نظرية الإمامة في القرآن الكريم

المكان ( 1 ) : قرية عالي ـ المأتم الشمالي .
اليوم : مساء الثلاثاء ـ ليلة الأربعاء .
التاريخ : 19 / ذو الحجة / 1427هـ .
الموافق : 9 / يناير ـ كانون الثاني / 2007م .
المكان ( 2 ) : قرية جرداب ـ مأتم جرداب .
اليوم : مساء الخميس ـ ليلة الجمعة .
التاريخ : 21 / ذو الحجة / 1427هـ .
الموافق : 11 / يناير ـ كانون الثاني / 2007م .
المناسبة : عيد الغدير الأغر .

ملاحظة : ألقي من فوق المنصة في كل واحد من المكانين المذكورين خلاصة بعض الجوانب وليس كل الجوانب في الكلمة ، وبعض الجوانب لم تطرح أصلا ، وحصل تنبيه المستمعين في المكانين إلى إمكانية الرجوع إلى الكلمة المكتوبة في المواقع الالكترونية .

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفع أسمى التهاني وأطيبها إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة ابن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها لاسيما ولي أمر المسلمين الإمام السيد الخامنئي ( حفظه الله تعالى ) وإلى جميع المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وإليكم أيها الأحبة الأعزاء بمناسبة عيد الغدير الأغر جعله الله على جميع المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عيد يمن وبركة وأمن وسلام .

موضوع الكلمة في هذه الليلة الغراء ” الإمامة ” وعنوانها : ” نظرية الإمامة في القرآن الكريم ” سوف أحـاول فيها بأسلوب سهل وواضح إجلاء بعض جوانب نظرية الإمامة في القرآن الكريم كما هي ( أي على نحو الحقيقة ) من خلال النصوص وليس من خلال التطبيقات . ومن خلال النظرية نستطيع أن نحكم على التطبيقات بالمطابقة أو المخالفة ونحدد موقفنا الإسلامي منها بالقبول أو الرفض . وبالطبع الكلمة تتناول بعض جوانب النظرية ـ بحسب ما هـو متاح من الوقت ـ وليس كل جوانبها . وقيمة الكلمة تكمن أكثر في منهجها الذي يمكن اعتماده في دراسة موسعة تشمل كافة جوانب النظرية ـ وربما بتبويب آخر أكثر دقة ـ بحيث تتبلور النظرية بشكل كامل وواضح .

أيها الأحبة الأعزاء : تتضمن الكلمة عدة بحوث في آيات من القرآن الكريم تتناول جوانب تتعلق بالإمامة ، يرتبط بعضها ببعض ، ويؤدي بعضها إلى البعض الآخر ، بشكل منطقي متسلسل ، يخدم تكوين نظرية واضحة في الإمامة من خلال النصوص القرآنية . والأسلوب الذي سوف اعتمده : أني في كل بحث سوف أقرأ آية أو آيتين واستخرج منها النقاط التي تتعلق بالإمامة وأدعمها بما يناسبها من آيات قرآنية وأحاديث شريفة ، ثم أنتقل إلى بحث آخر بنفس الطريقة ، وهكذا حتى نهاية الحديث .

وسوف أبدأ الحديث بمدخل عام ..

المدخل : تعتبر الحكومة ( الإمامة ) حاجة ضرورية لا مناص منها للمجتمع الإنساني تقتضيها الفطرة ويحكم بها العقل السليم ، وذلك على أساس تعارض المصالح بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع ، مما يتطلب وجود الحكومة ( الإمام ) لتنظيم العلاقات وتنمية المواهب وحفظ الحقوق وصيانة الحريات الفردية والجماعية والحفاظ على المصالح العامة لأبناء المجتمع وتعريفهم بواجباتهم فيه . وبدون الحكومة تحصل الفوضى والاقتتال والفساد والخراب الشامل وتمزق أواصر المجتمع . وقد عبـر أميـر المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن حاجة المجتمع الضرورية إلى الحكومة أو الإمام بقولـه : ” وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر ” ( نهج البلاغة . الخطبة 40 ) فـلا يصح أن يبقى المجتمع بدون حكومة ( أي بدون إمام ) في أي وقت من الأوقات . وعلى هذا الأساس فوجود الحكومة أو الإمام يمثل حالة اجتماعيـة ضرورية لا غنى عنها تفرضها الحياة الاجتماعية للإنسان . وقد تنوعت الأنظمة وتعددت النظريات حول الحكومة ، وليس مبتغاي في هذه الليلة تناول النظريات بالبحث والمناقشة ، وإنما تناول جوانب من نظرية الإمامة في القرآن الكريم فحسب ، وقد كتبت بحثا مفصلا عن الدولة والحكومة ربما يرى النور قريبا .

وبما أن الحكومة حاجة ضرورية للمجتمع الإنساني : فقد فرض الله ( جل جلاله ) على المؤمنين الوقوف إلى صف القيادات الإسلامية الربانية وتمكينهـا من إقامة الدولة الإسلامية في حال عدم وجودها ، وتأييدها ومناصرتها والحذر من خيانتها في حال وجودها .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” لا يستغني أهل كل بلد من ثلاثة يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم ، فإن عدموا ذلك كانوا همجا : فقيه عالم ورع ، وأمير خير مطاع ، وطبيب بصير ثقة ” ( تحف العقول . ص 238 ) .
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” والواجب في حكم الله والإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل ، ضالا كان أو مهتديا ، مظلوما كان أو ظالما ، حلال الدم أو حرام الدم ، أن لا يعملوا عملا ، ولا يحدثوا حدثا ، ولا يقدموا يدا ولا رجلا ، ولا يبدأوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما يجمع أمرهم : عفيفا ، عالما ، عارفا بالقضاء والسنة ، يجمع أمرهم ، ويحكم بينهم ، ويأخذ للمظلوم من الظالم ، ويحفظ أطرافهم ، ويجبي فيئهم ، ويقيم حجتهم ، ويجبي صدقاتهم ” ( معالم التوحيد في القرآن الكريم . السبحاني . ص 577 ) .

والآن لنبدأ بالدخول في البحوث ..

البحث الأول ـ قول الله تعالى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ( يوسف : 40 ) .
وقول الله تعالى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } ( الأنعام : 57 ) .

هاتان الآيتان الشريفتان المباركتان تتضمنان نقاطا عديدة تتعلق بالإمامة ..

النقطة الأولى : أن الحاكمية القانونية في الدولة بسلطاتها الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية حق مختص بالله سبحانه وتعالى { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه } فلا أمر إلا أمره ، ولا نهي إلا نهيه ، ولا حكم إلا حكمه ، فله يجب أن يخضع الإنسان في جميع شؤون حياته ، وله يجب أن تخضع جميع السلطات في الدولة . إذ لا حاكمية صحيحة يقبلها العقلاء ـ بإجماع العقلاء ـ إلا لمن يملك حق التصرف في الخلق بالأمر والنهي والإطلاق والتقييد للسلوك والحريات ، وليس هو ـ بحسب النظرية القرآنية ـ سوى الله وحده لا شريك له ، الذي له الخلق والملك ، ومنه المبدأ وإليه المعاد ، وهو العليم بخلقه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الرحيم الرؤوف بهم وهم جميعا في قبضة يمينه . فـلا حاكمية في الحقيقة إلا لـه ، ولا حاكمية لسواه إلا بإذنه { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } وأن كل حكومة لا يرضاها فهي حكومة لا تقوم على أساس صحيح ، وهي حكومة باطلـة وغير شرعية ، جمهورية كانت أو ملكية . فعلينا أن نعلم برضا الله ( سبحانه وتعالى ) عن أية حكومة لكي نقبل حاكميتها في حياتنا طائعين . وهذا يعتبر أساسا مهما جدا في فهم نظرية الإمامة في القرآن الكريم ، إذ على هذا الأساس يتحدد نوع الحكومة الإسلامية وشروطها والطريق إليها : التعيين أو الاختيار .

النقطة الثانية : أن الحكومة الإسلامية المستمدة من حاكميـة الله ( جل جلالـه ) والعاملة بدينه ، هي وحدها القادرة على إقامة العدل بين الناس ، وتحقيق الأمن والاستقرار والسعادة والحياة الطيبة للإنسان { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } لأنها مبنية على أحكام حقيقية واقعية وأصول ثابتة بحكم العقل والضرورة { يَقُصُّ الْحَقَّ } . وأن قبـول الناس بغير الحكومة الإسلامية ناتج عن الجهـل وأتباع الهوى والوقوع في شرك الشيطان الرجيم والغفلة عن جناب الربوبية لله ( مالك الملك ) وعن الآخرة والاغترار بالحيـاة الدنيـا { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } ( الروم : 7 ) وفيه مخالفـة صريحة للحق والعدل ولطريق والسعادة والخير والتوازن في حيـاة الإنسان { وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ( الآية ) .

البحث الثاني ـ قال الله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ( البقرة : 124 ) .

هذه الآية الشريفة المباركة تتضمن نقاطا عديدة تتعلق بالإمامة ..

النقطة الأولى : أن الإمامة هي جعل رباني وليست اختيارا من الناس { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } وهذا ينسجم تماما مع اختصاص الله سبحانه وتعالى بالحاكمية .
ويؤيده من القرآن الكريم قول الله تعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } ( ص : 26 ) .

هذه هي النظرية القرآنية في تأسيسها للإمامة ، لا فرق فيها بين عهد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو بعده ، والقول بغير هذا يحتاج إلى إثبات . وقد جاء في أحاديث الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يؤكد صراحة هذه الحقيقة القرآنية .

دعا الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بني عامر إلى الإسلام ، وقد جاؤوا في موسم الحج إلى مكة .. فقـال رئيسهم : ” أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعـدك ؟ ” فأجابـه الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : ” الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ” .
( السيرة النبوية . ابن هشام . ج2 . ص 424 ) .

فلو كان الأمر بيد الأمة لقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الأمر إلى الأمة أو إلى أهل الحل والعقد أو غير ذلك مما يدل عليه .

أما الشورى : فهي في إدارة الحكم وليس لاختيار الإمام أو الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية ، بدليل خطاب الله تعالى للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو معين من قبله ( جل جلاله ) كحاكم أعلى للدولة الإسلامية وأمره له بمشاورة المسلمين .. مما يثبت بوضوح لا لبس فيه : بأن الشورى هي في إدارة الحكم وليس لاختيار الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية ، فالرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معين من قبل الله ( جل جلاله ) ومأمور بالشورى مع المسلمين .
قال الله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ( آل عمران : 159 ) .
ولا يوجد في القرآن الكريم ما يثبت تعطيل هذه النظرية بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطرح أسلوبا جديدا للحكم .
وإذا لـم تثبت الشورى كمصدر لشرعيـة السلطـة في الدولـة الإسلاميـة ، فمن الأولى أن لا تثبت الوراثـة والاستيلاء بالقوة كمصدر لشرعيتها في الدولة الإسلامية ولا في غيرها .

قد يقال : أن مصدر السلطة هو الله ( جل جلاله ) ولكن الله ( جل جلاله ) أعطى الناس حق اختيار الحاكم ليحكم بما أنزل الله ( سبحانه وتعالى ) وهذا ما يقول به الشيعة أيضا في عصر الغيبة . فمدرسة أهل البيت عليهم السلام ـ بحسب قول الشيعة ـ تقول بولاية الفقيه في عصر الغيبة وهو ليس معين باسمه وشخصه من قبل الله ( سبحانه وتعالى ) وإنما بصفاته ليحكم بما أنزل الله ( سبحانه وتعالى ) مما يدل على أن التعيين للإمام أو الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية ليس ثابتا في جميع الأحوال حتى في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ولا فرق بأن يكون الرجوع للفقيه بعد وفـاة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما تقول مدرسة الخلفاء ، أو يكون الرجوع إليه بعد غيبـة الإمام ( عليه السلام ) كما تقـول مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) فالملاك واحد : وهو العودة للفقيه بعد عصر المعصوم ( عليه السلام ) .

الجواب : من الحق التمييز بين مصدر الشرعية ومزاولة السلطة ، لأن اختصاص حق الحاكمية بالله ( سبحانه وتعالى ) لا يعني أن يقوم هو ( جل جلاله ) بممارسة مهام الحكم بصورة مباشرة .. فهذا محال ، وإنما المراد به : أن يكون الحاكم مأذونا له من قبله ( جل جلاله ) بمزاولة السلطة ، وأن يمارس مهام الحكم طبقا لشريعته الغراء ، لتكون ولايته مستمدة من ولاية الله ( سبحانه وتعالى ) ومنبثقة منها . وهذا ما أكـده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم نادى الخوارج : ” لا حكـم إلا لله ” فرد عليهم بقولـه : ” كلمة حق يراد بها باطل : نعم لا حكم إلا لله ، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله ، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر ” ( نهج البلاغة . الخطبة : 40 ) .

وهذا ينطبق ـ من الناحية الظاهرية ـ على الحالتين : تعيين الإمام بصورة مباشرة من قبل الله ( جل جلاله ) وترك حق اختياره للأمة الإسلامية ، على أن يكون اختيارها له وفق شروط ومواصفات منصوص عليها منـه ( جل جلالـه ) ومنهـا أن يعمل الحاكم بدين الله ( سبحانه وتعالى ) ويطبق شريعته على الناس وأن لا يحكم بهواه . وهذا ما تقول به مدرسة أهل البيت ( عليه السلام ) في تحديد شكل الحكم في عصر الغيبة ظاهرا وليس حقيقة ـ كما سيتضح بعد قليل ـ وينطبق ـ من الناحية النظرية ظاهرا أيضا ـ مع مدرسة الخلفاء . إلا أنه لم يثبت في القرآن الكريم بأن الله ( جل جلاله ) قد ترك للناس حق اختيار الحاكم الأعلى ( الإمام ) وإنما الثابت هو تعيين الإمام من قبـل الله ( جل جلاله ) وبدون هذا التعيين لا يمكن أن تتحقـق حاكمية الله ( جل جلاله ) في الحقيقة والواقع ، وذلك لأن الطريق إلى تحقيق حاكمية الله ( جل جلاله ) منحصر في تعيين الإمام الذي تتوفر فيه كافة الشروط والصفات اللازمة لتأدية مهام الإمامة بشكلها الصحيح والدقيق وتحقيق غاياتها الربانية العظيمة ، ولا يعلم بتوفر الصفات في الإمام بصورة حقيقية والتزامه بالشروط في تأدية المهام إلا الله وحده لا شريك له ، ولهذا فهو الذي يقوم باختيار الإمام وتعيينه ولا يترك ذلك إلى الناس { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ويؤيده قول الله تعالى : { وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } ( الأنعام : 126 ) وأن مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) التي تذهب إلى القول بولايـة الفقيه الذي يحق للناس اختياره وفق الشروط والصفات المنصوص عليها ، إنما تأتي ولايتـه في ظل ولاية الإمام صاحب العصر والزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ونيابة عنه . فصاحب الولاية أصالة هو الإمام الحجة ( عليه السلام ) وهـو معين باسمه وشخصه مـن الله ( جل جلاله ) بصورة مباشرة ، وهو يمارس مهام الإمامة من وراء الستار ولم يتوقف عنها . أما الفقيه الجامع للشروط فهو يمارس بعض مهام الإمامة نيابة عـنه ( عليه السلام ) في عصر الغيبة . لأن الغيبة لا تعني تعطيل مهام الإمامة أو توقف الإمام عن ممارسة مهامه ، فمهامها باقية وقائمة ويمارس الفقيه الجامع للشروط بعضها نيابة عن الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) مثل القضاء وشؤون الحسبة وسلطة الحكم في الدولة ، بينما يمارس الإمام ( عليه السلام ) المهام الأخرى التي لا يستطيع الفقيه القيام بها ولكن من وراء الستار ، فيكون دوره كالشمس يحجبها السحاب ـ بحسب تعبير الروايات ـ ولا يجوز عقلا أو شرعا أن يتوقف الإمام عن ممارسة كافة مهام الإمامة بأي حال من الأحوال ، وليس في وسع الظالمين تعطيل كافة مهام الإمامة ، لأن ذلك ليس بيدهم ولا يملكون القدرة عليه . فليس في وسع الظالمين أن يمنعوا الناس من أخذ دينهم من الإمام المعين ، وليس في وسعهم أن يمنعوا الناس من إتباعه والاقتداء به والاستفادة من فيوضاته المقدسة . نعم بوسعهم تعطيل سلطته في حكم الدولة ، إلا أن مهام الإمامة أوسع من ذلك بكثير .. كما سيتضح بعد قليل . وبحسب مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) لا يوجد زمان تخلو فيه الأرض من حجة معين باسمه وشخصه من قبل الله ( جل جلالـه ) . مع التأكيد على أن ممارسة الإمام لمهام الإمامة لا تتطلب أن يكون ظاهرا أو أن يكون مبسوط اليد . فقد يمارسها من وراء الستار ، وقد يمارسها وهو معزول عن السلطة ظلما وعدوانا ـ كما هـو حال الـرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مكة المكرمة ـ فالرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إماما في جميع فترة نبوته ، ولكنـه لم يكن مبسوط اليد في أول الدعوة في مكة المكرمة ، ولم يلغي ذلك إمامته قطعا ولم ينقص منها ، لأن مهام الإمامة أوسع من سلطة الحكم في الدولة . وإذا فهمنا إمكان ممارسة الإمام لمهام الإمامة وهو غير مبسوط اليد ، يمكننا ببساطة أن نفهم إمكان ممارسة الإمام لمهام الإمامة من وراء الستار ـ كما هو الحال في عصر الغيبة ـ لأن الملاك في الحلتين واحد .. وجوهره : أن مهام الإمامة أوسع من سلطة الحكم في الدولة ولا تتوقف عليها .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” اللهم بلى لا تخلوا الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهور أو خائفا مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته ” .
( حلية الأولياء . ج1 . ص80 . نهج البلاغة . الكلمات القصار ) .

وقد جاء في القرآن الكريـم وفي أحاديث الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يثبت تعيين الإمام علي بن أبي طالـب وأولاده الأحد عشر ( عليهم السلام ) للإمامة بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثـل حديث الدار في بـدء الدعوة ” إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ” وذلك لما نزل قول الله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ( الشعراء : 214 ) وحديث المنزلة ” أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ” وحديث الغدير الذي نحتفل هذا اليوم بمناسبته ” إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وأبغض من ابغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار . ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب ” وذلك لما أنزل الله قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } ( المائدة : 67 ) ثم أنزل الله بعد حديث الغدير قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ( المائدة : 3 ) وحديث الثقلين ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفتقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ” وحديث الإثنا عشر خليفة ” لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ” وآية التطهير : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ( الأحزاب : 33 ) وكلها تنسجم مع ما تم استنتاجه من الآية الشريفة المباركة بأن الإمامة جعل من الله ( جل جلاله ) .

النقطة الثانية : أن الإمام أو الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية ليس وظيفته الحكم فقط أو الحكم والتبليغ فقط ، وإنما الحكم والتبليغ والسعي لفرض إرادة الله ( جل جلاله ) وتحكيم دينه وشريعته وتحقيق الازدهار للإنسانية وتحقيق أهداف الرسالة الإلهية في الأرض . وأن يكون قدوة حسنة للناس في حياتهم من جميع الوجوه الشرعية والتربوية التي يريدها الإسلام العظيم منهم ، فيأخذ بأيديهم إلى مراتب الكمال المعنوي العالية جدا والتي لا يمكن الوصول إليها بدون الإتباع لمرشد قـد حصل بالفعل على مرتبة الوصول التام في الكمال المعنوي وليس هو غير الإمام ( عليه السلام ) وهذا مما تمتاز به الدولة الإسلامية عن الدول العلمانية حيث لا يتحمل الحاكم في الدولة العلمانية أية مسؤولية تربوية أو معنوية أو روحية تجاه أبناء الشعب . فالإمام ـ بحسب المفهوم القرآني ـ هو الشخص الذي بلغ آخر مراحل سير الإنسان التكاملي ، وأسندت إليه القيادة العامة الشاملة لجميع جوانب الحياة : المادية والمعنوية ، الجسمية والروحية ، الظاهرية والباطنية ، وكلف الله ( جل جلاله ) الناس بأن يأتموا به ويتبعوه ويقتدوا بـه في جميع أقوالـه و أفعالـه ، فهو بحق وحقيقة السبيل المتصل بين الأرض والسماء .
ويؤيده من القرآن الكريم قول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } ( الأحزاب : 21 ) .

النقطة الثالثة : أن الإمام يتم تأهيله وإعداده من قبل الله تعالى لكي يتولى مهام الإمامة { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } .
ويؤيده من القرآن الكريـم قول الله تعالى لنبيه موسى ( عليه السلام ) : { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } ( طه : 41 ) وقول الله تعالى له ( عليه السلام ) : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ( طه : 39 ) .

وهذا يرشدنا إسلاميا : بأن لا يتولى أحد من المهام في الدولة الإسلامية أو الحركة الإسلامية والدعوة إلى الله ( سبحانه وتعالى ) إلا بعد الاختبار ( التجربة ) وبمقدار ما لديه من التأهيل : الفكري والنفسي والمهني . لأنه ما لم يكن مؤهلا ، فإنه سوف يعمل بحسب هوى نفسه وليس بحسب أحكام ومبادئ وقيم الرسالة الإسلامية المقدسة .
والنتيجة : أنـه مع عدم التأهيل لـن يخدم الرسالة بمقدار ما يضرها ويسيء إليها !!

النقطة الرابعة : أن الإمام يتصف بالعصمة { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } حيث المقصود بالظلم هنا المعصية . فكل من يعصي الله في شيء فقد ظلم نفسه ، لأنه يوردها موارد المهالك ، فيكون عند الله ( جل جلاله ) يوم القيامة أهون هالك .

ويؤيد صفة العصمة من القرآن الكريم ما جاء في وصف أهل البيت ( عليهم السلام ) بطهارتهم من الرجس .
قول الله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } .
( الأحزاب : 33 ) .
وهذا يدل على حصر الإمامة فيهم ( عليهم السلام ) بعد الرسول الأعظم الكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنه لا يمتلك العصمة ولا يدعيها غيرهم .

البحث الثالث ـ قول الله تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } ( الأنبياء : 73 ) .
وقول الله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } .
( السجدة : 24 ) .

هاتان الآيتان الشريفتان المباركتان تتضمنان نقاطا عديدة تتعلق بالإمامة ..

النقطة الأولى : أن الأئمة المعينون من قبل الله ( جل جلاله ) لشغل منصب الإمامة يمارسون مهامهم بأمر الله تعالى { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } ولفظ { بِأَمْرِنَا } له ثلاث معاني أساسية ..
المعنى الأول : أنهم منصبون من قبله ( جل جلاله ) لهداية الناس ، فهم يمارسون مهام الإمامة بتكليف منه ( جل جلاله ) .
المعنى الثاني : أنهم يلتزمون في عملهم وفي علاقاتهم مع الناس بأمر الله ( جل جلاله ) ونهيه .. أي : بأحكام الشريعة المقدسة ونظامها ألقيمي الخالص ، فلا يظلمون ولا يستبدون في الحكم ولا يستأثرون بالثروة ولا يتصرفون في مقدرات الدولة كإرث خاص بهم .. الخ .
قـال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” إن الأئمة في كتـاب الله عز وجل إمامان : قـال الله تبارك وتعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } لا بأمر الناس ، يقدمون أمر الله قبل أمرهم ، وحكـم الله قبل حكمهم .. وقال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } يقدمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عز وجل ” ( الكافي . ج1 . ص 168 ) .
المعنى الثالث : أنهم مزودون بقدرات خارقة من الله ( جل جلاله ) لتسهل عليهم تأدية مهام الإمامة في الحكم والقيادة وإيصال المؤمنين إلى المقامات العالية عند ربهم . فهم معينون من قبل الله ( جل جلاله ) لحمل رسالته إلى الناس ، وبالتالي يستمدون قيمتهـم ووزنهـم وثقلهـم في الحياة من الله ( جل جلاله ) الذي عينهم ، ومن الدور الذي يقومون به وهو حمل رسالته إلى الناس وتحقيق الغاية الربانية في الخلق : فيا لها من مهمة عظيمة الشأن وخطيرة الجانب . فلا بد أن يكون تأهيلهم بالحجم وبالمستوى اللائق الذي يتناسب مع ذلك كله . ولهـذا تم تزويدهم بقدرات خارقة تتناسب مع الجهة التي عينتهم وخطورة الدور الذي يقومون به في الحياة ، وهذا ما يدل عليه لفظ { أَمْرُنَا } في الآيات الشريفة المباركة .
قول الله تعالى : { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } ( القمر : 50 ) .
وقول الله تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ( يس : 82 ) .

وتشير الآيات الشريفة المباركة في القرآن الكريم بخصوص القدرات الخارقة التي يمنحها الله ( جل جلاله ) للأئمة ( عليهم السلام ) لتأدية مهامهم إلى مسألتين ..

المسألة الأولى ـ الولاية التكوينية : وهي على قسمين ..

القسم الأول : التصرف في الشؤون الكونية والإخبار عن الغيب ..
قال الله تعالى بشأن عيسى بن مريم : { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( آل عمران : 49 ) .
وقال الله تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } ( النمل : 16 ) .
وقول الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } .
( سبأ : 10 ) .

القسم الثاني : النفوذ الروحي بقدرة الله تبارك وتعالى إلى أعماق القلوب التي لها الاستعداد والأهلية والتأثير فيها بهدف إيصالها إلى الغايات التربوية والمقامات الروحية والمعنوية الإنسانية العالية جدا ، وعدم الوقوف عند حدود التبليغ بالأحكام الشرعية وإراءة الطريق ، تصديقا لقـول الله تعالى : { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } .
( المائدة : 15 ـ 16 ) فهو يأخذ بأيديهم ويرافقهم ويوصلهم بمعيته إلى الغاية والمقامات العالية ولا يكتفي بإدلالهم على الطريق وإراءتهم العلمية لها .. مثال ذلك : سلمان الفارسي وعمار بن ياسر وميثم التمار ، الذين بلغوا مراتب روحية ومعنوية عالية جدا حيث لا يمكنهم بلوغها لولا مرافقتهم للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين علي بن طالب ( عليه السلام ) وأخذهما بأيديهم إلى تلك المقامات الروحية والمعنوية العاليـة .

المسألة الثانية ـ العلم بالكتاب التكويني : الكتاب في القرآن الكريم ينقسم إلى نوعين ..

النوع الأول ـ الكتاب التشريعي : مثل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم ..
قول الله تعالى : { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } ( البقرة : 2 ) .
وقول الله تعالى : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ( البقرة : 53 ) .

النوع الثاني ـ الكتاب التكويني : وهو الكتاب الذي فيه علم الغيب وحقائق الأشياء ..
قول الله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .
( الأنعام : 59 ) .
وقول الله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ( سبأ : 3 ) .
وقول الله تعالى : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ( الحديد : 22 ) .

والقدرات الخارقة التي يمنحها الله ( جل جلاله ) للأئمة ترتبط بعلمهم بما في الكتاب التكويني والدليل ..
قول الله تعالى : { قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } ( النمل : 40 ) وصاحب هذه الآية هو آصف بن برخيا وزير نبي الله سليمان ( عليهما السلام ) ووصيه . فآصف لم يتمكن من نقل عرش بلقيس من صنعاء في اليمن إلى القدس في فلسطين في أقل من لمح البصر من خلال علمه بالكتاب التشريعي وإنما من خلال علمه بالكتاب التكويني قطعا .

وقد أشار القرآن الكريم أن مع الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من لديه علم الكتاب التكويني كله ..
قول الله تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } ( الرعد : 43 ) وصاحب هذه الآية هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بحسب التدقيق العلمي وروايات أهل البيت ( عليهم السلام ) .

النقطة الثانية : أنهم مجبولون على الطاعة لله تبارك وتعالى ، وأن أفعالهم الصادرة عنهم تكون مطابقة كل المطابقة لما يصدر عن الله تبارك وتعالى من التشريعات والقيم الموحاة إليهم . وأنهم يتمتعون بأخلاق إنسانية عالية { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } فهم مؤيدون بروح القدس ويمتعون بالصفاء الروحي والطهارة المعنوية ومسددون بقوة ربانية تدعوهم إلى الممارسة الفعلية لأفعال الخير وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فلا يفارقونها أبدا ، ولا يخالفون فيها شرع الله تبارك وتعالى ونظام قيمه العليا .

النقطة الثالثة : أنهـم يتحلون بالصبر والاستقامة والصمود والثبات في أداء مهام الإمامة فلا يضعفون أمام عوامل الترغيب والترهيب والتشكيك في رسالتهم والتحريض ضدهم ووضع الصعوبات والعراقيل في طريق دعوتهم المقدسة العظيمة { لَمَّا صَبَرُوا } . وهذا شرط أساسي لكـل من يتولى مهـام الإمامة والقيادة في الإسلام على كافة المستويات والصفوف ، وإلا أصبحت قيادته أساسا للفساد والإفساد والتحريف والانحراف .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” الصبر من الإيمان بمنزلـة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان ” ( الكافي . ج2 . ص87 ) .

النقطة الرابعة : أنهم يمتلكون اليقين بآيات الله سبحانه وتعالى ودينه وأسمائه وصفاته فضلا عن وجوده ( جل جلاله ) الذي لا يمكن أن يخالجهم فيه شك بأي حال من الأحوال . واليقين هو العلم الذي لا يشوبه شك بوجه من الوجوه ، فهم لا يشكون في أمر من أمور الله ( جل جلاله ) أي كان : صفة من صفاته أو اسم من أسمائه أو حكم من أحكامه أو مبدأ أو قيمة في شريعته ونظامه القيمي الرفيع أو وعد أو وعيد في كتابه . وأن هذا اليقين هو وليد مشاهدة أو معاينة قلبية وليس وليد برهان عقلي فحسب . وهو سابق على ملكة الصبر ومؤيد لها { وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } إذ بدون اليقين لا يمكن أن يتحصل الصبر . فهم بسبب اليقين يختلفون عن المتاجرين بالدين الذين يتخلون عن دينهم ومبادئهم وأهدافهم الرسالية المقدسة تحت تأثير الخوف أو الطمع أو الضغوط أي كان مصدرها . فأصحاب اليقين لا يخافون من المشاكل التي تعترض طريق دعوتهم لأنهم يتوقعونها ويواجهونها بالصبر والاستقامة والثبات ، ولا ييأسون من النصر والثواب وحسن العاقبة ، ولا يشكون في وعد الله ( جل جلاله ) ووعيده ، فلا ينحرفوا عن الحق إلى الباطل ، وعن العدل والقسط إلى الظلم والجور ، ولا عن الخير والبناء والتعمير إلى الشر والهدم والتخريب .

البحث الرابع ـ قول الله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } ( المائدة : 55 ) .

هاتان الآيتان الشريفتان المباركتان تتضمنان نقاط عديدة تتعلق بالإمامة ..

النقطة الأولى : التأكيد على أن الإمام معين من قبل الله ( جل جلاله ) وأن ولايته مستمدة من ولاية الله ( سبحانه وتعالى ) ومنبثقة منها .. فهي ولاية واحدة : لله ( سبحانه وتعالى ) بالأصالة وللأئمة بالتبعية وبالإذن منه . والولاية الواحد التي تتناولها الآية الشريفة المباركة موضوع البحث تشمل الرسول الأعظم الأكـرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكافة أوصيائه من أهل بيته ( عليهم السلام ) وأولهم الإمام علي بن أبي طالب { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } . فلفظ الجمع ( الذين آمنوا ) يدل على إعطاء حكم كلي في لفظ الجمع ( يشمل جميع الأوصياء ) لينطبق على من يصح أن ينطبق عليه وهو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( تفسير الميزان . ج6 . ص9 ) . فقد اتفق أكثر المفسرين على أن الآية الشريفة المباركة نزلـت في الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بعد أن تصدق بالخاتم في المسجد وهو في حالـة الركـوع في الصلاة ، لتكون تلك الحادثة المباركة مناسبة لإعطاء هذا الحكم الكلي الواضح في الولاية والإمامة . كما تدل الآية الشريفة المباركة على أن الولاية محصورة فيهم ( عليهم السلام ) على نحو لا يقبل التأويل بدلالة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ } التي تفيد الحصر .

النقطة الثانية : تكشف الآية الشريفة المباركة عن بعض الصفات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها الإمام .. منها : إقامة الصلاة : أي أداء حقوق الله ( جل جلاله ) وإيتاء الزكاة : أي أداء حقوق الناس .. وهذا يدل على جملة من الصفات مثل : العلم والإخلاص والأمانة والاستقامة والتقوى والرحمة والنزاهة والتسامح والعفة والزهد والورع عن محارم الله وغيرها .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” .. وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمام المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته ( النهمة : الإفراط في الشهوة ) ولا الجاهل فيضلهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول ( الحائف : الظالم ، والدول : المال ) فيتخذ قوم دون قوم ( أي : يفضل قوما على قوم في تقسيم الأموال بغير موجب للتفضيل ) ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ( الحدود الشرعية ) ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة ” ( نهج البلاغة . الخطبة : 129 ) .

النقطة الثالثة : أن من يتمسك بالولاية التامة الواحدة في جوهرها ومضمونها وهي الولاية لله ولرسوله ولأوصيائه ( عليهم السلام ) { وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } فقد وافق صفة الإيمان وحقيقته وظفر به ، ووضع رجليه على الطريق إلى مرضاة الله ( جل جلاله ) والفوز بالحق وبالسعادة وبالحياة الطيبة في الدنيا في مجتمع صالح من الأولياء الصالحين المطهر من أولياء الشيطان يسوده الحق والعدل والخير والإحسان والفوز بالسعادة والحياة الطيبة في الآخرة بجوار رب العالمين في جنات الخلد . وأنهم جميعا ( الموالون لله ولرسوله وللمؤمنين ) يمثلون حزبا واحدا هو حزب الله الذي يقابل حزب الشيطان { أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } وهـو الحزب الغالب : سواء بالحجة والبرهان أو الغالب على الأرض في نهاية المطاف ، فالنصر حليفهم على كافة الأصعدة وفي جميع المجالات المادية والمعنوية { فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } بما لهم من الصدق والإخلاص والثبات أمام الصعاب والتحديات . وهـذا مما يشعرهـم بالاطمئنان والثقة بالله ( جل جلاله ) وبالدين وبالإمام القائد الأعلى في الدولة الإسلامية أو الحركة الجهادية لإقامتها ، فلا ييأسون { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } وتقوى بذلك قلوبهم على مواجهة التحديات واجتياز المحن وتخطي العقبات والصعوبات مهما كثرت وكثرت آثارها وانعكاساتها وعظمت وعظمت آثارها وانعكاساتها ، وأحكمت الطواغيت وقوى الاستكبار العالمي والاستبداد والدكتاتورية سيطرتها وهيمنتها على الحياة ، فإنها مجرد جولة تنتهي بالخيبة والخسران { إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ( الأعراف : 128 ) .
ويؤيده قول الله تعالى : { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ . كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( المجادلة : 19 ـ 21 ) .
والخلاصة : أن الولايـة لله ( جل جلاله ) ولأئمة الهدى : الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) هي الطريق المؤدي إلى تحقيق وعد الله ونصره في نهاية المطاف ، مع التأكيد على أن خط الولاية لا ينفصل ـ نظريا وعمليا ـ عن ولاية الفقيه في عصر الغيبة كما هو واضح لكل ذي بصيرة في الدين .

البحث الخامس ـ قول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } ( الأنعام : 75 ) .

هذه الآية الشريفة المباركة تتضمن نقاط عديدة تتعلق بالإمامة ..

النقطة الأولى : أن اليقين الذي يمتلكه الإمام علته رؤية الملكوت الذي هو الحالة التي تمثلها حكومة الله المطلقة على عالم الوجود برمته ، وفيها يرى الرائي وجود الأشياء من جهة انتسابها إلى الله سبحانه وتعالى وقيامها به ، وهي تولد اليقين القطعي وتهدي الإنسان إلى التوحيد الخالص .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه وقبله وبعده ومعه ” .
ومن خواص علم اليقين : انكشاف ما وراء الحس من حقائق الوجود كالجنة والنار والبرزخ والملائكة وغيرها .
قول الله تعالى : { كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ . لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } .
( التكاثر: 5 ـ 7 ) .
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) :”لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا” .

النقطة الثانية : أن رؤية الإمام للملكوت تحصل بعناية وتوجيه خاص ورعاية من الله سبحانه وتعالى { نُرِي إِبْرَاهِيمَ } ويؤيده من القرآن الكريم قول الله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ( الإسراء : 1 ) وقول الله تعالى : { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى . لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } ( النجم : 17 ـ 18 ) .

البحث السادس ـ قول الله تعلى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ( آل عمران : 159 ) .
هذه الآية الشريفة المباركة تتضمن نقاط عديدة تتعلق بعلاقة الإمام بالقاعدة أو جماهير الأمة والنخبة التي تتبعه وتواليه وبالناس جميعا ..

النقطة الأولى : أن الإمام على درجة عالية جدا من الأخلاق ، وأنه رحيم بجماهير الأمة وبالناس جميعا أشد الرحمة ، وأنه في غاية الانفتاح عليهم والتفهم لهم ولظروفهم ولأوضاعهم ، وأنه عطوفا عليهم أشد العطف ، ومتسامحا معهم في أخطائهم الخاصة فيما ليس فيه تعطيل للأحكام الشرعية أشد التسامح ، ورقيقا معهم أشد الرقة ، وربما يمارس كرئيس دولة العفو العام في الظروف التي تتطلبه ، بهدف الوصول بهم إلى خط الإيمان وتثبيتهم عليه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ } ولو لم يكن كذلك لتفرقوا عنه وما تألفوا حوله ولما دخلوا في دين الله أفواجا { وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } . وهذا يدل على أن الحاكم الأعلى وكل مسؤول في الدولة الإسلامية والحركة الإسلامية يجب أن يكون على درجة عالية من الأخلاق والرحمة بالجماهير والعطف عليهم من أجل تأكيد روحية الرسالة ونجاح القائد في تحقيق أهداف الرسالة السماوية العظيمة ، ومن لم يكن كذلك فهو ليس أهلا لتحمل المسؤولية في الدولة الإسلامية والحركة الإسلامية مهما امتلك من الفكر والشجاعة والإدارة ، لأن مبدأ { لِنتَ لَهُمْ } من المبادئ الثابتة في الرسالة الإسلامية الذي يعكس سنختها ، وبدونه لا يمكن أن تتحقق أهدافها وغاياتها الربانية السامية التي يريدها الله ( جل جلاله ) أن تتحقق في حياة الإنسان ، ويؤيده من القرآن الكريم قول الله تعالى : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } ( التوبة : 128 ) .
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” آلة الرياسة سعة الصدر ” .

النقطة الثانية : من دواعي رحمة الإمام وكل قيادة إسلامية بجماهير الأمة : أن يعفوا عنهم فيما بينه وبينهم ، وأن يستغفر لهم الله ( جل جلاله ) فيما بينهم وبين الله ( سبحانه وتعالى ) وأن يشاورهم في إدارة شؤون الدولة ولا يستبد برأيه { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } وذلك بهدف أن يبقى الطريق بين العبد وربه ( ذي الجلال والإكرام ) مفتوحا ومعبدا للتحرك ، وعدم انقطاعه في وجوه الساعين والطالبين مرضاته ورحمته حتى مع العثرة ، وهذا جوهر عمل الأئمة الربانيين والقيادات الإسلامية في أي صف كانوا .

النقطة الثالثة : اختلف العلماء فيما يتعلق بقيمة الشورى ، وهل هي ملزمة للإمام أم أنها غير ملزمة إلى قولين رئيسيين ..

القول الأول : أنها غير ملزمة للإمام وأن هدفها مجرد تطييب خواطر جماهير الأمة ونخبها وتدريبهم على مبدأ الشورى وبث الوعي فيهم بواقع الأمة ومصيرها وقضاياها المصيرية والحيوية بدليل قول الله تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ } حيث جعلت الآية الشريفة المباركة القرار النهائي والتنفيذ بيد الإمام .

القول الثاني : أنها ملزمة للإمام لأن موضوعها هو قضايا الناس وما يتعلق بشؤون الرسالة وبشؤون حياتهم من خطط وبرامج وأدوات وليست في مسائل الدين نفسه ، حيث يميز القرآن الكريم بين نوعين من الأمر ..

الأمر الأول ـ أمر الله ( جل جلاله ) : ويشمل جميع الأمور التي تتعلق بالدين نفسه مثل الأحكام الشرعية .

الأمر الثاني ـ أمر الناس : ويشمل جميع الأمور التي تتعلق بالخطط والبرامج والوسائل والأدوات سواء كانت تتعلق بالرسالة في غير نفسها مثل التخطيط للدعوة أو حياة الناس ما لم ينزل فيها أمر من الله ( جل جلاله ) .

أما أمر الله ( جل جلاله ) فالقاعدة فيه : أن القرار يعـود إلى الله ( جل جلاله ) ورسولـه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحدهما وعلى الناس فيه السمع والطاعة المطلقة .
قال الله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } ( الأحزاب : 36 ) .

وأما أمر الناس فالقاعدة فيه : أن القرار يعود إلى الناس بما لا يخالف شريعة الله سبحانه وتعالى وعلى الإمام أن يأخذ برأيهم فيه .
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ( الشورى : 38 ) .
فقد قررت الآية الشريفة المباركة : أن الأمر الذي يعود إلى الناس يرجع إليهم فيه . وعليه أمر الله ( جل جلاله ) رسوله الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالشورى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } ومع ذلك : ينبغي على الناس أن يأخذوا بعين الاعتبار رأي الإمام لما يتمتع به من عقل كبير وخبرة متميزة وإخلاص لا مثيل له عند الناس ، وذلك على نحو الاختيار لا الإلزام ، بدليل اختلاف المسلمين مع الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كثير من مواطن الشورى وعمله ( روحي فداه ) برأهم مع مخالفته لرأيه ـ وهذا ما تثبته سيرته بدون شك ـ وهو دليل على عظمته وإخلاصه وتقيده بأحكام الشريعة المقدسة ونظامها القيمي العظيم .
وبحسب القول الذي يرى إلزامية الشورى للإمام فهو يفسر قول الله تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ } بآلية اتخاذ القرار وتنفيذه . فالإمام حينما يعود إلى الناس ويشاورهم في إدارة شؤون الدولة التي تعود إليهم ، فإنه يقوم بعملية إدارية رئاسية يخضع عملية الشورى فيها لآليات محددة واضحة يستند إليها في اتخاذ القرار . إذ بدون الآليات تكون العملية خاضعة إلى الفوضى والأهواء ـ والعياذ بالله ـ وهو أمر مرفوض عقلا وشرعا لما فيها من الظلم والتفريط بحقوق الناس . وبناء على هذه العملية الإدارية يقوم باتخاذ القرار كرئيس للدولة ومشرف على العملية الإدارية ، وقد عبرت الآية الشريفة المباركة عن ذلك بقول الله تعالى { فَإِذَا عَزَمْتَ } ثم تحمله كرئيس للدولة مسؤولية التنفيذ ، وقد عبرت الآية الشريفة المباركة عن ذلك بقول الله تعالى { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ } ثم حثته على الجد والحسم وعدم التردد في تنفيذ القرارات وتطبيقها والعمل بها بقول الله تعالى { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } .

النقطة الرابعة : أن مبدأ الشورى ثابت في النظام الإسلامي للدولة لا يتغير في الظروف الصعبة بحيث يلغى وينفرد الحاكم بالتصرف في شؤون الدولة كما تفعل اليوم الكثير من الدول في حالة الطوارئ . وذلك نظرا لظروف نزول الآية الشريفة المباركة بعد معركة أحد ، حيث شاور الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصحابه بشأن الخروج إلى المعركة فتحمسوا للخروج ، ثم خانه بعضهم ورجع ثلث الجيش قبل المعركة ، وضعف بعضهم الآخر أمام إغراء الغنائم وخالف أمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالنزول من الجبل على خلاف ما أمرهم به وشدد عليهم فيه ، ووهنوا أمام ضربات الأعداء وفروا من المعركة وتركوه مع النفر القليل يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم إلى الثبات ولكن لا حياة لمن تنادي ، ثم تفاعلوا بغير وعي وبدون مسؤولية مع إشاعة مقتله وانقلبوا على أعقابهم مهزومين .. ومع ذلك : يأمره ربه الجليل بأن يبقى يشاورهم في الأمر كما كان يشاورهم ، غير متأثر بنتائج الموقف السابق ، لأن ذلك حق من حقوقهم لا يتغير ، وأساس لتربيتهم وإعدادهم لحمل مسؤوليات الرسالة الجسام في الحياة ، وذلك تكليفه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كحاكم أعلى في الدولة الإسلامية .
قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاؤكم ، وأمركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها . وإذا كان أمراؤكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاؤكم ، ولم يكن أمركم شورى بينكم ، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ” ( تفسير الرازي ) .

النقطة الخامسة : لقد أكدت الآية الشريفة المباركة على ثبات مبدأ الشورى في إدارة شؤون الدولة وأنه مبدأ أساسي في نظام الحكم الإسلامي لا يقوم بدونه . أما الشكل التنظيمي لممارسة الشورى والوسائل أو الأدوات المطلوبة لتحقيقه ، فهي أمور تخضع لظروف الدولة ، ويمكن تطويرها مع الزمن ، بل يجب تطويرها دائما بحيث تأخذ بأفضل الأساليب والتقنيات المتاحة في الزمان والمكان التي تتناسب مع جوهر الشورى وصدق التطبيق والإخلاص في الدولة الإسلامية للمبادئ والقيم الإسلامية السامية ، تأكيدا لحقيقة الإخلاص والطاعة المطلقة لله ( جل جلاله ) في العمل . وقد ترك القرآن الكريم أمر ترتيبها إلى الإمام والأمة مع الالتزام بشرطين أساسيين ..
الشرط الأول : الالتزام بأحكام الشريعة ونظامها القيمي .
الشرط الثاني : إشراف الإمام على العمل .

النقطة السادسة : يعتبر العمل بمبدأ الشورى ضمانة لعدم الاستبداد والانحراف في عصر غير المعصوم . كما يحمل في جوفه إثبات دور الجماهير في تحمل المسؤوليات العامة في الدولة الإسلامية من خلال المشاركة في مؤسسات الدولة الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية أو من خلال المشاركة في المؤسسات الأهلية ( مؤسسات المجتمع المدني ) بما فيها الأحزاب السياسية أو من خلال الحضور الجماهيري العام في الساحـة على قاعـدة : ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” ويؤكـده قـول الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( التوبة : 71 ) وهذا كله يجعل الجماهير شريك أساسي للسلطة في الحكم وإدارة شؤون الدولة الإسلامية ، وشريك للقيادات في إدارة شؤون الحركة الإسلامية ، فلا تنفرد السلطة والقيادات بصناعة القرار بمعزل عن الجماهير . مع التأكيد على الصفات المطلوب توفرها في الأشخاص الناشطين في الشأن العام .. منها : الكفاءة ، والنزاهة ، والترفع عن الأطماع الشخصية ، والغيرة على الدين ومصالح والعباد .

البحث السابع ـ قول الله تعالى : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .
( الزخرف : 28 ) .

هذه الآية الشريفة المباركة تتضمن نقاط عديدة تتعلق بالإمامة ..

النقطة الأولى : أن مقام الإمامة منحصر في سلالـة إبراهيم ( عليه السلام ) إلى يوم القيامة { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } فالكلمة الباقية هي في الحقيقة كلمة التوحيد الخالصة من الشرك ـ كما يقول علماء التفسير ـ وقـد جعلهـا الله ( جل جلاله ) ـ بحسب هذا النص ـ باقية في سلالة إبراهيم ( عليه السلام ) إلى يوم القيامة ، فهي متحققة ومتمثلة وقائمة فيهم وهم حملتها حقا وحقيقة . ومن الواضح ـ لكل ذي بصيرة ـ أن حملهم لكلمة التوحيد الخالصة من كل أشكال الشرك يدل بدون شك على إمامتهم ، لأنهم الأقدر على تجسيدها على الأرض في حياة الناس الفردية والجماعية ، وهذه هي غاية الرسالات السماوية العظيمة . فلا تنفصل الإمامة عن تمثل وتحقق وقيام كلمة التوحيد في الإمام الحامل لها والقائم على قيادتها والسعي لتمثيلها وتحقيقها وتجسيدها في حياة الناس الفردية والجماعية الذي هو هدف الرسالات السماوية وغايتها الكبرى .

أيها الأحبة الأعزاء : إن حمل كلمة التوحيد الخالصة بحقيقتها ليس مجرد حمل أفكار نظرية في الذهن ، ومشاعر إيجابية تجاه الآخرين في النفس ، واستقامة في السلوك على المستويين : الفردي والجماعي .. وإنما هي بالإضافة إلى كل ذلك : رؤية واقعية لحقيقة الأفراد وأوضاع المجتمعات كافة ، وقدرة على تطبيق مبادئ وقيم كلمة التوحيد وتنفيذها وتجسيدها إزاءها على كافة المستويات . لأن حمل كلمة التوحيد الخالصة تعبير عن حالـة انكشاف ورؤية عينيـة شاملـة على كافـة الأصعدة والمستويات { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } . وبهذا تتضح الرابطة بين جعل كلمة التوحيد باقية في سلالة خليل الرحمن إبراهيم ( عليه السلام ) وبين إجابة الرب ( سبحانه وتعالى ) لسؤاله ( عليه السلام ) بأن يجعل الإمامة في سلالته { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } فأجابه الرب الجليل { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } فقد أجابه بالإيجاب إلا أنه ( جل جلاله ) استثنى الظالمين . ويتوافق هذا الفهم مع العديد من الأحاديث الشريفة المروية عـن أهـل البيـت ( عليهم السلام ) كما يلتقي في النتيجة مع ما ذهب إليه بعض المفسرين أو قبلوه مع الاختلاف في التحليل . وقـد أجمع المسلمون على أن الحاكم الأعلى في الدولـة الإسلامية ( الإمام ) بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجب أن يكـون من قريش ، ويروون في ذلك حديـث الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي قال فيه : ” لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكـم اثنـا عشر خليفـة كلهـم من قريش ” ( صحيح مسلم . ج6 . ص3 ـ 4 ) .
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا يصلح الولاة من غيرهم ” .
( نهج البلاغة . الخطبة : 142 ) .

النقطة الثانية : أن الغايـة من حصر الإمامة في سلالة إبراهيم ( عليه السلام ) هو التمسك بعقيـدة التوحيد وعدم الانحراف عنها { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي يرجعوا عن عبـادة غير الله إلى عبادة الله الواحد القهار . ويؤيد هذه الحقيقة ما جاء في شأن أهل البيت ( عليهم السلام ) في حديث الثقلين المتواتر في مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) عن الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي .. أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ” ( صحيح الترمذي . ج13 . ص 201 ) .

البحث الثامن ـ قول الله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ( المائدة : 44 ) .

هذه الآية الشريفة المباركة تتضمن نقاط عديدة تتعلق بالإمامة ..
النقطة الأولى : الآية الشريفة المباركة تقسم الحكام في الدولة الإسلامية إلى ثلاثة أنواع ..
النوع الأول : الأنبياء .
النوع الثاني : الربانيون وهم الأوصياء .
النوع الثالث : الأحبار وهم العلماء .
ويشترك هؤلاء في صفتين أساسيتين ..
الصفة الأولى : العلم بالكتاب المنزل من عند الله ( سبحانه وتعالى ) { بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ } .
الصفة الثانية : الالتزام العملي بما في الكتاب وعدم الانحراف أو الميل عنه تحت أي ظرف من الظروف أو لأي سبب من الأسباب { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” بهم قام الكتاب وبه قاموا ، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون ” ( التفسير الكاشف . مغنية . ج3 . ص62 ) .
وهذا التقسيم يؤيد حكومة الولي الفقيه .

النقطة الثانية : أن الحكام في الدولة الإسلامية بأنواعهم الثلاثة يخضع جميعهم للأحكام الشرعية المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى { يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ } أي : أسلموا أنفسهم لله ( جل جلاله ) وحكموا بحكمه ، لا بمشيئتهم وأهوائهم ، وليس أحد منهم فوق الأحكام الشرعية وفوق القانون والكتاب . وهذا مما يميز الدولة الإسلامية عن الدولة الدينية التي ظهرت في أوربا في العصور الوسطى ، وتحكم باسم الله ويتمتع فيها الحاكم بسلطات مطلقة ويمارسها بدون رقيب أو حسيب ، فهو الذي يضع القوانين وينفذها ، وهو فوق القوانين جميعها ، وفوق المراقبة والمحاسبة والعقاب .
قال الله تعالى بشأن خضوع الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للأحكام الشرعية المنزلة عليه خضوعـا مطلقـا : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ . وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ . تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ . وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } ( الحاقة : 40 ـ 47 ) .

النقطة الثالثة : أن الشريعة الإسلامية هي في حقيقتها هدى ونور تهدي الناس جميعهم إلى الحق والعدل والخير وإلى صراط مستقيم .. وعليه : كل ما يؤدي إلى الظلم والتجهيل والتضليل والاستبداد والشر والاستئثار بالثروة ومقدرات الدولة والهيمنة على الشعوب وغزوها والتمييز بين المواطنين ، فهو ليس من الدين في شيء ، وليس لأحد من الحكام والقيادات الإسلامية ولا غيرها أن تمارس شيئا منه باسم الدين أو غيره ، فإذا مارسته يجب رفضه ومقاومتها بحزم وعدم السكوت عنها ، لأن عملها ليس من الدين ، وفيه انتهاك لكرامة الإنسان وحرياته وحقوقه ، والدين منه براء .
قول الله تعالى : { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ } ( المؤمنون : 71 ) .
وقـول الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } ( الجاثية : 18 ) .

النقطة الرابعة : دعوة الناس إلى التمسك بقوة وصلابة وحزم بالحكومة الإسلامية وعدم التخلي عنها تحت تأثير الخوف { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } أو الطمع { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً } أو المجاملة وحب الشهرة بمجارات القوى والجماعات الضالة المضلة التي تستثقل توحيد الله ( جل جلاله ) في الحاكمية { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } والتأكيد على اختصاص الله ( جـل جلالـه ) بالحاكمية { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } . وهذا يؤكد على أن الدين المنزل من عند الله ( جل جلاله ) هو منهج شامل في الحياة جاء ليتولى قيادة الحياة البشرية وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها ، وليس مجرد عقيدة في الضمير وشعائر يؤديها المؤمنون في دور العبادة الخاصة بها . مما يتطلب قيام الدولة الإسلامية التي تخضع في كافـة شؤونها إلى أحكام الشريعة المقدسة بقيادة الإمام المعين من قبل الله ( جل جلاله ) لقيادة الدولة وتطبيق الشريعة فيها وإخضاع المخالفين إلى العقاب . وهذا يدعـو المؤمنين بوحدانيـة الله ( سبحانه وتعالى ) إلى التمسك بحكومتـه المتمثلة في حكومة الرسـل والأوصياء والفقهاء ( عليهم جميعا السلام ) وأن لا يستبدلوا أو يستعيضوا بها غيرها من الدول .

كلمة ختامية : في الختام أرغب في الإجابة على السؤال التالي الذي كثرت إثارته في الوقت الحاضر : هل يلزم عن التمسك بالوحدة الإسلامية الامتناع عن بحث الإمامة وبيان الحقائق المتعلقة بها ؟

الجواب : وفيه نقطتان أساسيتان ..

النقطة الأولى : ليس لنا الحق على ضوء منهج توحيد العبودية لله ( سبحانه وتعالى ) الامتناع عـن بحث الإمامة وبيان الحقائق المتعلقة بها ، لأن الإخلاص لله وتوحيده في العبادة ، لا يتحققان إلا بالمنهج الحق والصراط المستقيم الذي يجب البحث عنهما والتعرف عليهما والتمسك الحاسم بهما وعدم التخلي عنهما قيد ذرة أو أقل . فلا رخصة للإنسان ولا حق له بالتخلي عنهما والمجاملة فيهما .
قال الله تعالى : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام : 153 ) .
وقال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } ( الأحزاب : 36 ) .
وقد ذم القرآن الكريم كتمان الحق وعدم إظهاره .
قول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } ( البقرة : 159 ) .
وقول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
( البقرة : 174 ) .
ولكن ينبغي التحذير : فإن بيان الحقائق لا يلزم عنه تجريح مشاعـر الآخرين والإساءة إليهم بالقول أو العمل ، ومن يفعل ذلك فإنما يتبع الهوى والنفس الأمارة بالسوء والشيطان الرجيم ، ولا علاقة له بالوظيفة الشرعية ببيان الحق وتوضيحه وإظهاره إلى الناس .
قال الله تعالى : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } ( النحل : 125 ) .

النقطة الثانية : البعض يصنف البحث في الإمامة وبيان حقائقها إلى الناس في دائرة الفتنة الطائفية ، وهذا جهل ناتج عن الخلط بين الأمور ، حيث ينبغي التمييز بين الانتماء الإيديولوجي وبين الطائفية والمذهبية السياسية . فالانتماء الإيديولوجي حق واقعي تفرضه كرامة الإنسان ورسالته ومصيره في الحياة ، ولا يعتبر الاهتمام بالإيديولوجية والدفاع العادل عنها من الطائفية البغيضة في شيء ، لأن الإنسان بدون إيديولوجية كالحيوان بدون كرامة وبدون رسالة في الحياة.

أما الطائفية أو المذهبية البغيضة فهي تعنى ..

أولا : التعصب الأعمى غير العقلائي وغير الموضوعي للطائفة أو المذهب أو الدين على الصعيد العلمي .. قول الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } ( البقرة : 91 ) وعلى الصعيد العملي بأن يروا شرار قومهم أفضل من خيار قوم آخرين .
ثانيا : الانغلاق على الذات وكتمان الحقائق التي تخدم الطرف الآخر{ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ورفض الانفتاح والالتقاء معه على المشتركات التي عبر عنها القرآن الكريم بكلمة سواء { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } .
ثالثا : السماح للنفس بممارسة الظلم والاضطهاد ضد أبناء الطوائف أو المذاهب أو الأديان الأخرى كما هو حال بني إسرائيل الذين قال عنهم القرآن الكريم : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } والبحث عن امتيازات خاصة والحصول على مكاسب ـ بغير حق ـ على حساب أبناء الطوائف أو المذاهب أو الأديان الأخرى .

وتعتبر الطائفية بهذا المعنى : باطل محض ، وحالة روحية وأخلاقية واجتماعية هابطة ، ليست عقلائية وغير إنسانية ولا أساس لها في الدين الصحيح . ويعتبر تسامح أصحاب الإيديولوجيات أو تعصبهم ، وانغلاقهم أو انفتاحهم على الآخرين ، وما يتصفون به من العدل والإنصاف أو الظلم والإجحاف ، والجهة التي يعملون من أجلها : هل عملهم يصب لمصلحـة الإنسانية وجميع أبناء الوطن أو الأمة ، أو يصب لمصلحة أبناء طائفـة أو مذهب أو دين معين على حساب الإنسانية وأبناء الأمة الواحدة أو الوطن الواحد ، فإن ذلك كله يعتبر كاشفا عن حقيقة الإيديولوجية التي ينتمون إليها وقيمتها وقيمة الدعوة والانتماء إليها أيضا ، ويضع حدا فاصلا بين الإيديولوجيات الإنسانية المرموقة المنفتحة والنافعة إلى الناس جميعا ، وبين الإيديولوجيات الطائفية أو المذهبية أو العنصرية الضيقة والهابطة التي تسعى لتوقع الضرر والأذى ـ بغير حق ـ بأبناء الطوائف والمذاهب والأديان الأخرى .
قـال الإمام الصادق ( عليه السلام ) يخاطب شيعتـه : ” كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا ” .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى