لقاء الثلاثاء (37) | 8-2-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

المشروع الإسلامي الفكري والسياسي

قال الأستاذ: يوجد تراجع وخمول في الجانب الفكري والروحي بالمقارنة مع مرحلة انتفاضة الكرامة المباركة. فالجانب السياسي هو الأكثر حضورًا والأقوى تأثيرًا من الجانب الفكري والروحي في معظم المؤمنين الناشطين على الساحة الوطنية (نخبًا وجماهير) في الوقت الحاضر، وهذا لا يعني ابتعادهم عن الدين، وإنما خمول الجانب الفكري والروحي لصالح الجانب السياسي لديهم، وهذه حالة سلبية تنبغي معالجتها.

وقال: في سبيل تحصيل المعالجة المناسبة الأفضل، أشير إلى بعض النقاط التي ينبغي أن يأخذها المؤمنون بعين الاعتبار:

النقطة (1): يُعتبر المشروع الفكري هو المشروع الإمام الذي يقود المشاريع الإسلامية الأخرى: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها، فإذا لم يخضع المشروع السياسي إلى مشروع فكري يقوده ويهيمن عليه، فإنّ المشروع السياسي يتحوّل إلى مجرّد مشروع سلطوي خالي من أية قيمة إنسانيّة حقيقيّة.

وقال: إنّ تجريد العمل السياسي من بُعدِه الفكري والروحي، يُمثِّل حالة ضارّة بالدين والسياسة، والمطلوب وجود كيان إسلامي يمارس العمل السياسي من خلال رؤية إسلاميّة شاملة بحيث تتجلّى فيه الأبعاد الفكرية والروحيّة للدين (وهي الصورة التي يُقدِّمُها تيار الوفاء الإسلامي عن نفسه) ومن أجل ذلك: يجب تنشيط دور المساجد والمآتم في الحياة، وأرى بأنّ أحد أخطر جوانب الخلل في قانون الجمعيّات، منعه الجمعيات السياسية من ممارسة الأنشطة السياسية في المساجد والمآتم، وهو بخلاف الرؤية الإسلامية لدور المساجد والمآتم في الحياة.

النقطة (2): السياسة لا تنفصل عن الدين، ولكن ينبغي التمييز بين حالتين:

• أن يدخل الدين على السياسة فيحكمها بتشريعاته وقيمه ومبادئه فيزيّنها.

• أن تدخل السياسة على الدين وتتحكّم فيه بأغراضها فيكون الدين وتكون السياسية سيئين.

وقد وجدنا أشكالاً من تحكّم السياسية في الدين، منها: تحريف المفاهيم والفتاوى الدينية وتسخيرها لخدمة الأغراض السياسية.

وقال: نحن أمام منهجين يتحركان على الساحة الإسلامية:

• منهج يقوم على اتّخاذ المواقف السياسية أولاً، ثمّ السعي لإيجاد المفاهيم والفتاوى الشرعيّة لتبريرها.

• ومنهج يقوم على تأصيل المفاهيم واستنباط الأحكام الشرعية بشكل موضوعي أولاً، ثمّ اتّخاذ المواقف السياسية على ضوئها.

النقطة (3): من الأخطاء التي يقع فيها بعض المؤمنين، تحويلهم الخلافات السياسية إلى خلافات دينية وفكرية، وتحويل من يختلف معهم سياسيًّا من المؤمنين إلى خصوم وأعداء، وهذا بخلاف الرشد والإخلاص. فالراشد هو الذي يحفظ حقوق الأخوة، ويُجمِّد الخلافات السياسية ـ إذا اقتضى الأمر ـ من أجل المحافظة على الوحدة الفكرية والدينية، وليس الذي يُحوِّل الخلافات السياسيّة إلى خلافات فكرية ودينية. لأنّ بقاء الوحدة الدينيّة والفكريّة من شأنه أن يخلق أرضية تُسهِّل من خلالها السيطرة على الخلافات الأخرى وحلها، بينما تحويل الخلافات السياسيّة إلى خلافات دينيّة وفكريّة، من شأنه أن يُعقِّد الخلافات السياسيّة ويرسِّخُها ويُصعِّب حلَّها.

النقطة (4): إنّ غاية الدين هو إقامة العدل، قول الله تعالى: )شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(([1]) وقول الله تعالى: )لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ(([2]) وهذا يعني إنّ الدين يمتلك مشروعًا شاملاً لجميع جوانب الحياة، ويريد أن تكون كل أوضاع المجتمع: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها انعكاسًا لعقيدة التوحيد، ومنضبطة بضوابط الدين الحنيف الشرعية، وتحمل مبادئه وقيمية المعنوية. وعليه فإنّ الدين لا ينفصل عن قضايا الناس وهمومهم اليومية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهذا يستلزم أن يهتم المتدينون بقضايا الناس، ويكونوا مشتغلين بهمومهم اليومية، ويسعون إلى إصلاح أوضاعهم وتطويرها.

وقد ثبت بالتجربة التاريخية والمعاصرة:

  • بأنّ النّاس لا يتفاعلون مع الدين بشكل جيّد وصحيح إذا قُدِّم لهم كحالة صوفية وبعيدًا عن قضاياهم وهمومهم اليومية.
  • وأنّهم يكونوا أكثر إقبالاً على الدين في حال اهتمام الرموز والقيادات والمؤسسات الدينية بقضايا الناس وهمومهم اليومية، ويساهم في فتح مسامع قلوبهم لفهم أفضل للدين.

وقال: في السبعينات من القرن الماضي لم يكن هناك تيار إسلامي سياسي في البحرين، ممّا أدّى إلى وجود فراغٍ فَسَحَ المجال إلى انتشار التيارات اليسارية والعلمانية وفرض سيطرتها على الساحة السياسية الشعبية في البحرين. ولمّا وجد التيار الإسلامي السياسي في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وكان له حضوره على الساحة الوطنية، أصبحت له السيطرة والتقدّم على غيره. ولا يغيب على أحد الدور الذي لعبه قيام الثورة الإسلامية في إيران في إحياء الدين وتصحيح الكثير الكثير من المفاهيم عن الدين ودوره الحضاري في المجتمع. وكذلك الدور الذي لعبته المقاومة الإسلامية في لبنان والرصيد الضخم الذي أضافته إلى الدين.

وبخصوص توجُّه بعض الشباب المؤمن إلى التيارات الفكرية الأخرى، مثل: الحداثة، قال: البحرين ملتقى الحضارات، ولها تاريخ حضاري عريق، ويمتلك الشعب البحريني تراثًا فكريًّا ضخمًا، قد عَمَلَت السلطة على طمسه وتغييبه عن الجيل الحالي، لأنّه ليس تراثًا لها ولا يَمُتُّ إليها بصلة. والانفتاح الفكري من سمات الشعب البحريني، والحوار العلمي الموضوعي من سمات علمائه. ولكن في هذا الزمن الرديء الذي قلَّ فيه العلماء، غَلَبَ الجهل على العلم، والتعصُّب على الانفتاح والحوار، وتصدّى للتوجيه ومعالجة المسائل العلمية من ليس هو أهل لذلك. لهذا السبب ضاع الكثير من شبابنا. إنّ الكثير من الحداثيين الذين نتحدّث عنهم ونهاجمهم ونشهِّر بهم، كانوا من شبابنا المؤمن المخلصين، ولازال الكثير منهم كذلك، والمشكلة الحقيقية أنّه لا يوجد من العلماء من يحتضنهم وينفتح عليهم ويحاورهم بموضوعيّة حوارًا علميًّا، وكانوا بدلاً من ذلك عرضة للهجوم والقذف والتشهير بهم ـ وهو بضاعة المفلسين ـ فخلق الزعل والحنق في نفوس الكثير منهم، وزاد في المشكلة بدلاً من حلِّها.

إنّ العديد من شبابنا المؤمنين يلجؤون إلى الحداثة وغيرها، لأنّهم في الحقيقة لا يجدون من يحاورهم ويناقش أفكارهم، ويجيب على أسئلتهم بموضوعيّة، ويُقدِّم لهم الزاد العلمي المناسب لاهتماماتهم الفكرية، ويُشبع رغبتهم في المزيد من جديد الفكر وأرقاه.

وقال: نحن نعاني من غياب مشروع إسلامي ثقافي، ويغلب على أطروحات معظم علمائنا، ومعالجاتهم للمسائل الفكرية، ونقضهم للأطروحات: الارتجال، وانعدام المنهجيّة، وقصر النفس، وعدم التخصّص.

مثال: مسألة السفارة التي أثار خبرها ضجّة عظيمة، فأُقيمت العديد من المحاضرات والندوات والمهرجانات الخطابية في كل مكان في البحرين، ثم توقّف كل شيء، وأصبح أدعياء السفارة يسرحون ويمرحون بهدوء في كل مكان، ويمارسون أنشطتهم المختلفة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ولهم مؤسساتهم، مثل: جمعية التجديد، وقد ساهموا في هدم العديد من الأسر، وقد حصلت لهم الجرأة على نشر أفكارهم وتوزيعها بالإيميل على الرموز والقيادات في المجتمع، ولا أحد يسأل عنهم أو يعترض عليهم!!

تأثير الخلافات بين المؤمنين على حركة الشارع

وبخصوص حركة الشارع، قال: من الواضح جدًا إنّ الخلافات بين المؤمنين وسوء الأداء قد أثّرا سلبًا على معنويات المؤمنين وعلى حركة الشارع، ولكن القضاء على الحسِّ الثوري لدى الشعب البحريني أمر غير ممكن، وذلك لأنّ:

• الشعب البحريني يتغذّى على ثقافة المنبر الحسيني.

• وإنّ تأثير هذه الثقافة أقوى من أيِّ شيءٍ آخر.

ومهما تمّ الترويج للمفاهيم المغايرة، وبواسطة أيِّ إنسانٍ كان، فإنّها لن تنجح في القضاء على الحسِّ الثوري، لأنّ عشاق الإمام الحسين o يتعاطون بفطرتهم السليمة مع ذات الثورة بتفاصيلها وبمخرجاتها التاريخيّة المعروفة، وهي تفاصيل ومخرجات تسحق تحت أقدامها كل مفاهيم الضعف والتخويف والتثبيط والتخاذل والهزيمة والاستسلام التي يُروِّج لها دعاة الواقعيّة والحسابات المادية.

والخلاصة: منطق العشق يختلف عن منطق الواقعيّة الماديّة، وسوف ينتصر العشق والعاشقون على منطق الواقعيين وحساباتهم المادية في الحياة.

رسالتين للمعارضة والسلطة

وبخصوص إدارة الاختلاف بين المؤمنين وحركات احتجاج الشارع، قال: أرغب في هذه الليلة في توجيه رسالتين:

الرسالة (1) إلى رموز وقيادات وقوى المعارضة: وتتعلق بوحدة الصف وإدارة الاختلاف، حيث تختلف قوى المعارضة حول العمل ضمن الأطر الرسمية والعمل من خارجها.

ونحن نُجمع على إنّ قانون الجمعيات السياسية قانون ظالم لا يمكن الصبر على ظلمه ـ بحسب توصيف سماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) ومُقيِّد لحركة القوى السياسية ويمنعها من ممارسة حقوقها الطبيعية في العمل السياسي، وكان لقوى المعارضة ـ بما فيهم الأخوة في الوفاق ـ نشاطات مناهضة للقانون قبل إقراره في البرلمان.

وفيما يتعلّق بالبرلمان: يُجمع الكل على إنّ للسلطة التنفيذية السيطرة التّامة على هذا البرلمان، وإنّ الأعضاء المنتخبين غير قادرين على إصدار أي قانون بخلاف رغبة السلطة التنفيذية، وغير قادرين على ممارسة الرقابة والمحاسبة الحقيقيّة للسلطة التنفيذيّة، ولهذا تكثر المناشدات منهم لرموز السلطة التنفيذيّة بأن يسمحوا بتحقيق بعض الإنجاز للمجلس، ليمكن إقناع قواعدهم بجدوى المشاركة فيه.

فإذا كان هذا هو حال قانون الجمعيات السياسيّة والمؤسَّسة البرلمانيّة!! فمن الخطأ الفادح جدًا ربط مصير الشعب والمعارضة بهما. وإذا كانت هناك حاجة أو مصلحة في تقدير بعض قوى المعارضة للعمل تحت مظلَّة قانون الجمعيات السياسيّة، وتحت قبّة البرلمان، فلها أن تفعل، ولكن من الخطأ حصر الخيار في العمل ضمنهما، فهو خطأ قاتل من شأنه أن يقضي على دور المعارضة الفاعل على الساحة الوطنية، وتنتهي بذلك فرصة الإصلاح والتطوير.

فلابدّ ـ على الأقل ـ لبعض قوى المعارضة أن تعمل من خارج هذه الأطر، من أجل أن تحافظ على دورها الفاعل، وتفتح المجال لإحداث الإصلاح السياسي والتطوير على الساحة الوطنية، وأن يكون هناك تنسيق وتعاون بين القوى السياسية التي تعمل ضمن الأطر الرسمية والقوى السياسية التي تعمل من خارجها، مبني على التكامل بينها في الأدوار.

الرسالة (2) للمعارضة والسلطة: وتتعلّق بحركة احتجاجات الشارع، فإنّ لقوى المعارضة مطالب عادلة، ولا يوجد اختلاف بين قوى المعارضة حول هذه المطالب. وقد وضع تيار الوفاء الإسلامي هذه المطالب في بنود ضمن بيان الانطلاق، ثمّ في الرسالة التي بعث بها إلى الملك، ثمّ في بيان نداء الوحدة الوطنية الذي تضمَّنَ الصيغة النهائية لهذه البنود بعد إدخال التعديلات عليها على ضوء ما وصلته من ملاحظات. وقد أعربت جميع قوى المعارضة عن التزامها بالأساليب والوسائل السلميّة في سعىها لتحقيق هذه المطالب. إلا إنّ السلطة لجأت إلى الحلول الأمنيّة وقمع الأنشطة السلميّة التي تمارسها قوى المعارضة، مثل: الندوات والمحاضرات والمهرجانات والاعتصامات والمسيرات السلميّة، واعتقلت وعذّبت وانتهكت الحقوق والحرمات والمقدَّسَات بواسطة أجهزتها القمعيّة التي قوامها من المرتزقة المستوردين من الخارج. فليس على السلطة إلا أن تمتنع عن الحلول الأمنيّة وقمع الأنشطة السلمية، لتنتهي الاحتجاجات. وهذا ما ينبغي لقوى المعارضة أن تطرحه. فليس من المنطقي مطالبة الشباب بالتوقّف عن الاحتجاجات، في الوقت الذي تسعى فيه السلطة لفرض إرادتها المطلقة، وتمارس القمع للأنشطة السلميّة لقوى المعارضة، وتعتقل وتُعذِّب الناشطين السياسيين والحقوقيين، وتنتهك الحرمات والمقدسات.

وقال: لقد ثبت بالتجربة عجز السلطة عن السيطرة على حركة الشارع الاحتجاجية، فكلّما زاد قمع السلطة لهذه الاحتجاجات، زاد بأس الشباب، وازدادت رقعة الاحتجاجات لتشمل مناطق جديدة. وهي تحاول في الوقت الحاضر أن تواجهها من خلال بعض الأهالي، مستفيدة من الاختلافات السياسية بين المواطنين، لتشعل بذلك نار الفتنة الأهلية، من خلال تحريض بعض الأهالي على بعضهم الآخر.

وقال: الفتنة الأهليّة أكثر خطرًا على معنويات المواطنين ومصالحهم من حركة الاحتجاج، ومن المؤسف جدًا أن يأخذ الجهل بلباب البعض، فيتورط أو يكاد أن يتورط في المساهمة الفعلية أو بالتحريض على المساهمة فيها.

وبخصوص المطالب التي أعلن عنها سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم، قال: لقد أعلن سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) في خطبة الجمعة الأخيرة بجامع الإمام الصادق o بالدراز، بتاريخ: 20/ صفر/ 1431هـ عن خمسة مطالب مهمة، وهي:

• دستور من وضع الأغلبية في مجلسٍ نيابيٍ حر.

• أن تكون المؤسسة التشريعية والرقابية من صناعة الشعب وتعبر عن إرادته الخالصة.

• تشكيل الحكومة بشكلٍ يعكس إرادة الشعب.

• قانون انتخاب يعبر عن الإرادة الشعبية.

• إلغاء الصناديق العامة.

وهناك ثلاث قراءات لإعلان سماحته عن هذه المطالب الخمسة المهمة، وهي:

• إنّ المطالب تؤسّس لموقف جديد لسماحته بشأن الانتخابات القادمة.

• إنّ تحقيق المطالب الخمسة من أهم أهداف المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

• إنّ الإعلان عن المطالب يدخل ضمن مساعي سماحته لتسجيل النقاط المهمِّة ضد السلطة كشهادة من سماحته للتاريخ بغض النظر عن المشاركة والمقاطعة.

وقال الأستاذ: بغض النظر عن هذه القراءات، ينبغي دعم هذا الإعلان عن المطالب، والبحث عن أفضل السبل والمواقف لتحقيقها.

وقال: وإنه لشيء جميل جدًا أن يدعو سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) قوى المعارضة للاجتماع للبحث عن أفضل السبل والمواقف لتحقيق المطالب العادلة التي أعلن عنها، ولا يختلف حولها أحد من قوى المعارضة.

وبخصوص دور القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية في حماية الجمعيات السياسية، قال: أصبح حقيقة واضحة إنّ وجود القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية يُمثِّل درعًا واقية لحماية الجمعيات السياسية التي تعمل تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية، حيث حمل وجود القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية السلطة على تخفيف رقابتها على الجمعيات السياسية وإعطائها مساحة أكبر للتحرّك، ولولا وجود القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسميّة، لتشدّدت السلطة في تطبيق بنود قانون الجمعيات السياسية، وشدّدت الخناق على الجمعيات السياسية، وقمعت الكثير من أنشتطها، وحرمتها من الكثير من الأنشطة التي تمارسها في الوقت الحاضر.

والخلاصة: وجود القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، هو ضمن المصلحة الوطنية، وهو رحمة بالمواطنين وبالجمعيات السياسية، فعلى كل الشرفاء في قوى المعارضة أن تدعم وجود هذه القوى وتساندها في دورها الوطني.

وبخصوص شعوره حول هذه العلاقة، قال: نحن نحمل ثقافة الشهادة، والشهيد الذي يقتل في سبيل الله عز وجل، لا يستفيد بشيء من شهادته في حياته الدنيا، فالشهادة تنقله إلى العالم الآخر من لحظة شهادته، والذين يستفيدون من شهادته هم الذين يبقون في الحياة بعده. وكل الذين يحملون ثقافة الشهادة، لا ينافسون أحدًا على شيءٍ من حطام الدنيا الفانية، ويكونوا سعداء لتحمُّل المعاناة والألم والعذاب من أجل مصالح الآخرين وسعادتهم، وأن يكونوا كالشمعة التي تحترق وتذوب من أجل أن يبصر الآخرون ما حولهم، ويبصروا الطريق التي يسيرون فيها، ونحن يسعدنا أن نكون كذلك.

أبناء المجنّسين سوف يكونون خارج سيطرة السلطة

وحول ملف التجنيس، قال: في مارس من عام 2001م، تكلّمت عن التجنيس في ندوة كرباباد، وقلت بأنّ المجنسين يشعرون بفضل الحكومة وتكرمها عليهم بمنحهم الجنسيّة البحرينيّة، إلا إنّ أبناءهم لن يكونوا كذلك، فسوف يتصرّفون بوصفهم مواطنين لهم حقوقهم الطبيعية كمواطنين، وستكون لهم أنشطتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووفق خلفيّاتهم الفكرية، وحينها ستبرز المشاكل الحقيقيّة بأبعادها المختلفة، وسوف تتجاوز المشاكل التي نشهدها في الوقت الحاضر، مثل: التصادم بين طلاب المدارس، وفي الأسواق والمناطق السكنية.

وقال: أرى بأنّ السلطة ستتضرّر كثيرًا من أبناء المجنّسين، وإنّ تأثيرات التجنيس لن تكون محكومة بالقرارات السياسية، وإنّما ستحكمها قوانين الحياة الاجتماعية، وهي بذلك سوف تكون خارج سيطرة السلطة وقراراتها الحكومية.

وبخصوص إسكان النويدرات، قال: ذكرت في الأسابيع السابقة بأنّ توزيع الأراضي كان من الخيارات المعروضة على اللجنة الأهليّة ورَفَضَته، ثمّ قامت السلطة بفرض إرادتها في توزيع الوحدات السكنية بخلاف تعهداتها والتزاماتها السابقة بخصوص المشروع، ثمّ فرضت إرادتها من جديد بفرض خيار توزيع الأراضي (250 قطعة أرض تقريبًا) على أهالي القرى الأربع، وجعلت في الواجهة النائب في البرلمان الدكتور عبد علي محمد حسن، وتمَّ تصوير الأمر وكأنّه تعويض للأهالي ومكسب تمَّ تحقيقه على يد جمعية الوفاق، حتى وصل الأمر إلى سعي البعض من أجل كتابة رسالة شكر إلى البندَرَين الوزير أحمد عطية الله على تكرُّمِه بمنح الأهالي هذه الأراضي. ثم انكشفت اللعبة على حقيقتها لكل ذي بصيرة، فبعد الإعلان عن مشروع توزيع الأراضي على أهالي القرى الأربع بأيام قليلة، تمّ الإعلان عن مشروع إسكاني من (400 وحدة سكنية) في نفس المنطقة، وعن مشروع إسكاني آخر من (1200 وحدة سكنية) في الرفاع لأهالي الرفاع، ولن يكون لأهالي القرى الأربع نصيب فيهما ـ كما كان لغيرهم نصيب في إسكان النويدرات ـ فقد أخذوا نصيبهم من الأراضي!!

فالحقيقة: إنّ مشروع توزيع الأراضي كان فخًّا منصوبًا لمزيد من ظلم أهالي القرى الأربع، وقد وقع فيه البعض، ولم يكن مكسبًا من أيِّ وجه، ولن يكون له مردودًا انتخابيًّا إيجابيًّا، كما هو المردود الانتخابي الإيجابي لمشروع الرفاع ونحوه لمن يسعى له، ولا زال البعض مستمرًا في مواصلة اللعبة رغم وضوح حقيقتها.

العمل المؤسّساتي في فكر الأستاذ

وبخصوص ما أثير في ملتقى فجر البحرين حول آراء الأستاذ في العمل المؤسَّساتي، قال: لا يوجد في فكر عبد الوهاب حول العمل المؤسَّسي ما يختلف عمّا نقله الكاتب في ملتقى فجر البحرين في الموضوع، ولو وجد من يبحث عن رأي لعبد الوهاب ضد العمل المؤسسي في كل ما صدر عنه فلن يجد.

ولكن مشكلة بعض الأخوة أنهم يحصرون العمل المؤسسي في العمل ضمن الوفاق، ولا يرون في العمل ضمن تيار الوفاء الإسلامي أو غيره أنه عمل مؤسسي. وقد أوضحت الرأي حول جميع الإشكالات في هذا الموضوع في الحوار الذي أجراه معي ملتقى فجر البحرين نفسه ـ وهو في طور الإصدار ككتاب ـ إلا إنّ البعض لا تروق إليه الحقيقة، ولا يريد أن يعرفها، وهو لا يقرأ ولا يسمع إلا ما هو في داخل نفسه.

وقال: حينما قرأت الموضوع والتعليقات عليه في ملتقى فجر البحرين، تذكّرت الحقائق الثلاث التالية:

• إنّ من يعاني من بلنس (خلل التوازن) في التفكير لا يمكن أن يدرك الحقيقة.

• ومن يعاني من عمى الألوان لا يمكن أن يرى المشهد كما هو.

• ومن يعاني من ارتفاع درجة السخونة، يكون مذاق الماء الزلال مرًّا في حلقه.

وبخصوص النقد، قال: توجد لدى تيار الوفاء الإسلامي ورقة بعنوان (النقد بين التأصيل والرفض) وهي ورقة قابلة للنشر، وسوف تنشر ـ إن شاء الله تعالى ـ في الوقت المناسب. وأنا من الدعاة إلى ممارسة النقد لفكر وسلوك ومواقف عبد الوهاب، ولا أَحْرُمُ أحدًا من ممارسة حقِّه في النقد. وإنّ الإمام السيد علي الخامنئي (أيّده الله تعالى) من المشجعين على ممارسة النقد له ولأعضاء الحكومة، وقد تكلّم طالب لقاربه الساعة بحضرته، ومارس النقد لسماحة الإمام ولأعضاء الحكومة، وقد استقبل الإمام ذلك برحابة صدر، وأشار في تعليقه على كلام الطالب إلى أهمية النقد، وضرورة تنظيمه في الجامعات والمعاهد العلمية في الجمهورية الإسلامية في إيران.

وقال: لكن يجب على المؤمنين أن يحذروا من جعل الخلاف مع الآخرين حجابًا بينهم وبين الحقيقة، فيكونوا من الضالين والمغضوب عليهم، قول الله تعالى: )إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى(([3]) فمن عوامل الضلال: اتّباع الظن وهوى الأنفس.

الحديث عن رسالة خاصّة وصلت للأستاذ

وبخصوص الحديث عن رسالة خاصة وصلت للأستاذ بواسطة أحد مشايخ الكويت، قال: لقد كثر الحديث عن هذه الرسالة: عن مصدرها، وحاملها، ومضمونها، وسُئلت عنها، وحمل البعض السؤال عنها بتحدي كبير أن أكشف عن مضمونها، ووصلتني رسائل بالإيميل بشأنها. ومن جهتي لا أجد لي مصلحة في غير الحقيقة، وأرى بأنّ سعادتي تكمن في أن أخلص لها وأذوب فيها، ولي كامل الشجاعة ـ بعون الله تعالى وتوفيقه ـ لأن أصدع بها إلى الناس وفي وجه الظالمين، ولكن السؤال:

• إذا كانت الرسالة خاصّة بعبد الوهاب فمن أوصلها إلى غير أهلها؟

• وإذا كانت الرسالة عامّة إلى كل الناس، فلماذا لم يعلنها حاملها إلى جميع الناس؟

وقال: نحن أمام حالة مقزّزة وتُثير الشفقة على البعض والغثيان من سلوكهم وتصرفاتهم غير المتزّنة وغير الرشيدة. إنّي أوصي المؤمنين بالتقوى وأن يتحلّوا بالأخلاق الرفيعة والنبل والشرف والشهامة في تصرّفاتهم، فإنّهم كثيرًا ما يسيؤون بجهلهم وسوء تصرفاتهم إلى من يريدون أن يُحسنوا إليه، ويظلموا كثيرًا غيرهم من المؤمنين!! وللأسف:

• فإنّي وجدت من بعض من يقف في صفوف المؤمنين من الإساءة والكلمات الجارحة باسم الدين ما لم أسمع مثله من الظالمين والسجّانين وأنا أسيرٌ بأيديهم في أحلك الظروف!!

• وإني وجدت من ثمار الإحسان إلى بعض أولئك السجّانين أكثر مما وجدته لدى بعض من يقف في صفوف المؤمنين!!

فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.


([1]) آل عمران: 18.

([2]) الحديد: 25.

([3]) النجم: 23.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى