لقاء الثلاثاء (40) | 22-3-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

الحوار بين هابيل وقابيل أبني آدم

بخصوص الآية الشريفة المباركة التي تتحدث عن الحوار الذي جرى بين هابيل وقابيل أبني آدم o قول الله تعالى: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ` لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(([1]) قال الأستاذ: هذا الحوار يكشف عن توجّه لدى قابيل لقتل أخيه هابيل، والسبب في ذلك إنّ الله U قد تقبَّلَ قربان هابيل ولم يتقبّل قربان قابيل، وقد بيّن هابيل لأخيه إنّ تقبُّلَ القربان يعود إلى التقوى ونقاء السريرة وصدق النية، وهذا يعود إلى نفسه (يعني قابيل) وليس هو (يعني هابيل) المسؤول عنه. وبدلاً من أن يُصحِّح قابيل خطأه، عالج الموضوع بشكلٍ طائش، وهو الإصرار على قتل أخيه هابيل، فقتله، وكانت أوّل جريمة قتل في تاريخ البشرية، وهي تكشف عن الأساس الذي يقوم عليه الظلم والجور والعدوان على وجه الأرض، وهي الغفلة عن الله ذي الجلال والإكرام، وتمكُّن الحسد والأنانية في النفس واتّباع الشهوات في ظلِّ هذه الغفلة المميتة للإنسانية. إلا إنّ هابيل لم يقابل أخيه قابيل بالعداء المماثل، وسعى لكي يمنحه فرصة التراجع عن الخطأ وتصحيح الموقف، والسبب في هذا الموقف الإنساني الراقي هو العقل الرصين الذي يتمتّع به هابيل، ونقاء سريرته وحبُّه للعفو والتسامح وحرصه الشديد على المصلحة العامّة في ظلِّ الخوف من الله U ومحبته.

وقال: منطق الآية الشريفة المباركة لا يمنع من ممارسة حق الدفاع عن النفس، ولم تتحدّث الآية الشريفة عن تفاصيل الموقف، ولكن المسألة الجوهرية التي نستفيدها من الآية الشريفة:

  • إنّ الإنسان المؤمن يجب ألاّ يحمل عقدة الانتقام من أخيه المؤمن حتى مع رغبة الآخر في إيذاءه، قول الله تعالى : )وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(([2]) وقول الله تعالى: )وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([3]) فالرد على الإساءة بالمثل حق، ولكن الصبر على الأذى والعفو أفضل، ويدل على الكمال الروحي والمعنوي للإنسان، بينما نتائج عقدة الانتقام هي الندم والخزي في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة.
  • وفي الوقت الذي تنهى الآيات الشريفة المؤمنين عن ممارسة الظلم أو القبول به، فإنّ هذه الآية الشريفة المباركة تنبِّه بصراحة إلى أن يكون الإنسان مظلومًا خيرًا له من أن يكون ظالمًا، فالظلم ليس بشطارة ولا كياسة، وإنّما هو خزيٌ وندم في الدنيا، وعذابٌ عظيمٌ في الآخرة.

وبخصوص قول الله تعالى : )وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(([4]) قال الأستاذ: المؤمن قد تصيبه الغفلة فيقع فريسة للغضب أو الشهوة فيقع في الخطأ والمعصية ويحدث الخلاف والنزاع بين المؤمنين، وقد تتدخّل عوامل خارجية تؤدِّي إلى إحداث الخلاف والنّزاع بين المؤمنين في ظلِّ الغفلة عن الله U ـ كما حدث بين الأوس والخزرج ـ وتكليف المؤمنين في هذه الحالة هو:

  • التكافل والسعي للإصلاح بما يعود على الجميع بالخير والصلاح، ويحفظ الوحدة والتلاحم بين المؤمنين، لا أن ينحازوا تعصّبًا أو مجاملةً إلى فئةٍ على حساب الأخرى، أو يقفوا موقف المتفرّجين أو المستسلمين للأمر الواقع، فهذا مرفوض لأنّ إبقاء الأمور معلّقة دون حل، قد يدفع إلى المزيد من الانهيار، ويضر بواقع الدين وبمصالح المؤمنين، وتقع مسؤوليته على الجميع، الداخلين في الخلاف أو النزاع وغير الداخلين فيه.
  • وإذا أصرّت جماعة أو فئة على الخطأ والظلم والعدوان وعدم القبول بالصلح، فالمطلوب هو الحياد الإيجابي بالوقوف إلى صفِّ الحق والعدل والصواب، وليس الحياد السلبي غير المسؤول الذي يساوي بين الباغي والمبغى عليه، وبين الظالم والمظلوم، وبين المحسن والمسيء، فإنّ هذا الحياد غير المسؤول هو حياد ظالم ومرفوض في الدين الحنيف، ولا يُعتبر سبيلاً للحل، بل هو سبيل إلى تعزيز الظلم والبَغي والعدوان وتعقيد المواقف.
  • أن تُوضع حلول الصُلح وفض النزاع على أسس واقعيّة وضوابط صحيحة، ترجع الأمور إلى نصابها، وتحفظ التوازن والحقوق لكافّة المؤمنين، وتحمي المصالح العامّة والمصالح المشروعة لجميع الأطراف، وتقتلع جذور الخلاف والنزاع بينهم من أصلها لكيلا تعود إليهم مرة ثانية.

وقال: يجب على الإنسان المؤمن أن يجعل الله ( رقيبًا عليه في أقواله وأفعاله، فإنّ هذه الرقابة من شأنها أن تمنح الإنسان البصيرة والرؤية الصحيحة للأمور، بينما الغفلة عن الله ( تجعل الإنسان أعمى البصيرة وغير قادر على رؤية الواقع بالشكل الصحيح، وعاقبة ذلك الخسران في الدنيا والآخرة، قول الإمام الحسين o في دعاء عرفة: “عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ وَلَا تَزَالُ عَلَيْهَا رَقِيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيبًا”[5].

دعوة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد للتهدئة

وبخصوص دعوة سماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد لإيقاف الاحتجاجات السلمية لمدّة أسبوع، قال: بالرجوع إلى النص نجد بأنّ سماحة الشيخ المقداد (أيّده الله تعالى) ذكر بأنّ الحركة الاحتجاجية تشوبها أخطاء، ولكن لها وجه مشرق، وأرى بأّن الوجه المشرق يعبِّر عن نقاء السريرة والدوافع الدينية والوطنية الطاهرة للمحتجين، ودور الاحتجاج في تحصيل الحقوق وتحقيق المطالب العادلة للشعب ـ وهذا ما ثبت بالتجربة ـ فينبغي الالتفات إلى هذا التقييم بجانبيه وأخذه بعين الاعتبار.

وقال: تيار الوفاء الإسلامي يرى بأنّ حركة الاحتجاج السلمي حركة مطلوبة وضرورية من أجل تحصيل الحقوق وإحداث الإصلاح الوطني المطلوب في البلاد، وبدونها لا يمكن أن تتحصل الحقوق وأن يحدث الإصلاح، في ظلِّ تجاوزات السلطة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، فالمطلوب من كافّة المواطنين الرفض لكافّة أشكال الظلم والتمييز والفساد في جميع الميادين وعلى كافّة المستويات، وممارسة الاحتجاج السلمي من أجل الإصلاح وتحصيل الحقوق المشروعة. إلا إنّ تيّار الوفاء الإسلامي لا يدَّعي لنفسه شرف الوقوف بشكلٍ مباشر وراء هذه الحركة الاحتجاجية، ولا يريد ذلك أيضًا، ولكنّه يدافع بوضوحٍ وبشكلٍ صريح عن حق الاحتجاج، وهو حقٌ أصيلٌ لا تستطيع السلطة ولا غيرها من قوى الموالاة والمعارضة إنكاره، فهو ثابت في الشريعة المقدسة والمواثيق الدولية وفي الدستور. وإذا تعرّض المحتجّون إلى الظلم أو الاعتداء أو تشويه السمعة ونحوه، فإنّ واجب تيار الوفاء الإسلامي هو الدفاع عنهم أيضًا، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا حسد حاسد، ولا بغي ظالم.

وقال: لا يريد تيّار الوفاء أن يكون المسؤول المباشر عن حركة الاحتجاج، لأنّه لا يريد أن يسلب من الجماهير زمام المبادرة، وهذا توجّه موجود لدى التيار، ويعبِّر عن رؤية سبق أن بيّنتُها في ورقة العبور من الواقع إلى الطموح.

وقال: إذا سُلبت المبادرة من الجماهير ووُضِعَت بيد القيادات في مثل وضعنا، فإنّ السلطة يمكن أن تفرض سيطرتها على القيادات وتخنقها بأساليبٍ شتّى، منها السجن والترهيب والترغيب وغيرها، مما يهدِّد مستقبل الحركة المطلبية والإصلاح برمَّتِه. أمّا إذا كانت الجماهير هي التي تملك زمام المبادرة وتمارس دورها في ظلِّ التوجُّهات العامّة: الإسلاميّة والوطنيّة، فإنّ السلطة تعجز ولا يمكنها السيطرة عليها، حتى لو ملأت السجون بالمعتقلين وقتلت ومارست شتّى أشكال العنف والإرهاب ضد المحتجين، وهذا ما ثَبَتَ بالتجربة صحته.

دعوة سماحة الشيخ المقداد تتوافق مع توجّه التيار

وقال: طلب سماحة الشيخ المقداد إيقاف حركة الاحتجاج لمدّة أسبوع، يتوافق مع توجّهات التيار، فالتيار لم يطلب توقيف الاحتجاجات مطلقًا، فقرار تيار الوفاء واضح في هذا الصدد، وهو الوقوف إلى صفِّ حق ممارسة الاحتجاج، والسعي للمساهمة في ترشيدها وتطويرها لتكون أكثر سلميّة وفاعليّة، وألاّ يتدخّل بالدعوة إلى إيقاف الاحتجاجات ما لم يوجد البديل المناسب المقنع عنها، لاسيّما في ظلِّ قمع السلطة للأنشطة السلمية لقوى المعارضة.

وقال: لو إنّ سماحة الشيخ المقداد (أيده الله تعالى) دعا إلى إيقاف الاحتجاجات بشكل نهائي في ظروفنا الراهنة لما سُمع له، لأنّ الجماهير واعية، والدعوة إلى إيقاف الاحتجاجات بشكلٍ نهائي في ظلِّ ممارسة السلطة لقمع الأنشطة السلميّة والاعتداء على الحقوق الطبيعية للمواطنين وفبركة المسرحيات الأمنيّة ضدَّهم هو طرح غير واقعي وغير مقبول جماهيريًا.

وقال: إنّ دعوة سماحة الشيخ المقداد بوقف حركة الاحتجاج لمدّة أسبوع تعود بالفائدة الكبيرة عليها، فقد أثبتت الاستجابة الكبيرة للدعوة، بأنّ الذين يمارسون الاحتجاج إنّما يمارسونه بوعي، فهم أصحاب حق، وهم غير منفلتين، وإنّما يسمعون لصوت العقل، ويستجيبون للنداءات الواقعية، ويطلبون الحوار، وبالتالي فإنّ هذه الاستجابة:

  • دحضت المبرِّرات التي تسوقها السلطة لقمع حركتهم.
  • كما دحضت المبرِّرات التي تسوِّقها بعض الجهات من أجل مواجهتهم بالصدام المباشر مما يهدد السلم الأهلي للمواطنين أو باللجوء إلى شرطة المجتمع ونحوها.

وبخصوص دعوة بعض الأطراف الأهالي لمواجهة المحتجّين، قال: مواجهة الأهالي للمحتجّين لن تنجح في وقف الاحتجاجات، وإنّما ستزيد الأمر تعقيدًا، وهو شرٌّ عظيم، حتى إنّ الله ( لو غضب علينا وأراد الانتقام منا، فلن ينتقم منا بشيء أعظم علينا في الدنيا من أن يجعل بأسنا بيننا شديد، قول الله تعالى: )بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ` َمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(([6]) فالدعوة إلى أن يقوم الأهالي بمواجهة المحتجّين هي رغبة السلطة بعد أن فشلت أساليبها القمعيّة في القضاء على حركة الاحتجاج والمطالبة بالحقوق العادلة والمشروعة للمواطنين، وهي رغبة شيطانيّة بامتياز، وخطرها يفوق بما لا يقاس خطر الأخطاء والتجاوزات التي تشوب الاحتجاجات، وهي دعوة لن يقوم عليها مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ومن لديه غيرة على وطنه وشعبه وهو يعيش الصحوة والوعي. وقد أتاحت الدعوة المباركة التي أطلقها سماحة الشيخ المقداد لنا الفرصة لتجنّب الشر المستطير لهذه البلوى، وأقام الحجّة على الجميع، فكما ذكر سماحته: إنّ هناك طريق أسهل وأسلم من المواجهة وهو طريق الحوار والتفاهم.

وقال الأستاذ: إنِّي لأعجب من أناسٍ يسمحون لأنفسهم بالوقوف في وجه المحتجّين ويهدِّدون السلم الأهلي للمواطنين لأنّ حرق الإطارات يضر بالبيئة وبصحّة المواطنين، وبسبِّب الظلام وتعطيل السير والأضرار الأخرى التي تلحقها الاحتجاجات بمصالح الناس، ولا يسمحون لأنفسهم بالوقوف في وجه السلطة بسبب الانقلاب على الدستور وميثاق العمل الوطني وسرقة الأراضي والثروة الوطنية والتجنيس السياسي الممنهج والتمييز الطائفي بين المواطنين والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ونحوها!!

وتساءل: هل إنّ حرق الإطارات أكثر خطرًا على البيئة وصحة الإنسان من التلوث في المعامير والقرى المجاورة؟! وهل الاحتجاجات أكثر سببًا للظلام من الانقطاع الكثير للتيار الكهربائي لاسيّما في فصل الصيف؟! وهل إنّ الاحتجاجات أكثر تعطيلاً للسير من الازدحام المروري الخانق في جميع الأوقات في جميع شوارع البحرين؟! وهل إنّ الاحتجاجات أكثر ضررًا من الانقلاب على الدستور وميثاق العمل الوطني وسرقة الأراضي والثروة الوطنية وتقييد الحريات والتجنيس السياسي والتمييز الطائفي بين المواطنين والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان وغيرها؟!!

وقال: كلُّ المبرِّرات التي يسوقها البعض لمواجهة المحتجين توجد مبرِّرات من نوعها أقوى منها لمواجهة السلطة، ولكنهم يسمحون لأنفسهم بالسكوت عن السلطة وعدم مواجهتها لأسباب واهية، ويسمحون لأنفسهم بمواجهة المحتجِّين وتهديد السلم الأهلي للمواطنين بأسباب أوهى منها، والسرُّ في أنفسهم وعلمه عند ربِّهم الخبير بعباده.

وقال: إذا كان هناك صوت عاقل يتّسم بالواقعيّة ويقول الحق ويريد الخير لكافّة المواطنين، فإنّ الاحتجاج حقٌ أصيلٌ ثابت، والترشيد لحركة الاحتجاج أمر مطلوب ومقبول من الجميع، فلنعترف بحق الاحتجاج، ونرفض وندين ممارسات السلطة القمعيّة ضد الأنشطة السلمية والاعتداء على الحقوق الطبيعية للمواطنين والفبركات الأمنيّة التي تحيكها ضد المواطنين ونقف في وجهها، ولنأتي جميعًا من أجل الترشيد ومعالجة التجاوزات والأخطاء التي قد تشوب حركة الاحتجاجات.

وقال: أدعو المحتجّين الشرفاء إلى الالتزام المطلق بالأحكام الشرعية المقدسة، وعدم الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة، وتوخِّي الحذر من أجل المحافظة على النفوس والممتلكات، والتحلِّي بالصبر وسعة الصدر، ومراعاة شعور الناس والتسهيل عليهم، وليكن شعارنا مثلاً: “العزة والحياة الكريمة لجميع المواطنين في ظل العدالة والمساواة”.

وقال: إنّ الاستجابة الواسعة لطلب سماحة الشيخ المقداد (أيّده الله تعالى) قد أنشأت مسؤولية دينية ووطنية كبيرة على تيار الوفاء الإسلامي، إلا إنّ عودة الاحتجاجات لا تتوقّف على أمر من سماحته، فالاحتجاجات لم تبدأ بأمر منه لتعود بأمرٍ منه، وطلبه بالتوقّف لمدة أسبوع كان أدبيًّا بهدف تجنّب الفتنة الأهليّة، ومنح الفرصة للترشيد. وقيادة تيار الوفاء الإسلامي تتوجّه الشكرَ الجزيلَ لكلِّ الذين استجابوا طائعين وبإرادتهم الحرّة إلى طلب سماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد (أيده الله تعالى) وتدعو الجميع للاستفادة القصوى من الدروس التي تجلّت من خلال الاستجابة التامّة لهذا الطلب المبارك، وتسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلها بحجم المسؤولية الدينية والوطنية، وأن يوفِّقَها للقيام بخدمة كافّة المواطنين والدفاع عن حقوقهم وحماية مصالحهم المشروعة.

قضية الوزير منصور بن رجب

وبخصوص الاتهامات التي وجهت مؤخَّرًا إلى الوزير منصور بن رجب، قال الأستاذ: ما حدث للوزير منصور بن رجب يحدث لأول مرة مع وزير بحريني، رغم أنّه وزير مقرّب من الملك، وتربطه به علاقة قديمة ممتازة تتجاوز الحدود المهنية إلى البعد الاجتماعي والشخصي، ووصول الأمر لهذه الدرجة مدعاة إلى التوقّف والتأمّل.

وقال: في تقديري إنّ المسألة تتجاوز قضية الفساد وغسيل الأموال إلى قضايا سياسية بعيدة داخلية أو خارجية. فالحكومة لدينا ليست حكومة الرسول الأعظم الأكرم Q ورجالها ليسوا منزّهين عن الفساد، وكلّنا يعلم بأنّ الحكومة تقوم بتعديل وضع بعض من تقوم بتوزيرهم وتسوية أمورهم في المحاكم أيضًا.

وقال: يتمُّ التداول لقضية الوزير كثيرًا على أساس طائفي، والسلطة غير مبرَّءة من الطائفية، وممارساتها الطائفية لا يجهلها أحد، ولكن ينبغي الحذر من انسياق قوى المعارضة والجماهير في التعاطي مع القضايا الوطنية على أساس طائفي، فهو أمر مدمر للوطن ومضر بمصالح المواطنين، والمطلوب هو التعاطي معها بحسٍّ وطني يقوم على أساس العدل والمساواة. ونحن كمواطنين مع مقاومة الفساد والسعي للقضاء عليه وردُّ الحقوق إلى أصحابها الأصليين وهم المواطنون، بشرط أن تكون المقاومة جديّة وتشمل كافّة أشكال الفساد والمفسدين بدون تمييز بينهم، سواء كان المفسد من أبناء الشعب العاديين أي كانت طائفته وانتماؤه، أو كان محسوبًا على السلطة أو على العائلة المالكة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.

وقال: لقضية الوزير بعدان:

  • بعد داخلي يتعلّق بتهمة غسيل الأموال.
  • وبعد خارجي يتعلّق بتهمة ارتباط الوزير بالحرس الثوري في إيران.

وقال: لقد استبعدت قبل قليل أن تقف المسألة عند حدود الفساد وغسيل الأموال، وقلت بأنّ للقضية أبعاد سياسية أخرى، وينبغي التريّث حتى تتضح الصورة أكثر. وأحذِّر من محاولات البعض الربط العجيب بين القضايا على غرار برنامج الرابط العجيب في إحدى محطات الأطفال التلفزيونية، فإنّ الفهم الواقعي للقضايا مقدّمة ضرورية للمواقف الصحيحة فيها، فإذا امتلك الإنسان الفهم الواقعي للقضايا، فإنّه قد يصيب وقد يخطأ في المواقف، ولكنه لا يستطيع أن يتّخذ موقفًا صحيحًا في القضايا على ضوء فهم خاطئ لها.

وقال: أرى بأنّ توجيه الاتّهام للوزير بالارتباط مع الحرس الثوري الإيراني، يعطي للقضية أبعادًا إقليميّة خطيرة، وربما يكون لبعض الأطراف الدوليّة دور في تحريك الملف بهذا الشكل، من أجل الإيحاء لشعوب المنطقة بتورّط إيران في الإضرار بأمن واستقرار دولها، ومن أجل تشويه سمعتها تحت عنوان تورّطها في غسيل الأموال القذرة، بهدف كسر عنفوان التعاطف الشعبي معها في مواجهة أمريكا والكيان الصهيوني، كما عمدت هذه الأطراف لتحريك الحس الطائفي والقومي لدى شعوب المنطقة من أجل نفس الهدف.

وأقول من حيث المبدأ، وبغضّ النظر عما هو الحق فيما يجري على أرض الواقع.

  • إذا كان هدف السلطة ـ كما يذهب البعض ـ هو تصفية حساب داخلي مع الشيعة أو مع قوى المعارضة التي يمثِّل الشيعة عمودها الفقري وخزّان وقودها الأكبر، فإنِّي أعتقد بخطأ الزج بأطراف إقليمية في المشكلة الوطنية، حيث بإمكان السلطة حل خلافاتها مع الشيعة ومع قوى المعارضة ببساطة، وهي ليست في حاجة إلى تعقيد الوضع من خلال الزج بالأطراف الإقليمية وغيرها في المشكلة الوطنية ـ كما فعلت للأسف في مرّات سابقة.
  • وإذا كان لبعض الأطراف الدولية دور في تحريك الملف بهذا الشكل، فإنّه ليس من مصلحتنا الوطنية الاستجابة لرغباتها في معالجة قضايانا الوطنيّة بالشكل الذي يهدِّد مصالحنا واستقرارنا الوطني.

الموقف من الانتخابات القادمة

وبخصوص موقف تيار الوفاء الإسلامي من انتخابات المجلس النيابي القادمة، قال: رؤية تيار الوفاء حول الانتخابات القادمة جاهزة، وهناك قرار لدى قيادة التيار بنشرها في شهر مارس الحالي بعد الانتهاء من بعض التفاصيل الإجرائية. ولكن الإعلان عن الموقف سوف يتأخّر، فالرؤيّة تمثِّل المرجعيّة للموقف ولكنّها تختلف عنه، وقد صاغ التيار الموقف العملي من الانتخابات البرلمانيّة القادمة في بنود محدَّدة وواضحة، ولكنّه لم يتخذ قرار الإعلان عن الموقف حتى الآن.

وقال: قرار الإعلان عن الرؤية واتّخاذ الموقف من الانتخابات قد أَخَذَ بعين الاعتبار التحالف مع حركتي حق وأحرار البحرين، مؤكِّدًا إنّ التحالف لا يلغي التنوّع والتكامل في الأدوار، فلو كانت حركة حق وتيار الوفاء وحركة أحرار البحرين يقومون بدور واحد، لما كان هناك داعي لأن تكون لهم كيانات مختلفة.

الانتخابات العراقية

وبخصوص الجدل الدائر حول النتائج المعلنة للانتخابات العراقية، قال: قائمة إياد علاوي هي أوّل من طعن في نزاهة فرز الأصوات، وادّعت بأنّ المفوضية تتسلّم أوامرها من طهران، وحدثت ردود فعل ضد تصريحاتها. وكان هناك تخوّف إلى درجة القلق الشديد لدى بعض العراقيين قبل الانتخابات من الدور الذي سيلعبه المال السياسي المستورد من الخارج في نتائج الانتخابات.

وبخصوص دعوى التزوير لصالح قائمة أياد علاوي، قال: مجتمعاتنا لم تصل إلى درجة النضج التي تعصمها من التزوير، وحالتها غير محصنة من التدخلات الخارجية التي تقوم بعمليات التزوير لنتائج انتخاباتها، ولا أعتقد بواقعية النتائج التي تقول بتقدم قائمة أياد علاوي، وأجهل التفاصيل، وفي جميع الأحوال ادّعاء التزوير يحتاج إلى دليل.

وقال: سوء إدارة الاختلاف بين القوى الإسلامية الشيعية الكبرى يتحمّل المسؤولية الأكبر عن خسارتها، ومع التسليم بأنّ تدخّل المرجعيّة الصريح من الممكن أن يؤثِّر لصالحها، إلا أنّه ليس من الصحيح وليس من المصلحة الإسلامية والوطنيّة العراقيّة أن تظهر المرجعيّة بمظهر الانحياز لصالح بعض العراقيين على حساب البعض الآخر، وإنّ الخير والمصلحة والواجب يفرض عليها أن تكون مظلّة للجميع وليس لطائفة أو لفصيل دون الآخرين، وإنّ تحسين النتائج يكون من خلال حُسن الإدارة والتصرّف الذي تتحمّل مسؤوليته الأطراف السياسية وحدها.

وقال: إنّ تدخّل بعض الأطراف الإقليمية والدوليّة من خلال المال السياسي وغيره بهدف التأثير على نتائج الانتخابات في منطقتنا ـ كما حدث في لبنان والعراق ويمكن أن يحدث بسهولة أكثر في بلدان أخرى ـ هو أمر مخيف للغاية، لأنه يعطِّل أساليب التداول السلمي للسلطة، ويفتح الباب على مصراعيه للأساليب العنفية، مما يُهدِّد أمن واستقرار المنطقة ومصالح شعوبها لصالح أعدائها.


([1]) المائدة: 27 ـ 28.

([2]) فصلت: 34.

([3]) الشورى: 43.

 ([4])الحجرات: 9.

[5] بحار الأنوار (ط – بيروت) / ج‏64 / ص: 142.

([6]) الحشر: 14 ـ 15.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى