لقاء الثلاثاء (25) | 5-10-2009

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

زيارة المراجع في النجف الأشرف

بخصوص زيارة المراجع في النجف الأشرف، أكّد الأستاذ: إنّ الصدق والوضوح والشفافية مبادئ إسلامية ثابتة، والحركات الإسلامية هي أولى من غيرها بالشفافية والوضوح ومشاركة الناس في صناعة القرار، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o: “ألا وإنّ لكم عندي ألا أحتجز دونكم سرًّا إلا في حرب، ولا أطوي دونكم أمرًا إلا في حكم”([1]) فقد أعلن في هذا الكتاب مجموعة من المبادئ، منها:

• التعاون مع الشعب على القيام بالمسؤوليات العامة، والشفافية معهم، وعدم كتمان الحقائق عنهم، إلا إذا دعت الحاجة إلى الكتمان، مثل: خطط الحرب، لأنّ المصلحة العامة تقتضي ذلك الكتمان، وهذا حكمٌ عقلائيٌّ لا يختلف حوله اثنان من العقلاء.

• التشاور مع أبناء الشعب في جميع الأمور، والعمل بنتائج التشاور، إلا ما استثناه رب العالمين (، وهو الحكم الشرعي، قول الله تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا(([2]).

وقال الأستاذ: لقد وجدنا آية الله العظمى السيد السيستاني (أيده الله تعالى) مطّلعًا ومتابعًا، وقد سعينا إلى أن تكون الصورة عن البحرين أكثر وضوحًا لديه. وكانت نتائج الزيارة إيجابية تُثلج صدور المؤمنين المخلصين، واعلموا إنّ التواصل الواعي مع المرجعية الرشيدة، لن يعود إلا بالخير على البلاد والعباد.

وبخصوص انزعاج بعض المؤمنين من الزيارة، قال: هذا الانزعاج ليس في محلِّه، والصحيح أن يفرح المؤمنون لكلِّ تواصلٍ بين المؤمنين العاملين والمرجعيات الدينية الرشيدة، لأنّ هذا التواصل مطلوب دينيًّا، ومن شأنه أن يجلّي الحقائق ويقيم العدل ويعود بالخير الكثير على البلاد والعباد.

وقال: كان الوفد هذه المرة مشتركًا بين حركة حق وتيار الوفاء الإسلامي، ونحن في تيار الوفاء الإسلامي نتطلّع إلى أن تكون الوفود في المرّات القادمة مشتركة مع الأخوة الأعزّاء في الوفاق.

وبخصوص الحديث عن نتائج الزيارة، قال: عدم الحديث عن نتائج الزيارة حتى الآن ليس للرغبة في إخفاء الحقائق، لأنّ إخفاء الحقائق خلاف المنهج الإسلامي الذي التزمه تيار الوفاء الإسلامي مع الجماهير، والتريّث إنما هو للتوافق على الأسلوب والصياغة المناسبة لإخراج نتائج الزيارة بدون أن يكون لذلك أي أثر سلبي على أحد من المؤمنين. فحقٌّ لكم علينا أن نُطلِعَكم على نتائج الزيارة وإيصال الحقائق إليكم بأمانة وصدق، وليس الهدف إزعاج الآخرين.

تلويح السيستاني بالمقاطعة

وحول تلويح سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني بمقاطعه الانتخابات العراقية، قال: بحسب فهمي فإنّ آية الله العظمى السيد علي السيستاني (حفظه الله تعالى) لديه أصلٌ عام، وهو حثُّ الشيعة على المشاركة في الانتخابات التي تُجرى في أية منطقة في العالم، ولكن هذا الأصل قد تكون له حالات استثنائية وقيود، ولهذا لمَّحَ بمقاطعة الانتخابات القادمة في العراق، إذا لم يُمنح العراقيون حق الانتخاب على أساس القوائم المفتوحة، لأنّ القوائم المغلقة تنتقص حق المواطنين في انتخاب ممثّليهم. ولا شك إنّ وضع القوائم أقل أهمية من وضع الدستور المنحة ومن التوزيع الظالم للدوائر الانتخابية.

وبخصوص طلب سماحته (حفظه الله تعالى ورعاه) من القوى السياسية عدم استخدام المرجعية كواجهة سياسية لهم، وأن يعتمدوا على أنفسهم، قال: هذا ليس بجديد لدى سماحته، وهذا الذي حمى المرجعية من الإساءة إليها، وحمى العملية السياسية من الميوعة والتضليل، وحمى مصالح البلاد والعباد من الضياع، وقال: يجب التميز بين الارتباط بالمرجعية الدينية وهو حقُّ مطلوب، وبين جعل المرجعية واجهة للأطراف السياسية، وهو خطأٌ فادح ينبغي الحذر منه والابتعاد عنه. وقد حذّرت المؤمنين تكرارًا في حلقات أسئلة وأجوبة (كتاب ذاكرة شعب) وغيرها من الوقوع في هذا الخطأ.

وقال: لقد ارتكب الأخوة المؤمنون في البحرين خطأً فادحًا، حينما جعلوا المرجعيات الدينية والعلماء الأجلاء واجهة لعملهم السياسي، مما أدَّى إلى ظهور نتائج سلبية خطيرة أضرت بالحالة الإسلامية والوطنية، منها:

• الإساءة إلى وضع العلماء، وذلك بتحميلهم مسؤولية الأخطاء التي تقع فيها القوى السياسية، وهي أخطاء كان ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها القوى السياسية وحدها.

• الإساءة إلى علاقة العلماء بالمؤمنين، وذلك بجعل العلماء جزء من الاختلافات السياسية وواجهة لها، مما أثَّرَ سلبًا على علاقة المؤمنين بالعلماء، حيث جعل العلماء مظلَّة للبعض من المؤمنين دون البعض الآخر.

• إضفاء الطابع الديني ـ بغير حق ـ على الاختلافات السياسية، مما أذكى نار العداوة بين المؤمنين، وعقّد الخلافات بينهم، وجعل حلها أكثر صعوبة.

• جعل موقف المؤمنين من الأطروحات والمواقف السياسية يقوم على أساس نسبتها إلى العلماء، وتجاهل النظر في صوابيتها على أساس واقعي موضوعي، مما أثّر سلبًا على الوعي والتأهيل وعطّل النقد والحوار الموضوعي، وفتح الباب للإضرار بالمصالح الحيوية الإسلامية والوطنية.

الاستقواء بالمرجعية الدينية

وحول سؤال عن تناقض الزيارة مع الرفض السابق الذي أبداه أعضاء الوفد للاستقواء بالمرجعية، قال الأستاذ: كقوى وحركات إسلامية فإنه مطلوب منّا التواصل مع المرجعيات الدينية، وهذا التواصل ليس على حساب استقلالية القرار، فرأي المرجعيات الدينية كلِّها إنَّ القرار بيد أبناء البلد من العلماء والمثقفين، ولكن التواصل في غاية الأهميّة، بل هو ضروري من أجل المحافظة على الاستقامة في سلوك الحركة الإسلامية والاعتدال في مواقفها، وقد ثبت بالتجربة: إنّ الحركات الإسلامية التي تكون على تواصل بالمرجعيّة الدينيّة الرشيدة والمؤهَّلة للفتوى، تكون بمنأى عن التطرّف والانحراف مهما تعرّضت للظلم والاضطهاد وصور المواجهات والتحدِّيات، بينما الحركات الإسلامية التي تفتح مجال الإفتاء لكل من هب ودب، فإنها تكون عرضة للتورُّط في أعمال العنف والإرهاب وغيرها من الممارسات الخاطئة والمنحرفة.

وقال: لقد ذهبنا إلى المرجعيّة الدينيّة لكي نحلُّ مشكلة وليس لخلق مشكلة جديدة، ولم نذكر إخواننا الذين يختلفون معنا إلا بالخير، ولم نذكرهم بسوء، ونحن لا نريد المرجعية أن تكون واجهة للمشاركة أو للمقاطعة أو لأيِّ موقفٍ سياسي آخر، ونصرُّ على أن تكون المرجعيّة الدينيّة مظلَّة لجميع المؤمنين، وأن تُدرس الأطروحات والمواقف السياسية على أساسٍ واقعيٍّ، مع تأمين الغطاء الشرعي اللازم للمواقف السياسية العامة.

الولاء للوطن

ومتابعةً لموضوع الزيارة وما يثيره البعض حول الولاء للوطن، قال: يجب التمييز بين الولاء للوطن والولاء للحكومة، فالشعب هو الذي يختار الحكومة وقد يغيِّرها، والمعارضة للحكومة حق للمواطنين، وهي أساس لمناهضة الدكتاتوريّة والاستبداد، وركيزة أساسية من أجل التصحيح والتطوير وتحقيق التقدّم والازدهار للوطن والمواطنين.

وقال: هنا رسالة أريدها أن تصل بوضوح للجميع: نحن في تيار الوفاء الإسلامي نصر على التواصل مع المرجعيات الدينية ونعلن ذلك بوضوح تامٍّ لأنه حق، وهو لا يمسُّ الولاء للوطن بقيد شعرة.

وبخصوص الولاء للجمهورية الإسلامية في إيران، قال: في سنة 1995م حينما اعتقل ثلاثة من أبنائنا من أهالي المنامة في ظل انتفاضة الكرامة الشعبية، اسم كل واحد منهم (هاني) وقد أثارت بعض الصحف في ذلك الوقت مسألة الولاء للوطن، خطبت في يوم الجمعة الذي تلى الاعتقال مباشرة، وتكلّمت في الخطبة عن مسألة الولاء للجمهورية الإسلامية في إيران، وقلت بوضوح تامٍّ، إنّ ولاءنا للجمهورية الإسلامية في إيران، هو ولاء للإسلام الحنيف الذي تحمله الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، ومتى تخلّت إيران عن الإسلام، فإننا سنتخلّى عنها، وإذا انتقل الإسلام الحنيف إلى الصين وحملته الصين، فإنّ ولاءنا سينتقل إليها بصورة تلقائية. علمًا بأنّ الولاء للجمهورية الإسلامية في إيران قد ظهر بشكلٍ تلقائيٍّ بين الجماهير المؤمنة في البحرين، وليس بسبب تدخّلٍ خارجي.

وفيما يتعلّق بحمل صور الرموز، قال: لسنا ضد حمل صور الرموز، ولسنا مع الاستغراق في ذلك، وحمل صور الرموز وتعليقها ميل طبيعي لدى الإنسان، ففي الخمسينات من القرن العشرين، كانت تُحمل صور جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وغيرهما من الرموز السياسية القومية، وتُعلَّق في البيوت والمحلاّت التجاريّة والمكاتب والمدارس والمعاهد العلميّة وغيرها. واليوم تحمل صور السيد حسن نصر الله (أيده الله تعالى) وتعلق في بيوت المسلمين من شرق الأرض إلى غربها، وفي مكاتبهم ومحلاتهم التجارية وغيرها، وذلك لارتباط اسمه العزيز بالمقاومة الشريفة للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة. وكذلك تُحمل صور آية العظمى الإمام السيد الخميني (قدس سره الشريف) وآية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (أيده الله تعالى) والخطأ يكمن في الحساسية من حمل هذه الصور وتعليقها والطعن في ولاء المواطنين بالباطل لحملهم وتعليقهم لهذه الصور، وهذه الحساسية وهذا الطعن، يكشفان عن عُقدة نفسيّة تعكس الأوضاع الشاذّة للسلطة ولعلاقتها غير الطبيعية مع أبناء الشعب.

تقوية وضع المعارضة ككل

وبخصوص التركيز على وضع المعارضة ككل، قال: إنّ تيّار الوفاء الإسلامي ومن خلال دراسته لواقع المعارضة توصّل إلى نتيجة واضحة جدًا، وهي: إنّ تركيز كلَّ طرفٍ من قوى المعارضة على تقوية نفسه بعيدًا عن تحسّن الوضع العام للمعارضة في الساحة الوطنية، قد جاء بنتائج سلبية كبيرة على وضع المعارضة ودورها ونتائج عملها. ولهذا فإنّ تيار الوفاء الإسلامي يرى بأنّه غير قادر على تحقيق النتائج المرجوَّة على الساحة الوطنيّة من خلال إصلاح وضعه الخاص فحسب من دون أن يُصلِحَ وضع المعارضة ككل، ولهذا فهو يتوجّه لتقوية وضع المعارضة ككل، ولا يكتفي بتحسين وضعه الخاص، وهذه مسألة واضحة في استراتيجية عمله.


([1]) نهج البلاغة (لصبحي صالح)/ ص: 424/ 50 ومن كتاب له o إلى أمرائه على الجيش.

([2]) الأحزاب: 36.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى