لقاء الثلاثاء (32) | 7-12-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
التعريض بسماحة الشيخ الجمري
في ردِّه على نقل أحد الحضور بأنّ عبد الوهاب اعتبر الشيخ الجمري هو الحَلَقَة الأضعف في المعارضة ويجب أن يُستبدل، تساءل الأستاذ: ما هي الفائدة من طرح هذا الموضوع في هذا الوقت العصيب بالذات؟ ومن هو المستفيد منه؟ وهذا الكلام في أي مجلس أنا قلته؟ هل قلته في محاضرة أو مجلسٍ عام، فإنّ ما أقوله في المحافل والمجالس العامَّة موثَّق ومكتوب، وإذا قلته في جلسة مغلقة، فعلى فرض إنّ النقل كان صحيحًا، فإنّ الناقل هو خائن للأمانة، لأنّ المجالس بالأمانات، وينطبق على نقله مفهوم النميمة، فهذا النقل هو مخالف للشريعة والقيم الإسلامية، والهدف منه هو الإساءة والمناكفة، وليست فيه أية مصلحة إسلاميّة أو وطنيّة، ويؤسفني أن ينحدر البعض إلى هذا المستوى الخسيس في الطرح والتصرُّف، والأكثر أسفًا: أن يتذرّع البعض بالغيرة على الدين ورجاله من أجل القيام بهذا الفعل القبيح المفتن!!
وقال: المعروف حينما خرجنا من السجن، كان سماحة الشيخ الجمري & في الإقامة الجبرية، وكانت هناك تصريحات معلنة ضده، وقد سعينا جاهدين لإعادة الاعتبار له، ولا توجد في تصريحات عبد الوهاب ما يضعف مكانته (عليه الرحمة) وإذا افترضنا أنه كانت لعبد الوهاب قناعة أخرى عن سماحته، وأنه عبّر عنها في اللقاءات المغلقة، فما هي المصلحة في سعي البعض للكشف عنها في هذا الوقت العصيب بالذات؟ وهل يتّفق هذا مع أحكام الشريعة المقدسة والقيم الإسلامية؟
وفي ظل إصرار الأخ على استنطاق الأستاذ حول صحَّة أو عدم صحَّة النقل، قال الأستاذ: المعروف للجميع أني كنت من الذين يمتلكون الاستعداد التام لأن أفدي سماحة الشيخ الجمري & بنفسي، ولم يصدر عني في حياته ما يُسيء إليه، ومن المستحيل أن أصرِّح بما لم أصرِّح به في حياته ويضرُّ بمكانته بعد مماته، بدون أيّة مصلحة راجحة إسلاميًّا أو وطنيًّا، وإنّما فيه إيقاع الفتنة بين المؤمنين، لا لشيء إلا لإرضاء خاطر خائن للأمانة، أو لإرضاء خاطر مصدِّقٍ له!!
وقال: احذروا من ثقافة القيل والقال، ففي كل يوم يأتيني أشخاص ويقولون: يُقال عنك كذا وكذا، وإذا سألتهم عن المصدر؟ يكون الجواب: يُقال!!
ما أكثر القيل والقال هذه الأيام!! إنها أقاويل لا حصر لها وتتجدّد بتجدّد المواضيع المطروحة على الساحة الوطنية، حتى أصبحت تحاصرك أينما ذهبت، والمعنيين ينكرون ويقولون لا دليل على أنهم قالوا شيء من ذلك، وكذلك يفعل مؤيّدوهم!! وللأسف إنّ هذه الثقافة المضرّة شائعة في أوساط المؤمنين لا غيرهم، وهناك من يدافع عنها تحت عنوان النَّقد والغيرة على الدين ورجاله!!
ونظرًا لدعوة الأخ للأستاذ بتقبُّل النقد الذي أسّس له، قال: هذا يا ولدي ليس من النَّقد، هذا تشهير وتسقيط وتأليب، ويجب التمييز بينه وبين النَّقد النزيه.
وقال: ليس من النَّقد الترويج ضدّ المؤمنين بأنّهم ضد الفقهاء والعلماء وأنه لا شرعيّة لهم، فهذا تفسيق للمؤمنين ووصمهم بالانحراف عن الدين، فمن لا شرعيّة له في العمل الإسلامي، هو شخصٌ لا يلتزم بالمعايير الشرعية، وهذا تفسيق، وتفسيق المؤمنين في عرف الشريعة المقدَّسة فسق، فكيف لا نميِّز بين النَّقد النزيه الذي هو من مقتضيات عقيدة التوحيد ـ كما شرحته بالتفصيل في مناسبات سابقة ـ وبين الفسق؟!
وقال: من العجب إنّ بعض الأوساط التي كانت تقول عن عبد الوهاب بأنّه صدوق، وإنّ العلماء يفدونه بأنفسهم، يقولون عنه اليوم صراحة بين الناس: بأنّه فاسقٌ ومنحرفٌ وخائنٌ لأمانة النّقل عن الفقهاء وهو ضد العلماء والفقهاء!! يقولون عنه ذلك وهو لم يتغيّر سلبًا في دينه ـ والحمد لله رب العالمين ـ فقط لأنه اختلف سياسيًّا مع البعض، ومارس النقد البنّاء الهادف للأطروحات والمواقف العامّة، ويتذرّعُ بعضهم، بأنّه يفعل ذلك غيرةً على الدين والعلماء الذين ينتقد عبد الوهاب أطروحاتهم ومواقفهم العامة!!
وقال: عجبي كيف يساوي هؤلاء بين النَّقد البنّاء الهادف الذي هو من مقتضيات عقيدة التوحيد، ومن لوازم التصحيح والتطوير، ولم يأتِ مناكفةً لأحد، ولم يطَلْ أيَّ شأنٍ شخصيٍّ لأحد، ولم ينقل أي شيء دار في جلسة خاصة أو مغلقة، وبين التفسيق للمؤمنين والتشهير بهم والتأليب عليهم؟!
وقال: أنا ذقت ألم الفقر واليتم، وذقت ألم السجن والتعذيب، وذقت ألم فقد الأحبة، ولكن ما ذقته من ألم تفسيقي واتّهامي ـ بغير حق ـ بأني ضد العلماء والفقهاء، وأني خنت أمانة النقل عن الفقهاء، هو الأشد عليّ، وأنه طغى على كل ألم وأنساني، وأنا أقول هذا الكلام ليعلم أصاحب الشأن (سامحهم الله تعالى وغفر لهم) بأنهم أكثر من آذاني في هذه الحياة، وإنّ أذيّتهم فاقت أذيّة السجّانين والجلاّدين والمعذّبين، أقول هذا لا لا ستعطفهم ـ وأنا أعلم دفاع بعضهم بأنّ هذا هو النقد الذي أسّست له، ويتذرّعون بغيرتهم على الدين وبعض رجاله الذين تطاول عليهم السفهاء بسبب ما أسّست لهم من النقد ـ فلست في حاجة إلى الاستعطاف، وأنا مقتنع بما فعلت ولن أتركه، ولكن لأني أخاف عليهم من سوء عاقبة عملهم.
زيارة مجلس إبراهيم الدوي
وحول زيارته إلى مجلس إبراهيم الدوي، بتاريخ: 5/ 12/ 2009م في المحرق، قال الأستاذ: لم أتكلم في المجلس المذكور عن الموقف من انتخابات 2010، وإنّما تكلّمت عن حق الشعب في الشراكة والثروة، وإنّ البرلمان الحالي لا يُعطي الشعب حقَّه من الشراكة.
وقال: في تيار الوفاء كتبنا رؤيتنا حول الموقف من انتخابات 2010م وقد كُتبت بآلية منفتحة، وابتداءً من شهر يناير ـ إن شاء الله تعالى ـ سندخل في مفاوضات مع القوى السياسية بناءً عليها، وبناءً على نتائجها سيتم تحديد الموقف وبرنامج العمل.
وقال: ذهابي إلى المجلس الكريم للأخ إبراهيم الدوي كان بدعوة، وكان الجو العام فيه إيجابيًّا، شعرت فيه بحرارة الترحيب والحفاوة من صاحب المجلس وروّاده مشكورين جميعًا، وكان منهج النَّقدِ هو السائد بين روّاد المجلس، حيث كان النَّقدُ صريحًا للسلطة والموالاة والمعارضة، وقد أثنيت في الكلمة القصيرة التي ألقيتها كضيفٍ في المجلس على هذه الحالة، وقلت: ما دام هناك نقد، فهناك فرصة حقيقيّة لإعادة تشكيل القناعات والتصحيح والتطوير، ومن تكلّم بلسان الطائفة من روّاد المجلس كان قليلاً، والأكثر تكلّم بلسان المواطن والمواطنين، وقال: أنه لا يمانع من المشاركة في المجلس كمتحدِّث.
وبخصوص دعوة عبد الله هاشم لتشكيل قائمة المحرق الحرة، قال: لم أسمع الكلمة كاملة، ولم أفهم الفكرة بشكل كامل، ولهذا لا يحق لي التعليق عليها ككل، ولكن بوجهٍ عام: أنا أتطلّع لقائمة موحَّدة لجميع البحرينيين، وحسب التقسيم الحالي للدوائر على أساس المحافظات، حيث أنّه لكل محافظة عدد من الدوائر بحسبها، فأنا أُميِّز بين حالتين:
• أن ينظّم أهالي المحرق أنفسهم ويقومون بتعزيز دورهم ويكون الهدف خدمة المواطن البحريني بما هو مواطن بحريني بغض النظر عن طائفته ومنطقة سكنه.
• أن ينظّم أهالي المحرق أنفسهم ويقومون بتعزيز دورهم ويكون الهدف هو التنافس على أساس مناطقي بين محافظة المحرق وغيرها من المحافظات.
وقال: أنا أرحّب بالحالة الأولى وأشجّع عليها، وأرفض الحالة الثانية وأدعو إلى نبذها، وأطالب بالتنافس بين المواطنين من أجل خدمة المواطن البحريني بما هو مواطن بحريني بغض النظر عن طائفته ومكان سكنه، فهذا هو الأساس الذي يقوم عليه الأمن والاستقرار، ثم الرخاء والتقدم والازدهار، وعندي إنّ التنافس على أساس مناطقي فيه تمزيق لوحدة الوطن والمواطنين، ولا يختلف في نتائجه السلبية عن التنافس على أساس طائفي.
الغدير يوم الوحدة الإسلامية
وبخصوص عيد الغدير الأغر، علّق الأستاذ على القول بأنّ يوم الغدير هو يوم الوحدة الإسلامية، بالقول: حديث الغدير حديث متواترٌ في مصادر مدرسة الصحابة، ومتّفق عليه بين المسلمين، والاختلاف بينهم حول دلالته، وأهمُّها ثلاثة أقوال:
• البعض يرى بأنّ الحديث يدلّ على النصرة والمحبّة وليس ولاية الحكم، وهو رأي مدرسة الصحابة.
• والبعض يرى بأنّ الحديث يدلّ على الولاية الباطنية، وهي ولاية العلم والحكمة، وليست الولاية الظاهرية التي هي ولاية الحكم، وهو رأي بعض فرق الصوفية.
• والبعض يرى بأنّ الحديث يدلُّ على الولاية الكاملة، وهي الولاية في التبليغ عن الله سبحانه وتعالى، والولاية في القضاء، والولاية في الحكم، تمامًا كما هي ولاية الرسول الأعظم الأكرم Q على المسلمين، وهو رأي مدرسة أهل البيت ^.
وبخصوص كون الغدير فرصة لتوحيد المسلمين، قال: لا أحد يستطيع أن يثبت بأنّ الرجوع لأهل البيت ^ غير مبرئ للذمة، ولا أحد يستطيع أن يثبت بأنّ التعبُّد بشيءٍ من المذاهب الكلامية والفقهيّة التي يتَّبعُها المسلمون اليوم ـ غير مدرسة أهل البيت ^ ـ واجبٌ على المسلمين، لأنّها لم تكن موجودة ـ على أقلِّ تقدير ـ على عهد الجيل الأول من الصحابة، فلم يتعبّد أحدهم بشيء منها، وإنّ الرجوع إلى القرآن الكريم وسنة الرسول الأعظم الأكرم Q لا يكفي لتوحيد المسلمين كما كانوا على عهد الرسول الأعظم الأكرم Q لأنهم يختلفون في فهم القرآن والكريم والسنة الشريفة المباركة، فالسبيل الوحيد لكي يتوحَّد المسلمون بالشكل الذي كانوا عليه على عهد الرسول الأعظم الأكرم Q هو رجوعهم إلى إنسان يكون حجّة عليه في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتطبيقاتهما في الحياة تمامًا كما كان الحال على عهد الرسول الأعظم الأكرم Q قول الله تعالى: )لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ(([1]) وهذا ما يدلُّ عليه حديث الغدير المتواتر بمعناه بين المسلمين، قول الرسول الأعظم الأكرم Q: “أيّها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه”([2]) فهذه ـ بحسب فهمي ـ هي حقيقة القول: بأن عيد الغدير هو يوم الوحدة الإسلامية.
مهام الموالين لأهل البيت
وبخصوص استشراف ولاية أهل البيت ^ على ساحة السلوك والعمل، قال: والموالي لأهل البيت يجب أن يقوم بأربع مهام أساسية، وهي:
• الاجتهاد في البحث عن الحقيقة وتحصيل الإسلام الصحيح، فنحن نتمسّك بولاية أهل البيت ^ على أساس أننا نُصرُّ على التمسُّك بالإسلام الصحيح مهما كلّفنا الأمر من ثمن.
• البحث والتحري لمعرفة الإمام والقيادة الشرعية، قول الرسول الأعظم الأكرم Q: “من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية”([3]) وفي نص آخر: “من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية”([4]) وتتمثل القيادة الشرعية ـ بحسب مدرسة أهل البيت ^ ـ في الأئمة الأطهار ^ ثمَّ في الفقهاء العدول، لاسيما الولي الفقيه، قول الإمام الحجة #: “وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم”([5]).
• الاجتهاد في تهذيب النفس وتكميلها، ومن يراجع المجلد (68) من كتاب البحار يجد إنّ أغلبه يتحدّث عن صفات الشيعة، ويصفهم بأنّهم أهل التقوى والورع والعبادة والتضحية في سبيل الله ونحوها، وهذا هو المقصود من التشيع، قول الله تعالى: )وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ` إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(([6]) فمن لا يحمل هذه الصفات، فهو ليس من الشيعة الحقيقيين لأهل البيت ^.
• الاجتهاد في رفض الظلم ومقاومة الظالمين، قول الله تعالى: )وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ(([7]) والمبالغة في العمل بالعدل والسعي لإقامته بين الناس وتثبيته، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ(([8]).
([4]) كنز العمال ج1، ص103، الحديث: 463.