هل يدخل صلح الإمام الحسن (ع) في دائرة مسايرة الحكم الأموي الجائر؟

12 / رمضان / 1426هـ
الموافق : 16 / أكتوبر ـ تشرين الأول / 2005م .
جهة النشر : شبكة المنار الإلكترونية .
المناسبة : مولد الإمام الحسن ( عليه السلام ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية : أرفع أسمى آيات التهاني إلى مقام إمامنا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة ( الحجة بن الحسن العسكري ) ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات جميع مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها ، وإلى رواد شبكة المنار الإلكترونية الأعزاء .. بمناسبة مولد السبط العظيم : الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) .

أيها الأحبة الأعزاء : رأيت أن تكون الكلمة ( القصيرة ) التي طلبتموها مني في هذه المناسبة الجليلة ، لنشرها على صفحتكم الالكترونية ( شبكة المنار الالكترونية ) إجابة على سؤال مهم ، يتبادر إلى ذهن الكثيرين منكم في هذه الأيام ..

والسؤال هو : هل يدخل صلح الإمام السبط : الحسن بن علي ( عليه السلام ) في دائرة مسايرة الحكم الأموي الجائر ؟

الجواب : لا يدخل صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) في دائرة مسايرة الحكم الأموي الجائر .. حيث كشفت الأحداث كلها : أن منهج الإمام الحسن ( عليه السلام ) هو المعارضة للحكم الأموي بكافة أشكال المعارضة المشروعة إسلاميا ، ولم يتغير ذلك المنهج بعد الصلح .. نعم : نقل الصلح المعارضة ( لأسباب موضوعية ) من المواجهة العسكرية إلى المواجهة السياسية السلمية .. مع التأكيد على حق وشرعية المواجهة العسكرية مع النظام الأموي الجائر ، وقد أظهر الإمام الحسن ( عليه السلام ) وأصحابه الكرام في المعارضة السياسية ، إيمانا وصبرا واحتسابا وثباتا على المبادئ منقطع النظير ، فلم يغيروا ولم يبدلوا ولم ينثنوا ، وقدموا في المواجهة السياسية الكثير من التضحيات الجسيمة .. وذروتها : حياة الإمام الحسن ( عليه السلام ) وحياة الكثيرين من خيرة أصحابه الكرام .. أمثال : حجر وأصحابه ، وعمرو بن الحمق الخزاعي .. وغيرهم من الشهداء الأبرار ( رضوان الله تعالى عليهم ) كنتيجة للعنف السلطوي من طرف واحد في المواجهة السياسية .. وكان العنف السلطوي الأموي متعدد الوجوه : حيث كان معاوية يقتل أصحاب الإمام الحسن ( عليه السلام ) على التهمة والظنة ، ويعرضهم إلى التعذيب والتشريد والسجن والمطاردة ، ويسقطهم من دواوين العطاء للتضييق عليهم في أرزاقهم ، والتأثير السلبي على حياتهم المعيشية وحياة أسرهم ، وكان يرد شهاداتهم في القضاء ( وغيره ) كجزء من الحرب النفسية ضدهم ، ولكن لم يستطع ذلك العنف السلطوي الأموي متعدد الوجوه أن يسقط تلك المعارضة ( الطاهرة ) المحمدية العلوية الحسنية ، بل كان عامل قوة لصمودها وانتشارها في شتى الولايات الإسلامية .. لا سيما الكوفة الممتحنة . كما أن الصلح يدخل في دائرة التكتيك العسكري ، ولم يكن تخليا ( بصورة دائمة ) عن المواجهة العسكرية المشروعة ضد السلطة الأموية الجائرة .. وعليه : لم يتوقف الإمام الحسن ( عليه السلام ) وأصحابه ( في ظل المعارضة السياسية الشجاعة ) عن فضح ممارسات النظام الأموي على كافة الأصعدة : الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولم يتوقفوا عن نشر الوعي ، وشحذ الهمم ، وتقوية العزائم ، وترسيخ ثقافة الرفض والتحدي والمواجهة : بكافة أشكالها ، والتأكيد على شرعيتها ، وبناء قواعد المعارضة وتطوير أدائها على كافة المستويات ، والاستعداد للمستقبل ولأسوء الاحتمالات .. وقد ربط على ضوء ذلك : الكثير من المحللين السياسيين ( قديما وحديثا ) بين صلح الإمام الحسن وثورة أخيه الإمام الحسين ( عليهما السلام ) .

ذكر المؤرخون : أن عدي بن حاتم ( وهو أحد الخواص ) جاء إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) .. وقال : ” يا ابن رسول الله : لوددت إني مت قبل ما رأيت !! أخرجتنا من العدل إلى الجور ، فتركنا الحق الذي كنا عليه ، ودخلنا في الباطل الذي كنا نهرب منه ، وأعطينا الدنية من أنفسنا ، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا ” .

فرد الإمام الحسن ( عليه السلام ) قائلاً : ” يا عدي : إني رأيت هوى معظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحب أن أحملهم على ما يكرهون ، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يوم ما ، فإن الله كلّ يوم هو في شأن ” .

فلم يستنكر الإمام الحسن ( عليه السلام ) من روح العزة والكرامة وثقافة الرفض والتحدي والمواجهة ورفض الباطل والظلم والمذلة والخنوع والإصرار على مواجهتها بكافة أشكالها وتلاوينها بعزيمة وشكيمة لدي عدي بن حاتم ( رضوان الله تعالى عليه ) وإنما أقرها وأخبره عن إرجاء الحرب ( تكتيكا ) إلى يوم آخر ، لأن الجماهير لم تكن مستعدة في ذلك الوقت لأن تخوض مع الإمام الطاهر الشجاع : الحسن بن علي ( عليه السلام ) الحرب ضد معاوية .. ففي هذا النص نجد : تمسك السبط الكريم : الإمام الحسن ( عليه السلام ) بحق المواجهة العسكرية ضد معاوية بن أبي سفيان ، والتأكيد على شرعيتها في مواجهة الحاكم الباغي المغتصب للحقوق والساعي بين الناس بالباطل والظلم ونشر الفساد ، وامتلاكه ( عليه السلام ) الإرادة القوية الفولاذية لخوض غمارها ، ولكنه وجد المسلمين بحاجة إلى إعداد جديد للدخول في المعركة العسكرية ، مما دفعه للصلح ( تكتيكا ) ونقل المعركة من المواجهة العسكرية إلى المواجهة السياسية السلمية ، وإتاحة الفرصة لنشر الوعي وبناء المعارضة .. وعليه تم تأجيل المواجهة العسكرية إلى حين تتهيأ الظروف المناسبة إليها .

ومن مواقف المواجهة السياسية للإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد الصلح ضد معاوية قوله في خطاب له بحضور معاوية : ” وليس الخليفة من دان بالجور ، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أبا وأما ، ولكن ذلك ملك أصاب ملكا تمتع به ، وكان قد انقطع عنه واستعجل لذته ، وبقيت عليه تبعته ، فكان كما قال الله ( عز وجل ) : { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } ( الأنبياء : 111 ) ( المحاسن والمساوئ . البيهقي . ص 63 ) .

ومن مواقف أصحابه في المواجهة السياسية : موقف الأحنف بن قيس ( رضوان الله تعالى عليه ) في مجلس معاوية ، حين عرض معاوية أمر البيعة ليزيد .. فقال الأحنف : ” وقد علمت يا معاوية ، أنك لم تفتح العراق عنوة ، ولم تظهر عليه قعصا ( يعني : بالقتال ) ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود ما قد علمت ، ليكن له الأمر من بعدك ، فإن تف فأنت أهل الوفاء ، وإن تغدر تظلم ، والله إن وراء الحسن خيولا جيادا ، وأذرعا شدادا ، وسيوفا حدادا ، وإن تدن له شبر غدر تجد وراءه باعا من نصر .. وأنت تعلم من أهل العراق : ما أحبوك منذ أبغضوك ، ولا أبغضوا عليا وحسنا منذ أحبوهما ، وما نزل عليهم في ذلك غير من السماء ، وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم ، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم ” ( الإمامة والسياسة . ابن قتيبة . ص 147 ) .

ومنها موقف عدي بن حاتم ( رضوان الله تعالى عليه ) حين دخل على معاوية فسأله : ما فعلت الطرفات ( يعني أولاده ) ؟
فقال : قتلوا مع علي !!
فقال معاوية : ما أنصفك علي ، قتل أولادك ، وبقي أولاده !!
فقال عدي : ما أنصفت عليا ، قتل وبقيت بعده !!
فقال معاوية : أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ، ما يمحوها إلا دم شريف من أشراف اليمن ( يعني بذلك عدي ) !!
فقال عدي : والله إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا ، وإن أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فترا ( الفتر : ما بين طرف الإبهام والسبابة إذا فتحتهما ) لندنين لك من الشر شبرا ، وإن حز الحلقوم ( قطع الرقبة ) وحشرجة الحيزوم ( تردد النفس وقت الاحتضار ) لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي ، فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف .

فقال معاوية متراجعا : هذه كلمات حكم فاكتبوها ، وأقبل على عدي محادثا له .. كأنه ما خاطبه بشيء . ( مروج الذهب . المسعودي . ج3 . ص 13 ) .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى