وقفة مع الساحة الوطنية

المكان : سترة / مركوبان ـ مأتم العطار .
اليوم : مساء الاثنين ـ ليلة الثلاثاء .
التاريخ : 20 / جمادى الثانية / 1429هج .
الموافق : 23 / يونيو ـ حزيران / 2008م .

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : مولد فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفع أسمى التهاني إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وإليكم أيها الأحبة ، بمناسبة المولد السعيد المبارك لبضعة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وأسأل الله جل جلاله أن يجعلنا من المستضيئين بنورها ألملكوتي العظيم والسائرين على نهجها الرباني المستقيم .

أيها الأحبة الأعزاء : كنت قد أعددت كلمة بعنوان : ( في خطى فاطمة ـ عليها السلام ) لإلقائها في هذه الليلة المباركة ، إلا أني رأيت في الساعات الأخيرة أن من المصلحة الإسلامية والوطنية أن أطرح حديثا سياسيا حول التطورات الأخيرة في الأوضاع على ساحتنا الوطنية ، وبالتحديد عن الإساءة لسماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم ( أعلى الله تعالى مقامه ) وردود الفعل عليها ومنها المسيرة التي خرجت في يوم عصر الخميس الماضي .
أما كلمة ( في خطى فاطمة ـ عليها السلام ) : فسوف تنشر على الموقع الالكتروني ، ومن يريد الإطلاع عليها يمكنه الرجوع إلى الموقع الالكتروني .
أيها الأحبة الأعزاء : لا يختلف اثنان حول التوجهات الطائفية للسلطة ، فهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار في فصل الصيف ، حيث لا توجد الغيوم التي تحجبها عن الرؤية ، وحيث يجتمع النور مع الحر الشديد الذي يحرق الجلود فلا يبقى أي مجال للشك في وجود الشمس .
ونحن نرى في البحرين : بأم أعيننا التوجهات الطائفية الفاضحة للسلطة ، ونعاني من حرّها الشديد الذي يحرق أجسادنا وقلوبنا .
ويدل على التوجهات الطائفية للسلطة : التجنيس السياسي الممنهج ، والتمييز في التوظيف والترقيات وفرص التعليم ، والتمييز في الدوائر الانتخابية ، والتمييز في الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين ، وغيرها .
وقد جيشت السلطة أقلاما وخطباء وصحافة ووسائل إعلامية أخرى من أجل الشحن الطائفي وتأجيج الفتنة الطائفية على الساحة الوطنية ، حتى وصل الأمر بمرتزقة السلطة من الأقلام السخيفة والخطباء المأجورين إلى المس برموز طائفة من المواطنين ومقدساتها بصورة مباشرة وقحة صلفة وبصفة مستمرة ، مما يدل على الرغبة لدى السلطة في تصعيد حملتها في الشحن الطائفي وتأجيج الفتنة الطائفية إلى مداها الأقصى المتمثل في سفك الدماء المحترمة ، حيث أن ردة الفعل الغاضبة من جماهير الطائفة المستهدفة سوف تكون أمرا طبيعيا ، وترد السلطة ـ كما هي العادة ـ بشدة ، وتكون النتيجة : سفك الدماء عن قصد وسبق إصرار .
الجدير بالذكر : أن القائمين على السلطة ليسوا أشخاصا متدينين ، مما يدل على أن دوافع السلطة وأهدافها من وراء التوجهات والممارسات الطائفية ليست دوافع وأهداف دينية ، وإنما هي في الحقيقة دوافع وأهداف سياسية ، وعلى رأسها هدفان أساسيان ، وهما :
الهدف ( 1 ) : ترسيخ الاستبداد والتفرد بالسلطة .
الهدف ( 2 ) : الاستئثار بالسلطة وبمقدرات الشعب والدولة .
وهذا يعني : أن التفاعل الايجابي من المتدينين من الطائفتين الكريمتين ( الشيعة والسنة ) مع التوجهات الطائفية للسلطة والدخول فيها بدوافع دينية ، يدل على الجهل وعدم الوعي بحقائق الأمور ، ويدخل في دائرة الاستغفال والاستحمار السياسي .
وقد صاحب تحريك السلطة للفتنة الطائفية : تراجعات خطيرة فيما سُمي بالمشروع الإصلاحي للملك ، أبرزها التدهور الأمني الخطير على الساحة الوطنية .
أيها الأحبة الأعزاء : لقد افتخرنا في بداية المشروع بتبييض السجون من المعتقلين السياسيين وعودة المبعدين ، وها هي السجون تعود لتفتح أبوابها من جديد لاستقبال النشطاء السياسيين والحقوقيين ، وها هو التعذيب للمعتقلين والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان تعود من جديد ، وها هو اللجوء السياسي للدول الأجنبية يعود أيضا من جديد و ( كأنك يا زيد ما رحت ولا غزيت ) .
الجدير بالذكر : أن تحريك الفتنة الطائفية بهذا الشكل الخطير والوقح ، والتراجعات الخطيرة بشكل صلف فيما سُمي بالمشروع الإصلاحي ، لا يمكن فهمهما بشكل منفصل عن أوضاع المعارضة وأدائها السياسي .
فهما باعتقادي : وثيقا الصلة بتفرق صفوف المعارضة وتزايد ضعفها يوما بعد يوم ، وهو انعكاس لسوء إدارتها لوضعها الخاص .
وهما وثيقا الصلة بسوء أداء المعارضة ، وبسوء إدارتها للوضع العام ، وبسوء إدارتها للملفات الساخنة على الساحة الوطنية .

تحديد بعض النتائج المهمة : على ضوء ما سبق فإن كل من يمتلك الحد الأدنى من الحس والفهم السياسي للأوضاع يتوصل إلى النتائج المهمة التالية :
النتيجة ( 1 ) : ضرورة توحيد صفوف التيار والطائفة المستهدفة ، حتى لو تطلب الأمر التنازل عن بعض القناعات السياسية الأساسية غير الإستراتيجية ، وهو مطلوب من جميع الشخصيات : الرمزية والقيادية ، ومن جميع الأطراف والقوى السياسية في التيار والطائفة وليس من بعضها ، وأن الاستمرار على الحالة القديمة والتشبث بالقناعات السياسية وإن أدى التشبث بها إلى التشتت وضعف الكيان والمواقف رغم خطورة الأضرار والتحديات ، يدل على عدم الرشد وعدم التعلم من التجارب والأخطاء ، وربما يدل على عدم الصدق والإخلاص في النية ، وإن كان الطرح باسم الرب الجليل .
وقد هيأت المشاركة الجماعية في الرد على استهداف سماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم الأرضية لإعادة النظر في الأطروحات والمواقف والسعي لتوحيد الصفوف ، وبقي على الرموز والقيادات الدينية والسياسية تفعيل هذا الأمر ووضعه موضع التطبيق ، وهي مسؤوليتها ، وأنها محاسبة على التقصير في إنجازه أمام الله عز وجل والتاريخ .

وأرغب هنا في التحذير من بعض الأمور الخطيرة ذات الصلة بالموضوع ,,
الأمر ( 1 ) الاغترار بالكثرة وتجاهل الأقلية : فإن ذلك من شأنه أن يغرق العبد في الأنا ، وينسيه ربه جل جلاله والمعاد ، ويحجبه عن رؤية نور الحقيقة ، ويضر بالعدالة الاجتماعية وبالمصالح الحيوية والجوهرية للناس ، ويبعد العبد عن الإنصاف في المواقف والسلوك .
وهو بخلاف الصدق والإخلاص للمباديء والقيم والقضايا والأهداف الرسالية والوطنية ، وهو بخلاف المنهج الإسلامي العظيم ، الذي لا يعتبر الكثرة معيارا للحق والصواب ، ولا سبيلا للنصر والغلبة على الأعداء .
فقد كثر في القرآن الكريم ، مثل قوله تعالى : { وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } و { وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } و { وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } و { وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } .
وقال الله تعالى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( آل عمران : 123 ) .
وقال الله تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } ( التوبة : 25 ) .
والخلاصة : أن الإنسان المؤمن لا يغتر بالكثرة ، ويكون همه معرفة الحقيقة وإقامة العدل ، ويعيش في صراع دائم مع النفس والخارج من أجل ذلك .

الأمر ( 2 ) التخندق وراء الأشخاص والأحزاب بدل الرؤى والأهداف : بحيث يتجاهل الأشخاص والأطراف والقوى السياسية والأحزاب الأخرى ، ويتجاهل نضالهم وتضحياتهم ومواقفهم ، وإن كان التجاهل على حساب القضايا الأساسية المشتركة ، وعلى حساب المصالح الحيوية للناس ، وعلى حساب الأهداف الرسالية والوطنية .
وفي الأساس ـ بحكم الفطرة والدين والمنطق ـ فإن كل مؤمن وكل شريف إنما يتخندق وراء الرؤى والقضايا والأهداف التي يؤمن بها ، وليس وراء الأشخاص والأحزاب . ويعتبر القيادات والأحزاب وسيلة لخدمتها ، وليس العكس .
وفي الحقيقة : إذا جاء التخندق وراء الأشخاص والأحزاب وتجاهل الآخر على حساب القضايا والمصالح الحيوية للناس ، وعلى حساب الأهداف الرسالية والوطنية ، فإنه يأتي بحق على خلاف الصدق والإخلاص والرشاد .
وقد عد القرآن الكريم مثل هذا السلوك الأخرق على حد الشرك بالله عز وجل .
قال الله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) .

الأمر ( 3 ) الاختراق الأمني : حينما يتم الحديث عن الاختراق الأمني يتبادر إلى الذهن دخول عناصر من المخابرات إلى الصفوف التنظيمية للمعارضة وإلى أنشطتها وفعاليتها من أجل التأثير في القرارات أو تخريب التنظيم أو النشاط أو غيره ، وهذا صحيح وموجود ويجب الحذر منه .
ولكن هناك شكل من الاختراق الأمني سهل الكلفة ونتائجه خطيرة للغاية ، وقد أثبتت التجارب الكثيرة وجوده واتساع رقعته ، ورغم ذلك هناك غفلة فظيعة عنه ، وهو الشكل الذي تلجأ فيه بعض عناصر المخابرات وبعض العناصر السيئة الأخرى إلى الإيحاء من أجل التأثير في الرؤى والمواقف وفي العلاقات البينية والخارجية ، كما يفعل الشياطين تماما .
قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ .وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } ( الأنعام : 112 ـ 113 ) .
حيث تأتي عناصر المخابرات أو غيرها من العناصر السيئة للرمز أو القائد بروح المحب والموافق والحريص الذي يعيش الحرقة لما يجري على الدين والوطن والموطنين والمؤمنين ، ويقوم بعملية الإيحاء لهذا الرمز أو القائد بالرؤية أو الأطروحة أو الموقف ، فيخرج القائد أو الرمز مقتنعا وكأنه صاحب الرؤية أو الموقف وصانعهما ، بينما هما في الحقيقة من صناعة عناصر المخابرات أو غيرها من العناصر السيئة ، وقد اُستغفل القائد أو الرمز أو اُستحمر في القبول بهما .
ويستخدم هذا الأسلوب أيضا : للتأثير على العلاقات البينية والخارجية ، فيتم إبعاد المؤمنين والشرفاء والمخلصين أو عزلهم وتقريب السيئين والبطالين والمنتفعين والمتعيشين على حساب جهود الآخرين وتضحياتهم .
وتكثر هذه الحالة : مع الرموز والقيادات والعناصر الأنانية والمزاجية والمتقلبة وقليلة الخبرة والتي لا تمتلك رؤية واضحة والتي تتسامح مع الغيبة والنميمة تحت تأثير الغيرة السياسية أو الحسد أو غيرهما من العوامل النفسية السلبية أو المرضية ، مما يسهل عملية التأثير فيها والسيطرة عليها .

النتيجة ( 2 ) ضرورة المواجهة للفتنة الطائفية بصبغة وطنية : قلت قبل قليل أن أهداف السلطة وراء توجهاتها الطائفية أهداف سياسية وليست دينية ، ويجب أن تُأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار في مواجهة الفتنة الطائفية .
ويترتب على ذلك : أن توحد قوى المعارضة بجميع أطيافها صفوفها ، ويكون تحركها في مواجهة الفتنة الطائفية ـ التي تسعى السلطة ولقطائها السياسيين إلى تأجيجها ـ بصبغة وطنية تشارك فيه كافة القوى السياسية الوطنية الشريفة : دينية وعلمانية .
وأعتقد جازما : بأن كل تحرك في مواجهة الفتنة الطائفية بصبغة طائفية ، هو يصب في خدمة أجندة السلطة ويحقق أهدافها ، وكلما كان التحرك بصبغته الطائفية أقوى وأشد ، كلما استفادت منه السلطة أكثر ، واختصر عليها الطريق .
ومن جهة مكملة : يجب أن يكون التحرك الوطني في مواجهة الفتنة الطائفية موجها نحو تحقيق الأهداف السياسية التي من أجل مصادرتها حركت السلطة الفتنة الطائفية ، وعلى رأسها :
الهدف ( 1 ) : المشاركة الشعبية الفعلية في صناعة القرار .
الهدف ( 2 ) : العدالة في توزيع الثروة .
وأعتقد : بأن تجاهل هذه الأهداف يفقد التحرك قيمته .
وأما صرفه نحو أهداف أخرى : فهو يصب ـ قطعا ـ في خدمة أهداف السلطة .
فيجب على كافة الشرفاء الحذر من الوقوع في هذه الخطيئة الكبرى .

النتيجة ( 3 ) ضرورة تغيير نمط التفكير ومنهج العمل : تمثل الطائفة الشيعية في البحرين العمود الفقري للمعارضة ، ولهذا فهي مستهدفة من قبل السلطة لأسباب سياسية وليست دينية ، فالسلطة لا تستهدف الطائفة الشيعية لتشيعها ، وإنما تستهدفها لدورها السياسي ، ولهذا فالسلطة تستهدف المعارضين الشرفاء من السنة كما تستهدف المعارضين الشرفاء من الشيعة تماما وبدون تمييز بينهم في الاستهداف ، وتكون كريمة جدا مع الشيعة الذين يوالونها ، وتغدق عليهم كثيرا في العطاء والتبجيل .
وأن ما وصلت إليه الطائفة الشيعية من ضعف ، وما وصلت إليه السلطة ولقطائها السياسيين من التعدي الوقح والصلف على رموزها ومقدساتها ، لا ينفصل عن أوضاع الطائفة الخاصة وتفرق صفوفها الذي هو انعكاس للأداء السياسي لرموز الطائفة وقياداتها ومؤسساتها السياسية ، وهي تتحمل كل المسؤولية عن ذلك .
وأيضا : ما حدث من تراجعات خطيرة فيما سمي بالمشروع الإصلاحي للملك ، لا ينفصل عن وضع الطائفة وأدائها بوصفها العمود الفقري للمعارضة ، ولا ينفصل عن وضع المعارضة بوجه عام وأدائها السياسي في إدارة وضعها وإدارة اختلافاتها وإدارة الملفات الساخنة على الساحة الوطنية .
ويترتب على ذلك : ضرورة المراجعة والسعي بجدية وفاعلية من قبل الرموز والقيادات والمؤسسات السياسية في المعارضة والطائفة الشيعية لتغيير نمط تفكيرها السياسي وأسلوب إدارتها لوضعها وخلافاتها وللملفات الساخنة على الساحة الوطنية ، وتغيير منهج العمل الذي تسير عليه ولعلاقتها مع السلطة ، لكي تتغير المخرجات وتتحسن النتائج .
أيها الأحبة الأعزاء : لقد لجأت بعض أطراف المعارضة إلى تجنب المواجهة السياسية السلمية الجادة والفاعلة مع السلطة برجاء تجنب وقوع خسائر مادية وبشرية ومعنوية ، وكسبيل لإقناع السلطة بحسن نوايا المعارضة ، مما يدفع السلطة ـ بحسب تقديرها ـ لتقديم بعض التنازلات التي تصب في خدمة الأمن والاستقرار في البلاد ، وتؤدي إلى تقدم الوطن وازدهاره ، وتحسن الظروف المعيشية للمواطنين .
إلا أن التجربة أثبتت خطأ هذا التوجه والتقدير .
فبدلا من أن تتسم السلطة بالحكمة والتسامح والعدل والإنصاف ، وتقدر توجه المعارضة وسلميتها وحسن نواياها ، وتسعى لتقديم بعض التنازلات إليها من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار للوطن ، أغرتها شهوة الحكم ، وغياب الرقابة والمحاسبة الفعلية ، والاختلال في التوازن مع المعارضة ، فأوغلت في الاستبداد والدكتاتوري ، وفي الجشع المؤدي للاستئثار الكامل بالثروة والتصرف المطلق فيها ، وذهبت بعيدا في إهانة قوى المعارضة ، ومحاصرتها والتضييق عليها ، وانتهاك حقوق المواطنين .
والخلاصة : أن تجنب المعارضة للمواجهة السياسية السلمية الجادة والفاعلة مع السلطة ، لم يمنع وقوع الخسائر المادية والبشرية والمعنوية ، وإنما أوجد الأرضية لوقوع خسائر أكبر ، ولن يتغير الوضع ويتوقف نزيف الخسائر ، إلا بالقرار الموحد والشجاع من المعارضة بالمواجهة السياسية السلمية الجادة والفاعلة مع السلطة ، من اجل تحقيق الشراكة الشعبية الفعلية في صناعة القرار ، وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة ، وتحقيق المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات .
وكلما تأخرت المواجهة : كلما كثرت الخسائر المادية والبشرية والمعنوية ، وتصعّبت عملية التصحيح والتدارك للأخطاء .

وأرغب هنا في الإشارة ـ وفق الرؤية الإسلامية ـ إلى بعض الأخطاء المنهجية التي قد تقع فيها المعارضة الإسلامية .
الخطأ ( 1 ) : في ظل الشعور بالعجز أمام جبروت السلطة وطغيانها ، وفشل المشاركة في العملية السياسية لعقمها ، يتم التوجه نحو الخدمات بدلا من التوجه لصناعة الإنسان ورفع معنوياته وتحرير وعيه وإرادته .
وهذا التوجه ـ بحسب رأيي ـ هو بخلاف المنهج الإسلامي الذي يقدم صناعة الإنسان وتحرير وعيه وإرادته على تقديم الخدمات المادية ، مثل : المأكل والمشرب والمسكن ، رغم إيمانه بأهميتها وصلتها بكرامته .
فقد جاء الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى مجتمع في غاية الفقر والجهل والأمية ، ورغم اهتمام الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتقديم الخدمات المادية لذلك الإنسان ـ كما هو واضح من خلال الزكاة والصدقة والتضامن الاجتماعي ـ إلا أنه اهتم أكثر بصناعة الإنسان وتحرير وعيه وإرادته ، ليتحول ذلك الإنسان الفقير الأمي إلى قائد مغوار يفتح أكبر الإمبراطوريات في عصره .
ولو اهتم الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أكثر بالخدمات المادية وقدمها على صناعة الإنسان وتحرير وعيه وإرادته ، لنجح في تحسين مستوى المعيشة للناس ، ولكن الفتوحات لن تتجاوز الجزيرة العربية ، ولو تجاوزتها فإنها سوف تكون على غرار الاستعمار الأوربي من أجل المصالح المادية ، ولانتهى الدين وضاعت قيمته الإنسانية والوجودية .

الخطأ ( 2 ) : في ظل الشعور بالفشل في العملية السياسية وصعوبة التقدم فيها ، يتم التوجه لرعاية المناسبات والحفلات وغيرها من الأنشطة الاجتماعية من أجل المحافظ على الوجود والزعامة السياسية .
وفي البداية : تجب الإشارة إلى القيمة الروحية والمعنوية لخدمة الناس ورعاية شؤونهم ، وقد عد أرباب العرفان ذلك من منابع الفيوضات الربانية العظيمة على العبد .
مثال : لما خرج نبي الله موسى ( عليه السلام ) في خدمة أهله ( زوجته ) وصل إلى الوادي المقدس طوى ، وكلمه الله عز وجل تكليما ، وخرج بشرف حمل الرسالة إلى بني إسرائيل وتحريرهم من عبودية فرعون إلى عبودية الله الواحد القهار .
قال الله تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى . إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى . فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى . إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى . وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } ( طه : 9 ـ 13 ) .
إلا أن التحرك في رعاية شؤون الناس : حينما يكون مجرد أداة أو وسيلة لتحقيق الوجود الخاص في مقابل وجود الآخرين وإحكام السلطة والزعامة السياسية ، وينتج عن ذلك تخدير الناس وإحباط معنوياتهم وإعاقة وعيهم ونهضتهم وصرفهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة ، فإنه يتحول ـ قطعا ـ إلى عمل قبيح وسيء ويفقد خاصية الأولى ، وهي : كونه سببا للتوفيق الإلهي للعبد ولحصوله على الفيوضات الربانية المعنوية العظيمة والمقدسة .

وفي ختام هذه الكلمة : أرغب في الوقوف على مسألة المسيرة التي خرجت للرد على الإساءة لسماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم .
أقول : لقد كانت المسيرة حدثا سياسيا كبيرا ، خلقت أرضية مناسبة لوحدة الصف ، ومن شأنها أن تحرك النفوس الطيبة ، والقلوب الطاهرة ، والعقول المنفتحة ، وتمنحها الفرصة لإعادة النظر بجدية وصدق في الرؤى والمواقف المختلف حولها ، والتي هي مثار جدل على الساحة الوطنية بين أخوة النضال الذين يربطهم مصير مشترك واحد : ديني ووطني .
وقد أثبتت الجماهير من خلالها ـ كما هي دائما ـ صدقها ووفائها وجاهزيتها وقدرتها على التحرك القوي والمؤثر السريع ، وأقامت الحجة البالغة على الرموز والقيادات ، وبرأت ساحتها من التقصير والمسؤولية من هذا الجانب .

القيمة الفعلية للمسيرة : غير أن القيمة الفعلية للمسيرة كحدث سياسي ليس في نفسها ، وإنما في التوظيف السياسي الناجح لها ، وما تتمخض عنه من نتائج .
فإذا وظفت المسيرة وردود الفعل الأخرى سياسيا بشكل جيد وتمخضت عنها نتائج إيجابية ، تكون المسيرة ذات قيمة إيجابية .
وأما إذا وظفت المسيرة وردود الفعل الأخرى بشكل سيء وتمخضت عنها نتائج سلبية أو لم تتمخض عنها نتائج ذات قيمة بسبب سوء التوظيف والإدارة ، تكون قيمة المسيرة سلبية أو غير ذات قيمة ، رغم كونها حدثا سياسيا كبيرا .
مثال : الشخص الذي يمتلك ثروة ضخمة ورثها من أبيه أو غيره أو حصل عليها بأي طريق مشروع آخر ، ثم بددها أو أساء استخدامها ، فإنها تفقد قيمتها ، لأن قيمتها ليست في نفسها وإنما بحسب استخدامها وتوظيفها .
والحدث السياسي كذلك : هو ثروة ، وقيمته ليست في نفسه ، وإنما بحسب استخدامه وتوظيفه ، وهكذا ينبغي أن يكون تقييمنا له .

وأرغب هنا في ذكر بعض الملاحظات المهمة التي تتعلق بتوظيف المسيرة المذكورة ،،
الملاحظة ( 1 ) : لقد تم تصوير الحالة بعد المسيرة في الإعلام المحلي والعالمي وكأن البحرين تشهد فتنة طائفية بين الشيعة والسنة ، وأن الملك تدخل كمنقذ وجنب البلاد شر هذه الفتنة .
وهذا التصوير ليس صحيحا : فلا توجد فتنة طائفية بين الشيعة والسنة في البحرين ، فأهل البحرين شيعة وسنة يعيشون في محبة ووئام ، والموجود هو تمييز طائفي من قبل السلطة ضد طائفة من المواطنين في البحرين لأسباب سياسية ، ويصاحب هذا التمييز شحن طائفي من قبل بعض النواب والخطباء والأقلام الصحفية المحسوبين على السلطة ، وتوجد مساعي حكومية لخلق فتنة طائفية ـ كشف تفاصيلها تقرير البندر ـ لتحقيق أهداف سياسية على رأسها ـ كما قلت قبل قليل ـ ترسيخ الاستبداد والتفرد بالسلطة ، والاستئثار بالثروة وبمقدرات الشعب والدولة .
فهذه هي الحقيقة الفعلية الموجودة في البحرين ، وهي الحقيقة التي يجب التركيز عليها وكشفها للرأي العام في الداخل والخارج ، ويعتبر تصوير الحالة على أنها فتنة طائفية بين الشيعة والسنة قلب للحقائق وتشيوه للصورة الناصعة الوضاءة لشعب البحرين الأبي المسالم الغيور .
ومن السيئ جدا : تصوير الحالة وكأنها مواجهة طائفية بين ألسعيدي وسماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم .
فهذا التصوير : بالإضافة إلى أكونه يقلب الحقائق ويشوه الصورة ، فإنه يقلل من مكانة سماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم ، ويضخم دور ألسعيدي الذي لا يعدو كونه أداة رخيصة بيد السلطة .

الملاحظة ( 2 ) : يحاول البعض أن يستخدم المسيرة وردود الفعل الأخرى في دائرة التخندق الحزبي والولاء لأشخاص بعينهم ويجمدها في هذه الدائرة .
وربما يتعدى ذلك إلى النيل من الأطراف المخالفة .
وهذا خلاف الواقع : فالمسيرة وردود الفعل الأخرى هي استجابة دينية ووطنية ممن ساهم فيها ، وليست مجرد استجابة لحزب أو لشخص بعينه .
واستخدامها في التخندق الحزبي وتجميدها في دائرة الولاء لأشخاص بعينهم يقلل من قيمتها ، ويصب في تعميق الشقة بين أخوة النضال ـ بدلا من توحيد الصف ـ وهو سلوك قبيح يصب في الاتجاه المعاكس ، ويدل على قصر النظر والقراءة الخاطئة وغير الرشيدة للواقع ، ويدل على عدم الرشد الفكري والروحي والأخلاقي والسياسي ، وعدم القدرة على التعلم من التجارب والأخطاء .
وباختصار شديد : كل سعي لتوجيه المسيرة وردود الفعل الأخرى ، في غير ناحية وحدة صف قوى التيار ، وترسيخ العمل المشترك لقوى المعارضة ، فهو عمل سياسي قبيح أخلاقيا ، ويدل على قصر النظر والقراءة الخاطئة ، والأنانية والاستغراق في الذات ، وعدم الرشد الفكري والروحي والأخلاقي والسياسي ، وعدم القدرة على التعلم من التجارب والأخطاء .
فيجب على كل الشرفاء : الحذر من الوقوع فيه ، والحرص على تجنبه بمقدار الحرص على تجنب الذنوب الكبيرة ، فهو بحق خطيئة كبرى ، وهو يصب ضد المصلحة الدينية والوطنية ، ولا يجهل هذه الحقيقة إلا كل مريض نفسيا وروحيا / أناني لا يرى غير ذاته ، أو أمي لا يحسن القراءة السياسية والأخلاقية للأمور .

الملاحظة ( 3 ) : قلت قبل قليل : أن الأوضاع السلبية التي تشهدها ساحتنا الوطنية لا يمكن فصلها عن أوضاع المعارضة وسوء أدائها .
وهذا يتطلب : تغيير نمط التفكير ومنهج العمل الذي تسير عليه ، لكي تتغير المخرجات ، وتتحسن النتائج .
وخلافا لذلك : هناك من يحاول أن يوظف المسيرة وردود الفعل الأخرى ، لإثبات قناعة النخب والجماهير بالأداء والمنهج الذي ثبت بالأدلة الحسية الدامغة خطأهما .
وهذا السلوك يحمل كل سيئات وسلبيات الملاحظتين السابقتين ، ويرقى إلى درجة الطامة الكبرى .
فيجب على كل الشرفاء : أن يقفوا وقفة صدق وإخلاص مع الذات ، وأن لا يسيروا في الاتجاه الذي من شأنه أن يضيع التضحيات ، وينتهي إلى تدمير المنجزات الوطنية الغالية ، التي سقاها الشرفاء من أبناء الوطن ، بالدماء والدموع والعرق .
اللهم أنت الشاهد ، وإليك المنتهى والرجعى .
اللهم أشهد بأني قد بلغت .

أيها الأحبة العزاء ،،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى