لقاء الثلاثاء (64) | 18-10-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
منهج الحقيقة والصحوة، ومنهج الواقع والسكرة
ابتدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين الحديث الفكري في الجلسة الأسبوعية في مجلسه لهذا الأسبوع، بالحديث حول ما أسماهما بـ(منهج الحقيقة والصحوة، ومنهج الواقع والسكرة) وقال: الحقيقة اليقينية المطلقة التي يقوم عليها الوجود بأسره هو الله الأحد الصمد، وهي الحقيقة التي إذا عرفها الإنسان وارتبط بها فإنها تكسبه الصحوة والنور والواقعية في التفكير والإنتاجية النافعة في الحياة على المدى القريب والبعيد، حيث يلتزم أصحاب هذا المنهج الجمالي بالحق والعدل والخير والفضيلة والإجرائية (العمل المُنتج النافع) ويؤدّي الالتزام به إلى قيام حضارة إنسانية مستقيمة ومتوازنة، قول الله تعالى: )وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا(([1]) ويقابله منهج الواقع والسكرة، حيث ينغمس الإنسان في الحياة الدنيا، وتستولي عليه الحسابات المادية والدنيوية في اتخاذ مواقفه ورسم علاقاته، قول الله تعالى : )لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(([2]).
وقال: نحن بين منهجين:
- منهج ينطلق في تفكيره وحساباته العملية في الحياة من الارتباط بالحقيقة المطلقة وهو الله الأحد الصمد، ولا يهمل الأسباب الطبيعية المباشرة، وهو منهج قيمي مستقيم بامتياز، حيث يلتزم أصحاب هذا المنهج بالحق والعدل والخير والفضيلة ونحوها من القيم المعنوية، ويؤدي الالتزام بهذا المنهج إلى العمل المنتج النافع، وقيام حضارة إنسانية جمالية متوازنة.
- ومنهج ينطلق في تفكيره وحساباته العملية في الحياة من الارتباط بالواقع وحساب الربح والخسارة المادية والدنيوية، ويتجاهل القيم المعنوية، ولا يقيم لها وزنًا، ويؤدّي العمل بهذا المنهج إلى نشوب الحروب والفتن وظهور الفساد في الأرض، وقيام حضارات مادية غير متوازنة، ونهاية هذه الحضارات قطعًا الهلاك.
وقال: منهج الواقع والسكرة له آثار مدمرة على الحياة الإنسانية ـ على مستوى الأفراد والمجتمعات ـ وينتهي بالهلاك وسقوط الأنظمة الجائرة، كما حدث من هلاك قوم نوح وعاد وثمود، وسقوط نظام فرعون الظالم والمستبد، فقد ابتعد هؤلاء جميعًا عن الحقيقة المطلقة، وارتبطوا بالحياة الدنيا، وحساب الربح والخسارة فيها، فكان أن عاندوا الرسل وسخروا منهم، وظلموا المستضعفين، وعاثوا في الأرض الفساد.
وقال: في العصر الحديث شاهدنا سقوط المعسكر الشرقي، ومن أجل الاختصار لن اتحدث عن هذا المعسكر، وبرز المعسكر الغربي وعلى رأسه أمريكا كأكبر قوة عظمى في العالم، والتزم هذا المعسكر بالفلسفة البرجماتية في السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، فما هي النتيجة: بروز أسوء نظام عالمي مستبد في التاريخ، وتم احتلال أفغانستان والعراق، وتقديم الدعم المطلق للنظام الصهيوني الغاصب لفلسطين، وتغطية جرائمه ضد الإنسانية في مجلس الأمن، والتهديد المستمر لإيران والشعوب الحرة والدول المستقلة في العالم، ودعم الأنظمة الدكتاتورية المستبدة في الشرق، وشن الحروب، وإثارة الفتن الطائفية والعرقية، وسلب خيرات الشعوب المستضعفة وثرواتها، ونشر الفقر المدقع والمجاعة في العالم، والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول المستضعفة، كل ذلك من أجل مصالحها وفرض هيمنتها على العالم، قول الله تعالى: )وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(([3]) فهذه حقيقة منهج الواقع، وهذه نتائج سكرته، ولا شك فإنّ نهاية هذا المعسكر هو الهلاك، قول الله تعالى: )وَإِن مَّن قَرْيَةٍ (ظالمة لا تحذر الله عز وجل) إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(([4]) لتبقى السيادة في نهاية المطاف لأصحاب منهج الحقيقة والصحوة، قول الله تعالى: )قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(([5]) وقول الله تعالى: )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(([6]) وهذه حتمية تاريخية غير قابلة للتخلف، وقد انتظمت وظهرت أسباب قرب حدوثها إن شاء الله تعالى.
وقال: قد يتوهّم البعض بأنّ العمل بمنهج الواقع والسكرة هو خاص بغير المؤمنين، والواقع إنّ بعض المؤمنين بالله عز وجل، وباليوم الآخرة، والنبوة، قد يغفلون عمليًا عن الله عز وجل، ويعملون بمنهج الواقع والسكرة، حيث يستغرقون في حساب الربح والخسارة الدنيوية، على حساب الارتباط بالحقيقة المطلقة والقيم المعنوية اللازمة عن هذا الارتباط، قول الله تعالى: )وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(([7]) ولهذا نجد بعض الآيات القرآنية تأمر المؤمنين بالإيمان وتقوى الله عز وجل حق تقاته، قول الله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(([8]) وقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(([9]) فقد وصف القرآن الكريم أصحاب هذا المنهج بالضلال، وأخرجهم من دائرة النصرة لله عز وجل ولدينه الحنيف، قول الله تعالى: )وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(([10]) فعلى المؤمنين أن يلتفتوا ويكونوا على يقظة تامّة ويجعلوا حساباتهم في الحياة ومواقفهم وعلاقاتهم مبنية على الارتباط بالحقيقة المطلقة ـ وهو الله الأحد الصمد ـ ليستقيموا على الطريقة، وتكون نتائج عملهم طيبة ونافعة في الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: )وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا(([11]) وليحذروا من أن يأسرهم الواقع وحسابات الربح والخسارة المادية والدنيوية، فيفكّوا الارتباط العملي مع الحقيقة المطلقة التي هي غاية مسيرتهم، ويتجاهلوا القيم المعنوية اللازمة عن هذا الارتباط في المواقف والعلاقات، فيخسروا في الدنيا والآخرة.
الوضع في البحرين
وحول الأزمة الأمنية التي تعصف بالبحرين في الوقت الحاضر، قال: ما يحدث في البحرين في الوقت الحاضر، يعتبر في أصله ـ رغم التطور الملحوظ في منهج عمل السلطة وأساليبها السياسية والقمعية ـ مستعصيًا على الفهم السياسي العلمي الرزين، وفق الحسابات الوطنية أو المحلية، وقد ذكرت ذلك في كرباباد مع بداية الهجمة القمعية خلال شهر رمضان المبارك، وهنا يجب أن نميّز بين أصل الأزمة ـ وهو المستعصي على الفهم العلمي الرزين ـ وبين المنهج المتطوّر في إدارة الأزمة والأساليب القمعية المستخدمة.
وقال: أعتقد بأن ما يحدث في البحرين في الوقت الحاضر ليس محدودًا بالشأن المحلّي، بل له ارتباط وثيق بالاستراتيجيات الإقليمية، وقد يكون نتيجة للتورّط في قراءات إقليمية خاطئة لبعض المؤشرات.
وقال: ما لم نستوعب الاستراتيجيات الإقليمية، فلن نتمكن من استيعاب ما يحدث محليًّا ومعرفته بشكل دقيق.
وقال: أريد أن أبعث برسالة واضحة للسلطة وإلى كل من يعنيه الأمر على المستوى المحلي والإقليمي، ليس من أهداف المعارضة في البحرين ـ ومنها خط الممانعة ـ تهديد الأمن والاستقرار في البلد، ولكن للمعارضة مطالب تتعلّق بالحقوق الأساسية للمواطنين، وهي تتصل بإنسانيتهم وعزتهم وكرامتهم في الحياة، ولا تنفصل عنها، فليس في وسعهم التخلّي عنها، وقد ذكر تيار الوفاء الإسلامي هذه المطالب في بيان الانطلاق والرسالة التي بعث بها إلى الملك، وأكّد فيهما على سلمية الأساليب التي سوف يتبعها لتحقيق هذه المطالب، فإذا كانت السلطة ومن ورائها القوى الإقليمية تريد القضاء على المعارضة أو إقناعها ولو بالقوة بالتخلّي عن هذه المطالب العادلة، فليس لهم إلى ذلك سبيلا، وإذا أرادوا تحقيق الاستقرار في البلاد، فالسبيل الوحيد المفتوح أمامهم هي الاستجابة الواقعية لمطالب الشعب العادلة.
وقال: وصم المعارضة بالعنف والإرهاب مجانب للحقيقة والواقع، وعلى السلطة أن تكف عن الحلول الأمنية للقضايا السياسية، وعن فبركة المسرحيات الأمنية للإيقاع برموز المعارضة والناشطين الحقوقيين واعتقالهم وتعذيبهم، لأنها أساليب عقيمة، ولن توصل السلطة إلى نتيجة محمودة.
وبخصوص المرسوم بقانون رقم: 11 للعام 1999م المتعلّق بمكبرات الصوت، قال: في تشخيصي السياسي إنّ هذا القانون الظالم لا ينبغي أن يسمح له بالمرور، وأعتقد بأنّ كلفة إسقاط هذا القانون المجحف بالحقوق الطبيعية، ومنها: حرية العقيدة والعبادة، وصيانة الخصوصيات المذهبية، هي أهون بكثير من كلفة السماح له بالمرور.
وقال: من الناحية العملية ينبغي مراعاة أمور عديدة، منها:
- التوافق على الموقف بين جميع المعنيين بالأمر، وعلى رأسهم العلماء الأجلاء.
- أن تشترك جميع قوى المعارضة الوطنية في إسقاط هذا القانون الظالم الذي لا يمكن السكوت عن ظلمه.
- تفعيل دور الجماهير في تحمل المسؤولية والمبادرة في الموقف على ضوء الخطوط العامة.
وقال: لدي خشية من الاشتغال بهذا الملف على حساب الملفات الحساسة الخطيرة الأخرى، مثل: الملف الدستوري، والتجنيس السياسي الممنهج، وأملاك الدولة، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمعتقلين السياسيين، ومعتقلي حرية الرأي والضمير، ومن جعله ورقة بيد السلطة للابتزاز السياسي للمعارضة، ومن توظيفه للتأثير السلبي على التضامن بين مختلف أطياف قوى المعارضة، وهذا مما ترغب فيه السلطة قطعًا، وربما يكون هذا مما قصدته من تفعيل هذا المرسوم بقانون في هذا الوقت بالذات.
المشاركة تحت المقصلة الأمنية
وفيما يتعلّق بالانتخابات المزمع إقامتها خلال أيام، قال: ذكرت بأنّ الأجواء في ظل الهجمة القمعية ليست أجواء انتخابات، وما حدث في بعض المناطق، مثل: بني جمرة وكرزكان وسترة يدل على ذلك، والمشاركة في ظل هذه الهجمة القمعية الظالمة ربما تخلق مناخًا مناسبًا للابتزاز السياسي للمعارضة من قبل السلطة، وذلك في ظل الدلالة على المشاركة غير المشروطة، وفصل الأخوة في الدين وفصائل المعارضة المصير فيما بينهم، وسوف تترك المشاركة في ظل الهجمة القمعية الظالمة جرحًا غائرًا في الكيان لا يعلم إلا الله السميع العليم متى وكيف سيندمل.
وقال: لو كانت لدينا ديموقراطية حقيقية وموازين منطقية، لما كانت هناك انتخابات في ظل هذه الأزمة، ومما شجّع السلطة على المضي قدمًا في إجراء الانتخابات في وقتها:
- قرار المشاركة غير المشروطة لدى قوى المعارضة المشاركة.
- وسعي السلطة لتوفير مناخ وأرضية الابتزاز السياسي للمعارضة، وسوف تكشف أوضاع الانتخابات وما بعدها عن ذلك بوضوح.
وقال: لقد تمّ التأسيس للمشاركة على قاعدتي: (دفع الضرر، وعدم التفريط في العمل البرلماني كأداة سياسية) إلا إنّ المعادلة لا تكتمل لاتخاذ الموقف المناسب بشأن المشاركة، إلا بمعرفة الكلفة أو الثمن الذي ندفعه من خلال القبول بهذا الخيار، وقد نتج عن الأخذ بخيار المشاركة:
- إضفاء الشرعية السياسية على دستور المنحة، والتوزيع الظالم للدوائر الانتخابية، وتصعيب عملية الإصلاح، وتطويل زمن المعاناة، وتأخير الوصول إلى الشراكة الشعبية الفعلية في صناعة القرار.
- تشكيل غطاء شعبي سياسي لجرائم السلطة، مثل: التجنيس السياسي الممنهج، والتمييز الطائفي، والفساد الإداري والمالي، وانتهاكات حقوق الإنسان، ونهب أراضي الدولة، وغيرها، حيث تزعم السلطة أنها تعمل وفق القانون، وفي ظل وجود مؤسّسة تشريعية ورقابية، في الوقت الذي ثبت بالتجربة السيطرة الكاملة للسلطة التنفيذية على البرلمان، وعجز البرلمان عن حل أي ملف من الملفات الحساسة، بل عجز حتى عن تعديل لائحته الداخلية التي فرضت السلطة التنفيذية عليه العمل بها، وقد صدرت عن هذا البرلمان مجموعة من القوانين المقيّدة للحريات، مثل: قانون الإرهاب، وقانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات، وقانون الصحافة، ونحوها.
- كما إنّ المشاركة في ظل الهجمة القمعية قد تركت آثارًا سلبية: روحية ونفسية ومجتمعية في الكيان الواحد، وأعطت دلالة على المشاركة غير المشروطة، وفصل فصائل المعارضة مصيرها عن بعضها البعض.
وقال: الأهم هو الخسارة القيمية، فالتوتر الذي حصل في عدد من المناطق مرتبط بالحالة الشعورية والقيمية لدى المواطنين، لأنهم رأوا في المشاركة مع بقاء المعتقلين في السجون، وتعرّضهم إلى التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج، وقد وصل الأمر إلى التحرّش الجنسي بعلماء الدين، ومحاصرة القرى، والاختطافات للناشطين، وتهديد المعتقدات وحرية التعبير، بأنّها مجانبة للوفاء ووحدة المصير بين الأخوة في الدين والنضال، وأنها لا تقيم وزنًا لحجم الظلم الواقع على المعتقلين وأسرهم وسائر المواطنين، وهذا مما يشكل ضغطًا على الضمير والوجدان السليم.
وقال: لقد تمّ التأسيس للمشاركة على قاعدة دفع الضرر، والأضرار التي تمّ التأسيس لدفعها هي أضرار مفترضة، والأضرار التي ذكرتها هي أضرار متعيّنة، ودفع الأضرار المتعينة أولى من التراخي في سبيل دفع الأضرار المفترضة، لاسيما إنّ الأضرار المتعيّنة المذكورة هي من الفداحة بالمستوى الذي يجعل منها فجائع.
وقال: المشاركة في ظل الهجمة القمعية الحالية، قد رجّحت قاعدة “عدم التفريط في العمل البرلماني كأداة سياسية” على قاعدة “دفع الضرر” وقد تمّ الدفع بقاعدة “عدم التفريط” في ظل تصاعد الحديث عن نتائج المشاركة المخيّبة للآمال ـ باعتراف المشاركين أنفسهم ـ وهي توظف في الوقت الحالي للاستمرار في خيار المشاركة رغم الفجائع التي ترتكبها السلطة بحق المواطنين العزل المظلومين.
وقال: المقاطعة لا تعني رفض التغيير التدريجي، ولكن التحليل العلمي ونتائج التجربة قد أثبتا:
- إنّ التغيير من الداخل غير ممكن.
- وإنّ المؤسسة البرلمانية القائمة حاليًا، غير قادرة على المعالجة العادلة للملفات الساخنة.
- وإنّ المشاركة الحالية تقطع الطريق على الإصلاح، وعلى الشراكة الشعبية الفعلية في صناعة القرار، وتطيل زمن المعاناة.
- وتغطي على الجرائم التي ترتكبها السلطة، مثل: التجنيس السياسي الممنهج، والتمييز الطائفي البشع، وسرقة أراضي الدولة، والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان، ونحوها.
وقال: نحن نعتقد بسلامة عقيدتنا السياسية، وسوف نصبر على الدعوة إليها كما صبر نبي الله نوح (عليه السلام) على دعوته إلى قومه لمدة (950: سنة) وذلك رغم كل الصعوبات والتحديات والطعونات والمضايقات والتحقير والتضحيات الجسيمة، حتى يحق الله العزيز الحكيم الحق بكلماته، ولن نستوحش من قلة السالكين، ولن نخضع للتهديدات والخذلان، فقد حوصر الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أهل بيته وأصحابه في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات، وكان أصحابه يأكلون كل ما تقع عليه أيديهم لشدة الجوع، وأثناء حفر الخندق ضمن الاستعدادات لمعركة الأحزاب، كان الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يتفقد سير العمل، فوجد صخرة بيضاء كبيرة كانت عائقًا أمام سلمان الفارسي، حيث كسرت المعاول الحديدية، وشقت على المسلمين، فتقدّم الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصخرة، وقال: “باسم الله” فضربها فتصدعت وبرقت منها برقة مضيئة، فقال: “الله أكبر .. قصور الشام ورب الكعبة” ثم ضرب ضربة أخرى، فبرقت ثانية، فقال: “الله أكبر. قصور فارس ورب الكعبة ” وبشّر أصحابه بأنّ أمّته ظاهرة عليها لا محالة، فهزء منه المنافقون، قول الله تعالى: )وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا(([12]).
وقال: لنا أنس روحي شديد بقول الله تعالى: )وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ` وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ(([13]).
وقال: علاقتنا بالإصلاح وتحقيق مطالب الشعب العادلة علاقة التزام ومصير، فلا مجال للتخلي عنها، مهما عظمت الصعوبات والتحديات، وجلت التضحيات.
موقع كبار العلماء من أطروحة التكامل
وقال: لقد تقدّمنا بأطروحة التكامل منذ الوهلة الأولى لتأسيس تيار الوفاء الإسلامي وذلك في بيان الانطلاق، وأطروحة التكامل لا تعني تنازل أي طرف من الأطراف عن قناعاته بالمشاركة أو المقاطعة ونحوهما، بل عمل كل طرف بقناعاته ومن خلال موقعه، ويكون التكامل بينهم على هذا الأساس، وسوف نسعى لتفعيل هذه الأطروحة على أسس واقعية صحيحة، وليس على أساس الأوهام والعواطف والانفعال.
وقال: عندنا في تيار الوفاء الإسلامي إيمان راسخة بأطروحة التكامل، ولكي ننجح في تطبيقها والعمل بها، فإننا بحاجة إلى تأسيس واقعي صحيح لها، وأحد أهم أجزاء التأسيس تحديد موقع كبار العلماء ضمن الأطروحة بدقة، لأنهم جزء مهم من المعادلة، وعدم تحديد موقعهم يعني وجود فراغ كبير وخلل شديد في تطبيق الأطروحة.
وبخصوص موقع كبار العلماء ودورهم، قال: إما أن يكونوا مظلة للجميع، أو يكونوا ضمن طرف من الأطراف، ولكلٍّ خيار ترتيباته الخاصة.
وقال : سماحة السيد عبد الله الغريفي (حفظه الله تعالى) لم يحدِّد موقع كبار العلماء في دعوته للأخذ بأطروحة التكامل وتطبيقها، وخيار أن يكونوا مظلة للجميع يعني أن يكونوا على مسافة واحدة من الجميع، لا أن يتبنوا مواقف أحد الأطراف، وعمليًا هناك فهم تقدّم به سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) لا يسمح للعلماء بأن يكونوا على مسافة واحدة من الجميع، وهناك تبنّي من قبلهم لمواقف أحد الأطراف في مقابل مواقف الأطراف الأخرى، وهذا أمر تجب معالجته في حال قبول الأخذ بأطروحة التكامل، والرغبة في العمل بها، وتطبيقها بشكل جدي ودقيق.
فتنة صفقة التطمين
وقال: الظروف الحالية ظروف فتنة بامتياز، ولدينا طوقين للنجاة، هما: العقل والدين، فالسلطة تلقي دائمًا بأفخاخها الملغّمة، والانفعال والاستعجال وضيق الأفق وعدم المحاسبة يحمل البعض على بلع الطعم والوقوع في الفخ.
وقال: من الواضح تمامًا إنّ تيار الممانعة هو المستهدف بالدرجة الأولى في القمعة الأمنية الأخيرة، وقد صرّح بذلك وزير الداخلية بشكل علني، ونُشر تصريحه في الصحافة المحلية، ولكن المؤشرات والإجراءات تشير إلى استهداف جميع فصائل المعارضة، وعموم الطائفة الشيعية، بدليل حجب المواقع الإلكترونية للجمعيات السياسية، وإيقاف نشراتها الصحفية عن الصدور، وأطروحة استنقاذ السلطة للمنابر الدينية، وتفعيل المرسوم بقانون رقم 11 للعام 1999م الخاص بمكبرات الصوت، وغيرها، وقد لجأت السلطة إلى استخدام سياسة العصا والجزرة، فقد حاول وزير الداخلية طمأنة الجمعيات السياسية بأنها غير مستهدفة في الهجمة القمعية (الجزرة) وحذّرها في نفس الوقت من التضامن مع المعتقلين والمنظمات التي ينتمون إليها، واتّخذت السلطة مجموعة من الإجراءات لتحذير الجمعيات السياسية والضغط عليها، مثل: غلق المواقع الالكترونية لجمعية وعد وجمعية الوفاق وجمعية أمل، وإيقاف نشراتها الصحفية، وحل إدارة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان (العصا) والهدف هو كسر حالة التضامن الذي أظهرتها هذه الأطراف مع المعتقلين وأسرهم.
وقال: هناك جماعتان وقعتا في فخ السلطة.
- من صدّق التطمينات المخادعة للسلطة وفرط في وحدة المصير، وجعل مصيره مستقلا عن مصير الآخرين في قوى المعارضة.
- ومن عالج الموقف بشكل حاد ومتشنّج ودخل في التخوين مما يؤدّي إلى تعميق الشرخ بين الأخوة في الدين والنضال الوطني.
وقال: إذا كنتُ مقتنعًا بوحدة المصير، فيجب عليّ أن أضع هذا الأمر في اعتباري دائمًا، وإذا تجاهل طرف من الأطراف هذه الحقيقة، فيجب ألا أتجاهلها أنا، وإذا افترضنا إنّ الإخوة في الوفاق ـ كما ذكر بعض المتحدثين ـ قد وقعوا في الخطأ، فلا يصح منا معالجة الخطأ بما يخدم الخصوم والأعداء!!
وقال: نحن في تيار الوفاء الإسلامي نؤكّد على وحدة المصير، ونشير إلى جوانب الخلل ونعالجها بهدوء وحكمة، وقد قلنا يوم منع سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد من الخطابة: إذا نجحت السلطة في منع سماحة الشيخ المقداد من الخطابة، فإنّ خطاب سماحة الشيخ عيسى قاسم سيُكبّل ويهبط سقفه، وقلنا على ضوء الهجمة القمعية: إذا نجحت السلطة في ضرب تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق، فإنها ستتفرد بالجمعيات السياسية، وسوف تتشدد في تطبيق قانون الجمعيات عليها وستضيّق عليها الخناق.
وقال: من الأسباب التي حملت البعض على الطعن في جمعية الوفاق التصريح المنسوب إلى الدكتور صلاح البندر بوجود تطمين رسمي من السلطة إلى الوفاق بأنها غير مستهدفة في القمعة الأمنية مقابل سكوتها عن قضية المعتقلين، وشجّع هذا البعض على الطعن، ندرة الحديث عن قضايا المعتقلين وتعذيبهم وسوء المعاملة الحاطّة بالكرامة في خطاب رموز الوفاق، إلا ما دخل ـ بحسب تقدير هؤلاء ـ في دائرة الدعاية الانتخابية، ولهذا فإنّي أتمنى على الأخوة في الوفاق:
- أن يصدر عنهم ما ينفي الكلام المنسوب إلى الدكتور صلاح البندر.
- وأن يؤكّدوا بالقول والعمل حقيقة وحدة المصير بين أخوة الدين والنضال، وأن تكون لقضايا المعتقلين مساحة معقولة في خطاباتهم.
فعاليات الدفاع عن المعتقلين
وبخصوص دور تيار الوفاء في الدفاع عن المعتقلين، قال: الذين في السجن هم رموز وناشطون من تيار الوفاء وخط الممانعة، والباقون منهم مستهدفون، والتيار ككل مستهدف، فما يعمله تيار الوفاء حيال المعتقلين ليس عملاً تضامنيًا مع الغير، وإنّما هو عمل من أجل النفس، والتيار مضيّق عليه إلى أبعد الحدود، حتى الأمسيات الدعائية فإّنها تمنع بالقوة، ولو وضع الكل يد بعضه بالبعض الآخر، لكان بالإمكان عمل بعض الأنشطة الجماهيرية، مثل: المسيرات والاعتصامات في الأماكن العامة، ولكن في ظل التفرّق والرعب الذي نجحت السلطة في تسريبه إلى قلوب الكثيرين، رأينا بأنّ الإصرار على الأنشطة الجماهيرية يعني تقديم المشاركين فيها كلقمة سائغة للسلطة المتعطشة إلى دمائهم، وهو مخالف للحكمة والرحمة، ولهذا ركّزنا على الأمور التالية:
- عمل ما يتيسر من الأنشطة الجماهيرية.
- عمل بعض الأنشطة السلمية النوعية الصغيرة والمحدودة.
- رفع درجة التضامن مع أسر المعتقلين وتقديم ما يلزمهم من الدعم.
- عقد لقاءات جماعية منتظمة مع أسر المعتقلين بهدف المتابعة ورفع المعنويات.
- تشكيل فريق دفاع قوي عن المعتقلين.
- التواصل مع المؤسسات الحقوقية الدولية ومراكز التأثير وضمان المراقبة الدولية للمحاكمات.
- الإعداد لرفع شكاوى في الداخل والخارج ضد الجلادين.
- التواصل مع وسائل الإعلام في الخارج، أما وسائل الإعلام في الداخل فنحن محرومون منها بالكامل، ماعدا الإعلام الالكتروني الشعبي، وقد استهدفتها السلطة جميعًا بالإغلاق.
ونحن نستغفر الله السميع العليم، ونعتذر إلى المعتقلين وأسرهم الكريمة عن كل تقصير بحقهم.
منع فعاليات المشاركة
وبخصوص التوترات التي شوشّت على بعض فعاليات المشاركين، قال: لقد مُنعنا من إقامة فعالياتنا في الكثير من المآتم والمساجد في العديد من القرى والأحياء باسم الدين، وقد تعاملنا بحلم وسعة صدر مع هذه الممارسات المشينة ولم نخلق أية مشكلة في أي مكان في سبيل مواجهة هذا المنع، وكنا دائمًا نُلغي الفعاليات في الأماكن التي يرفع فيها بعض الأشخاص عقيرتهم لمنعنا من الصلاة وإقامة الفعاليات، وذلك لتجنّب المواجهة البينية، فنحن نرفض من حيث المبدأ منع فعاليات الآخر المختلف ولا نقبل بذلك، ولهذا تدخّلنا من أجل أن تقام فعاليات الوفاق في سترة والسنابس بدون مشاكل، فهذا ما نؤمن به ونلتزم به عمليًا، فأنتم ترون نشرة الوفاق وأبياتها توزّع هنا في هذا المجلس في كل أسبوع، وهذا هو الأخ أسامة التميمي وهو مرشّح انتخابي حاضر في المجلس الآن، وقد تكلّم هو ومرافقه بكل حرية وبشكل وافي ولم يمنعه أحد من الكلام أو يضيّق عليه أو يحرجه، والمجلس مفتوح للجميع، وكثيرًا ما يزوره أشخاص لهم رأي مختلف من كافّة الأطراف، ويسمح لهم بالكلام بكل حرية، ولا يسمح لأحد بالإساءة إليهم أو مضايقتهم.
وقال: أتمنّى من الإخوة في الوفاق ومن الإخوة المقاطعين أن يحترموا مشاعر بعضهم البعض، وأن يتصرّفوا بحكمة وروية، وأن يتجنّبوا كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التشنّج والمواجهة البينية بين أخوة الدين والنضال.
قراءة الأمِّي في الكتاب المقلوب
وبخصوص ترديد بعض المقولات، قال: نحن نضحك إذا طلب منا أحد شرطة الشغب في نقاط التفتيش البطاقة الشخصية ونراه يمسك البطاقة بالمقلوب، ثم يعطي توجيهاته، فمن يراه من بعيد يظن أنه يقرأ البطاقة الشخصية ويعطي التوجيهات استنادًا إلى ما فيها من معلومات، أما من يراه من قريب فهو يعلم بأنّه أمِّي، وأنه يقرأ ما في رأسه من حشو، ويعطي التوجيهات استنادًا إلى ما في رأسه لا إلى ما في البطاقة من معلومات. وقد تتكرّر الصورة بشكل آخر، كأن يمسك أمي كتابًا بشكل مقلوب وهو يتمتم، فمن يراه من بعيد يظن أنه يقرأ ما في الكتاب، أما من يراه من قريب فيعلم أنه أمي، وأنه يقرأ ما في رأسه، وهذه هي الصورة الحقيقية التي تتجلي للكثيرين من الذين يعلّقون على الآراء والمواقف السياسية للآخر المختلف، فهم لا يمتلكون القدرة على فهمها والقراءة العلمية لها، ولكنهم يكرّرون ما يُلقى إليهم من حشو بشأنها، مثل:
- إنّ الهدف من الهجمة القمعية هو إضعاف المشاركة!!
- إنّ المقاطعة لم تحقق شيئا وليس لها برامج!!
- إنّ المقاطعين لا تأثير لهم ولا شعبية!!
- إنّ المقاطعين ضد الفقهاء وخط العلماء!!
- إنّ أطروحة بقاء المراجع وكبار العلماء على مسافة واحدة من جميع المؤمنين العاملين، هي أطروحة علمانية!!
- إنّ ذكر المسؤولية الدينية والتاريخية للمواقف هي توظيف للدين في السياسة، وكأن القائل لم يسمع قول الله تعالى: )فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ` وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(([14])!!
- إنّ عبد الوهاب ليس له دور أكثر من الكلام في مجلسه ليلة الثلاثاء!!
- ونحو ذلك.
وقال: إذا كانت المقاطعة لم تأت بشيء، وإنّ المقاطعين لا تأثير لهم ولا شعبية!! فلماذا كل هذه الاعتقالات والهجمة القمعية الشرسة ضدهم، ولماذا الاستقواء عليهم بالخارج؟! وهل فضح النظام وأثبت أكذوبة الإصلاح، والذين يقفون وراء كل هذا الحراك الإعلامي والحقوقي الدولي النشيط والمتميّز: المشاركون أم المقاطعون؟! ومن الذين تفضّلهم السلطة: المشاركون أم المقاطعون؟!
وقال: أتمنى على المؤمنين بألّا يردوا على الأطروحات والمواقف، وألاّ يقولوا في العلم بغير علم، يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): “لو سكت الجاهل ما اختلف الناس”([15]) فهذه صفة جوهرية من صفات المؤمنين، وطريق سلامتهم في الدين والدنيا.
الاستحمار ونعمة العقل
وقال: مصطلح الاستحمار له أصل قرآني، قول الله تعالى: )مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(([16]) ويعتبر العقل أعظم ثروة يمتلكها الإنسان، قول الإمام الباقر (عليه السلام): “لما خلق الله العقل استنطاقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقًا هو أحبُّ إليّ منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إنّي إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب، وإياك أُثيب”([17]) فليس أخسر للإنسان من شيء أكثر من أن يسلب نعمة التفكير وحرية الاختيار.
وقال: مما يخالف العقل والدين أن يتخذ الإنسان غير المعصوم زعيمًا ويتّبعه في كل شيء بدون حجّة ولا برهان ولا كتاب منير، قال الإمام الصادق (عليه السلام): “إياك أن تنصب رجلاً دون الحجّة فتصدِّقه في كل ما قال”([18]) وقال (عليه السلام): “إياك والرئاسة، فما طلبها أحد إلا هلك، فقال سفيان بن خالد: جعلت فداك، قد هلكنا إذًا!! ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه، فقال: ليس حيث تذهب إليه، إنما ذلك أن تنصب رجلاً دون الحجّة فتصدِّقه في كل ما قال، وتدعو الناس إلى قوله”([19]).
وقال: دور المعصوم ليس تعطيل العقول عن العمل، وإنما تحريك دفائنها، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن مهمة الأنبياء (عليهم السلام): “ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم الآيات المقدرة”([20]) والمعصوم يدل الإنسان على الحق كما تدله البراهين العقلية المنطقية عليه، فالمعصوم حجة يحتج به العقل السليم كما يحتج بالبراهين العقلية المنطقية.
وقال: أحد الأشخاص كتب موضوعًا في ملتقى البحرين ادّعى فيه ضياع استقلالية العقل بين عبد الوهاب حسين وسماحة الشيخ عيسى قاسم (حفظه الله تعالى) وأنا أطلب من هذا الشخص أن يأتيني بخطاب واحد لي فرضت فيه رأيي على أحد من الناس، فأنا أطرح رأيي في زحمة الآراء الأخرى، وأترك للناس حرية الاختيار، وقد شجّعت الناس كثيرًا على النّقد العلمي الملتزم للآراء والمواقف، وحذّرتهم من مغبّة الاتّباع الأعمى، وهذه سيرتي، وما هو معروف عنّي، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتفضّل عليّ بالقبول وحسن العاقبة.