العمل شعار المؤمنين
المكان : مسجد الشيخ خلف ـ قرية النويدرات .
اليوم : السبت بعد صلاة الظهرين .
التاريخ : 5 / صفر / 1428هج .
الموافق : 24 / فبراير ـ شباط / 2007م .
أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .
قال الله تعالى : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ( التوبة : 105 ) .
هذه الآية الشريفة المباركة رغم قصرها إلا أنها مكتنزة بكثير من الأفكار والحقائق الاجتماعية والغيبية ، وسوف أجعل الحديث حولها على ثلاثة محاور رئيسية إن شاء الله تبارك وتعالى ..
المحور الأول ـ قول الله تبارك وتعالى : { وَقُلِ اعْمَلُواْ } .
العمل في اللغة : هو المهنة والصنعة والفعل عن قصد ، وجمعه : أعمال . وهو يشمل جميع أفعال الجوارح والقلوب .
الفرق بين العمل والفعل : هناك فرق بين العمل والفعل ، فالفعل قد ينسب إلى القوى المادية فيقال : فعل الطبيعة ، وفعل الرياح ، وفعل الشمس ، أما العمل فهو من مختصات الكائنات العاقلة فقط ، فلا يكون العمل إلا عن فكر وروية وإرادة وقصد .
وتنقسم الأحكام الشرعية المتعلقة بالأعمال إلى خمسة أقسام ..
القسم الأول ـ الواجب : وهو كل ما طلبه الشارع المقدس على سبيل الإلزام فلا يجوز تركه ، ويعاقب المكلف على تركه عامدا .
القسم الثاني ـ المستحب : وهو كل ما طلبه الشارع المقدس على سبيل الترجيح فهو غير ملزم ، ويثاب المكلف إذا أتى به قربة إلى الله تعالى ، ولا يعاقب إذا تركه .
القسم الثالث ـ الحرام : وهو كل ما طلب الشارع المقدس تركه على سبيل الإلزام فلا يجوز الإتيان به ، ويعاقب المكلف إذا أتى به عامدا .
القسم الرابع ـ المكروه : وهو كل ما طلب الشارع المقدس تركه على سبيل الترجيح فتركه غير ملزم ، ويثاب المكلف إذا تركه قربة إلى الله تعالى ، ولا يعاقب إذا أتى به .
القسم الخامس ـ المباح : وهو كل ما خير الشارع المقدس المكلف بين عمله وتركه .
وهذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة تتضمن نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : الدعوة من خلال صيغة فعل الأمر { اعْمَلُواْ } إلى الحركة والنشاط والبناء والتعمير في مقابل السكون والكسل والهدم والتخريب .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” بالعمل يحصل الثواب لا بالكسل ” ( غرر الحكم ) .
وقال ( عليه السلام ) : ” من يعمل يزدد قوة ، من يقصر يزدد فترة ” ( غرر الحكم ) .
وقال ( عليه السلام ) : ” العمل شعار المؤمن ” ( غرر الحكم ) .
فالإسلام يدعو إلى العمل الايجابي الصالح البناء ويرغب فيه أحسن الترغيب ، ويستنكر الخمول والكسل وينهى عنهما ، كما يستنكر الأعمال السلبية الطالحة الهدامة في الحياة وينهى عنها .
النقطة الثانية : الدعوة إلى الايجابية والإقدام على العمل وتحمل المسؤولية في الحياة في مقابل السلبية والتهرب من العمل والتخلي عن المسؤولية .
قال الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( التوبة : 71 ) .
وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم “
( ميزان الحكمة . ج4 . ص 327 ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم وأطيعوا الله ولا تعصوه ” ( ميزان الحكمة . ج4 . ص 326 ) .
فالإسلام لا يقبل من معتنقيه السلبية تجاه الأحداث والوقائع والأوضاع التي تحيط بهم في الحياة ، ويطالبهم بأن تكون لهم منها موقف إيجابي بناءة دائما في جميع المجالات وعلى كافة المستويات .
المحور الثاني ـ قول الله تعالى : { فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } .
الآية الشريفة المباركة تشير إلى رؤية الأعمال .. أي : رؤية حقيقة أعمال العباد والاطلاع عليها خيرها وشرها في الحياة الدنيا من قبل الله ( جل جلاله ) ومن قبل الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن قبل أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ( البقرة : 143 ) .
وقال الله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا } .
( النساء : 41 ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” إن أعمال العباد تعرض على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كل صباح أبرارها وفجارها ، فليستحي أحدكم أن يعرض على نبيه العمل القبيح ” ( البحار . ج17 . ص 131 ) .
وفي الرواية عن عروة بن الزبير قـال : سألـت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قوله : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } فقال ( عليه السلام ) : ” إيانا عنى ” ( البحار . ج23 . ص 237 ) .
وفي رواية يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل { اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ … } قال : هم الأئمة ” (ميزان الحكمة.ج4. ص35) .
فالمراد من المؤمنين في الآية الشريفة المباركة هم الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) كما تضافرت على ذلك الروايات الكثيرة عنهم ( عليهم السلام ) وقد تكفلت كتب التفسير بإثباته ، والدخول فيه خارج عن غرض هذا البحث .
وعرض الأعمـال على الرسـول الأعظـم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى أهل البيت ( عليهم السلام ) يدل على ثلاثة أمور أساسية مهمة ..
الأمر الأول : تأهيل القادة الربانيين من قبل الله ( عز وجل ) ليكونوا قادرين على ممارسة المهام الرسالية الموكلة إليهم بكفاءة عالية من شأنها أن تحقق الأهداف التي كلفوا بالعمل من أجلها.
الأمر الثاني : توثيق العلاقة الروحية والمعنوية بين القادة الربانيين وبين أبناء الأمة والشعب من خلال روابط حقيقية قائمة على مستوى الفعل والوجود ، بهدف تربية أبناء الأمة والشعب وتأهيلهم التأهيل اللائق من أجل تحقيق أهداف الرسالة الربانية على المستويين : الفردي والجماعي .
الأمر الثالث : إقامة الحياة على أساس تعميق الشعور بالمسؤولية والرقابة الشاملة لسلوك الإنسان ومواقفه وانتماءاته في الحياة .
وهذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة تتضمن النقاط الأساسية التالية ..
النقطة الأولى : الدعوة إلى أربعة أمور ..
الأمر الأول ـ الاستقامة في العمل : أي في السلوك والمواقف والانتماء والعلاقات .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” العمل العمل ، ثم النهاية النهاية ، والاستقامة الاستقامة ، ثم الصبر الصبر ، والورع الورع ، إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ” ( البحار . ج71 . ص 190 ) .
الأمر الثاني ـ الطموح والسعي دائما نحو الأفضل : وذلك من أجل تطوير الواقع والحياة نحو الحسن ، وعدم القبول والرضا بالواقع المتخلف وبما هو مبذول فقط من الحكام وأصحاب النفوذ والسلطة .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” أعملوا قليلا تنعموا كثيرا ” ( ميزان الحكمة . ج4. ص8 ) .
الأمر الثالث ـ عدم اليأس مهما كانت الأوضاع صعبة والظروف حالكة :
قال الله تعالى : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } ( يوسف : 87 ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” العلم يرشدك والعمل يبلغ بك الغاية ” .
( غرر الحكم ) .
الأمر الرابع ـ تربية النفس وتزكيتها : من أجل أن يكون الإنسان المؤمن على درجة عالية من الأخلاق والفضيلة ، وذلك من خلال الشعور بمراقبة الله ( جل جلاله ) ومراقبة الرسول الأعظم الأكـرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومراقبة الأئمة الطاهرين الميامين ( عليهم السلام ) والحياء منهم جميعا ، مما يحفز الإنسان المؤمن على الأعمال الصالحة وتجنب الأعمال السيئة الطالحة ، حبا لله ( تبارك وتعالى ) وللرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأهل البيت ( عليهم السلام ) وحياء منهم وخوفا من العقاب ورغبة في الثواب في يوم القيامة . فثمة فرق كبير بين أن يأتي الإنسان بعمل ما في الخلوة ، وبين أن يأتي به بين ملأ من الناظرين المحترمين ، فإن الإنسان قد يتسامح ولا يدقق في العمل في الحالة الأولى ، مما يؤدي إلى الإخلال بالعمل ، ولكنه يحاول أن يدقق في العمل ويحاسب كثيرا فيه في الحالة الثانية ، مما يؤدي إلى جودة العمل . ولا شك أن هذه الحالة تؤدي وظيفتها على أكمل وجه وأحسنه إذا آمن العبد بأن الذي يراقبه ويطلع على عمله هو الله ( جل جلاله ) وسـادة الخلق أجمعين : الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) .
قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ” ( كنز العمال . ج3 . ص907 . الحديث : 9128 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن “
( كنز العمال . ج3 . ص 907 . الحديث : 9129 ) .
والخلاصة : أننا نلمس في هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة ، شكل من أشكال الإثارة التي تدعو الإنسان المؤمن إلى المحاسبة والتدقيق في العمل ، والتوجه نحو العمل الصالح ، والحذر من العمل الطالح .
من وصايا الرسول الأعظم الكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لابن مسعود : ” يا ابن مسعود ! إذا عملت عملا فأعمل بعلم وعقل ، وإياك وأن تعمل عملا بغير تدبير وعلم ، فإنه جل جلاله يقول : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } .
( البحار . ج77 . ص 127 ) .
ومن النتائج التي يؤدي إليها عرض الأعمال على الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل البيت ( عليهم السلام ) النتائج المهمة التالية ..
النتيجة الأولى : توثيق العلاقة بين العبد وبين ربه ورسوله وأهل البيت وتحسينها وتجويدها .
النتيجة الثانية : خلق الدافعية لدى العباد لمراقبة أعمالهم وانجاز ما هو مطلوب منهم على أحسن وأكمل وجه .
قال الإمام الحسن ( عليه السلام ) : ” أعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالإجرام ، مجزى بالإحسان ” ( ميزان الحكمة . ج4 . ص26 ) .
النقطة الثانية : التأكيد على إقامة الحياة على أساس المتابعة والتقييم والرعاية الكاملة من القادة الربانيين للرعية وعلى أساس العدل والإنصاف ، فيعطى كل إنسان ماله من الحقوق في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وأن لا يبخس أحد من الناس حقه المادي أو المعنوي في الحياة ، وأن يوضع كل شخص في المكان الذي يناسبه .
قال الله تعالى : { وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } ( النمل : 20 ـ 21 ) .
المحور الثالث ـ قول الله تعالى : { وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
تردون : تعودون .
ينبئكم : يخبركم .
هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة تتناول مسألة الأساس الواقعي الذي تقوم عليه الدعوة إلى الاستقامة والطموح في الحياة وعدم اليأس ، وهو بالإضافة إلى رؤية الأعمال من قبل الله ( جل جلاله ) والرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل البيت ( عليهم السلام ) يتمثل في عودة الإنسان إلى الله تبارك وتعالى في يوم القيامة من أجل محاسبته على كل أعماله التي عملها في الحياة الدنيا ، وإثابته بالجنة أو معاقبته بالنار ، استنادا إلى النتائج المطابقة لواقع الأعمال التي يكشف عنها الحساب ، مضافا إليها رحمة الله ( جل جلاله ) الواسعة وعدله العظيم .
قال الله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ } ( آل عمران : 30 ) .
وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (التحريم:7) .
وقال الله تعالى : {ِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( النور : 21 )
وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله .
قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟
قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ” .
( كنز العمال . ج3 . ص41 ـ 42 : الحديث : 5396 ) .
وهذا يدل على أمور أساسية عديدة .. منها :
الأمر الأول : أن كل دعوة ينبغي التأسيس إليها بواقعية لكي تكون مقبولة ، وبدون التأسيس الواقعي المقبول إليها عقلا وشرعا ، يكون القبول بها غير مقبول ، وخلافا لكرامة الإنسان ومكانته الوجودية في الحياة .
الأمر الثاني : أن هذا التأسيس يدل على واقعية الإسلام وعقلانيته في دعوته ومنهجه في الحياة ، وأنه يرفض تقليد الآباء والأجداد في اتخاذ الدين ومنهج الحياة ، كما يرفض العصبية والإتباع الأعمى للرموز والقيادات والزعماء الطائفيين والقبليين والحزبيين وغيرهم في أمور الحياة العامة .
الأمر الثالث : التأكيد على كرامة الإنسان المتمثلة في احترام عقله واختياره وتحميله المسؤولية التي تتوافق مع مكانته المعنوية العالية ، وذلك من خلال الدعوة لإقامة العمل على أسس واقعية مقبولة عقلا وشرعا ، وليس على أساس الوهم والخيال والعاطفة الجوفاء القائمة على الانفعال بعيدا عن التأمل والتفكر والروية والتحقيق في الأمور المطلوبة والدعوات المطروحة.
ومن الواضح جدا : أن تحقيق الاستقامة في السلوك والمواقف والطموح العالي والسعي نحو الأفضل ولتطوير الواقع والحياة وعدم اليأس أمام الواقع الصعب والأوضاع الصعبة والظروف الحالكة ، يتطلب أمور ..
الأمر الأول : القناعة بصحة وصواب التأسيس المطروح إلى الدعوة .
الأمر الثاني : المحاسبة والتدقيق في السلوك والمواقف للنفس وللآخرين .
الأمر الثالث : توفير الآليات والوسائل المطلوبة لتحقيق الطلوب ، وبدون توفير هذه الآليات يصبح التطلع إلى المطلوب في دائرة الوهم والخيال والتواكل المنهي عنه شرعا وعقلا ، وسبيلا إلى التخلف في الواقع والحياة ، وعدم القدرة على منافسة الآخرين في الصراع والبناء للحياة وتعميرها .
الأمر الرابع : الإيمان المنطقي والواقعي بجدوى العمل المدعو إليه والفائدة الفعلية والحقيقية التي تعود على الإنسان العامل منه .
ونتوصل في نهاية الحديث حول الآية الشريفة المباركة إلى الخلاصات التالية ..
الخلاصة ( 1 ) : أن الإسلام منهج إجرائي واقعي في الحياة لا تغني فيه المشاعر والأقوال عن الأعمال والأفعال .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” إن فضل القول على العمل هجنة ( قبيح ) وإن فضل الفعل على القول لجمال وزينة ” ( غرر الحكم ) .
وقال ( عليه السلام ) : ” زيادة الفعل على القول أحسن فضيلة ، ونقص الفعل عن القول أقبح رذيلة ” ( غرر الحكم ) .
الخلاصة ( 2 ) : أن الإسلام يقيم الحياة على أساس البصيرة وتعميق الشعور بالمسؤولية في الحياة ، وهو منهج قـادر بحق وحقيقة على خلق نهضة ومدنية نورانية مشرقة في الحياة .
الخلاصة ( 3 ) : أن التكليف الإسلامي بالأسس التي يقوم عليها يمثل تكريما حقيقيا للإنسان واعترافا بتميزه في الخلق والوجود .
الخلاصة ( 4 ) : أن يكون سلوك الإنسان ومواقفه وانتماءاته وعلاقاته في الحياة ترجمة صادقة إلى عقيدته التي يصدقها ويؤمن بها ، فالعمل هو المحك في صدق الإيمان وسلامة العقيدة ، وهو الذي يحقق للحياة نموها وتقدمها .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته