مجموعة الأسئلة والأجوبة (42)
التاريخ : 9 / ذو القعدة / 1427هـ .
الموافق : 29 / نوفمبر ـ تشرين الثاني / 2006 م .
السؤال ( 1 ) : نرغب في أن يشرح لنا الأستاذ عبد الوهاب حسين موقفه إزاء مشاركة المجلس العلمائي وجمعية الوفاق في الانتخابات ولماذا أصر على رأي المقاطعة رغم دعوة المجلس العلمائي إلى المشاركة ونصيحة آية الله العظمى السيد السستاني بها .
الجواب ( 1 ) : وفيه نقاط عديدة .. أهمها :
النقطة الأولى : لقد أعلنت عن موقفي قبل أكثر من عام وهو أني على رأي المقاطعة ولكني لن أحشد ضد المشاركة إذا اتخذ العلماء الأجلاء والوفاق قرارا بالمشاركة وهذا ما التزمت به عمليا بشهادة الجميع ، وقد نصحت الأخوة الأعزاء في حركة حق بنفس الموقف وقد أخذوا بالنصيحة مؤخرا كما يشهد بذلك الواقع . وقد جعلت من الأخوة الإيمانية مدخلا لضبط وترشيد الاختلافات السياسية ولم أسمح لها بأن تفسد ديني وأخلاقي وما بيني وبين إخواني المؤمنين من الود والنصيحة وأوصيت من يسمع مني من المؤمنين بذلك رغم كثرة الطعون والجروح والظلم بمصادرة المضمون الذي عملت من أجل بنائه منذ وعيت الحياة . وقد نجحنا بتوفيق الله عز وجل في القفز مع جماهيرنا المؤمنة على نهر وحل المشاركة والمقاطعة الملوث رغم الضبابية والأجواء المريضة التي عمل البعض على أشاعتها بدوافع غرائزية وسع الأعداء لإشاعتها بسوء نية وخبث ولكن الله جل جلاله كتب لنا برأفته السلامة فله الحمد والشكر والمنة .
النقطة الثانية : لقد كان إصراري على رأي المقاطعة رغم دعوة المجلس العلمائي للمشاركة ونصيحة آية العظمى السيد السستاني بها للأسباب التالية :
السبب الأول ـ الفسحة الشرعية : حيث لم تفرض دعوة المجلس العلمائي ونصيحة آية العظمى السيد السستاني ( حفظه الله تعالى ) علي التخلي شرعا عن الرأي والموقف الشخصي بالمقاطعة بحسب فهم أهل الاختصاص .
السبب الثاني ـ الحاجة السياسية إلى وجود كتلة المقاطعة : بحيث لو فرضنا عدم وجود الاختلاف بين رموز وقيادات التيار وأنهم يمثلون فريقا واحدا ، فإني أقدر بأنهم لو جلسوا ليتخذوا قرارا موزونا حول المشاركة والمقاطعة بحسب التعليم القرآني الذي يقول : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } وعلى ضوء ما هم متفقون عليه حاليا من التشخيص حول أصل المسألة الدستورية والتوزيع الظالم للدوائر الانتخابية ومشاركة المجنسين حديثا والعسكريين في الانتخابات والمراكز العامة بالإضافة إلى الملفات الساخنة الأخرى مثل التجنيس السياسي وملف البندر والتمييز الطائفي والفساد الإداري والمالي وسرقة الأموال العامة وأراضي الدولة وما تتصف به السلطة من الشراسة والمراوغة وعدم احترام المواثيق وإيمانهم بقلة جدوى المشاركة وأنها من أجل دفع الضرر ، لكان من غير المعقول أن نرمي بثقلنا كله ونكون جميعا في سلة المشاركة .. وأيضا : في ظل الخوف الجدي الذي أبدته بعض الرموز والقيادات الداعية للمشاركة من فشل المشاركة وأن نتائجها يمكن أن تكون مخيبة لأمال الجماهير ، فإن عدم وجود خط الممانعة والمقاطعة في الخارج من شأنه أن يؤدي إلى يأس الجماهير وفلتانها ، وأن الذي يحميها من ذلك هو وجود خط الممانعة والمقاطعة في الخارج حيث يكون لها بمثابة الحصن الذي تلجأ إليه وتلوذ به بدلا من اليأس والفلتان .
وبهذه المناسبة : فإني أدعو الرموز والقيادات الداعية للمشاركة للوقوف عند هذه القضية والسماح لخط الممانعة والمقاطعة بالوجود والتنفس وممارسة الدور في الساحة الوطنية وفق منهجه الذي يراه . وأوصي الرموز العلمائية الكبيرة المحترمة بالسعي لمداواة الجراح وترميم ما خربته الأخطاء في الفترة الزمنية السابقة ولمد مظلتها وجسور التواصل مع كافة خطوط التيار والمحافظة على تماسكه في ظل التعددية من خلال إتباع سياسة خلق التوازن بينها بدلا من سياسة الترجيح التي تؤدي حتما إلى التفكيك ، والسعي لأن يشمل ذلك كله كافة الخطوط في الطائفة . وأنصح جماهيرنا بأن تمارس النقد بعقلانية وموضوعية للأطروحات والمواقف بعيدا عن الدوافع الغرائزية وبما يحفظ سلامة القلب والدين والأخلاق ويصون كرامة الإنسان ويحفظ المصالح العامة للعباد .
السؤال ( 2 ) : لقد التبست الرؤية على الكثير منا في العلاقة بين القيادة والجماهير وضاعت البوصلة لدينا بين جاذبية من يأمرنا بالتسليم المطلق للقيادة ومن يأمرنا بالنقد والمحاسبة والإتباع الواعي . ماذا نعمل وما هي نصيحة الأستاذ لنا بهذا الخصوص ؟
الجواب ( 2 ) : لقد سبق وأن أعطيت رأيي في هذا الموضوع بالتفصيل في حلقات سابقة من أسئلة وأجوبة وفي ورقة العبور من الواقع إلى الطموح وأجيب هنا باختصار على السؤال مشيرا إلى نقطتين عامتين هما مثار لكثير من الجدل في الموضوع .. وهما :
النقطة الأولى ـ العناصر التي ينبغي النظر إليها في تحديد العلاقة بين القاعدة والقيادة . وهي :
العنصر الأول ـ الخط الفكري : حيث ينبغي على الفرد أن يحدد خطه الفكري في الحياة ويشترط في القيادة التي يتبعها أن تكون ملتزمة به ، وأن يكون التزامه بها متوقف على مدى التزامها بالخط الفكري الذي يؤمن به في الحياة ، ويبتعد عنها بمقدار ما هي مبتعدة عن الخط . وهذا يعني أن الإنسان إنما يلتزم في الحقيقة بالفكرة وليس بشخص القائد ، فإذا ابتعد القائد عن الفكرة أو مال عنها ابتعد الأتباع عنه . وسوف يتضح في النقطة الثانية أن هذا مما تفرضه كرامة الإنسان . وقد ذهب القرآن الكريم إلى اعتبار أن أتباع القائد على حساب الفكرة إنما هو على حد الشرك بالله تعالى .
قال الله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) .
قال صاحب الميزان : ” واتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله هو إصغاؤهم لهم وإطاعتهم من غير قيد وشرط ولا يطاع كذلك إلا الله سبحانه ” .
وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت له : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } فقال : ” أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون ” .
العنصر الثاني ـ المنهج : حيث تختلف القيادات في داخل الخط الواحد في المنهج فتأخذ بعض القيادات مثلا بالموالاة وبعضها بالمسايرة وبعضها بالمعارضة كما حصل بين المشروطة والمستبدة ، وهنا ينبغي أن يتحمل الفرد مسؤوليته في اختيار المنهج الذي يراه صحيحا ، ثم يختار القيادة التي تسير على ذلك المنهج ويلتزم بقياديتها بمقدار ما تلتزم هي بالمنهج الذي يراه صحيحا ويبتعد عنها بمقدار ما تبتعد أو تميل عن ذلك المنهج .
العنصر الثالث ـ الكفاءة : حيث يتخذ الفرد من دائرة الخط والمنهج القيادة التي يرى كفاءتها لخدمة القضايا التي يؤمن بها وقدرتها على تحقيق الأهداف ، ويترك لها الإدارة التفصيلية والإشراف على اتخاذ القرارات وفق آليات محددة ، ويراقب عملها ، فإذا أكدت التجربة كفاءتها وقدرتها على تحقيق الأهداف تمسك بها ، وإذا كشفت التجربة خلاف ذلك سعى إلى عزلها وفق آلية محددة لا تؤدي إلى الفوضى . مع التنبيه إلى أن التمسك بالقيادة التي لا تمتلك الكفاءة يكون بالطبع على حساب القضايا والأهداف التي اتخذت القيادة من أجل خدمتها ، وهذا خلاف الحكمة ، لأن الحكيم لا ينقض غرضه .
النقطة الثانية ـ الإتباع الأعمى والواعي للقيادات : يؤكد القرآن الكريم على ضرورة الإتباع الواعي للقيادات ويحذر من الإتباع الأعمى وهذا ما تثبته السيرة المطهرة للأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) مما يفرض على القيادات أن تقدم الأطروحات والمواقف المقنعة لأتباعها ولا تطالبهم بالإتباع لها بدون دليل أو قناعة إلا في الحالات الاستثنائية النادرة التي تتعلق بأمن القضية أو لبعض الخصوصيات في بعض المواقف مما يقدره الأتباع ويقبلون به عقلا .. ويؤيد هذا الطرح مبدآن في القرآن الكريم وهما :
المبدأ الأول ـ البصيرة : قول الله تعالى { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( يوسف : 108 ) فالبصيرة مطلوبة للأتباع كما هي مطلوبة للقيادات ، والإتباع الأعمى لا يخلق البصيرة ، إنما يخلق البصيرة الإقناع وتقديم الأدلة من القيادات على صحة الأطروحات وصوابية المواقف وما يمارسه الأتباع من النقد والبحث والتمحيص .
المبدأ الثاني ـ القوة في تحمل المسؤولية : قول الله تعالى : { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } ( مريم : 12 ) وقول الله تعالى مخاطبا بني إسرائيل : { خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأعراف : 171 ) وقد ذكر هذا الأمر الإلهي لبني إسرائيل في مواضع كثيرة في القرآن الكريم .
ومن الواضح بحسب العقل ودلالات النصوص : أن القوة في تحمل المسؤولية والاستعداد لتقديم التضحيات الجسيمة في سبيلها لا تتحقق إلا بالإيمان الراسخ والقناعات الواعية المستندة إلى الأدلة والبراهين الصحيحة .
والخلاصة : أن الإتباع بدون دليل وقناعة يضعف البصيرة ويضعف المواقف والنهوض بالمسؤوليات الجسام في الحياة ، وهو خلاف الغرض الإلهي والمنهج القرآني المبين .
كما أن كرامة الإنسان تفرض الإتباع عن قناعة وترفض الإتباع الأعمى للقيادات ، لأن كرامة الإنسان تقوم على ركيزتين أساسيتين .. وهما : العقل وحرية الاختيار ، ومن الواضح جدا أن الإتباع بغير قناعة يأتي على حسابهما وينال منهما كثيرا ، فهو قطعا ضد كرامة الإنسان ومرفوض بحسب العقل والرؤية الإسلامية العظيمة .
السؤال ( 3 ) : لقد حصدت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ما يزيد على ( 40 % ) من مقاعد مجلس النواب في الجولة الأولى للانتخابات .
( أ ) : ما هو تعليق الأستاذ عبد الوهاب حسين على ذلك ؟
( ب ) : ما هي أكبر مخاوف الأستاذ من التجربة البرلمانية القادمة ؟
الجواب ( 3 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : أن مجموع عدد المقاعد التي يمكن أن تحصدها الوفاق في الجولتين : الأولى والثانية لن يتجاوز ( 18 : مقعدا ) بما نسبته ( 45 % ) من مجموع عدد مقاعد البرلمان وهي تمثل حصة الشيعة كاملة في المجلس المنتخب .. أي : أن الشيعة الذين يمثلون ( 60 ـ 70 % ) من عدد السكان نصيبهم ( 45 % ) فقط من عدد المقاعد بينما نصيب الأقلية ( 55 % ) والمشاركة تعني القبول بهذا الأمر الواقع الظالم وترسيخه . كما أن حصر تمثيل الشيعة في جمعية الوفاق يعد مؤشرا سلبيا وليس مؤشرا طيبا .
النقطة الثانية : أن نسبة ( 45 % ) لا تعني تحقيق رقما جديدا ، فقد حققنا هذا الرقم في الانتخابات البلدية في عام : 2002 ( 22 من 50 : عضوا ) وكان في وسعنا حصد عددا أكبر من المقاعد في تلك الدورة الانتخابية ، وهذا يدل على أن دمج الدوائر لم يكن في مصلحة الشيعة مما يضيف ظلما إضافيا إلى الظلم الواقع عليهم . وهذا لا يعني سلبية تقليص عدد الدوائر الانتخابية بقدر ما يعكس الخلل في طريقة تقسيم الدوائر .
النقطة الثالثة : كانت النسبة المعلنة للمشاركة في انتخابات 2002 هي ( 53 % ) ونسبة المشاركة المعلنة في انتخابات 2006 هي ( 72 % ) بزيادة قدرها ( 19 % ) وهي موزعة على الكتل الإضافية التالية : المجنسون ، النمو الطبيعي للسكان ، تعديل العمر الانتخابي من 21 إلى 20 سنة ، المشاركون الجدد . وأنا أميل إلى صحة نسبة المشاركة في انتخابات 2006 وهي ( 72 % ) إذ ليس من مصلحة السلطة تقليل النسبة ، والنسبة تدل على أمرين رئيسيين .. وهما :
الأمر الأول : أن نسبة المشاركة المعلنة في 2002 لم تكن صحيحة قطعا وأنها لا تتجاوز على أحسن الأحوال ( 40 % ) .
الأمر الثاني : أن كتلة المقاطعين لا تزال قوية ، وأن كتلة المشاركين الجدد لا تتجاوز في أحسن الأحوال ( 15 % ) من بين الكتل الإضافية الأربع التي أشير إليها .
الجواب ( 3 ـ ب ) : أني أحمل في داخل نفسي عدة مخاوف من التجربة البرلمانية القادمة من بينها خوفين أساسيين .. وهما :
الخوف الأول : حرق الملفات الحرجة .. مثل : الملف الدستوري ، والتجنيس ، والتمييز الطائفي ، وتقرير البندر ، وسرقة المال العام وأراضي الدولة ، والفساد ، والحريات العامة ، والأحوال الشخصية ، لصالح السلطة وخسارة الشعب . فمن المعلوم أن السلطة تفرض سيطرتها الكاملة على المؤسسة البرلمانية وممسكة بمخارجها تماما ، فلا يخرج منها إلا ما تريده السلطة وترضاه لا غير ، وأن أي ملف من الملفات المذكورة يدخل إلى المؤسسة البرلمانية الصورية عن أي طريق كان ، فلن يخرج منها إلا محروقا لصالح السلطة وخسارة الشعب .. وينبغي التنبيه هنا : أن الملفات المذكورة تختلف كثير عن الملفات الساخنة الأخرى مثل البطالة والأجور والخدمات ، لأنها تمثل أهمية ضخمة ومتميزة لدى أبناء الشعب وذات حساسية شديدة ، ولا يعلم الانعكاسات الخطيرة لحرقها في البرلمان على الساحة الوطنية إلا الله عز وجل والراسخون في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والثقافة والدين .
الخوف الثاني : سيطرة المسحة الطائفية على مداولات أعضاء البرلمان ومواقفهم بحسب الصفة الغالبة عليهم ، مما يؤدي إلى مزيد من التوتير الطائفي في الساحة الوطنية . وهذا يخدم أغراض السلطة في الداخل وبعض حلفائها ويخدم قوى الاستكبار العالمي التي تسعى اليوم إلى خلق التوترات الطائفية في العالم الإسلامي كما هو الحال في أفغانستان ولبنان والعراق .. وبهذه المناسبة : أوصي الواعين والشرفاء من أبناء الشعب بالسعي الجدي لإيجاد خطاب إسلامي وحدوي وتوجه وطني لتجنب الفتنة الطائفية بين المواطنين التي يسعى إليها إخوان الشياطين الذين لا دين لهم ولا ضمير .
السؤال ( 4 ) : اختلفت الأطروحات حول دور المشاركة والقسم في إضفاء الشرعية على دستور 2002 . ما هو رأي الأستاذ عبد الوهاب حسين في ذلك ؟
الجواب ( 4 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : أرجو الرجوع إلى الفقهاء العظام فيما يتعلق بالقسم من الناحية الشرعية . أما من الناحية السياسية : فإن الالتزام بالقسم يكشف عن مصداقية الشخص في تعاطيه مع مختلف الأطراف والقضايا ، ومن لا يلتزم بقسمه فلا مصداقية له . ومن يقول بأنه لن يلتزم بقسمه لأنه غير ملزم له من الناحية الشرعية ، فإنه يقول عن نفسه ـ من الناحية السياسية ـ بأن لا مصداقية له في تعاطيه مع الآخرين ، وهنا ينبغي التنبيه إلى أهمية معرفة الحكم الشرعي في ذلك ، وهو خطأ سياسي ينبغي تصحيحه ، لتأثيره السلبي على الحالة السياسي للشخص أو الحزب .
النقطة الثانية : أن قاعدة ” ما بني على باطل فهو باطل ” قاعدة صحيحة في أصول الفقه الديني والوضعي ، والبحث هنا يدور حول الشرعية الوضعية فقط ، واستنادا إليه : لا تعتبر المشاركة ـ مهما كانت نسبتها عالية ـ أساسا لإضفاء الشرعية على دستور 2002 ، لأن لوضع الدساتير وتعديلها آليتها الخاصة التي تضفي عليها الشرعية ، والمشاركة في الانتخابات ليست منها ، وهذه حجة علمية لمصلحة المقاطعين .. أما المشاركون : فإن مشاركتهم تعني الاعتراف العملي بشرعية دستور 2002 لأن العملية البرلمانية تقوم برمتها عليه .
النقطة الثالثة : رغم ما تمثله المشاركة من اعتراف عملي بدستور 2002 ، فإنها ليست الأخطر على المسألة الدستورية ، وإنما الأخطر عليها هو إجراء التعديلات الدستورية من خلال البرلمان ، لاسيما مع ارتفاع نسبة المشاركة ، لأن أعضاء البرلمان هم ممثلون للشعب ، وقد مرت التعديلات من خلالهم ، مما يضفي عليها الشرعية ، وينهي الإشكالية المطروحة حاليا حول دستور المنحة ، ويقطع الطريق على المعارضين حتى مع مقاطعتهم للانتخابات والبرلمان . ونحن نعلم مدى سيطرة السلطة على المؤسسة البرلمانية ، وأنه لا يمكن أن يخرج عنها إلا ما تريده السلطة وترضاه ، فليس في وسع المشاركين الجدد منع طرح التعديلات الدستورية ، وليس في وسعهم تجاوز السقف الذي تسمح به السلطة في التعديلات ، والسلطة على وعي كامل بهذه اللعبة ، فقد دعى الملك المقاطعين إلى المشاركة وطرح التعديلات الدستورية من أول جلسة للانعقاد ، والذين يدققون في مجريات الحوار مع وزارة العمل يدركون التفات السلطة لهذه اللعبة ووعها لها تماما .
والخلاصة : أن طرح التعديلات الدستورية في البرلمان عن طريق أي طرف كان ، يعني ـ قطعا ـ نهاية مأساوية لهذا الملف الخطير جدا ، تستحق إقامة مأتم شعبي عليها .
السؤال ( 5 ) : لا يزال البعض يحمل التصويت على الميثاق مسؤولية ما يحدث على الساحة الوطنية من تراجعات خطيرة ويرجع البعض الآخر انقلاب السلطة على الميثاق إلى غياب الضمانات . كيف يرد الأستاذ عبد الوهاب حسين على ذلك ؟
الجواب ( 5 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : لا بأس بالمناقشة السياسية لصوابية التصويت على الميثاق أو عدمها بهدف التقييم وتطوير التجربة السياسية الوطنية ، وأن الطعن في صوابية التصويت على الميثاق يكون ذو مصداقية إذا كانت تترتب عليه نتائج إيجابية تخدم القضية الوطنية ، وأن صاحبه يعمل على سقف مطالب فوق السقف الذي يطرحه الميثاق . غير إني أجد الذين يطعنون في صوابية التصويت على الميثاق يطلقون الكلام في الهواء ويعملون تحت سقوف أخفض بكثير من السقف الذي يطرح الميثاق ـ ما عدا الدكتور سعيد الشهابي ـ مما يجعل طعنهم فاقدا للمصداقية ، وأنه للاستهلاك السلبي المرفوض .
النقطة الثانية : لو سألنا الأخوة الأفاضل الذين يقولون بخطأ التصويت على الميثاق : هل أن الأوضاع والتراجعات الخطيرة على الساحة الوطنية هي نتيجة للعمل بما جاء في الميثاق أو نتيجة للانقلاب عليه ؟ فإن الإجابة سوف تكون ـ بحسب ما أعلم من أغلبهم ـ أنها نتيجة للانقلاب على الميثاق وليست نتيجة للعمل به .. ولهذا قلت مرارا : لو وضع على رأسي رشاش ووضعت بين خيارين : إما أن أقول بخطأ التصويت على الميثاق أو ينسف رأسي ، لاخترت نسف رأسي على القول بخطأ التصويت على الميثاق ، لأن القول بخطأ التصويت على الميثاق يعني تبرئة الذين انقلبوا على الميثاق ، وتحميل الشعب الذي صوت بأغلبية ساحقة على الميثاق المسؤولية بغير حق ، وهي شهادة لا أستطيع تحمل مسؤوليتها أمام الله جل جلاله وأمام الناس والتاريخ .
النقطة الثالثة : أن الانقلاب على الميثاق لم يكن بسبب نقص الضمانات ، بدليل الانقلاب على الدستور أيضا وهو أعظم وثيقة قانونية لتنظيم شؤون الدولة .. وأقول أيضا : حتى الضمانات الدولية لا قيمة لها ما لم تكن هناك حركة شعبية قوية للمطالبة بالحقوق . فقد كان الاستفتاء على استقلال البحرين عن إيران بإشراف الأمم المتحدة ، وكان التصويت لصالح الاستقلال على أن يكون نظام الحكم ديمقراطيا ، وعلى هذا الأساس وضع الدستور العقدي ، وجرت الانتخابات ، ثم انقلبت السلطة على الدستور وأطاحت بالحياة البرلمانية ، ولم تتدخل الأمم المتحدة لأن الشعب قبل بالأمر الواقع ولم يتحرك ، فالأساس هو التحرك الشعبي وليس الضمانات .. مع التأكيد هنا : بأن هذا الطرح ليس فيه إلغاء لقيمة الضمانات ، بقدر ما فيه من التأكيد على قيمة التحرك الشعبي ، وأن قيمته مقدمة على قيمة الضمانات .