لقاء الثلاثاء (5) | 6-4-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
الأستاذ: قريبا نلتقي بالأحبة في الوفاق
تطرّق الأستاذ عبد الوهاب حسين إلى تصريح أمين عام جمعية الوفاق فضيلة الشيخ علي سلمان في الكَوَرَة([1]) حول التنسيق بين الوفاق والتحرّك الجديد، فقال: لمّا قرأت في الملتقيات تصريح فضيلة الشيخ علي سلمان عن استعدادهم للتعاون مع التحرُّك الجديد، اتصلت به في نفس اليوم، وقلت له: إنّ تصريحك أثلج صدري، وسوف نتصل بكم قريبًا لترتيب لقاء من أجل أن نتفاهم ونتعاون على ما فيه لله رضًا وللناس فيه صلاح، وقد رحّب بذلك، وبدأت الاتصالات فعلاً لترتيب اللقاء. وأيضًا لنا لقاء قريب مع الإخوة في جمعية أمل، أسأل الله تبارك وتعالى أن تسفر اللقاءات عن نتائج طيبة.
مناقشة لما نُقل عن الشيخ علي سلمان حول التضحية بالعدد القليل
وفي الإجابة على سؤال وجه له حول ما نقل عن فضيلة الشيخ علي سلمان في لقاء السنابس حول حماية التحرك الجديد والتضحية به، قال الأستاذ: لم أكن أرغب في التطرّق لهذا الموضوع لأنّ المنقول يمكن ألا يكون صحيحًا، وكنت أريد الاكتفاء بما ذكرت حول تصريح فضيلة الشيخ علي في الكورة لإيجابيته، أما وقد سألتم عن الموضوع فهذا يعني أن الموضوع لا يزال حاضرًا وقد ترك أثره، فأرى من المصلحة مناقشته بموضوعية، سائلاً الله تبارك وتعالى التوفيق والتسديد:
في البداية: المنقول قد يتبيّن كذبه أو عدم دقته، ولكن نظرًا لحضور المفاهيم المنقولة وخطورتها، فإنّي أري وجوب مناقشتها بهدف تحصين عقول الناس وقلوبهم منها، بغض النظر عن صدق أو كذب الناقل، فالمناقشة هي للمفاهيم وليست لصدق النقل ودقته أو كذبه وعدم دقته، ولا يضر بعد ذلك إذا ثبت عدم صحة المنقول أو عدم دقته.
خلاصة ما نقل عن فضيلة الشيخ: بأنهم مستعدون لحماية التحرك الجديد، ولكن إذا وجدوا بأن التحرك يضر بالطائفة أو الوطن فهم مستعدون للتضحية بالعدد البسيط في سبيل الحفاظ على الطائفة والوطن، وهو يتضمن أربع نقاط أساسية.
النقطة (1) الحماية: إذا كان المراد بها التناصر على أساس الحق والعدل والدفاع عن المظلومين، فهو تكليف وحق متبادل بين كافة المؤمنين والشرفاء ولا غبار عليه ويجب الالتزام والعمل به، قول الله تعالى: )وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ(([2]).
وإذا كان المراد استخدام النفوذ للحماية من السلطة، فإن فضيلة الشيخ لا يمتلك ما يحمي به نفسه من السلطة لكي يحمي غيره، فما يقع عليه من الظلم والحيف ليس بأقل مما يقع على غيره.
ومن جهة ثانية: حين أعلنا عن التحرك فإننا نريد بذلك أداء تكليفنا الشرعي وتحمل مسؤوليتنا الوطنية، ونحن نعلم بأن ما ينتظرنا هو الآلام والمعاناة والسجن وربما الشهادة. ولا نتطلع لحماية أحد من الناس، ولو كنا نتطلع لحماية أحد من الناس لما تحركنا أصلاً، لأن عدم التحرك ـ من الناحية الأخلاقية ـ أشرف وأعز وأنبل لنا من التحرك ثم التطلع لحماية أحد من الناس.
ومن الناحية الروحية: فإنّ إبراهيم الخليل o لما رماه نمرود إلى النار، جاءه جبرئيل o وهو في الهواء في طريقه إلى النار، وسأله إن كان يريد المساعدة ، فقال: أمّا منك فلا، وأما الله فهو يعلم حالي، وقد قال الله تعالى: )قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ(([3]) وقال الأستاذ : نحن لا نصل إلى روحية إبراهيم الخليل o ولكن أنا لا أحترم نفسي روحيًّا إذا كنت أتحرّك وأنا أتطلّع إلى حماية أحد من الناس، فعقيدتي: لا يمتلك أحد أن يحميني إلا الله وحده لا شريك له، وأعوذ به من أن أتطلّع لحماية أحد غيره.
والخلاصة: ما نريده هو تحقيق مطالب الشعب العادلة، ولا ينتابنا الخوف من وقوع الضرر علينا، ولا نتطلع إلى حماية أحد من الناس، لأنّ لا أحد من الناس يمتلك أن يحمي نفسه لكي يحمي غيره، ونحتسب ما يصيبنا من الضرر عند الله تبارك وتعالى وبعينه، وهو وحده الذي يملك أن يحمينا ويحمي غيرنا.
النقطة (2): فيما يتعلّق بوصف التحرّك بالبسيط: التحرك في حساب الواقع وفي قراءة المراقبين والمعنيين ليس بسيطًا، ولو كان بسيطًا لما أثار كل هذه الضجة والاهتمام المبكر على كافة المستويات، وعند العقلاء: الكبير والواثق من وضعه لا يشغله الأمر الصغير أو الحقير أو البسيط الذي يعترض طريقه أو يخالفه، وإنما يشغله الأمر الخطير والمهم.
وأُنبِّه: إذا كان هناك تحرك شعبي معارض للسلطة وله مطالب عادلة، فليس من المصلحة السياسية وليس من الأخلاق الفاضلة توهينه، وقال: المباهاة يجب أن تكون بالقيم والمبادئ وليس بالأعداد، فإنّ المباهاة بالأعداد ليست من الدين في شيء، وقد أدانتها النصوص القرآنية والسنة الشريفة.
النقطة (3) فيما يتعلق بالتضحية، قال الأستاذ: حولها مجموعة ملاحظات، منها:
• الإنسان إنّما يُضحِّي بما يملك، والقائمين على التحرك يملكون رقابهم ويملكون حرية حركتهم وهم راشدون ويتحملون المسؤولية الكاملة عن أعمالهم، ولا يملك أحدٌ أن يُضحِّي أو لا يُضحِّي بهم.
• إنّ الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه كل تحرك سليم: (إسلامي ووطني) هو تضحية القائمين عليه بأنفسهم من أجل حصول الآخرين على حقوقهم (الذين يتفقون معهم في الدين أو السياسة والذين يختلفون معهم) وهذا ما يحث عليه الدين الإسلامي الحنيف والقيم الإنسانية العالية، وليس التضحية بالآخرين وإسلامهم للخصم المشترك لمجرد الاختلاف معهم في الرأي، وسوف تأتي بعد قليل الملاحظة حول تشخيص المصلحة.
• نحن مطالبنا عادلة، وقلنا بأنّ أساليبنا سوف تكون سلمية ومنضبطة بضوابط الشريعة المقدسة، ولم يصدر منا ما يخالف ذلك، فهل يصح إثارة التوجس والتشكيك فينا وفي تحركنا؟ وعلى أي أساس ديني أو أخلاقي أو سياسي يكون ذلك؟ ولمصلحة من؟
• قلنا بأنّ الذي ينتظرنا هو السجن أو الشهادة، ونحن لا نخاف من هذه النتيجة، ولا فرق عمليًا ـ إذا كنت سأسجن أو أقتل ـ بأن تقوم بهذه المهمة السلطة منفردة أو تقوم بها بمشاركة آخرين أو دعمهم أو مساندتهم أو مباركتهم، فالنتيجة عمليًا بالنسبة إليّنا واحدة.
والخلاصة: من يرى بأن تكليفه الديني أو الوطني أو الأخلاقي أو الإنساني هو المساهمة مع السلطة في تنفيذ هذه المهمة ويشرّفه ذلك فليفعل، فلنا تكليفنا، وله تكليفه، وأمرنا وأمره إلى الله الذي إليه مرجع العباد جميعًا وعليه حسابهم. ولكن للحقيقة: أنا يؤنسني روحيًا أن أتلقى الأذى من شرار الناس، ولا أحب أن يشترك مؤمن أو شريف في شيء من أذيتي بل يؤذني ذلك نفسيًا، ولكن كل إنسان وما يختار لنفسه.
النقطة (4): الدين والوطن فوق الأشخاص، والتضحية بالنفس من أجلهما شرف عظيم للإنسان، ولكن ادّعاء تقدير المصلحة لهما كمبرر للتضحية بالآخرين ادّعاء خطير جدًا كمبدأ في العمل السياسي، لأنه يحمل في طيّاته الزعم بقيمومة خاصة على مصالح الناس والدين والوطن وتفرّد في سلامة التشخيص لا يمتلكهما الغير!!
والسؤال: ما هي النتيجة لو إنّ كلَّ طرفٍ حمل نفس الزعم (القيمومة الخاصّة والتفرّد في سلامة التشخيص) وأعطى لنفسه نفس الحق (تسليم باقي الأطراف للخصم المشترك أو التضحية بهم استنادًا إلى تشخيصه)؟!
النتيجة: سوف يكون الاحتراب البيني، وكفاية الظالمين شر القتال!!
فعلى كل مؤمن وكل شريف أن يتأمّل هذه النتيجة المدّعاة جيدًا، ليرى إن كانت واقعيّة أم لا، وإن كان لله تعالى فيها رضًا وللناس فيها صلاح، أم إنّها بخلاف ذلك، وليعلم على أيِّ شيءٍ يُقدم، ولنحذر جميعًا من وساوس الشيطان الرجيم وتزييناته الباطلة، فإنّ مكره خفيٌّ، وشرّه عظيم.
المنافسة على الجماهير وإعاقة التحرك
وحول المنافسة على الجماهير والتحريض على إعاقة التحرك، قال: الجماهير أحرار في خياراتهم، ولا يملك أحد حق منع الاتصال بهم ومخاطبتهم، ومن يرى بأنه يملك ذلك الحق عليه أن يُطلع الآخرين على سوق النخاسة التي اشترى منها الجماهير ليكونوا حصرًا عليه دون غيره، وقال: هذا السلوك متخلّف ومخالف للمنهج الإسلامي ولحقوق الإنسان في المواثيق الدولية، وللعلم: فإن الرسول الأعظم الأكرم Q قد خاض معارك قتالية من أجل إزالة العوائق التي وضعها المستكبرون للحيلولة بين الناس وبين سماع دعوته، وهذا لا يعني أننا سوف نخوض معارك قتالية أو سياسية لكي يتاح للناس سماع رأينا، لأنّ الناس أحرار فعلاً، وهم الذين سوف يتمسَّكون بهذا الحق ويدافعون عنه.
وقال: أيها الأحبة!! سوف تواجهكم صعوبات وتحديات فاصبروا وتحلَّوا بالحكمة واجتهدوا في معالجة الأخطاء بما يعود بالخير والمصلحة على الجميع ويُؤدِّي إلى رصِّ الصفوف فإنّها حاجة دينية ووطنية ولا تفرِّطوا أبدًا في حقِّ الأخوّة الدينية والوطنية.
المسؤولية عن التوتير الأمني بين المعارضة والسلطة
قال الأستاذ: الجماهير والمعارضة لهما مطالب مشروعة وأساليبهما في المطالبة بالحقوق حضارية وسلمية ولا مصلحة لهما في التوتير الأمني وراء المطالبة بالحقوق، والسلطة بدلاً من الاستجابة للمطالب تقابل الحركة المطلبية بالعنف وإرهاب الدولة دفاعًا عن امتيازات غير مشروعة للقائمين على السلطة، ولو استجابت السلطة لمطالب الجماهير والمعارضة العادلة لكانوا معها في خندق واحد.
التحرّك الجديد وولاية الفقيه
بخصوص القول عن التحرّك الجديد بأنّه باع ولاية الفقيه بثمنٍ بخس، قال الأستاذ: الإثارة فيها شيء من الغرابة، ولمّا تتبّعتُ وجدت بأنّ الإثارة ربّما تكون ردًّا على خطاب الجمعة لفضيلة الشيخ سعيد النوري إلا إنّ صاحب الإثارة عمّم الحكم على الجميع، وقد أصدر فضيلة الشيخ النوري بيانًا وضّح فيه رأيه.
وبالنسبة لي شخصيًا: طرحي لولاية الفقيه يرجع إلى السبعينات قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ولي أشرطة مسجّلة في هذا الموضوع من ذلك الوقت، وعقيدتي فيها لم تتغير وأنا ملتزم بها قولاً وعملاً. وعلمي بأنّ القائمون على التحرّك، مثل: سماحة الشيخ المقداد، وفضيلة الشيخ النوري، وفضيلة الشيخ المخوضر، وفضيلة الشيخ فاضل الستري، وفضيلة الشيخ علي مكي، وغيرهم، كانوا ولا زالوا من أكثر العلماء تمسّكًا بولاية الفقيه والدعوة إليها، وما فهمته من طرح صاحب الإثارة: بأنّ سماحة الشيخ أبو سامي فقيه متصدِّي، وفيه تتمثّل ولاية الفقيه في البحرين، وإنّ تجاوز قيادته والقبول بتعدّد القيادات كأمرٍ واقع في الخارج يفرضه تنوّع القناعات، يُعدُّ خروجًا على مبدأ ولاية الفقيه.
وهنا أنبِّه إلى ثلاث نقاط:
• لا يُجمع المتشرّعة في البحرين على القبول بتمثّل ولاية الفقيه في سماحة الشيخ أبو سامي، فهم يختلفون حول المسألة مفهومًا ومصداقًا.
• من مطالب القائمين على التحرّك الرجوع إلى الحاكم الشرعي لحل الاختلاف.
• إنّ صاحب الإثارة حكّم فهمه الخاص ـ وهو تَحكُّم بغير حاكم ـ بدون أن يكون لديه فهمٌ علميٌ لطرفي الموضوع.
منهج التكليف ومنهج التبرير
في الإجابة على سؤال حول علاقة المسايرة والممانعة وسقف المطالب بمنهجي: التكليف والتبرير، قال الأستاذ: لا ملازمة بين المسايرة أو الممانعة أو الثورة أو الإصلاح وبين أحد المنهجين: التكليف والتبرير، فقد يقتضي منهج التكليف المسايرة وقد يقتضي الممانعة وقد يقتضي الثورة وقد يقتضي الإصلاح ـ بحسب نوع النظام وحسابات الواقع ـ ولابدّ من استيعاب المفاهيم قبل تطبيقها.
وقال: ينفتح صاحب منهج التكليف على الله ذي الجلال والإكرام أوّلاً، ومن خلال انفتاحه على الله U يحدّد تكليفه الشرعي، ثمّ يقرأ الواقع ويحدّد الصعوبات التي تقف في وجه تطبيق التكليف الشرعي ويعزم على تذليلها.
مثال: الرسول الأعظم الأكرم Q حدّد تكليفه الشرعي، ومن أجل تذليل الصعوبات التي تقف في وجه تطبيقه هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وكانت مواقفه السياسية في مكة المكرمة تختلف عن مواقفه السياسية في المدينة المنورة.
وفي المقابل يكون صاحب المنهج التبريري أسير الواقع ويحدّد التكليف الشرعي استنادًا إلى هذا الأسر، على قاعدة: )لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا( وقاعدة: )لاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( وغيرهما.
مثال (1): الإمام الخميني وجد من خلال انفتاحه على الله ذي الجلال والإكرام وتقييمه للوضع السياسي في إيران بأنّ تكليفه الشرعي هو إسقاط الشاه، وقد عمل على تذليل العقبات التي تقف في وجه التكليف وصبر وضحّى حتى بلغه الله مراده، ولو كان من أصحاب منهج التبرير، لقال: الشاه قوي ومدعوم من الغرب، وتغييره مستحيل، واعتبر مواجهته من إلقاء النفس في التهلكة وتكليف للنفس فوق طاقتها، وهو عمل خارج دائرة العقل ومخالف للدين.
مثال (2) حزب الله في لبنان وجد من خلال انفتاحه على الله ذي الجلال والإكرام بأنّ تكليفه هو مواجهة الكيان الصهيوني، وفكّر وقدّر في مواجهته، حتى حقّق الله تعالى له النصر على الكيان الصهيوني ولا زال يواصل طريق المقاومة والمواجهة معه، ولو كان القائمون على الحزب من أصحاب منهج التبرير، لقالوا: جيش الكيان الصهيوني انتصر على الجيوش العربية مجتمعة واحتلَّ الأراضي العربية في ستة أيام، ومواجهته من خلال حزب انتحار ومن إلقاء النفس في التهلكة، وهو تكليف للنفس فوق طاقتها وخارج عن دائرة العقل ومخالف للدين.
وعن العلاقة بين منهج التكليف وسقف المطالب، قال: الرسول الأعظم الأكرم Q لم يسعَ لإقامة الدولة الإسلامية يوم كان في مكة المكرمة قبل الهجرة الشريفة المباركة، وحزب الله لا تنقصه الشجاعة ولا الاستعداد للتضحية، ومنهج التكليف لم يحمله على طرح إقامة الدولة الإسلامية في لبنان وذلك لاعتبارات واقعية، فلا يصحُّ الخلط بين المنهج وسقف المطالب.
وقال: نحن خيارنا السياسي في البحرين في الوقت الحاضر هو إصلاح النظام على أسس ديمقراطية سليمة، بدون أن نعتبر النظام قدرًا محتومًا على الشعب، ولم نطرح إقامة الدولة الإسلامية، وليس في خيارنا تخلّي عن منهج التكليف إن شاء الله تعالى.