لقاء الثلاثاء (74) | 10-1-2011

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

وفد البحرين في قافلة آسيا لفك الحصار عن غزة

في بداية الجلسة طلب الأستاذ عبد الوهاب من الأستاذ محمد كاظم الشهابي الذي رأس الوفد البحريني في قافلة آسيا (1) لكسر الحصار عن غزة ـ وكان ضمن قيادة القافلة ـ الحديث عن مشاركة الوفد البحريني.

فقال: تلقّى الأستاذ عبد الوهاب حسين دعوة للمشاركة في قافلة آسيا (1) لفك الحصار عن غزة، وكُلِّف الأستاذ عبد الوهاب بتشكيل وفد من الدول العربية وليس البحرين فحسب، إلا أنّ الوقت الضيق لم يسمح بذلك، واقتصرت المشاركة على مجموعة بحرينية ضمت: الكاتب والناشط السياسي محمد كاظم الشهابي وحميد منصور البصري ـ عضو المجلس البلدي السابق وعبد الجبار الدراز حيث التحقوا بالقافلة عند وصولها للعاصمة الإيرانية طهران وانضم إلى القافلة لدى وصولها دمشق الشيخ علي جاسم الدرازي.

وأضاف الشهابي: انطلقت القافلة من الهند بتاريخ: 2/ ديسمبر/ 2010م، وعند الحدود الهندية الباكستانية واجهت القافلة عراقيل من الجانبين الباكستاني والهندي، وقد ضمّت القافلة مختلف الأطياف الدينية، الإسلامية والمسيحية واليهودية، مؤمنين وغير مؤمنين، ولم يكن يجمعهم سوى الرغبة الصادقة في إبراز ظلامة غزة.

وقال: طافت القافلة بعدد من المدن الهندية قبل أن تنتقل إلى باكستان، وقد واجهت القافلة صعوبات وعراقيل عند الحدود الباكستانية، ومنع الكثير من المشاركين الهنود من العبور الى أبعد من كراتشي، وبتاريخ: 9/ ديسمبر دخلت القافلة إلى الحدود الإيرانية برًّا من محافظة زاهدان واضطر بعض المشاركين ممن لم توافق باكستان على منحهم تأشيرات مرور، للسفر جوًّا وعلى مدى (10: أيام) قمنا بجولة في المحافظات الإيرانية، لجمع التبرعات لمسنا خلالها حفاوة بالغة على المستويين الرسمي والشعبي، وليس خفيًّا الدور الرئيسي للإيرانيين في تشكيل الحملة وتوفير مواد الدعم التي نقلها الوفد إلى غزة، إلا أنّ العديد من التبرّعات الإيرانية تم إيقافها في مصر ومن بينها مولِّدات كهرباء تعمل على الطاقة الشمسية وكانت مخصّصة للمستشفيات.

وقال: ثمّ انتقلت القافلة من إيران إلى تركيا، حيث كنّا في ضيافة منظمة الحق والحرية (IHH) التي تعد من منظمات المجتمع المدني القوية جدًا في تركيا، والتي أخذتنا في جولة إلى عدد من المدن التركية لمدة (4: أيام) ثمّ انتقلت القافلة إلى سوريا، مرورًا بمحافظات حلب وإدلب وحمص إلى دمشق حيث مكثنا (4: أيام) عقدنا خلالها اجتماعات مكثّفة مع قيادات حماس، مثل: خالد مشعل، وقيادات الجهاد الإسلامي، مثل:  د. رمضان عبد الله شلح، وأحمد جبريل من الجبهة الشعبية -القيادة العامة، وباقي قيادات المقاومة الموجودين في سوريا، كما قابلت قيادة القافلة القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في سوريا وقد شاركت ضمن قيادة القافلة في زيارة سريعة إلى بيروت، وعدنا في اليوم التالي إلى دمشق، ثمّ اللاذقية لمدة (6: أيام).                                                                                               

وقال: خلال بقائنا في سوريا كانت هناك مفاوضات مضنية مع الجانب المصري من أجل تمرير المساعدات التي تقدّر بمليوني دولار، غير أنّ المصريين استبعدوا كافّة المساعدات المصنوعة في إيران، ومنعوا جميع المشاركين الإيرانيين وبعض الأردنيين إضافة إلى بعض الجنسيات الأخرى.

وقال: تعامل النظام المصري مع القافلة بشكل متشدّد، وقد أصرَّ المصريون على تمرير المساعدات الغذائية عن طريق معبر كفر سالم الإسرائيلي، في حين أصرّينا على مرورها من معبر رفح، وأعلنا إضرابًا عن الطعام خلال وجودنا بمطار العريش، فرضخت السلطة المصرية، وسمحت لنا بالمرور من معبر رفح، ثمّ سمحت لاحًقا لبعض المساعدات الطبية، ولـ (4: سيارات) بالمرور من معبر رفح.

وقال: لقي الوفد البحريني ترحابًا مميّزًا في غزّة من قبل كافة الفصائل، وخاصة من الأخوة في حركة الجهاد الاسلامي، وكان هناك تأكيدٌ من قيادات حركات المقاومة الفلسطينية على وحدة المصير في المنطقة، وكثر السؤال عن دور الأستاذ عبد الوهاب والأستاذ حسن مشيمع وباقي القيادات التي وصفوها بأنّها لم تتلوث بالانخراط في عمل سياسي رسمي، لأنّها أدركت طبيعة المعركة والفخاخ الموضوعة فيها فاستطاعت أن تفلت منها، وشدّوا على أياديكم وقالوا إنّكم لستم وحدكم.

وقال: استغرقت الرحلة (29: يومًا) واقتصرت على قطاع غزة، وقد حاولت السلطة الفلسطينية استضافة القافلة في دمشق، إلا أنّه لم يتسنَ لقيادة القافلة تلبية الكثير من الدعوات التي تلقّتها.

عاقبة الذين يقصرون في أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ثمّ تحدّث الأستاذ عبد الوهاب حسين، وبدأ حديثه الفكري حول مضامين بعض الآيات الشريفة التي تلاها أحد الحضور في افتتاح المجلس، قول الله تعالى: )وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ` فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ(([1]).

وقال: من المهم جدًا الالتفات إلى مضامين هذه الآيات القرآنية الشريفة لأنّها تشير إلى مسائل في غاية الأهمية والخطورة، وتحمل لنا دروسًا بليغة في حياتنا الدينية والسياسية والمجتمعية.

وقال: الآيات تذكر ثلاث فئات من الناس:

  • الفئة التي تكلّم القرآن على لسانها.
  • الفئة التي وجّهت إليها الفئة الأولى الخطاب: )لِمَ تَعِظُونَ(.
  • الفئة موضوع الخطاب: )قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا(.

فهناك فئة من المؤمنين وجّهت خطابًا إلى فئة أخرى من المؤمنين بشأن فئة ثالثة من الضالين المنحرفين، حيث كانت الفئة الثانية تمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والإرشاد للفئة الثالثة من المنحرفين الضالين، وكانت الفئة الأولى تعاتبها على ذلك، وتقول: )لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا(؟

فأجابت الفئة المؤمنة التي تمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والإرشاد، بالقول: )مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ( أي: نقوم بذلك لدافعين عظيمين.

  • المعذرة إلى الله عز وجل بأداء التكليف الشرعي الذي كلّفنا به، فقد كلّفنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونريد أن نكون معذورين عنده بأدائنا لهذا التكليف، وهو ربنا وربكم، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو واجب علينا فهو واجب عليكم أيضًا، فعليكم أن تؤدّوا هذا التكليف الإلهي لتكونوا معذورين أيضًا عند الله عزّ وجل في يوم القيامة، قول الله تعالى: )مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ(.
  • أننا نأمل أن يسمع هؤلاء الضالون كلامنا ويستفيدوا منه فيهتدوا ويعودوا إلى الله تائبين ويكونوا من الأتقياء الصالحين، وهو ما نحب أن يصيروا إليه، قول الله تعالى: )وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(. 

وقال: نستفيد من هذه الآيات الشريفة المباركة أنّ على الإنسان المؤمن أن يؤدّي تكليفه الشرعي في الدعوة إلى الله العزيز الحميد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله عز وجل، وليس هو محاسب عن النتائج، فهي بيد الله وحده لا شريك له لا بيد غيره.

وقال: الشيء الأكثر أهمية وخطورة، قول الله تعالى: )فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ( فالآية تطرح شيئًا مخيفًا ومهمًا للغاية، وهو عاقبة ومصير الفئات الثلاث، حيث قامت الفئة المؤمنة العاملة في سبيل الله عز وجل بتذكير:

  • الفئة المؤمنة المتقاعسة بوجوب قيامها بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • والفئة الضالة المنحرفة بوجوب العودة إلى الله سبحانه وتعالى والاقلاع عن المعاصي والذنوب.

ولما لم تسمع الفئتان النصح نزل العذاب وشمل الفئتين: (المؤمنين المتقاعسين، والضالين المنحرفين) ونجت من العذاب فئة المؤمنين العاملين فقط، وقيل: إنّ الله سكت عن ذكر فئة المتقاعسين لأنهم لا يستحقوا الذكر.

التقوى الفقهية والتقوى الروحية

وقال: تحدّثت في الأسبوع الماضي عن الفرق بين التقوى الفقهية (تقوى الجوارح) والتقوى الروحية (التقوى الحقيقية) فالتقوى الفقهية هي التي يحرص استنادًا إليها الإنسان التقي على أداء الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، ولكن حينما يكون هناك تحوّل في الأوضاع ومحنة فإنّه يضطرب ويقلق، وهذا بخلاف التقوى الروحية.

أما التقوى الروحية ـ وهي التقوى الحقيقية ـ فهي التقوى التي يحرص استنادًا إليها الإنسان التقي على أداء الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، وفي نفس الوقت يشعر بالاطمئنان والسكينة والوقار مع تقلّب الأحوال وفي الشدة والمحن ولا يقلق ولا يضطرب، وهو ما وصف به أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) المتقين، بقوله: “إنّ المتقين في الدنيا هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، خضعوا لله بالطاعة، غاضين أبصارهم عمّا حرّم الله عزّ وجل، واقفين أسماعهم على العلم، نزلت منهم أنفسهم في البلاء، كالذي نزلت في الرخاء، رضى بالقضاء، لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب”([2]).

وقال: هكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن، ينبغي على المؤمن أن يتجاوز الحالة السطحية في علاقته مع الله ذي الجلال والإكرام، فلا تكون العلاقة مع الله عز وجل عبارة عن مجرّد أوامر يمتثل لها العبد خوفًا من العقاب أو رغبةً في الثواب، وإنّما هي علاقة معرفة وحب وارتباط وصناعة للنفس وتخلّق بأخلاق الله ذي الجلال والإكرام ومواقف نورانية شجاعة وعطاء على مستوى الحياة كلّها ونور ورحمة وسؤدد أينما حل وكان، فهي علاقة عرفانية وجودية تشعُّ بالنور ومشبعة بقوة التأثير والتغيير الإيجابي والبناء والارتقاء، فلا يقف المؤمن المواقف السلبية ولا موقف المتفرج غير المسؤول ولا العاجز أمام الأوضاع والأحداث والمهام، وإنما يقف موقف المتصدي والمسؤول والمعني بكل ما يحدث وله صلة بشؤون الحياة ومصالح الناس وهدايتهم، ويكون له رأي وموقف مساند للحق والعدل والخير والفضيلة، والغاية هي دائمًا الارتقاء والتكامل في الحياة والقرب من المحبوب والزلفى لديه.

وقال: من يرتبط بالله ذي الجلال والإكرام ارتبطًا عرفانيًا حقيقيًا لا يكون إلا نظيفًا طاهرًا في الظاهر والباطن، حسيًّا ومعنويًا، لأنّ النظافة والطهارة من شروط السلوك إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولازم من لوازمه.

ومن يرتبط بالله ذي الجلال والإكرام ارتبطًا عرفانيًا حقيقيًا لا يكون إلا شجاعًا كريمًا، لأنّ الشجاعة والكرم من شروط السلوك إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولازم من لوازمه، وكان وجه الإمام الحسين (عليه السلام) يزداد إشراقًا كلما اشتد وطيس حمى المعركة، لأنه كان مقبل على المحبوب تبارك وتعالى، وكان عظيم الشوق إلى لقائه.

ومن يرتبط بالله ذي الجلال والإكرام ارتبطًا عرفانيًا حقيقيًا لا يكون إلا عادلاً وقويًا ومنصفًا مع الجميع، ولا يمكن أن يفعل الظلم أو يقبل به، لأنّ العدل وإنصاف الآخرين من شروط السلوك إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولازم من لوازمه.

ومن يرتبط بالله ذي الجلال والإكرام ارتبطًا عرفانيًا حقيقيًا لا يمكن أن يعيش التخلّف أو يقبل به، لأنّ الارتقاء والتكامل لازم من لوازم السلوك، والتخلّف نقيض له، فالقرب من الله ذي الجلال والإكرام ليس قربًا مكانيًا، بل هو اكتساب صفات الكمال، فكلّما كان الفرد أو المجتمع أكثر كمالاً، كلّما كان أكثر قربًا من الله تبارك وتعالى، وحظي برضاه والزلفى لديه.

فالمؤمن الحقيقي الذي يحمل التقوى الروحية ـ وهي التقوى الحقيقية ـ لا يمكن أن يضعف أو يجبن أو يقصر في مواجهة الباطل والجهل والظالم والتخلّف ونحوها، فهو يتصرّف بتلقائية وفق مقتضى حبه لله ذي الجلال والإكرام وانجذابه إليه، وما اكتسبه من ملكات روحيّة وأدب رفيع بسبب الطاعة والقرب من الله ذي الجلال والإكرام، هي في الحقيقة من نور المحبوب وأخلاقه، وهذا ما يعرف بالحالة العرفانية، بعيدا عن الاستغراق في المصطلح.

رابطة الأخوة الإيمانية

وبخصوص رابطة الأخوّة الإيمانية تلى قول الله تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ(([3]) وقال: تعتبر رابطة الأخوّة أحد أهم عوامل الاستقرار والتقدم في المجتمعات، وبدونها تكون المجتمعات عرضة للتأزّم والانفجار والتصادم لأتفه الأسباب. وتعتبر الأخوّة الإيمانية أفضل أشكال الأخوّة وأمتنها وأثبتها وأقدرتها على التأثير في واقع المجتمعات، ومع غياب الإيمان فإنّ تأثير باقي العوامل يضعف أمام المغريات والمشتهيات وقد تتصدّع الروابط وتنهار لأتفه الأسباب، ويتمُّ التّعدي على حقوق أقرب الناس، فقد قتل قابيل أخوه هابيل حسدًا منه إليه، قول الله تعالى: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ` لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ` إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ` فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(([4])  وإنّ إخوةُ يوسف (عليه السلام) قد غيّبوا أخوهم في ظُلمةِ البئر، رغم أنّهم إخوةٌ لأب، ويعيشونَ تحتَ سقفِ بيتٍ واحد، قول الله تعالى: )لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ` إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ` اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ` قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ(([5]).

وقال: تتمتّع رابطة الأخوة الإيمانية بميزات عديدة، منها:

(1): أنّها لله وفى الله، فالباعث عليها هو حب الله ذي الجلال والإكرام، وهي امتداد لهذا الحب، لأن المحبة للمؤمنين لازم لمحبة الله، فمن أحب الله العزيز الحميد لابد أن يحب من يحبه الله وما يقرب إليه.

(2) أنها تقوم على المحبة والصدق وفعل الخير.

(3): أنها تفتح بابًا عظيما للمحبّة والأخوة على طول الأرض وعرضها لتشمل كل موحِّد على وجه الأرض، بغض النظر عن جنسيته ولونه وعرقه.

(4): أنها تخلو من شوائب حب الدنيا والمادة، وتعلو فوق الحواجز الجغرافية والسياسية والعلائق الحزبية والعصبيات الطائفية ونحوها.

(5): أنها لقاء بين الموحّدين على منهج واحد ومهام عظيمة، تقوم على أساس الخلافة الإلهية للإنسان في الأرض التي قوامها: نشر الحق، وفعل الخير، وإقامة العدل، ومحاربة الطواغيت، وعمارة الأرض، وتحقيق التقدم والازدهار والرخاء للإنسان، ونحوها.

وقال: أيها الأحبة الأعزاء.

تطهّروا بطهارة التوحيد وزكّوا أنفسكم، ووثِّقوا عرى الأخوّة الإنسانية والإيمانية والوطنية بينكم، وترفّعوا على العصبيات الجاهلية: (الحزبية والفئوية والطائفية ونحوها) وترفّعوا على الأنانية، ولا تقدِّموا الحق والعدل والفضيلة والمصالح الحيوية للناس قرابين على مذابح السياسة والمصالح الخاصة، فيمقتكم الله العزيز الحكيم، ويلعنكم الناس والتاريخ، ويصيبكم الخزي والعار في الدنيا والآخرة.

وقال: للأخوة الإيمانية مظاهر عديدة، أوجزها الرسول الأعظم الكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره”([6]) ولها حقوق، أهمّها:

(1): تفقّد أحوال الإخوان، وتقديم العون والمساعدة لهم، وقضاء حوائجهم.

(2): احترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم بقول أو فعل.

(3): بذلُ النصحِ لهم، وتسديدُهم، وتقويمُهم، والتواصي معهم بالحق وبالصبر، والصدقُ لهم في الرأيِ والمشورة.

(4): عيادة مرضاهم، وتشييع ميتاهم.

(5): العفو عن زلاتهم والتغاضي عن هفواتهم.

(6): ونحوها كثير.

أضواء على بعض الأخطاء في اتباع القيادات

وبخصوص اتّباع القيادة، قال: المنطق الروحي والمنطق العقلي لا يسمح للإنسان العاقل بأن يتبع إنسانا آخر اتباعا أعمى، قول الله تعالى: )إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ(([7]).

وقال: العلاقة مع القيادات يجب أن تكون قائمة على أسس عقلية وروحية وشرعية صحيحة، وإلا فإنّها لا تكون منسجمة مع كرامة الإنسان ومع مصالحه الحيوية: (المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية) ومن الأسس الواضحة للعلاقة الصحيحة بين القيادة والاتباع، التبصير، قول الله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(([8]) حيث يجب على القيادات أن تقوم بتبصير أتباعها في مختلف الأمور التي تطالها، فهذا هو منطق الدين، وهو أيضًا منطق العقل والفطرة، والقيادات التي تحاول أو تسعى أو حتى تقبل بأن يتبعها الناس اتّباعًا أعمى، فإنّها قيادات تتجاهل في الحقيقة كرامة الأتباع ومصالحهم الحيوية ومصيرهم الوجودي، وهذا حال لا يعود بالخير قطعًا: لا على القيادة، ولا على الأتباع، لا في دينهم، ولا في دنياهم، ولا في آخرتهم.

وقال: في محاضرة أضواء على صلح الإمام الحسن (عليه السلام) تطرّقت إلى حديث الرسول الأعظم الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): “الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا” وقلت بأنّ الذي يحدّد التكليف الشرعي إلى الناس هو الإمام، ويجب على كل الناس أن يتبعوا الإمام، ليس في معرفة الأحكام الشرعية فحسب، وإنّما في تشخيص المواقف في الشأن العام، وألاّ يعترضوا عليه، فالاعتراض يدل على الجهل بمقام الإمامة، وما يتمتع به الإمام من ولاية شرعية على الناس، وهذا ينطبق على من يمتلك الولاية الشرعية من الفقهاء، مع التأكيد على أنّ الاتّباع لمن يمتلك حق الولاية الشرعية على الناس:

  • لا يلغي العقول، وإنما يساعدها على إدراك الحقيقة والصواب، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ” فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة “([9]).
  • ولا يلغي الشورى التي أمر الله العزيز الحكيم صاحب الولاية الشرعية بها.
  • ولا يعطل عمل مؤسسات الدولة، فهناك الولاية الشرعية، وهناك آليات اتخاذ القرارات، وهما يتكاملان في أداء الوظيفة، ولا يلغي أحدهما الآخر.

قال: للأسف الشديد هناك خطآن:

  • الاعتراض على صاحب الولاية الشرعية، وهو أمر قبيح.
    • وإعطاء صلاحيات الولاية الشرعية لمن لا يمتلكها، وهو أمر لا يقل قبحا عن الخطأ الأول.

ضمانات الصلح والحل السياسي

وقال: البعض ربط في الحديث بين صلح الإمام الحسن (عليه السلام) وضمانات الحل السياسي في البحرين، والحقيقة إنّ نقض الصلح ليس بسبب غياب الضمانات، فصلح الإمام الحسن (عليه السلام) يتشابه في الوجه الشرعي والقانوني مع صلح الحديبية، وهذا النوع من الصلح – بحسب فهمي المتواضع – لا يجوز التراجع عنه، ويجب على كل طرف أن يعطي الطرف الآخر كل ما التزم به له على أساس الصلح، وإنّ نقض بنود الصلح من أي طرف من الأطراف الموقِّعة عليه، يعني فسخ الصلح كليًّا، وعودة الحالة من الناحية الشرعية والقانونية إلى ما كانت عليه قبل الصلح، ولهذا خرج الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بجيشه لفتح مكة بعد أن نقضت قريش بنود صلح الحديبية، ولو لم تنقض قريش بنود صلح الحديبية، لما كان في وسع الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناحية الشرعية دخول مكة، وإلا كان ناكثًا للعهد الذي أمره الله العزيز الحكيم الوفاء به، قول الله تعالى: )وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً(([10]) وعدم خروج الإمام الحسن (عليه السلام) لمواجهة معاوية عسكريًا بعد نقضه لبنود الصلح، ليس التزامًا منه ببنود الصلح، لأنّ الصلح قد انفسخ كليًّا بنقض معاوية لبنوده، وإنّما لأّن الظروف الموضوعية لا تجعل المصلحة في ذلك.

وقال: بعض الخطباء يقولون بأنّ الإمام الحسن (عليه السلام) لم يخرج لمواجهة معاوية عسكريًّا بسبب التزامه بالصلح، وهذا غير صحيح، لأنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قد أصبح في حلٍّ من التزاماته التي التزم بها لمعاوية في الصلح معه بعد نقض معاوية لبنود الصلح، والأغرب: إنّ بعض الخطباء يُرجع عدم خروج الإمام الحسين (عليه السلام) لمواجهة معاوية عسكريًّا بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) لالتزامه ببنود الصلح الذي وقّعه الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان!!

وبخصوص الضمانات في الحل السياسي مع السلطة، قال: كَثُر الحديث عن هذه المسألة من قبل الجماهير وبعض القيادات السياسية للمعارضة، ويستحضر بعضهم قضية أصحاب المبادرة، وقضية التصويت على ميثاق العمل الوطني، ويرى هؤلاء بأنّ غياب المراقبين شجَّعَ السلطة على الانقلاب والتنصّل من التزاماتها في الحالتين، ويصرُّ الكثير من الجماهير وبعض قيادات المعارضة على وجود مراقبين دوليين في أيِّ اتفاقٍ قادم مع السلطة، وأرى بأنّ الضمانات مهمّة، ولكنها ليست كل شيء، لأنّ المشكلة تكمن في طبيعة السلطة الانقلابية، وعدم تحرّك أبناء الشعب بجدٍّ وثبات للمطالبة بحقوقهم العادلة، فقد انقلبت السلطة على الدستور العقدي، وشروط الاستفتاء الشعبي الذي جرى بإشراف الأمم المتحدة بشأن تبعيّة البحرين لإيران، وقامت بحل البرلمان في أغسطس/ 1975م، واعتقلت بعض أعضائه، ولم تتحرّك الأمم المتحدة التي جرى الاستفتاء بشأن تبعيّة البحرين لإيران تحت إشرافها، لأنّ نواب الشعب ناموا في بيوتهم رغم إنّ الدستور كان ينصُّ في حال حل المجلس على وجوب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، فإن لم تجري الانتخابات خلال تلك المدة، يستردُّ المجلس المنحلُّ كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورًا كأنّ الحل لم يكن، ويستمرُّ في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد (المادة : 65) ولم يتحرك الشعب للدفاع عن حقوقه الطبيعية والمكتسبة، وهذا ما حدث مجددًّا بعد الانقلاب الثاني على الدستور العقدي وميثاق العمل الوطني، فالقيمة الحقيقة هي لحركة أبناء الشعب وليس للضمانات، بل لا قيمة للضمانات ما لم يتحرّك الشعب للدفاع عن حقوقه.

قضية المحامين المنتدبين والصراع مع السلطة

وبخصوص تطورات محاكمات متّهمي الشبكة المزعومة، قال: لقد انتصرت المعارضة بإمكانياتها المحدودة على السلطة رغم ما تملكه من إمكانيات ضخمة، هي إمكانيات دولة، وما تنفقه من ملايين الدنانير والدولارات لشراء الذمم من الفاسدين في الداخل والخارج، ورغم تعاقدها مع شركات للعلاقات العامة في أمريكا وبريطانيا لتلميع صورتها، وقد حصل النصر بفضل الله تبارك وتعالى، ولعدالة القضية، وصمود مجاهدينا الشرفاء في السجون، وتحمّل عوائلهم مرارة الفراق، وصبرهم على المعاناة النفسية وصعوبات الزمن، والجهود التي بذلها السياسيين والحقوقيين المخلصون في الداخل والخارج، ولحسن إدارة الملف، وقوة الصورة في مواجهة الكلمات الجوفاء.

وقال: تدلُّ المؤشرات بوضوح على أن السلطة تعيش في مأزق، وأنّها تبحث عن حل للخروج من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه، وقد بدأت تدرك بأنّ مجرّد الإفراج عن المعتقلين لن يوجد لها الحل، وأنّها في حاجة فعلية لحل سياسي، وهذا ما ينبغي أن تدركه قوى المعارضة، والمطلوب من المعارضة، أن تذهب للحوار مع السلطة مجتمعة، وأن يتجاوز كل فصيل قناعاته الخاصة في العملية السياسية، وأن تتجاوز قوى المعارضة مفعول اللحظة، وتنظر للبعيد، لتجعل هدفها من الحل السياسي هو خلق أرضية واقعية لإيجاد الأمن والاستقرار والازدهار في البلد، من بوابة حل المسألة الدستورية، وإصلاح المؤسّسة البرلمانية بحيث تمارس دورها في التشريع والرقابة ورسم سياسات الدولة بشكل فعلي، استنادًا إلى دستور ديمقراطي، وتعبِّر في جميع أعمالها عن الإرادة الشعبية الوطنيّة بصدق وإخلاص، وأن تتعلّم من دروس الماضي، ويكون لديها كل الحرص على جعل الحل مقبولاً لدى كافّة أطراف المعارضة، لأنّه لا حلَّ بدون هذا القبول.

وقال: أثبتت التجربة بأنّ السلطة ليست أقوى من الشعب، وإنّ ما يظهر من قوة السلطة ما هو في الحقيقة والواقع إلا انعكاس لضعف المعارضة، وأنّها لم تقم بما هو مطلوب منها.

وقال: إجبار السلطة على تحقيق مطالب الشعب العادلة ليس بحاجة إلى جيش وسلاح وعضلات، بل هو في حاجة إلى قوة العقل وحسن التدبير والإدارة، ومن الواضح إنّ السلطة تعيش الكثير من القلق، وتدفع في الأزمة الأخيرة كلفة ضخمة، في حين يعيش الطرف الآخر الطمأنينة، ولم يتكلّف دفع أثمانًا كبيرة.

وقال: لقد كانت السلطة تتوقّع بأننا سوف نواجهها بالمسيرات والاحتجاجات ونحوها، ولكننا ذهبنا إليها من حيث لم تحتسب ـ مع عدم التقليل من أهمية المسيرات والاحتجاجات ـ وانتصرنا عليها بفضل الله العزيز الحكيم، وعدالة قضيتنا، وحسن التدبير، وأدركت السلطة بأنّ المعارضة تدير الأزمة بدهاء لم تعهده.

وبخصوص التشكيلة الجديدة للمحامين المنتدبين، قال: التشكيلة الجديدة للمحامين المنتدبين فيها حيلة واضحه، تعكس إصرار السلطة على انتهاك حقوق المتّهمين التي تنص عليها المواثيق الدولية، ومخالفة ما نص عليه الدستور العقدي ودستور المنحة (دستور مملكة البحرين) غير الشرعي، حيث جاء فيهما ما نصه: “يجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته”([11]) بأن تفرض عليهم محامين بخلاف رغبتهم، فقد عمدت إلى توزيع المحامين المنتدبين الجدد إلى مجموعات، كل مجوعة تتولّى المهّمة الموكلة إليها بخصوص عدد من المتهمين بشكل منفرد أو جماعي، لتضمن استمرار عرض المسرحية، وهذه فضيحة من العيار الثقيل تكشف فساد القضاء وعدم استقلاليته، وأنّه شريك ومتواطئ مع السلطة التنفيذية في انتهاك حقوق المتهمين، مما يفرض على كافة الشرفاء في هذا الوطن العزيز: (أفرادًا، وجماهيرًا، ومؤسسات مجتمع مدني، وقوى سياسية، ونقابات) أن يكون لها موقف وطني شجاع للدفاع عن حقوق المعتقلين المظلومين، وسمعة هذا الوطن العزيز، وعودة أجواء الأمن والاستقرار في البلد.

وقال: المؤسّسات الحقوقية الدولية والمراقبون المحايدون، الكل يتحدث عن مظلومية المعتقلين، والخلل في إجراءات القبض والتحقيق والمحاكمة، ولا أرى بأنّ هناك إنسان مؤمن بما هو مؤمن ولا إنسان شريف أيًّا كان دينه وانتماؤه المذهبي والسياسي، يستطيع أن يُخلي نفسه عن المسؤولية في الدفاع عن حقوق هؤلاء المعتقلين المظلومين، ويكفي تنحّي واعتذار هذا العدد الضخم من المحامين الأحرار ـ وفيهم خيرة المحامين في هذا البلد ـ لإثبات وجود خلل في إجراءات العدالة، وأنا أحيي المحامين الأحرار الذين تنحو والذين اعتذروا، وأعلن تضامننا الوثيق معهم، وأدعو جميع الشرفا في هذا الوطن العزيز : (أفرادًا، وجماهيرًا، وقوى سياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، ونقابات) لتحيتهم والتضامن الوثيق معهم.

وقال: أدعو الجماهير لإحياء الأمسيات الدعائية وعمل ما يمكنهم من فعاليات تضامنية مع المعتقلين وفعاليات مطلبية، وأقول للبعض الذين لا زالوا يسعون في منع الأمسيات الدعائية “استحوا ولو قليلاً” وتخلّوا عن هذا الأسلوب القذر الذي لا يليق بإنسان شريف، فالسلطة تقوم بمحاصرة المساجد والمآتم التي تقام فيها الأمسيات الدعائية، ولكنها لم تتمكّن من منعها، وأنتم منعتم ـ ويا للعار ـ العديد منها!!

وقال: هناك الكثير من الاهتمام بالمتّهمين في الشبكة المزعومة، ولكن الاهتمام قليل بباقي المعتقلين، رغم خطورة التّهم الموجّهة إلى بعضهم، وقسوة الأحكام التي تصدر بحقهم.

وقال: مع إيماني بأنّ قضية الشبكة المزعومة هي القضية الأمنية المركزية في الوقت الحالي، وأنّها بوابة الحل في الأزمة الأمنية الحالية، إلا أّن الاهتمام بباقي المعتقلين الذين تجاوز عددهم (450: معتقلاً) مطلوب أخلاقيًا وسياسيًا واجتماعيًا ونفسيًا.

التضامن مع جمعية الوفاق

وقال: لقد أصدرت جمعية الوفاق بيانًا يندّد بالتهديد بالعقوبة الصادر من وزير العدل للمحامين المنتدبون الذين اعتذروا عن قبول المهمّة التي أسندتها إليهم السلطة بالدفاع الشكلي عن المتهمين احترامًا منهم لشرف المهنة، فردّت وزارة العدل على جمعية الوفاق ببيان هجومي ندّدت فيه بما زعمت أنّه تدخّل من قبل جمعية الوفاق في شؤون القضاء والعدالة، وردّت جمعية الوفاق ببيان آخر، قالت فيه: إنّ من يعطّل العدالة هو من يخالف القانون والدستور.

وفي سياق آخر: تعرّض النائب عبد الجليل خليل إلى عنف كلامي من قبل أحد الضبّاط في مركز السنابس لاعتراضه على ما شاهده بنفسه من تعذيب الضابط لأحد الشباب المعتقلين تعسّفيًّا.

وقال: الاعتداء على المعتقلين ليس شيئًا جديدًا، وللإخوة في الوفاق ممثّلين حضروا جميع جلسات المحكمة، وقد رأوا بأعينهم آثار التعذيب على جميع المعتقلين، وسمعوا بآذانهم منهم ما حدث عليهم، والوفاق ليست بحاجة إلى دليل جديد لإثبات التعذيب.

والاعتداء على حرمة النواب ليس بالأمر الجديد أيضًا، فقد تعرّض الدكتور عبد علي للاعتداء عليه من قبل قوات الشغب في قرية النويدرات، وتعرّض بعض النواب للاعتداء عليهم من قبل قوات الشغب في سترة في الاعتصام الخاص بالدفان في مهزّة، وتمّ شهر السلاح في وجوه بعضهم، كما تعرّض النائب البلدي للمنامة للاعتداء في مبنى البلدية في المنامة، وغيره، إلا أن هذا ليس كفيلاً بأن تغيّر الوفاق خياراتها السياسية الرئيسية، وهذا ما صرّحت به بعض قياداتها في بدء الهجمة القمعية.

وقال: وفي جميع الأحوال ينبغي التضامن مع جمعية الوفاق بخصوص ما تتعرّض له من ظلم، ويجب أن تُشكر على موقفها التضامني مع المحامين المنتدبين الذين اعتذروا عن قبول مهمة الدفاع الشكلي عن المتهمين بدون موافقتهم، ومن الواضح أن تنحّي فريق الدفاع الأصلي، ثم اعتذار المحامين الـ(19) من المنتدبين، قد حفّز الجمعيات السياسية للتحرّك السياسي والجماهيري للتضامن مع المعتقلين، مما يثبت بأنّ الأزمة كافية لإقناع الجميع بوجوب التضامن والعمل المشترك، والرجاء أن تشهد الساحة الوطنية عملاً سياسيًّا وجماهيريًا مشتركًا للتضامن مع المعتقلين، وللمطالبة بالإصلاح الحقيقي في البلاد، وربما تعود السلطة من جديد إلى استخدام سياسة العصا والجزرة من أجل ضرب حالة التضامن الجديدة، ولن تنجح هذه المرة ـ إن شاء الله تعالى ـ وعلى السلطة أن تأخذ الدرس مما يجري في تونس، وأكرِّر الدعوة التي أطلقها تيار الوفاء الإسلامي في بيانه الأخير لقوى المعارضة بإعادة اصطفافها، ليس من أجل إطلاق سراح المعتقلين فحسب، ولكن من أجل تحقيق مطالب الشعب العادلة، وإعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد على أسس واقعية صحيحة.

وقال: علمت إنّ ندوة ستقام في جمعية وعد في مساء الأربعاء ـ ليلة الخمس القادم، سوف يتكلّم فيها المحامي القدير عبد الله الشملاوي حول حق المتّهم في اختيار محاميه، وستكون هناك مداخلات تضامنية من قبل سياسيين ومحامين وحقوقيين مع المحامين الـ(19) المنتدبين الذين اعتذروا عن قبول مهمة الدفاع الشكلي عن المتهمين بدون موافقتهم، وتم تهديدهم بالعقوبة من قبل وزير العدل، وأدعو ـ لاسيما أهالي المعتقلين ـ إلى تكثيف الحضور، لأنّ هذا من شأنه أن يقوّي الروح التضامنية بين أبناء الشعب، وسيوصل رسالة تقديرية للمحامين، ورسالة إلى السلطة بأنّ هؤلاء المحامين الأحرار ليسوا بوحدهم.

وقال: الوفاق لديها (18: عضوًا) في البرلمان، وقد تكلّموا عن استجواب وزير العدل، إلا أنّ التجربة قد أثبتت أنّها لا تستطيع أن تفعل شيًئا ذو بال من خلال الأدوات البرلمانية، وقضيّة أحمد عطيّة الله لا تزال في الذاكرة بكل تفاصيلها المخيّبة للآمال، ولكن الوفاق مطالبة على كل حال بأن تحرّك ما لديها من أوراق، وأن تفعل ما يسعها فعله.

مسائل متفرقة

(1) بخصوص تصريحات السفير الأمريكي الأخيرة التي اعتبر فيها الوضع البحريني مطمئنًا، قال: تعليقات السفير الأمريكي جاءت في لقاءاته بمناسبة انتهاء فترة عمله في البحرين، وقد اعتبرت المعارضة في البحرين بأنّ الهجمة القمعية الأخيرة جاءت بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية، بدليل تصريحات نفس السفير الفجّة التي سبقت الهجمة بيومين فقط، وهذا ما ذكرته أيضًا بعض المؤسسات الحقوقية، ومنها: هيومن رايت وتش الأمريكية، وقد استاء الأمريكيون من تصريحات بعض رموز المعارضة البحرينية بهذا الشأن، وأنكروا صلتهم بالهجمة القمعية التي قامت بها السلطة البحرينية ضد بعض أطراف المعارضة، وأعربوا على لسان الناطق الرسمي لوزارة الخارجية عن قلقهم من دعاوى التعذيب في السجون البحرينية. وقد طالبت وزيرة الخارجية الأمريكية في زيارتها الأخيرة إلى البحرين بمحاكمة عادلة إلى المتهمين، وطالبت بالتحقيق في دعاوي التعذيب التي اعتبرتها مقلقة، أما مساعدها فقد أعرب عن قلق إدارته من المحاكمة نفسها، وقد جاءت هذه التصريحات بعد مقابلة الملك، وإثر وجود ممثل للسفارة الأمريكية في كافة جلسات المحكمة، ورؤيته بشكل مباشرة لآثار التعذيب، وسماعه من المعتقلين بشكل مباشر ما جرى عليهم، وتعتبر تصريحات السفير مغايرة لما جاء على لسان وزيرة الخارجية ومساعدها، وليس هذا بغريب على هذا السفير، فقد حرّض سابقًا على المعارضة، والتزم الصمت إزاء تحريف السلطة البحرينية لتصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية بشأن قلق الإدارة الأمريكية لما يدور في البحرين، ولم يقم بواجب التصحيح، ولن تضر التصريحات السخيفة لهذا السفير بالمواقف البطولية لأبناء البحرين في المطالبة بحقوقهم المشروعة.

(2): وبخصوص مرضه، قال: مما يؤنسني في هذا المرض أنّه يقطع طمعي في أي منصب برلماني أو غيره من وراء عملي الإسلامي والوطني، وأسأل الله الرؤف الرحيم بأن يبعد عني النَفَسْ الشيطاني المُشبع بالمكابرة والعناد، ولو كانت النتيجة السيئة على نفسه.

(3): وبخصوص الطعن في نوايا المؤمنين، قال: النوايا لا يعلمها إلا الله اللطيف الخبير، ولا يحق لمؤمن أن يطعن في نوايا أحد من المؤمنين، ويجب التمييز بين سوء النية وبين الخطأ في الأساليب والخيارات، فقد يخطأ المؤمن في أساليب عمله وفي خياراته، وقد يذهب بعيدًا في هذا الخطأ، إلا إنّ ذلك لا يدل على سوء النية لديه، فيجب على المؤمن أن يحسن الظن في أخيه المؤمن، وأن يسعى إلى نصحه وتسديده وسد خلّته، ولا يسيء الظن فيه.


([1]) الأعراف: 7 – 8.

([2]) تحف العقول.

([3]) الحجرات: 10.

([4]) المائدة: 27 ـ 30.

([5]) يوسف: 7 ـ 10.

([6]) رواه مسلم.

([7]) البقرة: 166.

([8]) يوسف: 108.

([9]) نهج البلاغة، الخطبة: 1.

([10]) الأسراء: 34.

([11]) المادة: 20 ـ الفقرة: هـ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى