لقاء الثلاثاء (70) | 29-11-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

الدين والإنسان: أيّهما في خدمة الآخر

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع بالإجابة على سؤال:

أيّهما في خدمة الآخر: الدين في خدمة الإنسان أم الإنسان في خدمة الدين؟ وقال: هذا الموضوع محل جدل واختلاف شديد بين المفكّرين الإسلاميين والمفكّرين العلمانيين، وقد كثرت الأحاديث والحوارات والمناقشات فيه في الآونة الأخيرة في صفوف النخبة من الجانبين، وللموضوع تفريعات وتشعّبات كثيرة، منها: أصل نشأة الدين، وحاجة الإنسان إلى الدين، والعلاقة بين الدين والعقل، والعلاقة بين الدين والحرية، وتكوين الإنسان، ودور الدين في تهذيب الإنسان، وصاحب الحق في التشريع، ونظام الحكم الديني، ودور الدين في التنمية، ومسؤولية الدين عن التخلف في المجتمعات المتدينة، ونحوها، ولن أدخل بالطبع في كل هذه التفاصيل، وإنما سأكتفي بذكر بعض المسائل المناسبة للسادة الحضور في هذا المجلس والمفيدة لنا في حياتنا العملية، بأسلوب واضح ـ إن شاء الله تعالى ـ وبعيد عن التعقيد اللفظي وغيره.

وقال: مصدر الدين في منطق المتدينين جميعًا هو الله تبارك وتعالى، وأوّل حقيقة ينطق بها العقل المتديّن والدين الحنيف وتؤسّس للعلاقة بين الله سبحانه وتعالى وبين الإنسان، هي: إنّ الله العزيز الحميد هو غني عن جميع الخلق وعن عبادتهم، وأنهم لا يستطيعون أن يضروه بشيء، قول الله تعالى : )يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(([1]) وقول الله تعالى: )إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(([2]).

فجعل الدين للإنسان وتشريعه لا يعود بالفائدة على الله العزيز الحميد وإنّما على الإنسان نفسه، قول الله تعالى: )قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ` وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(([3]) ففي منطق المتدينين إنّ جميع الناس عائدون إلى الله عز وجل، وهناك طريقان للعودة:

  • طريق السعادة والخلود في الجنة.
  • وطريق الشقاء والخلود في النار.

وقال: للدين ثلاث مقاصد أساسية، وهي:

  • المحافظة على إنسانية الإنسان، لكيلا ينسلخ من إنسانيته ويفقد كرامته، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ(([4]).
  • المحافظة على المصالح الحيوية للإنسان في الحياة.
  • ضمان سعادة الإنسان في دار البقاء وهي الحياة الآخرة.

وقال: هناك ثلاث محاور أساسية يركز عليها الدين الإسلامي الحنيف في تعليم الإنسان وتربيته، وهي:

  • تحصيل المعارف الحقّة التي تتعلّق بفلسفة الكون والإنسان والحياة والتأريخ.
  • وتهذيب نفس الإنسان، وذلك من خلال نظام قيمي متماسك ومتكامل، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
  • ضبط سلوك الإنسان وتوجيهه لعمل الخير والصالحات وذلك وفق القوانين والتشريعات الإلهية.

وقد أشار الله تبارك وتعالى لهذه المحاور الثلاثة في قوله تعالى: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(([5]) وقوله تعالى: )لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(([6]).

وقال: من خلال هذا العرض البسيط، يتضح إنّ الدين إنّما وجد من أجل خدمة الإنسان، والسير به إلى الكمال والسعادة الأبدية في الآخرة، ويدل عليه قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(([7]).

وقال: العقل والنصوص وقواعد الدين الحنيف الأساسية، مثل: قاعدة عدم التكليف فوق الوسع والطاقة، وقاعدة العناوين الأوليّة والثانويّة في الأحكام، ونحوها، كلها تثبت منطقيًا إنّ الدين هو في خدمة الإنسان.

وقال: الحقيقة الكاملة في الموضوع، هي: إنّ هناك خدمة متبادلة بين الدين والإنسان، وحقيقتها مزروعة في الإنسان بالفطرة، ويمارسها في علاقاته مع الكثير من الأدوات التي تتكفّل بخدمته وراحته وسعادته في الحياة الدنيا.

مثال (1): البيت الذي يقوم الإنسان ببنائه وصيانته والمحافظة عليه وتنظيفه وتجميله، وهي خدمة تصاحب الإنسان طوال حياته، والسؤال: من يخدم الآخر: الإنسان يخدم البيت أم البيت يخدم الإنسان؟

والجواب البديهي: إنّ البيت هو في خدمة الإنسان، ولكن الإنسان يخدم البيت من أجل أن يقوم البيت بتحقيق أهدافه في خدمة الإنسان، وبدون خدمة الإنسان للبيت لا يستطيع البيت تحقيق أهدافه في خدمة الإنسان، مثل: توفير الراحة والأمن والاستقرار والحفظ من الحر والبرد ونحوها.

مثال (2): الفلاح الذي يقوم بفلاحة الأرض وزراعتها من الصباح إلى المساء يوميًا وطوال حياته، والسؤال: من يخدم الآخر: المزرعة تخدم الإنسان أم الإنسان يخدم المزرعة؟

والجواب البديهي: إنّ المزرعة هي في خدمة الإنسان، ولكن الإنسان يخدم المزرعة من أجل أن تقوم المزرعة بتوفير المحاصيل الزراعية التي يحتاجها الإنسان في حياته، وبدون خدمة الإنسان للمزرعة لا تستطيع المزرعة تحقيق أهدافها في خدمة الإنسان وتوفير المحاصيل الزراعية التي يحتاجها الإنسان في حياته.

وقال: هذا الكلام ينطبق على السيارة والمال ونحوهما، ولكننا نجد هناك من يرتكب حماقتين في جميع هذا الحالات.

  • من يحول الوسيلة إلى غاية، مثل: البخلاء الذين يكنزون المال وهم في أمسِّ الحاجة إليه.
  • ومن يفرِّط في هذه الأشياء ولا يمنحها ما تحتاجه من العناية، مثل: الذين يهملون صيانة بيوتهم أو سياراتهم ولا يعتنون بسلامتها ونظافتها فتقصر عن القيام بوظيفتها في خدمتهم وقد تهدد حياتهم وتقضي عليها، والذين يُبَذِرون أموالهم وينفقونها في غير وجوهها الحسنة، وهم في أمس الحاجة إليها لتقويم حياتهم وتطويرها.

وقال: هاتين الحماقتين اللتان تمثلان طرفي الإفراط والتفريط تظهران جليًّا أيضًا في تعامل الإنسان مع الدين، وذلك:

(1): بالاعتقاد بأنّه يجب على الإنسان أن يخدم الدين بما هو دين في نفسه، وألاّ علاقة لذلك بمصالح الإنسان، وقد ينصرف صاحب هذا الاعتقاد الباطل إلى أمور يعتقد بأنها في خدمة الدين، بينما يترك أمور جوهرية تتعلق بمصالح الإنسان، فهذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة الطرفين الذين يمسكان بالدين، وهما: الله الغني الحميد، والإنسان الذي يسير في طريق الكمال والسعادة، ويترتّب على هذا الاعتقاد:

  • التصوير خطأً بأنّ الله العزيز الحميد هو في حاجة إلى الخلق، على فرض تصور بأنّ المراد من خدمة الدين هي خدمة الله سبحانه وتعالى.
  • وإثبات عبثية خدمة الدين لأنها خدمة للدين بما هو دين في نفسه وهي خدمة غير معنيّة بغنى الله العزيز الحميد، ولا بمصلحة الإنسان وسعادته. 
  • والميل عن أهداف الدين ومقاصده في الحياة، والإجحاف بحقوق الإنسان وبمصالحه الحيوية في الحياة، وتعطيل مسيرة تكامله.

(2): التخلّي عن الدين وتجاهله وعدم العناية به، وهو يقوم على الاعتقاد بأصالة الحياة الدنيا وعدم الإيمان بالآخرة، قول الله تعالى: )يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(([8]).

وقال: بعض الذين تخلّوا عن الدين وضيّعوه وأعطوا الأصالة للإنسان على حساب الدين، احتجّوا على تقييد الدين لحريات الإنسان، مثل: تقييد الحرية في ممارسة الجنس، وتقييد الحرية في تحصيل الثروة، وتقييد الحرية في التشريع ونظام الحكم، وطالبوا بأن تمنح للإنسان الحرية الكاملة في ممارسة الجنس بالتراضي، وأن يعطى الإنسان الحرية الكاملة في تحصيل الثروة وفق قواعد التنافس، وأن يُعطى الشعب الحرية الكاملة في اختيار نظام الحكم، ويُعطى نواب الشعب الحرية الكاملة في التشريع، بدون وصاية من الدين أو غيره.

وقال: هذه الأطروحات هي أطروحات حسيّة تتجاهل حقيقة تكوين الإنسان والقيم المعنوية وغاية وجود الإنسان ومصيره الوجودي في الآخرة، قول الله تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(([9]) فلا تنظر لغير الحياة الدنيا، ومن الواضح إنّ الإنسان يتميّز على جميع الكائنات بأنّ له طريقين في الحياة.

  • طريق الصعود، حتى يكون أفضل من الملائكة، وهو عينه طريق السعادة.
  • وطريق الهبوط، حتى يكون أضلَّ من البهائم، وهو عينه طريق الشقاء.

وقال: هذه الميزة غير موجودة لدى غير الإنسان، فلا هي موجودة لدى الملائكة، ولا هي موجودة لدى الحيوانات، وهي موجودة بدرجة أقل لدى الجن، فما تتمتع به الملائكة (عليهم السلام) من الكمال هو كمال ثابت غير قابل للزيادة ولا للنقصان، وهو بالطبع يختلف عن زيادة العلم والمعرفة، فزيادة العلم والمعرفة ثابتة للملائكة، وهي من لوازم الدور والوظيفة التي يقوم بها الملائكة، إلا أنها لا تغير في جوهر الملك ولا تزيد في كمال نفسه.

وقال: طريق الصعود لدى الإنسان يحتاج إلى التقيد بالتشريعات القانونية والقيم الإنسانية، وبدون هذا التقيد لا يمكن أن يسير الإنسان في طريق الصعود والتكامل، ويفقد إنسانية، ويهبط إلى درك البهيمية، ويكون كالخنزير في شهوانيته، أو كالأسد والحيوانات المفترسة في غضبه، فالتكامل والارتقاء والسعادة الحقيقية للإنسان بحاجة أكيدة ولازمة إلى القيود التشريعية والقيمية، والحرية المطلقة فيها مفسدة كبيرة للإنسان، وتأخذه بعيدًا إلى البؤس والشقاء، لأنّ فيها:

  • تجاهل لتكوين الإنسان.
  • وتجاهل إلى غاية وجوده.
  • وتعطيل السير التكاملي له.
  • وتعطيل النظام الاجتماعي العادل في حياة الإنسان وتحويل حياته إلى فوضى.
  • ولا تنظر إلى المصير الوجودي للإنسان في الآخرة.

وقال: الإنسان بفطرته يرى بأنّ هناك عالمين: عالم الحس وعالم الغيب، والذين يلغون الدين لا يرون إلا عالم الحس، ولا يرون أهمية للقيم الروحية والأخلاقية، التي مصدرها الإيمان بالله ذي الجلال والإكرام والآخرة، والمعرفة بحقيقة تكوين الإنسان وبغاية وجوده في الحياة، ولأنّهم لا يؤمنون بالله عز وجل ولا بالآخرة، ولا يرون في الإنسان أكثر من حيوان يتمتّع بذكاء أكبر من سائر الحيوانات، فهم يسقطون كافّة القيم المعنوية من قاموس حياة الإنسان، ويجعلون حياته محكومة بغرائزه وشهواته وقواه الطبيعية.

وقال: الدين لم يعطِّل حرية التفكير، بل اعتبر حرية التفكير العلمي هي الطريق إلى معرفة الدين الحق والالتزام المطلق بقيم الدين الحنيف وتشريعاته ومقاصده وغاياته، والدين لا يتحمل مطلقا مسؤولية من يجمد عقله عن التفكير العلمي السليم.

والخلاصة: إنّ الخدمة متبادلة بين الإنسان وبين الدين، فكل منهما يخدم الآخر، وهذا يخضع لطبيعة الحياة الدنيا وحقيقتها ووظيفتها، قول الله تعالى: )وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(([10]) وقد يضحي الإنسان بنفسه من أجل الدين، قول الإمام الحسين (عليه السلام): “إن كان دين جدي لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خديني” إلا أن هذه الخدمة من الإنسان للدين لا تنفصل عن تعلقها بمصلحة الإنسان وسعادته في الدنيا والاخرة، وهي لازم من لوازم الحقيقة الإنسانية، وارتباط كماله بحياته الاجتماعية، وصيرورته إلى عالم الآخرة، وعلى ضوئها نستطيع أن نفهم حقيقة الجهاد في سبيل الله عز وجل الذي هو من الرحمة، وحقيقة القصاص الذي هو من الحياة، قول الله تعالى: )وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ(([11]) وقول الله تعالى: )وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([12]).

مسؤولية بعض المتدينين عن الفهم الخاطئ للدين

وقال: يتحمّل بعض المتدينين المسؤولية عن الفهم الخاطئ للدين لدى بعض الأشخاص والجماعات من غير المتدينين، وذلك من خلال الأطروحات والممارسات السيئة التي تعطي فهمًا خاطئًا للدين ومنفِّرًا منه، حيث يقتصر الكثير من غير المتدينين على ما يسمعونه على ألسن عامّة المتدينين وبعض الجماعات المتطرِّفة والمتمصلحين الذين يقتاتون على الدين، وما يبصرونه من تصرّفاتهم السيئة، ولا يمتلكون نظرة فاحصة إلى عقائد الدين الحقّة، ومفاهيمه وتعاليمه النيّرة، وقيمه السامية، وتشريعاته العادلة والدقيقة، وهذه حقيقة يعلمها المؤمنون الواعون الذين هم على تماس فكري وعملي مع غير المتدينين.

وقال: الخوارج وتنظيم القاعدة ووعّاظ السلاطين والضعفاء الذين يركنون إلى الظالمين ليسوا حجّة على الدين بل هم مدانون وفق منطق الدين وقيمه وتشريعاته.

وقال: الدين طريق يختاره الإنسان ليتكامل في إنسانيته، وينظِّم حياته في جميع جوانبها ومستوياتها، ويرتقي بها ويتطوّر في جميع المجالات العلمية والتقنية، قول الله تعالى: )الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(([13]) وليكون قريبًا من الله ذي الجلال والإكرام، ويدخل إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، وليكون سعيدًا في الدنيا والآخرة، ولا يمكن والحال هذا أن يكون الدين بعقائده الحقّة، وتعاليمه النيّرة، وقيمه السامية، وتشريعاته الواقعيّة العادلة، خارجًا عن دائرة العقل والاختيار، ومجرّد تقليد للآباء والأجداد، وقد استنكر القرآن الكريم على الإنسان تحويل الدين إلى مجرّد تقليد للآباء والأجداد، قول الله تعالى: )وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ` قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ(([14]).

وقال: الدين الذي هو مجرّد تقليد موروث من الآباء والأجداد، ولا يخضع للعقل والاختيار الكامل، هو في الحقيقة وبصورة قطعية لا يتجاوز علاقات الدنيا، ولا علاقة له بالآخرة، ولا بالسير التكاملي للإنسان، قول الله تعالى: )وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ(([15]).

وقال: يجب الانفتاح وفحص الأطروحات والممارسات التي تُقدّم باسم الدين الحنيف، ولا يجوز التعصّب الأعمى، فإنّه طريق الضلال والشقاء وضياع المصالح والحقوق، وهذا يتطلّب من الإنسان التعقّل والاستماع بانفتاح كامل وبموضوعية تامّة إلى الرأي الآخر، قول الله تعالى: )وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(([16]) وقول الله تعالى: )الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(([17]) فهذا في الحقيقة والواقع هو طريق:

  • العقلاء.
  • والوصول إلى الهداية الحقّة.
  • وحفظ مصالح الإنسان وحقوقه في الحياة الدنيا.
  • والفوز بالسعادة الأبدية في الآخرة.

وقال: يجب أن نتمسّك بالمنهج النقدي وفحص الخيارات لتلك الأسباب، وهو المنهج الذي يرتقي بالعقل والروح كما فعل خليل الله إبراهيم (عليه السلام) حيث قام بفحص جميع الخيارات في كل المراحل التي مرّ بها في طريق العروج، قول الله تعالى: )وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ` فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ` فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ` فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ` إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين(([18]).

وقال: لا ضير في أن يجتهد الإنسان فيخطئ، ولكن الضير في أن يجتهد بشكل غير علمي ثم يفرض نتائج اجتهاده على الآخرين، أو يصر على الخطأ، أو يجعل اجتهاده هو الدين واجتهاد غيره خارج الدين، ونحوها.

وقال: هذه من الأخطاء الشائعة التي تحتاج إلى انتباه وتصحيح.

المساهمة في إثراء الفكر الإسلامي ليست حصرًا على الفقهاء

وقال: يذكر بعض المؤمنين في معرض ردِّهم على أطروحات مؤمنين آخرين بأنّ القائلين بها مجرّد مثقفين وليسوا بفقهاء، ويعتبرون ذلك كافيًا لتسخيفها والتقليل من قيمتها، وكأنّ المساهمة في إثراء الفكر الإسلامي هي حصرٌ على الفقهاء، ولا شك إنّ هذا خلاف بديهيات الثقافة الإسلامية التي تدعو جميع المؤمنين إلى حمل الدعوة والتبليغ بها، وفيه تعطيل إلى عقول جميع المسلمين ماعدا الفقهاء، ومن شأن ذلك أن يشل حركة الفكر والتقدّم في الحياة الإسلامية، وللأسف هناك من يروّج لهذا الفهم السخيف بحماس شديد، وهو دليل على التخلّف الثقافي، ودليل على العقد النفسية التي تنطوي وراء التعصّب الأعمى المقيت، والرغبة الجامحة في إقصاء الآخر.

وقال: الحقيقة إنّ الإسلام الحنيف لم يسمح لغير الفقهاء بالإفتاء الشرعي، ولكن الكلام في العقيدة والمسائل الثقافية هو حقٌ للجميع، ولكن لابدّ أن يكون الكلام عن علم ومعرفة.

وقال: هناك بعض الظواهر الغريبة في أوساط بعض المؤمنين ينبغي التنبيه إليها والتحذير منها، منها:

  • تعطيل العقول عن التفكير.
  • وتجرأ غير العالم على نقد العلماء بغير علم ولا معرفة.
  • بخس أصحاب الفضائل فضائلهم، ونكران الجميل، ومقابلة الإحسان بالإساءة، وذلك تحت تأثير الخصومات السياسية والاختلاف في الرأي.
  • تأثير عقدة التكبر والاستصغار للغير في المواقف والعلاقات.
  • إنّ الكلمات التي تصدر من بعض الأشخاص ويفترض أن تحمل المعنيين على التأمل والمراجعة تصبح محل التجاهل والسخرية والاستهزاء بسبب الغشاوة التي يتركها الاستغراق في الذات والتكبر، أو الخصومات والتعصّب الأعمى، أو الاستغراق في المصالح الخاصة أو غيرها.

وقال: هذه بعض المظاهر الغريبة في صفوف بعض المؤمنين، وهي مؤشِّرات خطيرة جًدا، وتدلُّ على التدهور الفكري والروحي والسياسي، ويجب على العلماء والمفكّرين التنبيه إليها والتحذير منها قبل أن تستفحل، لأن نتائجها كارثية على النفس والمجتمع، في الدين والدنيا والآخرة.

وقال: ممارسة النقد جزء من منهج تيار الوفاء الإسلامي، بهدف التصحيح والتطوير، وإنّ العلاقة الصادقة مع الله العزيز الحكم، والنصيحة مع الناس والمجتمع، والوصول إلى الحقائق وإبرازها، وحفظ المصالح الحيوية للمجتمع، تتوقف – بحسب رأينا – على ممارسة النقد العلمي الملتزم، وتمحيص القناعات والخيارات، ولكن ليس ذلك بالمطلق وفي جميع الحالات، فقد تقتضي الحكمة والمصلحة التوقف عن النقد في بعض الحالات، فالغاية من النقد هو الوصول إلى الحقيقة وحفظ المصالح والحقوق، وفي بعض الأجواء والظروف غير الصحية، قد يكون النقد العلمي الملتزم رغم ما هو عليه من الموضوعية والاتزان سببًا لإثارة الغبار وحجب الحقيقة والصواب عن الناس ونقض المصالح، مما يجعل من الحكمة أخذ ذلك بعين الاعتبار، وهذه هي سيرة العقلاء دائمًا، ولكن لا يصحُّ اعتبار ذلك ذريعة لرفض النقد مطلقًا أو جعل الغالب على الحالة العامة هو الامتناع عن النقد.

وقال: ما ذهب إليه البعض من القول بأنّ النقد سوف يؤدِّي إلى توتير العلاقات، ليس في محلّه قطعًا.

وقال: أدعوكم إلى ممارسة النقد العلمي الملتزم إلى أطروحات ومواقف وأداء تيار الوفاء الإسلامي، وقوموا بتمحيصها بشكل جاد، ولا تقبلوا منه مجرد الكلام، فلا تصدِّقوا أقواله حتى تجدوا ما يدعمها من الأفعال، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ` كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ(([19]) فالنقد هو لمصلحة التيار، ولحسن عاقبة القائمين عليه، ولمصلحة أبناء الشعب، ووجود التيار ليس غاية في نفسه، وإنما الغاية هي مصلحة الشعب في أمر الدين والدنيا والآخرة، فلا تبخلوا على التيار بالنقد والنصيحة، ولا تبخلوا عليه بالدعم والمساندة، فهو في حاجة إلى جميع ذلك.

 وقال: لا تقفوا في تقييم الأطراف عند حدود التصريحات السياسية الاستهلاكية، فالكثير من القوى السياسية تقتات على التصريحات وتخالفها في الأفعال، ولكن انظروا بعمق وواقعية إلى السلوك والوقائع والنتائج على الأرض، فهي المحك، وهي الدليل الذي يكشف عن الحقائق.

وقال: لا تقبلوا الأطروحات والمواقف بغير قناعة فعلية، ولا تنتقدوا بغير معرفة، وتواضعوا أمام الحق واقبلوه، ويجب التمييز بين القبول بالمبدأ الصحيح والقبول بسوء التوظيف أو التوظيف الخاطئ له، فرفض التوظيف الخاطئ للمبدأ الصحيح لا يعني رفض المبدأ نفسه، بل إنّ قبول المبدأ الصحيح ورفض سوء التوظيف له، هو في الحقيقة دليل على صدق الإيمان بالمبدأ والاحترام الحقيقي له، وسوء التوظيف للمبادئ الصحيحة هو دليل على الغش وعدم الصدقية، والقبول به دليل على الجهل أو النفاق.

التواضع للمؤمنين والإصرار على التقدم

وقال: التواضع عمومًا وللمؤمنين خصوصًا فضيلة في السياسة وفي غير السياسة، وفي جميع الأحوال لن نساوي بين أخواننا المؤمنين وبين أعدائنا، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(([20]) ولكن ليس معنى ذلك أن نقنع بأن نكون بمنهجنا وخياراتنا في الصف الثاني أو الثالث، وإنما نصر على أن يكون منهجنا وتكون خياراتنا في المقدمة، ليس من أجل ذواتنا، فنحن نسير على طريق ذات الشوكة والتضحية والفداء، وليست لدينا مصالح خاصة، ولكننا نعتقد بأن منهجنا في العمل وخياراتنا هما الأصوب والأقدر على الوصول بالبلاد إلى الإصلاح وتحقيق مطالب الشعب العادلة، وهذا الإصرار هو سلوك إسلامي أصيل، قول الله تعالى: )وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(([21]) فنحن لدينا منهج وخيارات، ولدينا إصرار شديد على أن يكون هذا المنهج وهذه الخيارات في المقدّمة، ولا مجاملة ولا مداهنة في ذلك، وهذا الإصرار يشعر به الجميع.

  • يسميه البعض عنادًا ومكابرة وعدم استماع للكلام.
  • ويسميه البعض الآخر إصرارًا مشروعًا على القناعات.

والخلاصة: نؤكِّد على التواضع لاسيما للمؤمنين والتقدير للجميع، إلا أن ذلك لن يقلّل من الإصرار على جعل المنهج الذي نؤمن به، والخيارات التي نعتقد بأنها الأصوب في مقدمة جميع المناهج والخيارات الأخرى.

وبخصوص مطالبة البعض تيار الوفاء الإسلامي بتقديم المبادرات، قال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي لم يتوقف عن تقديم المبادرات منذ بداية الانطلاق، فقد طرح:

  • فكرة الهيئة القيادية المشتركة.
  • وأطروحة التكامل.
  • وإعادة اصطفاف قوى المعارضة.
  • وغيرها.

ولكن ليس من حق تيار الوفاء أن يجبر أحدًا من الأطراف على الأخذ بأطروحاته، وقد يحتاج تيار الوفاء ليس فقط إلى إثبات وجوده على الأرض، فقد أثبت وجوده، وإنّما إلى إحداث تغيير في ميزان القوى لكي تجد أطروحاته الأذن الصاغية.

نتائج الانتخابات في مصر وتقييم مناهج العمل

وبخصوص نتائج الانتخابات المصرية، قال: التزوير والعنف الذي يصاحب الانتخابات ظاهرة في المجتمعات المتخلِّفة والدول المستبدِّة، وما أثارني في نتائج الانتخابات المصرية الأخيرة أن الإخوان المسلمين وهم أكبر قوى المعارضة في مصر لم يحصلوا حتى على مقعد واحد في الدور الأول، ولديهم 17 شخص سيخوضون الانتخابات في الدور الثاني، بينما كان لهم تقريبا 20% من مقاعد البرلمان السابق، وقد حصلت المعارضة بمجموعها على خمسة مقاعد فقط في الدور الأول، ولم تتجاوز المشاركة ما نسبته 25% بتقدير المعارضة و 35% بتقدير السلطة، وقد تحدّث المراقبون عن عمليات تزوير كبرى، وربط المحلِّلون السياسيون ذلك التزوير بتمهيد السلطة لانتخابات رئاسة الجمهورية، وسعيها لضمان حصول الحزب الوطني الحاكم على المنصب.

وقال: لدينا في العالم العربي أنظمة مستبدّة فاسدة وأوضاع متخلّفة، وتاريخ طويل من الظلم والاستبداد والتخلّف، وفي المقابل نجد قوى المعارضة تنادي دائمًا بالتزام الحكمة والواقعية في التعاطي مع السلطات الحاكمة، وتعني بذلك مسايرتها والقبول بالأمر الواقع وما تلقي به عليها من الفتات إن تكرّمت عليها بشيء منه، ولتكون النتيجة، هي: ترسيخ الاستبداد والفساد والتخلّف باسم الحكمة والواقعية والدين أحيانًا.

وقال: هذه بئس الحكمة والواقعية، والدين منها براء، وهي في الحقيقة حمق وسفاهة.

وقال: الأوضاع المتخلّفة يجب أن تتغيّر، والظلم لابدّ أن ينتهي، ولكي يحصل ذلك لابدّ من إرادة جدية، والخيارات الصحيحة هي وحدها الخيارات التي تفتح أبواب التغيير والإصلاح، وكل خيار من شأنه أن يبقي على الظلم والاستبداد والأوضاع المتخلّفة على ما هي عليه ويُغلق باب التغيير والإصلاح، فهو خيار ساقط وسفيه وأحمق، وهذه مسألة يجب أن نفهمها بوضوح.

وقال: أي حكمة هذه التي ترسِّخ الظلم والاستبداد والتخلّف وتعجز عن التغيير والإصلاح، والأقبح أن نُحمِّل الإسلام العظيم المسؤولية عن ذلك، فلا قيم الإسلام الحنيف، ولا أحكامه لها دخل في ذلك، وهذه التصرّفات ليست من الإسلام، ولا يجوز أن يروّج لها باسمه، فليس من الدين ترسيخ الظلم والاستبداد والتخلّف، فقد عمل الأنبياء (عليهم السلام) جميعًا على تحرير الإنسان، وإقامة العدل، والانطلاق بالإنسان في معارج الكمال، والظلم والاستبداد والتخلّف هي نقائض لدعوات الأنبياء (عليهم السلام) ولأهدافهم في الحياة.

مناهج عمل قوى المعارضة في البحرين

وقال: في ظل قانون أمن الدولة نجحت السلطة في خلق جدار من الرعب جعل المواطن يخشى من الكلام في السياسة حتى مع أخيه، واحتمت السلطة وراء هذا الجدار من الرعب حتى جاءت انتفاضة الكرامة الشعبية في التسعينات التي نجحت في هدم هذا الجدار الرهيب، فانطلقت الحريات وفُرضت كأمر واقع على السلطة لاسيما حرية التعبير عن الرأي.

وحدثت تغييرات في واجهات قوى المعارضة وقياداتها بعد التصويت على الميثاق، وكان من المفروض أن تحافظ قوى المعارضة على المكاسب التي حققتها انتفاضة الكرامة الشعبية وتضيف إليها، إلا أنها ضيّعت المكاسب، وتدهورت الأوضاع تدريجيًا حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من التأزّم، فقد سعت السلطة بعد الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي لاحتواء قوى المعارضة، والتضييق على الحريات لاسيما حريتي: التعبير والتنظيم، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير، ونتج عن هذا الاحتواء هذا التراجع والتدهور في الأوضاع، وقد أسميت هذه الحالة السياسية علميًا في توصيف سابق بالمسايرة، وقد أثارت هذه التسمية حفيظة البعض، وأخذها البعض وسيلة لتأليب، وليس المهم هو التسمية، ولكن المهم هو الواقع بأيِّ اسم كان، والواقع هو أن منهج المعارضة لم ينجح في المحافظة على مكاسب انتفاضة الكرامة، وسمح بتدهور الأوضاع وتراجعها إلى الوراء، وسمح للسلطة بمصادرة الحقوق الطبيعية للمواطنين وتقييد حرياتهم المشروعة، وآخر النتائج هي الهجمة القمعية الشرسة الأخيرة.

وقال: بعيدًا عن العواطف، فإنّ ما يحدث هو خلاف الحكمة والكرامة، ونحن بين خيارين:

  • الاستمرار في المنهج المسؤول عن تدهور الأوضاع وضياع المكتسبات.
  • أو البحث عن المنهج الذي يمكنه فتح باب الإصلاح وتحقيق مطالب الشعب العادلة والتمسك به.

وقال: الإرادة الجدية في التغيير والإصلاح تتطلّب المرونة في اختيار الأساليب الكفيلة بتحقيق الأهداف وعدم الجمود على أساليب معينة، فإن الجمود يدل على القصور ويؤدي حتما إلى الفشل في تحقيق الأهداف، فعلينا أن نفكِّر بجديّة في ابتكار الأساليب الكفيلة بتحقيق أهدافنا، وعدم الجمود على أساليب بعينها، وهذا قد يتطلّب منا اللجوء إلى العمل بمنهج وأساليب جديدة تختلف تمامًا عما نعمل به الآن.

وقال: يجب أن نميز بين الأطروحات من حيث هي صحيحة أو خاطئة، وبين الأطراف التي تدعو إليها.

  • فقد تكون الأطروحات ـ بحسب الافتراض العلمي ـ صحيحة ولكن الطرف الذي يدعو إليها عاجزٌ عن تحقيقها.
  • وقد تكون أطروحات الطرف الذي يملك الإمكانيات ـ بحسب الافتراض العلمي ـ خاطئة وعاجزة عن تحقيق الأهداف المطلوبة. 

وهنا يأتي دور المواطنين من خلال النقد والدعم والمساندة في التصحيح وتعديل الميزان.

وقفة مع وثائق ويكيليكس

وبخصوص وثائق ويكيليكس، قال: هناك ثلاثة آراء أساسية حول هذه الوثائق.

  • التشكيك في صحة الوثائق.
  • إنّ الوثائق أو معظمها صحيح، وأن هناك اختراق وسيطرة بأساليب غير مشروعة عليها.
  • إنّ الوثائق أو معظمها صحيح، وأن عملية التسريب مقصودة ومحسوبة بدقة، وتأتي ضمن لعبة مخابراتية خبيثة لتحقيق أهداف معينة تخدم الأجندة الأمريكية والصهيونية، منها: الإيقاع بين إيران ودول المنطقة، وتقليل فرص فوز الحزب الحاكم في تركيا في الانتخابات القريبة القادمة، ونحوها.

وقال: الطعن في صحة معظم الوثائق غير راجح لدي في هذه الوهلة، ومن الصعب بالنسبة لي في الوقت الحاضر ترجيح أحد الرأيين: (الاختراق أو اللعبة المخابراتية) فقد تداخل مثل هاذين العاملين في فهم الكثير من الحوادث والحالات المهمة، مثل: أحداث 11 سبتمبر، حيث تشير بعض التقارير إلى وجود دور للمخابرات الأمريكية فيها، وكذلك تأسيس تنظيم القاعدة، ولست خبيرًا في هذا الموضوع، ومن الواضح إنّ الفضاء الإلكتروني الواسع جدًا يعطي فرصة كبيرة للاختراق ويسمح به، فالاختراق وارد ومقبول منطقيًا.

وقال: إذا كانت أمريكا بما تملك من إمكانيات علمية وتقنية معرّضة للاختراق، فما بال الدول الفقيرة والأحزاب الصغيرة، فإنها أكثر عرضة لذلك.

وقال: لا خوف على الأقوياء، مثل: أمريكا وإيران، فالمتضررون من هذه التسريبات ومثلها هم الأذيال والضعفاء من الدول والمنظمات.

وقال: على المستوى الإقليمي في المنطقة يوجد محوران رئيسيان، وهما:

·        المحور الصهيو/ أمريكي، وله حلفاء من الدول العربية.

·        والمحور السوري/ الإيراني وله حلفاء من حركات المقاومة، مثل: حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وتدور في فلكه حركات الممانعة في العالم العربي.

وقال: الصراع بين هذين المحورين محتدم، ومصير المنطقة سيتحدّد من خلال نتائج هذا الصراع، وسيكون حتمًا لصالح محور المقاومة وشعوب المنطقة، وأقولها بوضوح تام أننا ضد المحور الصهيو/ أمريكي ومع محور المقاومة الباسل، فهذا ما تفرضه علينا قيمنا وحسنا القومي والوطني.

وقال: القول بأنّ حكومة البحرين تتحدّث لأمريكا وتقول لها بأنّ المعارضة في البحرين هي ضد أمريكا ومع إيران مما يجعل أمريكا تقف إلى صف الحكومة ضد المعارضة وتسمح لها بقمعها وتصفيتها لا يهمُّنا ولا يغيّر شيئًا في مواقفنا.

  • فخيارنا محلّيًا هو السعي بإرادة جدية من أجل الإصلاح وتحقيق مطالب الشعب.
  • وخيارنا إقليميًا أن نكون إلى صف محور المقاومة.

ونحن في كلا الخيارين لا نملك سوى عقولنا وقلوبنا وألسنتنا، ونحن مستعدّون للتضحية في سبيل خياراتنا الشريفة، ونعلم بأنّ هناك من يعتبر هذا الكلام من التهوّر والجهل بالسياسة، ونحن لا نجهل أساليب النفاق والمراوغة، ولككنا لا نريدها.

مسائل متفرقة

وقال: البعض يعترض على العمل المؤسسي بحجة الحق في حرية الاجتهاد، حيث أنه يعتبر العمل المؤسسي وسيلة لتقييد حرية الاجتهاد، وأن حق الاجتهاد لا ينبغي أن يصادر أو يقيد بوسائل خارجة عنه.

وقال: حق الاجتهاد يجب أن يُكفل ولا تجوز مصادرته بأيِّ حالٍ من الأحوال، ولدينا والحمد لله رب العالمين الكثير من المراجع والمجتهدين، ولكل مرجع ومجتهد حق الاجتهاد، وهو يمارسه بحرية تامّة، إلا أن ضمان حق حرية الاجتهاد لا يلزم عنه إلغاء العمل المؤسسي، فقد أصبح العمل المؤسسي سمة العصر، وتنظيم العمل وتطويره بحيث يلبي استحقاقات العصر أصبح بدون العمل المؤسس أمرًا غير ممكن، فبالإمكان منح كل مرجع وكل مجتهد حق الاجتهاد، وفي ذات الوقت نقيم العمل المؤسس، فلا تعارض بين ضمان حرية الاجتهاد وبين العمل المؤسسي، فالجمع بينهما ممكن، وهو مطلوب في الوقت الحاضر في سبيل التطوير وتحصيل أفضل النتائج.

وبخصوص قضية التضامن والمعتقلين، قال: التضامن مع المظلومين أسلوب إنساني حضاري راقي يمارسه الإنسان بفطرته، وقد أقرّه الدين الإسلامي الحنيف، وعدّه من صفات المؤمنين، وهو لا يقف عند حدود جغرافية أو سياسية، فهو عابر للسياسات والحدود والقارات، ولا يحجبه إلا التدهور الفكري والروحي والأخلاقي لدى الإنسان.

وقال: لست أنسى المعتقلين الأبرياء لا بالليل ولا بالنهار، وأحمل في عقلي وضميري مسؤولية المطالبة بالإفراج عنهم وإنصافهم، إلا أني مشغول بالتفكير في استمرار العمل والسعي في الإصلاح وتحقيق مطالب الشعب العادلة أكثر من تفكيري فيما يجري عليهم ـ وهو في قلبي ـ وما يمكن أن يصدر بحقهم من أحكام، وأعلم بأنّ السلطة لا تستطيع أن تتحمّل أزمة أمنيّة شديدة إلى زمن طويل، فأيٍّ كانت الأحكام، فسوف تُفرج عنهم بإذن الله العزيز الحكيم وفضله، وسوف أبيّن هذا بالتفصيل في مناسبة قادمة.

وبخصوص ما جاء في خطبة سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد حول اليأس، قال: ما ذكره سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد (أيده الله تعالى) من الشعور باليأس ـ بحسب فهمي ـ ليس اليأس من تحصيل المطالب في الصراع مع السلطة، وإنما هو اليأس بسبب صدود بعض المؤمنين عن الدعوات والمبادرات الخيرة التي تدعو إلى توحيد الصف، وتكرار بعض الردود المشروخة، مثل: أنتم منشقون، والحل هو العودة إلى الحظيرة، ونحوها.

وبخصوص الوسوسة، قال: العبادة أنس وطريق إلى الله ذي الجلال والإكرام، فتعاملوا مع أحكام العبادات ومع سائر الأحكام الشرعية بلطف ويسر، ولا تحوِّلوا العبادة بسبب الوسوسة إلى عذاب وطريق إلى الشيطان.


([1]) فاطر: 15.

([2]) التوبة: 39.

([3]) البقرة: 38 ـ 39.

([4]) الأعراف: 179.

 ([5])الجمعة: 2.

([6]) آل عمران: 164.

([7]) الأنفال: 24.

 ([8])الروم: 7.

([9]) المؤمنون: 115.

([10]) المائدة: 48.

([11]) آل عمران: 157.

([12]) البقرة: 179.

([13]) الأعراف: 157.

([14]) الزخرف: 23 ـ 24.

([15]) العنكبوت: 25.

([16]) الملك: 10.

([17]) الزمر: 18.

([18]) الأنعام: 75 – 80.

([19]) الصف: 2 ـ 3.

([20]) المائدة: 54.

([21]) الفرقان: 74.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى