كلمة الأستاذ لضيوفه من قرية القلعة

اليوم : مساء الجمعة ـ ليلة السبت .
التاريخ : 10 / ذو القعدة / 1427 هـ .
الموافق : 1 / ديسمبر ـ كانون الأول / 2006 م .

قام عدد من أهالي قرية القلعة بزيارة للأستاذ عبد الوهاب حسين في بيته وألقى أحدهم كلمة نيابة عنهم ، ثم ألقى الأستاذ هذه الكلمة :

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . اللهم صل على خير خلقك محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أتقدم لكم بخالص الشكر والتقدير على هذه الزيارة الكريمة ، التي تضيف إلى رصيدكم دينا آخر في عنقي لن أنساه ـ بإذن الله تعالى ـ ما دمت حيا . وهي تعبير صادق عن أخلاقكم الجميلة التي أخذتموها عن دينكم الحنيف وعن أئمتكم الأطهار ( عليهم السلام ) وورثتموها عن أسلافكم الطيبين الأوفياء جيلا بعد جيل . وأنا لا أرى في نفسي أنني أستحق كل هذا العطف والتقدير منكم ، وقد قبلت بهذه الزيارة حين طلبتموها لأن رفضها بعنوانها المعلن عنها يعتبر ـ بحسب تقديري ـ من سوء الأدب الذي لا أرضاه لنفسي .

أما بخصوص ما ذكرتموه عن الإهانة : فإني ألفت انتباهكم إلى مسألة قد يغفل عنها الكثير من الرموز والقيادات الكبيرة ، حيث يصعب عليها أن تتحمل مثل هذه الإهانة ، وتتصور أنها تحط من قدرها ومكانتها .. والحقيقة أنها ليست كذلك : فقد جلس الشمر بن ذي الجوشن على صدر الإمام الحسين ( عليه السلام ) فهل حط ذلك من قدر الإمام الحسين ( عليه السلام ) أم رفعه ؟ وقد سجن هارون الرشيد الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ووضعه في زنزانة تحت الأرض لا يعرف فيها الليل من النهار لمدة أربعة عشر سنة ، فهل حط ذلك من قدر الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) أم رفعه ؟

أيها الأحبة الأعزاء : لقد تعرض الأنبياء والأوصياء والأولياء العظام ( عليهم السلام ) لمثل هذه الإهانات وأكبر منها ولم يتصوروا أنها تحط من قدرهم ومكانتهم ، وإنما اعتبروها شرفا لهم وفخرا وسببا للتقرب إلى الله عز وجل .. وفي تقديري : أن من يتصور أن مثل هذه الإهانات تحط من قدره ومكانته ، ومن ثم تؤثر على أطروحاته ومواقفه .. فذلك في الحقيقة : بسبب النظر للذات وقلة الإخلاص لرب العباد جل جلاله أعاذنا الله سبحانه وتعالى من ذلك .

وفي ظل ما ألمسه فيكم من توجه صادق وإخلاص ، فإني سوف أحرص على أن أقابلكم بالمثل وأتوجه إليكم بالنصائح التالية ..

النصيحة الأولى : في ظل التدافع بين القوى والرغبة في الحياة الكريمة ، أوصيكم بأن تتمسكوا بحقوقكم العامة ، وأن تصروا على إقامة القسط بين كافة المواطنين وترفضوا الظلم والإذلال ، لأن القسط ميزان الحياة وعنوان كرامة الإنسان ، إذ بدونه يختل ميزان الحياة في المجتمع وتسود الفوضى ويضطرب الأمن وتهدر كرامة الإنسان . وأعلموا أن ليس لأحد ـ أي كان ـ الحق في أن يطلب منكم التنازل عن الحقوق العامة والقبول بالظلم والاستبداد والإذلال والتخلف ، ومن يطلب منكم ذلك فهو إنسان غير رشيد ومخالف لمنطق الفطرة والعقل والدين . ولكن أنتم مطالبون بإتباع الحكمة والروية في اختيار التوقيت والأساليب والوسائل المناسبة الفاعلة والمطابقة لأحكام الشريعة المقدسة وللزمان والمكان وفي ظل قيادة رشيدة مأمونة ترضونها .

النصيحة الثانية : في ظل الاختلاف الحاصل بين المؤمنين في الشأن السياسي ، فإني أنصحكم بالمحافظة على الأخوة الإيمانية ، والدخول من بوابتها إلى ساحة الاختلاف السياسي لضبطه وترشيده ، وأحذركم من الدخول من بوابة الاختلاف السياسي إلى الساحة الإيمانية فتفسدوها ، وأحذركم من أن تجعلوا بأسكم بينكم شديد فتخسروا الدين والدنيا ، أو تنشغلوا ببعضكم عن قضاياكم المصيرية وأهدافكم الكبيرة فتفشلوا .

النصيحة الثالثة : في ظل توجه إخوان الشياطين الذين لا دين لهم ولا ضمير لإحداث الفتنة الطائفية بين المواطنين ، لخدمة أجندة القوى الاستعمارية والحكومات المستبدة ، فإني أحذركم من الدخول في هذه الفتنة أشد التحذير ، سواء كان الدخول ابتداء أو من خلال الردود غير الرشيدة التي تؤدي إلى مزيد من الفتنة والتوتير الطائفي كما يريدون . وأنصحكم بالمحافظة على الأخوة الإسلامية وحفظ حقوق أخوة الدين والوطن ، والسعي لإيجاد خطاب إسلامي وحدوي وتوجه وطني صادق ، يدعو للمساواة بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات ، وتجريم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المذهب أو غيرهما . وأنصحكم بالتواصل مع إخوانكم في الدين والوطن من أهل السنة وغيرهم من المواطنين ، والتعبير لهم بصدق وإخلاص عن همومكم وتطلعاتكم الإسلامية والوطنية ، وأعلموا أن لهم عقول مثل عقولكم ، وضمائر مثل ضمائركم ، وأنه لا مصلحة لهم ابتداء في مخاصمتكم والوقوف ضدكم ما دمتم تحبون الله تعالى والدين والوطن وتسعون لخدمتهم بصدق وإخلاص ، فهم محرومون مثلكم من حق الشراكة في السلطة والثروة ومن حق التظاهر والتعبير عن الرأي ومن الأمن والحياة الحرة الكريمة ، وهم مثلكم ضحايا الاستبداد والاستئثار بالثروة والتوطين غير المشروع أو ما يعرف بالتجنيس السياسي والتصرفات غير المشروعة للسلطة . وأعلموا أنكم إذا عملتم بهذه النصيحة ، فسوف تنجحوا ـ بإذن الله تعالى ـ في مساعيكم وتكسبوا مودتهم ونصرتهم لكم في قضايا الدين والوطن ، وتحققون بذلك النصر على إخوان الشياطين الذين يسعون لإحداث الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد خدمة لأسيادهم المستبدين والمستكبرين ، وتسودوا وجوههم بنجاحكم عليهم نصرة للحق والعدل والدين والوطن .

النصيحة الرابعة : حافظوا على أخلاقكم الدينية والقيم الإنسانية الرفيعة وأنتم تتعاطون في الشأن العام مع الخصوم والأصدقاء ، ومارسوا السياسة وتصرفوا في الحياة العامة بتعقل ونظام ، ولا تسمحوا للعداوة أو المصالح المادية أو السياسية بإفساد دينكم وأخلاقكم .. كونوا كما قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وكما قال لكم إمامكم الصادق عليه السلام : ” كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا ” .

النصيحة الخامسة : في ظل الفتنة والاختلاف ، وسعي الأعداء لنشر الدسائس وتشويش الرؤية عليكم وخلط الأوراق .. كما هو حادث اليوم في البحرين ، كونوا في غاية اليقظة والحذر ، ولا تقبلوا الكلام من أي أحد . تمسكوا بالدين الحنيف ، وتعلقوا برب العالمين تعلق حب وخشية ، وانظروا إلى كافة الأمور من خلال ذلك التعلق ، واسلكوا الطريق الذي يحبه ويرضاه لكم في الحياة ، واتخذوا المواقف التي تقربكم إليه زلفى ، وأخلصوا له كامل الإخلاص ، ولا تأخذكم فيه لومة لائم .. وعليكم لتحقيق ذلك : أن تتخذوا لكم ـ كما أمركم الله تبارك وتعالى ـ دليلا تأتمنونه على الدين والدنيا ، يمتلك العلم بالشريعة والحياة ، ويمتلك العدالة والكفاءة النفسية والعملية ، لا يُشترى بالمال والمناصب ، ولا يتراجع بالتخويف والتهويل من الأعداء ، شهم صبور ، يعبر عن عقيدتكم في الحياة أصدق تعبير وأفضله ، ويخدم مصالحكم الدينية والدنيوية على أحسن وجه وأكمله . ابحثوا ـ أيها الأحبة ـ عن المصاديق الصحيحة ولا تخدعكم العناوين المضللة ، واجعلوا من التجارب خير دليل . وأعلموا أن قيادتكم العليا في الدين والدنيا ـ بحسب مدرسة أهل البيت عليهم السلام ـ هي للمرجع الفقيه صاحب الخبرة والبصير بشؤون الحياة الذي يمتلك الكفاءة اللازمة لخدمة القضايا المصيرية وتحقيق الأهداف الكبيرة على أحسن وجه وأكمله ، وأن كل قيادة نتخذها في الصفوف الأخرى ، يجب أن تكون في طول قيادته ومستمدة منها وليست في عرضها أو مستقلة عنها . فاختاروا ـ أيها الأحبة ـ بالرجوع إلى أهل الخبرة من تطمئنون لتوفره على كافة الشروط المطلوبة من المراجع العظام ، وارتبطوا به أشد الارتباط ، ليكون دليلكم وهاديكم ومرشدكم في الحياة ، واسلكوا طريقه مطمئنين ، وتمسكوا بمنهجه القويم واثقين ، ليخرجكم من الفتن والاختلاف سالمين ، وتفوزوا بخير الدنيا وتدخلوا الجنة يوم القيامة آمنين ، فلا سبيل إلى النجاة والخروج من الفتنة وأزمة الاختلاف إلا هذا السبيل ، واحذروا أن تجعلوا الحدود الجغرافية والسياسية والعصبيات الجاهلية ، حاجزا بينكم وبينه ، فتكونوا من الأخسرين أعمالا .

أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى