لقاء الثلاثاء (68) | 15-11-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

الحج والجهاد في سبيل الله

بدأ الاستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول الحج والجهاد في سبيل الله تعالى، وقال: في البداية أرفع أصدق التهاني إلى مقام إمامنا وسيدنا ومولانا وشفيع ذنوبنا صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن العسكري (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ومجاهديها، وفي مقدمتهم ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي (أيّده الله تعالى) وإلى أسرائنا المظلومين المعتقلين في سجون السلطة، وإلى أسرهم الكريمة، وإلى جميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، في مشارق الأرض ومغاربها، وإليكم أيّها الأحبة الأعزاء الحضور في هذا المجلس، بمناسبة عيد الاضحى المبارك.

وقال: تُلخِّص مناسك الحج بأسلوب رمزي بليغ وواضح جدًا في دلالاته معالم رحلة الإنسان السالك إلى الله ذي الجلال والإكرام، وتُذكِّرنا بلاغة هذه الرموز في الدلالة على معالم رحلة الإنسان السالك إلى الله ذي الجلال والإكرام، بقول الله تعالى: )قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا(([1]) وقول الله تعالى: )قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ` فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا(([2]) حيث كانت لغة الرمز والإشارة من نبي الله زكريا (عليه السلام) إلى قومه بليغة وواضحة جدًا في الدلالة على معانيها.

وقال: إنّ هذه المناسك بدلالاتها البليغة والواضحة جدًا على معالم رحلة الإنسان إلى الله ذي الجلال والإكرام، هي دليل قطعي على صدق النبوة، فلا يمكن لإنسان عادي (غير نبي) عاش في بيئة مكة المكرمة، أن يأتي بمثل هذه المناسك التي تحمل كل هذه الدلالات الواضحة على رحلة الإنسان السالك إلى الله ذي الجلال والإكرام من عند نفسه، بل لا يمكن لأي إنسان في أي زمان وأي مكان أن يأتي بمثلها من عند نفسه، من حيث.

  • البلاغة والوضوح في دلالات لغة الرمز.
  • الترابط والتماسك والتسلسل في لغة الرمز.
  • الأبعاد الفلسفية العميقة جدًا التي تدل عليها مناسك الحج.

 وقال: الحج في اللغة: هو القصد والسفر والزيارة، وفي الاصطلاح: هو قصد البيت الحرام والأماكن المقدسة الأخرى، مثل: عرفة، ومزدلفة، ومنى، من أجل العبادة والنسك والتقرّب إلى الله ذي الجلال والإكرام بأفعال مخصّصة، في زمان مخصّص، ومكان مخصّص، على التفصيل الذي يذكره الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) في كتب الفقه.

وقال: الحج المبرور: هو الحج الذي لم يخالطه شيء من الإثم والفواحش، ويرجع الحاج إلى دياره زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، مطيعًا لأمر مولاه ونهيه.

وقال: يبدأ الحج بالإحرام، وفي الإحرام: يخلع الحاج لباس الدنيا، ويرتدي لباس الآخرة، وتزول بذلك المظاهر الفردية والعنصرية والطبقية وحب الذات ونحوها، وتبرز مظاهر الجماعة المؤمنة الواحدة في تنوعها، بل يخلع لباس الحيوانية، ويرتدي لباس الروحانية والإنسانية الكريمة. فكل من يريد أن يرحل إلى الله ذي الجلال والإكرام بصدق وإخلاص، ويريد أن يوفق إلى دخل حرم الله الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، فيجب عليه في البداية أن يخلع باختياره لباس الدنيا، وأن يتخلّى عن عشقها والتعلّق بها، ويتخلّى عن الفردية والأنانية والعصبية وحب الذات، وأن يرغب في الله ذي الجلال والإكرام، والآخرة، ويرتدي لباس الوحدة والجماعة، وأن يندمج فيها بكل أخوّة ومحبّة وتواضع، لأنّ الدنيا رأس كل خطيئة، وعشقها والتعلّق بها أكبر حجاب عن الله ذي الجلال والإكرام وعن الآخرة، فإذا كان قلب الإنسان متعلّقًا بالدنيا وبزينتها وبزخارفها، ومتعلّقًا بالذات ومتّصفًا بالأنانية والتكبّر، فلن يوفّق في رحلة المسير إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولن يصل إلى غاية الرحلة ومنتهاها الطيب السعيد، قول الله تعالى: )إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(([3]).

وقال: بعد أن يرتدي الحاج لباس الإحرام، يبدأ بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك” والتلبية ركن أساسي في الإحرام، فلا ينعقد الإحرام إلا بها، والتلبية تعني التسليم إلى الله العزيز الحميد، وحمل الرغائب والروحية، والأشواق إلى المحبوب رب الوجود، والانصراف إلى بيته الحرام، والطاعة المطلقة له فيما يأمر به وينهى عنه، والرغبة الصادقة في الوصول إلى رحابه، والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، وبدون هذا التسليم والالتزام بالطاعة المطلقة لله جل جلاله، لنُ يحسن الإنسان السير في طريق الرحلة إلى الله ذي الجلال والإكرام، وسوف يتعطل سيره، ولن يصل إلى غاية الرحلة ومنتهاها.

وقال: من مناسك الحج الوقوف بعرفة من أول الظهر إلى غروب الشمس من اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، ومن مستحبات الوقوف بعرفة: التحلّي بالسكينة والوقار، والكون على الطهارة، والتعوّذ من الشيطان الرجيم، وأن يعترف الحاج لله جلّ جلاله بجميع ذنوبه، فقد روي إنّ جبرئيل (عليه السلام) قال لخليل الله إبراهيم (عليه السلام) عند الزوال في عرفة: “اعترف بذنبك واعرف مناسكك”([4]) وهذا من أوجه تسميتها بعرفة، ويستحب أن يقول الحاج في عرفة سبعين مرة “أستغفر الله ربي وأتوب إليه”.

وقال: اعتراف الإنسان بذنوبه بين يدي الله جلّ جلاله، مع أنّ الله جلّ جلاله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، العلّة فيه من جهة الإنسان، ليتعلّم الإنسان بأن يكون صادقًا وشفّافًا مع الله العزيز الحميد، وما لم يكن الإنسان كذلك، فلن يوفّق في مسيره في طريق الرحلة إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولن يصل إلى غايتها، ولن يبلغ منتهاها الطيب السعيد.

وقال: يحتاج الإنسان إلى مراقبة النفس ومحاسبتها والتزام الطاعة وتصحيح المعوج من سلوكه وشخصيته لكي ينجح في الوصل إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “عباد الله زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، وأعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظًا وزاجرًا، لم يكن لها من غيرها زاجرًا ولا واعظًا”([5]) وهذا يعني حاجة السالك إلى الله ذي الجلال والإكرام إلى العمل بمنهج النقد، والنقد الذاتي، والحذر الشديد من داء التبرير، فإنّه مفسد للعقل والدين والضمير، وسبيل إلى ضياع الحق والحقوق والمصالح، وهو من قطّاع الطريق على الإنسان في رحلة سفره إلى الله ذي الجلال والإكرام.

وقال : بعد أن يعترف الحاج بذنوبه، ويستغفر الله ويتوب إليه منها، تحصل له حالة من الصدق والإخلاص والشفافية مع الله ذي جلال والإكرام، ولم يعد هناك حجاب يحجبه عن ربه العلي الأعلى، ويصير في حالة روحية تؤهّله إلى الدنو والقرب من الله جل جلاله، والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، فيكون النزول إلى مزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة، والمبيت هناك حتى طلوع الفجر، ثم نية الوقوف حتى طلوع الشمس، هو رمز هذا الدنو والاقتراب، وقد روي أن جبرائيل (عليه السلام) قال لخليل الله إبراهيم (عليه السلام): “ازدلف إلى المشعر الحرام” وهو من أوجه التسمية بمزدلفة.

وقال: من الأعمال التي يقوم بها الحاج في مزدلفة جمع الحصيات (الجمرات) التي يرمي بها الشيطان، ومجموعها (70: حصاة) وفي ذلك إشارة إلى أن السالك إلى الله سبحانه وتعالى يدرك حقيقة وجود عوائق وموانع تعمل على تعطيل سلوكه وقطع طريق رحلته إلى الله ذي الجلال والإكرام، وكلّما كان الإنسان أقرب، كلّما شعر أكثر بخطورة هذه العوامل، واستعدّ أكثر لمواجهتها بعزم وحزم، قول الله تعالى: )أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ` وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(([6]) وقال الإمام الصادق (عليه السلام): “إنّ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل (أي: الأشرف والأعلى رتبة ومنزلة) فالأمثل”([7]) وجمع الجمار هو إدراك إلى حقيقة وجود هذه العوائق والموانع، والاستعداد لمواجهتها بعزم وحزم.

وقال: حينما ينزل الحاج السالك إلى الله ذي الجلال والإكرام بقدم الصدق والإخلاص إلى منى في يوم العاشر من ذي الحجّة يكون في حالة شعور قوي بالتقوى والشوق إلى المحبوب والحضور بين يديه والدخول إلى حرمه الآمن وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، ويكون في أشد الحماسة لمواجهة العوائق والموانع التي تعمل على إعاقة رحلته ومنع وصوله إلى محبوبه، ويكون أكثر إدراكًا إلى طبيعتها وحقيقتها، وهي تنقسم إلى قسمين.

  • عوامل خارجية: وفي مقدّمتها الشيطان الرجيم عدو الإنسان الأول، وأوليائه من الجن والإنس، وفي مقدمتهم: الطواغيت، وقوى الاستكبار، وجماعات المثبطين، والجماعات المتطرفة، فيعقد العزم على مواجهتها بكل حزم وقوة وإصرار، فيكون رمي الجمار هو رمز هذه المواجهة الجهادية مع أعداء الدين والإنسانية، وإرادة الانتصار عليها، بهدف الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وساحة قدسه الطاهرة المباركة، فمن يركن إلى شياطين الجن والإنس، ولا يعمل على مواجهتهم، فلن يصل إلى الله ذي الجلال والإكرام، ولن يوفق للدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة.
  • عوامل داخلية: وهي النفس الأمارة بالسوء، والهوى، والشهوات، فيعقد العزم على مواجهتها بكل حزم وإصرار، فيكون ذبح أو نحر الهدي هو رمز لمواجهة النفس الأمارة بالسوء ونحرها والتخلّص منها، وكذلك التخلص من هوى النفس، وفرض سيطرة العقل والدين والضمير على شهوات النفس وملذاتها، وذلك من أجل الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وساحة قدسه الطاهرة المباركة.

وقال: في ظلِّ مواجهة الهوى والشهوات والنفس الأمارة بالسوء، ومواجهة الشيطان الرجيم والطواغيت وقوى الاستكبار وجماعات المثبطين والجماعات المتطرفة، يجد الإنسان السالك نفسه متهيّئًا بحق وحقيقة إلى الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وساحة قدسه الطاهرة المباركة.

وقال: حينما يكون الإنسان في هذه الحالة الروحية العالية، فإنّه يتذكّر ما سلف من ذنوبه ومعاصيه، وينظر إلى جسده الذي طالما عصى الله عز وجل فيه، ويتمنى صادقا لو أنه يستطيع التخلص منه، ويدخل إلى حرم الله المقدس الطاهر بجسد لم يعص الله جل جلاله فيه، فيكون الحلق، وهو: إزالة شعر الرأس عن أصوله، أو التقصير، وهو: الأخذ من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب أو تقليم الأظافر كلها أو بعضها، هما رمز هذه الرغبة الروحية العظيمة بالتخلص من الجسد الجاني.

وقال: بعد أن يؤدِّي الحاج مناسك منى، يجب عليه العودة إلى مكة، ليأتي بطواف الحج وسائر الأعمال هناك.

وقال: بعد أن يخلع السالك لباس الدنيا والأنانية، ويرتدى لباس الآخرة والجماعة، وبعد أن يتحلّى بالصدق والإخلاص، ويتخلّى عن التبرير واللف والدوران والاعوجاج في السلوك والمواقف، وبعد المواجهة الصادقة بعزم وحزم مع الهوى والشهوات والنفس الأمارة بالسوء (الجهاد الأكبر) والمواجهة مع إبليس وشياطين الجن والإنس من الطواغيت وقوى الاستكبار وجماعات التثبيط والجماعات المتطرفة (الجهاد الأصغر) يتأهّل إلى دخول حرم الله الآمن، والدخول حول ساحة قدس الله تبارك وتعالى.

وقال: في داخل حرم الله المعظّم، يطوف الحاج السالك ببيت الله الحرام (الكعبة المشرفة) وهو يرمز إلى التوحيد، ويكون الدوران حول البيت هو في الحقيقة دوران حول محور التوحيد في الأرض، ويطوف حول أولياء الله أيضًا، حيث يوجد في الكعبة قبور (300: نبي) وما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود قبور (70: نبي) ويوجد قبر الذبيح نبي الله إسماعيل وأمَّه المجاهدة الصابرة هاجر (عليهما السلام) في حجر إسماعيل، ووجود هذه المرأة الصالحة المجاهدة في سبيل الله عز وجل في هذا المكان، يدلُّ على المكانة العالية التي يمنحها الدين الإسلامي الحنيف ورسالات السماء جميعها للمرأة الصالحة، والنظر إليها بنفس التقدير والاحترام الذي تنظر به للرجل الصالح، قول الله تعالى: )وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ` وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ(([8]).

وقال: هنا حقيقة يدركها بوضوح السالك إلى الله ذي الجلال والإكرام، وهي: إنّ الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، لن يكون إلا باتّباع أولياء الله الصالحين، الذين ولاّهم الله العزيز الحكيم بحق على عباده في الأرض، من أجل قيادتهم إلى الحياة الطيبة، والخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وهم الأنبياء والأوصياء والفقهاء الذين تتوفر فيهم شروط الولاية، والتواضع لهم، ولن يصل أحد إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، بدون الاتباع لأولياء الله والتواضع لهم.

وقال: الرسالة المجملة التي يتلقّاها الإنسان من مناسك الحج، هي: إنّ المهمّة الأساسية للإنسان في الحياة، هي الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، وكل المهام الأخرى في الحياة هي مهام تابعة لهذه المهمة الأساسية ومن أجلها، وليس من العقل والحكمة والدين أن يشتغل الإنسان بغيرها من المهام على حسابها.

وقال: لقد أطلت الحديث عن الحج، وأرغب هنا في ذكر حقيقة لا ينبغي أن يغفل عنها الراحل إلى الله العزيز الحميد، وهي: إنّ أفضل الطرق وأقصرها للوصول إلى الله تبارك وتعالى والدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، هو الجهاد والشهادة في سبيل الله عز وجل، قال الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “فوق كل بِرٍّ بِرْ حتى يُقتل الرجل في سبيل، فإذا قُتِل في سبيل الله عزّ وجل فليس فوقه بر”([9]) ومن أدعية شهر رمضان المبارك: “وقتلاً في سبيلك فوفِّق لنا”.

وقال: كل سالك إلى الله بصدق وإخلاص فإنّه يرعى الجهاد ويتمنّى الشهادة في سبيل الله عز وجل.

وقال : للأسف الشديد أنّ بعض المؤمنين يكثرون من الحديث عن الصلاة والصيام والحج، ولكنهم لا يتكلّمون عن الجهاد والشهادة في سبيل الله عز وجل، وهذه حالة لا تدل على روحية إيمانية سليمة، بل تدل في الحقيقة على وضع روحي شاذ ومنحرف، وعلى تعلّق بالحس والحياة الدنيا، والافتقار إلى الرغائب والأشواق الروحية، وإلى العشق إلى الله ذي الجلال والإكرام والآخرة، وعدم الثقة بالله عز وجل والتوكل عليه، بغض النظر عن اللغة التي يستخدمها المتحدث، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ(([10]) فالذي يريد بصدق ويسعى بجد في سبيل الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، وإلى الدخول إلى حرمه الآمن، وإلى ساحة قدسه الطاهرة المباركة، ويحمل الأشواق والرغائب الروحية والعشق إلى الله ذي الجلال والإكرام والاخرة، يتعلّق قلبه لا محالة بالجهاد والشهادة في سبيل الله عز وجل.

وقال: يجب التنبيه إلى أنّ الجهاد في سبيل الله عز وجل لا يقتصر على الجهاد بالسيف، لكيلا يخرج علينا أحد المفلسين، ويقول: عبد الوهاب يدعو إلى العنف، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر”.

وقال: لماذا يخاف بعض الناس من الجهاد في سبيل الله عز وجل؟

هل يخافون من الموت، فإنّ الموت بيد الله عز وجل، قول الله تعالى: )الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(([11]).

أم يخافون على أرزاقهم، فالرزق كله بيد الله عز وجل، قول الله تعالى: )أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ(([12]).

وقال: السكوت عن الظلم لا يقلِّل من الخسائر البشرية والأدبية والمادية، والمقاومة والجهاد في سبيل الله عز وجل لا يزيد فيها، بل العكس هو الصحيح، فالسكوت يشجّع الظالمين ويغريهم بالإيغال في الظلم والفساد طمعًا، مما يزيد في الخسائر البشرية والأدبية والمادية، والمقاومة والجهاد تجعل الظالمين يحاسبون لردود الفعل الشجاعة من أصحاب الحق، فيكفّوا عن الظلم والفساد خوفًا، مما يقلل الخسائر البشرية والأدبية والمادية، وهذا ثابت بالتجربة التاريخية والمعاصرة.

أهداف الهجمة القمعية

وبخصوص الهجمة القمعية، قال: هنالك حقيقة ينبغي على الجميع إدراكها بوضوح تام، وهي: إنّ السلطة تهدف من الهجمة القمعية القضاء على خط الممانعة، لدوره الفاعل في فضح أكذوبة الإصلاح، ومقاومة أجندة السلطة الظالمة، ولو لم يكن دور خط الممانعة فاعلاً وموجعًا للسلطة لما قامت السلطة بهذه الهجمة القمعية الشرسة ضد قياداته وكوادره ومريديه.

وقال: مع وجود هذه الهجمة القمعية الشرسة ضد خط الممانعة، هناك من المؤمنين من يسعى تحت تأثير الاختلاف لتوهين هذا الخط، ومعاداته والتقليل من أهمية دوره على الساحة الوطنية، غير مدرك إلى أنّ هذا التوهين، هو مما تريده السلطة ويصب في اجندتها، ويساهم في تسهيل مهمتها، ويجعل المرء شريكا في جرائمها.

وقال: هناك مستويين لطموح السلطة في استهداف خط الممانعة.

(1): أن تضطر قوى الممانعة تحت تأثير الضغط والحصار إلى حل نفسها، وهذا هو الهدف الأساس، وقد طلب وزير العدل في بداية الهجمة القمعية في شهر رمضان المبارك من المنظمات التي ليست تحت قانون الجمعيات أن تعدِّل أوضاعها قبل انتهاء شهر رمضان.

(2): إذا لم يتحقّق الحل، فإن هذه القوى تجد نفسها في ظل الحصار الذي تفرضه السلطة ويشاركها فيه بعض المؤمنين، بأنّها غير قادرة عمليًا على تنفيذ برامج عملها، فالمساجد والمآتم مغلقة في وجهها، والسلطة تلاحقها بالعنف والإرهاب في كل مكان.

وقال: إنّه لقبيح جدًا أن تلتقي إرادة بعض المؤمنين مع إرادة السلطة الظالمة الجائرة في محاصرة مؤمنين آخرين والتضييق عليهم، وقد بلغ الحال ببعض هؤلاء إلى وصف إخوانهم المؤمنين بالجهل والعلمانية والانحراف عن الدين وعن خط العلماء، وهذا طبعًا لا يرضي الله عز وجل، فهو لن يكون من الحرص على الدين، بل هو من الحرص على الدنيا وزينتها وزخارفها، قول الله تعالى: )اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ(([13]).

وقال: لقد لجأت السلطة إلى ممارسات عنقية عديدة ضد خط الممانعة لكي تحقق هذين الهدفين، منها:

  • اعتقال قيادات وكوادر ومريدي هذا الخط ومحاصرة أنشطته.
  • خلق موجة من الرعب في الوسط الجماهيري من خلال محاصرة القرى والأحياء وإنزال العقاب الجماعي بأهلها، في سبيل ردع الجماهير عن الأنشطة الاحتجاجية، وعن المطالبة بالحقوق، وعن التضامن مع المعتقلين، ومع المنظمات التي ينتمون إليها، وعدم التفاعل مع الأنشطة التي يقوم بها خط الممانعة.
  • الضغط على الجمعيات السياسية وغيرها بشتى السبل لكيلا تتضامن مع المعتقلين ومع المنظمات التي ينتمون إليها.

دور الجماهير والبرلمان في مواجهة الهجمة القمعية

وقال: نحن بين خيارين:

(1): أن نخضع للتخويف، ونسكت عن مطالبنا العادلة، ونكون كأهل الكوفة الذين خذلوا مسلم بن عقيل والإمام الحسين (عليهما السلام) وتكون النتيجة: الحياة في ذل وهوان وتخلف.

(2): أن نقاوم هذا التخويف، ونناصر المجاهدين الصادقين، ونطالب بحقوقنا العادلة، وتكون النتيجة: الحياة الطيبة في عز وكرامة، وتمهيد الطريق للحصول على مطالبنا العادلة.

قال أبو عبد الله الحسين (عليه السلام): “ألا وأن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين الذلة والسلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون”.

وقال: الغاية في الحياة الدنيا هي بناء الحضارة الإنسانية السامية وإقامة الحياة الطيبة على ضوء هدي الأنبياء وقيادة أولياء الله الصالحين (عليهم السلام) والتخلّي عن الجهاد في سبيل الله عز وجل، وعن مقاومة الظلم والظالمين، يؤدي إلى ظهور الفساد في الأرض، وفقدان الكرامة الإنسانية.

وبخصوص علاقة الاحتجاجات بالهجمة القمعية، قال: لقد تقلّصت الاحتجاجات في ظل الهجمة القمعية، ولكن الاستفزاز الأمني من السلطة لا زال متصاعدًا، وهذا يدل على أن الهدف الأساسي من هذه الهجمة القمعية ليس هو القضاء على الحركة الاحتجاجية، وإنما القضاء على القوى السياسية الممانعة، فالحركة الاحتجاجية ما هي في الحقيقة إلا داعم ومساند لهذه القوى، ولا قيمة لها في نفسها، وبدون وجود قوى سياسية ومؤسسات حقوقية تستثمرها، فإنّها تفقد قيمتها.

  • فلو قضت السلطة على الحركة الاحتجاجية، وبقيت القوى السياسية فاعلة وتمارس دورها في الداخل والخارج، فإنّ السلطة لم تستفد شيئًا في الحقيقة من القضاء على الحركة الاحتجاجية.
  • أما إذا قضت على القوى السياسية، فإنّ الحركة الاحتجاجية تفقد قيمتها، وتتلاشى بشكل تلقائي.

والخلاصة: السلطة تطلب رأس القوى السياسية الممانعة، وليس رأس الحركة الاحتجاجية، فعلينا جميعًا أن نتحمّل المسؤولية للحفاظ على القوى السياسية، أكثر من الحفاظ على الحركة الاحتجاجية رغم أهميتها.

وقال: حركة الاحتجاج الشعبية ضرورية لدى كل الشعوب المستضعفة المطالبة بحقوقها في العالم، لكن الحقيقة في وضعنا الراهن ـ إذا كنا واعين بما يدور على الساحة الوطنية ـ أن يكون لدينا حرص أكبر على وجود واستمرار القوى السياسية الممانعة، بما تحمله من منهج مقاوم، وأهداف دينية ووطنية مشروعة، ومطالب شعبية عادلة.

وقال: يجب أن نميّز بين القناعة السياسية والدينية ببعض الأنشطة الاحتجاجية، وبين الدفاع عن حقوق المحتجين، فقد يكون عبد الوهاب حسين أو غيره من السياسيين غير مقتنعين سياسًيا بممارسة حرق الإطارات، ويرون سياسيًا بأنها ممارسة خاطئة، وهناك زيد وعمر وبكر من السياسيين لديهم قناعة بصوابية هذه الممارسة الاحتجاجية وأهميتها ويدعمونها، وقد أرى في هذه الأنشطة الاحتجاجية إشكال ديني، وهناك من المؤمنين من يرى بأنّه يمتلك الحجة الشرعية في ممارستها أو أنه واقع في شبهة بشأنها، ثم وقع ظلم من السلطة على المحتجين وعلى الذين يدعمونهم، فإنّ قناعتي الدينية والسياسية بخطأ هذه الممارسة لا يُسقِط مسؤوليتي في الدفاع عن هؤلاء المظلومين، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(([14]).

وقال: من حق الجماهير أن تحتج بأسلوب سلمي وحضاري، مثل: العرائض الشعبية، والمسيرات، والاعتصامات، ونحوها، على محاصرة القرى والأحياء والاستفزازات الأمنية التي تقوم بها قوات الشغب، وينبغي على الرموز والقيادات والنخب أن تتحمل مسؤوليتها الدينية والوطنية بالتحرك لوضع حد لذلك، ومطالبة السلطة بالمحافظة على الأمن الاجتماعي إلى كافة المواطنين، ولا شكّ أن غياب هذا الدور مما يشجع السلطة على التمادي في الخطأ وممارسة القمع والإرهاب ضد أبناء الشعب الأبرياء العزل.

وقال: على الذين يرفضون الاحتجاجات الشعبية ويعترضون عليها أن يثبتوا قدرتهم على وضع حد لهذه التجاوزات والانتهاكات لحقوق المواطنين من خلال مساعيهم السياسية الحميدة، وإلا فقد اعتراضهم قيمته، وأصبح سبيلا إلى فرض الأمر الواقع الظالم على العباد، خاصة وأن التجربة قد أثبتت بأنّ الاستفزازات الأمنية التي تقوم بها السلطة ضد المواطنين لا علاقة لها بحركة الاحتجاجات، فالسلطة تقوم بهذه الاستفزازات رغم الهدوء في القرى والأحياء.

وقال: ينبغي على القوى السياسية جميعها أن تلعب دورًا في السعي لإنهاء هذه التجاوزات والانتهاكات والاستفزازات، وليس من الصحيح التعويل على فصيل معين في ذلك، وإنّ وضع الخيوط كلها بيد فصيل واحد تعتبر سياسة خاطئة، وذات مخاطر جمة في وضعنا الراهن، فينبغي أن تتعاون جميع الفصائل والقوى السياسية لتتحمل المسؤولية الوطنية، والسعي لإصلاح الأوضاع المعوجة والشاذة على الساحة الوطنية، ووضع حد لتجاوزات السلطة وانتهاكاتها لحقوق المواطنين وتقييد حرياتهم واستفزازاتها الأمنية.

وقال: إنّ حرية التعبير والتنظيم من الحقوق الطبيعية للمواطنين، وقد نجح الشعب البحريني بتضحياته العظيمة أن يسترد هذه الحقوق بعد أن صادرتها السلطة في ظل قانون أمن الدولة سيء الصيت، وتحاول السلطة اليوم العودة من جديد إلى فرض قيود على حرية التعبير والتنظيم، فتقوم بقمع الندوات والاعتصامات والمسيرات ونحوها باستخدام القوة المفرطة، وقد تصاعدت وتيرة القمع في ظل الهجمة القمعية الأخيرة ضد قوى الممانعة في المعارضة.

وقال: حرية التعبير عن الرأي والاحتجاج وإقامة الاعتصامات والمسيرات حق كفلته المواثيق الدولية، وكفله دستور المنحة أيضا، فينبغي على القوى السياسية والجماهير أن تحمي هذا الحق، وأن تفعّله، ولا يصح بأي حال من الأحوال السماح للسلطة بمصادرته من جديد.

وقال: ينبغي على الجميع أن يسعى ويتساعد على توثيق جميع الحالات المتعلقة بالتجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها اجهزة السلطة وعناصرها ضد أبناء شعبنا الأحرار، والعمل الدؤوب من أجل رفع الشكاوى في الداخل والخارج على جميع المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها الجلادون وقوات الشغب والمخابرات وغيرهم ضد أبناء شعبنا الأبرياء.

وقال: يجب أن يكون هدفنا هو وضع حد نهائي لهذه الجرائم والانتهاكات ضد أبناء شعبنا، وفي مقدورنا أن نحقق ذلك إذا ملكنا العزم والإرادة والتصميم.

وقال: الاستجواب أحد أدوات العمل البرلماني، ودواعي استجواب وزير الداخلية قائمة، مثل: الاعتقالات التعسفية، واختطافات الناشطين، وتعذيب المعتقلين والمختطفين، وحصار القرى والأحياء، وإنزال العقاب الجمعي بأهلها، والاستفزازات الأمنية للمواطنين، ونحوها، وقيام أعضاء البرلمان بهذا الاستجواب لا يحتاج إلى طلب من المواطنين، أو قيامهم بعريضة أو نحوها، وهذه فرصة ذهبية لكي يثبت أعضاء البرلمان بأنّهم قادرون على تفعيل هذه الأداة من العمل البرلماني لمصلحة أبناء الشعب وحفظ حقوقهم وكرامتهم.

الدعوة إلى وحدة الصف وقوة تيار الوفاء

وبخصوص الدعوة إلى وحدة الصف وتأثيرها على قوة تيار الوفاء، قال: لقد كثر الكلام عن الهاجس من أن تضعف الدعوة إلى التكامل ووحدة الصف في ظلِّ الصد من الأطراف الأخرى من هيبة تيار الوفاء الإسلامي، وتؤثِّر بشكل سلبي على عمله ودوره على الساحة الوطنية.

وقال: تيار الوفاء لم يوجد على الساحة الوطنية كطربة أو مجرّد رغبة أو كحاجة ترفية، وإنما وجد كاستجابة إلى حاجة وطنية ملحة، لها تأسيس شرعي، فلا يمكن التنازل عن وجود التيار ودوره تحت تأثير الضغوط مهما اشتدت، وإرادة الاستمرار قائمة ما بقيت الحاجة الوطنية والتكليف الشرعي بالاستجابة إليها.

وقال: التيار يحمل مشروع قائم على محورين:

  • محور التنمية الدينية: ويتعلق بنشر الوعي بالإسلام المحمدي الأصلي، وجوهره الولاية، والالتزام العملي به على جميع الأصعدة، وهو يتطلّع إلى الظهور الشريف المبارك للإمام صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
  • ومحور التنمية الوطنية: وهو يتعلق بالإصلاح الشامل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتحقيق مطالب الشعب العدالة.

وقال: منهج التيار هو الممانعة والمقاومة السياسية السلمية، ومن منهجه النقد العلمي الملتزم.

وقال: الدعوة إلى وحدة الصف والتكامل لا تعني التخلّي عن الوجود أو المنهج أو الخيارات التي يتبنّاها التيار، فتيار الوفاء الإسلامي سيعمل على إثبات وجوده، وسيدافع عن منهجه وخياراته بكل قوة وثبات، ولن يتسامح ولن يجامل أحدًا في هذه المسألة، وسوف يمارس النقد العلمي الملتزم من أجل نشر الوعي وكشف حقيقة وأبعاد ومآلات المناهج والخيارات الأخرى، ولن يتوقف عن النقد ما دام يرى الحاجة الواقعية إليه قائمة، وإنّ إثبات صحة المنهج أو الخيار قد تتوقّف في حالات كثيرة على إثبات خطأ المناهج والخيارات الأخرى.

وقال: من حق كل جماعة أن تناقش مناهج وخيارات الآخرين وتنتقدها، وهذا حق علمي وسياسي لها، وقد يكون واجبا عليها إذا توقفت عليه معرفة الحقيقة وحفظ الحقوق والمصالح، وأما التوعد بالرد على النقد العلمي بالإساءة والانتقام، فهو من الحمية الجاهلية البعيدة كل البعد عن روحية المؤمنين والعلماء والسياسيين الشرفاء، قول الله تعالى: )إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(([15]).

وقال: نحن في تيار الوفاء الإسلامي لن نغضب ولن نزعل إذا مارس أحد النقد العلمي لمناهج عملنا وخياراتنا وأدائنا، وسوف نقابل ذلك بكل أريحية وسعة صدر، ولكنا لسنا راضين عن تسقيطنا ووصفنا بالجهل والعلمانية والانحراف، وأننا ـ والعياذ بالله تعالى ـ ضد العلماء والفقهاء ـ وفينا من خيرة العلماء الصالحين في البحرين ـ ومشاركة السلطة الظالمة الجائرة في منعنا من الصلاة في بيوت الله ومن مآتم الإمام الحسين (عليه السلام ) وتحريض الناس علينا، وهذا يحدث في الحقيقة بدلاً من مقارعة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، والبرهان بالبرهان.

وقال: قسمًا بالذي رفع السماء ووضع الميزان، أننا لا نتعمد التفريط في أي أمر من أمور الإسلام المحمدي الأصيل، وإنّ الالتزام العملي الصادق به، هي المهمّة العمليّة الأساسية التي نحرص كل الحرص عليها.

والخلاصة: الدعوة إلى وحدة الصف والتكامل لن تكون على حساب الوجود والمنهج والخيارات، لأنّ التكامل لا يكون إلا بوجودها، فإذا تمّ التخلّي عنها، انتهى التعّدد والتنوّع، ولم يكن هناك إلا صف واحد، ومنهج واحد، وخيار واحد، مما يلغي عمليًا الحاجة إلى التكامل، وإنّ وحدة الصف والدعوة إلى التكامل لا تعني إغلاق باب النقد العلمي الملتزم.

مسائل متفرقة

وبخصوص أطراف التكامل، قال: الأطراف المعنية بالتكامل ليس الوفاء والوفاق فقط، وإنما جميع القوى السياسية في المعارضة.

وبخصوص الاحتجاج بصلح الإمام الحسن وبثورة الإمام الحسين (عليهما السلام) قال: خيار الصلح وخيار الثورة يرتبطان حقيقة وشرعًا بالظروف الموضوعية، وليس من المنطق والدين تبرير موقف ما بصلح الإمام الحسن وآخر بثورة الإمام الحسين (عليهم السلام) بدون التحقيق في ظروف الموقفين.

وبخصوص مقايضة المعتقلين، قال: لا أعلم شيئًا من هذا القبيل، غير أن للمعتقلين أهداف مشروعة ومطالب عادلة دخلوا السجن وعُذِّبوا من أجلها، وخلاف الحكمة أن تحل قضيتهم على حساب الأهداف والمطالب التي دخلوا السجن وعُذِّبوا من أجلها.

وبخصوص دور المرجعية في توحيد الصف، قال: هذه مسألة جوهرية، فنحن نميّز بوضوح تام بين القيادة التي تتمتع بحق الولاية الشرعية، وبين القيادة التي لا تتمتّع بحق الولاية الشرعية، ونضع الأمور في نصابها الصحيح، ولو عرف الجميع ما لهم من صلاحيات، وما عليهم من حقوق وواجبات، والتزموا عمليًا بها ولم يتعدّوا الحدود التي حدّدها الله العزيز الحكيم لهم، لتوحّدت كلمة المؤمنين وانتظمت صفوفهم بشكل أفضل، ولتجنّبوا الوقع في الكثير من الإشكالات والمشاكل، ولوجدوا السبل أمامهم مشرعة بشكل أفضل لحل إشكالاتهم ومشاكلهم، فالمرجعية الشرعية هي الملجأ الحقيقي والحصن الحصين للمؤمنين، وهي الضمان والأمان لهم.

وقال: نحن لا نعارض القيادة الجماعية الواحدة التي ترعى جميع المؤمنين وجميع مناهجهم وخياراتهم الشرعية، وقد طالبنا المؤمنين بتشكيل هيئة قيادية مشتركة تضع المرجعية الدينية العليا خطوطها العريضة وتستمد منها شرعية عملها.

وبخصوص المرجعية لكل المسلمين، قال: وجود القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة ليس من شأنه أن يوحِّد المسلمين على فهم واحد للدين، فالمسلمون يختلفون في فهم القرآن وفهم السنة الشريفة، وكل طرفٍ يدِّعي بأنّه يبذل جهده ويستفرغ وسعه في فهمهما ويفهمهما فهمًا علميًا وفق قواعد المنطق والدين. وإذ أؤكِّد على ضرورة التحلّي بالتقوى، وتذكّر المثول بين يدي الله عز وجل والجواب على السؤال بين يديه في تحديد الخيار الديني، فإنني لا أرى السبيل إلى توحيد الفهم العام إلى الدين إلا بوجود مرجعية نحتج بها على فهم القرآن والسنة النبوية الشريفة، وهذا ما يدل عليه حديث الثقلين، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ” فالرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) يعطي الضمانة إلى الفهم الصحيح العام إلى الدين، وتبقى الاختلاف في التفاصيل التي تتعلّق بالمستويات والقدرات العلمية والقابليات، فإنّها اختلافات ملازمة لوجود الإنسان في جميع الأوقات والأحوال.


([1]) آل عمران: 41.

([2]) مريم: 10 ـ 11.

([3]) طه: 12.

([4]) علل الشرائع. ص253.

([5]) النهج: الخطبة: 88.

([6]) العنكبوت: 2 ـ 3.

([7]) البحار، ج67، ص 200.

([8]) التحريم: 11 ـ 12.

([9]) البحار، ج100، ص10.

([10]) التوبة: 38.

([11]) آل عمران: 168.

([12]) الملك: 21.

([13]) الرعد: 26.

([14]) المائدة: 8.

([15]) الفتح: 26.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى