قيام الأئمة بالتغيير
المكان : ديوانية الكرامة للدكتور عبد الجليل السنكيس / كرباباد .
التاريخ : 28 / صفر / 1429هج .
الموافق : 7 / مارس ـ آذار / 2008م .
الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : برنامج ثقافي .
أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .
وقع على أهل البيت ( عليهم السلام ) ظلم عظيم من بعض شيعتهم ، حيث قالوا عنهم : بأنهم تعايشوا مع الظلم وسايروا الظالمين ، وذلك في سبيل تبرير منهج القبول بالأمر الواقع والمسايرة للظالمين ، بدلا من الرفض والمقاومة والتضحية والفداء في سبيل الله عز وجل والتغيير والإصلاح .
وعنوان كلمتي في هذه الليلة : ( قيام الأئمة بالتغيير ) وهي محاولة متواضعة للمساهمة في رفع هذا الظلم عن أهل البيت ( عليهم السلام ) وسوف أجعلها على ثلاثة محاور ، أتحدث فيها باختصار شديد ، ثم اترك الباب مفتوحا للحوار ، وذلك بحسب رغبة منظم هذا اللقاء : جناب الدكتور عبد الجليل السنكيس .
المحور الأول ـ صفة أهل البيت ( عليهم السلام ) ودورهم : وفيه نقاط عديدة :
النقطة ( 1 ) : تضافرت النصوص الشريفة في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) بالنهي عن الركون إلى الظالمين .
قال الله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } ( هود : 113 ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” العامل بالظلم ، والمعين عليه ، والراضي به ، شركاء ثلاثة ” ( البحار . ج75 . ص312 ) .
كما تضافرت النصوص في مدح المقاومين للظلم .
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } ( الشورى : 39 ) .
وقال عيسى بن مريم ( عليه السلام ) : ” بحق أقول لكم : إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة ، إلا أن يستدرك البيت الأول فيهدم من قواعده فلا تجد النار محلا . وكذلك الظالم الأول لو أخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون به ، كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشبا وألواحا لم تحرق شيئا ” ( البحار . ج14 . ص308 ) .
وقد وُصف أهل البيت ( عليهم السلام ) بالصدق في القرآن الكريم .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } ( التوبة : 119 ) .
المعية : تعني الإتباع ، وهي تختلف عن الاتصاف بصفاتهم ، الذي هو الكون منهم لا الكون معهم ، والفرق ظاهر بين الحالتين . ومن الواضح : أن أتباع الصادقين يؤدي إلى اتصاف الأتباع بالصدق ، إلا أن الآية الشريفة المباركة تدل : على أن تحصيل النجاة لا يكون إلى بإتباع أئمة الحق بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين يتحلون بصفة الصدق بصورة مطلقة ، وهم الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
والصدق بمعناه الواسع يتضمن ثلاث أنواع رئيسية ، وهي :
النوع الأول ـ الصدق في الخبر : وفيه يكون الإنسان صدقا إذا طابق خبره الواقع .
النوع الثاني ـ الصدق في العقيدة : وفيه يكون الإنسان صادقا في حالتين ، وهما :
الحالة ( 1 ) : إذا كان الإنسان متجردا للحقيقة وباحثا عنها بجد ومثابرة وإخلاص ، وباذلا كل ما لديه من الوسع والطاقة من أجل تحصيلها ، وكانت عقيدته صحيحة ( أي مطابقة للواقع ) وهذا يحتاج إلى أن يكون الإنسان ناقدا وبعيدا عن التبرير ومقاوما لكل عوامل التأثير السلبي في التفكير والبحث عن الحقيقة .
الحالة ( 2 ) : إذا عمل بمقتضى ما يعتقد بعيدا عن النفاق والرياء والسمعة ، فتكون أقواله وأفعاله ترجمة دقيقة لأفكاره وعقيدته ، وتتسم أقواله وأفعاله ومواقفه بالصراحة والوضوح بعيدة عن الغدر والمراوغة والخداع والتبرير وغيرها .
النوع الثالث ـ الصدق في العزم والإرادة : وفيه يكون الإنسان صادقا إذا أتى بما يريده ويعزم عليه على نحو الجد ، ويبذل فيه أقصى ما لديه من الوسع والطاقة .
والإطلاق في المعية ولفظ الصادقين : يدل على عصمتهم ( عليهم السلام ) وتنزههم عن التعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين ، لاسيما إذا أخذنا النصوص القرآنية والنصوص الصادرة عنهم بعين الاعتبار .
النقطة ( 2 ) : أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) أئمة هدى ، يقومون بوظيفة الدعوة إلى الله عز وجل وتطبيق شريعته ، ومن الأهداف الرئيسية للرسالة السماوية إقامة العدل بين الناس .
قال الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( الحديد : 25 ) .
ومن الواضح : أن القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين فيه تعطيل لهذه التكليف الإلهي العظيم .
النقطة ( 3 ) : يحتج الزاعمون لتعايش أهل البيت ( عليه السلام ) مع الظلم ومسايرة الظالمين بصلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) وعدم ثورة أي من الأئمة ( عليهم السلام ) ضد الحكومات الجائرة ماعدا الإمام الحسين ( عليه السلام ) ويتوصلون إلى نتيجة خطيرة مفادها : أن التعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين هو الأصل في سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) والثورة استثناء . وأنا أعتقد أن في هذا القول مغالطة كبرى وظلم عظيم لأهل البيت ( عليهم السلام ) والدليل على ذلك ما يلي :
أولا : العقل والنص يحكمان بأن أفعال أهل البيت ( عليهم السلام ) وسلوكهم ومواقفهم العامة في الحياة واحدة كأقوالهم لا تختلف أبدا ، لأنها من نور واحد . والتعارض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين ( عليهما السلام ) يُحل بالنظر إلى الظروف الموضوعية لكل منهما ، ولا يصح تبرير الصلح أو الثورة في نفسهما بغض النظر عن الظروف الموضوعية المحيطة بكل منهما .
ثانيا ـ أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) قد أولوا عناية خاصة لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وشهادته ( وهذا في غاية الوضوح ) مما يدلل على أهميتها الاستثنائية في سيرتهم ( عليهم السلام ) ومحاولة منهم لتكريس الرفض للظلم والثورة على الظالمين والمستكبرين لدى المؤمنين .
ثالثا ـ أن مقاومة الظلم والثورة على الظالمين هي الأصل بحكم الفطرة والعقل ونصوص القرآن وأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد تقدم بعضها ، وهما السبيل لتحقيق غايات السماء والعزة والكرامة للإنسان ، والأمن والرخاء والتقدم والازدهار في المجتمعات الإنسانية . وأن الركون إلى الظالمين ومسايرتهم هو خلاف الفطرة وخلاف سيرة العقلاء والنصوص الدينية القطعية الصدور والدلالة .
رابعا ـ أن قضية الإمام الحجة ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) التي هي عصارة الرسالات السماوية وغايتها ، وهدفها إقامة دولة العدل الإلهي العالمية على أنقاض دول الظلم والجور في العالم ، تعني بما لا يدع مجالا للشك : أن الأصل في سيرة الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) هو مقاومة الظلم والثورة على أئمة الظلم والجور ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين والمستكبرين في الأرض .
قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وعدوانا ، ثم يخرج من عترتي من يملأها قسطا وعدلا ” ( ينابيع المودة . ص 433 ) .
المحور الثاني ـ انجازات أهل البيت ( عليهم السلام ) وسيرتهم : وفيه نقاط عديدة :
النقطة ( 1 ) : لقد أنجز أهل البيت ( عليهم السلام ) أهدافا عظيمة في حياتهم لا اختلاف عليها لشدة وضوحها ولأنها تلمس بالحس والوجدان ، منها :
الهدف ( 1 ) : خلق الكيان العظيم للشيعة ، وكان على عهدهم ولا يزال كيانا متناميا عابرا للحدود ، وكان ذلك في ظل الإرهاب الشديد للدولة ضد الشيعة .
الهدف ( 2 ) : التبليغ بالرؤية الفكرية والتشريعية الكاملة لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وكان يصاحب هذا التبليغ نقض الأطروحات المقابلة ، وكان ذلك أيضا في ظل الإرهاب الشديد للدولة ضد الشيعة .
الهدف ( 3 ) : تنظيم الحالة القيادية للشيعة وتوضيح صلاحياتها في ظل الغيبة .
ولا شك فإن تحقيق هذه الأهداف العظيمة : لا يتأتى إلا بالرفض والمقاومة وتقديم التضحيات الجسيمة ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين والركون إليهم .
النقطة ( 2 ) : لنأخذ بعضا من سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) ولنبدأ من عهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقد أعتقد بعض المؤرخين : بأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد استفاد من انشغال الأمويين والعباسيين بالصراع بينهما عن أهل البيت ( عليهم السلام ) وقام بنشر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد تجنب الدخول في السياسية من أجل المحافظة على هذا الدور العظيم . ولكنا إذا نظرنا إلى حال الإمام من بعده ، فإننا نستطيع أن نستنتج خطأ التصور السابق . فالإمام من بعده هو الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ونحن نعلم بأنه قضى معظم حياته ( الشطر الخير منها ) في السجن ، فلم يخرج من السجن إلا إلى قبره الشريف . فإذا كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد اشتغل بنشر العلوم ولم يتدخل في السياسة ، ثم يقضي الإمام من بعده معظم حياته في السجن ، فإن النتيجة الطبيعية لذلك : هو تفكك كيان الشيعة وضعف شوكتهم . إلا أن النتيجة كانت على خلاف ذلك : فقد اتفق المؤرخون على أن المأمون قد أعطى ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) وفسروا ذلك برغبة المأمون في كسب ود الشيعة لما يمثلونه من قوة عظيمة في الدولة الإسلامية ، وهذه النتيجة لا تتوافق مع القول بعدم اشتغال الإمام الصادق ( عليه السلام ) بالسياسة ، والحقيقة : أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان إلى جانب اشتغاله بنشر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) منكبا على تنظيم صفوف الشيعة ، وقد نجح في ذلك إلى الدرجة التي استطاع فيها الشيعة المحافظة على وجودهم وقوتهم والاستمرار في حمل رسالتهم رغم إرهاب الدولة الشديد ، ووجود إمامهم في داخل السجن .
ويؤكد صحة هذا الاستنتاج : حال الأئمة بعد الإمام الرضا ، وهم : الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري ( عليهم السلام ) فقد فرضت عليهم الإقامة الجبرية ووضعوا تحت الرقابة الدقيقة للسلطة ، ولكنهم مع ذلك نجحوا في تهيئة الأرضية الصالحة لغيبة الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) وتسليم القيادة في الغيبة الصغرى للسفراء الأربعة ( النيابة الخاصة ) وفي الغيبة الكبرى للفقهاء العدول ( النيابة العامة ) وهذا يدل على الرفض والمقاومة وتقديم التضحيات الجسيمة ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم والمسايرة للظالمين والركون إليهم .
النقطة ( 3 ) : أن جميع الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) قد مضوا من هذه الحياة إلى الله عز وجل شهداء مظلومين ” ما منا إلا مقتول أو مسموم ” وليس هذا إلا لشعور أئمة الظلم والجور بخطر الأئمة ( عليهم السلام ) على عروشهم . وهذا يدل على الرفض والمقاومة وتقديم التضحيات الجسيمة ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم والمسايرة للظالمين والركون إليهم .
المحور الثالث ـ المعارضة والإصلاح في عهد أهل البيت ( عليهم السلام ) : نستطيع تقسيم حركات المعارضة والتغيير والإصلاح على عهد أهل البيت ( عليهم السلام ) بصورة إجمالية إلى أربعة أقسام ، وهي :
القسم ( 1 ) : الحركات التي قادها أهل البيت ( عليهم السلام ) بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم ، ويضم هذا القسم حركة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وغيرهما .
القسم ( 2 ) : الحركات التي قادتها شخصيات إسلامية مؤمنة موثوقة ، مثل : حركة أبو نصير وأبو جندل ضد قريش على عهد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد صلح الحديبية ، وثورة المختار الثقفي ، وثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، وثورة زيد ، وثورة شهيد فخ ، وغيرها ، وهذه الحركات حظيت بمدح وثناء أهل البيت ( عليهم السلام ) ورضاهم ، ويرى البعض : بأنها خرجت بإذنهم .
القسم ( 3 ) : ردود الفعل الطبيعية ، حيث كان المؤمنون يتعرضون لأذى السلطات وقوى الموالاة ، وكانوا يدافعون عن أنفسهم كرد فعل طبيعي وبالقتال أحيانا ، وقد أقرهم أهل البيت ( عليهم السلام ) على ذلك .
القسم ( 4 ) : الحركات التي كانت تقودها شخصيات غير ملتزمة ، وكانت ترتكب الجرائم وتنتهك الحرمات ، مثل : حركة القرامطة وثورة الزنج ، وقد تبرأ أهل البيت ( عليهم السلام ) من هذه الحركات ، إلا أنهم لم ينصروا السلطات الجائرة ضدهم .
والخلاصة : أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) متصفين بالصدق ، وقد قاوموا الظلم والظالمين والمفسدين في الأرض ، ولم يقبلوا بالأمر الواقع ولم يتعايشوا مع الظلم ولم يسايروا الظالمين . وقد نجحوا رغم الإرهاب الشديد للسلطة ضدهم وضد شيعتهم في خلق كيان التشيع العظيم والتبليغ بالرؤية الكاملة : الفكرية والتشريعية والأخلاقية لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وخلق الأرضية الصالحة لتسلم القيادة البديلة ( الفقهاء ) لأزمة الأمر في عصر الغيبة . ونجحوا في تشريب المؤمنين بالحس الثوري ( الرفض والمقاومة للظلم والانحراف ) والسير على خطاهم ، وحملوهم مسؤولية الإعداد للظهور الميمون لصاحب العصر والزمان ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) حتى يتمكن من تحقيق وعد الله عز وجل في الأرض بإقامة دولة العدل الإلهي العالمية على أنقاض دول الظلم والجور في العالم . ونصيحتي إلى المؤمنين : أن يعودوا إلى فطرتهم ويسترشدوا بها في تقييم الأطروحات التي تتعلق بالتعايش مع الظلم أو الرفض والمقاومة .. وفي عقيدتي : أن الفطرة لا تقبل بالتعايش مع الظلم والجور والفساد ، لأن نتيجة هذا التعايش هو : الذل والمهانة والصغار والضعف والتخلف والفشل في الحياة ، وهو أمر لا يقبل به عقل ولا دين .
ومن جهة ثانية : فإن رفض الظلم ، لا يعني التهور وتجاهل الظروف الموضوعية التي لها تأثر الواقعي في المواقف ، وإنما يعني الصدق والإخلاص والسير بواقعية في طريق المقاومة للظلم والفساد ، واتخاذ المواقف التي تصب في المصلحة العامة ( بحسب الظروف الموضوعية ) بعيدا عن تأثير الخوف والطمع وغيرهما من عوامل الضعف والوهن والركون إلى هذا الحياة الدنيا الدنية .
ملحق : الإجابة على الأسئلة
السؤال ( 1 ) : قال ماركس : ” الدين أفيون الشعوب ” ما رأيك في ذلك ؟
الجواب ( 1 ) : كان التوظيف السيئ للدين في أوربا العصور الوسطى هو المسؤول عن ظهور العلمانية ومثل هذه المقولة الباطلة ، وإسلاميا : كنا ولا زلنا نرد على هذه المقولة الباطلة استنادا إلى النصوص الدينية القطعية الصدور والدلالة ، واستنادا إلى سيرة الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) فالدين في نفسه هو السبيل إلى العدل والحرية والتقدم والازدهار في الحياة . وفي الواقع : فإن الحكومات الجائرة وبمساندة وعاظ السلاطين وضعف بعض القائمين على الدين ، قد تحول الدين ـ وهو أقوى العوامل تأثيرا على الإنسان ـ إلى أفيون لتخدير الشعوب وقبولها بالأمر الواقع الظالم والمنحرف ، والدليل على ذلك : تكرس الظلم والتخلف والفساد في الدول الإسلامية لقرون متعاقبة ، وعجز الشعوب الإسلامية عن إزالتها رغم أنها تدين بالإسلام ، وهذا عار يجب أن يغسل ، والدين منه بريء .
السؤال ( 2 ) : هل يستفاد من كلام الأستاذ دعوته إلى المقاومة ورفض المسايرة بصورة مطلقة ؟
الجواب ( 2 ) : المستفاد هو : أن الأصل هو رفض الظلم ومقاومته ، وأن أساليب المقاومة وأشكالها تخضع إلى الظروف الموضوعية ، ولهذا صالح الإمام الحسن ، وثار الإمام الحسين ( عليهما السلام ) .
السؤال ( 3 ) : ألا ترى أن أطروحتك في فهم حركة الأئمة ( عليهم السلام ) هي أطروحة شاذة بالنظر إلى أطروحات الفقهاء ، حيث نرى فقهاء كبار كالسيد الخوئي والسيد السستاني لا ينطلقون من نفس المفهوم ؟!
الجواب ( 3 ) : يختلف الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) في مناهج العمل ، ويجب احترام جميع الفقهاء وتقديرهم ، وهذا لا يعني أن نعطل حقنا في اختيار المنهج الذي نرى أنه الأصوب من بين مناهج الفقهاء . وقد وضع الإمام الحسين ( عليه السلام ) القاعدة في الاختيار ، بقوله ( عليه السلام ) : ” فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ” فقد جعل القبول بالحق سابق على القبول بالأشخاص والمناهج . وهذه هي القاعدة التي تفرضها عقيدة التوحيد ( فالله أولى بالحق ) فعلى كل مؤمن أن يعرف الحق ويقبل به ، ثم يقبل من بالقيادات والأطروحات والمناهج والمواقف ما يرى بأنها تعبر عن الحق الذي يعرفه .
وقد عد القرآن الكريم عكس القاعدة ، وهو ( جعل القبول بالأشخاص والأطروحات والمناهج والمواقف سابق على القبول بالحق ومعيار له ) على حد الشرك بالله عز وجل .
قول الله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) .
والعمل بالقاعدة المعكوسة : يجعل الخلاف أزليا وغير قابل للحل ، ومن شأنه أن يرسخ الضلال والانحراف ، ويقطع الطريق على حركة التصحيح والتطوير في تاريخ الأمم والشعوب والمجتمعات .
السؤال ( 4 ) : كيف للناس العاديين أن يعرفوا أن ما يأتي به بعض العلماء من مواقف ليست نابعة من ضعف أو طمع ؟
الجواب ( 4 ) : من المشاكل الحقيقية التي تواجه المؤمنين وتنعكس آثارها السلبية الخطيرة جدا على أوضاع المسلمين ، أن الفقيه بما هو فقيه ، وعالم الدين بما هو عالم دين ، ليس محصن ضد الوقوع في شباك الخوف والطمع . وليس كل فقيه أو عالم دين يقع في شباك الخوف أو الطمع يمتلك الشجاعة الأدبية ليقول للناس بوضوح أنه واقع في شباك الخوف أو الطمع . ومنهم من يحاول أن يبرر مواقفه المتولدة من الخوف أو الطمع دينيا ويستميت في الدفاع عنها ، مما أنتج لنا أفكارا دينية وفتاوى تبريرية أدت إلى تشويش الرؤية أمام المؤمنين . والحل للخروج من هذا المأزق : أن يتحمل المؤمنون المسؤولية بالرجوع إلى فطرتهم في اختيار المنهج الذي يلامس فطرتهم من بين المناهج التي يطرحها الفقهاء العظام في الساحة الإسلامية ، وأن يتبعوا القيادات التي تعبر عنه بصدق وإخلاص ، ويلمسوا ذلك بالحس والوجدان ، وليس بالتبرير والأحكام المسبقة .
السؤال ( 5 ) : كيف تفهم السلوك السياسي للإمام السجاد ( عليه السلام ) بعد شهادة أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ؟
الجواب ( 5 ) : الإمام السجاد ( عليه السلام ) هو أول إمام لم يولد على عهد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبالتالي لم تكن له في أول عهده نفس الهالة التي كانت في نفوس المسلمين للأئمة الذين سبقوه ، وهم : الإمام علي ، والإمام الحسن ، والإمام الحسين ( عليهم السلام ) بسبب ما سمعه المسلمون من أحاديث الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فضلهم ، ورأوا من سلوكه المتميز في تعظيمهم . ومن المشاكل التي واجهت الإمام السجاد ( عليه السلام ) أنه جاء بعد شهادة أبيه الدامية في ثورته ضد الحكم الأموي ، في الوقت الذي يتطلب منه التخطيط الرباني سلوكا سياسيا آخر . وقد نجح الإمام السجاد ( عليه السلام ) في إثبات إمامته ومكانته العلمية والروحية وحظي بمنزلة عالية بين المسلمين ( قضية الطواف وقصيدة الفرزدق ) كما نجح من خلال السير المتوازن الدقيق في المحافظة على الحس الثوري وتنميته ورعاية الحركات الثورية للثأر من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وفي العناية بالوجود الشيعي وتنميته ، والقيام بدوره التربوي والتعليمي للمسلمين ، بدون أن يتورط في المواجهة العسكرية مع النظام الأموي .
السؤال ( 6 ) : لماذا أعطى المأمون ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) ولماذا قبل الإمام بها ؟
الجواب ( 6 ) : ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) كحدث سياسي يمكن تحليله وفهمه على ضوء قواعد اللعبة السياسية ، وهذا يحتاج إلى الوقوف على مجريات الأمور على ساحة الحدث ، وتوفر المعلومات الكافية عنه . وبحسب ما هو متوفر لدينا من المعلومات التاريخية ، فإن إعطاء المأمون ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) جاء لتحقيق عدة أهداف سياسية يحتاجها المأمون العباسي لتأمين حكمه ، منها :
الهدف ( 1 ) : إضفاء الشرعية على حكمه في ظل الصراع بينه وبين أخيه الأمين .
الهدف ( 2 ) : كسب ود الشيعة كقوة سياسية فاعلة ونامية معارضة ، والسعي لاحتوائها في الجسم الرسمي .
الهدف ( 3 ) : وضع الإمام الرضا تحت رقابة السلطة ، واحتواء حركته .
وقد قبل الإمام الرضا ( عليه السلام ) ولاية العهد وفق شروط محددة ، وتصرف سياسيا بما يخيب آمال المأمون في تحقيق أهدافه ـ وهذا ما تشهد به نتائج التجربة كما نقلها لنا التاريخ ـ وهو دليل على المقاومة وليس المسايرة ، مما اضطر المأمون للتخلص من الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالسم .
السؤال ( 7 ) : هل يرفض الأستاذ عبد الوهاب المشاركة السياسية في البرلمان لأنها بحسب تصنيفه من المسايرة ؟
الجواب ( 8 ) : كانت المطالبة بتفعيل الدستور وعودة الحياة البرلمانية على رأس مطالبنا في انتفاضة الكرامة الشعبية في التسعينيات ، التي قدمنا فيها كوكبة من الشهداء الأعزاء يصل عددهم إلى ( 40 : شهيدا ) تقريبا ، ودخل السجن أكثر من ( 15 : ألف ) من أبنائنا الأعزاء ، بالإضافة إلى مئات المهجرين والمبعدين . فنحن لا نرفض المشاركة في نفسها ، والمشاركة في البرلمان قد تقوم على أساس المعارضة السياسية للسلطة .
والرفض للتجربة القائمة : إنما هو رفض لنتائج الانقلاب على الدستور العقدي وميثاق العمل الوطني ، باعتبار أن المشاركة تعني القبول بدستور المنحة غير الشرعي ، وأنها تكرس الأمر الواقع ، وتقبل بالسلطة المطلقة التي منحها دستور المنحة للسلطة التنفيذية ، وبالتالي : حرمان الشعب من حقه الشرعي في الشراكة السياسية الحقيقية ، وتصعيب الإصلاح الحقيقي في البلاد .
أيها الأحبة الأعزاء ،،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .