا من الأطروحات والمواقف التي يؤمن بها ويتبناها ، وينشد من خلالها الحق والعدل والمصالح العامة للناس ؟!
أليس في منع النقد وتعطيله : إعطاء الحق إلى فريق من الناس بتقديم أطروحاته ومواقفه إلى الناس ومنع فريق آخر من ذلك ؟!
وما هو الأساس الذي يقوم عليه هذا التمييز ؟!
أليس في منع النقد وتطيله : ظلم للناس وإجحاف بحقهم في معرفة الحقيقة التي بها يهتدون إلى الله سبحانه وتعالى ، وبها يقام العدل ، ويها تحفظ مصالح الناس العامة وحقوقهم وتصان كرامتهم ؟!
والخلاصة : يعتبر تعطيل النقد أمر مخالف للمنهج الإسلامي العظيم .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” لا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنه من استثقل الحق أن يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعـدل ” ( النهج . الخطبة : 214 )
وقال الخليفة الأول أبو بكر : ” أيها الناس وليت عليكم ولست بخيركم ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم ” .
وقال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب : ” أيها الناس من رأي في اعوجاجا فليقومه ” فقال له إعرابي : ” والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا ” .
وفي حادث آخر قال : ” يا معشر المسلمين ! ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا كذا ـ وميل رأسه ـ فقام له رجل ( قيل : هو علي بن أبي طالب ) فقال : أجل ّ كنا نقول بالسيف كذا ـ وأشار إلى القطع ـ فقال عمر : إياي تعني بقولك ؟ فقال الرجل : نعم ! إياك أعني بقولي ، فقال عمر : رحمك الله ! الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوجت قومني ” ( الرياض النضرة . ج2 . ص50 ) .
وليس معنى هذا الكلام : أن يتم تجاهل المصلحة العامة في بعض الحالات الاستثنائية التي تتطلب المناقشة والنقد في صفوف النخبة خاصة تجنبا للفتنة أو غيرها ، وإنما رفض تحويل ذلك إلى قاعدة عامة ، والسعي لحجب النقد والمناقشات عن عامة الناس ، وتقديس الأشخاص وتقديمهم على الأفكار ، فتقاس الأفكار بالأشخاص بدلا من قياس الأشخاص بالأفكار ( أعرف الحق تعرف أهله ) ووضع الأشخاص فوق الأهداف والقضايا العامة ، فيعبد الأشخاص بدلا من عبادة الله عز وجل ، ويسود الاستبداد والجهل والظلم ، ويضيع الحق والعدل ، وتضيع الحقوق والمصالح العامة والكرامة في ظل ذلك .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى