عيد الغدير الأغر

المناسبة : عيد الغدير الأغر .
المكان : مأتم الحدادة ـ مدينة المحرق .
اليوم : مساء الخميس ـ ليلة الجمعة .
التاريخ : 20 / ذو الحجة / 1429هج .
الموافق : 18 / ديسمبر – كانون الأول / 2008م .
ملاحظة : لم تلق الكلمة لاعتذار الأستاذ بسبب تغيير موعد الاحتفال .
أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .
في البداية : أرفع أسمى التهاني والتبريك إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم أيها الأحبة ، بمناسبة عيد الغدير الأغر ، أعاده الله عز وجل علينا ونحن على حال أحسن من هذا الحال : إسلاميا ووطنيا ، إنه سميع عليم قادر على ما يشاء .
أيها الأحبة الأعزاء : سوف تكون لي في هذه الليلة الشريفة المباركة وقفة تأمل مع عيد الغدير الأغر ، محددة في نقاط ، وهي :
النقطة ( 1 ) أهمية الولاية في الإسلام : عيد الغدير الأغر يعبر عن الفرح الروحي بالولاية للأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) وأولهم وأفضلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الذي توجهُ الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتاج الإمامة والولاية في يوم الغدير بتاريخ : 18 / ذو الحجة / 10 هج ، وأمر المسلمين بمصافحته ومبايعته والاقرار له بالولاية ، وفعلوا ذلك ولم يتخلف منهم أحد . والاحتفال بعيد الغدير ـ الذي هو عيد الإمامة والولاية ـ يدل على الأهمية العظمى للإمامة والولاية في الإسلام ، ونظرا لأهميتهما فقد عُدّ عيد الغدير بالعيد الأكبر في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) قال فيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ” وإن يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب ” لأن الولاية لأهل البيت ( عليهم السلام ) من الإسلام بمثابة الروح من الجسد ، فالطريق إلى الله ذي الجلال والإكرام لا يمر إلا عبر النبوة والولاية لأهل البيت ( عليهم السلام ) وأن ما في الإسلام من الخير والصلاح والفلاح والهداية والسعادة مشروط بالولاية لأهل البيت ( عليهم السلام ) فبدون النبوة والولاية :
• لا يمكن أن يُعرف الله سبحانه وتعالى حق المعرفة .
• ولا يمكن أن يعبد الله سبحانه وتعالى ويطاع بشكل صحيح .
• ولا يمكن أن يطبق الإسلام الحنيف وتقام دولة العدل الإلهي على أرض الواقع بشكل تام وصحيح .
• ولا يمكن أن تقام الحجة التامة لله عز وجل على الناس .
ويدل على ذلك من ناحية النص :
قول الله تعالى قبل التبليغ بالولاية : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ( المائدة : 67 ) حيث يدل على أن عدم التبليغ بالولاية يلغي كل الجهد التبلغي الذي قام به الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للرسالة .
وقول الله تعالى بعد التبليغ بالولاية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا } ( المائدة : 3 ) حيث يدل على أن كمال الدين وإتمام النعمة الربانية على الإنسانية والمسلمين قد تم بالتبلغ بالولاية ـ التي تمثل الامتداد الطبيعي لمشروع الرسالة ـ وليس قبلها .
ويدل على ذلك من الناحية الواقعية : اختلاف المسلمين حول القرآن الكريم والسنة الشريفة وشروط الإمامة ـ وقد ذهب بعض المسلمين إلى القول بصحة خلافة الفاسق وحرمة الخروج عليه ـ وما جرى بين المسلمين في عهد مبكر من حروب وفتن وصراعات دامية وتمزق وضياع الخلافة والسيادة وهيمنة القوى العظمى على أراضي المسلمين ومقدراتهم وما تعيشه الشعوب الإسلامية اليوم من مآزق لا تعرف السبيل للإنتصار عليها ولا كيفية الخروج منها ، وأصبح من المستحيل ـ وفق رؤية مدرسة الخلفاء للخلافة الإسلامية ـ تحقيق الوعد الإلهي بظهور المهدي الموعود في آخر الزمان وقيامه بالدور الموعود يإظهار الدين الحق على الدين كله وإقامة دولة العدل الإلهي العالمي ، إذ يستحيل ـ نظريا وعمليا ـ الاجتماع على إمامته ، إذ لا يعدو كونه ـ من الناحية الدينية ـ مجتهدا في مقابل المجتهدين الآخرين ـ ومن الناحية السياسية ـ سلطانا في مقابل السلاطين الآخرين ، فلا يمكن الاجتماع على إمامته ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) إلا إذا كان إماما منصوص عليه ينوب عن الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في التشريع والحكم والقضاء ، فهو يمتلك التصور المعصوم الواضح للإسلام وتطبيقاته على الواقع بنفس القوة التي كان يمتلكها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيحفظ بذلك للإسلام خطه وامتداده الطبيعي ونقائه وعمقه وقوته ، وبهذا يكون اختياره أمر لا دخل للناس فيه ، كما لا دخل لهم في اختيار الأنبياء ، فيكون هو الفيصل في فهم النصوص الشرعية وتطبيقاتها ، وفي فض المنازعات بين المتخاصمين وفض الاختلافات السياسية كما كان الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيمنع بذلك الاختلاف في الدين والانقسام والتناحر في السياسة .
النقطة ( 2 ) الولاية ووحدة الأمة : رغم تمسك الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بحقه في الخلافة بعد وفاة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا أنه لم يتخذ ذلك سبيلا لمواجهة الخلفاء وإضعاف الأمة وتقويض دعائم المجتمع الإسلامي والاخلال بالنظام العام للمجتمع والدولة ، وإنما كان له كامل الحرص على حفظ الدين الحنيف ، وحفظ وحدة الأمة ومصالحها العليا .
• فقد أبان ( عليه السلام ) حقه في الخلافة ، وعمل على تكوين الحركة التصحيحية في الأمة في بعدها : الفكري والعملي والمجتمعي .
• ونصح للخلفاء وأشار عليهم بما فيه مصلحة الدين والأمة ، وزهد في المنافسة الدنيوية على السلطة والتزاحم على المكانة والزعامة السياسية ، فلم يدخل فيها وابتعد عنها ابتغاء لمرضاة الله عز وجل ونصيحة للمؤمنين والمسلمين ، وقام فقط بما يمليه عليه التكليف الشرعي في جميع الظروف والأحوال .
• ونظر إلى الحركة التصحيحية التي أقامها على أنها جزء لا يتجزء من الأمة ، وأنها غير منفصل عنها ، وأنهما ( الأمة والحركة ) يرتبطان بمصير واحد ، فلم يفرط في مصير الأمة ومصالحها العليا ، بدعوى مقتضى مصلحة الحركة التصحيحية التي أقامها .
• ودفع بشيعته وخاصة أصحابة للمشاركة في الأنشطة العامة للأمة والفتوحات الإسلامية بقيادة الخلفاء ، وقدم كل ما لديه من الدعم المادي والمعنوي ، ولم يأمر شيعته وخاصة أصحابه بالعزلة أو الانفصال عن الأمة وأنشطتها العامة .
وقد سار الأئمة من أبناؤه ( عليهم السلام ) ثم خلفائهم الفقهاء ( رضي الله عنهم ) في عصر الغيبة على نفس المنهج الذي سار عليه ولم يخالفوه .
النقطة ( 3 ) الولاية والمعارضة : رغم تأكيد الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) على أنه الإمام المفترض الطاعة في التشريع والحكم والقضاء بالنص الإلهي على إمامته ، إلا أنه لم يتخذ ذلك سبيلا لمنع الرأي الآخر ومنع مراقبة الحاكم والمسؤولين في الدولة ومحاسبتهم ، بهدف التصحيح والتطوير في المجتمع والدولة .
• فقد سمح للمدارس الفكرية بالظهور ودعاها للحوار والمناقشة ، وناقش آرائها مناقشة علمية تقوم على الحجج الشرعية والبراهين العقلية ، ورفض سياسة الانغلاق والسباب والشتم والعنف والخداع ، لأن هدفه في الحياة ، هداية البشرية وإنقاذها من الجهالة والضلال .
• ومارس المعارضة النزيهة الصادقة ، وسمح لظهورها وإبداء رأيها في كل الشؤون العامة : السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها في فترة حكمه ، ولم يتعرض للقائمين على المعارضة بسوء ، ما لم يخرجوا على قواعد المعارضة وشروطها الشرعية واستخدامها كوسيلة للإفساد في الأرض والاخلال بالنظام العام والإضرار بالمصالح العليا للمسلمين ، فلم يبطش بهم ، ولم يكرههم على الالتزام بسياسته ، ولم يحرمهم من حقوقهم الطبيعية ، ولم يقطع معهم سبل الحوار ، ولم يمنعهم العطاء من بيت المال ، ومن أخل بالقواعد والشروط قام بمواجهته سياسيا وعسكريا ـ بمقدار الحاجة بدون إفراط ولا تفريط ـ حفاظا على الدين والنظام والمصالح العليا للمسمين ، وليس من أجل الاستبداد بالرأي والدكتاتورية في الحكم . وأدار الحكم على أساس الشورى ، وسمح للأمة بالمراقبة والمحاسبة والنقد ، ورتب على ذلك آثارا فيما يتعلق بالمواقف والولاة والمسؤولين في الدولة .
النقطة ( 4 ) الولاية والكفاءة : إن تمسك مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم بعقيدة الإمامة والولاية له دلالات عديدة ، منها :
• الرفض والمقاومة وعدم القبول بالأمر الواقع : فلم يقبل الأئمة ( عليهم السلام ) وشيعتهم بالأمر الواقع الذي فرضه الخلفاء على الأمة وقاوموه بالأساليب المشروعة .
• أن الأصل في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) هو التمسك بالمباديء الربانية ، وفي مقدمتها : الحق والعدل الاجتماعي ، وعدم التنازل عنها تحت طائلة الترغيب والترهيب ، وكان لديهم الاستعداد التام لتقديم التضحيات الجسام في سبيل إقامتها .
• تتشدد مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في صفات وشروط القيادة ، مما يؤكد شرط الكفاءة لدى القيادة وقدرتها على خدمة القضايا العامة للأمة وتحقيق الأهداف الرسالية في الدولة والمجتمع . وبحسب مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) فإن الأهداف الرسالية والقضايا العامة للأمة ، مقدمة على الأشخاص وليس العكس . وأن هذه القاعدة تشمل القيادة ، بل القيادة هي أول ما ينظر إليه في العمل بهذه القاعدة وتطبيقها ، لأن القيادة هي الوسيلة إلى تحقيق الأهداف وخدمة القضايا العامة ، وأن التسامح في شروط القيادة وصفاتها وكفاءتها يؤدي إلى ضياع القضايا والفشل في تحقيق الأهداف ، وهذا بخلاف العقل والحكمة والدين .
• أن عقيدة الولاية تقتضي الالتزام بمرجعية أهل البيت ( عليهم السلام ) الدينية والزمانية وبمنهجهم الفكري والتشريعي والسياسي والأخلاقي والاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم السامية ، مثل : العلم والحلم والسخاء والايثار والصبر على النوائب والشجاعة في المواقف وتحمل المشاق والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل الله عز وجل وإعلاء كلمة الحق وإقامة العدل ونشر الفضيلة والتوكل على الله عز وجل والتسليم لأمره والابتعاد عن كل فتنة وتنازع وتفريق بين المسلمين والمؤمنين والتعاون على البر والتقوى والعمل الصالح ابتغاء مرضاة الله عز وجل والزلفى لديه ، وبدون ذلك تفقد الولاية فلسفتها وقيمتها العملية في الحياة .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى