إطلالة سياسية على الأوضاع في الساحة الوطنية
اليوم : مساء الخميس ـ ليلة الجمعة .
التاريخ : 22 / ذو القعدة / 1429 هج .
الموافق : 20 / نوفمبر ـ تشرين الثاني / 2008م .
الموضوع : مداخلة الأستاذ عبد الوهاب حسين في ندوة معتقلي كرزكان .
المكان : قرية كرزكان ـ المأتم الشمالي .
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . اللهم صل على محمد وآل محمد .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .
سوف أجعل كلمتي في نقاط ، وذلك للأهداف التالية :
• الاختصار .
• والمزيد من الوضوح .
• ومن أجل تضييق الخناق على شياطين التأويل وسفهائه ، الماحقين للحق ، والآخذين بسوء الظن في الفهم والتأويل على خلاف العقل والدين ، ولا حيلة لنا مع هؤلاء الشياطين والسفهاء ، إلا أن يحكم الله جل جلاله بيننا وبينهم بحكمه الذي لا يرد .
اللهم لا تهلكنا بسوء الظن وبما فعل السفهاء منا { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } .
النقطة ( 1 ) : لقد قدم ميثاق العمل الوطني للسلطة فرصة ذهبية من أجل إحراز الثقة مع الشعب وإصلاح الأوضاع على الساحة الوطنية ، غير أن السلطة ضيعت هذه الفرصة الذهبية بالانقلاب على الميثاق والدستور العقدي وطرح وثيقة 2002 . وقد تباينت المواقف من الانقلاب ، وكانت كالتالي :
• من بارك الانقلاب واعتبره غنيمة سياسية ومذهبية .
• من اعتبره خطأ ولكنه قبل به كأمر واقع .
• من رفضه وعمل على مقاومته .
وقد مارست السلطة القمع وإرهاب الدولة ضد من رفض الانقلاب وقاومه ، وأدى ذلك إلى تدعيات أمنية ، كانت آخر حلقاتها : قضية حرق الجيب في كرزكان ، وحرق الجيب في دمستان .
والخلاصة : أن تدهور الأوضاع الأمنية سببه :
• الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والدستور العقدي .
• وممارسة السلطة للقمع وإرهاب الدولة ضد الذين رفضوا الانقلاب وقاوموه بالأساليب السلمية الحضارية .
وهذا التشخيص يسلط الضوء بكثافة على :
• المواقف المتباينة من الانقلاب على الميثاق والدستور .
• ومناهج التعاطي مع السلطة .
• وحقيقة التداعيات الأمنية على الساحة الوطنية .
ويساعد كل من يريد تكوين رؤية واقعية واضحة حول هذه الأمور .
النقطة ( 2 ) : لقد عملت السلطة ولازالت تعمل من أجل صبغ صراعها مع المعارضة الوطنية بصبغة طائفية ، وذلك للأهداف التالية :
• تضليل الرأي العام .
• محاصرة المعارضة الوطنية محاصرة طائفية .
• العمل على كسب الشارع السني واستمالة قواه السياسية للاصطفاف معها على أساس طائفي بعد أن يئست من الشارع الآخر الذي يمثل العمود الفقري للمعارضة في الوقت الرهن .
وقد أصبحت الوفاق محاصرة في البرلمان بتشكيلته الطائفية ، فالوفاق تريد أن تكون أطروحاتها ومعالجاتها للقضايا في البرلمان وطنية ، إلا أنها فشلت ولم تنجح ولن تنجح مهما حاولت ، لأن التشكيلة الطائفية تحاصرها وتفرض نفسها عليها ولا تستطيع الفكاك منها بأي حال من الأحوال مهما حاولت .
ومن جهة ثانية : فإن حركة حق قد أحرجت السلطة بتشكيلتها الوطنية .
وحركة حق في الحقيقة : ليست حركة إسلامية ، وإنما هي حركة وطنية ، تضم شخصيات إسلامية تتصف بالتقوى ، مثل : فضيلة الأستاذ حسن المشيمع ، وجناب الدكتور عبد الجليل السنكيس ، كما تضم شخصيات علمانية : يسارية ولبرالية ، وهي ليست البديل المطلوب لإصلاح الحالة القيادية في التيار ، إلا أنها نجحت في خدمة بعض الملفات على أساس وطني ، وأحرجت السلطة بتشكيلتها الوطنية ، وقامت بدور مهم على الساحة الوطنية لمواجهة التوجهات الطائفية للسلطة وقوى الموالاة .
النقطة ( 3 ) : لقد انتهجت المعارضة الوطنية منهجا سلميا حضاريا في مواجهة الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والدستور العقدي ، وقد وجدت السلطة بأن هذا المنهج يحرجها ويضيق عليها الخناق ولا يعطيها المبرر للقمع والإرهاب ، فلجأت ـ كما في التسعينات ـ إلى افتعال الأحداث الأمنية وخلق المسرحيات الأمنية الفاشلة والمضحكة ، وكانت مسرحية حرق الجيب في كرزكان ثم حرق الجيب في دمستان آخر حلقاتها ، وذلك للأهداف التالية :
• تضليل الرأي العام .
• وتشويه صورة المعارضة .
• وإيجاد المبررات للقمع وإرهاب الدولة الذي تمارسه ضد المعارضة .
وللأمانة التاريخية : فإن بعض التصريحات الانفعالية المستعجلة التي انتجتها الغيرة السياسية وضعف الخبرة ، قد شجعت السلطة على المضي قدما في مسرحية حرق الجيب في كرزكان ، وأوقعت ظلما كبيرا على المتهمين . وقد حدث تدارك في الآونة الأخيرة ، ويجب المضي قدما في هذا التدارك بالقول والعمل ، فإن من شأن الاستمرار في التدارك الصادق أن يحدث التلاقي حول هذه القضية الخطيرة جدا ، ويقلل من الظلم الواقع على المتهمين في الوقت الحاضر والمحتمل وقوعه في المستقبل ، وهذا التدارك مما يقتضيه : الدين والأخلاق والسياسة النظيفة ، حيث :
• الواجب الديني والأخلاقي في الدفاع عن المظلومين ونصرتهم .
• والمصلحة العامة في تلاقي الفرقاء ، فالقضية تفسح المجال لهذا التلاقي ، والتلاقي أصبح اليوم مصلحة دينية ووطنية .
النقطة ( 4 ) : على صعيد التيار ، هناك خطان :
• خط يعمل من داخل البرلمان .
• وخط يعمل من خارج البرلمان .
وقد ثبت بالتجربة التي لا تقبل الشك بأن :
• المشاركة لم تقدم شيئا يعتد به للوطن والمواطنين ، فهي لم تنجح في تحسين الوضع الدستوري أو السياسي أو الخدمي أو المعيشي ولم تنجح في منع التدهور الأمني والحقوقي للمواطنين ، فحصيلتها صفر أو لا شيء بتقدير المشاركين أنفسهم .
• وأن العمل من خارج البرلمان قد نجح في خدمة بعض الملفات ونقلها إلى المؤسسات الدولية .. وأكرر : بأن حركة حق ليست البديل المطلوب ـ بحسب رأيي ـ لإصلاح الحالة القيادية في التيار ، ولكنها نجحت في ملأ بعض الفراغ ، وخلق نوع من التوازن البسيط مع السلطة ، ولولا وجود حركة حق لكانت الأوضاع أسوء كثيرا مما هي عليه الآن .
وكانت بين الخطين قطيعة ، إلا أن :
• تدهور الأوضاع على الساحة الوطنية ووصولها إلى درجة خطيرة .
• والاخفاق في التجربة البرلمانية وما حققه العمل من خارج البرلمان من نجاح .
قد أقنع الخطين بالحاجة إلى التلاقي والتفاهم بينهما .
وهنا أشير إلى نقطة سلبية وأخرى إيجابية :
• النقطة السلبية : لقد كان في خطاب الأحبة في الدعوة إلى المشاركة وعودا كثيرة ، ثم أثبتت التجربة الأخفاق ـ وهو شيء مسلم به لدى الجميع ـ فأنتقل الخطاب إلى التنصل من المسؤولية عن الإخفاق ، وتحميل السلطة وقوى الموالاة المسؤولية الكاملة عن ذلك ، وتم تجاهل ما قيل سابقا : بأن العيب في المؤسسة وليس في الأعضاء ، وهذه نقطة سلبية ، وانا أدعو الأحبة إلى الواقعية في التفكير والتقييم ، ومواجهة التجربة ونتائجها بشجاعة أدبية ، وإعادة النظر في الموقف برمته ، والعمل على تصحيحه بما يخدم المصلحتين : الإسلامية والوطنية .
• أما النقطة الايجابية : فتتمثل في الشعور لدى الجميع بالحاجة إلى التلاقي والتفاهم بينهم ، وإدراك أهمية العمل من خارج البرلمان ، وأهمية حمل الملفات إلى المؤسسات الدولية ، وقد أصبح ذلك واضحا في الخطاب من الطرفين في الآونة الأخيرة ، بعد شك وتردد في الماضي ولو عند بعضهم على الأقل .
النقطة ( 5 ) : وأختم بها الحديث ، وفيها :
• إن التراجعات الخطيرة على الساحة الوطنية ، وما حل بالتيار من فتنة وبلاء ، لا ينفصل من الناحية الواقعية والمنطقية عن الحالة القيادية وأساليب الإدارة للأوضاع والملفات الساخنة على الساحة الوطنية ، ولن تتوقف التراجعات وتصلح الأوضاع ، إلا بإعادة النظر في الحالة القيادية وأساليب إدارتها للأوضاع والملفات الساخنة ، وإصلاح الخلل الحاصل فيها وتطوير أدائها .
• أن التراجعات الخطيرة على الساحة الوطنية ، هي وليدة للخلل في التوازن بين السلطة وقوى المعارضة ، ولن تتوقف التراجعات وتصلح الأوضاع إلا بنجاح المعارضة في خلق التوازن بينها وبين السلطة ، والقيام بالضغط الفعلي المؤثر والفاعل على السلطة لإقناعها عمليا من خلال الضغط بأن مصلحتها في الإصلاح الحقيقي وليس في الدكتاتورية والاستبداد والاستئثار بالثروة والفساد ، وقد ثبت للجميع ـ بالتجربة التي لا تقبل الشلك ـ بأن السلطة لا تتأثر بالخطابات المنبرية وإظهار حسن النوايا ، ما لم تكون مصحوبة بالضغط الفاعل والمؤثر على أرض الواقع .
جواب على سؤال من الجمهور :
السؤال : ما هي قراءتكم للوضع السياسي الحالي في ظل المتغيرات وأداء السلطة ؟
وهل هناك رؤية متفق عليها بين رموز المعارضة ؟
الجواب : الوضع سيء جدا ، وقد قلت في المداخلة الرئيسية : بأن التراجعات وليدة للخل في التوازن بين السلطة والمعارضة ، وما لم تنجح المعارضة في خلق التوازن بينها وبين السلطة ، فإن الأوضاع سوف تزداد سوء على سوء .
أنظروا إلى الدور الذي يقوم به الأهالي في كرزكان في الدفاع عن المعتقلين ، والدور الذي يقوم به أهالي القرى الأربع في الدفاع عن حقهم في إسكان النويدرات ، والدور الذي يقوم به أهالي المنطقة الشمالية في الدفاع عن حقهم في المدينة الشمالية ، إنها أدوار قوية ومتميز ، إلا أن نتائجها ضئيلة جدا ، والسبب في ذلك يعود إلى ضعف الحالة العامة للمعارضة والتيار ، فما لم تنجح المعارضة في إيجاد التوازن بينها وبين السلطة ، فكل الجهود سوف تذهب سدى ، وسوف يستمر التدهور ، وتستمر التراجعات ، وتضيع الحقوق الطبيعية والمكتسبة للمواطنين .
والخلاصة : إن إيجاد التوازن بين المعارضة والسلطة يعتبر ضرورة وطنية من أجل الإصلاح والتطوير ، وبدونه لا أمل .. لا أمل في الإصلاح والتطوير هذا الوطن السليب .
وتوجد في الساحة الوطنية وعلى مستوى التيار في الوقت الراهن مخاضات عسيرة ومؤلمة جدا ، ويجب على الجميع أن يتحمل مسؤوليته الدينية والوطنية ، ليكون الوليد بعد المخاض العسير سليما ويحقق الطموحات والأمال المنشودة .
أما عن الرؤية المتفق عليها بين الرموز : فأعلموا بأن المشكلة ليست في إيجاد الرؤية ، وإنما في الإرادة ، فالتيار لديه ما يكفيه وزيادة من الكوادر ذات الكفاءة العالية التي تستطيع وضع الرؤى واستراتيجيات العمل وتكتيكاته الناجحة ، ولكن الإرادة غير متوفرة ، وذلك يتعلق أكثر ما يتعلق بالتطبيق .
وللعلم : فإني قمت في وقت مبكر في ( عام : 2001م ) وقبل أن تتكون جمعية الوفاق بتشكيل فريقين للعمل :
الفريق الأول : مكلف بوضع استراتيجية عمل للتيار .
الفريق الثاني : مكلف بوضع برنامج إسلامي للعمل الوطني ، وقد كتبت ورقة عمل هذا الفريق بنفسي ، وكان البرنامج ـ بحسب الورقة ـ يتألف من أحد عشر محور ، كل محور يتألف من قسمين :
• الخطوط العامة للرؤية .
• وبرنامج العمل .
مثل : الخطوط العريضة لرؤيتنا في السياسية الخارجية وبرنامج عملنا فيها ، والخطوط العريضة لرؤيتنا في السياسة الداخلية وبرنامج عملنا فيها ، وهكذا في التعليم والاقتصاد .. الخ .
وقد بدأ الفريقان العمل وقطعوا شوطا كبيرا ، إلا أن عمل الفريقين توقف بعد خروج الوفاق إلى عالم النور ، ولم يخرج من عمل الفريقين إلا ورقة واحدة ، هي الورقة التي شارك فيها الدكتور عبد علي محمد حسن فيما يتعلق بالتعليم ، وقد أخرجها هو تحت عنوان رؤية الوفاق في حقل التعليم .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر إليكم عن كل خطأ أو تقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .