تنبيه للمرأة المسلمة المعاصرة

اليوم : مساء الجمعة ـ ليلة السبت .
التاريخ : 17 / جمادى الثانية / 1427هـ .
الموافق : 14 / يوليو ـ تموز / 2006م .
المناسبة : مولد فاطمة الزهراء ( ع ) بالإضافة إلى تخريج دفعة التكليف للفتيات .
المكان : قرية كرزكان ـ مأتم الشباب .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شـر نفسي الأمـارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل علي محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعـرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في اللـه ، ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفـع أسمى التهاني إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، في مشارق الأرض ومغاربها .. وإليكم أيها الأحبة ، بمناسبة الذكرى السنوية للمولد السعيد للصديقة الطاهرة الخالصة فاطمـة الزهراء ( عليها السلام ) .

أيها الأحبة الأعزاء : تأتي هذه المناسبة العزيزة التي تثلج صدورنا وتتفتح إليها أسارير قلوبنا ، في الوقت الذي يشن فيه الكيان الصهيوني الغاشم ، عدوانه الشامل على قطاع غزة ولبنان العزيزين ، في ظل صمت مخزي للأنظمة العربية ، وحيرة محزنة ومؤلمة جدا للشعوب العربية والإسلامية .. ولا شك أن هذه الحالة : إنما هي نتيجة طبيعية لسيادة الأنظمة الشمولية الدكتاتورية المستبدة ، وتحكمها المشين في مصير الشعوب العربية المسلمة المستضعفة ، مما يدل على الحاجة الملحة للإصلاح السياسي الحقيقي في البلدان العربية والإسلامية ، وهذه مسؤولية الشعوب وبصورة خاصة قوى المعارضة فيها . وما لم يحصل الرفض لهذا العار القائم ومقاومته ، وتتحمل الشعوب العربية والإسلامية وبصورة خاصة قوى المعارضة فيها ، مسؤولياتها الدينية والتاريخية : الوطنية والقومية ، والبدء بالتحركات الشعبية الجدية الفاعلة للإصلاح السياسي الشامل في هذه البلدان ، استجابة لنداء الدين والضمير الإنساني والقومي والوطني النابض بالحياة .. فإن القادم على هذه الأمة سوف يكون أسوء وأسوء .

أيها الأحبة الأعزاء : لدينا مناسبتان كريمتان نحتفل بهما في هذه الليلة المباركة .. وهما : مولد السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وتخريج دفعة التكليف للفتيات في القرية . وقد طلب مني الأخوة الأعزاء القائمون على تنظيم هذا الحفل المبارك ، أن اربط في كلمتي بين المناسبتين ربطا سلسا .. وعليه : سوف أتحدث في البداية باختصار شديد عن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) مع تسليط الضوء على جوانب من أوضاع المرأة المسلمة في الوقت الحاضر ، في ظل الاقتداء بالسيدة الطاهرة الخالصة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ثم أتحدث بما يتناسب ( إن شاء الله تعالى ) مع المناسبة الثانية .. وأسال الله ( جل جلاله ) التوفيق والتسديد وبه استعين .

أيها الأحبة الأعزاء : ولدت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في مكة المكرمة في العام الخامس بعد البعثة النبوية الشريفة ، وعاشت في بيت النبوة والرسالة والعفة والطهارة في كنف والديها العظيمين : الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمرأة الرسالية الكاملة خديجة بنت خويلد ( عليها السلام ) وقد عاشت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تجربة الرسالة في مرحلة الاستضعاف والقهر في مكة المكرمة ، ورأت بأم عينيها ما عاناه أبوها وأصحابه على يد الأشرار من قريش وعتاتها ، وقد تحملت مسؤوليتها الإنسانية والدينية تجاه أبيها كأب ورسول بصورة متميزة وهي في مرحلة الطفولة ، مما يدل على تميزها النوعي في وعيها ورجاحة عقلها ، حتى وصفها أبوها لعظيم رعايتها له : بأم أبيها . وكان أبوها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتعهدها بالتعليم والتربية والتوجيه حتى عجنت ( كليا ) بماء العشق الإلهي ، ورأت أنوار عالم القدس والملكوت ، وعلمها ربهـا ( جل جلاله ) من لدنه علما .. وأصبحت بحق وحقيقة : سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء أهل الجنة . فقد جمعت ( عليها السلام ) صفات الكمال من كل الوجوه : العلم والمعرفة ، وصدق الإيمان والإخلاص في العبادة والطاعة لله ( جل جلاله ) والبساطة في الحياة ، والزهد فيها ، والقناعة بما يأتيها من رزق ربها ، والصبر والشجاعة والجهاد في سبيل الله ( عز وجل ) وخدمة المجتمع والإنسانية والاهتمام بالشأن العام ، وحسن التبعل والتواضع للزوج وحسن الرعاية للأولاد ، والقيام بشؤون الأسرة أحسن قيام . حيث كانت تتمتع بمستوى علمي لدني رفيع جدا ، وكانت الملائكة تحدثها ، وكان لها تعلق خاص بالقرآن الكريم : تلاوة وتفسيرا وتعليما . وكانت تقوم الليل وتعبد الله ( جل جلاله ) حتى تورمت قدماها وضعف جسمها . وكانت شديدة العناية بأولادها والرعاية لحق زوجها ، وقد وصف أمير المؤمنين حياتهما ( عليهما السلام ) بقوله : ” فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله ( عز وجل ) ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا .. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان ” وقد تعلق قلـب أبيها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بها تعلقا رساليا شديدا لما كان يراه فيها من الوعي والإيمان والإخلاص والكمال .. وقـد ذهب بعض العلماء الأجلاء إلى القول : بأنها بلغت من الكمال الإنساني والمعنوي بحيث أن لا أحد من الأنبياء ( عليهم السلام ) يتقدم عليها في الفضل والكمال ، سوى أبوها خاتم الأنبياء والرسل وسيدهم ( صلى الله وسلم عليه وآله وعليهم أجمعين ) فهي بحق وحقيقة : سيدة نساء العالمين ، والقدوة الحسنة لكل امرأة تبحث عن الكمال والسعادة الحقيقية ، وتريد أن تقوم بدورها في الحياة بصورة متوازنة وعلى أكمل وأحسن وجه وأحبه إلى الله ( جل جلاله ) وانفعه إلى الإنسان والمجتمع .

وفي ظل هذه المقدمة القصيرة عن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أسلط الضوء على بعض أوضاع المرأة المسلمة المعاصرة ، في سبيل المساهمة المتواضعة في ترشيد حركتها المباركة ( إن شاء الله تعالى ) في الحياة .

أيها الأحبة الأعزاء : لقد حققت المرأة المسلمة بعض التقدم في تحصيل العلم والحقوق والقيام بالواجبات العامة في الحياة ، إلا أنني أرى بأن المحور الذي تتحرك حوله المرأة المسلمة في ذلك ( غالبا ) هو إثبات الذات وليس العبودية لله ( ذي الجلال والإكرام ) ولهذا فقدت التوازن في القيام بدورها وواجباتها ومسؤوليتها العامة في الحياة ، فرجحت بعض الجوانب ( لاسيما المادية ) على حساب الجوانب الأخرى ( لاسيما المعنوية ) متأثرة في ذلك بالثقافة الغربية وليست بالثقافة الإسلامية ، مما فرض بعض جوانب الخلل وبعض السلبيات الخطيرة في حياتها وحركتها.

وللوقوف على ذلك أخذ مثلين فقط توخيا للاختصار .. وهما :

المثال ( 1 ) : إن المرأة المسلمة في الوقت الحاضر في سبيل تحقيق ذاتها وتحصيل حقوقها الإنسانية في المجتمع والدولة ، تسعى لتحصيل العلم والمعرفة ، ولأن تكون مستقلة عن الرجل ، وذات مال وثروة ، وأن تكون موظفة ومن كبار الموظفين في الدولة وذات شأن في المجتمع ، وترى بأن ذلـك حقـا ومكسبا كبيرا لها . وقـد حققت بفضل الله ( تبارك وتعالى ) الكثير من التقدم في هذا المجال ، وهذا حق من حقوقها الأساسية التي لا جدال فيها عندي .. ولكن السؤال : كم تحمل إلى جانب ذلك من الثقافة الإسلامية والهم الإسلامي والمسؤوليات الرسالية في الحياة ؟!
ربما لا شيء !!
لماذا ؟
لأنها تنطلق في مطالبتها بحقوقها وتعزيز مكانتها ودورها في المجتمع والدولة من ذاتها وليس من عبوديتها لله ( ذي الجلال والإكرام ) وعلى ضوء أحكامه وتعاليمه الإلهية المقدسة ، فحققت بعض المكاسب المادية في الحياة ، ولم تحصل على ما يناسبها من المكاسب الروحية والمعنوية . وقـد تعلمنا من السيدة الطاهرة الخالصة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) والقدوة الحسنة لكل النساء اللواتي يبحثن عن المكانة والسعادة الحقيقيتين في الحياة : أن قيمة الإنسان ( الرجل والمرأة ) تكمن في مقدار عبوديته لله ( جل جلاله ) وارتباط حياته كلها به وجهاد فيه ، وما يحققه في ظل ذلك من المكاسب المعنوية التي تمثل بناء حقيقيا لذاته وإنسانيته ، وليست في المكاسب المادية الزائلة الخارجة عن ذاته ، والتي ترتبط بتعلقه بالأرض والحياة الدنيا الفانية .. كما تريد له ذلك الثقافة والحضارة الغربية .

قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } ( الانشقاق : 6 ) .

المثال ( 2 ) : لقد حققت المرأة المسلمة ( ولله الحمد ) الكثير من التقدم في التحصيل العلمي والمعرفي والكسب المادي في الحياة . ومن المفترض أن ينعكس ذلك بالإيجاب على مستوى الاستقرار العائلي والرعاية لحقوق الزوج والعناية الفائقة بالأولاد والإدارة الحسنة للأسرة .. إلا أن النتيجة لم تكن كذلك في الواقع ( غالبا ) : فقد زادت نسبة الطلاق والخلافات بين الزوجين والإهمال للأولاد والاعتماد على الخدم الأجانب في رعايتهم .. وعلة ذلك : أن حركة المرأة المسلمة في المطالبة بحقوقها وتعزيز مكانتها ودورها في المجتمع والدولة ، تنطلق من إثبات ذاتها وليس من عبوديتها لله ( ذي الجلال والإكرام ) وعلى ضوء أحكامه الإلهية المقدسة ، متأثرة في ذلك بالثقافة الغربية بدلا من الثقافة الإسلامية العظيمة . لهذا كان تركيزها على الجوانب المادية مع إهمال كبير للجوانب المعنوية والمصالح الحيوية للأسرة والمجتمع . فهي ترى بأن من حقها كامرأة متعلمة وعصرية ، بأن يكون لها مهر كبير وحفلة زفاف كبيرة ومتميزة ، وبيت مستقل : فخم وكبير ، وسيارة كبيرة وفخمة ، وأن تلبس أفخر اللباس وتأكل وتشرب كذلك ، وأن تدخل البيت وتخرج منه بحرية مثل الرجل ، وأن تكون مستقلة ومنافسا قويا للرجل في كل شيء ، وأن لا يتزوج عليها زوجها بزوجة ثانية .. الخ !! وتنطلق في كل ذلك بهدف تحقيق وإثبات ذاتها ، وتديره على هذا الأساس غير ملتفة إلى الاستقرار العائلي والرعاية الصحيحة والكاملة للزوج والأولاد .. والنتيجة : زيادة نسبة العنوسة والعزوبة والانحرافات الأخلاقية والخيانات الزوجية في المجتمع ، وزيادة نسبة الخلافات بين الزوجين وضعف الرابطة المعنوية بينهما وضعف التماسك في الأسرة وزيادة نسبة الطلاق ، والإهمال لحقوق الأزواج والرعاية للأولاد ، مما زاد من فرص الجريمة والانحراف لديهم .. الخ !!

لقد وقفت على تجـارب عديدة للطلاق تقف وراءها الطموحات المادية للمرأة الشابة المثقفة ، كان زوجها الشاب يعجز عن تحقيقها .

أيها الأحبة الأعزاء : إن حياة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) وهي القدوة الحسنة لكل امرأة تبحث عن الكمال والسعادة الحقيقية والدور المناسب والمتوازن في الحياة .. كانت في غاية التواضع من الناحية المادية : فكان مهرها لا يتجاوز خمسمائة درهم ، وقد باع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) درعه لتأمين ذلك المهر المبارك وتأثيث البيت ، فبسط أرض الحجرة بالرمل ، ونصب عودا لتعلق عليه القربة ، واشترى جرة وكوزا ( إناء بعروة يشرب به الماء ) وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدة من ليف . وكان يتقاسم مع الزهراء ( عليهما السلام ) العمل : فكان لها ما هو داخل عتبة البيت ، وله ما هو خارجها ، وقد وصف أمير المؤمنين حياتهما المباركة السعيدة ( عليهما السلام ) بقوله : ” فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله ( عز وجل ) ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا .. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان ” وكانت من كثرة عبادتها ورعايتها لحقوق زوجها وعنايتها بأولادها وقيامها بأعمال المنزل واهتمامها بالتعليم وبالشأن العام للأمة .. أن نحل جسمها وضعفت قواها الجسدية ، فذهبت إلى أبيها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطلبت منه أن يهبها جارية تخدمها .. فقال لها ولعلي ( عليهما السلام ) : ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني ؟
إذا أخذتما مضجعكما تكبرا أربعا وثلاثين ، وتسبحا ثلاثا وثلاثين ، وتحمدا ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم ( رواه البخاري ومسلم وغيرهما ) .
وقد عرف هذا بعد ذلك لدى المسلمين بتسبيحة الزهراء ( عليها السلام ) وهو لديهم من أفضل الأذكار بعد كل صلاة .. هكذا : لتبقى تلك الحالة الجهادية حية خالدة في الذاكرة الإسلامية والإنسانية ما بقيت الحياة الدنيا . كما خلد الموقف الإنساني العظيم لإطعام المسكين واليتيم والأسير على ثلاث ليالي متتالية في سورة الإنسان .. قول الله تعالى : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّـهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } ليقدم الدرس الخالد البليغ لكل امرأة مؤمنة : بأن لا تجعل الحياة الدنيا والأمور المادية محور اهتمامها وحركتها في الحياة ، وإنما عليها أن تجعل محور اهتمامها وتحركها في الحياة هو تعلقها بالله ( ذي الجلال والإكرام ) واليوم الآخر والأمور المعنوية .

أيها الأحبة الأعزاء : لقد عاش الزوجان ( أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام ) في ظل ذلك البيت المتواضع ماديا ، الغني معنويا بالعلم والدين والأخلاق ، حياة زوجية سعيدة ، تقوم على أساس الدين ورعاية الحقوق ، والألفة والمحبة والتعاون والاحترام المتبادل بين الزوجين .. كما قال الله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ( الروم : 21 ) وقد أثمر ذلك الزواج العظيم المبارك الثمار الطيبة : الحسن والحسين وزينب ( عليهم السلام ) وأنتم تعرفون جيدا هذه الأسماء الثلاثة ، فقد اهتزت لعظمتهم ومواقفهم القلوب والدنيا كلها ، ولازالت تهتز إلى يومنا هذا ، وسـوف تبقى تهتز إلى أن يرث الله ( جل جلاله ) الأرض ومن عليها .

إني أنصح إخواني المؤمنين وأخواتي المؤمنات : بأن يجعلوا من الاستقرار العائلي ، ورعاية حقوق الأزواج والأولاد ، والاهتمام بالأمور المعنوية في الحياة ، معيارا للوعي وصدق الإيمان ، فينظر كل واحد منهما للآخر وللأولاد على أنهم بشر ومؤمنين لهم حقوق مفروضة عليه ، قبل أن ينظر إليهم كزوج أو زوجة وأولاد تذهب الألفة برعاية حقوقهم عليه .

أيها الأحبة الأعزاء : إن رعاية الحقوق الزوجية والمعاملة الحسنة مع الزوج أو الزوجة والأولاد .. هي بحق وحقيقة : معيار للوعي وصدق الإيمان ورسوخه ، ومن غير المستساغ ( دينيا وإنسانيا ) ما نجده لدى بعض المؤمنين الأعزاء من قيام الليل ، وحفظ حقوق إخوانه المؤمنين وحسن معاملتهم ، ثم يظلم أهله وأولاده ويضيع حقوقهم ويغلظ عليهم في المعاملة .. إنني أأكد لكم : بأن رعاية الحقوق الزوجية والمعاملة الحسنة مع الزوج أو الزوجة والأولاد .. هي بحق وحقيقة : معيار للوعي وصدق الإيمان ورسوخه .

أيها الأحبة الأعزاء : بعـد الوقفة مع السيدة الطاهرة الخالصة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وتسليط الأضواء من خلال سيرتها كقدوة حسنة على جوانب من أوضاع المرأة المسلمة في الوقت الحاضر .. أنتقل إلى الحديث عن المناسبة الثانية : ( تخريج دفعة من دورة التكليف لبنات القرية ) مركزا في الحديث على بناتي العزيزات المتخرجات في هذه الدورة المباركة ومن يماثلهن من الشباب والشابات .. وذلك في النقاط الأربع التالية :

النقطة الأولى : إن التكليف شرف حقيقي للإنسان ، وهو السبيل لصيانة كرامته وتحصيل سعادته في الدنيا والآخرة . وبدونه تنقطع صلة الإنسان بربه الذي تغذي الصلة به إنسانية الإنسان وتنميها وتصل بالإنسان إلى كماله المعنوي وسعادته الحقيقية ، فينسلخ الإنسان بدون التكليف من إنسانيته ، ويكون في حقيقة نفسه وسلوكه ومواقفه كالحيوان في ماديته ومواقفه التي تنطلق من نفسه الشهوية والغضبية ، فيكون أسير الشهوة كالخنزير أو الغضب كالكلب .

النقطة الثانية : ينبغي عليكم أيتها العزيزات وأيها الأعزاء : أن تتحرروا من عبودية العادات والتقاليد الجاهلية البالية ومن الثقافة الغربية البائسة على السواء ، وأن تنطلقوا في جميع مجالات الحياة وعلى كافة الأصعدة من محور العبودية الخالصة لله ( ذي الجلال والإكرام ) فقط ، وأن ترتبوا كافة أوضاعكم وتحملوا كافة مسؤولياتكم العامة والخاصة على أساسه وعلى ضوء الأحكام الشرعية المقدسة .. وأعلموا : أن البؤس والخلل في أوضاع المجتمع والمرأة المسلمة بصورة خاصة ، هو بسبب الوقوع في قيود العادات والتقاليد الجاهلية البالية أو الوقوع في حبائل الحضارة الغربية وثقافتها بعيدا عن الثقافة الإسلامية النورانية العظيمة .. وأعلموا : أن كمال الإنسان وسعادته الحقيقة في الدنيا والآخرة ، لا تتحصلا إلا من خلال الطاعة المطلقة لله ( عز وجل ) فانطلقوا في الحياة على هذا الأساس وحده لا غيره .

النقطة الثالثة : ينبغي عليكم أيتها العزيزات وأيها الأعزاء : أن تعلموا بأنكم في هذه المرحلة المبكرة ، لا تزالون في حالة الطهارة والنقاء ، وأنكم من خلال المحافظة عليها وزيادتها ، تستطيعون أن تبلغوا أعلى درجات القرب والمنزلة الرفيعة عند الله ( ذي الجلال والإكرام ) والزلفى لديه ، وأنكم أقدر في هذه المرحلة على تربية أنفسكم وتهذيبها وتسييرها على النهج القويم والصراط المستقيم وتعويدها على الأعمال الصالحة والنافعة لكم وللإنسانية والمجتمع والزيادة في النوافل والمستحبات الشرعية الأخرى .. فاغتنموا هذه الفرصة ولا تضيعوها !! وأعلموا بأنكم كلما تقدم بكم العمر وتورطتم في الجرائم والذنوب ، كلما صعب عليكم إصلاح النفس وتهذيبها وتقويمها ، وقلت فرصتكم في الوصول إلى الدرجات العالية في المسير إلى الله ( ذي الجلال والإكرام ) والقرب منه الزلفى لديه .. ولو حرصتم .

النقطة الرابعة : ينبغي عليكم أيتها العزيزات وأيها الأعزاء : أن تدركوا قيمة أيام حياتكم وساعاتها فلا تضيعوها في اللعب واللهو . لا تضيعوا أيام حياتكم وساعاتها فيما لا فائدة منه ولا يعود عليكم بالمنفعة في الدنيا والآخرة . لا تقضوا أيام حياتكم في مشاهدة الأفلام والمسلسلات والمباريات وغيرها من الأمور التي لا فائدة منها . أنا لا أنهاكم عن شيء هو غير محرم عليكم ، ولا أنهاكم عن الترفيه عن النفس فيما هو حلال ومباح .. فهذا حق من حقوقكم ، وهو مطلوب منكم من أجل مواصلة الدرب بقوة ونشاط ، فإن القلوب ( بحسب الحديث الشريف والتجربة ) تكل وتتعب كما تكل الأبدان وتتعب ، وهي في حاجة إلى الراحة والترفيه باستمرار .. ولكن : أنصحكم بعدم الإدمان أو الإكثار منها على حساب مسؤولياتكم العامة ووجباتكم الخاصة في الحياة ، فتتحول الوسيلة إلى غاية ، وتنقلب عليكم بالضرر والخسارة .

أيها الأحبة الأعزاء : ماذا تقولوا لو رأيتم شخصا في يده حزمة من الدنانير ، وهو يحرقها في النار واحدا بعد الآخر ؟!
سوف تستنكرون ذلك بالتأكيد !!
وسوف تقولون عنه بأنه مجنون !!
فأعلموا أيها الأحبة الأعزاء : بأن أيام حياتكم وساعاتها هي أعز وأثمن بما لا يقاس من تلك الدنانير !!
إن أيام حياتكم وساعاتها : أعز وأثمن ما تملكون في حياتكم على الإطلاق !! فلا تحرقوها بتضييعها فيما لا يعود عليكم بالفائدة في الدين والدنيا والآخرة . وأعلموا بأن الآخرة أولى من الدنيا ، وأن المكاسب المعنوية التي تفيد الإنسان في الآخرة ، هي أهم بما لا يقاس من المكاسب المادية الزائلة التي تعود بالفائدة على الإنسان في الحياة الدنيا فحسب ، ولا تعود عليه بأية فائدة في الآخرة ، فضلا عن أن يحاسب عليها حسابا عسيرا ويعذب عليها في النار في الآخرة .

أيها الأحبة الأعزاء : أعلموا أن بوسعكم أن تصلوا من خلال حسن التدبير لأيام حياتكم وساعاتها إلى أعلى الدرجات في الجنة { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } وأن تصلوا من خلال التفريط فيها وتضييعها وحرقها إلى سجين في الدرك الأسفل في جهنم . فاختاروا لأنفسكم وقرروا لها قبل فوات الأوان ، فلن يستطيع غيركم مهما كانت قرابته : الأب أو الأم أو غيرهما أن يختار لـكم أو يقرر بدلا عنكم .. فلا تجعلوا أيام حياتكم وساعاتها حسرة عليكم يوم القيامة !!

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى