لقاء الثلاثاء (3) | 23-3-2009

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

الشيخ عيسى قاسم: الحديث عن الشرعية حول التحرك في غير محله

قال الأستاذ عبد الوهاب حسين بأنّ مسألة الشرعية غير مثارة من قبل المؤمنين الأعزاء حول التحرّك الجديد، وذكر بأنّ سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم قال في حديثه معهم في زيارتهم له (بما معناه): إنّ الحديث عن الشرعية في غير محلّه، فالقائمون على التحرّك مؤمنون ولهم شرعيتهم.

وقال الأستاذ: مسألة الشرعية غير مثارة في وجه التحرّك اليوم، والمطلوب منا أن ننطلق ونتحرّك إلى الأمام، وألا نجترّ المسائل.

وقال: سأذهب إلى الأمام في الإجابة على السؤال، بهدف أن نفهم ما هو مُثار أو ما هو موجود لكي نتصرّف معه التصرّف الصحيح، لأنّ التصرّف الصحيح يتوقف على الفهم الصحيح، فما لم نفهم صح، لن نتصرف صح.

وقال: الشرعيّة ـ كما ذكرت ـ غير مُثارة في وجه التحرك، وما هو مُثار هو تعدّد القيادة، فقد أثار هذه المسألة الشيخ أبو مجتبى([1]) بقوله: بأنّ التحرّك ليس مجرّد مسعىً للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وإنما هو تحرّك يحمل مشروع عمل، وإنّ قيادة الوفاق هو سماحة الشيخ أبو سامي، وأثار المسألة الشيخ حسن سلطان الذي طالب القائمين على التحرّك بأن يعلنوا إن كان سماحة الشيخ أبو سامي قائدَهم أم لا، والشيخ عيسى المؤمن، ثمَّ جاء بيان المجلس العلمائي.

والخلاصة: المطروح هو تعدّد القيادة وليست الشرعية.

وقال: نحن أعلنّا عن مطالبنا العادلة بوضوح لا لبس فيه، وأعلنا بأنّ أساليبنا التي سوف نلجأ إليها من أجل تحقيق المطالب سوف تكون أساليب سلميّة ومنضبطة بضوابط الشريعة المقدسة، وأعلنّا بأنّنا سوف ننفتح على الجميع ونتعاون معهم بما يخدم تحقيق هذه المطالب على قاعدة: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(([2]) وأعلنا بأننا سوف نلتزم بقاعدة تكامل الأدوار من منطلق كل يعمل من موقعه وبحسب قناعاته.

وقال: لم يُنظر في صوابية هذا الطرح وقيمته، وإنّما طرحت مسألة الالتزام بقيادة سماحة الشيخ أبو سامي: هذه قيادتنا، فإذا لم تلتزموا بها فلسنا معكم ولن نتعاون معكم، وذهب البعض إلى القول: وسوف نقف في وجهكم.

طبعًا من حقّهم ألاّ يكونوا معنا، ولكن لنعرض بقية ما طرحه الأخوة الأعزاء ونقابله بما طرحه القائمون على التحرك، لننظر أيهما أقرب إلى منطق العقل ومنطق الدين ومنطق الأخلاق ومنطق المصلحة الإسلامية والوطنية لنأخذ به.

وقال: أوصيكم بالتفكير الهادئ، والابتعاد عن التشنّج وما من شأنه إثارة الفرقة ويُعمِّق الخلاف، فقط حاولوا أن تفهموا الأمور فهمًا صحيحًا لكي تتصرّفوا بشكلٍ صحيح، فمن لا يفهم صح، لن يستطيع أن يتصرف صح، ثم حدِّدوا موقفكم بما يرضي الله U ويحقِّق المصلحة العامة للعباد.

تعدّد القيادات

وأكّد على حقِّ أيِّ تحرّكٍ أو أيِّ فردٍ في أن تكون له قيادته التي يؤمن بمنهجها ويقتنع بكفاءتها وأدائها، ولا يجوز لأحد أن يسلبه هذا الحق. وقال: من أخلاق المؤمنين أنهم يحبون لغيرهم ما يحبونه لنفسهم، وأنهم يعاملون الآخرين كما يحبوا أن يعاملوهم، وكلُّ مؤمنٍ يريد ـ بحكم عقله وفطرته ودينه ـ أن يختار قيادته التي تُعبِّر عنه بمحض إرادته، ولا يبقل من أحد أن يسلبه هذا الحق الإنساني الطبيعي ـ الذي تفرضه كرامته الإنسانية وتقره الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ـ بأن يفرض عليه قيادة لا يرضاها أو هو غير مقتنع بمنهجها أو أدائها أو لأيِّ علةٍ أخرى هو مقتنعٌ بها، وهو بحقيقة الإيمان يحفظ هذا الحق للآخرين ولا يسلبه حتى من خصومه وأعدائه فكيف بمن يختلف معهم من إخوانه المؤمنين.

وقال: التحرّك الجديد له قيادته، والخط الرسالي له قيادته، وخط سماحة الشيخ المدني له قيادته، وآخرين لهم قياداتهم:

والسؤال (1): هل يجوز لهذه الأطراف مجتمعة أو منفردة إلغاء قيادة الوفاق أو المجلس العلمائي أو غيرهم وفرض قيادتهم عليهم؟

والسؤال (2): هل يرى الأخوة في الوفاق والمجلس العلمائي وغيرهم ـ بحسب منطق العقل والدين والأخلاق والمصلحة الإسلامية والوطنية ـ صوابية أن يرفض هؤلاء التعاون معهم فضلاً عن العمل على إضعافهم بحجّة اختلاف القيادة، لاسيما مع القبول بعدالة المطالب وسلميّة الوسائل وشرعيتها؟

أيها الأحبة الأعزاء: لكلٍّ أن يحتفظ بحقِّه في اختيار قيادته، وليتعاون الجميع على البرِّ والتقوى (المشتركات) وليُكَمِّل بعضُنا بعضًا كل من موقعه وبحسب قناعاته، ولنحذر جميعًا من ظلم بعضنا لبعض أو أن يبخس بعضنا حق البعض الآخر.

حق الاختلاف

وتابع: لقد أخذت مسألة التصريح بالاختلاف مع سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم في تشخيص بعض المسائل السياسية مساحة كبيرة من الاهتمام والإثارة والتوظيف القبيح، وقال: لم يكن التصريح بهذا الاختلاف وعدم التزام القائمين على التحرك بتشخيصات سماحة الشيخ السياسية بمثابة الكشف عن سرٍّ دفين، فهو معروفٌ للجميع، فمثلاً: سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم كان يرى المشاركة وأغلب القائمين على التحرك يرون المقاطعة، وكلٌّ عَمَلَ بحسب قناعته في المساحة التي يملكها.

وتساءل الأستاذ: هل الاختلاف مع سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم في تشخيص بعض المسائل السياسية يدخل في دائرة المسموح أم الممنوع عقلاً؟ وهل يدخل في دائرة الحلال أم الحرام شرعًا؟ وقال: ما يتفق عليه العقلاء والمتشرعة ـ لبداهته وبحكم التجربة ـ إنّ الاختلاف مع سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم حتى في المسائل الفكرية فضلاً عن الاختلاف معه في تشخيص بعض المسائل السياسية هو أمرٌ مسموحٌ به عقلاً وشرعًا، وقال: الفقهاء وسائر المؤمنين يختلفون فيما بينهم في المسائل الفكرية والسياسية والعملية ـ وهذا يختلف عن إعمال الولاية الشرعية ـ وهو أمرٌ طبيعي ومشروع ولا ضير فيه عند العقلاء والمتشرعة.

وقال: لقد تعجّبت كثيرًا من التفاعل الكبير مع هذه المسألة لتفاهتها، وبداهة الرأي فيها، مما يدل على حضور التوظيف القبيح في إثارة المسألة.

حرف الكلم عن موضعه وسياسة قلب الطاولة على الخصم

لقد استنكر الأستاذ ما كتبه البعض في المواقع الإلكترونية عن تصريحه حول الاختلاف مع سماحة السيخ عيسى أحمد قاسم في تشخيص بعض المسائل السياسية وعدم التزام القائمين على التحرك بتشخيصات سماحة الشيخ، وقال: لقد بيّنت الرأي حول مسألة الاختلاف، ولكن ما كُتِبَ يدخل تحت عنوان آخر يجب الوقوف عنده والتنبيه إليه، إنه يدخل في دائرة تحريف الكلم عن مواضعه، وقال: النصُّ مكتوبٌ وموثّق ولم يكن كلامًا مرسلاً في الهواء، والتصريح كان في مقام المدح والثناء على موقف سماحة الشيخ وليس في مقام الذم والانتقاص، فما جاء في التصريح: إنّ سماحة الشيخ يعلم بهذا الاختلاف ولكنّه لن يقف ضد التحرك، ولكن بعض المرجفين تجاهل النص المكتوب، وجاء بنص مختلق ـ بحسب مزاجه ـ يدل على ذم سماحة الشيخ وانتقاصه مخالفًا بذلك الأمانة والتقوى، ليتهجّم على صاحب النص المزعوم.

وقال: التهجّم ليس بالأمر المهم، ولكن المهم هو إثارة الفتنة بتحريف الكلم عن مواضعه. وقد تأسَّف الأستاذ من التفاعل مع النص المختلق وعدم الرجوع إلى النص المكتوب والموثَّق رسميًّا من موقع الأستاذ. وقال: تحريف الكلم عن مواضعه ليس سببه وجود خلل في الكلام المحرَّف، وإنما سببه الخلل في دوافع ونوايا القائمين على التحريف، وقال: التحريف لا يقف وراءه منطق سليم، وإنما يقف وراءه مرض نفسي وروحي وأخلاقي.

وتساءل: هل يوجد بيان أقوى وأرسخ وأفصح وأدق من بيان الله U، فهو البيان القوي الراسخ الذي هو في غاية الفصاحة والدقة وعليه نور الله الهادي إلى سواء السبيل، ومع ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى بأنّ هناك من يُحرِّف كلام الله U عن مواضعه بهدف الإضلال والإفساد في الأرض.

وقال الأستاذ: الشخص الذي يُحرِّفُ نصًّا مكتوبًا وموثّقًا حتمًا لديه خلل في الدوافع والنوايا، وهذه آفة نفسيّة وروحيّة وأخلاقيّة لم يسلم منها حتى كلام الرب الجليل.

وتابع بالقول: أريدكم أن تلتفتوا إلى آفة أخرى أشار إليها القرآن الكريم ونبّه المؤمنين إليها ليحسنوا الصنع معها ولكي يتعاملوا معها بواقعية ودقة، وهي: إنّ بعض الخصوم لا يتصرّفون بمنطق، ولا ينظرون إلى حقيقة خطاب الخصم وموقفه، فهمّتهم الأولى والأخيرة هي تعقيد وضعه وقلب الطاولة عليه، وإن كان ملاكًا نازلاً من السماء، وهذا ما يفسّر مواقف خصوم الأنبياء والأوصياء ^ منهم فيجب علينا التمييز بين خصمين:

• خصم يتعامل بواقعية ومنطق.

• وخصم همّه الوحيد هو تعقيد وضعك وقلب الطاولة عليك.

وقال: قوم صالح طلبوا من نبيهم o أن يخرج الله U لهم ناقة من الجبل، وخرجت الناقة من الجبل كما طلبوا، فكيف كان موقفهم، هم أنفسهم الذين عقروا الناقة!!

فيجب التمييز بين الخصم الذي يتعامل بمنطق فتتعاطى معه بمنطق العقل والمصلحة والمبادئ وغيرها، والخصم الذي يتعامل خارج دائرة المنطق، ولا هدف له إلا تعقيد الوضع وقلب الطاولة، فيجب التعاطي معه بواقعية عملية وإدارة الموقف بما يلزمه حده ويكفي الناس شرَّه.

الانفتاح على الآخر

وتعقيبًا على دعوة البعض إلى عدم التفاعل مع التحرّك الجديد، قال: لهم قناعتهم، وهم أحرار في قناعتهم، ويتحمّلون مسؤوليتها أمام الله U وأمام التاريخ، وحسابهم الحقيقي على الله ( لا على غيره من العباد، ومن جهتي: أقول لكم وأُبرأ ذمتي أمام الله U: انفتحوا عليهم بصدق وإخلاص، واسعوا لفهم أطروحاتهم ومواقفهم فهمًا صحيحًا، فإذا وجدتم إنّ أطروحاتهم ومواقفهم صحيحة، فعليكم أن تتبنوها وتتفاعلوا معها بإيجابية وصدق وإخلاص، وتسعوا في تطبيقها وإنجاحها بكل قوة.

وقال: نحن في داخلنا، بل في لبِّ لبِّ وجودنا، إنّنا حريصون كل الحرص على ألا يشقى أحدٌ وضع يده في يد هذا التحرك، وسوف نسعى لذلك بكل قوة ونعمل على توفير أسبابه، إلا أنكم غير مبرئي الذمة أمام الله U بتقديسنا، وغض النظر عن أخطائنا الفكرية والعملية ـ إن وجدت ـ أو أن تجدوا ما عند غيرنا أفضل وأصوب ثم تتعصّبوا لنا، فإنّ ذلك بخلاف عقيدة التوحيد، وبخلاف المصلحة الحقيقية للدين والوطن والعباد.

وقال: إنّنا نريدكم إلى الله U ولمصلحة الدين والوطن وليس لأنفسنا، وإنّ تعصّبكم لنا مع قناعتكم بأنّ ما عند غيرنا أفضل وأصوب فيه شقاؤنا وشقاؤكم في الدنيا والآخرة، ولا نتحمل مسؤوليته أمام الله U والتاريخ. إنّنا سوف نستفرغ وسعنا في إيجاد الأفضل والأصوب، ونوفِّر أسباب الطمأنينة القلبية والروحية للعمل، ونجعل منه طريقًا إلى السعادة في الدنيا والآخرة. إلا أنّ ذلك لا يعفيكم من مسؤولية البحث والتدقيق للحصول على الطمأنينة لسلامة العمل وصوابيته. راقبوا، وحاسبوا، ومارسوا النقد من أجل أن تحصلوا على مطلوبكم في الدنيا والآخرة.

وقال الأستاذ: إذا جاء الوضع أو تكوّنت الحالة التي تفرض علينا أو تتطلّب منّا من أجل رضا الله ( ومن أجل المصلحة الإسلامية والوطنية أن نذوب في ذلك الوضع أو تلك الحالة، فسوف نذوب بكل بهجة وسرور ورضًا، وذلك بجاذبية العشق لله ذي الجلال والإكرام، فهو العشق الذي ألهب مشاعرنا وأضاء ديارنا وصبّرنا على تحّمل المعاناة والألم وتشويه السمعة وظلم ذوي القربى.

اللقاءات لرفع الهواجس والمخاوف والإشكالات

وقال في التعقيب على محاولات الإعاقة والإضعاف للتحرّك: للسلطة هواجسها ومخاوفها من التحرّك، ولكنها تعاطت بهدوء وطول بال مع التحرّك أثناء الاعتصام وبعده، فقد أصبحت أكثر مهنيّة، لدرجة أنّنا لم نجد أي حضور أمني للسلطة قريب من مكان الاعتصام، أو ردة فعل عدائية ضد المعتصمين بعده، وهذا يُحسب لها.

وقال: الذي وضع العقبات أمام التحرك الجديد حتى الآن ليس السلطة ولا قمعها، وإنما المواقف والإشكالات التي أثارها بعض المؤمنين الأعزاء، وعملت على إضعاف الدافعيّة وإحباط العزائم للتفاعل مع التحرك الجديد، وتشويش الرؤية، وذلك بسبب بعض الهواجس والمخاوف التي عبّر عنها بعضهم بالقول: التحرك يحمل مشروع عمل جديد، ولا نعلم إلى أين سوف يأخذنا.

وقال: الإشكالات لا تتعلّق برؤية التحرّك، ولا بعدالة المطالب وصوابية الأساليب وشرعيتها، ولا بأخطاء عملية وقع فيها التحرك، وإنما تتعلق بصورة رئيسية بالموقف من القيادة، وقد سبق بيان الموقف من المسألة في الإجابات السابقة.

وقال: نحن نعلم بأنّ هناك هواجس ومخاوف واقعية مشروعة لدى شركائنا وأصدقائنا ومحبينا، وظهورها إلى السطح أمر طبيعي، وسوف نعمل من خلال اللقاءات الجماعية والثنائية مع الأشخاص والمؤسسات على معالجتها بحكمة وواقعية وقلب مفتوح، ورجاؤنا من الجميع أن يتعاطى بواقعية ومسؤولية وأمانة مع التحرك، وأن يتصرّف بما فيه رضًا لله جبّار السماوات والأرض، ومصلحة الوطن والمواطنين جميعًا، متجاوزين في ذلك الإنيّة والأنانية.

وقال: الحمد لله رب العالمين حيث إنّ الخطوة الأولى تمثّلت في زيارات مختلف المناطق واللقاء مع الجماهير والنخب فيها، وإن شاء الله تعالى تنجح هذه الخطوة في رفع الآثار السلبية للإشكالات المثارة، وتتهيأ الأرضية الصالحة لممارسة الجماهير لدورها الفاعل والبنّاء في إنجاح الخطوات الجماهيرية السلمية اللاحقة.

وقال: لن ندخل في أيِّ مواجهةٍ بينيّة، فصراعنا سياسي وسلمي مع السلطة بهدف تحقيق المطالب الشعبية العادلة، ولن نسمح بحرف بوصلة الصراع حتّى مع السلطة نفسها، ولهذا دعونا إلى تهذيب الشعارات الجماهيرية، والعمل على رصِّ الصفوف، والتركيز على المسائل الجوهرية في الصراع مع السلطة.

قضية المعتقلين

وفي معرض الحديث عن المعتقلين قال: ينبغي أن نلتفت إلى إنّ المعتقلين إنّما دخلوا السجن وتمَّ تعذيبهم وفبركة الاتهامات الباطلة ضدهم لأنهم يطالبون بحقوق المواطنين ويرفعون مطالب شعبية عادلة، فطموحنا ليس هو الإفراج عنهم، وإنّما طموحنا تحقيق المطالب ـ وهذا ما نتمسّك به ونصرُّ عليه ـ وإذا كان تحقيق المطالب يتطلّب بقاء المعتقلين في السجن فليبقوا، وإذا كان تحقيق المطالب يتطلّب ذهاب العشرات بل المئات بل الآلاف إلى السجن فليذهبوا، فنحن مستعدون لدفع هذه الفاتورة وأكثر، وقد دخل السجن أثناء انتفاضة الكرامة خمس عشرة ألف تقريبًا، وقدّمنا أربعين شهيدًا تقريبًا، هذه ليست مشكلة، فالمشكلة إنّما تكمن في سلبنا حقوقنا وكرامتنا، لكي نعيش الذل والمهانة والصغار، وهذا مرفوض ولم نُعطَ الحقَّ فيه من الرب الجليل. وأنا شخصيًا مستعد لدخول السجن مدى الحياة وتقديم روحي فداء لديني ووطني وكرامتي، ولن أقبل بالذل والصغار، فنسبي وصفتي وحقيقتي أنا عبد الله.

وقال: ليس معنى الكلام السابق أن يتراخى المؤمنون والشرفاء في الوقوف إلى صف المعتقلين المظلومين والدفاع عنهم والمطالبة المستميتة بالإفراج عنهم، فالواجب الديني والأخلاقي والوطني يُحتِّمُ علينا الوقوف إلى صفهم، وتقديم كافّة أشكال الدعم اللازمة: المادي والمعنوي إليهم وإلى عوائلهم.

واستَبْعَدَ أن تحمل جلسة الغد أيَّ شيءٍ جديد أو مفاجئ، وقال: غدًا سوف يقدّم الدفاع مرافعته، وسوف يحضر جلسة الغد مراقبون من الخارج على مستوى عالي في المجالين: القانوني والحقوقي ـ وهذا مكسب كبير للمعارضة ـ وقد حضر السفير الفرنسي الجلسة الأولى ـ وهذا يحدث لأوّل مرة في البحرين ـ ولدينا قائمة تضم اسم أكثر من (150 شخصية ومؤسسة دولية) خاطبت حكومة البحرين وأعربت عن قلقها لما يحدث في البحرين من تجاوزات واعتداءات على حقوق الإنسان. فالحكومة ليست في وضع مريح، فعيون العالم مفتوحة وتراقب ما يدور في البحرين، والأضواء مسلطة عليها بكثافة بفضل جهود كافة المخلصين من سياسيين وحقوقيين وغيرهم، لعلَّ الحكومة تُفكِّر بواقعية، وتتخلّى عن الحلول الأمنيّة البشعة، وتبحث عن حلول واقعيّة وجذريّة للأزمات التي تعصف بالوطن الغالي وتؤذي المواطنين في أوضاعهم المادية والمعنوية، فالنصر حليف الشعب وقريبٌ إن شاء الله.

وقال: من الناحية البروتوكولية، فإنّ أقصر محاكمة تتألف من أربع جلسات:

• الجلسة الأولى: لعرض التهم.

• الجلسة الثانية: يقدم فيها الدفاع مرافعته.

• الجلسة الثالثة: يرد فيها الادعاء العام على الدفاع.

• والجلسة الرابعة: للنطق بالحكم.

وقال: للمطالبين بالحوار مع السلطة، أقول: الحوار ليس مطلوبًا في نفسه، وإنّما هو وسيلة لتحقيق مطالب الشعب العادلة، وكلُّ حوارٍ ينتقص المطالب الشعبية العادلة فهو مرفوض.

احتمال الفشل للتحرك الجديد

وحول المجاملة للقائمين على التحرك الجديد واحتمال فشله، قال: سوف نبذل وسعنا من أجل تحقيق النجاح، وسوف ننفتح على الجميع ونسمع منهم ونستفيد من جميع التجارب المتاحة، ولن نُبْرِء ذمَّة من يقدِّسنا، وأنا شخصيًا قد عاهدت الله ( على ألا أسأل مؤمنًا في يوم القيامة عن أيِّ خطأٍ أخطأه بحقي، ولكنّي سوف أسألكم جميعًا عن التقصير في المراقبة والمحاسبة والنقد.

وقال: تجاوزا النقاشات الجدلية والمسائل التافهة، وانطلقوا للأمام، اذهبوا لمناقشة القضايا الجوهرية والعملية، أسألوا أنفسكم عن إمكانية فشل التحرك الجديد وكيف يمكنكم تجنيبه الفشل، واسألوا أنفسكم عن الصعوبات التي يمكن أن تقف في وجهه وكيف يمكنكم تذليلها والتغلّب عليها، وما هو دوركم في التحرّك، وكيف تُنظِّمون هذا الدور، وكيف تُنسِّقوه مع الآخرين، ناقشوا هذه المسائل العملية ونحوها واسألوا عنها بدلاً من تضييع الوقت في المناقشات الجدليّة الفارغة وفي المسائل التافهة.

وقال عن شراكة الجماهير: هذه مسألة استراتيجية جوهرية وباقية في عملنا، تفرضها رؤيتنا الفكرية والسياسية والأخلاقية، وليست مسألة مؤقتة أو من أجل المجاملة واستدرار العاطف، فالرؤية تلزمنا بها، والنجاح في عملنا يتوقف عليها، ولهذا لن نتخلى عنها أبدًا.

المشاركة والمقاطعة

وحول المشاركة في انتخابات 2010م هل تغيرت قناعته فيها، قال: لم ينتهِ القائمون على التحرّك من بلورة الموقف من انتخابات 2010م، وسوف يُعلن موقفهم الموحَّد في حينه. وعن قناعته الشخصية في المشاركة، قال: قناعتي لم تتغير، وإنما زادتها التجربة رسوخًا، وقد غيَّرَت نتائج التجربة قناعة الكثيرين ممن كانوا يرون المشاركة. ولكن يجب التمييز بين بلورة الرأي السياسي وبلورة الموقف السياسي، فالمعادلات العملية والقوانين الفكرية في بلورة الموقف السياسي تختلف كثيرًا عن المعادلات والقوانين المنطقية في بلورة الرأي السياسي. وهناك من لا يميّز بين الأمرين، فيقع في الخطأ من خلال السعي لفرض الرأي السياسي في مقام بلورة الموقف السياسي العام، وهو خطأ مهني كبير يقع فيه الكثيرون في العمل السياسي، ويؤدِّي إلى نتائج سلبية خطيرة لا يلتفت إليها إلا القليلون.

المسايرة والممانعة

وعن قناعته بمصطلح المسايرة والممانعة، قال: لقد تمَّ التعاطي مع هذين المصطلحين بانفعال كبير بعيد عن الرؤية والموضوعية في التفكير، ولم تنفع كل التوضيحات، فهناك من لا يريد أن يقتنع، فهو لا يقرأ ما يُكتب، ولا يسمع ما يُقال، وإنّما يقرأ ويسمع ما هو في رأسه فقط، وهذا الصنف من الناس لا ينفع معهم التوضيح والبيان، ولكن لمن يريد أن يعرف الحقيقة، أقول:

• كان ثمة تقسيم ثنائي للقوى السياسية بين موالاة ومعارضة، فقلت هناك حالة وسط بينهما وهي المسايرة، وهذا رأي علمي يمكن مناقشته وقبوله أو ردّهُ علميًّا.

• وقلت: إنّ الموالاة والمسايرة والمعارضة ليست ذات قيمة في نفسها وإنّما بحسب طبيعة النظام والواقع الخارجي، فقد تكون المولاة هي الصحيحة، وقد تكون المسايرة هي الصحيحة، وقد تكون المعارضة هي الصحيحة، ولهذا يجب البحث في طبيعة النظام وفي الواقع الخارجي للأخذ بأيٍّ منها

 والخلاصة: إنّ الأخذ بأيٍّ منها لا يرتبط بالموقف المبدأي فحسب، وإنما يرتبط أيضًا بحسابات الواقع.

• وقلت: إذا كانت حسابات المبدأ والواقع تفرض الأخذ بالموالاة أو المسايرة أو المعارضة، فيجب توضيح ذلك والدفاع عنه بقوة، لأنّ رضا الرب الجليل والمصلحة في ذلك، والأخذ به تكليفٌ شرعي في الحساب النهائي للموقف. وإذا كانت حسابات المبدأ والواقع ترفض أيًّا منها، فإنّ الأخذ به أقبح عند الله ( وعند العقلاء من إطلاق مسماه على من يأخذ به!!

استقلالية النضال

ومن جانب آخر أكّد الأستاذ على استقلالية النضال، وقال: استقلالية النضال لا تقلُّ أهميةً عن استقلالية الدولة أو الوطن ولا تنفصل عنها، ولكن هناك خلط لدى البعض بين استقلالية النضال والاستفادة من المؤسسات والأطراف الدولية، فيرفض البعض الاستفادة من المؤسسات والأطراف الدولية لخدمة القضايا والملفات الوطنية إما جهلاً أو ضعفًا عن مواجهة السلطة بحجّة استقلاليّة النضال.

وقال: الاستفادة من المؤسّسات والأطراف الدوليّة لا يعني عدم استقلالية النضال الوطني أو التفريط فيه ما لم يرتهن المناضلون إرادة النضال بالأجنبي.

وقال: المواثيق الدولية تقوم في الوقت الحاضر بتنظيم هذه العلاقة وتحفظ هذا الحق للشعوب المناضلة ضد حكوماتها الدكتاتورية والمستبدة وغير الشرعية.

وقال: لا يجوز تحويل العلاقة مع الأطراف الدوليّة بهدف الاستفادة منها لخدمة القضايا والملفات الوطنية إلى وسيلة أو أداة للإضرار بالقضايا القومية والمشروع الإسلامي، كأن يكون ثمن طموح البعض للحصول على الدعم الأمريكي هو الالتزام بالصمت أو الحياد في القضية الفلسطينية والسكوت عن الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.

وقال: المؤمنون يحملون أمانة المشروع الإلهي (أمانة حمل مشروع السماء إلى الأرض أو مشروع الخلافة الإلهية للإنسان في الأرض) ولا يجوز لهم التخلي عن هذا المشروع لمصلحة أية علاقة مع أي طرف كان.

وقد حذَّر الأستاذ من خطورة فصل المشروع الوطني عن المشروع القومي والإسلامي، وقال: الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه السياسة الخارجية للدول العربية، هو تركّز كل حكومة على سلطتها المحلية وجعل المصلحة الوطنية في عرض المصلحة القومية وليس في طولها، وإعطاء المصلحة الوطنية الأولوية على حساب المصلحة القومية العامة، فكانت النتيجة هو الضعف لجميع الدول العربية، ووقوعها أسيرة للإرادة الأجنبية.

وقال: المطلوب من قوى المعارضة أن تتعلّم من هذا الدرس ولا تفصل النضال الوطني والمصلحة الوطنية عن المصالح القومية والإسلامية وقضاياهما.


([1]) أي سماحة الشيخ علي سلمان.

([2])  المائدة: 2.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى