لقطات من الأبعاد السياسية لاعتقال ومحاكمة الأستاذ عبد الهادي الخواجة

اليوم : مساء الاثنين – ليلة الثلاثاء .
التاريخ : 18 / رمضان / 1425 هـ .
الموافق : 1 / نوفمبر – تشرين الثاني / 2004 م .
المناسبة : مهرجان التضامن مع سجين الرأي الأستاذ عبد الهادي الخواجة .
الجهة المنظمة : اللجنة الأهلية للتضامن مع الأستاذ عبد الهادي الخواجة .
المكان : البلاد القديم – مأتم السيد محمد البلادي .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صلى على النبي المصطفى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .
السلام أيها الأخوة الأعزاء ورحمة الله تعالى وبركاته .

عنوان هذه الكلمة القصيرة – كما أعلن عنه : ” لقطات من الأبعاد السياسية لاعتقال ومحاكمة الأستاذ عبد الهادي الخواجة ” وسوف أقدم أربع لقطات رئيسية لهذا الموضوع .

اللقطة الأولى : إننا سواء اتفقنا مع الأستاذ عبد الهادي الخواجة في رأيه أو اختلفنا ، فإنه يجب علينا الاعتراف والتأكيد على حقه في التعبير عن رأيه في أداء رئيس الوزراء والمطالبة باستقالته أو عزله من منصبه ، وهو حق كفلته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .. وكفله دستور البحرين .

وأخلص من هذا الكلام إلى النتائج التالية ..

النتيجة الأولى : أن الأستاذ عبد الهادي لم يخالف القانون ، وأن الذين اعتقلوه هم الذين خالفوا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدستور والقانون .

النتيجة الثانية : أن الأستاذ عبد الهادي الخواجة مظلوم وتجب مناصرته والوقوف إلى صفه والدفاع عنه والمطالبة بإطلاق سراحه .

وأرغب بهذه المناسبة أن أشير إلى ثلاث مسائل مهمة قريبة من هذا الموضوع ..

المسألة الأولى : يوجد خلط كبير من الناحية العملية وعلى أكثر من صعيد بين البعد القانوني لرئيس الوزراء والبعد العائلي ..

فمن الناحية القانونية : رئيس الوزراء معين من قبل جلالة الملك لممارسة عمله .. ومن حق الملك عزله من منصبه .

ومن الناحية العملية : يتصرف رئيس الوزراء وينظر إليه على أنه ركن رئيسي في العائلة الحاكمة .. ويحكم باسمها ، فهو لا يمارس الحكم استنادا إلى التكليف الصادر إليه من جلالة الملك .. وإنما يمارسه كحق استنادا إلى مكانته في العائلة الحاكمة .

وهذه الإشكالية عميقة جدا من الناحية العملية في ساحتنا الوطنية ، وقد فرضت نفسها على أوضاع البلاد ، ولم يستطع الادعاء العام والقضاء وأعضاء البرلمان ورموز المعارضة تجاوزها .

المسألة الثانية : المطلوب وطنيا وأخلاقيا التضامن مع الأستاذ عبد الهادي الخواجة ، وذلك من خلال الأساليب السلمية الممكنة .. والخيارات الفاعلة والمؤثرة فيها متعددة وكثيرة ، ويجب الحذر من الانجرار إلى المواجهات الأمنية مع السلطة ، لأنها مضرة بالوطن والقضية التي نريد النجاح في تحقيق أهدافها على الساحة الوطنية ، وأنا واثق من وعي أبناء شعبنا ، وقد ترسخت قناعته بالمنهج السلمي .. وأصبح هو الخيار الشعبي ، وأصبح شعبنا يمتلك الكثير من ثقافة المنهج السلمي المقاوم ، ولديه القدرة على البحث عن خياراته ضمن هذا المنهج وتوظيفها من أجل تحقيق مطالبه الوطنية ، ولن تنجح الفئة القليلة في جره إلى المواجهات الأمنية مع السلطة ، وقد سعدت كثيرا بالموقف الأخير للجنة التضامن مع الأستاذ عبد الهادي الخواجة بتجميد فعالياتها طوال شهر رمضان المبارك ، مما يدل على وعيها وإيمانها الراسخ بالمنهج السلمي ، فأشكرها كثيرا وأتمنى لها التوفيق العظيم في مهمتها .

المسألة الثالثة : يوجد خلل في منهج المعارضة القيادي للساحة ، فبدلا من تصدي الرموز والقيادات السياسية البارزة لصناعة الحدث وقيادته في الساحة الوطنية ، يتركون صناعة الحدث لغيرهم .. ويتدخلون أحيانا في الوقت الضائع ، وقد أحدث ذلك إرباكا خطيرا في الساحة – سبق لي التحذير منه – ونحن اليوم نلمس حسيا آثاره الخطيرة علينا ، ويجب علينا المسارعة لتصحيح هذا الخلل قبل أن يغلب الجرح الطبيب .

اللقطة الثانية : سمعت مرارا من بعض الرموز والآباء السياسيين والقيادات أنه ليس من شأن مركز حقوق الإنسان التدخل في الشأن السياسي وفرض أجندة سياسية على الجمعيات السياسية .. وهناك مؤيدون لهذا الكلام .

وهناك حديث عن سحب الأضواء وغلبة الآخرين القيادات على قواعدها وجماهيرها وإحداث الإرباك في المشهد السياسي في الساحة الوطنية .

ونظرا لأهمية هذا الموضوع أرغب في الوقف عنده ..

يحتوي هذا الكلام على الخلط بين الجانب الفني والحق السياسي للأفراد والمؤسسات ..

فمن الناحية الفنية : ينبغي لمركز حقوق الإنسان أن لا يتدخل في الشأن السياسي ، وعليه أن يتفرغ لوظيفته الأساسية .. وهي : الجانب الحقوقي .

ولكن من الناحية الحقوقية : هل يجوز للجمعيات السياسية أن تحتكر لنفسها الطرح السياسي وتحرمه على غيرها ؟

الجواب : ليس من حقها ذلك !! وأن الحديث عن سحب الأضواء وإحداث الإرباك في المشهد السياسي ، دليل على الضعف وغياب الاستراتيجية الواضحة في التحرك .

إذ كيف يصح لقوة سياسية معارضة تدعي بأنها تقود الساحة ، تقول لمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني .. أو لفرد ، لا تتحركوا أو لا أسمح لكم بالتحرك ، لأن تحرككم يسحب عني الأضواء ويربك وضعي في الساحة ولا يتيح لي الفرصة المناسبة للعمل ؟

فإذا كان هذا وضعها مع الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني ، فكيف يكون وضعها مع مخططات السلطة المعاندة لها مع ما تمتلكه من إمكانيات ضخمة ؟

وفي نهاية هذه اللقطة أرغب في التنبيه إلى مسألة مهمة .. وهي : أن هذا الموقف يدل على الضعف وغياب الاستراتيجية – كما قلت قبل قليل – ويصنف في دائرة الاستبداد .. ومن شأنه أن يعيق انطلاقة الوطن قطعا .

اللقطة الثالثة : أرغب في هذه اللقطة أن أقف على القراءة السياسية لتعاطي السلطة مع محاكمة الأستاذ عبد الهادي الخواجة ..

أنني أرى بأن أسلوب السلطة في التعاطي مع محاكمة الأستاذ عبد الهادي الخواجة ، يدل على رغبتها في إصدار حكم في قضيته .. وإن كان مخففا ، وذلك لتحقيق هدف أساس وهو تثبيت القانون المستند إليه في المحاكمة ، ويتفرع عن ذلك الهدف الأساس أو الأم هدفين فرعيين .. وهما :

الهدف الأول : أن يبقى ذلك الحكم سلاحا مشهورا في وجه رموز المعارضة يمنعهم من الكلام المشابه لكلام الأستاذ عبد الهادي الخواجة .

الهدف الثاني : ربما تكون للسلطة رغبة فعلية لتجريم بعض رموز المعارضة ، وأنها تمهد لذلك بمحاكمة الأستاذ عبد الهادي الخواجة ، وتكون مسيرات التضامن وغيرها في الحالتين حق .. ولكنها في وجه القانون !!

وأخلص من ذلك إلى النتيجة التالية : أن موقف الأستاذ عبد الهادي الخواجة في الطعن في دستورية القوانين موقف صحيح وقوي وأساس ، ويجب على كافة قوى المعارضة أن تقف إلى صفه ، لأنها المتضررة الأكبر إن نجحت السلطة في الحكم على الأستاذ عبد الهادي الخواجة في هذه القضية .

اللقطة الرابعة : أن المنهجية المتبعة في التضامن مع الأستاذ عبد الهادي الخواجة منهجية صحيحة .. وأنها تتماشى مع منهجية الانتفاضة .

وهنا أرغب في الإشارة إلى المسائل التالية ..

المسألة الأولى : يجب التمييز في الانتفاضة بين المواجهات الأمنية التي حدثت فيها مع السلطة ، وبين المطالبة الشعبية بالحقوق العادلة والصبر على التضحيات نتيجة استخدام السلطة للعنف غير المشروع ضدها .
وعلينا أن نعلم : بأن نجاح الانتفاضة كان نتيجة المطالبة الشعبية بالحقوق العادلة والصبر على التضحيات نتيجة استخدام السلطة إلى العنف غير المشروع ضدها .. وليس نتيجة المواجهات الأمنية مع السلطة .

وقد قلت مرارا ولا زلت أكرر : بأن الأساليب السلمية أقدر على تحقيق المطالب من المواجهات الأمنية ، وأن الخسائر فيها أقل ، والنتائج الايجابية أسرع وأفضل ، وأنها تعطي سمعة طيبه في الرأي العام المحلي والدولي .

المسألة الثانية : أن المنهجية التي كانت متبعة بعد توقيف التجربة البرلمانية وتعطيل الدستور والتي أسميها بمنهجية الحكمة المعكوسة والواقعية المنهزمة ، قد أغرقتنا في بحر من الظلام قرابة ربع قرن من الزمن .. ولم تقدم لنا شيئا ، وقد أدخلت هذه المنهجية اليأس إلى حركاتنا الإسلامية والوطنية من التغيير ، وأصيبت هذه الحركات بالشلل .. وكادت تموت ، ثم جاءت الانتفاضة وأعادت الأمل والحياة إلى هذه الحركات .. وأحدثت التغيير في الساحة الوطنية ، ولكن الكثير من الرموز والآباء السياسيين والقيادات بدلا من الاستفادة من منهجية الانتفاضة ومواصلة الطريق عليها لبناء مستقبل أفضل للوطن والمواطنين ، جمدوا على منهجيتهم القديمة ، وتجرأ بعضهم واتهم منهج الانتفاضة بعد النعمة بالتطرف .. وكانت النتيجة : عودة الجمود من جديد إلى الساحة ، وبروز حالات التجاوز الشعبي للقيادات ، وهذا ما يجب عليها الانتباه إليه ومعالجته سريعا .

وهنا يجب التمييز بين حالتين ..

الحالة الأولى : الاستفادة من الوضع الجديد مع البقاء على المنهجية القديمة – كما هو حاصل فعلا اليوم لدى المعارضة في البحرين – وهي الحالة المسؤولة عن حدوث التراجعات والانتكاسات في الساحة الوطنية .

الحالة الثانية : التعاطي مع الوضع الجديد بمنهجية جديدة ، وهو ما لم يحدث في ساحتنا الوطنية .

المسألة الثالثة : كنت أؤكد – ولا زلت – على أننا في حاجة كبيرة إلى خبرات رموز وقيادات المعارضة لمواجهة ألاعيب السلطة وحصولنا على مطالبنا العادلة .. ولكن للأمانة أقول : بأن خبرات المعارضة السياسية لم توجه لمواجهة ألاعيب السلطة ، ولم تتوفر الإرادة الجدية في ذلك ، وأن الجمود على المنهجية القديمة ضيع قيمة هذه الخبرات ، وبناء على ذلك أنصح بالتالي ..

أولا – مراجعة دقيقة لمنهجية عمل المعارضة في الساحة الوطنية .
ثانيا – ضخ دماء جديدة شابة في قيادات المعارضة إلى صف الآباء السياسيين .

المسألة الرابعة : كما أن المعارضة في حاجة ماسة للدماء الشابة الجديدة ، فإن السلطة كذلك في حاجة لمثل تلك الدماء ، في سبيل تغيير السياسات وتطوير الأوضاع في الساحة الوطنية .

وأقترح بصدق وإخلاص أن تعطى لسمو ولي العهد صلاحيات أوسع وأكبر ، لا سيما وأن الملك في البلاد سوف ينتهي إليه ، وأن الممارسات في الوقت الحاضر هي بمثابة المقدمات التي سوف تصنع الوضع على عهده ، ومن حقه أن يتدخل فيها .

أكتفي بهذا المقدار ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى