لقاء الثلاثاء (73) | 3-1-2011

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

الإخلاص والمخلصون

بدأ الاستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول الإخلاص والمخلصين، وقال: في اللغة : خَلَصَ الشيء: صفا وزالت عنه شوائبه ولم يمتزج به غيره، قول الله تعالى: )وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ(([1]) وخلص من الهلاك: نجا منه، وأخلص له في الود أو القول: خلصهما من الغش، وأخلص الطاعة لله عز وجل: أفرده في الطاعة، وأن يكون قصد القربة فيها صافيًا خالصًا من كل شائبة، مثل: الرياء والسمعة والهوى، قول الله تعالى: )إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ(([2]) والإخلاص هو أوجب الواجبات الشرعية، وهو ثمرة اليقين في المعارف الإلهية، وهو السبيل الوحيد للخلاص والنجاة في الآخرة، قول الله تعالى: )يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ` إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(([3]) وإنّ السبيل إلى الإخلاص هو التفكّر في صفات الله ذي الجلال والإكرام وأفعاله ومناجاته بالليل والنهار.

وقال: استخلصه: اختاره واصطفاه، قول الله تعالى: )وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي(([4]) وأخلصه الله: جعله مختارًا خالصًا من الدنس، قول الله تعالى: )إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ(([5]) أي: أننا نقيّناهم من الشوائب بسبب تذكرهم للآخرة دائمًا، والخال: الصافي الذي خلصت لديه النية لوجه الله سبحانه وتعالى، ولا باعث له على العمل والطاعة إلا طلب القرب من الله ذي الجلال والإكرام، والمخلَص: صافي الأخلاق نقي السريرة، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(([6]) وقول الله تعالى : )وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا(([7]).

وقال: الإخلاص في الاصطلاح، هو: تخليص القلب من الشوائب المكدرة لصفائه، والإخلاص لله تعالى، هو تطهير القلب عن كل ما سواه، والقيام بما يجب له من حقوق، وألا يخشى العبد سواه، ولا يخاف غيره في الدنيا والآخرة.

وقيل: أن تصفي عملك من الكدورات، ولا تطلب لعملك شاهدًا غير الله سبحانه وتعالى، ولا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله العزيز الحميد، ولا تطلب عليه أجرًا لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وقيل: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل من أجلهم شرك، والإخلاص هو الخلاص منهما.

وقال: مذهب الإخلاص، هو: مذهب أخلاقي قوامه الصدق والصراحة والوفاء، والبعد عن الغش والاحتيال والرياء ونحوها من الرذائل والأخلاق الذميمة.

وقال: موضوع حديثنا يدور حول الإخلاص والمخلصون، وهو الموضوع الذي رأيت بأنّه الحديث فيه هو الأفضل في ليلتنا هذه المشبعة بالحماس والتوتّر والتوثّب للانقضاض.

وقال: الإخلاص على قسمين، سُئل الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإخلاص فقال: “أن تقول ربيَّ اللهَ ثمّ تستقم كما أمرت”([8]) أي:

(1): الإخلاص في الاعتقاد وهو الاعتقاد بالتوحيد الخالص من جميع الجهات، وأبدع تعبير عنه ما جاء في سورة التوحيد، قول الله تعالى: )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ` اللَّهُ الصَّمَدُ ` لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ` وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ(([9]).

(2): الإخلاص في العمل وهو قطع النظر عما سوى الله عز وجل، وتطهير قصد القربة في العمل من كل الكدورات والشوائب والآفات الروحية، فلا يريد العبد من وراء أعماله غير وجه الله ذي الجلال والإكرام وحبه ورضاه وجزاؤه والزلفى إليه.

  • فلا يقصد الرياء والسمعة.
  • ولا يقصد زخارف الحياة الدنيا، مثل: الوجاهة والزعامة والتشريفات.
  • ولا يريد أن يحمده عليه أحد إلا الله العزيز الحميد.
  • ولا يقصد التصيد بسنارة الزهد والتقوى والالتفاف من أجل عبادة الذات وتضخيمها.

وقال: كمال الإخلاص هو تطهير القلب من التعلّق بغير الله ذي الجلال والإكرام، وأن يحب من الأعمال ما يحبه الله، ويبغض منها ما يبغضه الله، ويرضى لرضى الله سبحانه وتعالى، ويغضب لغضبه، ويرضى بقضائه ويسلم لقدره، وألا يخشى غيره، وأن يقصد بالطاعة وجه الله سبحانه وتعالى وليس الرغبة في الجنة أو الخوف من النار، وهذا هو أعلى مراتب التقوى، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “الإخلاص أشرف نهاية” وقوله (عليه السلام) “الإخلاص أعلى الإيمان”([10]) وهو السبيل إلى تحصيل المعرفة الشهودية ونيل الأسرار الإلهية.

وقال: حصول هذه الدرجة من الإخلاص لا يكون إلا للعاشقين.

وقال: بين المعرفة الشهودية والعشق رابطة، فبدون المعرفة الشهودية لا يتحصل كمال العشق.

وقال: أصحاب هذه المرتبة هم أولياء الله الفائزون بالقرب والزلفى، الذين يشعرون بالسكينة والأمن والطمأنينة والبشرى، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قول الله تعالى: )الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(([11]) وقول الله تعالى: )أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ` الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ` لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(([12]) وصفوة هؤلاء هم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).

وقال: ما دام قلب الإنسان مشغولاً بمحبّة ما سوى الله ذي الجلال والإكرام، فإنّه لا يصل إلى المقصد الأعلى للإنسانية وهو الوصول إلى ساحة القدس والدخول إلى حرم الله الآمن والقرب والزلفى إلى الله ذي الجلال والإكرام، بل إذا كان مراده من جهاد النفس كمال ذاته فإنّه لا يصل أيضًا إلى ذلك المقام، وأوّل خطوات السير إلى ذلك المقام هو تحطيم صنم النفس وقطع الطمع عن الدنيا، فما لم ينجح الإنسان في تحطيم صنم النفس، ويزهد في الدنيا فلا سبيل إلى وصوله إلى ذلك المقام الأسمى والأعلى.

وقال: ذكر علماء الأخلاق وأهل الاختصاص علامات للإخلاص، منها:

  • نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى فضل الخالق.
  • وسلامة القلب وعمل الخير واجتناب الشر.
  • وأن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن.
  • واليأس مما في أيدي الناس.
  • واستواء المدح والذم من العامة.
  • وأن يقصد العبد بعمله وجه الله ذي الجلال والإكرام، ولا يطلب عوضًا عليه في الدنيا أو الآخرة.
  • وبذل المهجة والنفس في تقويم العمل والاستقامة بحسب ما يعلم.
  • وغيرها.

وقال: يعتبر الإخلاص لله عز وجل في نية العمل شرط لقبول العمل، وكل عمل يتوفر على الاخلاص فهو مقبول ومرفوع ومحفوظ في خزائن علم الله عز وجل، قول الله تعالى: )إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ(([13]) وكل لحظة من لحظات الاخلاص هي نور محفوظ في خزائن علم الله العزيز الحميد، وربما تكون كوة النور التي تخترق النفق المظلم، وتكون سببًا للنجاة والفوز بالجنة في يوم القيامة، قول الله تعالى: )يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ` إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(([14]).

وقال: الشرك والنفاق والرياء والسمعة واتباع الهوى ونحوها كلها بخلاف الصدق والأدب في المعاملة مع الله ذي الجلال والإكرام، ونقيض الفطرة والعقل والضمير، وانتقاص إلى إنسانية الإنسان والانسلاخ منها، وعاقبتها الخزي والخسران في الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}([15]).

وقال: إنّ كمال الإخلاص لله عز وجل في العمل يسرع بالعبد في الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام والدخول إلى ساحة قدسه الطاهرة وحرمه الآمن، وإنّ وجود الشوائب في العمل يؤدّي إلى التعثّر وربما السقوط إلى الوادي السحيق في جهنم، قول الله تعالى: )وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ` إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ` إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ` جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ(([16]) ومما يفتقر إليه الإخلاص ولا يتم إلا به الولاية الشرعية بجميع أبعادها وعلى كافة المستويات:

  • الولاية لله سبحانه وتعالى وهي الولاية بالأصل الأصيل.
  • الولاية للرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
  • الولاية لأهل البيت (عليهم السلام).
  • الولاية للفقيه الجامع لشروط الولاية الشرعية.

وقال: إنّ الإخلاص بحق وحقيقة يتطلّب أن يتعاطى المؤمن مع ولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) في غيبته كما لو كان حاضرًا، ويرتِّب على ذلك أثره في الطاعة والاستقامة والولاء.

وأمّا عن الخلوص والمخلصين، فقال: لقد تقدّم بيان المعنى اللغوي للخلوص وللمخلَصين.

وقال: المخلصون هم الذين يسيرون في طريق العبودية بصفاء معرفي وصدق وإخلاص روحي، قول الله تعالى: )قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ` إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(([17]) فقد أخلصوا لله ذي الجلال والإكرام في العبودية فليس في قلوبهم إلا هو، ولا تعلّق لهم بشيء سواه، ولا يريدون إلا ما أراده، ولا يعملون إلاّ من أجله، ولا يرون أنّهم يملكون من أنفسهم وصفاتهم وآثار أنفسهم وأعمالها شيئًا، وإنّ المالك لها هو الله وحده لا شريك له، فاجتباهم الله تبارك وتعالى واخلصهم لنفسه، قول الله تعالى: )وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي(([18]) فلا يشاركه فيهم أحد غيره، ولا يملكهم في رأي ولا موقف ولا وجدان إلا هو، لا هوى ولا شيطان ولا غريزة ولا غيرها، فقد عرفهم تبارك وتعالى نفسه، وأنساهم غيره، وآتاهم من العلم الشهودية ما يعصمهم به من الوقوع في المعاصي أو الذنوب أو الخطايا، فلديهم تقوى روحية مصدرها العلم الشهودية تمنعهم من الوقوع تحت تأثير الإغراءات والتهديدات ونحوها، فلا يقعون في موقع المعصية ولا الاهتزاز والاضطراب في الأطروحات والمواقف والعلاقات ونحوها، ويقفون موقف الاستقامة دائمًا وأبدًا، فهم يعلمون من ربهم ما لا يعلمه غيرهم، وليس أحد يستطيع وصف الله بحق صفاته ـ وإن كانت توصيفات غيره سبحانه وتعالى لا تقع عليه حق الوقوع ـ إلا هم، قول الله تعالى: )سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ` إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ(([19]) فإنّ الله سبحانه وتعالى منزه عما يصفه به الواصفون إلا ما يصفه به هؤلاء المخلصين، وهذا الوصف منهم لله ذي الجلال والإكرام مصدره العلم الشهودية، فكل من أراد أن يعرف الله ذي الجلال والإكرام حق المعرفة، وأن يستقيم على صراطه المستقيم كما أمره الله جل جلاله، فيجب عليه أن يتّبع عباد الله المخلصين ويأخذ عنهم، وصفوة المخلصين، هم: خاتم الأنبياء الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام) جعلنا الله تبارك وتعالى وإياكم من أتباعهم وأنصارهم على الحق في السر والعلانية، وحشرنا معهم وفي زمرتهم في الآخرة.

وقال: ينبغي التمييز بين التقوى الفقهية (تقوى الجوارح) وفيها يحرص التقي على عمل الواجبات والمستحبات الفقهية وتجنب المحرمات والمكروهات الفقهية، ولكنه يصيبه الرعب والقلق أمام تحوّلات الواقع والتحدّيات والمصائب ونحوها ويضطرب، وبين التقوى الروحية التي هي ثمرة المعارف الإلهية اليقينية والسلوك بقدم الصدق إلى الله ذي الجلال والإكرام بهدف الوصول والدخول إلى ساحة قدسه وحرمه الآمن، وفيها يحرص التقي على عمل الواجبات والمستحبات الفقهية، وتجنّب المحرّمات والمكروهات الفقهية، وفي نفس الوقت تجد له الثبات والصمود ويكون مطمئنًا أمام المصائب والتحدّيات والتحوّلات في الواقع ولا يصاب بالوهن والضعف والتقلّب في المواقف والقناعات ونحوها، قول الله تعالى: )فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(([20]) وقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصف المتقين: “إنّ المتقين في الدنيا هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، خضعوا لله بالطاعة، غاضين أبصارهم عمّا حرّم الله عزّ وجل، واقفين أسماعهم على العلم، نزلت منهم أنفسهم في البلاء، كالذي نزلت في الرخاء، رضى بالقضاء، لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقًا إلى الثواب وخوفًا من العقاب”([21]).

وبخصوص فوائد الإخلاص، قال: للإخلاص فوائد عديدة للإنسان في الدنيا والآخرة، منها:

  • الزهد في الدنيا وزخارفها، والسلامة من جميع الآثام.
  • قبول العمل عند الله عز وجل وحسن الأجر والثواب.
  • تفتح أبواب الحكمة على عقل الإنسان وقلبه.
  • يشعر بالطمأنينة والأمن من الفتن ونحوها.
  • الجرأة والشجاعة والصبر على البلاء.
  • تحصيل اليقين والصبر على مصائب الدنيا.
  • النطق بالحكمة والموعظة الحسنة.
  • تحصيل جودة العمل وإتقانه.
  • الفلاح في الأمور، وتحقيق الظفر والنصر على الأعداء.
  • كمال النفس والفوز بالقرب من الله ذي الجلال والإكرام والزلفى لديه والرضوان منه والجنة.

وقال: ليس من الإخلاص التعصّب والعصبية لأنهما ضد سلامة القلب.

وليس من الإخلاص التدليس والانتقاء وبتر أقوال الآخرين وتوجيهها حسب ما تشتهي النفس ويرضى الشيطان الرجيم، ومن يفعل ذلك فهو مقطوع ومبتور وباطل ما يصنع، ولا يمكن أن يصل إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولا يمكن أن يدخلوا إلى ساحة قدسه الطاهرة وحرمه الآمن، وبينه وبين النجاة جبال وتلال ووديان، وتجاوزها عسير. عسير، وربما يسقط في وادٍ سحيق لا يخرج منه فيهلك.

وليس من الإخلاص تتبّع عثرات الآخرين، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُسلم بقلبه لا تتبّعوا عثرات المسلمين، فإنّ من يتتبّع عثرات المسلمين يتتبّع الله عثراته، ومن يتتبّع الله عثراته يفضحه”([22]) إلا أنّ النقد العلمي الملتزم لا يُصنّف في دائرة تتبع العثرات، ومن لا يميّز بين تتبع العثرات والنّقد العلمي الملتزم فهو أعمى البصيرة.

وقال: النقد العلمي ليس بخلاف ما هو مأمور به في الشريعة المقدسة من ستر عيوب المؤمنين، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة”([23]) لأنّ النقد العلمي الملتزم لا يتناول القضايا الشخصية، وإنّما يتناول القضايا العلمية والفكرية وقضايا الشأن العام المطروحة للجميع وتمسُّ مصالحهم ومصيرهم في الدنيا والآخرة، وقد بيّنت في الأسبوع الماضي إنّ النقد العلمي الملتزم يمثّل ضرورة: روحية وعلمية وعملية.

دعائم الديمقراطية ومعايير تقويم عمل النواب

وبخصوص دعائم الديمقراطية، قال: لقد حظيت الديمقراطية بسمعة طيبة في العصر الحديث بحيث يعتبر تطبيقها معيارًا لمشروعيّة النظام السياسي، ولهذا تدّعيه كل دولة.

وقال: يختلف مفهوم الديمقراطية باختلاف البلاد المطبّقة فيها، ويطلق على الأنظمة السياسية التي يكون للشعب نصيب حقيقي في الحكم، وله ثلاث دعائم أساسية، وهي:

(1) السيادة الشعبية، وتعني: أنّ الشعب هو مصدر السلطات الثلاث: (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) ويمارس سلطاته بواسط ممثليه الذين يختارهم بواسطة الانتخاب الحر، ليحكموا باسمه ونيابة عنه ـ مع ملاحظة أن الحديث هنا هو عن الديمقراطية وليس الرؤية الإسلامية ـ ومن حقه مراقبتهم وعزلهم، وكل هيئة غير منتخبة لا تعد هيئة نيابية، ولا تُعبِّر عن الإرادة العامة لأبناء الشعب.

 (2) المساواة السياسية، وتعني: أن أبناء الشعب متساوون في الحقوق والواجبات والحريات الممنوحة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فمن حق كل فرد:

  • أن يعتنق أي مذهب ديني أو سياسي.
  • التجمع والتظاهر والانتماء لأي حزب سياسي والتعبير عن رأيه.
  • والترشح للمناصب العامة والتصويت في الانتخابات.
  • الحماية من تعسف السلطة، وألا يدان إلا بموجب ما ينص عليه القانون إزاء دليل قضائي وبموجب الإجراءات القانونية الصولجة السليمة.
  • ونحوها.

 (3) حكم الأغلبية، وذلك: نظرًا لاختلاف أبناء الشعب حول سياسة الدولة، فيؤخذ برأي الأغلبية كإجراء عملي لتسيير شؤون البلاد.

وقال: يجب الحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية، مثل: توفير فرص العمل، والضمان ضد التعطل والعجز والشيخوخة، والتعليم، والصحة، والإسكان، ونحوها، لأنها السبيل للحياة الهادئة الكريمة، وأساس الأمن والاستقرار في المجتمع والدولة.

وقال: توجد مجموعة مظاهر للتخلّف السياسي في الدول، منها:

  • احتكار السلطة وتوارثها، وتعطيل وسائل التبادل السلمي للسلطة.
  • هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين: التشريعية والقضائية وجعلهما تابعتين لها. 
  • احتدام الصراعات العرقية والقبلية والطائفية والحزبية على حساب الوحدة والاستقرار والمصالح المشتركة.
  • انتهاك الحقوق ومصادرة الحريات الأساسية لأبناء الشعب.
  • تقييد حرية التنظيم وفرض الهيمنة على وسائل الاعلام.
  • منع السلطة التنفيذية القوى السياسية الفاعلة من الاتفاق على الحد الأدنى المشترك.
  • تقوية أجهزة المخابرات وتوزيع عملائها بين صفوف أبناء الشعب بهدف السيطرة على الرأي العام والحيلولة دون تشكيل رأي عام معارض.
  • ونحوها.

وقال: هناك أيضًا مجموعة مظاهر للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ويمكن الرجوع إلى كتابي (الدولة والحكومة) لمعرفتها.

وبخصوص معايير تقييم عمل النواب، قال: يمكن وضع مجموعة معايير أساسية لتقييم عمل النواب، منها:

(1): القيام بالوظائف الأساسية للسلطة التشريعية، وهي:

  • إصدار القوانين التي تعبر عن الإرادة العامة لأبناء الشعب، وتصون الحقوق والحريات العامة وتخدم مصالح أبناء الشعب.
  • الإشراف على تشكيل السلطتين: التنفيذية والقضائية، ومراقبة عملهما.
  • أن تكون السلطة التشريعية هي الاداة الفعلية التي ترسم سياسات الدولة وتحركها.

 (2): تنفيذ برامجهم التنموية والإصلاحية التي تقدموا بها في حملاتهم الانتخابية واختارهم أبناء الشعب استنادًا إليها، ومالم تكن هناك برامج، أو مالم تنفّذ، فإنّ هذا دليل الفشل.

 (3): أن يكون لعملهم قيمة إضافية إلى عمل السلطتين: التنفيذية والقضائية، ولا يكون عملهم مجرّد وجود شكلي ومشاركة عقيمة ولا يضيف شيئًا نوعيًّا إلى عمل السلطة وبرامج عملها. فالبرلمان يستنزف الكثير من ثروة الشعب، وبدون القيمة الإضافية لعمله، يكون وجوده عبثًا، وسرقة لأموال الشعب.

وقال: تُعرف القيمة الإضافية لعمل البرلمان بالإجابة على السؤال التالي: ما هو الفرق في أداء السلطة وبرامج عملها ودورها في التنمية والإصلاح وخدمة قصايا الشعب ومصالحه وبين وجود البرلمان وعدم وجوده.

 (4): أن يعمل النائب من أجل كل المواطنين لأنه ممثّل للشعب ككل وليس من أجل دائرته الانتخابية، ولكي يكون العمل النيابي أداةً للمحافظة على الوحدة الوطنيّة والتقدّم والرقي والازدهار، وليس أداة للتشطير وتفتيت الوحدة الوطنية والتفريط في المصالح الوطنية المشتركة.

وقال: إنّ انطلاق النائب من مصلحة دائرته الانتخابية في عمله البرلماني بدلاً من مصلحة الشعب، يدلُّ على الأنانية لأنه يفكر في مسألة انتخابه وليس في مصلحة الوطن، وهو بخلاف الصدق والوفاء والأمانة، ومن شأنه أن يوقع الضرر بالوحدة الوطنية وبمصالح المواطنين المشتركة، ويعيق التقدم والإصلاح في البلد. فيجب على أعضاء البرلمان جميعًا أن يتقيدوا بالتعبير عن إرادة ابناء الشعب وتوجهاتهم وصيانة حقوقهم وحرياتهم وخدمة مصالحهم، وما لم يفعلوا فقد خانوا الشعب والأمانة.

مظاهر الهوس الأمني في البلاد

وبخصوص المظاهر الأمنية في البلاد، قال: إنّ المظاهر الأمنية المبالغ فيها كثيًرا في البلاد لا تعكس حرص السلطة على أمن المواطنين وراحتهم، وإنّما هي مظاهر هوس أمني مبالغ فيها وهدفها ترويع الموطنين وتخويفهم، ومنعهم من الاحتجاج والتعبير عن آرائهم، وتعكس مدى القلق والاضطراب لدى السلطة، وخوفها من حركة الشارع التي يمارس فيها المواطنون حقهم في التعرب عن آرائهم حول القضايا التي يعيشها المواطنون وحول أداء السلطة في كافة الملفات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية وغيرها، والاحتجاج على انتهاكات السلطة لحقوقهم الطبيعية وتقييدها لحرياتهم الأساسية.

وقال: إنّ المراقب يجد من خلال وجود تلك المظاهر الأمنيّة المنتشرة في طول البلاد وعرضها وضعًا غير طبيعي تعيشه البلاد، وهي في نفسها مظاهر غير طبيعية، فهي لا تعكس هاجسًا أمنيًا واقعيًا، وإنّما تعكس هَوَسًا أمنيًا مريضًا، وعلاقة غير طبيعية بين السلطة والشعب.

وقال: إلى متى سوف تستمر السلطة في هذا الهوس الأمني المكلف جدًا، الذي يستنزف الكثير من ميزانية الدولة على حساب التنمية والخدمات الأساسية التي ينبغي أن تقدّمها الدولة للمواطنين، مثل: التعليم والصحة والإسكان، وتُعيش المواطنين في ظروف أمنية غير طبيعية.

وقال: هل تظن السلطة بأنّها من خلال هذا الهوس الأمني تستطيع مواجهة تطلعات المواطنين في الشراكة الشعبية في صناعة القرار، والقضاء على قوى المعارضة؟!

وقال : ليس في وسع السلطة القضاء على قوى المعارضة والمطالبة الشعبية بالشراكة الفعلية في صناعة القرار، لأنّ وجود الحركة المطلبية الشعبية وقوى المعارضة ليست ترفًا سياسيًا، وإنّما هي ضرورة وطنية وإنسانية خلقتها الأوضاع والأحداث على الأرض، وتعكس روحية مشبعة بالعزة والكرامة والطموح في الحياة الطيبة الكريمة، والوعي بالحقوق والواجبات لدى أبناء الشعب، فهي حركة ممتدة تنتقل من جيل إلى جيل، ولن يوقفها قمع السلطة وإرهابها، فسوف تستمر ويستلم رايتها كل جيل بعد جيل حتى تتحقق المطالب العادلة، لأنها استجابة إرادية واعية وواقعية لما هو موجود على الأرض، وما هو مسطور في العقل والقلب والروح .

قال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي هو أحد ضحايا الهجمة القمعية الأخيرة، وقد ضمت كوكبة المعتقلين بعض قياداته وكوادره والكثير من جماهيره، وهو يسعى للقيام بما في وسعه القيام به تجاه المعتقلين جميعًا من وراء الحصار والاستهداف الشامل من السلطة ومن غيرها بهدف القضاء عليه وتصفية كوادره ومنع تحركه على الأرض.

وقال: مما يؤسف له أنّ البعض وعلى خلفية الخصومة السياسية بدلاً من أن يظهر التعاطف مع التيار فإنه يشمت به علنًا ويحاول أن يفرّق بينه وبين قياداته وكوادره وجماهيره المعتقلين وكأنّهم غيره، ويزعم مع ذلك أنه يحمل روح إيمانية ووطنية!!

وقال: لا أدري كيف يفسِّر البعض اعتبارهم لشخص ما بأّنه خصم وعدو ويهاجموه بشراسة وهو حر، ثم يزعموا أنّهم يدافعون عنه وهو أسير؟! إنّ على هؤلاء أن يزنوا الأمور بشكل صحيح: دينيًا وعقليًا وسياسيًا وأخلاقيًا، وأن يعودوا إلى أنفسهم ويسعوا إلى تنقيتها من كل الشوائب، وإلى مواقفهم فيصحّحوها وفق المعايير الدينية والأخلاقية والعقلية والسياسية الصحيحة، ويخرجوا أنفسهم من الوهم والضبابية والظلام.

وقال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي لديه كل الحرص على حفظ حقوق الأخوة وتوحيد الصف على أسس صحيحة، ويمارس النقد من أجل الهداية والإصلاح، ولا يضع أحدا فوق المصلحة العامة: (الدينية والوطنية) فمن قبله بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن يريد أن ينضم إلى قائمة أعداء التيار تحت أي عنوان كان فله ذلك ولن يمنعه أحد، ويمكنه أن يشارك بجهوده وبما يملك من أدوات مع الساعين في القضاء عليه وتصفيته، إلا أنّ ذلك لن يوقف تيار الوفاء الإسلامي عن بذل وسعه في القيام بواجبه الديني والوطني، وكلٌّ سوف يلقى الله العزيز الحميد يوم القيامة بعمله، ويلقى جزاؤه وفق عمله أيضًا، قول الله تعالى: )جَزَاء وِفَاقًا(([24]) أي جزاء موافقا للعمل.

وقال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي لا يميّز بين المعتقلين المظلومين في القيام بالواجب نحوهم، فقد تأسّس التيار على خلفية الانتصار للمظلومين.

وقال: تحرّك تيار الوفاء الإسلامي في قضية المعتقلين مرتبط بتشخيصه للوضع وبما يرى بأنّه المناسب والأفضل ولم يضعف ولم ينفعل وسوف يبقى صامدًا ويدير الأزمة برويّة ـ إن شاء الله تعالى ـ وهو يقف على مختلف وجهات النظر ويقبل النقد والرأي الآخر، ولا يمنع أحدًا من إبداء وجهة نظره، وحياة قياداته الذين هم خارج السجن فداءً للدين والوطن، وإنّهم ليأنسون كثيرًا بدعاء الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الطائف، قوله: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير إن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل على غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.

ردود الفعل على انتقاداته

وبخصوص ردود الفعل على انتقاداته، قال: لا أحب أن يتعصّب أحد لي، وقد سبق أن بيّنت بأنّ العصيبة هي بخلاف الإخلاص، ولا أحبُّ الرد من أجل خاطري على السيئة بمثلها، ردّوا باسمي وتحت عنواني على السيئة بالحسنة، قول الله تعالى: )وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ(([25]) واحفظوا حقوق الأخوّة، وأنا أبرء من كل إساءة إلى أي أحد من أجل خاطري، وأنصح بتجنّب التراشق الكلامي، والسعي للمحافظة على وحدة الصف، وأرى بأنّ ظاهرة التراشق الكلامي ظاهرة غير بريئة، وللمندسين وأصحاب المصالح الخسيسة دور فاعل وأساسي فيها، ويجب على الجميع الحذر منهم، وعدم الوقوع في فخهم الشيطاني الخبيث.

وقال: أنا أمارس النقد العلمي الملتزم فيما يجوز لي فيه النقد عقلاً وشرعًا، وهو التزام روحي وشرعي، ويدخل في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويهدف إلى كشف ما أرى بأنّه حقٌ وعدل وصواب ـ بحسب اجتهادي فيما يحق لي فيه الاجتهاد ـ وهناك من لا يرتضي هذا النقد، وهذا من حقه، إلا أنّ هناك من يمارس الإرهاب السياسي والفكري والديني من أجل منعه، وهم يخلطون بين النقد العلمي الملتزم الذي يعمل على كشف الحقائق وبيانها إلى الناس بهدف التصحيح والتطوير، وبين القذف والإساءة والتسقيط والتشهير ونحوها، ويجعلونهما جهالة في خانة واحدة.

وقال: مما يؤسف له أنّ معظم الردود هي عبارة عن موجات غضب غرائزية بهدف الانتقام ولا تخضع للمعايير العلمية ولا الأخلاقية في الرد، فهي ليست ردود مبدئية قائمة على الإيمان والقناعة ـ ويكفيها هذا قبحًا ـ بمقدار ما هي ردود فعل انتقامية ضد النقد الذي لا يعجبهم ولا يرضونه.

وقال: لقد كنت أقصد ما قلت، وقد قلته بوعي تام وإرادة متجليّة، لقد قلت ما رأيت أنّ من الواجب عليّ قوله، وما أردت إلا الإصلاح، وقد وصلت الرسالة إلى أصحاب الشأن، وأرجو أن تُقرأ بشكل صحيح وفي أجواء فكريّة وروحيّة صافية، ولن تضرّني ردود الفعل الغرائزية والانتقامية بشيء، ويكفي في قبحها عدم مبدئيتها، فهي غاضبة لأنّها غير راضية عن النقد وتريد أن ترد عليه وتعاقب صاحبه بأي شكل، وأصحابها لا يميّزون للأسف الشديد بين النقد العلمي الملتزم وبين القذف والإساءة والتسقيط، فلهم أن يشفوا غيظ صدورهم كما يشاؤون.

وقال: إن ّسماحة السيد عبد الله الغريفي (أيده الله تعالى) رأى بأنّ ما قمت به من نقد لا يصح السكوت عنه، ولهذا أخذ على نفسه التصدّي للرد، وهذا من حقّه، وأنا رأيت بأنّ هناك وضع خاطئ من شأنه أن يؤثِّر سلبًا على الحالة الإيمانية للمؤمنين وعلى المصالح العامة لهم ولجميع المواطنين فأشرت إليه، فكيف يجوز لسماحة السيد الغريفي (أيده الله تعالى) أن يتصدّى للرد على نقد وضع يتعلّق بشخصية قيادية بارزة، ولا يجوز لي أن أشير إلى وضع خاطئ من شأنه أن يؤثِّر سلبًا على الحالة الإيمانية العامة والمصالح العامة للمؤمنين والمواطنين.

وقال: أليس التصدي لنقد وضع خاطئ من شأنه أن يؤثِّر سلبًا على الحالة الإيمانية العامة والمصالح العامة للمؤمنين والمواطنين أولى من التصدي للرد على نقد لوضع يتعلق بشخيصة قيادية بارزة لم يتجاوز فيها الناقد الأدب وإن كان للنقد أضرار عامة برأي المتصدي للرد؟! )فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(؟!

وقال: لن أصالح أحدًا ولن أجمال أحدًا على حساب ما أرى إنّ فيه الحقيقة والصواب والمصلحة العامّة للناس، فإنّ ذلك من مقتضى الصدق والإخلاص والأمانة والعدالة والوفاء وغيرها من القيم النبيلة التي يأمرنا بها العقل والدين، قول الله تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( ([26]) فمن قبل بذلك فهو خير، ومن لم يقبل فإنّي مستغني بالله العزيز الحميد عن كل أحد.

وقال: كل الاحترام والتقدير والترحيب بالردود العلمية المتزنة.

وقال: أصحاب الردود ثلاث فئات:

(1): فئة المؤمنين الذين رأوا فيما وجّهته من نقد إساءة غير مقبولة، فردّوا بدوافع إيمانية ودينية صادقة، وقلبي سلم مع هؤلاء، وأنا لا أقصد إيذاءهم ولا الإساءة إلى ما يؤمنون به قطعًا، وأدعو لهم دائمًا، في الليل والنهار، وأقول لهؤلاء الأعزاء إنّما أردت المصلحة وليس فيما وجّهته من نقد أية إساءة أو مخالفة للأدب المطلوب، وإنّما هو اجتهاد فيما يحق لي فيه الاجتهاد، فليس عليكم إلا أن تقرأوا ما كُتب برويّة وهدوء وفي أجواء فكرية وروحيّة صافية بعيدًا عن الانفعال وأجواء التهييج التي يثيرها بعض المغرّضين والجهلة، لتجدوا بألاّ إساءة أبدًا فيما كُتب، وفي جميع الأحوال أنا أقبل نقدكم، وأتفهّم حالكم، غفر الله لي ولكم، وجمعني وإياكم على الحق والعدل والخير والفضيلة في الدنيا والآخرة مع محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام).

(2): فئة المندّسين وأصحاب المصالح الذين رأوا فيما وجّهته من نقد خطرًا على مصالحهم فاستنفروا قواهم وحركوا ماكينتهم الإعلامية وتحزّبوا وحرّفوا الكلام عن مواضعه وخلقوا أجواءً انفعالية سلبية للتعاطي مع النقد وحرضوا على صاحبه، وأقول لهؤلاء الجهلة إنِّي توكلت على الله العزيز الجبار )فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ(([27]).

(3): فئة الهمج الرعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، وهؤلاء كلامهم تهريج، وأنا أشفق على حالهم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل لهم نور ليكونوا من أهل المعرفة والمواقف والخيارات الواعية في الحياة.

وقال: أقول لقادة الرأي: إنّ السعي لتكميم الأفواه لن يحل المشكلة بل سيزيد فيها قطعًا ويضاعفها أضعافًا مضاعفة، فينبغي النظر في حقيقة ما هو قائم، والبحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء المشاكل، والسعي لحلّها بصدق وجدية، وألا يضيق صدركم بالرأي الآخر، ولا تكن السلطة التي نطالبها بقبول الرأي الآخر ومشاركته أصبر منكم على النقد وأكثر تقبّلاً للرأي الآخر. 

وأقول للمتحزّبين وقادة الإرهاب الفكري والديني: عليكم أن تيأسوا كما يأس الذين من قبلكم فأنتم لا تملكون أكثر مما يملكون.

وأقول للمتحزّبين الذين يسعون لإزالة هذا العبد الحقير من الخارطة السياسية: لا تملكون ذلك )إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا( فأنا أقوم بواجبي الديني والوطني، وأنتم لا تملكون السيطرة لا على نفسي ولا على عقلي ولا على قلبي ـ فالذي يملكها غيركم ـ ولا تملكون ما ترهبونني به أكثر من غيركم، فلم ينفع السجن من قبل، ولن ينفع التحزّب والإرهاب الفكري والديني ولا غيره من بعد، ولكن لكم أن تنتظروا الرحيل فهو قادم لا محالة، والشوق له عظيم، ولكم يومئذ أن تفرحوا مع الفرحين، وتكونوا لهم شركاء!! فالصبر جميل ـ إن شاء الله تعالى ـ والله المستعان.

وقال: إنّ القوم يريدوني ولا يريدون غيري، ويقولون إنّي أحصد ما زرعت يميني، فأنا الذي أسّست إلى النقد وعليّ أن أجني ثمره المر ـ بزعمهم ـ فاتركوني وحدي في هذه المعركة، فلن يضروني بشيء، ولن يمسني شيء من إساءاتهم وتسفيطهم وانتقامهم وهي تعود عليهم، فلا بأس عليّ منها، ولن تغيّر شيًئا في الأطروحات والمواقف والعلاقات، وأنا أستفيد منها علميًا وروحيًا، وأنا والله لا أجني الثمر المر، وإنّما أجني الثمر الحلو، والعسل المصفّى، فليتهم يعلمون، وكما قال أمير الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “ما ترك لي الحق من صديق” فلن أترك كلمة الحق مهما فعل الناس بي، وإنّ رضا الله العزيز الحميد هو الثمر الحلو الذي أجنيه إن شاء الله تعالى..

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

وإذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والعاقبة للمتقين.

وقال: خروجكم من هذه المعركة خير لي ولكم ولجميع المؤمنين، لأنّ دخولكم فيها من شأنه أن يوتِّر الأجواء أكثر، وليس فيه مرضاة لله عز وجل ولا مصلحة للعباد، بل فيه مرضاة للشيطان، وخدمة لأجندة الأعداء، واطمئنوا فلن أقول بأنّ الناس قد تركوني وحدي في هذه المعركة.

وقال: إنّ التجارب الروحية في التعاطي مع أحداث الحياة وهمومها ومشاكلها وقضاياها كلّها تصب في خندق النور الواحد، وهو كمال الروح وتصفية النفس ونقاء القلب والقرب من الله ذي الجلال والإكرام، وأهم شيء قد تعلمته من هذه التجارب وغُرس في أعماق قلبي، هو: ألاّ أعوّل على أحد غير الله عزّ وجل في شيء قلّ أم كثر، فإنّ أصل التعويل على الناس بدون الله عز وجل هو تعويل على الوهم والسراب الذي لا حقيقة واقعية له، قول الله تعالى: )وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فوفاة حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(([28]) فالتعويل الواقعي الوحيد هو على الله الواحد القهار لا على غيره.

وقال: بحق السماء ومن فيها لا أطلب النصرة من أحد في هذه المعركة لا من عالم ولا من غيره، وما أطلبه من الجميع هو الوقوف جميعًا من أجل نصرة المظلومين وتحقيق مطالب الشعب العادلة.

مسائل متفرقة

(1) وبخصوص إلغاء تأبين العلامة الجمري في السنابس بسبب مشاركته فيه، قال: ليس هذا هو الحدث الأول من نوعه، ولن يكون الأخير ـ فصبر جميل والله المستعان ـ والأخوة الأعزاء في إدارة مأتم السنابس من حقّهم أن يتحفّظوا على مشاركتي إن كانت ستجرُّ لهم بعض المشاكل، وهم معذورون فيما قاموا به، ولهم منّي التحية والكرامة والسلام، ولا حاجة لأن يعتذروا إلي ـ إن كانت لهم إرادة ذلك ـ وأوصي الجميع بعدم الإساءة إليهم أو الضغط عليهم، لأن الإكراه سيئة، والمطلوب هو الإقناع بالأدلة والبراهين فهو الحسنة المطلوبة في هذا الأمر وغيره.

 (2) وبخصوص إساءة سميرة رجب إلى مقام سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، قال: لأنّ سميرة بعثية فلها موقف شكلي معادي لأمريكا لأنّ أمريكا أسقطت نظام البعث الصدامي في العراق، وإذا كانت صادقة في معاداة أمريكا فيجب أن يكون لها موقف من السلطة في البحرين لأنّها حليف استراتيجي لأمريكا وتستضيف الأسطول الخامس، بينما الحقيقة أنها معيّنة من قبل الملك في مجلس الشورى، وهي تدافع بشراسة عن السلطة في البحرين.

وقال: أنا لا أعطي أية التفاتة لإساءة سميرة للمقام الشامخ لآية الله العظمى السيد السيستاني (أيده الله تعالى) ليس على قاعدة: “إذا أتتك مذمتي من ناقص    فهي الشهادة لي بأني كامل” بل لأنّ المقام الشامخ لسماحة آية الله العظمى من الوضوح كالشمس في واضح النهار بحيث لا يحتاج إلى من يثبته، ولأن سميرة لا تؤشر على شيء.

وقال: لولا سؤالكم لما تكلّمت في هذا الموضوع.

 (3) وبخصوص المطالبة بمناقشة القضايا العامة في الغرف المغلقة، قال: هناك خطأ يتكرّر ذكره كثيرًا في المجالس والمنتديات وغيرها، وهو المطالبة بمناقشة القضايا العامة في الغرف المغلقة، وهذا غير صحيح، وهو نفس ما تطالبنا به الحكومات المستبدّة، فالقضايا العامة تخصُّ الناس جميعًا، وتجب مناقشتها أمام الرأي العام من أجل خلق الوعي لدى جميع الناس، وهذا ما يأمرنا به القرآن الكريم، قول الله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(([29]).

(4) وبخصوص صدور تقرير ديوان الرقابة المالية، قال: لقد كشف التقرير الكثير من الفساد والتجاوزات المالية والإدارية الرسمية، وهناك الكثير من الفساد والتجاوزات لم يكشفها التقرير بالطبع، وقد سبق أن أوضحت رأيي حول فاعلية الرقابة البرلمانية الحالية، وأنا إذ أفترض مع صدور هذا الحجم الضخم من الفساد والتجاوزات المالية والإدارية الرسمية دور الصراع على النفوذ في السلطة، فإني أرى في ذلك التقرير رسالة من السلطة إلى البرلمان: أن هذه الحقائق أمامكم، ولستم قادرين على كشف ما هو أكثر منها، فأرونا ما أنتم فاعلون!!

وقال: لقد كسبت السلطة في السنوات الأخيرة الكثير من الخبرة، وتطوّر أداؤها السياسي والأمني بما يخدم أجندتها ومصالحها بشكل نوعي، وأرى بأنّ لعب السلطة مع البرلمان على المكشوف يسقط ما في أيدي أعضاء البرلمان، ويحرجهم أكثر مع ناخبيهم.

وقال: أرجو أن توحِّد قوى المعارضة صفوفها، وتفكِّر في المشتركات الوطنية بشكل أفضل، وتجمع قواها للتحرك الجدي من أجل إصلاح حقيقي، فالفرصة مع توفِّر الإرادة الجدية لا تزال قائمة، ولكني أرى وجود خلل في منهج عمل المعارضة، وخلل في الإرادة أيضًا، ولن يتحقّق الإصلاح الفعلي بدون إصلاح هذين الخللين لدى قوى المعارضة.


([1]) النحل: 66.

([2]) الزمر: 2.

([3]) الشعراء: 88 ـ 89.

([4]) يوسف: 54.

([5]) ص: 46.

([6]) يوسف: 24.

([7]) مريم: 51.

([8]) المحجة، ج8، ص133.

([9]) سورة التوحيد.

([10]) غرر الحكم.

([11]) الأنعام: 82.

([12]) يونس: 63.

([13]) فاطر: 10.

([14]) الشعراء: 88 ـ 89.

([15]) الروم: 57.

 ([16])البينة: 5.

([17]) ص: 82 ـ 83.

([18]) طه: 41.

([19]) الصافات: 159 ـ 160.

([20]) الفتح: 26.

([21]) تحف العقول.

([22]) جامع السعادات. ج2. ص270.

([23]) نفس المصدر. ص271.

([24]) النبأ: 26.

([25]) الرعد: 22.

([26]) البقرة: 140.

([27]) يونس: 71.

([28]) النور: 39.

([29]) يوسف: 108.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى