لقاء الثلاثاء (28) | 26-10-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
طريق ذات الشوكة
قال الأستاذ: إنّ تيار الوفاء الإسلامي لا يتبنّى الحدِّية في الطرح بين خياري: المشاركة والمقاطعة، فقد تبنّى التيار الدعوة التي طرحها سماحة الشيخ النجاتي، وسماحة الشيخ المقداد، وهي المراجعة على ضوء نتائج التجربة، والخروج بقرار متوافق عليه بين الرموز والقيادات والقوى السياسية في التيار العام، والقرار الذي قد يتمُّ التوافق عليه، قد يكون:
· المشاركة.
· أو المقاطعة.
· أو المزاوجة بين الخيارين.
وبالنسبة إلينا: فإنَّ خيارَ المقاطعة، هو خيارٌ مكلفٌ جدًا على طريق ذات الشوكة، ولا مصلحة خاصّة لنا فيه، وقد تمسّكنا به ودفعنا ضريبة هذا التمسك، لأننا رأينا المصلحة العامة: الإسلامية والوطنية فيه، فلا مانع لدينا في التخلّي عنه إذا ثبت لدينا إنّ المصلحة العامّة: الإسلامية والوطنية في خلافه.
المشاركة والمقاطعة وإرادة التغيير
وبخصوص تأثير المشاركة، قال: رغم الصعوبات التي تضعها المشاركة الحالية أمام مسيرة الإصلاح الحقيقي، فإنّها لا تُمثِّل نهاية المطاف، ولا يصحُّ أن نتوِّجَ المسيرة الوطنيّة بتاج المشاركة الحالية، ونختم عليها بخاتمها، فالفرصة لا تزال متاحة لدينا في التغيير والإصلاح، والحصول على دستور يضعه الشعب ومؤسسة برلمانية تعبر بصدق عن الإرادة الشعبية.
وقال: إنّ سماحة الشيخ أبو سامي (حفظه الله تعالى) قد طرح إمكانية مراجعة قرار المشاركة، وطالب السلطة بأن تتقدّم بخطوات لإنجاح التجربة، حيث بيدها ذلك، وهدَّدَ بمقاطعةٍ أشدَّ من المقاطعة في عام 2002م وتكون للعلماء فيها كلمة صريحة وموقف واضح.
وفيما يتعلّق بمكاسب المشاركة، قال: للمشاركة وللمقاطعة فوائد وخسائر، فلا أحد من المقاطعين يُنكر وجود فوائد للمشاركة، ولكن لا يصحُّ التسويق للمشاركة أو المقاطعة بذكر فوائدها فقط، وإنما بذكر الفوائد والأضرار والموازنة بينها، فالقول بأنّ المشاركة حقّقت 5% وهذا خيرٌ من لا شيء للقبول بالمشاركة، غير صحيح، والمطلوب أن نذكر إلى جانب ما حقّقته المشاركة من فوائد ما يترتّب عليها من أضرار ومفاسد أيضًا، ونوازن بين ما نحقِّقه وما نخسره من المشاركة، لتكون نتيجة الموازنة الواقعيّة أساسًا للقبول بالمشاركة أو رفضها، وهذا ينطبق على المعارضة أيضًا.
وقال: المؤشِّرات، بل توجد معلومات، تقول: بأنّ رموز أساسيّة وكبيرة في السلطة، يتوقّعون بأن يُشكِّل تيارُ الوفاءِ وخطُ الممانعة رقمًا صعبًا في المستقبل على الساحة الوطنيّة، وذلك ليس على المدى البعيد، بل على المدى المتوسط، وربما القريب. وإنّ رموز السلطة يراقبون أداء تيار الوفاء وما يصدر عنه، وليس ببعيد أن تترك قراءتهم هذه تأثيراتها على تصرّفاتهم.
وقال: نحن كشعب ومعارضة نمتلك القدرة، ويجب أن نَجمَعَ قوتنا ونعيش الأمل وندفع بخط الممانعة إلى الأمام، ونسعى بجدٍ وإصرار للحصول على مطالبنا العادلة المشروعة، فالفرصة للإصلاح الحقيقي لا تزال قائمة.
وحدة المعارضة
وقال: من الواضح جدًا إنّ وحدة المعارضة مسألة تُقلق السلطة، ومن مصلحتها تشطير الشعب والمعارضة إلى طوائف وأحزاب وخطوط متناحرة، وقد سعت لتحقيق ذلك بكل ما أوتيت من فنون الحيلة والخداع والترهيب والترغيب.
وقال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي يرى بأنّ تحقيق المطالب العادلة للشعب، لن يكون إلا بتحقيق التوازن بين المعارضة السلطة، وهذا لن يحصل دون تحسين وضع المعارضة وتوحيد كلمتها وتقويتها، وتعميق العمل المشترك بينها وترسيخه. ولهذا فإنّ في استراتيجية تيّار الوفاء الإسلامي السعي إلى تحسين وضع المعارضة ككل، وليس الاكتفاء بتحسين وضع تيّار الوفاء فقط. لإنّ التيار يدرك بأنّه مهما كانت قوته، لن يستطيع تحقيق مطالب الشعب العادلة ما لم تكن المعارضة ككل قوية وفي وضعٍ أفضل، ومن خلال العمل الوطني المشترك بينها. وهذا ما سَعيتُ له شخصيًّا قبل تأسيس تيّار الوفاء الإسلامي من خلال الدعوة إلى الملتقى الحواري لقوى المعارضة، ثمَّ أصبح جزءً من استراتيجية تيّار الوفاء الإسلامي بعد تأسيسه.
بلاء التشتّت
وقال: نحن في تيار الوفاء الإسلامي غير مرتاحين أبدًا للاختلاف الحاصل بين إخوة الدرب من المؤمنين وتفرّق كلمتهم، وطرحنا عددًا من الخيارات للخروج من هذه الحالة ومعالجتها، وهي خيارات معلومة للجميع، فقد أعلنّا عنها في بيان الحجّة وفي مناسبات أخرى عديدة، والخيارات، هي:
· تشكيل هيئة مشتركة تضم الرموز العلمائية والسياسية في التيار العام، ويُفوَّض إليها كهيئة من المرجعيات العليا لمدرسة أهل البيت ^وتتّخذ قراراتها وفق آليّات محدَّدة يتمُّ التوافقُ عليها.
· القبول بالتعدّدية، بأن يعترف كلُّ طرفٍ بحقِّ الآخرين في الوجود والعمل واختيار منهجهم ومرجعيّتهم وفق قناعاتهم الفكريّة والشرعيّة والسياسيّة، والتنسيق والتعاون على المشتركات الدينية والوطنية.
· الاحتكام للمرجعيّة، وقد اعتبرنا هذا الخيار حاكمًا على كل التفاصيل، فنحن مستعدّون للقبول بحكم المرجعيّة، بغضِّ النظرِ عن جميع التفاصيل التي نطرحها في مختلف المسائل.
وقال: هذا ما لدينا من الخيارات، ولدينا كامل الاستعداد لمناقشة خيارات أخرى إذا طُرِحَت علينا، والأخذ بها إذا وجدناها الأفضل. والإخوة الآخرين لم يقولوا لنا كلمتهم حتى الآن حول هذه الخيارات، ولم يطرحوا لنا خيارات أخرى، ونحن ننتظر الفرج من الله (، وسوف نستمر في المساعي الحميدة لتحقيق ما يرضي الله سبحانه وتعالى عنّا، ويخدم مصالح العباد، وليست لدينا أية غاية أو مقاصد بخلاف ذلك.
وقال: هذه الخيارات وغيرها لا قيمة لها ما لم نتعلّم من التجارب، فقد كنّا في يوم من الأيام مجموعة واحدة ليس بيننا أية خلافات منهجيّة أو غيرها، ثمَّ نزل علينا بلاء الفرقة والاختلاف، فيجب أن نعلم بعلّة هذا البلاء الذي فرَّقَنا ونبتعد عنها لكي نتعافى منه، وما لم نعلم بهذه العلة ونبتعد عنها، فإنّ لعنة الاختلاف ستعود علينا مرّة ثانية وثالثة ورابعة، ونكون من أسراها ويرتبط مصيرنا بها إلى الأبد.
وبخصوص دور النخبة والجماهير في تحقيق الوحدة، قال: لقد سَعَتْ بعض النخبة وقامت ببعض المحاولات لتوحيد الصف ولم تنجح، إلا أنه لا ينبغي لها اليأس، وعليها الاستمرار في محاولاتها المشكورة حتى يتحقّق ما تريد، والنجاح والتوفيق بيد الله وحده سبحانه وتعالى.
وعن دور الجماهير، قال: للجماهير دورٌ عليها أن تقوم به، ويمكن تلخيص دور الجماهير في النقاط التالية.
· عليها أن تتحزَّب للحقِّ والعدل والفضيلة، وتميل إليها في جميع مواقفها، وتمارس المراقبة والمحاسبة الواعية والنزيهة، لأنّ من شأن ذلك أن يخلق الحرص لدى الرموز والقيادات والأحزاب على الاستقامة، ويُقوِّم سلوكَهم ومواقفَهم العامّة على الساحة الوطنية.
· وأن تكون موضوعيّة وشفافة في انحيازاتها وخياراتها، لأنّ هذا سيساعدها على اتّخاذ المواقف الصحيحة، وبالتالي المساهمة في تقويم المسيرة العامّة: الإسلاميّة والوطنيّة.
· وأن تتواصل مع الرموز والقيادات، وتمارس الضغوط المُخلصة عليها بشتّى الوسائل والأساليب المناسبة، في سبيل إصلاح الوضع الداخلي للتيّار العام.
النقد والتشهير وثقافة التعمية
وبخصوص التشهير بالناس لأغراضٍ سياسيّة، قال: يجب التمييز بين النقد والتشهير، فالنقد من مستلزمات الاستقامة والإصلاح والتطوير، ومن مقتضيات عقيدة التوحيد الخالدة، وهو فضيلة من فضائل المؤمنين، ورفضه ومنعه من أساليب الطغاة والمستبدين.
أما التشهير فهو رذيلة من رذائل عبيد الدنيا وأعداء الحق والعدل والفضيلة والإنسانية، وهو سبيل للتفكّك ونشر العداوة والفساد بين الناس، فيجب التمييز بين النقد والتشهير. إلا إنّ الكثيرين يخلطون أسفًا بينهما، فيضعون النقد العلمي النزيه الأبيض المنير في دائرة التشهير الأسود المظلم، ويضعون التشهير الأسود المظلم في دائرة النقد الأبيض المنير. وقد وصل الجهل عند البعض إلى درجة استخدام التشهير الأسود كوسيلة لمقامة النقد الأبيض، وجعل بعضهم – لجهله – دافعه لممارسة هذه الرذيلة النكراء هو الدفاع عن الدين الحنيف ورموزه.
وقال: من صفات المؤمنين التثبّت من الأخبار التي تُنقَل إليهم، ويجب أن يحرِّموا على أنفسهم ما حرَّمَه الله ( عليهم، من الكذب والغيبة والنميمة وغيرها من الرذائل القبيحة.
وبخصوص التعصّب، قال: التعصّب الأسود المرفوض في شريعة السماء، أن ترى شِرارَ قومُك خيرٌ من خيار القوم الآخرين، وأن تجعل رذائل قومك فضائل، وفضائل القوم الآخرين رذائل، في مقابل التعصُّب الأبيض المحمود الذي تقرُّه الشريعة الإسلاميّة السمحة وتدعو إليه، وهو التعصُّب للحق والعدل والخير والجمال والفضيلة.
وقال: الحكمة ضالّة المؤمن، يبحث عنها ويأخذها من أيِّ إنسانٍ أتت، من عالمٍ أو جاهل، من مؤمن أو منافق، من مسلم أو مشرك، لأنه يريد مرضاة ربه سبحانه وتعالى، وخدمة مصالح العباد، والتعصُّب الأسود الأعمى مخالفٌ لذلك، وبعيدٌ عن أخلاق المؤمنين، وهو حجابٌ باطل يحجب الإنسان عن ربه سبحانه وتعالى، ويورده موارد المهالك والشقاء في الدنيا والآخرة.
وقال: من غير المعقول أن تختلف مع بعض المؤمنين فلا تجد في كلامهم ومواقفهم إلا الخطأ، ولا تجد في كلام ومواقف جماعتك أو حزبك ورجال طائفتك إلا الصواب دائمًا.
يجب أن نحذر من أن نجعل انتماءاتنا الحزبية أو الطائفية حجابًا بيننا وبين الرب الجليل، فنكون من الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: )قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ` الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(([1]).
وبخصوص تحريف الكلام عن مواضعه، قال: تحريف المرجفين والقوى المضادة للكلام عن مواضعه، لا يستلزم وجود خلل في أصل الخطاب، فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو كلامٌ محكمٌ للغاية، ولكنّه رغم إحكامه التّام والبالغ، فقد سعى المُرجفون والقوى المُضادَّة لحرفه عن مواضعه.
وقال: قد يوجد خلل في أصل الخطاب يقوم المرجفون والقوى المُضادَّة باستغلاله، وقد لا يكون هناك أيُّ خللٍ في أصل الخطاب، وإنّما هو فقط عمل القوى المضادة الخبيث، فلا يصحُّ أن نُحمِّلَ صاحب الخطاب دائمًا بعض المسؤولية لما يقوم به المرجفون والقوى المضادة من تحريف الكلام عن مواضعه، فهذا مما يُسهل مهامهم القذرة في التربّص بكلمة الحق، وإعانتهم على الظلم والإساءة إلى الأبرياء.
وقال: يجب التمييز بين النقد العلمي للخطاب، وبين حرف الكلام عن مواضعه لتحقيق أهداف سيئة خبيثة، ويجب على المؤمنين التثبُّت من الأخبار التي تُنقل إليهم.
وقال: نحن في تيّار الوفاء الإسلامي نقوم بتوثيق آرائنا ومواقفنا ونعلنها بصورة رسميّة إلى الناس، وكل من يريد نقدنا أو محاسبتنا يجد آراءنا ومواقفنا موثَّقَة وواضحة، والذي نعانيه هو حرف الكلام عن مواضعه. وفي المقابل نُحارَبُ بادّعاءاتٍ وإشاعاتٍ كاذبة غير مكتوبة وغير موثّقة، يقوم أصحابها بإرسالها في الفضاء المفتوح من وراء الحجب، وينكرونها حين المقابلة بحجّة لا دليل عليها، وهي ثقافة القيل والقال المشبوهة، التي تحوي الإشاعات الكاذبة والتشكيكات والشبهات والتأويلات غير معروفة المصدر.
وقال: من أجل الحقيقة والعدل والفضيلة، يجب رفض ثقافة القيل والقال، والحذر من الإشاعات الكاذبة التي تضرُّ بسمعة المؤمنين وتَسمُهم بصفات غير لائقة، مثل: الكذب، وخيانة أمانة الكلمة، وغيرها، واعتماد الآراء والأقوال والمواقف الموثَّقة والمعلومة المصدر.
وقال: لا يكفي أن يكون الشخص أو تكون الجهة نظيفة ومخلصة وتمتلك الحجّة البالغة لكيلا تحارب ويكون لها أعداء يتربَّصون بها الدوائر، فهناك في لبنان وفي خارجه من يقول بأنّ حزب الله المظفَّر يعمل لصالح أمريكا وإسرائيل ويحاربونه باسم الدين والقوميّة والوطنيّة.
وقال: حجم جريمة تحريف الكلام عن مواضعه كبير جدًا، ولكي ندرك حجم هذه الجريمة، علينا أن نتأمّل في قول الله تعالى: )ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ` وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَّمْدُودًا ` وَبَنِينَ شُهُودًا ` وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ` ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ` كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ` سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ` إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ` فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ` ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ` ثُمَّ نَظَرَ ` ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ` ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ` فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ` إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ(([2]) حيث إنّ الله U هو من يتكفل بمواجهة هذا الذي يُحرِّفُ الكلم عن مواضعه، وكفى بذلك موعظة لكل متعظ.
التّعمية في الطرح
وبخصوص التّعمية في الطرح، قال: كلنا والحمد لله رب العالمين مؤمنون، ويجب حفظ حرمة كافّة المؤمنين وحقوقهم، ونحن لا نسلب عن المؤمنين صفة الإخلاص في عملهم، ولكن هذا شيء، وتوصيف الاختلاف في المناهج والأطروحات والمواقف توصيفًا علميًّا، وعرضها على الناس بنزاهة وأمانة من أجل الدقة في تشخيص حقائق الأمور واتّخاذ المواقف الصحيحة شيء آخر، فمثلا: هناك منهجان:
· منهج يرى صوابية المشاركة رغم اعترافه بعدم شرعيّة دستور المنحة، والسيطرة التامّة للسلطة التنفيذية على المجلس، وارتهانها لإرادة الأعضاء المنتخبين، بحجّة دفع الضرر وعدم التفريط في العمل البرلماني كأداة سياسيّة وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.
· ومنهج يرى خطأ حصر مصير الشعب والمعارضة بهذه المشاركة، وإنها عَقَبَة في وجه الإصلاح الحقيقي، وتمنع الشراكة الشعبية الحقيقية في صناعة القرار، ويرى ضرورة العمل من خارج البرلمان للضغط على السلطة، وحملها على الاعتراف بحقِّ الشعب في الشراكة الفعلية في صناعة القرار، والسير الجِدِّي نحو الإصلاح الحقيقي في البلاد.
فينبغي عرض هذين المنهجين بدقة علميّة وأمانة، وترك فرصة الاختيار الواعي للناس بين المنهجين. وهناك اختلافات جوهريّة أخرى، يجب أن تُعرض بدقة علميّة وأمانة على الناس وترك فرصة الاختيار الواعي إليهم.
وقال: ومن التضليل المجانب للحقيقة، عنونة الاختلاف بأنه بين فريقين:
· فريق يؤمن بولاية الفقيه وخط العلماء.
· وفريق لا يؤمن بولاية الفقيه وخط العلماء.
وقال: تيار الوفاء الإسلامي يؤمن بولاية الفقيه حتى النخاع، ويلتزم بها عمليًّا، ويقوده علماء مشهود لهم بالعلم والتقوى، وفي صفوفه عدد من العلماء والمثقَّفين المشهود لهم بالخبرة والصدق والإخلاص.
وبخصوص الطعن في شرعية عمل المؤمنين، قال: هذا إثمٌ كبير يجب أن يتجنّبه المؤمنون، ويتنزّهوا عن فعله وينكروه، وأنا أذكر هذا ليحذر المؤمنون من الوقوع فيه أو الرضا به.
وقال: في سبيل توضيح حقيقة هذا الأمر الخطير، وكشف الخطأ الذي وقع فيه بعض المؤمنين الأعزاء، أضرب لكم هذا المثال:
لو إنّ شخصًا لديه قناعة شرعيّة بوجوب تقليد الفقيه الأعلم، ورأى بالأساليب الصحيحة علميًّا ودينيًّا بأنّ زيدًا من الفقهاء هو الفقيه الأعلم، فتكون النتيجة: يجب عليه تقليد زيد، ولا تبرأ ذمته بتقليد غيره من الفقهاء. ولكن لا يجوز له أن يفرض قناعته الشرعيّة على غيره من المؤمنين، ويسلب الشرعيّة عن كلِّ من يُقلِّد غير زيد من الفقهاء، ويتعاطى معهم على هذا الأساس!!
فمن كانت له قناعة شرعيّة تامّة بمرجعيّة شخص في العمل السياسي، فهذا حق من حقوقه، ولكن ليس له الحق في فرض قناعته على غيره من المؤمنين، وسلب الشرعية عنهم، فهذا إثمٌ كبير، لأنّ عدم الشرعيّة، تعني التفسيق والوصم بالانحراف وعدم الالتزام بالضوابط الشرعية في العمل، لا لشيء، إلا لأنّ لهذا الغير قناعة شرعية مختلفة، رجع فيها لمن يجب عليه الرجوع إليه فيها، فعلى المؤمنين الحذر الشديد من الوقوع في هذا الإثم الكبير، وليحذروا أكثر، وذلك:
· لأنّ هذا الادّعاء من شأنه أن يُمهِّد الطريق للتشنيع بالمؤمنين، ووصفهم بأبشع الأوصاف، مثل: الكذب، وخيانة الأمانة، والتقوّل على الفقهاء، وغير ذلك من التشنيعات القبيحة، كما هو حادثٌ فعلاً.
· ولأنه يكشف ظهور المؤمنين أمام الأعداء ويُسهِّل الإضرارَ بهم ـ وقد ثَبَتَ بالتجربة ذلك ـ وقد يُمهِّد السبيل لسفك الدم الحرام، وليس هناك مؤمنٌ يرضا بأن يواجه الله U في يوم القيامة، وفي رقبته ذرَّة من مسؤولية سفك دم حرام.
وقال: ينبغي على العلماء وسائر المؤمنين إنكار هذا الإثم الكبير والنهي عنه، فإنَّ عاقبة السكوت عنه وخيمة في الدنيا والآخرة.
الاستغراق في النقد
وقال: ينبغي أن نمارس النقد، وأن ندرس الاختلافات البينيّة دراسة علميّة ونناقشها بهدوء، ولكن ليس من الصحيح أن نستغرق في ذلك وننسى الصراع مع السلطة والمطالب العادلة المشروعة التي نسعى لانتزاعها من السلطة.
وقال: صحيحٌ أنّنا نحتاج إلى النّقد من أجل الاستقامة والتصحيح والتطوير، ونحتاج لدراسة الاختلافات بيننا دراسة علميّة، ولمناقشتها بموضوعيّة من أجل تحديد خياراتنا في الساحة تحديدًا واعيًا ومسؤولاً، ولكن لا يصحُّ الاستغراق في ذلك، فينبغي أن يكون شغلنا الشاغل هو السعي لتحقيق المطالب، وأن تكون ممارسة النّقد والاهتمام بالاختلافات البينيّة بالقدر اللازم لتحديد خياراتنا بوعي، وللسعي بخطى ثابتة، والناجح في تحقيق مطالبنا العادلة المشروعة.
الشيعة أكثريّة في البحرين وأقليّة في المنطقة
قال الأستاذ: يكثُر هذا الطرح في وجه خط الممانعة لإقناعهم بخطأ مسلكهم أو منهجهم السياسي المقاوم، وقال: رموز وقيادات وجماهير خط الممانعة ليسوا من السذاجة والبساطة وقلّة الخبرة إلى درجة يجهلون معها أو يتغافلون عن تأثير المحيط الدولي والإقليمي على قضيِّتهم وتحديد خياراتهم السياسية ومنهج عملهم، ولكن هذا الطرح خاطئ وخطير. فالمعارضة لم تطرح تغيير النظام أو إسقاطه، وإنّما تطرح إصلاحه ولها مطالب عادلة مشروعة تضمن العزة والحياة الكريمة لأبناء هذا الشعب، فهل المطلوب منّا التخلّي عن حقوقنا الطبيعية، وأن نقبل بالذل والهوان والظلم والاستضعاف لمجرد أننا أقليّة في المنطقة؟
وهل يجوز لنا ذلك بحسب الثابت في الرؤية الإسلامية العظيمة؟
قال الله تعالى: )وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(([3]).
وقال الرسول الأعظم الأكرم Q: “مَنْ أَقَرَّ بِالذُّلِّ طَائِعاً فَلَيْسَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت”([4]).
وقال الإمام الصادق o: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا وَلَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلًا أَمَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ )وَلِله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين(“([5]).
وقال: هل يثبت هذا الطرح الغريب أمام تجربة حزب الله في مواجهة الكيان الصهيوني، وتجربة الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) في إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران؟
إنّ حزب الله المظفّر في لبنان، قد واجه الكيان الصهيوني الذي يُمثِّل أكبر قوّة عسكرية في المنطقة، ويملك سمعة الجيش الذي لا يقهر، والمدعوم من أمريكا التي تُمثِّل أكبر قوّة عسكرية في العالم بأسره، والتي تربط مستقبل أمنها ومصالحها الاستراتيجيّة بأمنه، وهو مدعوم من الغرب، وقد أسقط الجيوش العربيّة واحتلَّ أجزاء كبيرة من الأراضي العربيّة في ستّةِ أيام، فماذا يُمثِّل حزبُ الله، وهو مجرّد حزبٍ في مقابل هذه القوّة والكيان المتغطرس؟ ولكن حزب الله امتلك الإرادة وثبت وقد وصفت مواقفه بالمغامرة غير المحسوبة ولكنه انتصر.
وكذلك فعل الإمام الخميني العظيم (قدّس سره الشريف) فقد سعى في إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران في وسط المحيط الدولي والإقليمي المعادي للإسلام ونحج في إقامتها، وتعرّضت إلى اعتداءات إرهابية من الداخل ذهبت بصفوة رموز وقيادات الثورة الأطهار، وتعرّضت إلى حرب عدوانية ضروس، شارك فيها الشرق والغرب بهدف إسقاط النظام الإسلامي في إيران، وثبت الإمام الخميني العظيم مع جيشه وشعبه، وتوقّفت الحرب العسكرية بعد ثمان سنوات، ولم تتوقَّف الحرب الباردة الشاملة، ولكن النظام الإسلامي صمد في وجه كل هذه الأعاصير، وهو يتقدّم ويكسب المعركة تلو المعركة، وقد سقطت الكثير من الرؤوس التي استهدفته، وهو باقٍ ويشقُّ طريقَه بثباتٍ ونجاحٍ يُبهرُ العالمُ أجمع.
وقال: لقد ثبت بالتجربة، إنّ التخلِّي عن المقاومة والمواجهة السياسّية مع السلطة، لم يحفظ لنا الحد الأدنى من حقوقنا، فقد أوغلت السلطة في إهانة رموزنا ومقدَّساتنا وسلب حقوقنا الطبيعة والمكتسبة، وأنّها تتمادى أكثر كلّما شعرت بضعفنا وعزوفنا عن مواجهتها ومقاومة أجندتها الاستئصالية ضدنا.
وقال: إنّ نتائج المقاومة والمواجهة السياسية مع السلطة لن تكون أسوء من نتائج التجنيس والتمييز الطائفي والحرمان من الحق في الثروة ومن الأرض للسكن في الوطن وغيرها من الممارسات الاستئصالية التي تمارسها السلطة الظالمة ضدنا بغير حق، وقد ثبت بالتجربة صحّة خط الممانعة والمقاومة، وأنه جاء بنتائج إيجابية في انتفاضة الكرامة الشعبية في التسعينات، رغم وقوف دول المنطقة كلها متضامنة ضدنا.
([4]) بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج74/ ص: 162/ باب 7 ما جمع من مفردات كلمات الرسول Q و جوامع كلمه.
([5]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج5/ 63/ باب كراهة التعرض لما لا يطيق.