مجموعة الأسئلة والأجوبة (35)

التاريخ: 24 شوال 1426 هـ

الموافق: 27 نوفمبر – تشرين الثاني 2005م

مسيرة الأربعاء والمسألة الدستورية

السؤال (1):

ما هي قراءة الأستاذ عبدالوهاب حسين لمسيرة الأربعاء التي دعا إليها المجلس العلمائي لدعم موقفه بشأن الأحوال الشخصية، ولخطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم الأخير بشأن المسألة الدستورية؟

الجواب (1):

فيه نقاط عديدة، منها:

النقطة الأولى: المسيرة بمثابة استفتاء شعبي حول موقف الشعب من علاقة الدين بالحياة، وقانون الأحوال الشخصية مجرد جزء من عموم الموقف.

النقطة الثانية: أن حجم المسيرة لا يعبر عن حجم التأييد، وإنما مؤشر عليه فقط، فحجم التأييد أكبر من المسيرة بكثير، فكثير من المؤيدين من الرجال والنساء، لم تسمح لهم ظروفهم بالحضور (قطعاً).

النقطة الثالثة: أعتقد أن حجم المسيرة سوف يكون أكبر بكثير لولا التأثير السلبي للإحباط الجماهيري بسبب سوء أداء التيار في الملفات السياسية، وهذا يقودنا إلى ضرورة عدم الفصل بين الملفات ذات الصفة الدينية البحتة وغيرها من الملفات الساخنة التي تتعلق بهموم الناس وقضاياهم العامة الأخرى، مع التأكيد: أن غاية الدين التي عمل من أجلها الأنبياء والأوصياء وورثتهم العلماء الأمناء جميعاً، هو إقامة نظام اجتماعي عادل، طبقاً للقواعد الشرعية الإسلامية العادلة.

قال الله تعالى: (لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ ۖ وَأَنزَلنَا الحَديدَ فيهِ بَأسٌ شَديدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ)[1].

النقطة الرابعة: كل من يدعي الديمقراطية والتعبير عن إرادة الشعب، فإن عليه أن يستجيب لمطالب المسيرة؛ لأنها تعبر عن الإرادة الشعبية، وإلا فقد مصداقيته، وأصبحت الديمقراطية منه براء.

النقطة الخامسة: تدل المسيرة على الثقل الساسي الضخم للرموز الدينية الكبيرة في البحرين، وأن في وسعهم التحرك على كافة الملفات الساخنة التي تتعلق بهموم المواطنين وكافة قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تحقق فيها النجاح المنشود، فالإسلام العظيم لا يسمح بالإهمال والتقصير في شؤون المسلمين والتفريط في حقوقهم العامة والخاصة، ولا يجوز للقيادات الدينية (بداهة: بحسب المبادئ والتوجهات العامة للدين) التفريط في الحقوق العامة للمسلمين والتساهل بشأنها، وتعتبر المسيرة حجة على الرموز الدينية الكبيرة في البحرين أمام الله عز وجل والجماهير والتاريخ، وهي مطالبة بالتحرك على كافة الملفات الساخنة التي تتعلق بمصالح المواطنين وحقوقهم العامة على كافة المستويات في الداخل والخارج.

النقطة السادسة: أرى ضرورة استمرار تحرك الرموز العلمائية الكبيرة في البحرين في ملف الأحوال الشخصية إلى أن يصلوا إلى نتيجة محددة مع السلطة فيه، وذلك للأسباب التالية:

السبب الأول: أن الفساد في القضاء الشرعي الجعفري مضر بمصالح الناس ودينهم، وأن الدوافع الدينية التي حركت الرموز لعلمائية في ملف الأحوال الشخصية، ينبغي أن تحركهم للاستمرار في التحرك من أجل إصلاح القضاء الشرعي الجعفري، لصلته المباشرة بالمحافظة على دين الناس ومصالحهم العامة والخاصة (لا سيما ذات الصلة المباشرة بالدين) وإلا أصبح التحرك ناقصاً، والإخلال بالمسؤولية واضحاً.

السبب الثاني: إذا تجاهلت السلطة في البحرين الشيعة، وأصدرت قانوناً للأحوال الشخصية بواسطة البرلمان للسنة فقط، فإن من شأن ذلك أن يوقع الضرر البليغ على الشيعة؛ لأنه يعني الإهمال لهم وعدم الاعتراف بهم (كأنهم خارج المكون الوطني) وفي ذلك أضرار معنوية حقوقية وسياسية بليغة عليهم. ومن جهة ثانية فإن الحاجة قد تدفع بعض أبناء الشيعة (على المدى البعيد والمتوسط في ظل الفراغ لديهم) لحل مشاكلهم المتعلقة بالأحوال الشخصية في القضاء السني، ويتجرع البعض الآخر مرارة الفساد في القضاء الشرعي الجعفري، ويبقى البعض الثالث مشاكله معلقة ويتركها للقدر، وفي ذلك ما فيه من الضرر البليغ على أبناء الشيعة في البحرين.

السبب الثالث: في حال سكوت السلطة عن الملف، فإنه سوف يبقى في يدها تحريكه متى شاءت لشغل الرموز العلمائية والتيار والضغط عليهم به، وهذا يعني: أن من مصلحة الرموز العلمائية والتيار، العمل على إنهاء الملف والفصل فيه، وعدم الإبقاء عليه معلقاً بدون حل.

والخلاصة: ينبغي على الرموز العلمائية أن تواصل تحركها وضغطها على السلطة، حتى يتم التوصل إلى حل محدد في الملف، وإلا فإن أبناء الطائفة سوف يتعرضون إلى أضرار بليغة (مادية ومعنوية) على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي.

وأرى أن توقف التحرك من قبل الوصول إلى حل محدد في الملف يعني (في تقديري) مع كل المحبة والاحترام والتقدير للرموز العلمائية:

أولاً: النقص المخل في التحرك.

ثانياً: الإخلال الواضح بالمسؤولية.

النقطة السابعة: أعتقد أن خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى وأمد في ظله المبارك) الأخير بشأن المسألة الدستورية، يمثل التعبير الأدق لتوجهاته الحقيقية في المسألة الدستورية، وليس قبوله بالتسجيل تجت قانون الجمعيات السياسية أو غيره، وقد لاحظت بعد استقالة بعض الأخوة المؤمنين من جمعية الوفاق، حرص سماحته (في خطابه المعلن) على إبقاء الروابط معهم، وذلك من خلال التأسيس لحق الاختلاف بين المؤمنين في الآراء والمواقف، وطرحه السياسي المتوافق معهم في بعض الملفات المهمة جداً مثل المسألة الدستورية، ليقول: بأن المستقيلين بعض مكونات التيار، وأنهم ليسوا خارج نسيجه، وفي ذلك رسالة ذات مغزى واضح لمن يحاول أن يفرز المستقيلين على الغير بحسن أو سوء نية.

النقطة الثامنة: أعتقد أن الطرح الأخير لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى وأمد في ظله المبارك) يمثل أرضية للعمل المشترك بين كافة خطوط التيار، ينبغي البناء عليها والمطلوب: إجادة الأدوار وحسن إدارتها، وخلق التوازن الدقيق بين أطراف الموقف، بحيث يعطى كل طرف وزنه المطلوب في المعادلة بما بخدم الهدف المنشود.

مبررات التصعيد

السؤال (2):

الأستاذ الفاضل عبدالوهاب حسين، تشهد الساحة الوطنية في الوقت الحاضر تصعيداً ملحوظاً لدى المعارضة في الخطاب السياسي على مستوى الرموز والقيادات والكتّاب.

  • ما هي مبررات التصعيد؟
  • لماذا لم ترد السلطة عليه؟
  • ما هو رأيك فيه؟

الجواب (2-أ):

أعتقد أن تراجعات السلطة عن الإصلاحات وسلبها لمكتسبات شعبية أساسية ضمنها (دستور: 73 العقدي) بواسطة (دستور: 2002 المنحة) ثم إصدارها لحزمة من القوانين المقيدة للحريات بسقف أقل بكثير من سقف (دستور: 2002 المنحة) والتصرفات غير المشروعة في أرض الوطن وثرواته، والسعي لتغيير التركيبة السكانية بطريقة غير مشروعة من أجل أغراض تخدم أجندتها السياسية على خلاف الإرادة الشعبية ومصالح المواطنين، في ظل وعي وطموح وطني متصاعدين، وحضور جماهيري فاعل في الساحة الوطنية، وظروف دولية إقليمية غير مساعدة للسلطة، تمثل المبررات الأساسية للتصعيد في الخطاب والتحرك السياسي لبعض فضائل المعارضة. وأعتقد أن الانقلاب على الدستور العقدي وميثاق العمل الوطني كان خطئاً استراتيجياً، أنصح القائمين على السلطة بتداركه قبل فوات الأوان، وأرى أن الإجراءات التي تتبعها السلطة على المسار السياسي (الخارجي والداخلي) والمسار القانوني (قد أشير إليها في حلقة سابقة من حلقات أسئلة وأجوبة) لن تنفعها بشيء، بل تعتبر من دواعي التصعيد في الخطاب، ومن دواعي التصعيد القادم في التحرك، وأرى أن الاختلاف الحاصل في المعارضة، وإن كان ظاهرة إضعاف المعارضة إلا أنه (قطعاً) لا يصب في مصلحة السلطة.

الجواب (2-ب):

لأنها عاجزة حقاً وحقيقة عن الرد القانوني والسياسي والأمني، وليس أمامها من سبيل إلا الاستجابة للمطالب العادلة لأبناء الشعب المستضعف، فقد حزمت الجماهير حقائبها (بوعي وإرادة فولاذية) للسير في طريق استرداد الحقوق والمكتسبات المسلوبة، والظروف الإقليمية والدولية لصالحها، ولن يغير في الأمر شيء، صيرورة بعض قوى المعارضة إلى قوى مسايرة، فإرادة الشعوب الحية فوق إرادة الحكومات وإن طال السرى.

الجواب (2-ج):

لا أرى أية سلبية (سياسية) في تصعيد الخطاب السياسي إذا تمت مراعاة الشروط التالية:

الشرط الأول: أن يكون الخطاب مدروساً من الناحية العلمية والسياسية، بحيث يدخل ضمن استراتيجية عمل محددة وواضحة، وأن يكون متوائماً مع الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وأن لا يخرج التصعيد عن دائرة الحق والعدل.

الشرط الثاني: أن لا يربك التصعيد سلم الأولويات في عمل المعارضة المسؤولة عن التصعيد، وهذا يحتاج إلى دقة في الإدارة السياسية للخطاب والمواقف الميدانية، كما يحتاج إلى عملية تثقيف جماهيري.

الشرط الثالث: أن لا تناقض المواقف والممارسة الميدانية لدى نفس الرموز أو القوى السياسية الخطاب السياسي التصعيدي لها، فيكون التناقض (بين الخطاب والمواقف) سبباً لفقدانها مصداقيتها (الأدبية والسياسية) لدى الجماهير والمراقبين والساسة.

وأرى أن التصعيد في الخطاب السياسي مع مراعاة الشروط المذكورة: من شأنه أن يفتح أفق الجماهير الوالهة الطموحة، ويبث فيها الوعي، ويحرك فيها الإرادة الحرة الواعية، ويمهد الطريق لإصلاحات حقيقية على المدى البعيد والمتوسط في الساحة الوطنية.

السؤال (3):

من التصعيد في الخطاب السياسي للمعارضة، المحاكمة العلمية والسياسية للتاريخ الدامي لآل خليفة أثناء دخولهم إلى البحرين وبعده، بحجة الحق والواجب في إعادة كتابة التاريخ. ما هو رأيك في ذلك؟

الجواب (3):

وفيه نقاط عديدة، منها:

النقطة الأولى: لا يمتلك أحد الحق في تقييد حرية البحث العلمي، واكتشاف حقائق التاريخ الفعلية ونشرها، وإنصاف صانعي التاريخ بالحكم العادل لهم أو عليهم، وإعادة كتابته بتحلية جديدة نقية من شوائب التزوير والكذب والافتراء، فهذا حق إنساني عام. ولا يمتلك أحد الحق في منع ترتيب المسؤوليات الحقوقية والسياسية والاستحقاقات المترتبة على الحقائق التاريخية المكتشفة بعد ثبوتها، في ظل الشريعة الإسلامية المقدسة، والقانون والمواثيق الدولية.

النقطة الثانية: تنقسك كتابة التاريخ إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي:

القسم الأول – الكتابة الوصفية للتاريخ: فيه يبذل المؤرخ وسعه لاكتشاف الحقائق التاريخية الفعلية، وتنقيتها من شوائب التزوير والكذب والافتراء، وتسجيلها بأمانة كما اكتشفها بدون زيادة أو نقصان. ويحتاج الباحث للقيام بهذه المهمة إلى التحلي بأمانة البحث العلمي وسعة الاطلاع.

القسم الثاني – الكتابة العلمية للتاريخ: فيه يبذل المؤرخ وسعه لاكتشاف أسباب الأحداث التاريخية وتفسيرها علمياً، بعيداً عن الأهواء والرغبات، والتوصل إلى القوانين الكلية التي يمكن تعميمها لجميع الموارد المشابهة. ويحتاج الباحث للقيام بهذه المهمة إلى الموضوعية والنزاهة، والقدرة على التحليل والتركيب العلمي للأحداث، في سبيل فهمها علمياً، واكتشاف عللها وأسبابها الحقيقية العامة والخاصة.

القسم الثالث – الكتابة الفكرية أو الفلسفية للتاريخ: فيه يبذل المؤرخ وسعه لاستخلاص الدروس والعبر من التاريخ، واكتشاف القوانين أو السنن العامة الحاكمة لحركة المجتمعات البشرية لاستقرارها وتقدمها أو لاضطرابها وتخلفها، ووضع الأسس والمبادئ العامة التي تحكم عملية التوظيف السياسي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي للتاريخ. ويحتاج الباحث للقيام بهذه المهمة إلى الثقافة الواسعة (الفكرية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية) والإلمام بالمبادئ العامة للحكمة (النظرية والعملية) والقدرة على التحليل والتركيب العلمي.

النقطة الثالثة: رغم أهمية القسمين (الأول والثاني) من كتابة التاريخ، إلا أننا نحتاج أكثر ما نحتاج (ونحن نحاول إعادة كتابة تاريخ البحرين الحديث) لمعرفة كيفية توظيفه بصورة جيدة لخدمة مصالح شعبنا وأمنه واستقراره وتقدمه، بدلاً من نشر العداوة والبغضاء والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وهذا مما يدخل في القسم الثالث من كتابة التاريخ.

النقطة الرابعة: أرغب الإشارة إلى بعض الحقائق المهمة:

الحقيقة الأولى: لقد دخل آل خليفة إلى البحرين وسيطروا على الحكم فيها بحسب قواعد ذلك الزمان (الحق فيه لمن غلب) ورغم فجائع ذلك الزمان، إلا أننا مطالبون بترتيب أوضاعنا في هذا الزمان (بحسب القواعد الإسلامية والإنسانية) بعيداً عن فجائع ذلك الزمان، وهذا ما تفعله كل الشعوب المتحضرة في العالم، التي تبحث عن الاستقرار والتقدم والتعيش بسلام، بدلاً من العداوة والبغضاء والتناحر بين أبناء الشعب الواحد.

الحقيقة الثانية: لقد أصبح آل خليفة وحلفائهم (في الوقت الحاضر) من مكونات هذا الشعب، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وهم مطالبون بالاندماج في هذا الشعب كأحد مكوناته وعدم التمايز عنهم، ويؤخذ عليهم (إلى اليوم) انغلاقهم على أنفسهم في دائرة قبلية مغلقة، وتمييز أنفسهم عن سائر أبناء الشعب، ووضع أنفسهم فوق القانون العام للبلاد.

الحقيقة الثالثة: لا زال آل خليفة يرفعون شعار الفتح، ويكرسونه من خلال التثقيف والممارسة (مسجد الفاتح، شارع الفاتح، مدرسة الفاتح) ومن حقنا كشعب أن نعلم على ضوء الحقائق التاريخية والأوضاع المعاصرة في البحرين (الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدماتية: التعليمية والصحية وغيرها) القيمة الحقيقية (المادية والمعنوية) التي قدمها آل خليفة إلى البحرين (ماذا قدموا من الخير أو الشر المادي أو المعنوي على كافة الأصعدة للبحرين) ثم نصدر حكمنا العادل الإنساني والقانوني والسياسي على دخولهم إلى البحرين!

الحقيقة الرابعة: ليس لآل خليفة الحق (في الوقت الحاضر) في فرض سياسة الأمر الواقع على أبناء شعب البحرين، والاستمرار في ترتيب نتائج الغزو، فمن حق أبناء شعب البحرين أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، ويختاروا نظام الحكم الذي يعبر عنهم ويرونه مناسباً لهم (وأقله) نظام ديمقراطي (الحكم فيه لآل خليفة، والسيدة فيه للشعب).

وعلى ضوء هذه الحقيقة: يتحدد موقفنا الوطني من المسألة الدستورية، ومن القوانين المجحفة التي أصدرتها السلطة التنفيذية أثناء تعطيل البرلمان، ولا تزال تصدرها بواسطة البرلمان الصوري الحالي، ومن كافة تصرفات السلطة المصيرية التي تتعارض مع سيادة الشعب.

الحقيقة الخامسة: ليس لآل خليفة الحق في التصرف في مصير الوطن وأرضه وثرواته على خلاف إرادة الشعب وضد مصالحه، ومن ذلك التجنيس السياسي والملكية غير المشروعة لثرواته وأراضيه، وللشعب الحق الكامل في المراقبة والمحاسبة، وأن يبطل مفعول كل التصرفات والملكيات غير المشروعة، على ضوء أحكام الإسلام العظيم، ومفهوم الدولة الحديثة، والقوانين والمواثيق الدولية.

الحقيقة السادسة: ينبغي إدانة التمييز الطائفي والعرقي بين المواطنين وتجريمه، والسعي للتخلص منه، كأحد بقايا عقلية الغزو ومنهجيته.

الغطاء الشرعي مرة أخرى

السؤال (4):

رغم الحاجة العملية لدورك في الساحة الوطنية، ورغم كثرة الضغوط الشعبية عليك، لا زلت تتمسك بموقفك الشخصي: بالابتعاد عن صناعة القرار، والحركة الميدانية بحجة الغطاء الشرعي.

  • هل كل المؤمنين الذين يتحركون في الساحة الوطنية يفتقدون الغطاء الشرعي أو يجهلون الحاجة إليه في تحركهم؟
  • هل يمكنك أن توضح لنا بدقة أبعاد تمسكك بمسألة الغطاء الشرعي وأسبابه؟

الجواب (4-أ):

لقد كثرت الأسئلة في هذا الموضوع، وسوف استمر في الإجابة عليها ما دمت قادراً على إضافة الجديد فيها، وفي الجواب نقاط عديدة، منها:

النقطة الأولى: المؤمنون الأعزاء ليسوا على درجة واحدة من العلم والمعرفة بمسألة الغطاء الشرعي (شأنهم في ذلك كشأنهم في جميع المسائل الشرعية) وليسوا على موقف واحد منه: اجتهاداً أو تقليداً.

النقطة الثانية: المؤمنون العاملون في الساحة الوطنية خطوط متعددة، وعدم دخولي في العمل، قد يعود إلى الغطاء الشرعي أو المنهج في العمل أو الكفاءة في الأداء، وهذه بعض الملاحظات المهمة في الموضوع:

الملاحظة الأولى: أرى بخصوص الغطاء الشرعي، أن ثمة نقص وخلل في التثقيف الإسلامي في هذه المسألة (الشرعية السياسية) المتميزة كثيراً عن سائر المسائل الشرعية، فالمؤمنون العاملون الأعزاء، يتحركون (واقعاً) في عملهم السياسي بدون معرفة واضحة بهذه المسألة وتفاصيلها، ولا يطالبهم أحد بذلك، ولا يفلت أحد انتباههم إليها، ولو علم المؤمنون الأعزاء ببعض التفاصيل، لتغيرت لدى بعضهم المواقف، وقد أشرت في حلقات سابقة (أسئلة وأجوبة) إلى ثلاثة آراء فقهية في المسألة، ونبهت إلى ضرورة عمل كل مكلف برأي مرجعيته في التقليد فيها.

الملاحظة الثانية: أرى بخصوص المنهج والكفاءة، أنه لا يصح (بالبداهة العقلية) تسليم الولاية لشخص في مورد دون أن تكون له الكفاءة في إدارة ذلك المورد، فالكفاءة شرط عقلي قبل أن تكون شرط شرعي. ولا استبعد (بحسب فهمي) الحاجة إلى الرخصة الشرعية للاستمرار في العمل مع الإخلال بالمنهج وشرط الكفاءة فيه، إذا كان الإخلال مضر بالأهداف العامة للعمل.

الجواب (4-ب):

وفيه نقاط عديدة، منها:

النقطة الأولى: إني أبذل جهدي واستفرغ وسعي (بتوفيق الله تعالى) للالتزام بتكليفي الشرعي في العمل (بحسب ما آتاني الله جل جلاله من العلم والقدرة) وأنظر (بحسب تقليدي وقناعتي الفكرية) إلى العلاقة التي تربطني بمرجع التقليد، بأنها ليست مجرد الحصول على الفتوى الشرعية منه، وإنما هي علاقة ولائية تتعلق بحقه وتكليفه في الإشراف على أوضاع المجتمع وقيادة المؤمنين نحو تطبيق الإسلام العزيز وإقامة المجتمع العادل، وهي العلاقة التي كانت تربط الرسول الأعظم الأكرم (ص) بأصحابه، وتربك الأئمة (ع) بشيعتهم، وتؤكدها الأحاديث الشريفة التي تأمرنا بالرجوع إلى الفقهاء العدول رضي الله عنهم في كافة الحوادث الواقعة في عصر الغيبة الكبرى.

وهذا يقودنا إلى ثلاث نتائج أساسية، وهي:

النتيجة الأولى: أن العلاقة الولائية مع المرجع الأعلى تشمل جميع شؤون الحياة العامة، وتدخل في ذلك جميع حالات المعارضة والمسايرة والموالاة، والمشاركة في الحياة البرلمانية والبلديات.

الجدير بالذكر: أن الأصل في الموقف الإسلامي (بحسب فهمي) هو الرفض والمقاومة للظلم والاستبداد، وفد سبقت الإشارة في حلقات سابقة من حلقات (أسئلة وأجوبة) إلى آراء بعض الفقهاء في مسألة الغطاء الشرعي لممارسة هذا الدور أو التكليف، إلا أني لا استبعد (بحسب فهمي وشعوري) الحاجة إلى الرخصة الشرعية لكي يلتزم المكلف الصمت والسكون أمام الظلم والاستبداد المستشريين في المجتمعات الإسلامية، فهي حالة استثنائية مخالفة للموقف الأصلي بحكم العقل والفطرة والدين.

النتيجة الثانية: أن العلاقة مع المرجع الإسلامي الأعلى، لا تنحصر في حدود مكانية أو سياسية معينة، وإنما تتعداها إلى كافة المكلفين في العالم، كما كان الحال على عهد الرسول الأعظم الأكرم (ص) مع أصحابه الكرام، والأئمة المعصومين (ع) مع شيعتهم العظام، وعليه: ينبغي على المكلف تحمل المسؤولية الشرعية في هذا الزمن الصعب، والقبول بدخول حلبة هذا التحدي الكبير، لإثبات هذه الحقيقة الإيمانية العظيمة.

النتيجة الثالثة: أن القيادة لا تتعدد تعدداً أفقياً، وإنما تمتد امتداداً طولياً فقط، وينبغي في حالات الضرورة والاستثناء (بحسب فهمي وشعوري) الإبقاء على الرابطة الروحية والقلبية مع المرجع الأعلى كقيادة عامة للمسلمين، والالتزام العملي بمنهجه، والسعي إلى تطبيقه قد المستطاع.

النقطة الثانية: أني أعتقد (تقليداً وقناعة فكرية) بأني لن أكون مأجوراً على عملي ومستحقاً للثواب من عند الله تعالى بدون الغطاء الشرعي، وأكون مغرراً بالناس لو أني حركتهم في العمل بدون توفر الغطاء الشرعي.

النقطة الثالثة: أعتقد أن توفر الغطاء الشرعي من شأنه أن يبعث على الاطمئنان النفسي للمكلف، ويقنعه بالتنازل عن رأيه لصالح آليات اتخاذ القرار المتوافق عليها بين العاملين في ظل الغطاء الشرعي لعملهم، ويقضي مع توفر الشروط الأخرى (من أهمها: الإخلاص ونكران الذات والتوافق على المنهج) على دواعي الخلاف والانشقاق بين المؤمنين.

النقطة الرابعة: أعتقد أن توفر الغطاء الشرعي للتحرك، من شأنه أن يربط بين المسؤولين عن صناعة القرار والجماهير المؤيدة لهم في جسم معنوي جهادي واحد، تحركه روح العقيدة والهدف والاطمئنان إلى تأدية التكليف الشرعي، مما يؤدي إلى وحدة الصف وتماسك الكيان وقوة المواقف.


[1] الحديد: 25

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى