حزب الله وحزب الشيطان

المكان : قرية النويدرات / بربورة ـ مسجد الشيخ مؤمن .
التاريخ : 20 / شعبان / 1429هج .
الموافق : 21 / أغسطس ـ آب / 2008م .

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : مولد الإمام الحجة ( عليه السلام ) .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفع أسمى التهاني والتبريكات إلى مقام الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإلى مقامات أهل بيته الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) وإلى مقامات مراجع الأمة لاسيما ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي وفقهائها وعلمائها ، وإلى جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم أيها الأحبة الأعزاء ، بمناسبة الذكرى السنوية لمولد منقذ البشرية الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) .

قال الله تعالى : { وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } ( البقرة : 36 ) .

الخطاب في الآية الشريفة المباركة موجه من الله جل جلاله إلى آدم وحواء ( عليهما السلام ) ومعهما إبليس ( عليه اللعنة ) وذلك بعد أن أكل آدم وحواء ( عليهما السلام ) من الشجرة المحرمة في الجنة .
والعداوة تعني البراءة والمباعدة ، والعدو ضد الولي والصديق ، من عدا الذي يعنى : الظلم والخصومة وتجاوز الحد ، تقول : عدا عليه : أي ظلمه ، وعاداه : أي خاصمه ، والعدوى : الاستعانة بولي لينصرك على عدوك ، والعداء : السعي لصرف المرء عما يهمه ، والجمع أعداء .
وتعتبر العدوانية نمط من السلوك يتميز :
• بالطموح وحب السيطرة وروح المغامرة والمخاطرة .
• والسعي لانتهاز الفرص لإثبات الذات على حساب الآخر .
• واستخدام كل الأساليب والوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل تحقيق الأهداف الخاصة .
• والميل إلى الأعمال العنيفة لإيذاء الغير .
• والتعصب الشديد وغير المبرر لما يؤمن به المرء من أفكار ومبادئ .
ويعتبر السلوك العدواني شكلا من أشكال التعويض عن الشعور بالحرمان أو النقص لدى المعتدي ، بخلاف التسامح الذي يدل على ثقة الإنسان بنفسه ورضاه عن الآخرين وسعيه لتحقيق المصالح والأهداف المشتركة مع الغير .

والآية الشريفة المباركة تقرر بأن الأرض سوف تكون ساحة مفتوحة للصراع الشديد على أساس العداوة :
• بين آدم وحـواء ( عليهما السلام ) وذريتهما من جهة وبين إبليس ( عليه اللعنة ) من جهة ثانية .
• بين بني آدم ( عليه السلام ) وبعضهم البعض في أمر المعاش والسلطة ، حيث يبغي بعضهم على البعض الآخر ظلما وعدوانا تحت تأثير الهوى والنفس الأمارة بالسوء والخضوع لغواية الشيطان الرجيم .
وعداوة إبليس معلومة وثابتة .
قال الله تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ( فاطر : 6 ) .
أهداف إبليس : ولإبليس في معركته مع الإنسان هدفان :
الهدف ( 1 ) : خلق القلق والاضطراب للإنسان لكي لا يشعر بالراحة والاطمئنان في الحياة ، وذلك من خلال إثارة المشاكل والحروب والفتن بين الناس .
الهدف ( 2 ) : إبعاد الإنسان عن طاعة الله تبارك وتعالى ليسلبه كرامته التي فضله الله تبارك وتعالى بها عليه ، وليحرمه من رحمة الله عز وجل ورضوانه ومن الجنة ، وليكون شريكه في النار في الآخرة .
سؤال ( 1 ) : من المعلوم أن بني آدم لا يرون إبليس ولا يتعاملون معه تعاملا حسيا : فما هي قيمة التحذير من عداوته ؟
الجواب ( 1 ) : لقد أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن إبليس ( عليه اللعنة ) له تأثير على أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا ، وهذا يتطلب منا التدقيق في أفكارنا ومشاعرنا وموقفنا لكي تكون خالصة لله تبارك وتعالى وليست من وحي الشيطان والوقوع تحت تأثيره .
الأساليب التي يلجأ إليها إبليس ( عليه اللعنة ) للتأثير علينا : وإن لإبليس ( عليه اللعنة ) أساليب عديدة للتأثير علينا ، منها :
• أن ينسينا ذكر الله عز وجل والآخرة ، ويضعف فينا روح المسؤولية التي نواجه بها الأمور بحساب النتائج على المدى القريب والبعيد .
• أن يلهينا بالنعم المادية ، ويمنعنا من التوبة بالتسويف وطول الأمل .
• إطلاق الوعود المعسولة وإثارة الأحلام الخيالية { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا } ( النساء : 120 ) .
• أن يقلب المقاييس ويغير الصورة الحقيقية للأشياء ، فيجعل الأشياء الحسنة تبدو قبيحة في نظرنا ، والأشياء القبيحة تبدو حسنة في نظرنا { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء } ( البقرة : 268 ) .
• أن يزين المناهج والأوضاع والسلوكيات والمواقـف الشـاذة والمنحرفـة ، لتبدو مستقيمة ومعقولة لدينا ، ويمنعنا من الاحتياط في الأمور { فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } ( النحل : 63 ) .
• أن يحرك كل نقاط الضعف الكامنة في داخلنا ، مثل : الشهوات والغرائز والأهواء والخوف والغضب وغيرها ، وأن يتعامل مع كل شخص بما يناسبه : فهناك من يغويه الجنس والجمال ، وهناك من يغوية المال والثروة ، وهناك من يغويه الجاه والزعامة والسلطة ، وهناك من تغوية العصبية وتتحكم فيه الأنانية ، وهناك من تلعب به الأوهام والأحلام والأفراح والأحزان ، وغير ذلك .

نتوصل مما سبق إلى النتيجة التالية : أن معركة الحياة الأساسية لدى الإنسان في الأرض تتمثل في الصراع بين منهجين : منهج الله ومنهج إبليس ، وهي معركة جدية وواقعية ، وليست معركة وهمية ومن صنع الخيال .
وأن لكل منهج أئمة وقادة وجماهير .
• أما قادة منهج الله : فالأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول الذين يتمتعون بالكفاءة والقدرة على تحقيق أهداف رسالة السماء في الأرض ، وقد اطلق الله تبارك وتعالى عليهم أسم حزب الله .
قال الله تبارك وتعالى : { وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } ( المائدة : 56 ) .
• وأما قادة منهج إبليس : فالطواغيت ، والجبابرة في الأرض ، والحكام المستبدين ، ومصاصي الدماء من أصحاب رؤوس الأموال الطائلة التي يجمعونها بغير وجه حق على حساب دماء الفقراء والمحرومين وعرقهم ، ووعاظ السلاطين ، وأصحاب الأقلام المأجورة من كتاب وصحفيين ، وقوى الاستكبار العالمي وغيرهم ، وقد أطلق الله تبارك وتعالى عليهم أسم حزب الشيطان .
قال الله تعالى : { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ( المجادلة : 18 ) .
فالمسلم في أمة حزب الله يشعر بأنه يخوض معركتين :
• معركة ضارية يخوضها في داخل نفسه ضد هواه وشهواته الحيوانية وعاداته السيئة ، وتمثل الجهاد الأكبر .
• ومعركة ضارية يخوضها ضد أولياء الشيطان وحزبه من الطواغيت وأصحاب رؤوس الأموال الظالمين وقوى الاستكبار العالمي وأتباعهم ، وهي معركة ضارية صارمة ضد الباطل والظلم والفساد والانحلال والدكتاتورية والاستبداد والتمييز والفقر والحرمان والتخلف بكافة أشكاله وألوانه .
قال الله تعالى : { فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } (التوبة : 12).
وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلا في نفسه وفقرا في معيشته ومحقا في دينه إن الله تبارك وتعالى أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها ” ( البحار . ج100 . ص9 ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” فمن تركه ( يعني الجهاد ) رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وديث بالصغار والقماء ( الذل ) وضرب على قلبه بالأسداء وأديل الحق منه ( تحول منه ) بتضييع الجهاد ” ( البحار . ج100 . ص8 ) .
وتستخدم في هذه المعركة جميع الأدوات الفكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية .
وأن المعركة تنتهي حتما : بانتصار منهج الله تبارك وتعالى وحزبه وسيادته على الحياة ، وهو اليوم المعلوم في الآيات الشريفة المباركة .
قال الله تعالى : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } ( القصص : 5 ) .
وذلك :
• كقضاء وكنتيجة حتمية في التاريخ وفق السنن الحاكمة في الكون والمجتمع .
• وكدليل على حكمة الرب العزيز القدير وغلبته { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } .
• وعودة الإنسان إلى منطق العقل والفطرة والضمير .
وبعد هذه الوقفة أرغب في تناول ثلاث مسائل رئيسية :
المسألة ( 1 ) أساليب التعاطي مع الأعداء : لقد تعرفنا فيما سبق على طبيعة العداء وحقيقته ، وهذا يفرض علينا الحذر وربما سوء الظن في التعاطي مع الأعداء ، لأن العدو ينطلق من منطلقات قاسية جدا ، وله أهداف وخطط ماكرة لتحقيق أهدافه ، فلا يصح التعاطي معه بطيبة وسذاجة ، فإن من شأن ذلك أن يوقعنا في حبائل مكره وخدعه ، وربما تكون النتيجة الانحراف عن الأطروحات والمباديء والقيم النبيلة وعن الأهداف الاستراتيجية للمشروع .
وأنا هنا لا أتكلم عن العداوات الشخصية ، وإنما أتكلم عن التعامل مع القوى المعادية للحق والعدل والحرية والفضيلة : دولا وحكومات وأحزاب وغيرهم ، وانبه إلى الخلاصات المهمة التالية :
الخلاصة ( 1 ) : كل قول أو فعل يقف في طريق تقدم الحياة ورقي الإنسان فهو من وحي الشيطان .
الخلاصة ( 2 ) : كل من ينتهك كرامة الإنسان وحقوقه ويقف في وجه سعادته ويسبب له الحرمان والشقاء في الحياة الدنيا والآخرة ، فهو شيطان من ضمن جيش إبليس وجنوده المجندة .
الخلاصة ( 3 ) : كل إنسان يحرص على كرامته وسعادته في الدنيا والآخرة ، فإن عليه أن يقف في الضفة المقابلة لإبليس ولمنهجه وللقوى الموالية له ، وأن يقوم بمواجهتها بكل ما لديه من قوة ، لأن طاعة إبليس والسير على منهجة والطاعة للقوى الموالية له أو الاستسلام لها ، موجب لهتك الكرامة ، وللشقاء والحرمان في الدنيا والاخرة .
المسألة ( 2 ) : يوجد مشروعان يتصارعان في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي :
• المشروع الصهيو / أمريكي ويشارك فيه عدد من الدول العربية والإسلامية وبعض القوى من أحزاب سياسية ومؤسسات ثقافية وإعلامية وغيرها .
• المشروع المناهض للمشروع الصهيو / أمريكي وتقوده الجمهورية الإسلامية في إيران ومعها سوريا وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وجميع الحركات الإسلامية المخلصة في العالم الإسلامي .
وهنا أنبه إلى النقاط المهمة التالية :
النقطة ( 1 ) : يجب على كل مسلم وكل شريف أن يحدد موقفه ومكانه من الصراع بين هذين المشروعين بغير مجاملة ، فالمجاملة هنا نفاق وضياع وخسران كبير في الدنيا والآخرة .
النقطة ( 2 ) : أذكر ونحن نحيي ذكرى منقذ البشرية ، بأن الانتظار الحقيقي لمنقذ البشرية ، يتطلب المحافظة على الوجود والهوية والمشروع من الذوبان في مقابل الوجودات والهويات والمشاريع الأخرى ، وذلك من خلال التمسك بالأطروحات الإسلامية والقومية والوطنية الصادقة ، وبالمباديء والقيم الإنسانية والإسلامية والقومية والوطنية النبيلة ، وبالمواقف الشجاعة التي تعبر عن تلك الاطروحات والمباديء والقيم ، وتصب في خدمة الأهداف الاستراتيجية الحقيقية : الإسلامية والقومية والوطنية .
النقطة ( 3 ) : إن المواطن البحريني أو الكويتي أو غيرهما يتكلم مثلا عن الحكومة الأردنية أو المصرية أو السلطة الفلسطينية أو عن بعض القوى والمؤسسات اللبانية أو العراقية أو غيرها ويصفها بأنها موالية للمشروع الصهيو / أمريكي .
والسؤال : على فرض صحة هذا التصنيف : لو أن مواطنيا مصريا أو أردنيا أو فلسطينيا أو لبنانيا أو عراقيا أظهر هذه الحقيقة وتكلم بنفس هذا الكلام ، هل يكون مخطأ ومخالفا لوطنيته ، لأنه أظهر هذه الحقيقة وتكلم بهذا الكلام عن حكومة بلده أو عن بعض القوى السياسية أو المؤسسات الإعلامية والثقافية أو غيرها في بلده ؟
والجواب : إن الضعوط السياسية في تلك البلدان قد تمنع أبنائها من إظهار تلك الحقيقة والتكلم بها ، ولكننا ونحن بعيدين عن تلك الضغوط ، ندرك بأن على شعوب تلك البلدان أن تظهر هذه الحقيقة وتتكلم بها مهما كان الثمن ، وأن ذلك من الشرف والنبل والشجاعة والإخلاص للوطن .
والخلاصة : على كل الشعوب الإسلامية أن تحدد موقفها من الصراع بين المشروعين بغض النظر عن مواقف حكوماتها والقوى السياسية والمؤسسات الثقافية والإعلامية فيها ، وأن هذا واجب إسلامي وقومي ووطني نبيل وسامي .
المسألة ( 3 ) : تثار بين الفينة والأخرى مسألة رفع صور الرموز الإسلامية العالمية من خارج البلد ، وتطرح في مقابل الولاء للوطن والحصول على الحقوق الطبيعية للمواطنين ، ويعتري الطرح الكثير من الاسفاف الفكري والأخلاقي والسياسي ، ويدل بعضه على الجهل والغباء والسذاجة السياسية البالغة .
وأرى بأن رفع الصور ليس فقط لا يمثل مشكلة ، وإنما قد يعبر عن حق طبيعي مشروع للمواطنين .
وسوف أكتفي بالإشارة إلى بعض النقاط :
النقطة ( 1 ) : كل المسلمين يجمعون على أن الأمة الإسلامية أمة واحدة على امتدادها التاريخي والجغرافي خارج الحدود الجغرافية والسياسية .
فهي أمة واحدة على امتدادها التاريخي من لدن آدم وحواء ( عليهما السلام ) وحتى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وهي أمة واحدة على امتدادها الجغرافي في الزمن الواحد .
والسؤال : هل تسطيع الأمة الإسلامية أن تحفظ وحدتها على امتدادها التاريخي بدون الارتباط برموزها التاريخية العالمية ، مثل الأنبياء : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيس ومحمد ( عليهم جميعا السلام ) ؟
الجواب : طبعا لا تستطيع .
وكذلك : هي لا تستيطع أن تحفظ وحدتها على امتدادها الجغرافي في الزمن الواحد خارج الحدود الجغرافية والسياسية بدون الارتباط برموزها العالمية .
والخلاصة : أن الارتباط بالرموز العالمية هو الوسيلة الأساسية للمحافظة على وحدة الأمة على امتدادها التاريخي والجغرافي ، وأن مطالبتها بالتخلي عن الارتباط برموزها العالمية ، هو مقدمة لتفتيتها وإضعافها والسيطرة عليها ، وهذا مطلب قوى الاستكبار العالمي قبل أن يكون مطلبا لحكومة البحرين أو غيرها ، ولن يعطوه .
النقطة ( 2 ) : أن حكومة البحرين حكومة علمانية وليست دينية ، والشرعية التي تربطها بالمواطنين هي شرعية وضعية وليست شرعية دينية ، وهي لا تطالبنا بالشرعية الدينية وإنما تطالبنا بالشرعية الوضعية ، ولو طلبت منا الشرعية الدينية ، فلن نمنحها إياها لأنها ليست بأيدينا ، وإنما هي بيد الله عز وجل يمنحها من يشاء ، وقد منحها لحكومة الأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول ، ولم يمنحها إلى غيرهم بحسب عقيدة معظم المسلمين .
والسؤال : ما هو ضرر رفع صور الرموز الإسلامية العالمية على الشرعية الوضعية ؟
الجواب : لا ضرر .
فمثلا : حزب الله في لبنان عبر عن نفسه بأنه حزب الولي الفقيه ، وها هو يعمل على تحرير أرض لبنان ويساهم في بناء الدولة ، ولم يمنع كونه حزب الولي الفقيه الدولة والقوى السياسية في لبنان : العلمانية والإسلامية والمسيحية وغيرها من الاعتراف به والتعاطي بل والتحالف معه .
والذين يثيرون الغبار في وجهه هم الموالون للمشروع الصهيو / امريكي من منطلق معارضته لهذا المشروع ومحاربته له وليس من منطلق كونه حزب الولي الفقيه ، بدليل أن بعضهم كان حليفا لحزب الله في وقت من الأوقات على أساس مصالحهم السياسية .
وسوف أذهب إلى بعد أعمق :
السلطات الأموية والعباسية طاردت الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم لاعتقادهم بأن الحكومة الشرعية الوحيدة هي حكومة أهل البيت ( عليهم السلام ) وهم لا يعترفون بالشرعية الدينية لأية حكومة أخرى ، وقد دفع أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم الكثير من أمنهم ودمائهم لإصرارهم على هذه العقيدة وتمسكهم بها ، وهذه العقيدة لا زالت باقية ولم تتغير ، وهي أهم من مسألة رفع الصور :
فهل سوف تطارد حكومة البحرين الشيعة نظرا لهذه العقيدة ؟!
أم أنها سوف تقتنع بالشرعية الوضعية على أساس التعاقد وتقلع عن هذه التقليعات الخطيرة والمضرة بسلامة الوطن والمواطنين وأمنهم وحقوقهم الطبيعية في الحياة ؟!
هذا ما أرجوه .
والخلاصة : أن إثارة موضوع رفع الصور ، يعبر في الحقيقة عن مشكلة الاستبداد والدكتاتورية والانتماء لمشروع عالمي معارض ، ولو حلت هذه المشكلة فسوف نجد بأن رفع الصور لا يمثل أية مشكلة على الاطلاق ، وسوف ننظر إليها على أنها تمثل حق طبيعي مشروع للمواطنين ، ولا يمس بولاء الموطنين لوطنهم من قريب أو بعيد .
النقطة ( 3 ) : توجد في البحرين عملية سطو واستيلاء على السلطة والثروة ومقدرات الشعب بالقوة ، ومشكلة تطهير طائفي شامل لطائفة من المواطنين ، وانتهاك للحقوق الطبيعية للمواطنين ، وحرمان المواطنين من حق الشراكة السياسية في صناعة القرار ومن حقهم في التقسيم العادل للثروة ، وغير ذلك .
ويسكت عن كل هذا بكل جبن أو جهل ، وتثار مسألة رفع الصور بعنوان التمسك بالحس الوطني والولاء للوطن !!
فأي حسن وطني هذا ؟!
وأية غيرة على الوطن هذه ؟!
بل أي حس أخلاقي هذا ؟!
وأي وعي سياسي هذا ؟!
وأي التزام بالعدالة الإنسانية هذا ؟!
هل يجهل هؤلاء أم يتجاهلوا : بأن شرعية السلطة في وجودها وممارساتها تستمد من إرادة المواطنين وخدمتها لمصالحهم الحيوية والجوهرية ، فإذا لم تعبر السلطة عن إرادة المواطنين ، أو قصرت في خدمة مصالحهم أوعجزت عن ذلك ، فإن للمواطنين حقهم الطبيعي في عزلها واستبدالها بسلطة غيرها تحقق لهم ذلك .

وفي ختام هذه الكلمة :
• أوصي المواطنين بأن يستمروا على ماهم عليه ويتجاهلوا كل هذا الإسفاف الفكري والسياسي والأخلاقي ، وأن يركزوا على دراسة الأوضاع السياسية في البلد وفهمها فهما صحيحا ، وأن يركزوا على المطالبة بالحقوق المشروعة العادلة ، ولا يسمحوا لأحد بأن يصرفهم عن ذلك إلى مسائل جانبية تافهة ومختلقة .
• وأوصي السلطة بأن تهتم ببناء الدولة ومؤسساتها وأن تقيم علاقاتها مع المواطنين على أساس القانون الذي يحفظ كافة حقوقهم ، وأن تتجنب التدخل في عقائد المواطنين وانتماءاتهم ومشاعرهم الدينية .
• أوصي الرموز والقيادات الدينية بالتوجه للقضايا المهمة والحذر من الهدر للطاقات الفكرية والروحية للمواطنين بالانجرار على غير وعي إلى مسائل جانبية تافهة ومختلقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى