عيد الغدير الأغر
المكان : مأتم الشهابي ـ الدراز .
اليوم : مساء الجمعة ـ ليلة السبت .
التاريخ : 17 / ذو الحجة / 1428هج .
الموافق : 28 / ديسمبر ـ كانون الأول / 2007م .
أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .
في البداية : أرفع أسمى التهاني وأحرها إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم أيها الأحبة الأعزاء بمناسبة عيد الغدير الأغر ( عيد الولاية وإكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب ) أسأل الله عز وجل أن يهنئنا جميعا بنعمة الولاية العظيمة ويحسن لنا العاقبة إنه سميع مجيب الدعاء .
أيها الأحبة الأعزاء : سوف أتحدث في هذا الليلة العظيمة المباركة حول أربع نقاط خفيفة من وحي الذكرى الشريفة .
النقطة ( 1 ) : روي في الكافي وإكمال الدين عن الإمام الصادق ( عليهم السلام ) : أن من حق الإمام الحجة ( عليه السلام ) على شيعته في عصر الغيبة الكبرى قراءة هذا الدعاء : ” اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك . اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك . اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ” .
هذا الحديث الشريف يدل على عظمة هذا الدعاء ، وسمو معانيه ، وضرورة وعيها من قبل المؤمنين ، وأن وعي المؤمنين والتزامهم بها سوف يترك تأثيرات مهمة وخطيرة على أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم ومواقفهم في الحياة .
بطبيعة الحال : الوقت لا يتسع لشرح مضامين الدعاء ، ولا أرغب في ذلك الآن ، وإنما سوف اكتفي بذكر بعض الأفكار الواضحة التي يتضمنها الدعاء أو يشير إليها .
الفكرة ( 1 ) : أن رؤية المؤمنين للحياة ومنطلقاتهم فيها تبدأ من معرفتهم بالله ذي الجلال والإكرام وعشقهم وطاعتهم له جل جلاله ، مما ينعكس إيجابيا على تفكيرهم ومشاعرهم وسلوكهم ومواقفهم العامة في الحياة وعلاقاتهم الاجتماعية ومع الأشياء .
الفكرة ( 2 ) : أن المعرفة بالله عز وجل والالتزام بطاعته تنتج عنهما المعرفة بالرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطاعته ” فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك ” .
الفكرة ( 3 ) : أن معرفة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطاعته تنتج عنها معرفة حجج الله بعد الرسول وطاعتهم .
قال الله تعالى : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ( الرعد : 7 ) .
وقال الرسول : ” من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية ” .
فلا تتحقق المعرفة الصائبة بالحجج وطاعتهم ، إلا مع المعرفة بالرسول وطاعته ، ومع المعرفة الصائبة بالرسول ، والالتزام بطاعته التزاما عزما ، تتحقق المعرفة بالحجج وطاعتهم ” فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ” .
الفكرة ( 4 ) : لا يمكن أن يبقى الدين صحيحا سالما من التحريف والتبديل بدون معرفة الحجج وطاعتهم ( عليهم السلام ) فلا معرفة صائبة في الحياة ، ولا سلامة في المشاعر والسلوك والمواقف والعلاقات بدون المعرفة بالحجج وطاعتهم ” فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ” .
والخلاصة : من عرف الحجج فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله . ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، ومن تخلى عنهم فقد تخلى عن الله عز وجل .
وهذه الأفكار الأربع تعبر عنها الشهادات الثلاث : أشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأشهد أن عليا ولي الله . فالشهادة لله عز وجل بالألوهية ، تتضمن الشهادة للنبي بالرسالة ، والشهادة للنبي بالرسالة ، تتضمن الشهادة للحجة بالولاية ، وأن الاستقامة في الدين لا يمكن أن تتحقق بدون معرفة الحجة وطاعته .
وقبل أن أنهي الحديث في هذه النقطة أرغب في ذكر إشارة مهمة من إشارات هذا الدعاء الفذ ، وهي : أن المعرفة بالأشخاص والمواقف منهم ومن أطروحاتهم وسلوكهم ومواقفهم العامة في الحياة ، يجب أن تمر من خلال المعرفة الأكيدة بالله عز وجل وطاعته وليس العكس ( أعرف الحق تعرف أهله ) ونحن نجد ( من واقع التجربة ) من المؤمنين الأعزاء من يجعل ( بسبب الجهل ) الطريق إلى معرفة الله عز وجل وطاعته والحكم على الأشخاص وأطروحاتهم وسلوكهم ومواقفهم في الحياة التعصب لأشخاص بعينهم ( من غير المعصومين ) والطاعة العمياء لهم ، مما يجعل منهم حجابا بينه وبين الله عز وجل ، فتعمي عليه الرؤية الصحيحة لله عز وجل ولدينه وللواقع وللأشخاص وللأطروحات والسلوك والمواقف ، وهذا مما يخدش ( قطعا ) في عقيدة التوحيد ويؤدي إلى الضلال في الدين والدنيا .
قال الله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) .
النقطة ( 2 ) : استجابة لرغبة عريف الحفل ، فإني سوف أتطرق باختصار شديد إلى جانب من علاقة الولاية بالوحدة الإسلامية لأن الوقت لا يتسع للكثير .
أيها الأحبة الأعزاء : إن الأمة الإسلامية أمة واحدة بنص الكتاب العزيز { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } وقوله تعالى : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ولدينا في الدين الحنيف ركائز ثابتة كثيرة للوحدة بين المسلمين ، منها : وحدة الرب ، ووحدة الرسول ، ووحدة الكتاب ، ووحدة القبلة ، ووحدة العبادات الأساسية : الصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من العبادات . إلا أن الوحدة بين المسلمين لم تتحقق رغم وجود هذه الركائز ، بل هناك اختلاف بين المسلمين في معرفة الرب والرسول والكتاب والسنة .
وبحكم العقل والتجربة : لا يمكن أن تتحقق الوحدة الحقيقية والكاملة بين المسلمين بدون الولاية للحجج ( المعرفة بهم والطاعة لهم ) فهي السبيل الوحيد لتوحيد معرفة المسلمين بالله عز وجل وبالرسول والكتاب والسنة ، وبالتالي : توحيد الصفوف والمواقف ، أي : تحقيق الوحدة الإسلامية الحقيقية والكاملة ( الفكرية والاجتماعية ) وبدون الولاية لا يمكن أن تتحقق هذه الوحدة .
ولكن حتى تتحقق هذه الوحدة على يد الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فإن على كافة المسلمين أن يحفظوا حقوق بعضهم على بعض ، فكل من قال : ( لا إله إلا الله محمد رسول ) وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، فهو مسلم له ما للمسلمين من حقوق ، وعليه ما عليهم من الواجبات . فقد جاء في الحديث عن الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ” بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان ” ( صحيح البخاري . كتاب الإيمان ) وقال : ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا ، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم ، إلا بحقها ” ( نفس المصدر ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ” .
وقـال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ” والإسلام ما ظهر من قول وفعل ، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان ” ( الفصول المهمة . شرف الدين . ص 23 ـ 24 ) .
فعلى كافة المسلمين الحذر من تكفير بعضهم البعض ومن قتالهم وظلمهم .
وعليهم أن يقفوا صفا واحدا في الدعوة إلى الله عز وجل ( كل بحسب ما يعتقد ) والدفاع عن دينه وعن بلاد المسلمين ومصالحهم ، والحذر من تآمر بعض المسلمين على بعض ومن نصرة الأجانب على بعضهم البعض .
النقطة ( 3 ) : قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في يوم الغدير في رحلة عودته من حجة الوداع : ” إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ( قالها ثلاثا وفي رواية الإمام أحمد قالها أربعا ) اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وادر الحق معه حيث دار ، إلا فليبلغ الشاهد الغائب ” .
هذا الحديث الشريف ، وهو حديث متواتر ، يتضمن العديد من الأفكار الرئيسية ، منها :
الفكرة ( 1 ) : أن الولاية الثابتة للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنص الكتاب { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ } باقية بعده ، وأنها لن ترفع إلى يوم القيامة .
الفكرة ( 2 ) : أن الولاية التي أعطاه الله للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سوف تكون بعده مباشرة لعلي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) وقد جاء في بعض الروايات : أن الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ” ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟
قالوا : بلى .
قال : ألست أولى بكل مؤمن من نفسه ؟
قالوا : بلى .
قال : فهذا ( يعني علي ) ولي من أنا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ” .
الفكرة ( 3 ) : أن الواجب على كافة المسلمين معرفة أولياء الله وحججه ومحبتهم ونصرتهم على أعدائهم ، فمن أحبهم فقد أحب الله عز وجل والله محبه ، ومن أبغضهم فقد أبغض الله عز وجل والله مبغضه ، ومن نصرهم فقد نصر الله عز وجل والله ناصره ، ومن خذلهم فقد خذل الله عز وجل والله خاذله .
الفكرة ( 4 ) : أن من تكون له الولاية المطلقة بعد الرسول يكون ملازما للحق والحق ملازم له لا يفترقان في فكرة أو قول أو سلوك أو موقف ( وأدر الحق معه حيث دار ) فلديه جميع ما نزل على الرسول الأعظم الأكرم من العلم ، وأنه يعبر عنه بصدق ودقة في جميع أفكاره وأقواله وأفعاله ومواقفه ، ولا يفارقه في شيء من ذلك قيد شعرة . وهذا لا ينطبق إلا على الأئمة الاثنا عشر ( عليهم السلام ) ويدل على هذا أيضا حديث الثقلين ، وهو قول الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ” ( صحيح الترمذي ) وهو يدل على عصمتهم قطعا .
النقطة ( 4 ) : في ختام هذا الحديث : أرغب في ذكر مسألة في غاية الأهمية من الناحية العملية لنا في الوقت الحاضر ، وهي المرجعية الولائية في عصر الغيبة ، التي تمثل الامتداد الطبيعي لمرجعية الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) فإنها ( بحسب العقل والنقل والاجتهاد الفقهي ) للفقيه المؤهل علميا ونفسيا وإداريا ، مما يجعله حاملا للحق ومعبرا عنه في فكره وأقواله وسلوكه ومواقفه ، ولا يفارقه عن قصد أو إفراط أو تفريط ، فهو لا يخضع في فكره ومشاعره لهوى النفس والشيطان ، ولا يخضع في سلوكه ومواقفه للترهيب والترغيب ، ولا يجهل أمور الحياة العامة وقضايا الناس ، ولا يعجز عن إدارتها بالشكل الصحيح ، الأمر الذي يجعله ( علميا وعمليا ) على خط الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ويجعله امتدادا طبيعيا لهم ، ويمكنه من تحقيق غاية الدين وأهدافه في الحياة .
قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل يا رسول : وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : إتباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك ، فاحذروهم على دينكم ” ( دعائم الإسلام . ج5 ) .
وجاء في التوقيع الشريف : ” وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم ” ( كتاب الغيبة . الطوسي . ص176 ) .
وقال الإمام الحسن السكري ( عليه السلام ) : ” فإما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه ” ( الاحتجاج . الطبرسي . ج2 )
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر لكم عن كل خطأ وتقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .