المؤسسات الإسلامية والتحدي الطائفي
الموضوع : مداخلة الأستاذ عبد الوهاب حسين في ندوة ( المؤسسات الإسلامية والتحدي الطائفي ) .
المكان : الماحوز ـ جمعية الرسالة الإسلامية .
اليوم : مساء الأربعاء ـ ليلة الخميس .
التاريخ : 21 / ذو القعدة / 1429 هج .
الموافق : 19 / نوفمبر ـ تشرين الثاني / 2008م .
ملاحظة : شارك في الندوة : الكاتب محمد محفوظ ( مواليد 1966 ـ المنطقة الشرقية ـ المملكة العربية السعودية ) وهو رئيس تحرير مجلة ( الكلمة ) وله ما يزيد على عشرين مؤلفا ، وأدار الندوة فضيلة الشيخ محمد أبو جاسم .
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . اللهم صل على محمد وآل محمد .
السلام عليكم أيها الأحبة ورحمة الله تعالى وبركاته .
سوف أجيب على الأسئلة التي وجهت لي دفعة واحدة ، وذلك من أجل إفساح المجال لأسئلتكم بعد الانتهاء من الإجابة .
السؤال ( 1 ) : هل هناك أزمة أو مأزق طائفي في المؤسسات .
الجواب ( 1 ) : أريد في البداية أن أأكد على حقيقتين أشار إليهما الأخ محمد محفوظ :
• كل الدول في العالم تتألف من خليط ديني ومذهبي وعرقي ، ولا توجد دولة واحدة في العالم خالصة ، أي : تتألف من أتباع دين أو مذهب أو عرق واحد .
• أن الدولة يجب عن تعبر عن مجمع هذا الخليط وتحفظ حقوق ومصالح الجميع ، ولا يجوز أن تعبر عن لون واحد من المواطنين .
هنا في البحرين : الدولة لا تعبر عن المجموع ، وإنما تعبر عن نفسها فقط وتتبنى طائفة واحدة من المواطنين ، والحالة :
• أننا كنا نتحدث في أول الأمر عن تمييز طائفي تمارسه السلطة ضد طائفة كبيرة من أبناء الشعب .
• ثم انتقلنا إلى الحديث عن إضطهاد طائفي تمارسه السلطة ضد نفس الطائفة .
• أما اليوم فالحديث يدور حول تطهير طائفي ( مادي ومعنوي ) ضد نفس الطائفة .
والسلطة إذ تمارس هذا السلوك الطائفي ، فإنها لا تمارسه لدوافع دينية ، لأن القائمين على السلطة لا ينطلقون من الدين في ممارساتهم السياسية ، وإنما تمارسه لدوافع سياسية .
والنتيجة : السلطة مؤسسة طائفية بامتياز .
وقد انتجت هذه السلطة الطائفية مؤسسة برلمانية بتشكيلة طائفية بامتياز ، جعلت كل الأطروحات والمعالجات للقضايا فيها ذات صبغة طائفية . فإذا فرضنا أن الوفاق تسعى لجعل أطروحاتها ومعالجاتها للقضايا بصبغة وطنية ، فإنها لن تنجح في ذلك ، لأن التشكيلة الطائفية تحاصرها وتفرض نفسها على الأطروحات والمعالجات وتصبغها بصبغتها .
والنتيجة : لقد ساهمت هذه المؤسسة البرلمانية السيئة في ترسيخ الطائفية بدلا من محاربتها والقضاء عليها .
أما من الناحية الشعبية : فيجب أن نميز بين :
• الحالة العامة للشارعين : السني والشيعي .
• ونخبة المنتفعين والمؤسسات الطائفية .
فالحالة الشعبية العامة في الشارعين لا تعيش الطائفية ماعدا مساحة ضيقة لا يعتد بها .
ولكن هناك مؤسسات ونخبة سيئة من المنتفعين تعيش الطائفية وتغذيها ، وتسعى السلطة بمساعدة هؤلاء السيئين لنشر الطائفية بين المواطنين وجعلها حالة عامة في الشارعين : السني والشيعي على حساب الدين والوطن ، وذلك بالاستفادة من المصادر الطائفية الخارجية ( المدارس الفكرية والسياسية الأم ) لتغذيتها ، حيث لا توجد مدارس طائفية شعبية أصيلة في البحرين تغذي الطائفية ، وكل ما هو موجود مستورد من الخارج ويتغذى على الخارج .
السؤال ( 2 ) : ما هي مظاهر الطائفية في المؤسسات ؟
الجواب ( 2 ) : ليس من الطائفية المقيتة الانتماء إلى الطائفة ، فكل إنسان له دين أو مذهب أو عرق ينتمي إليه ، وهذه حالة إنسانية سوية وحق طبيعي للإنسان ، وبعضها خارج عن إرادة الإنسان وغير قابل للتغيير ، مثل : الانتماء العرقي أو القومي .
وليس من الطائفية المقيتة التفكير ومعالجة القضايا من خلال الرؤية الفكرية والفقهية والأخلاقية للطائفة ، فكل أصحاب دين أو مذهب يفكرون ويعالجون القضايا من خلال الرؤية الفكرية والفقهية والأخلاقية التي يؤمنون بها ، وهذه حالة إنسانية منطقية وضرورية في الحياة الإنسانية ، ولا يمكن أن تنفك عنها .
وأشير هنا إلى خطأ يقع فيه بعض العلمانيين بإدعائهم : أن المؤسسات العلمانية هي وحدها غير الطائفية لأنها تضم أبناء جميع الأديان والمذاهب ، وهذا إدعاء خاطيء لسببين :
السبب ( 1 ) : أن التفكير من خلال الرؤية الفكرية والفقهية والأخلاقية للطائفة ليس من الطائفية ، وإنما هو حالة إنسانية منطقية وضرورية .
والسبب ( 2 ) : أن المؤسسات العلمانية تفكر وتعالج القضايا من خلال رؤيتها الفكرية والقانونية والأخلاقية العلمانية ، وهي لا تختلف في ذلك عن أتباع الأديان الأخرى .
وليس من الطائفية المقيتة إظهار مظلومية الطائفة حينما يقع عليها الظلم والمطالبة بحقوقها الطبيعية والمكتسبة المشروعة ، فذلك حق طبيعي لها :
• فيجب على الدولة أن تحافظ على حقوق جميع الطوائف وتحترم خصوصياتهم الثقافية والدينية والمذهبية .
• ويجب على جميع المواطنين الشرفاء أن يظهروا للرأي العام مظلومية أية طائفة يقع عليها الظلم ويستنكروه ويطالبوا باعطاء جميع الطوائف حقوقها واحترام خصوصياتها الثقافية والدينية والمذهبية .
فهذا هو الأساس الذي يقوم عليه العدل والاستقرار والتقدم والرخاء في المجتمعات والدول .
ولكن من الطائفية المقيتة التفكير من خلال الطائفة ، وهو يختلف عن التفكير من خلال الرؤية الفكرية والفقهية والأخلاقية للطائفة ، فالإنسان الراشد في الحالة السوية يشكل الرؤية أو يتبنى الرؤية عن قناعة عقلية ، ومن خلالها ينتمي إلى الطائفة ، ومن خلال الرؤية يفكر ويعالج القضايا .
أما التفكير من خلال الطائفة : فهو ينتمي أولا ثم يجعل الطائفة ورجالها معيارا للحق والصواب في الأطروحات والمواقف ( الانتماء مقدم على الرؤية وأساس لها ) مما يؤدي إلى ضياع الحقيقة والاضرار بالمصالح العامة .
ومن الطائفية العمل لمصلحة الطائفة وتجاهل مصالح الشركاء في الدين والوطن ، وأسوء منه : السعي للحصول على مصالح ومكتسبات على حساب المصالح والمكتسبات المشروعة للطوائف الأخرى .
السؤال ( 3 ) : هل تسمى التجمعات أو المؤسسات التي تتكون من طيف واحد طائفية ؟
الجواب ( 3 ) : يعرف الجواب على هذا السؤال من خلال الإجابة على السؤال السابق .
السؤال ( 4 ) : ما هي الأسباب والعوامل التي تؤدي للطائفية في المؤسسات ؟
الجواب ( 2 ) : العوامل ثلاثة :
العامل ( 1 ) الجهل والتعصب : فالطائفية حالة غير منطقية لأنها لا تنسجم مع الحق والعدل وهما أول ضحاياها ، فالطائفية لا ترى الحق ولا العدل ولا تبحث عنهما ولا تلتزم بهما ، فلا يمارس الطائفية أو يدعو إليها إلا كل جاهل ظالم ، لا علم له ولا دين .
العامل ( 2 ) قصر النظر : لأن دعاة الطائفية والقائمين عليها ـ إذا كانوا متجاوزين لذواتهم وحريصين على مصلحة الطائفة ـ فإنهم يضرون من خلال الطائفية طائفتهم في الوقت الذي يضرون الآخرين من شركاء الدين والوطن . فالمكاسب الضئيلة والحقيرة التي تحصل عليها الطائفة من خلال التوجهات والأعمال الطائفية لا تساوي شيئا بالنسبة إلى الخسائر الفادحة التي تخسرها بسبب ذلك .
هنا في البحرين : السلطة تعمل على صبغ صراعها مع المعارضة بصيغة طائفية ، وقد نجحت في ضم القوى السياسية السنية إلى صف الموالاة على أساس طائفي ، فما هي النتيجة ؟
الجواب : النتيجة ، هي :
• كثافة التجنيس السياسي الذي يضر بمصالح جميع السكان الأصليين سنة وشيعة .
• الجميع محروم من حق الشراكة في صناعة القرار وتقرير المصير .
• الجميع محروم من حقه في الأرض والثروة .
• الجميع يعاني من النقص الفظيع في الخدمات الأساسية بسبب الفساد وغياب الرقابة .
• الجميع يعاني من أخطار عدم الاستقرار الأمني والسياسي .
ولو تمسك الجميع بالوحدة الإسلامية والوطنية والمطالبة بالحقوق على أساس الشراكة الوطنية لكن الوضع أفضل بكثير ولمصلحة الجميع .
والخلاصة : التمسك بالوحدة الدينية والوطنية والعمل من أجل جميع الشركاء في الدين والوطن يؤدي إلى حفظ حقوق ومصالح الجميع ، والطائفية تضر بمصالح الجميع وتؤدي إلى تضييع حقوقهم الطبيعية والمكتسبة .
العامل ( 3 ) السقوط الروحي والأخلاقي : الطائفية التصاق بالدنيا والتراب ، وتجسيد للظلم والطغيان ، وتجلي خبيث للأنانية والفساد ، فهي دليل على السقوط الروحي والأخلاقي ، ولا يمكن أن يمارسها أو يدعو إليها صاحب دين أو ذو نبل وشرف .
قال الله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ( المائدة : 2 ) .
وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 ) .
السؤال ( 5 ) : ما هي الحلول والمخارج من هذه الأزمة ؟
الجواب ( 5 ) : الجواب يقع في ثلاث نقاط :
النقطة ( 1 ) : تجريم التمييز الطائفي قانونيا ، فلا جدية ولا نجاح في مواجهة التمييز الطائفي بدون ذلك .
النقطة ( 2 ) : التمثيل السياسي العادل لجميع الطوائف ، فكلما اختل التمثيل السياسي للطوائف ، تأزم الوضع طائفيا ، واختل الأمن ، وتضررت مصالح جميع المواطنين .
النقطة ( 3 ) : يجب التمييز بين الحالة الشعبية وبين نخبة المنتفعين والمؤسسات الطائفية والسلطة في التعامل :
• فعلى صعيد الحالة الشعبية : يجب التأكيد على المحبة والتواصل الشعبي المستمر والشامل بين الشارعين : السني والشيعي ، وترسيخ الحوار والعمل المشترك بين المؤسسات الوحدوية .
• أما نخبة المنتفعين والمؤسسات الطائفية والسلطة : فلا ينفع معها إلا خلق التوازن وتشكيل الضغط عليها لكي تقتنع بحكم الواقع أن مصلحتها تكمن في الإصلاح الحقيقي والعدل والمساواة بين جميع المواطنين ، وأن الطائفية تضر بمصالحها .
وقد أثبتت التجارب ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ بأن الخطابات وإظهار حسن النوايا لا يقنعها ولا يحرك ضميرها قيد شعرة .
أسئلة الجمهور :
السؤال ( 1 ) : برر الشيخ عبد اللطيف المحمود خروجه عن أصحاب العريضة بأن عبد الوهاب حسين قال : بأنه يعمل من أجل الطائفة !!
ما حقيقة ذلك ؟
الجواب ( 1 ) : وفيه نقاط :
• ذكر فضيلة الشيخ عبد اللطيف المحمود بأن عبد الوهاب قال ذلك في جلسة مغلقة ، وأنا أقول : ليس في خطاب عبد الوهاب المنتشر بين الناس وسلوكه ما يدعم هذا الادعاء ، وقد رد شركاؤنا القائمون على العريضة ، مثل : عبد الله المطيويع ، وعلي ربيعة ، والشيخ عيسى الجودر ، على هذا الادعاء ، ويمكن الرجوع إليهم وسؤالهم عن ذلك .
• لم يكن العمل حصرا بين فضيلة الشيخ عبد اللطيف وعبد الوهاب حسين ، وإنما كان لنا شركاء في العمل ، فلماذا لم يطرح فضيلة الشيخ الموضوع على الشركاء ويحكمهم فيه ؟
• إذا كان فضيلة الشيخ يؤمن بالعمل الإسلامي والوطني المشترك ، لماذا تخلى عنه ولم يستمر فيه مع شركاء آخرين .
السؤال ( 2 ) : ما قيمة المؤتمرات التي تنظمها الدولة بخصوص الطائفية ؟
الجواب ( 2 ) : الدولة تنظم مؤتمراتها بدوافع سياسية ، فهي تمارس الطائفية ولكنها تحاول حجب الحقيقة وتضليل الرأي العام في الداخل والخارج بعدة وسائل ، منها :
• إنتاج خطاب استهلاكي / للإعلام يتحدث عن الوحدة .
• تقريب بعض الوجوه وشراء ضمائرها .
• تنظيم المؤتمرات والندوات المخادعة ، على غرار ندوة دار القرآن الكريم في الآونة الأخيرة التي تزامنت مع ندوة الكونجرس الأمريكي التي استعرض فيها التمييز ضد الشيعة في البحرين .. لتكون الرسالة : كيف تناقشون التمييز ضد الشيعة في البحرين ورموز الشيعة والسنة في البحرين مجتمعين للحوار تحت سقف واحد ؟! .
والخلاصة : يجب أن نعرف الدوافع الحقيقة لمثل هذه المؤتمرات والندوات ولا نقيم لها وزنا ونعتمد على الأنشطة والفعاليات الشعبية والتي تنظمها القوى والمؤسسات والدول التي تؤمن بالوحدة وتعمل من أجلها بصدق وإخلاص .
السؤال ( 3 ) : سعت السلطة لصبغ الانتفاضة في التسعينات بصبغة طائفية ، وقد هاجمت المساجد والمآتم الشيعية لكي يقوم الشيعة بردة فعل معاكسة يهاجمون فيها مساجد السنة فتحدث الفتنة ، ولكنها فشلت في ذلك . ما هو السبب في رأيك ؟
الجواب ( 3 ) : الفشل يعود لعدة أسباب ، منها :
• الصبغة الوطنية لأصحاب العريضة .
• ما قلته في المداخلة الرئيسية : بأن الحالة العامة للشارعين : السني والشيعي غير طائفية ، فهم جميعا طيبون ولا مصلحة لهم في الطائفية .
• تربية الأئمة ( عليهم السلام ) لشيعتهم على التقوى وحرمة دم المسلم ، وهذا قد خلق في نفوسهم طابع الطيبة والسلمية والتحرز الشديد في الدماء . أنظروا إلى هذا الواقع المثير للدهشة والعجب : يسكن المجنس / المستوطن في جوار شخص من السكان الأصليين المحرومين ، وفي الصباح يلتقي الاثنان : المجنس يرتدي الزي العسكري أو المدني وعليه آثار النعمة ، والمواطن تظهر عليه آثار الفقر والفاقة والحرمان ، ولا شك أن هذا الواقع يؤذي المواطن الأصيل ويجرحه ، ولكنه مع ذلك يبادل المجنس التحية !!
والخلاصة : يكذب والله من يصف هؤلاء الطيبون بالقتلة وخاب سعيه ورب الكعبة .
• الارتباط بالفقهاء العدول ، حيث يؤدي هذا الارتباط المحمود إلى ترشيد المسيرة النضالية ومحافظتها على استقامتها . فأتباع مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) مارسوا النضال في تاريخ مبكر ودام نضالهم لأكثر من ( 14 : قرن ) وقد واجهوا حكومات ذات ألوان فكرية وسياسية عديدة ، ومع ذلك لم يتورطوا في الإرهاب ، بينما تورطت فيه الكثير من الحركات الجهادية في مدرسة الخلفاء ، وذلك بسبب توقف عملية الاجتهاد ، وتصدي كل من هب ودب للإفتاء وقيادة العمل الإسلامي .
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .