لقاء الثلاثاء (6) | 13-4-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
أكّد الأستاذ عبد الوهاب حسين لضيوفه الكرام في مجلسه في لقائه الأسبوعي المفتوح على أهمية مراعاة الجانب الروحي والأخلاقي في العمل السياسي وفي تقييم الأطروحات والمواقف، وقال: في سبيل تنمية وعينا ولتكون لنا بصيرة في فهم الأمور علينا أن نحاول فهم الأطروحات والمواقف بشكل واقعي ومنفتح بعيدًا عن العاطفة والتعصّب، ولكي نحافظ على سلامتنا الروحية والقلبية وجمال أخلاقنا، علينا أن نُخرج المناقشات من دائرة الضديّة والمناكفة المظلمة (الحرص على مقابلة الرأي ونقضه برأي آخر) بعيدًا عن توخى الحق والعدل والمصلحة العامة في الفهم والمناقشات، وقال: لقد وصفت في حديث سابق التحرّك بأنّه (ديني وطني ، سياسي ومطلبي) وصفة ديني تعني أن نهتم بالتوعية الدينية والتربيّة الروحيّة والأخلاقيّة لأنفسنا ولكلِّ من يعمل تحت مظلة التحرّك، فإننا نعتقد بأنّ العمل من أجل الوطن والمواطنين شرف عظيم للإنسان، ولكننا نريد من خلال التربية الفكرية والروحية والأخلاقية، السير بالتحرك في طريق السعادة الدنيوية والأخروية، فالمطالبة بالحقوق تمثل السبيل إلى العزة والكرامة والسعادة في الدنيا ، والتربية الروحية والأخلاقية الضابطة لها هي السبيل للسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة ، فلن نُفرِّط فيها أبدًا ..أبدًا.
الإفراج عن المعتقلين
وبخصوص فهمه لخلفية الإفراج عن المعتقلين، قال: لقد وقعت السلطة في مأزق سياسي لم تتوقعه، والعفو الملكي هو قرار سياسي لإخراج السلطة من مأزقها الذي وقعت فيه، ولم نتعلم من التجارب بأنّ السلطة متسامحة وكريمة مع الشعب والمعارضة، وأشير هنا إلى أربع نقاط أساسية بخصوص خلفيّة الإفراج عن المعتقلين المظلومين ـ بحسب فهمي ـ وهي:
النقطة (1): إنّ الهدف من اعتقال الشباب وفضيلة الأستاذ المشيمع وفضيلة الشيخ المقداد، هو السعي لإسكات صوت المعارضة الممانع والمناكف للسلطة، وإيقاف تموجاته الجماهيرية على الساحة الوطنية، وقد جاء السلطة ما لم تحتسبه بظهور التحرك الجديد وما حظي به من دعم الرموز والنخب والمؤسسات الوطنية وزيادة عنفوان الجماهير، مما مثّل وضعًا أسوء للسلطة وأصعب عليها مما كانت تواجهه من قبل، وبذلك سقط الهدف الأول للسلطة من الاعتقالات.
النقطة (2): ربما يوجد أصل واقعي صغير لبعض القضايا التي وجهت السلطة بشأنها تهمًا إلى بعض المعتقلين، ولكن السلطة ضخمت القضايا الصغيرة وفبركت أخرى وأعطت الجميع أبعادًا غير واقعية وطرحتها بشكل مضخّم لا يتناسب مع حقيقتها على مستويات إعلامية وسياسية داخلية وخارجية، ووجّهت تهمًا كبيرة للمعتقلين استنادًا إلى الصورة المضخّمة والمفبركة، ثم فوجئت السلطة بنجاح المعارضة في مساعيها التي أثمرت عن حضور عدد كبير من المراقبين الدوليين جلسات المحاكمة، منهم قانونيين وحقوقيين على مستوى دولي، بالإضافة إلى حضور السفير الفرنسي ـ وهذا يحدث لأول مرة في محاكم البحرين ـ ولدى هؤلاء المراقبين من العلم والخبرة ما هو كفيل بكشف الزيف والباطل في التّهم الموجّهة للمعتقلين، مما أوقع السلطة في مأزق حقيقي، فإن هي أصدرت أحكامًا مشدّدة ضد المعتقلين، فهذا يحرجها أمام المحافل الدولية بسبب وجود هذا العدد الكبير من المراقبين، وإن هي أصدرت أحكامًا بالبراءة وأخرى مخفّفة فهذا يحرجها أيضًا بسبب التصعيد السياسي والإعلامي الذي مارسته في الداخل والخارج، ولا يحقّق الهدف المطلوب من الاعتقال والتصعيد الإعلامي والسياسي، وهو إخافة المعارضة الممانعة لها وإرهابها.
النقطة (3): الدور المتميّز لفريق الدفاع، الذي صعّبَ كثيرًا عمل الادّعاء والقضاة غير المستقل عن السلطة.
النقطة (4): الضغوط السياسية التي تعرّضت لها السلطة من أطراف دولية.
وقال: السلطة كانت ولا تزال تفكر وتعمل من أجل الالتفاف على التحرك وقطع الطريق عليه بشتى السبل، وفي جعبتها الكثير لتعمله.
وبخصوص جهود الإفراج عن المعتقلين، قال: هناك طرحان في فهم الجهود التي أنتجت الإفراج عن المعتقلين الشرفاء، وهما:
• الطرح الأول – وهو الطرح الذي جاء في بيان الوفاق – يقول بأنّ مساعي الوفاق مع السلطة والذي تُوّج بلقاء الرموز العلمائية مع الملك هو الذي أدّى إلى الإفراج عن المعتقلين.
• الطرح الثاني ـ وهو الطرح الذي جاء في بيان التحرك وغيره ـ يقول بأنّ تظافر الجهود وفي مقدّمتها دور الجماهير – الذي عبّر عنه بيان التحرك بأنّه القاعدة الأولى لهذا الإنجاز – ودور الرموز والقوى السياسية والمؤسسات الحقوقية وفريق الدفاع والنشاط الإعلامي لقوى المعارضة في الداخل والخارج، هو الذي أنتج هذا الإنجاز الوطني العظيم، ولولا تظافر هذه الجهود مجتمعة لما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق، أي إنّ مساعي العلماء والإخوة في الوفاق لم تكن لتثمر لولا تظافر هذه الجهود.
وقال: هذان الطرحان أمامكم، انظروا فيهما بموضوعية وانفتاح، وخذوا بما تقتنعون به وترونه أكثر واقعية وتُصدّقه التجارب واتركوا خلافه، وتجنّبوا المناكفات والمناقشات الضديّة، ولا تخافوا أبدًا من ضياع العمل فإنه محفوظ بحقائقه عند الله سبحانه وتعالى وبنتائجه في المآل الدنيوي، والأجر على الله تبارك وتعالى الذي لا يضيع عنده عمل عامل، ومارسوا المراقبة والمحاسبة والنقد الموضوعي النزيه، لتصلوا إلى غاياتكم الدينية والوطنية، وبدون المراقبة والمحاسبة والنقد الموضوعي النزيه لن تصلوا إلى غاياتكم التي تتطلعون إليها في الدين والدنيا.
وقال: الفهم الواقعي الصحيح مقدمة للعمل الصحيح، فلا عمل صحيح بدون فهم واقعي صحيح.
المطالبة بالإفراج عن باقي المعتقلين
وبخصوص باقي المعتقلين، قال: لا يزال لدينا معتقلون نطالب السلطة بالإفراج عنهم جميعًا، وهناك رسالة لابدّ أن تصل إلى السلطة وتفهمها: إذا لم تفرج عمّن تبقّى من المعتقلين فكأنّها لم تفعل شيئًا، وقال: صحيح تبييض السجون ليس غايتنا، فغايتنا هي تحقيق المطالب العادلة التي ستكون من نتائجها الطيبة تبييض السجون من سجناء الرأي الأحرار والمطالبين بحقوق الإنسان الأبطال، وهذا لا يعنى التّخلّي عن المعتقلين في هذا الوقت، فكلّما وجد لنا سجين رأي فسوف ندافع ونطالب ونسعى للإفراج عنه بكل وسيلة مشروعة متاحة.
التصريحات المستفزة
فيما تطرق أحد الحاضرين إلى وجود خطابات مستفزة من قبل بعض الأطراف إلى أطراف أخرى، قال الأستاذ: الجماهير أصبحت على مستوى عالٍ من الوعي والتفكير، والخطأ في الخطابات والمواقف يؤدي إلى نتيجة سيئة وخاسرة في العلاقة مع الجماهير، فعلى كل من يريد أن يحتفظ بعلاقة حسنة بالجماهير ويحظى بدعمهم، أن يجعل تصريحاته ومواقفه واعية ودقيقة من الناحية السياسية والفكرية والأخلاقية، والخطأ قابل للتصحيح.
وعن التحرّك الجديد قال: سوف نتمسك صادقين بقاعدة: )ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(([1]) وقاعدة: )لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(([2]).
وفي الحقيقة: أنا لا يقلقني بأن تكون هناك خطابات ومواقف خاطئة ضدي، وإنما يقلقني صدور أطروحات ومواقف خاطئة منّي ضد الآخرين، وأستطيع أن أعمّم هذا التّوجه على مستوى التحرك.
حركة حق والتحرك الجديد
وفيما يتعلّق بانضمام الأستاذ حسن مشيمع للتحرّك الجديد، قال: الأستاذ حسن وحده الذي يملك قرار أين يكون، وفي كلِّ الأحوال سيكون قراره في الموقع الذي يختاره مبنيًّا على المصلحة العامة: الإسلامية والوطنية. وأكّد بأن د. عبد الجليل السنكيس كان ولا يزال جزء من حركة حق، وأنّه يتصرف على هذا الأساس.
وعن اندماج حركة حق مع التحرك الجديد في كيان واحد، قال: التوجه القائم حاليًا هو البقاء منفصلين، على أن يكون بينهما تحالف استراتيجي.
وقال: والتوجّه القائم لدى التحرّك هو عدم مزاحمة الآخرين في أدوارهم، فإذا وُجد من يقوم بدور معيّن وهو ناجح فيه، فلن نزاحمه، وسوف نعتمد سياسة التعاون والتنسيق وتكامل الأدوار في العمل مع الجميع.
وضع التحرك بعد الإفراج عن المعتقلين
وبخصوص وضع التحرّك بعد الإفراج عن المعتقلين، قال: لقد قلت سابقًا يجب تحرير التحرّك من أسر صفة الاحتجاج، والنظر إليه على أنه تحرّك شامل ذو صفة دينية ووطنية، سياسية ومطلبية، وأنّه يعمل على المدى الطويل لتحقيق المطالب والأهداف الدينية والوطنية. والإفراج عن المعتقلين من شأنه أن يسهل هذه المهمة ويخفّف من الضغوط المطالبة بالإكثار من مظاهر الاحتجاج حتى نخشى أن تغدو صفة التحرّك الغالبة. فالتحرّك له مطالب عادلة، وسوف يلجأ إلى أساليب سلميّة فاعلة لتحقيقها ومنها الاحتجاجات السلمية، وقد يستغرق عمله سنوات طويلة، بل عمله مفتوح زمنًا، لأنّ كل مرحلة لها أهدافها ومطالبها الخاصة، فالحاجة إلى العمل والحركة باقية لا تنتهي. وسوف تكون الإدارة السياسية للمواقف والعلاقات مبنيّة على هذا الأساس، وهذا يتطلب فيما يتطلب:
• توعية فكرية وسياسية وتربية روحيّة وأخلاقية تنسجم مع رؤية التحرّك بأن تسير الحركة المطلبية والعمل الوطني في طريق السعادتين: الدنيوية والأخوية كما سبق توضيحه.
• عمل جماهيري منظم.
• عمل سياسي مهني يؤسس للعمل الجماهيري فكريًا وسياسيًا ويستثمره في سبيل تحقيق المطالب، وقال: هناك ملفات عديدة، مثل: المسألة الدستورية، والتجنيس، والتمييز الطائفي، والفساد الإداري والمالي والأخلاقي، وانتهاك حقوق الإنسان، وغيرها، فإذا خرجت الجماهير للاحتجاج على خلفية أي من هذه الملفات، فهذا عمل احتجاجي، ويكون فاقدًا للقيمة السياسية مالم تكن وراءه رؤية سياسية متكاملة لتشخيص المشكلة وطريقة حل الملف، وأمامه إدارة سياسية تستثمر التحرك الجماهيري الاحتجاجي، وتوجهه نحو تحقيق المطالب. وقال: إيجاد الرؤية السياسية المتكاملة، والإدارة السياسية لاستثمار الاحتجاج الجماهيري تحتاج إلى فرق عمل تمتلك الكفاءة اللازمة لتحقيق الأهداف، وهذا ما ينوي التحرك القيام به. ولا شك أن الإدارة السياسية وإيجاد الرؤى الفكرية والسياسية لكل الملفات، يحتاج إلى كوادر بشرية وإلى وقت طويل. والجماهير المؤمنة بالتحرك هي مصدر كافة الكوادر البشرية، ولكيلا يكون البدء بحمل الثقل الكبير الخارج عن حدود القدرة دليل على عدم الجدية في العمل، فإننا سوف نعتمد التأسيس الصحيح، والتدرج في العمل، وقد شرعنا في العمل ولن نتأخر بإذن الله تبارك وتعالى.
الشعوب هي التي تحدِّد ماذا تريد أن تكون
وفي الرد على إمكانية سحب البساط من تحت أقدام التحرك عبر المكر به وإسكات الناس بالمكرمات وتقديم بعض المكاسب لهم، قال الأستاذ: نحن لا نخشى أن يسحب أحد البساط من تحتنا، هذا من حيث المبدأ إجمالاً، ولكيلا يفهم البعض القول خطأ، أذكر بعض التفاصيل في نقاط:
النقطة (1): الشعوب والأمم مثلها مثل الأفراد في علاقة طموحاتها وتطلّعاتها بالترهيب والترغيب، مثلا عبد الوهاب: يقوم بدور سياسي ومجتمعي، وهو الآن معارض للسلطة، فإذا تعرض للإغراء بوظيفة أو منصب أو منحة وقبل به وسكت أو تعرض للترهيب بالسجن أو غيره فسكت فهذا قدره ولا يعوّل عليه بأكثر منه. وهذا ينطبق على الشعوب والأمم، فإذا تعرّض أي شعب للإغراء بمنح زهيدة وارتأى إنّ فيها حدَّ طموحه وسكت أو تعرّض للقمع فخاف وسكت عن المطالبة بحقوقه فهذا قدره ولا يعوّل عليه بأكثر منه. نعم يسعى المصلحون إلى تغيير المفاهيم الخاطئة ورفع المعنويات ورفع سقف الطموحات والتطلّعات: الفرديّة والمجتمعيّة لما ينسجم وإنسانية الإنسان ورسالته في الحياة، ولكن إذا اختار أيُّ شعبٍ القبول بما قُدّم له من مِنَح زهيدة فهو وما أراده لنفسه، ويبقى المصلحون على دورهم ورسالتهم في الحياة، وقد أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة تمسّك شعبنا بإنسانيته وجهاده في سبيل حقوقه وعزته وكرامته.
النقطة (2): نحن لا نخشى المكر من أحد، فإذا كنا من المؤمنين الصادقين مع الله (، فإنّ الله U قد تكفّل بالدفاع عن المؤمنين، ومعه لا يضر جور الجائرين وكيد الحاسدين وبغي الظالمين ولا غيره.
النقطة (3): نحن نؤدِّي تكليفنا الشرعي ونتحمّل مسؤوليتنا الوطنية، ونحن في هذا لا نقف على بساط وإنما نسير في طريق ذات الشوكة، فلا وجود أصلاً للبساط لكي نخاف أن يسحبه أحد من تحت أقدامنا، نعم يستطيع هذا أو ذاك أن يزيد في كميّة ونوع الأشواك، أمّا البساط فلا وجود له أصلاً لكي نخاف أن يسحبه أحد من تحت أقدامنا.