لقاء الثلاثاء (76) | 1-2-2011
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
من أخلاق القيادة في الإسلام
بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول أخلاق القيادة في الإسلام، وجعل محور حديثه يدور حول تجربة الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه القدوة الحسنة الكاملة والمثل الأعلى للقيادة الحكيمة الناجحة في الإسلام، ومهَّد للموضوع بالحديث عن أخلاق الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبيل إبراز القيمة الخاصة المتميزة التي توليها الرؤية الإسلامية للأخلاق، فتلى قول الله تعالى: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍا(([1]).
وقال: الخلق في اللغة، هو: السجية والطبع والعادة والدين، وفي الاصطلاح، هو: حالة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، فالأحوال غير الراسخة في النفس لا تكون خُلقًا، وقد ميّز علماء الأخلاق بين الخُلُق والفعل.
- فقد يكون خُلُق الإنسان السخاء ولكنه لا يبذل في بعض الحالات إما لفقد المال أو لمانع عقلائي آخر.
- وقد يكون خُلُق الإنسان البخل ولكنه يبذل في بعض الحالات لمصلحة خاصّة أو لرياء.
والعظيم، هو: الذي يمتلك زيادة نوعية حسنة على الآخرين المشتركين معه في الصفة أو المعنى، فمثلاً:
(أ): العالِم العظيم هو العالِم المتميّز في علمه عن غيره من العلماء: سعة في العلم، وعمقًا في الفهم، وتنوّعًا في المعرفة، وإبداعًا في العطاء العلمي، ونحوه، فهو يملك من العلم ما لا يملكون.
(ب): وذو الخلق العظيم، هو: المتميّز تميّزًا نوعيًا حسنًا: (رفعة وسعة جامعة وعمقًا) في أخلاقه عن كل ذي خلق رفيع، وكان خلق الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) جامًعا لخُلُق القرآن الكريم.
(ج): ويوصف الله ذي الجلال والإكرام بالعظمة، لأنّه: واجب الوجود الكامل المطلق الذي ليس كمثله شيء، ويتميّز بتفوق لا نهائي في جميع صفاته على كل موجود.
وقال: العظيم لا تكون صفاته وأفعاله إلا حميد محمودة.
وقال: العظيم: نقيض الحقير، وليس نقيض الصغير.
- فقد يكون الشيء كبيرًا ولا يكون عظيمًا.
- وقد يكون الشيء صغيرًا ولا يكون حقيرًا.
وقال: تنقسم العظمة إلى قسمين:
- العظمة المادية، وهي: الضخامة والفخامة.
- والعظمة المعنوية، وهي: المجد والعز والكبرياء.
وقال: هناك ثلاثة مكوِّنات أساسية لشخصية الإنسان.
(1) ـ العقل: وتتكفل العقائد والأفكار بصياغته.
(2) ـ النفس: وتتكفل القيم الأخلاقية بصياغتها.
(3) ـ الجوارح: وتتكفل الأحكام الشرعية بضبطها والتحكم فيها وتوجيه السلوك والمواقف التي تؤديها.
وقال: توجد علاقة تبادلية في التأثير بين هذه العناصر الثلاثة، ضمن حالتين: (نزول وصعود).
(أ) ـ في حالة النزول: تكون البداية من العقل، حيث يتحصّل على الأفكار والمفاهيم والعقائد التي تقوم بصياغته وتكوينه، ثمَّ تقوم الأفكار والمفاهيم والعقائد بتكوين القيم الأخلاقية، مثل: التقوى والعدل والشجاعة والعفة والجود أو مضاداتها حيث تقوم جميعها بصياغة النفس وتحديد ماهيتها، وهذه القيم الأخلاقية هي البوابة التي تصدر عنها سلوكيات الإنسان وأفعاله ومواقفه العامة والخاصة التي تؤديها الجوارح، قول الله تعالى: )وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ(([2]) وتتولّى الأحكام الشرعية ضبط الجوارح والتحكّم فيها وتوجيه السلوك والمواقف التي تؤدِّيها الجوارح.
(ب) ـ وفي حالة الصعود: العبادات والسلوكيات والمواقف الخيّرة تغذِّي النفس وتؤثر فيها إيجابيًا، وتساهم في تصفيتها وتطهيرها وتزكيتها، قول الله تعالى: )وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(([3]) وقول الله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([4]) وقول الله تعالى : )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم(([5]) ونحوها، ومن هنا نعرف أهمية التشريعات والقوانين وقيمتها في:
- بناء وتكوين شخصية الإنسان.
- بالإضافة إلى ضبط سلوك الإنسان في الخارج، وتنظيم العلاقات المجتمعية.
ومن جهة ثانية : تؤثِّر الذنوب والمعاصي والخطايا تأثيرًا سلبيًا في النفس حيث تضعف استعداداتها للارتقاء والتكامل، وتحجب عنها المعرفة، قول الله تعالى: )أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ(([6]) وقول الله تعالى: )وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ` أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(([7]).
كما تؤثِّر الحالة الروحية الصافية في تحصيل العلوم والمعرفة، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(([8]).
وقال: من الواضح للنبيه الفطن أن الأخلاق هي الزبدة في تكوين الشخصية، والمؤشِّر على قيمتها الفعلية والحقيقية، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(([9]) فقيمة العلم والأعمال والعبادات تتحدَّد من خلال ثمرتها الأخلاقية وتأثيرها في تكوين شخصية الإنسان، قول الله تعالى: )أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ` فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ` وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ` فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ` الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ` الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ` وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(([10]) ولهذا قال الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” لأنّ الأخلاق هي الثمرة الطيبة المطلوبة من وراء المعرفة والطاعات، والتي تحدِّد القيمة الفعلية والحقيقية للإنسان، ولهذا وصف الله تبارك وتعالى الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ(([11]) كمؤشِّر دقيق على عظمته الفعلية والحقيقية.
وقال: بعد هذه المقدمة التمهيدية المهمة التي تؤكِّد على قيمة الأخلاق، ندخل إلى البحث في أخلاق القيادة في الإسلام.
قول الله تعالى: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(([12]) وقال:
- اللين: الرفق والتلطف في المعاملة واستخدام الطيّب من الكلام.
- الفظ: سيء الخلق الشرس في المعاملة قولاً وعملاً.
- القلب الغليظ: القاسي الذي لا تجد عنده الرحمة ولا الشفقة.
- لانفضوا: تفرقوا وابتعدوا.
- شاورهم: أطلب ما عندهم من الرأي، وقدم ما لديك، وتحاور معهم من أجل التوصُّل إلى القرار المناسب.
- العزم: عقد القلب على شيء يريد الإنسان أن يفعله.
- التوكل: تفويض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى والثقة بحسن تدبيره.
وقال: هذه الآية الشريفة المباركة تتضمّن أهم الصفات الأخلاقية التي ينبغي أن تتحلّى بها القيادة وفق الرؤية الإسلامية العظيمة، وسوف أبحث الموضوع على أضوائها المشعّة بالنورانية الموصلة إلى الحقيقة ـ إن شاء الله تعالى.
(1) ـ قول الله تعالى: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ( أي: بسبب رحمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى بالمؤمنين كنت لينا معهم رحيما بهم، لأنك رسوله إليهم، الذي تأخذهم إلى ما يريد، وأنت المثل الأعلى والقدوة الحسنة إليهم، وقد ورد في الحديث القدسي: “إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي” وأبعد القلوب عن الله القدوس الحكيم هو القلب الغليظ القاسي.
وقال: لقد خالف المسلمون أمر الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في معركة أحد، وهو القائد الأعلى للجيش والدولة، ومعلوم حكمته ووجوب الطاعة له، وكانت نتيجة المخالفة أن وقعت الهزيمة القاسية جدًا على المسلمين، ووقعت خسائر بشرية فادحة في صفوفهم، وكان الحمزة بن عبد المطلب (أسد الله وأسد رسوله) هو أبرز الشهداء في تلك المعركة، وقد أُثخن الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجراح، وكاد أن يقتل في المعركة، إلا أنه بعد المعركة لم يقم بتعنيف أصحابه رغم استحقاقهم ـ بموجب الطبيعة البشرية الاعتيادية ـ للوم والتعنيف لما بدر منهم من تقصير شنيع بحق الرسالة والرسول والأمة ومصيرها، وإنما خاطبهم برفق ولين ومحبة، وهذا يدل على أنّ القائد يجب أن يكون بعيد النظر، ويتمتّع بقدرة عالية على التحمل، وبمواصفات أخلاقية فوق المستوى الاعتيادي للأشخاص، لكي يكون مستحقًا للقيادة العليا بحق وحقيقة وفق الرؤية الإسلامية العظيمة.
(2) ـ قول الله تعالى: )وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ( أي: لو كنت جافي اللسان، قاسي القلب، فلا تلين على أصحابك وأتباعك الذين صدقوك وآمنوا برسالتك في المعاملة ولا تحنو عليهم ولا تقول لهم الكلام الطيب اللطيف، لتفرقوا عنك وتركوك، لأنّ النفوس تميل بطبعها إلى الإنسان العطوف صاحب القلب الرحيم، فإذا تفرّق عنك أصحابك، شمت بك عدوك، وطمع فيك أكثر!!
وقال: الفظاظة وغلظة القلب من الصفات الذميمة، ومن مظاهر سوء الخلق، ولهما نتائج وخيمة، فهي:
- تغلق أبواب القلوب أمام الهداية وسماع كلمة الحق.
- وتورث التفرق والوحشة واليأس بين الناس.
- وتؤدّي إلى تعطيل البرامج وفشل مشاريع العمل.
- وتقطع ما أمر الله تبارك وتعالى به أن يوصل.
- ونحوه.
وقال: يجب أن تكون أخلاق القائد الإسلامي الحقيقي تجسيدا للرحمة الإلهية، قول الله تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(([13]) وذلك في طبيعتها وعطائها وتجلياتها في السلوك والمواقف والعلاقات والتنظيم ونحوها، وهي أخلاق:
- تجمع ولا تفرِّق.
- وتعطي القوّة والعزيمة والثبات والثقة العظيمة بالله عز وجل، وليس التردّد والانهزامية والخوف من الظالمين والقعود عن مقارعتهم ومقاومتهم.
- وتؤدِّي إلى التنوير والتنمية العقلية، وليس الظلامية وتكلّس العقول وجمودها.
- وتحفظ الانجازات وتؤدّي إلى الإصلاح والتطوير والتنمية الحضارية المستدامة والتقدم والازدهار، وليس تضييع الإنجازات والتفريط فيها، وتؤدّي إلى التخلّف والرجعية والانحطاط.
- ونحوه.
وقال: الأتباع والأصحاب في حاجة ماسة ودائمة إلى رعاية القيادة وحنانها وإرشاداتها، والوقوف إلى صفهم، وحمل همومهم، وسماع وجهات نظرهم، ومراعاة مشاعرهم، وبعث الروح والحيوية في عقولهم وضمائرهم، ومداواة جروح قلوبهم، ومنحهم الثقة والقوة والثبات في مواجهة الصعوبات والتحديات، وتوحيد صفوفهم، وتجميع كلمتهم على الحق والعدل والفضيلة والانجاز والتنمية، وليس التخلّي عنهم في وقت المحنة والفتنة ونحو ذلك.
وقال: لا يكفي أن تكون عقيدة القائد صحيحة، ومنهجه في العمل صحيحًا، لكي يجتمع الناس حوله، وإنّما يجب أن يكون القائد على خُلُق رفيع، وأن يكون متّصفًا بالرحمة، طيب الطبع، حلو اللسان، وأن يكون حريصًا على سلامة الأصحاب والأتباع ومصالحهم في الدين والدنيا، متفهمًا لهم، ويتعامل معهم برحمة ورفق وشفقة ولين، ويتابع أحوالهم ويحلُّ مشاكلهم ويجمع شملهم ويوحِّد كلمتهم، قول الله تعالى: )لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ(([14]) لكي يبقوا على تجمعهم حوله ومناصرتهم له، فإن القسوة والجفاء يؤذيان الآخرين ويفرقانهم، وقد قيل : “الإحسان قبل البيان”.
(3) ـ قول الله تعالى: )فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ( أي: تسامح معهم، وأقبل أعذارهم إذا اعتذروا إليك عن تقصيرهم، وتغاضى عن أخطائهم إذا أخطأوا، ولا تتخلى عن إرشادهم وتوجيههم والعمل على إنقاذهم من عثراتهم، وأطلب من الله الرؤوف الرحيم أن يغفر لهم لما يصدر منهم من ذنوب، وذلك إتماما للشفقة عليهم، وإكمالاً للبر بهم، وهذا من شأنه أن يؤدّي إلى:
- تصفية قلب القائد مما قد يعلق به من شوائب نحو أتباعه.
- ويعزز محبة الأتباع للقائد، وتفانيهم في طاعته.
- ويفتح المجال للتراجع عن الخطأ وتصحيح الموقف.
- ويوحد الصف ويجمع الكلمة على الحق والعدل والفضيلة والإصلاح والتنمية والتقدم والازدهار.
- ويبقي جذوة الأمل مشتعلة إلى الأبد في نفوس الاتباع والأصحاب.
- ويثبت الاتباع والأصحاب على خط الإيمان، ويبعدهم عن الاهتزاز الروحي والنفسي في أوقات الفتنة والمحنة والأوقات الحرجة.
- ونحوه.
وقال: نحن مطالبون إنسانيًا ودينيًا أن نكون متسامحين مع كل البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية والحزبية وغيرها، وأن يكون التسامح بالأفعال وليس مجرّد جوقة كلامية عارية عن الممارسة والأفعال، فمتى ما كان التسامح مجرّد أقوال لا تدعمها الأفعال والسلوكيات، كان ضربًا من ضروب الدجل والزيف والنفاق.
وقال: التسامح وفق المنظور الإسلامي، يمثِّل:
- فضيلة أخلاقية.
- وضرورة اجتماعية وسياسية، من شأنها أن توفر لنا القدرة على تحصين واقعنا لمواجهة الصعوبات والتحديات والمخاطر التي تهدد وجودنا ومصالحنا.
- وسبيل لضبط الاختلافات، وحسن إدارتها، وتنظيم العلاقات البينية بشكل ممتاز.
(4) ـ قول الله تعالى: )وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ( أي: أطلب ما عندهم من الرأي، وتقدّم بما لديك من رأي في إدارة قضايا الشأن العام والدولة والجماعة وفنون العمل وتطبيق النظام ونحوه، وهذا حق من حقوقهم الثابتة لهم، ووسيلة مقرّرة عقلًا وشرعًا لتحقيق أغراض رسالية وجيهة عقلاً وشرعًا، منها:
(أ): تقليب أوجه الموضوع والوقوف على أبعاده المختلفة، واستظهار مختلف الآراء وتمحيصها من أجل إنضاج الأفكار والوصول للرأي الأصوب، واتخاذ القرار المناسب.
وهنا ينبغي التنبيه إلى ضرورة أن تكون الغاية الضابطة لسلوك جميع المشاركين في الشورى هي معرفة الصواب، وتقرير ما فيه رضا الله سبحانه وتعالى ومصلحة الناس، وليس التجاذبات الشخيصة أو الحزبية ونحوها.
(ب): بناء الأمة الواعية المدرّبة المدركة للتشريعات والمبادئ والأهداف الرسالية ولمجريات الأمور على الأرض، ولتبعات الرأي والموقف، لتكون الأمّة الرشيدة القادرة على تحمل مسؤولياتها العامة وإدارة شؤونها باستقلالية تامّة وكفاءة عالية، وفرض وجودها على خارطة العالم، وتحقيق التنمية الحضارية والتقدّم والرخاء والازدهار، وبدون استعمال الشورى تبقى الأمة جاهلة بمجريات الأمور على الأرض، وقاصرة عن (أي غير مؤهلة لـ) تحمل المسؤوليات العامة وتبعات المواقف، وغير قادرة على مواجهة الصعاب والتحديات الحضارية الكبيرة.
(ج): إعداد القيادة الرشيدة، ومنع حدوث الفراغ القيادي لأي طارئ.
(د): تدريب الأتباع والأصحاب على المراقبة الدقيقة والمحاسبة المسؤولة للقيادة، لمنع حدوث الانحراف أو الميل عن الحق والعدل والصواب، ولمعالجته قبل أن يستفحل في حال حدوثه.
هـ): فتح آفاق واسعة وبعيدة في الموضوع المطروح للتشاور لا يمكن الوصول إليها من خلال الرأي المنفرد.
(و): تطييب نفوس الأصحاب والأتباع وتأليفها وإعدادهم للمساهمة الفعلية في جودة الإنتاج الفكري وتحمل المسؤوليات العامة في الحياة والمساهمة الفعلية بجدارة في تنمية الواقع وتطويره.
(ز): رصُّ الصفوف وبث روح التعاون والمبادرة والاقدام والتضحية والتحرك المشترك.
(ح): التعرّف على القدرات ومختلف الاستعدادات والمواهب لدى الأصحاب والأتباع من أجل توظيفها بشجاعة وجرأة في خدمة الرسالة والمجتمع، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
وقال: لا شورى في ذات الدين (عقائده وأحكامه) لأنّ الدين وحي منزل من عند الله تبارك وتعالى، وليس لأحد فيه رأي، حتى الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّه مبلّغ بالدين لا مشرّع له، قول الله تعالى )وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ` لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ` ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(([15]) ولكن الشورى في التطبيق وقضايا الشأن العام.
وقال: هناك قول ضمن بحث مسألة الولاية بالتفويض الإلهي للرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) في التشريع لا يتسع المقام لعرضه ومناقشته، إلا أنّ هذا الرأي في المحصِّلة العلمية لا يلغي أو يخطئ ما سبق ذكره في مسألة التبليغ والتشريع، وهذا يتوقف على فهم التفاصيل.
وقال: الشورى مبدأ استراتيجي ثابت في كيفية تطبيق التشريعات العامة ونظام الدولة والجماعة الإسلامية، ويجب إعماله في كافّة قضايا الشأن العام من أسهلها إلى أكثرها تعقيدًا وخطورة، وفي جميع الظروف، ومهما تكون النتائج، ووجود قيادة ذات كفاءة عالية، أو وجود ظروف حرجة، أو وقوع أخطاء سابقة في تطبيق مبدأ الشورى، أو حدوث خسائر فادحة نتيجة للأخذ بالرأي المتمخِّض عن الشورى في بعض الحالات، كل هذا ونحوه لا يدعو إلى تعطيل هذا المبدأ، وذلك:
- لأنّ تعطيله هو تعطيل إلى حق عام.
- وخلاف الرشد في تدبير شؤون الدولة وتربية الجماعة الإسلامية وإعدادها ويضعف الصف.
- ومضر بالأهداف الاستراتيجية للدين.
- ويقتل المواهب وروح المبادرة والابداع والتجديد ويعيق مسيرة التكامل لدى الإنسان.
- ولأنّ الاستمرار في العمل بمبدأ الشورى يعني القدرة على تدارك الأخطاء وتصحيحها والتعويض عن الخسائر وجبرها.
- ولأنّ تعطيله هو خسارة الأمّة لمستقبلها الزاهر ولوجودها الفاعل بين الأمم.
وقال: العمل بمبدأ الشورى وآدابه وضوابطه الشرعية والقيمية ثابت، والشكل والأسلوب يتغيران بتغير الظروف والأوضاع والملابسات، ويتطوران بتطور الخبرات والإمكانيات.
وقال: الشورى مرحلة متقدّمة جدًا على مجرّد البيان وإطلاع الأصحاب والأتباع على ما يحدث، ووضعهم في الصورة الشكلية الظاهرية بدون أن يكون لهم دور جوهري في صناعة القرار، ويقتصر دورهم على الطاعة وتنفيذ ما يؤمرون به، فالشورى تعني:
- إطلاع الأصحاب والأتباع على ما يحدث بصدق وشفافية تامة.
- أن يطرح القائد رأيه للنقاش.
- ويتبادل وجهات النظر مع الأصحاب والأتباع وفق آلية محددة قادرة على فرز النتائج بشكل صحيح.
- ثمّ يتخذ القر على ضوء نتائج المشاورات.
وقال: النظام الإسلامي في الدولة والجماعة قائم بدون شك ولا ريب على أساس الشورى الفعلية وليس الشكلية، ونبذ الاستبداد والتفرّد بالرأي، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركهم عقولهم”([16]).
(5) ـ قول الله تعالى: )فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( أي: بعد اتّخاذ القرار الذي تطمئن إليه نفسك ونفوس أصحابك على ضوء نتائج المشورة وتوطين النفس والعزم عليه، امضوا في تنفيذه بعزم وحسم وبدون تردّد ولا تلكّؤ، متوكّلين على الله العزيز الحكيم وحده لا شريك له في أمر النجاح في المهمة والظفر بالمطلوب، واطلبوا منه عز وجل التوفيق والسداد، وسيروا على بركته، فإنّ الإنسان مهما كان حصيفًا وذكيًّا ومطّلعًا فإنّه لا يرى ما وراء حجب الغيب، وإنّ الله اللطيف الخبير هو وحده العالم بخفايا الأمور ومآلاتها، وهو غالب على أمره غير مغلوب، فلا توجد إرادة فوق إرادته، ولا قوة فوق قوته، فلا يصح العزم والحسم بدون التوكّل على الله عز وجل والتسليم لقدره ورد الأمر كله إليه، وهذا يعني الانفتاح على عالم الغيب والشهادة، واستمداد القوة والعون من الله جل جلاله، ويؤدّي إلى:
- ترسيخ الإيمان والثقة بالله جل جلاله.
- تعزيز الأمل والطمأنينة في النفس، ومنحها قوّة روحيّة كبيرة تعينها على التنفيذ وتحمّل تبعات النتائج.
- تعزيز الكفاءة وجودة العمل.
- خَلْق التوازن في داخل النفس، فلا تضعف أمام الصعوبات والتّحديات، ولا تطغى لما تملك من أسباب القوّة ومن إمكانيات مادية وبشرية، ولا يصيبها الغرور لما تحّقق من نجاحات وانتصارات، ولا يصيبها اليأس لما تتعرّض له من خسائر ونكبات.
وقال: تشترك جميع القيادات الإسلامية: (الأصلية والفرعية) في هذا الأمر، وللقيادة العليا التي تتمتّع بحق الولاية الشرعية (الرسول، والأئمة، والفقهاء الذين تتوفر فيهم الصفات والشروط) صلاحيات ليست لغيرهم من القيادات الفرعية، ويجب أن يعرف المؤمنون هذه المسألة بدقة، وألاّ يخلطوا بين صلاحيات القيادة الأصلية التي تتمتع بحق الولاية الشرعية، وصلاحيات القيادات الفرعية التي لا تمتلك حق الولاية الشرعية، لأنّ معرفة هذه المسألة ودقِّة تطبيقها والعمل بها تترتّب عليه الكثير من النتائج في الدين والإدارة، وفي مقدمتها التوفيق والبركة.
وقال: يكون التوكّل بعد النظر والتمحيص وتقليب مختلف الوجوه في الموضوع، واستفراغ الوسع في التأهّب والاستعداد من ناحية الأسباب الطبيعية والاستفادة من جميع الإمكانيات الماديّة والبشريّة المتاحة، لأنّ التكليف قائمٌ على أخذ الأسباب الظاهرة والطرق الطبيعية المنتجة بحسب الظاهر والحساب الدقيق للعوامل ذات الصلة.
وقال: إنّ الله تبارك وتعالى يحبُّ المتوكِّلين عليه، الذين يثقون به، ويكلون أمورهم إليه، ويعتمدون عليه في نجاح مقاصدهم وتحقيق مطالبهم.
وقال: الذين يحبهم الله تبارك وتعالى يوفقهم في عملهم، ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، وينصرهم على عدوهم لا محالة.
وقال: بعد استكمال مراحل المشاورة واتّضاح نتائجها، يجب اتّخاذ القرار بشكل نهائي وحاسم، واتّخاذ القرار هو من صلاحيات القائد وحده، قول الله تعالى: )فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ( ووضع صلاحية اتّخاذ القرار في أكثر من يد، يؤدّي إلى:
- الفوضى في الإدارة وتعطيل اتّخاذ القرار.
- تفكّك الكيان وضعف بنيانه.
- الفشل في تحقيق الأهداف.
وقال: يجب أن يتّخذ القائد القرار على ضوء نتائج المشاورة، ووفق آلياتها المحددة.
وقال: ثمّ يجب أن يكون التنفيذ بعزم وبشكل حاسم لا يشوبه الضعف والتردد، فلا تنبغي معاودة النقاش بعد استفراغ الوسع في اتّخاذ القرار ـ وهو يختلف عن المراجعة المحمودة التي سبق الحديث عنها في الأسابيع الماضية، والاختلاف بينهما بين لكل فطن ـ فهذه المعاودة:
- دليل على الضعف والتردّد والحيرة وعدم الثقة بالنفس والموقف.
- ومخالفة لعقيدة التوكل على الله العزيز الحكيم.
- وتؤدّي إلى شلل الحركة وعدم التقدم في الموقف.
- والفشل في تحقيق الهداف.
وقال: الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القدوة الحسنة الكاملة، والمثل الأعلى للقائد الحكيم الناجح، والصفات التي أشير إليها في البحث تدل على:
(أ): إنّ المعركة لا تقف عند حدود الأدوات السياسية والعسكرية ونحوها، وإنّما يجب أن تمتد إلى نشر الوعي والتربية الروحية والتنظيمية والجهادية.
(ب): إنّ القائد الحقيقي يُظهِر المحبّة والتعاطف القلبي الحقيقي والصادق مع أتباعه وأصحابه، ويأخذ بزمام المبادرة لمنع حدوث المشاكل بينهم، وحلَّها قبل أن تستفحل في حال حدوثها، وتذليل الصعوبات التي تعترضهم، ولا يقف موقفًا سلبيًا أو ينتظر حتى يبادر الآخرون، ومن لا يفعل ذلك فهو يفرِّط في وحدة الصف، وفي صلابة الجماعة، ولا يكون حقيقًا بالقيادة.
(ج): يجب أن يكون القائد عارفًا بالواقع ومداخل الأمور ومخارجها، حسن التدبير، وعلى مستوى رفيع جدًا من القدرة على التحمّل والأخلاق، وأن يتواصل مع الأتباع والأصحاب، وأن يُحسن تقدير ظروفهم وتفهّم مشاكلهم، ويعاملهم بالحسنى، ويكلمهم بالطيب من الكلام، ونحوه.
ثورتي تونس ومصر
وبخصوص ثورتي تونس ومصر، قال: تأمّلوا في شرارة الثورة لتعرفوا سحر أدوات مكر الله بالظالمين وبساطتها ومدى تأثيرها وحجم التغيير الذي تحدثه على الأرض!!
وقال: من كان يتصوّر بأنّ سحّارة برتقال يمكن أن تفجِّر كل هذا البركان الهادر والثورات الشعبية العارمة في تونس ومصر والأردن واليمن وغيرها، وتسقط الأنظمة الغاشمة المتجبِّرة مع كل ما تملكه من ترسانات الأسلحة وأجهزة قمعية رهيبة؟!
وقال: لقد انتصرت سحّارة البرتقال على جميع مراكز البحث وصنّاع القرار وأجهزة المخابرات والجيوش في أمريكا والغرب والكيان الصهيوني وغيرها، ورسمت شرق أوسط جديد على خلاف ما يشتهون وما كانوا يخططون له، وأحرقت جميع قراراتهم ونتائج أبحاثهم التي جنّدوا لها الملايين من البشر حيث يقومون بالسفر وجمع المعلومات من كل مكان وتحليلها لعقود من الزمن، وصرفوا عليها مليارات الدولارات، وحوّلت سحارة البرتقال ذلك كلّه إلى رماد تذروه الرياح وتلفح به وجوه قوى الاستكبار والدكتاتورية والاستبداد وتعمي أبصارهم.
وقال: إنّه مكر الله الخفي الذي لا يعلم المجرمون من الظالمين المستكبرين والطواغيت وزمرهم من أين يأتيهم، ولا متى يأتيهم، ولا على أية كيفية يأتيهم، قول الله تعالى: )وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(([17]) وقول الله تعالى: )قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ` وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ(([18]) فهل يتّعظ المجرمون ويكفوا عن جرائهم البشعة بحق الإنسانية والأبرياء؟!
وقال: ثورتي تونس ومصر كشفتا عن:
- أهمية دور الشباب والجماهير عمومًا.
- وأهمية الفكر الناضج والمستقل في الأخذ بزمام المبادرة وتحمل المسؤولية وإحداث التغيير.
وقال: قيمة ثورة تونس فيما ألهمته للشعوب العربية أكثر من قيمتها فيما حققته لشعب تونس.
وقال: المنطقة كلّها مهيّأة للثورة والاستعداد للتضحية، ولا يوجد نظام عربي واحد في عصمة من التغيير، بدون فرق بين الأنظمة الجمهورية والأنظمة الملكية.
وعن موقف مبارك، قال: موقف مبارك يذكّرني بموقف فرعون موسى، حيث أنّه عاند وكابر وكفر بجميع الآيات البينات التي جاء بها نبي الله موسى (عليه السلام) وقاوم الحق واستفرغ الوسع للوقوف في وجه العدل ولم يُنصِف بني إسرائيل وحاربهم بكل وسيلة لديه ولم يدّخر شيئًا في محاربتهم، ولمّا أدركه الغرق قال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، ولكن بعد فوات الأوان، قول الله تعالى: )وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ` آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(([19]) وهذا هو حال جميع الطواغيت في الأرض، فهم لا يتّعظون ولا يتعلّمون من التجارب.
وقال: إنّ موقف مبارك في جوهره يعني المكابرة والإصرار على الاستمرار في أجندة النظام السابق، والاتكاء على أمريكا والكيان الصهيوني لتقدِّم الدعم والمساندة له ولنظامه، لما مثّله من دور وقدّمه من خدمات جمّة لصالح أجندة المحور الصهيو/ أمريكي، وأنّه مستعد ـ إذا تجاوب معه الجيش ـ أن يرتكب المجازر المفجعة في صفوف الشعب المصري، ولكن الجيش ـ بحسب التوقع والبيان الصادر عنه الليلة ـ لن يتجاوب معه، وإنّ الشعب المصري سوف ينجح في الإطاحة بالنظام، بل النظام قد انتهي عمليا بعد البيان الأخير من الجيش ولم يبق إلا الإعلان الرسمي عن الرحيل، وسوف يتغيّر بذلك وجه المنطقة بأسرها، لما كان يمثِّلَهُ نظام حسني مبارك، حيث كان الحليف العربي الأكبر والأهم لأمريكا والكيان الصهيوني، وكان يمسك بمفاتيح القرار العربي، ويمون على الكثير من الأنظمة العربية، وساهم بجدارة في إفساد سياساتها، وإنّ أمريكا والكيان الصهيوني في غاية القلق لخروج الأمر من أيديهم، فقد أطاح القدر بأقوى حلفائهم في المنطقة، والباقون ينتظرون نفس المصير، وانتصر القدر العظيم لإرادة الشعوب وخيار المقاومة، ووقفت أمريكا والكيان الصهيوني والغرب حائرين وعاجزين عن فعل أي شيء، إلا أنّهم سوف يعاندون القدر ـ كما هم دائمًا ـ وربما يحاولون الهروب للأمام بشنِّ الحروب الاستباقية!!
وقال: لقد أثبتت التجربة في ثورتي تونس ومصر بأنّ الشعوب إذا ملكت القرار بنفسها فإنّها تستطيع أن تُسقِط كل محاولات الأنظمة وقوى الاستكبار العالمي للالتفاف من أجل مصادرة نتائج تضحياتها. أمّا إذا كان القرار بيد النخبة السياسية وحدها، فإنّ العديد من التجارب قد أثبتت قدرة الأنظمة وقوى الاستكبار العالمي على الالتفاف ومصادرة نتائج تضحيات الشعوب، ولهذا ينبغي على الشعوب أن تُبقي القرار في يدها، ولا تسلِّمه للنخب السياسية لتنفرد به، فتبيع تلك النخب أو تُضيِّع نتائج تضحيات الشعوب.
يوم الغضب الوطني في البحرين
وبخصوص الإعلان عن يوم غضب وطني في البحرين، قال: أسباب الغضب الوطني على السلطة في البحرين أكثر من كافية، وما عندنا من أسباب الثورة أكثر مما هو عند أشقائنا من الشعوب العربية الثائرة، وقد ظهرت بوادر الغضب الوطني لدينا بصورة مبكرة بعد الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي، إلا أن تدفقه قد تأخر لكثرة السدود التي عملت على حماية السلطة، وإن تفجر ثورة تونس ثم ثورة مصر قد قامت بعملية كي للوعي وتشغيل مكائن الضمير وتحفيز الشباب الواعي والطموح وكافة أبناء الشعب على الحركة وتجاوز عقبة الخوف وتجاوز الخطوط الحمر الوهمية التي وُضعت في وجوههم، فيوم الغضب الوطني قادم لا محالة، ولأبناء الشعب في البحرين تجربة في انتفاضة الكرامة الشعبية في التسعينات من القرن المنصرم، ومقولة عدم موافقة الظروف الإقليمية قد سقطت بالدليل الحسي، بل أصبحت الظروف الإقليمية والدولية في أفضل أحوالها لصالح التحرك الجماهيري، وأبناء الشعب قادرون على الأخذ بزمام المبادرة، وتنظيم صفوفهم بالشكل المناسب، وأخذ الاحتياطات اللازمة، وليتواصلوا مع الجميع، وليحرصوا كل الحرص على أن يأخذ التحرك الصبغة الوطنية، ويشارك فيه جميع المواطنين، وأجزم بأن سيل الحركة المطلبية الشعبية في البحرين سوف يهدم كل السدود التي أقيمت لحماية السلطة، ويأخذ جدرانها معه إلى المجهول .
وقال : إن تيار الوفاء الإسلامي يحترم خيار أبناء الشعب ويقف بصدق وإخلاص وتفاني في صفهم، ومنذ تأسيس التيار أكد على ضرورة استقلالية التحرك الشعبي، وقاوم كل الضغوط عليه من أجل التدخل فيه، وأخذ على عاتقه مسؤولية الترشيد بما لا يصادر الاستقلالية، وقد ثبت من خلال ثورتي تونس ومصر سلامة هذا المبدأ، فالتيار يرى في نفسه بأنه مع أبناء الشعب وخادم لهم، ولا يطمح في شيء من الفتات، ولن يفرض نفسه وصيا على أبناء الشعب، ولا يرى لنفسه الحق في ذلك، وهو لن يبخل عليهم ببذل النفس والنفيس، فمن حق أبناء الشعب في البحرين أن يطالبوا بحقوقهم ويقرروا مصيرهم بأنفسهم، وذلك بالأساليب الحضارية السلمية، وهذا حق كفلته لهم الاديان السماوية والمواثيق الدولية.
وقال: يدعو تيار الوفاء الإسلامي مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية لدعم حركة الجماهير والمساهمة فيها، فلا يتأخروا، لأن ذلك من الأمور الرئيسية التي من شأنها.
- ترشيد الحركة.
- وتعجيل تحقيق مطالب الشعب العادلة.
- وكبح جماح السلطة في استخدام العنف.
- وتقليل الخسائر.
وقال: يطالب التيار السلطة بالإفراج الفوري وبدون شروط عن جميع المعتقلين الشرفاء، ويحذرها من استخدام العنف مجددا ضد أبناء الشعب، مؤكدا على أن تورط السلطة في العنف مجددا ضد أبناء الشعب من شأنه أن يغلق في وجهها باب الرجوع ويجعلها تخسر كل شيء.
وقال: ليعمل الجميع على ترشيد الحركة الشعبية، وليتوقف المثبطون عن دورهم المخزي، وليحذر العقلاء من المؤمنين من تلويث سمعة الدين الإسلامي الحنيف بالتثبيط وحماية السلطة باسم الدين القيم، فلا يكونوا عقبة، ولا يساهموا في رفع الكلفة التي يدفعها المواطنون في المطالبة بحقوقهم المشروعة، فمن كان له رأي مختلف ـ وهو أمر صحي ـ ولا يرى صحة التريث وانتظار النتائج، فله أن يطرح رأيه ويبينه للمواطنين ويدعو إليه ولكن عليه أن يتوخى الدقة في طرح الرأي وتسويقه.
وقال: يوجد رأي آخر، وتوجد ثقافة التثبيط، وهناك من يروج إليها بكل قوة ووسيلة، وفي جميع الأحوال ينبغي أن تكون معالجاتنا حكيمة وتسعى من أجل التجميع وليس التفريق.
وقال: لا ينبغي أن يكون هناك قلق من نسبة المشاركين، وينبغي التركيز على إرادة التصميم والاستمرار، وينبغي التمييز بين عدد المشاركين والحاضنة الشعبية، فنسبة المشاركين الفعليين في ثورتي تونس ومصر ـ كما هي العادة ـ بالنسبة إلى عدد السكان قليلة، ولكن الحاضنة الشعبية للثورتين ضخمة، وقد سمعت من بعض أفراد الطبقة الراقية ـ إن صح التعبير ـ الاستعداد للمشاركة في يوم الغضب، وهذا يتوقف على سلوك المشاركين، فيجب الحذر من التنفير وتجنب الأعمال المسيئة، ويجب أن يكون السلوك جاذبا وليس طاردا.
وقال: إن يوم الغضب قادم لا محالة، وقد تغيرت قواعد التحرك الآن في ظل ثورتي: (تونس ومصر) ومستجدات أخرى عما كانت عليه في بداية الهجمة القمعية الإجرامية على قوى الممانعة، وتوجد فرصة ضخمة لكي يكسب التحرك الشعبي دعم العالم والشعوب العربية، وليختار كل شخص الخانة التي يريد أن يكون فيها بالنسبة إلى حركة الشعب.
وقال: لنجعل مطالبنا مطالب وطنية، فلا نميز بين المواطنين، وفي نفس الوقت يجب علينا تعميق الحس الديني والالتزام المطلق بأحكامه، فكون المطالب وطنية لا يعني تخلي أي من المواطنين عن رؤاهم الإيديولوجية ولا تخلينا عن الرؤية للدين كفلسفة ومنهج حياة ونظام وعن الالتزام المطلق بالدين الحنيف.
وعن دور تيار الوفاء في تحديد سقف المطالب، قال: لقد أعلن تيار الوفاء الإسلامي عن مطالبه في الوضع الاعتيادي في بيان الانطلاق وأدخل عليها بعض التعديلات على ضوء الملاحظات التي وردت إليها وأعلنها في رؤيته لانتخابات العام 2010م، ولا تزال هي مطالبه في تحركه كقوة سياسية على الساحة الوطنية، أما إذا كان هناك تحرك شعبي، فإن الجماهير هي التي تحدد سقف المطالب، وليس تيار الوفاء ولا غيره، ولا شك في أن سلوك السلطة ومبادراتها وزمانها ستؤثر كثيرا في ذلك، وسوف ينزل تيار الوفاء على إرادة الجماهير المشروعة.
وقال: خذوا المواقف العامة من القيادات، كما كان عليه الحال في انتفاضة الكرامة في التسعينات من القرن المنصرم، ولا تسعوا لانتزاع التفاصيل منهم كما فعل بنو إسرائيل مع نبي الله موسى (عليه السلام) حينما أمرهم بذبح البقرة، قول الله تعالى: )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ` قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ ` قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ` قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللهُ لَمُهْتَدُونَ ` قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ(([20]) فالسعي لانتزاع التفاصيل من القيادات يمثِّل حالة سلبية، يُنتج عنها التضييق على النفس في الخيارات ويصعب الحركة وربما يحرجها.
إذن الحاكم الشرعي في المسيرات
وبخصوص ما ذكره أحد المشايخ بأنّ خروج مسيرة في شارع عام حول قضية ما لابدّ أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي، وليس المثقف، قال: على رأس تيار الوفاء الإسلامي علماء دين أجلاء غير متّهمين ـ والحمد لله رب العالمين ـ في دينهم، وهم لا يقلّون في علمهم ـ بشهادة أهل الاختصاص ـ عن غيرهم، فهم من علماء الصف الأول.
وقال: التيار ليس هو هذا المثقف الحقير وحده، وتغييب وجود العلماء الأجلاء، والزج دائمًا باسم هذا الإنسان الحقير في الواجهة في جميع مسائل الاختلاف الفعلية والمختلقة ليس بريئًا، فهو جزء من إدارة لعبة المثقّف والعالم الدنيئة والمختلقة من قبل المندّسين وبعض السياسيين السيئين لتضليل الرأي العام في الداخل والخارج، حيث تصوّر هذه اللعبة الخبيثة ـ من أجل الغلبة بالباطل ـ الاختلاف على أنه خلاف بين العلماء الأجلاء وبين بعض المثقّفين، وليس هو اختلاف طبيعي بين فريقين من المؤمنين حول منهج وأساليب العمل، يحدث مثله كثيرًا بين المؤمنين في كل زمان وفي كل مكان، حيث يضمُّ كل فريق بعضًا من علماء الدين والمثقّفين.
وقال: ليحذر أهل العلم والتقوى والسياسيون الصالحون من الوقوع في هذا الفخ الشيطاني الخبيث.
وقال: تصوير الاختلاف الحاصل على أنّه خلاف بين العلماء الأجلاء وبين المثقّفين، هو في الحقيقة اختلاق لاختلاف لا وجود له عندنا، وهدفه التضليل من أجل الغلبة بالباطل، وهو بخلاف الصدق والشفافية والأمانة، وضحايا هذه اللعبة الدنيئة المختلقة ـ بمختلف الصور ـ من علماء الدين أكثر من المثقفين.
وقال: تيار الوفاء الإسلامي ملتزم بولاية الفقيه عقيدةً ومنهجًا قولاً وعملاً وفق رؤية فقهيّة واضحة المعالم والأشخاص وهو يدعو الناس إليها في خطاباته وأدبياته، وليست مجرّد شعار فارغ لا يتجاوز لقلقة اللسان.
وقال: التيّار متشرّع ولا يتحرّك إلا طبقًا للحكم الشرعي الصادر عن الفقهاء الأعلام (رضوان الله تعالى عليهم) وبحراسة أمينة وكفوءة من علماء دين أجلاء، والتيّار يعرف حدوده الشرعية فلا يتجاوزها لأغراض سياسية أو غير سياسية ـ بإذن الله تعالى ـ وقد نقل التيّار رأي المرجعيات الدينية العليا حول حق المواطنين في المطالبة بحقوقهم من السلطة، وفيه أن ما تُوقعه السلطة على المواطنين من أضرار، مثل: (الجرح والسجن والقتل ونحوه) بسبب مطالبتهم بحقوقهم المشروعة تقع مسؤوليته الشرعية على السلطة وحدها، والمتضرِّر مظلوم، غير أنّ البعض يسمح لنفسه بأن يتجاهل فتاوى المراجع العظام، ويفتى في مقابل فتاواهم، وبعضهم ليسوا من أهل العلم أصلاً، حتى أصبحت المواقع الالكترونية مسرحًا للإفتاء والإفتاء المضاد وكأنّ الدين لعبة أطفال، ويسعى البعض ـ بغير وجه حق ـ لفرض فتاوى غير المراجع على المؤمنين، ويحتكر الدين والحقيقة والعلم وحق الحركة لنفسه أو لفريقه، ولا يجعل لغيره فيها نصيب، وهو من أسوء أنواع الدكتاتورية المعرفية والدينية والسياسية، فليتمسّك كلُّ فريقٍ بمنهجه وأساليب عمله وبجميع خياراته ـ وهذا حقه ـ ولكن ليتعامل الجميع بأريحية وموضوعية وأمانة، فالمؤمنون العاملون متشرعون، وليس من الشرع:
- إخراجهم من دائرة المتشرعين.
- والسعي لمحاصرتهم ومضايقتهم بكل وسيلة.
وقال: ذلك ما كنا نخشاه، فمن فرض حصار المساجد والمآتم، إلى التحريض الصريح على عدم التجاوب باسم الدين، فليرحموا الناس، وليحذروا فلا يجعلوا من روحيّتهم وما يحملون وما يمثِّلون سببًا للفتنة البينية، وسدًّا منيعًا أمام المظلومين المطالبين بحقوقهم المشروعة من الظالمين، فيكونوا للظالمين حصنًا وعونًا على المظلومين، ويساهموا في رفع كلفة المطالبة بالحقوق، وهذا من سوء التقدير والتدبير!!
وقال: رغم ما نتج عن الهجمة القمعية من ألم وجراح إلا أنّها والله فتنة ستغربل النّاس غربالاً، وستكشف عن معادن الأشخاص ووعيهم لكل بصير، ليختار كل بصير كيف يكون عن بيّنة وبرهان.
مسائل متفرقة
(1): وبخصوص خطاب فضيلة الشيخ علي سلمان عن الوضع في البحرين وتونس، قال: كان كلام فضيلة الشيخ علي سلمان في هذا الموضوع ممتازًا، وكذلك كان بيان الوفاق الأخير، وهذا يعني أنّنا متقاربون كثيرًا ـ بحسب هذا الكلام ـ في تشخيص الواقع، كما كنّا متّفقون إلى حد كبير حول المطالب الوطنية، وبقي أن نُحسن إدارة الاختلاف الحاصل بيننا في المنهج وأساليب المعالجة للواقع وللملفات والمطالبة بالحقوق.
- فنتواصل بيننا ونتبادل وجهات النظر.
- ونتعاون في المشتركات.
- ونتكامل في الأدوار.
وهذا يحتاج إلى إرادة وتصميم وتجاوز الأوهام واقتحام العقبات النفسية والشكلية، ووقود ذلك الصدق والإخلاص، وقائده الحكمة والتقوى، والغاية هي رضا الله ذي الجلال والإكرام ومصالح العباد.
وقال: يجب علينا جميعًا حفظ حقوق الأخوّة، والحذر من الوقوع في شباك المسرفين من المندّسين والمتمصلحين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويسعون لإيقاع الفتنة والخلاف بيننا، وحرف بوصلة اهتمامنا، فيقومون بتأويل الكلام والمواقف وحرفها عن مقاصدها بحسب أجندتهم وما يصب في خدمة مصالحهم الأنانية والشيطانية الخبيثة.
وقال: ربما تساهم المستجدّات في تقريب وجهات النظر والمواقف بشكل أكبر.
(2): وبخصوص التنسيق مع الجمعيات السياسية، قال: منذ تأسيس تيار الوفاء الإسلامي وهو يحاول مع الجمعيات السياسية من أجل تنفيذ أنشطة مشتركة، وهذا كما هو معلوم توجّه قديم عندي شخصيًا قبل تأسيس تيار الوفاء الإسلامي، وكنّا نحصل على بعض الوعود، ولكن بحسب السلوك ومن الناحية العملية لا تزال الجمعيات السياسية حتى الآن حذرة جدًا من الدخول في عمل مشترك مع القوى السياسية المعارضة التي تعمل خارج الأطر الرسمية، ولا أعرف السبب على وجه التحديد، وتوجد اجتهادات عديدة لتفسير هذه الحالة ـ أعرض عن ذكرها الآن ـ إلا أنّنا سوف نبقى نحرص على الوصول إلى التعاون وتنسيق العمل مع الجمعيات السياسية، وأتمنى أن نكون قد تعلّمنا جميعًا الدرس بشكل جيد من ثورتي: تونس ومصر، وأن تتجاوز الجمعيات السياسية عقبة الحذر من الدخول في عمل مشترك مع قوى المعارضة التي تعمل خارج الأطر الرسمية، لأنّ تجاوز هذه العقبة من شأنه أن:
- يقوّي وضع المعارضة.
- ويعزِّز وجودها ودورها على الساحة بشكل أفضل.
- ويخدم المصلحة الوطنية المشتركة.
وقال: نفسنا في تيار الوفاء والحمد لله طويل، وصبرنا جميل ـ إن شاء الله تعالى ـ وفي قلوبنا محبّة شديدة لأخواننا في الدين والوطن، ولدينا حرص شديد على الوطن ومصالح المواطنين، فلن نيأس، ولن نضعف، وسوف نعض على الجراح ونستمر في المحاولات ونتواصل مع الجميع بمقدار تجاوبهم معنا وبالشكل المناسب من أجل التنسيق والتعاون، ولن نرفض التنسيق والتعاون مع كل من يرغب في ذلك معنا، وسنمضي في برامجنا الخاصة بالتنسيق مع حلفائنا، ويبقى الأمل قائمًا بأن يفتح الله العزيز الرحيم بقدرته أبواب العمل المشترك المغلقة حاليًا مع الجمعيات السياسية.
(3): وبخصوص اتّصال الملك ببعض المشايخ والقضاة، قال: قرأت عن ذلك في المنتديات وليس لي علم في الموضوع خارج هذه الحدود، ونحن غير قلقين من مثل هذا الاتصال، وليس من شأن هذا الاتصال أن يغيّر شيًئا على الأرض، والسلطة تعرف الذين بأيديهم مفاتيح الحل.
(4): وبخصوص الأسئلة المفخّخة التي تجتر الأوهام، والإشاعات المغرضة، والافتراءات المتتالية، وسيل الإساءات في بعض المنتديات، قال: التوقيت يكشف عن الحقيقة لكل ذي بصيرة، والمكان فخ، والبصير يرى الحقيقة بأضدادها التي تؤشر عليها بوضوح في عالم التضليل والتدليس والكيد والمكر السيء، ويستطيع انتزاعها وتخليصها من بين أكوام ضلالات المضللين.
وقال: لست أخشى الإجابة على أسئلتهم، وقد أجبت عليها فيما سبق، ولكن الإجابة على أسئلتهم لا تجدي نفعًا، وقد تزيد الطين بلّة، فليسوا هم بطلاّب حقيقة، والهدف من بعض الأسئلة نصب الأفخاخ وحجب الحقيقة عن الناس وإشغالهم بالأوهام لكي يعيشوا في عالمها بعيدًا عن الواقع، ولكن أنوار البصائر واليقين والنوايا الحسنة ستبدِّد ما يصنعون من حجب الظلام.
وقال: وأمّا الإساءات فهي لا تصلني، فإنّي بمعزل عنها، فليفرغوا ما في نفوسهم، وليشفوا غليل صدورهم.
وقال: أنا مسرور جدًا بأعدائي، ولا تفزعني كثرتهم ولا يفزعني تنوّع مشاربهم وما يملكون، وأنا مشفق عليهم كثيرًا، لأنّهم خائفون ومتوترون جًدا، ومن حقهم أن يخافوا ـ لاسيما في هذا الوقت بالذات ـ فالوضع حاليًا في غاية الحرج بالنسبة إليهم، وهم يعرفون أعداءهم جيدًا، ويعرفون مصادر الخطر الذي يهدّد وجودهم الخبيث ومصالحهم غير المشروعة، ولكنّهم بحماقتهم ومن حيث لا يشعرون يكشفون عن الحقيقة التي يخشونها، ويدلِّوا طلابها من ذوي البصيرة عليها، وفي النتيجة:
- لن يزدادوا ـ بإذن الله تعالى ـ إلا يأسًا وعذابًا.
- ولن أزداد ـ إن شاء الله تعالى ـ بأفعالهم إلا يقينًا وصبرًا واحتسابًا، فكل يوم يزداد يقيني فيهم.
- وسوف يأتيهم ـ بإذن الله تعالى ـ ما يحذرون وما يسيء وجوههم المكفهرة.
- ولن يصلوا ـ بمنعة الله عز وجل ـ إلى مطلوبهم أبدًا.
وقال: فلينتظروا إنّا منتظرون، والله العزيز الرحيم هو الولي والحامي والمعين والناصر عليهم، والحمد لله رب العالمين.