لقاء الثلاثاء (67) | 8-11-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
سنّة الابتلاء في القرين الكريم
ابتدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول سنّة الابتلاء في القرآن الكريم، وقال: الابتلاء في اللغة هو الاختبار والامتحان والتجريب، وابتلاء النفس هو اكتشاف حقيقتها وحقيقة أعمالها.
وقال: لكي نفهم سنّة الابتلاء في سياقها الوجودي الصحيح، يجب أن نعلم بأنّ الله ذي الجلال والإكرام لم يخلق الإنسان عبثًا، وإنّما خلقه لغاية، والغاية هي رجوع الإنسان إلى الله عز وجل، قول الله تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(([1]).
وقال: لكي تتحقّق هذه الغاية ـ كما يريد الله عز وجل ـ يجب أن تكون هناك مراقبة من الله جلَّ جلاله لحركة الإنسان ومسيرته في الحياة، والتدخّل بما يضمن سلامة المسيرة، ووصول الإنسان إلى غاية وجوده.
وقال: سنة الابتلاء لها مستويين:
- المستوى الفردي.
- والمستوى المجتمعي.
ورغبتي في هذا اليوم هو الحديث عن سنّة الابتلاء على المستوى الفردي، ولكن من المفيد أن أشير باختصار شديد إلى بعض النقاط حول المستوى المجتمعي، منها:
(1) هلاك الأمم: فقد أهلك الله عزّ وجل أقوام، مثل: عاد وثمود وقوم لوط، وذلك بما كسبت أيديهم، قول الله تعالى: )وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً(([2]) والهدف من إهلاك هذه الأمم، هو ضمان سلامة المسيرة الإسبانية في الحياة، ولكي تتحقّق الغاية الربانية من وجود الإنسان، وإزالة العقبات التي تعترض طريقها، حيث أن بقاء بعض المجتمعات الفاسدة قد يتسبب في رسوخ الفساد وانتشاره إلى درجة تعيق وصول مسيرة الإنسان إلى غايتها، فيكون التدخّل الربّاني بإهلاك هذه الأمم أمرًا حتميًا تفرضه الحكمة الإلهية البالغة والرحمة بالعباد، والله العزيز الحكيم غالبٌ على أمره غير مغلوبٍ، قول الله تعالى: )وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(([3]) فلو اجتمعت شعوب الدنيا كلّها، بل لو اجتمعت قوى الوجود بأسره على أن تخالف أمر الله عز وجل وتحرف المسيرة إلى غير وجهتها بحيث تعطل تحقيق غاية الوجود لما استطاعت.
(2): إنّ بقاء المجتمع وانتصاره وتطوّره يرتبط بأسباب طبيعية، وهذه الأسباب الطبيعية محايدة بين الجميع، بين المؤمنين والكافرين، فمن يأخذ بالأسباب الطبيعية للنصر والتطور من المؤمنين والكافرين ينتصر ويتطور، ومن يتجاهلها من المؤمنين والكافرين ينهزم ويتخلّف، قول الله تعالى: )كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ` انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً(([4]) وهذا طبعًا من النّاحية الماديّة، وهناك بعد معنوي، مثل: الارتباط بالله عزّ وجل، والالتزام بالحق والعدل والفضيلة ونحوها من القيم المعنوية، فهذه العوامل تستلزم النجاح والفلاح دائمًا، فقد يواجه المجتمع الصالح إخفاق في الاستعدادات للمعركة من الناحية المادية، مما يؤدّي إلى هزيمته أمام قوى الباطل والمجتمع الطالح، ولكنه من الناحية المعنوية يبقى منتصرًا، بحيث يحتفظ بوجوده النظيف، ويستعيد عافيته، وينتصر في المستقبل.
(3): هناك حتميّة تاريخيّة تقضي بانتصار جماعة الصالحين في نهاية المطاف، وهذه الحتمية التاريخية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالة القيمية والمبدئية التي يكون عليها الصالحون، قول الله تعالى: )قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(([5]) وقول الله تعالى: )وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(([6]).
وبخصوص سنّة الابتلاء على المستوى الفردي، قال: مما لا شك فيه إنّ الابتلاء على المستوى الفردي لا ينفصل عن أوضاع المجتمع، وله انعكاساته المباشرة عليه، لأنّ البعد الاجتماعي ملازم للإنسان في جميع أطوار حياته.
وقال: الحديث عن الابتلاء يسلط الضوء على خصوصية الإنسان وكماتته في الوجود، فالإنسان يمتاز على سائر الموجودات بالعقل والاختيار، وهذا هو أساس حمل أمانة التكليف، قول الله تعالى: )إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً(([7]) ولكمال عقله وما يتمتّع به من قابليات ومستعدّات جسميّة ونفسيّة وروحيّة، جعله الله تبارك وتعالى خليفته في الأرض، قول الله تعالى: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً(([8]) وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض، قول الله تعالى: )أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ(([9]) وأسجد له ملائكته، قول الله تعالى: )فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ(([10]) وسجود الملائكة للإنسان، يعني أنّ وجودهم مسخّر لغاية وجوده، فلا يوجد مخلوق أنعم الله تبارك وتعالى عليه بمثل ما أنعم به على الإنسان، ولا يوجد في الوجود من هو أوفر حظا من الإنسان، فما هو موجود في السماوات والأرض مسخر من أجله، والملائكة قائمة بخدمته، وفي الآخرة يعتبر الإنسان المؤمن هو أسعد الكائنات، وأحسنها زلفة عند ربه جل جلاله.
وقال: أمانة حمل التكليف لا تنفك عن الابتلاء، وللابتلاء مجموعة من الوظائف، ويعتبر كمال النفس، وحسن العمل، هما الوظيفة الأساسية للابتلاء، قول الله تعالى: )وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(([11]) وقول الله تعالى: )الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(([12]).
وقال: هناك علاقة تلازم بين كمال النفس، وحسن العمل، فكلّما كانت النفس أكمل كان عملها أحسن، ولا يمكن أن يكون عمل النفس الناقصة أحسن من عمل النفس الكاملة، وعليه: فإنّ أحسن العمل هو عمل الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمل الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم أكمل نفوس البشر على الإطلاق.
وقال : من وظائف الابتلاء إظهار حقيقة النفس وما هي عليه من الصدق والكذب فيما تدّعيه من الإيمان والإخلاص والثبات والصلابة في الجهاد والمواقف الحقّة، فهناك ظاهر وباطن للإنسان، وقد يكون ظاهر الإنسان حسنًا وصالحًا، ولكن حقيقته وباطنه فاسدًا وقبيحًا، وقد يدّعي الإنسان ادّعاءات عريضة بالصدق والإخلاص والثبات في الجهاد والمواقف الحقة في حالة اليسر والعافية، وقد يسلك من يخالفه بألسنة حداد، ولكن حقيقته وحقيقة أفعاله ليست كذلك، فيأتي الابتلاء ليكشف حقيقة نفس هذا الإنسان، وتنكشف حقائق أعماله وأقواله وادعاءاته، فيتميّز من خلال الابتلاء الصادقون من الكاذبين، قول الله تعالى: )أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ` وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(([13]) وقول الله تعالى: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ(([14]).
وقال: لهذا فإذا أردنا أن نعرف حقيقة الرجال فلا بد أن ننظر إليهم من خلال ما يظهرون عليه في وقت المحن والضيق، وليس في وقت السعة والعافية.
وقال: من وظائف الابتلاء تفعيل الاستعدادات والمواهب والقابليات والتأهيل الفعلي لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان في الحياة، قول الله تعالى: )وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(([15]) فقد تمّ تأهيل خليل الله إبراهيم (عليه السلام) للقيام بالوظائف العظيمة للإمامة وتحمل مسؤولياتها من خلال الابتلاء العظيم.
وقال: ينبغي أن يُمتحن الإنسان قبل أن تُسند إليه المسؤوليات العامة، ولا يُعطى من المسؤوليات العامّة أكثر مما يكشف عنه الامتحان من قدراته، وتحجب المسؤوليات العامة عمن ثبت بالتجربة عدم أهليته لها، وإسناد المسؤوليات العامة لمن ثبت بالتجربة أنه غير مؤهل لها هو بخلاف الحكمة، وفيه تفريط في المصالح العامة إلى الناس.
وقال: المجتمعات التي تتعرّض إلى الامتحان والشدائد وتصبر، فإنّها تكون الأفضل وتتأهّل لتحمّل المسؤوليات العظيمة في التاريخ، ويكشف البلاء لها عن القيادات الحقيقية فيها، ويظهرها ويبرزها إلى الناس، ويكون مصير هذه المجتمعات هو النجاح والفوز والفلاح والتقدم والسيادة، قول الله تعالى: )إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ` وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ(([16]) فالقيادات تصنع وتكتشف من خلال الابتلاء وليس من خلال العافية والوراثة.
وقال: وهناك مواضع رئيسية للابتلاء، منها:
(1): الطاعة لله عز وجل فيما يأمر به وينهى عنه، والصبر على المصائب والمحن التي تصيب الإنسان، قول الله تعالى: )يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([17]).
(2): الإنفاق في سبيل الله، قول الله تعالى: )هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(([18]).
وقال: الإنفاق كما يكون من المال، قد يكون أيضًا من العلم، وقد يكون من الجاه، فحينما تكون هناك مشكلة بين زوجين من المؤمنين مثلاً، أو بين طائفتين من المؤمنين، وهناك شخص يمتلك جاهًا، وإذا تدخّل بجاهه فإنّه يستطيع أن يحل المشكلة، فينبغي عليه أن يتدخّل ويبذل جاهه في سبيل حل هذه المشكلة فيؤجر على ذلك من الله الغني الحميد.
وقال: هناك من الوجهاء من يتكبّر على مثل هذا البذل، ولا يتحمّل مشاقه، وقد يرى فيه إذلالاً للنفس فينأى بنفسه عنه، فيخسر، وهذا الوجيه قد يحمّل المسؤولية عند الله جل جلاله عن التداعيات التي تترتّب على عدم تدخّله لحل المشكلة ويؤاخذ على عدم تدخّله في يوم القيام، وقد يُعاقب.
(3) الجهاد في سبيل الله والصبر على مواجهه الأعداء، قول الله تعالى: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ(([19]).
وقال: يجب أن نعلم بأنّ الصبر والثبات والصمود في المواجهة مع الأعداء الفعليين هي أمور حسنة وجميلة من الناحية الروحية والأخلاقية، وعاقبتها حسنة في الدنيا والآخرة، والخوف والضعف والتزلزل والتراجع في المواجهة مع الأعداء الفعليين هي أمور قبيحة وسيئة من الناحية الروحية والأخلاقية، وعاقبتها سيئة في الدنيا والآخرة.
وقال: يجب أن نميّز بين نوعين من الانتصار:
- الانتصار المادي.
- والانتصار المعنوي.
فالانتصار المادي مرتبط بتوفير العوامل الماديّة، مثل: الرجال والعتاد والتخطيط ونحوها، فمن يتوفّر عليها ينتصر، ومن يقصِّر فيها يُهزم، وهناك الانتصار المعنوي الذي يرتبط بالقيم المعنوية والمبادئ، مثل: الحق والعدل والفضيلة والمحبة والتسامح ونحوها، فمن يحمل هذه القيم ويلتزم بها، لا يخسر ويكون منتصرًا بشكل دائم حتى وإن تعرّض للهزيمة الماديّة، فهو لا يخسر مكانته المعنوية، ويحصل على الثواب الجزيل من عند الله الغني الحميد، قول الله تعالى: )تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(([20]) وينتصر في الصراع مع الغير على المدى البعيد، قول الله تعالى: )قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(([21]) وقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ` تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ` يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ` وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(([22]).
وقال: الإمام الحسين (عليه السلام) قُتل في كربلاء، وقُتل معه أهل بيته وخيرة أصحابه، وحرقت خيامه وسبيت نساؤه، ولكنه لم يفقد منزلته وقيمته المعنوية، وربح الثواب الجزيل من عند الله الغني الحميد، وبقي خالدًا في التاريخ، وتفجّرت الثورات العظيمة في التأريخ على ضوء نور ثورته المباركة وقيمه ومبادئه الخالدة وباسمه.
وقال: قد يهزم أصحاب الحق والعدل والفضيلة في معركة مادية، لكنّهم لا يمكن أبدًا أن يُهزموا من الناحية المعنوية، ولهذا فأصحاب القيم والمبادئ كما يكون لهم الإعداد المادي للمعركة، يكون لهم الإعداد الفكري والأخلاقي والروحي، وهذا مما يضمن لهم الفوز المعنوي دائمًا، والانتصار المادي في الصراع على المدى البعيد.
وقال: من يتنازل عن قيمه ومبادئه من أجل أن يكسب جولة في الصراع المادي فهو خاسر، والمؤمن البصير لا يفعل ذلك، فهذا التنازل خسارة معنوية، وقد لا يتمكّن الإنسان بعدها من التدارك والتصحيح.
ولهذا فإنّ وصيتي إليكم: كونوا مبدئيين إلى الغاية، وحافظوا على قيمكم المعنوية في الصراع، واحذروا من التنازل عن القيم والمبادئ في سبيل أن تكسبوا جولة في الصراع المادي، فتمسّككم بالمبادئ والقيم هو مكسبكم الحقيقي، وهو خير لكم في العاقبة، في الدنيا والآخرة، والانتصار المادي إلى زوال، والانتصار المعنوي باقي ومحفوظ عند الله تبارك وتعالى، قول الله تعالى: )وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ(([23]).
وقال: تذكّروا دائمًا في العلاقة مع الغير وصايا أهل البيت (عليهم السلام) إلى شيعتهم: “كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا” و “كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم” و “كونوا دعاةً لنا صامتين”.
وقال: لا تبتئسوا ولا تحزنوا بسبب ما يصيبكم من الظلم والحيف والجور، ولو كان من ذوي القربى، ولو كان من خاصّتهم، واصبروا فإنّ الله تعالى يقول: )وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(([24]).
مراقبة أداء الوفاق في البرلمان
وبخوص ردود الفعل على بيان التطوّرات السياسية بعد الانتخابات، قال: ما دام الأمر يتعلّق بالشأن العام ومصالح المواطنين، فإنّ المراقبة والمحاسبة يجب أن تكون للسلطة وقوى الموالاة وقوى المعارضة، ومنها: جمعية الوفاق، وقد نبّهتُ في الأسبوع الماضي إلى ضرورة مراقبة أداء جمعية الوفاق في البرلمان بهدف التصحيح، وعلى هذا الأساس جاء بيان التطوّرات السياسية بعد الانتخابات، وسوف يستمر ـ بإذن الله تعالى ـ هذا المنهج، وأما منطق بأنّكم لستم أعضاء في الجمعية، فلا حق لكم في مراقبتها ومحاسبتها، فإنّه من الجهل والاستبداد الذي لا يختلف في جوهره عن استبداد السلطة.
وقال: لكن ينبغي التنبيه إلى خطأ الانشغال بمراقبة الغير ومحاسبته، عن مراقبة النفس ومحاسبتها، وعن الخطط وبرامج العمل الخاصة بنا، فإنّ ذلك أمر قبيح، ومضيعة للوقت والجهد، وسبيل إلى الفشل والزوال.
وبخصوص الكتلة الأكبر في البرلمان، قال: ذكرت قبل الانتخابات أنّ وجود المعارضة بأكبر كتلة داخل البرلمان لن يغيّر شيئًا في ميزان القوى في داخل البرلمان، فكتلة الوفاق التي تقدّر بـ(18: نائب) ويقف ورائها (82030: صوت) لم تستطع الحصول على رئاسة مجلس النواب، وهو حق طبيعي لها، ويحصل على الرئاسة خليفة الظهراني، وهو ليس عضوًا في كتلة، ولا يمثّل جمعيّة سياسيّة، وليس له من مؤهل إلى الرئاسة سوى تبعيته المطلقة للسلطة التنفيذية وإخلاصه المطلق لها، وقد أرادت له استلام هذا المنصب، فغلبت بإرادتها إرادات جميع الكتل، وفرضت عليهم رئاسة من تريد، بخلاف الذوق وكل الأعراف البرلمانية والديمقراطية.
وقال: هناك رؤيتان فيما يتعلّق بتعاطي الوفاق مع السلطة في البرلمان.
- رؤية تقوم على المشاركة والتحدّي (المواجهة مع السلط) وقد طرحت هذه الرؤية بعض قيادات الوفاق.
- رؤية تقوم على اللين وترك المواجهة مع السلطة، والسعي إلى حلحلة الأمور ومعالجة الملفات بالهدوء.
وقال: الواضح من خلال التجربة عمل الوفاق بالرؤية الثانية، واستنادًا إلى هذه الرؤية، كانت لديها كغيرها قراءة واضحة بأنّ السلطة التنفيذية متمسّكة برئاسة خليفة الظهراني لمجلس النواب، وإنّ وجود (18: نائبًا) لديها لا يمكّنُها من أن تفرض إرادتها بتعيين رئيسًا لمجلس النواب لا منها ولا من غيرها، فاختصرت على نفسها الطريق، فتنازلت عن حقها الطبيعي في رئاسة مجلس النواب، ورضيت بأن يكون النائب الأوّل من حصتها.
وقال: لو قاومت الوفاق وقاطعت الجلسة لكانت فرصتها لأن تبعث برسالة بليغة إلى الرأي العام في الداخل والخارج بأنّ الوضع في البرلمان هو وضع شاذ وغير طبيعي، وقد تفلح في الحصول على الرئاسة في نهاية المطاف.
وقال: كان الأجدر بها ـ بحسب تقديري ـ المقاومة ـ على أن تكون المقاومة استراتيجية ثابتة لها في العمل البرلماني، وليس مجرّد موقف منعزل في جلسة أو جلستين ـ ولكنها سلّمت الرئاسة للظهراني بدون مقاومة، فكان هذا الاستسلام السريع والقبول بالأمر الواقع بمثابة الرسالة إلى الرأي العام في الداخل والخارج بأنّ الوضع في داخل البرلمان طبيعي، ولا يخرج عن قواعد اللعبة البرلمانية الصحيحة والمقبولة من المعارضة.
برقيّة التهنئة من الوفاق إلى رئيس الوزراء
في البداية هذا نص البرقية المنشور: صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله رئيس مجلس الوزراء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يشّرفني يا صاحب السمو الملكي أن أرفع إلى سموِّكم الكريم أسمى آيات التهاني والتبريكات بمناسبة نجاح الانتخابات النيابية والبلدية معربًا لسموكم عن اعتزازنا بالمشاركة الشعبية الواسعة التي جسّدت روح الديمقراطية والشفافية وأكّدت اللحمة الوطنية في ظل المشروع الإصلاحي الذي أرسى قواعده جلالة الملك المفدى بحكمة واقتدار من أجل خدمة الوطن والمواطنين في ظل المسيرة المباركة متمنيا المزيد من الرقي تحت قيادة جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه.
ودمتم سالمين الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الوطني الاسلامية.
وقال: من حيث الشكل: فإنّ التداول السلمي للسلطة هو من مطالب المعارضة ـ بما فيها الوفاق ـ ويفترض أن تكون رتبة رئيس البرلمان أعلى من رتبة رئيس الوزراء، فوظيفة البرلمان التشريع ومراقبة عمل رئيس الوزراء ووزرائه، غير أن ما يحدث في الواقع مختلف تمامًا ومتخلف عمّا هو طبيعي في أوضاع الدولة ورسمها الصحيح، فرئيس الوزراء ينظر إلى منصبه على أنه حق مكتسب بالوراثة، وثابت له ضمن توزيع المناصب في العائلة الحاكمة، وقد أعفاه دستور المنحة من المحاسبة، والبرقية هي تكريس لهذا الواقع المتخلف بدلاً من المطالبة الجديّة بحق التداول السلمي للسلطة، وإخضاع رئيس الوزراء ووزرائه إلى المراقبة والمحاسبة البرلمانية الجدية.
وقال: من حيث المضمون: فإنّ البرقية تقرُّ بأنّ المشاركة الشعبية الواسعة هي تجسيد إلى روح الديمقراطية والشفافية، وتأكيد إلى اللحمة الوطنية (طبعًا بين الشعب والسلطة).
والسؤال: كيف يجوز ذلك والوفاق طال ما تحدّثت في خطابها وأبياتها وشعاراتها عن خروقات السلطة وتجاوزاتها؟!
وكيف يجوز ذلك في ظل الانقلاب على الدستور وميثاق العمل الوطني، والتجنيس السياسي الطائفي الممنهج، والتمييز الطائفي البغيض، وسرقة أملاك الدولة، ووضع اليد على مقدرات الشعب، والفساد الإداري والمالي المستشري في مفاصل السلطة، والانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان، بما فيها الهجمة القمعية الأخيرة، وما تضمّنته من انتهاكات فظيعة، منها: التعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين، والاعتداءات الجنسية التي شملت علماء دين شرفاء؟!
وهل تنسجم هذه البرقية مع شعار الحملة الانتخابية للوفاق: “ديرتنا نحميها” أبهذه البرقية ومنهجها والسياسة التي تمثِّلها يُحمى الوطن، وتُحمى مكتسبات المواطنين، وحقوقهم الطبيعية والمكتسبة المشروعة؟!
وقال: إنّ هذه البرقية ـ من حيث الشكل والمضمون ـ قد تجاوزات عمليًا جميع ذلك، وفيها إخلاء لطرف رئيس الوزراء من المسؤولية.
استمرار حملة الاعتقالات وأبعادها
وبخصوص الاعتقالات، قال: عدد المعتقلين تجاوز الـ(300: معتقل) والحملة لا تزال مستمرة، والأحكام التي تصدرها المحاكم هي أحكام متشدّدة جدًا ولا تتناسب مع نوع التّهم الموجّهة إلى المعتقلين، والهدف هو القضاء على خط الممانعة، وإلغاء دوره من على الساحة الوطنية، والبقاء على خيار واحد، بألوان عديدة، وهو خيار العمل ضمن قانون الجمعيات السياسية، والمشاركة في البرلمان، فهذا الخيار يعطي للسلطة السيطرة التامة على العملية السياسية، وفرض أجندتها على جميع المواطنين، ويلغي حالة التمرّد على مشروع السلطة وأجندتها الشمولية على الساحة الوطنية، وذلك ـ بحسب قراءتي ـ في ظل توافق إقليمي مدعوم أمريكيًا وغربيًا. ولهذا سوف تستمر الاعتقالات، وسوف تشمل رموز وقيادات أخرى، وسيستمر التشدّد في الأحكام، وقد ذكرت في مرات سابقة: بأنّ ملف الشبكة المزعومة قد استكمال بتقديم الأخوة المتهمين إلى المحاكمة، غير أنّ المشروع الأمني للسلطة لم يستكمل بعد، لهذا فإنّ السلطة ستستمر في برنامجها الأمني، وسوف تعتقل أشخاصًا آخرين.
وقال: ثمة ملاحظات ينبغي التنبيه إليها:
(1): الاستمرار في اعتقالات الشباب والناشطين المحسوبين على خط الممانعة، والهدف من ذلك واضح، وهو محاصرة خط الممانعة، تمهيدًا ـ بحسب أمانيهم ـ للقضاء عليه.
وقال: إذا كنّا مع الله جلّ جلاله، فإنّ الله السميع العليم معنا، وإذا كان الله العزيز الحكيم معنا، فنحن لا محالة الغالبون.
(2): إنّ الاعتقالات قد شملت أشخاصًا ليس لهم أي دور سياسي، إضافة إلى الإجراءات الأمنيّة المشدّدة، والاستمرار في محاصرة القرى والأحياء المستهدفة، وإنزال العقاب الجماعي بها، والهدف من هذا كلّه خلق موجة من الرعب تخلق جدارًا أمنيًا على غرار الجدار الأمني الذي خلقه قانون أمن الدولة، ونجحت انتفاضة الكرامة الشعبية المباركة في التسعينات في هدمه، وتخليص المواطنين من شره.
وقال: في ظلِّ قانون أمن الدولة الذي فشلت السلطة في تمريره على البرلمان، وفعلته بعد حل البرلمان في أغسطس من العام 1995م، كان هناك خوف عارم يمنع المواطنين من الحديث في الشأن السياسي حتى مع أقربائهم، وإذا وجد شخص معروف من المخابرات في قرية أو في حي فإنه يحكم أهالي القرية أو الحي ويفرض إرادته عليهم من شدة الخوف منه، وقد نجحت انتفاضة الكرامة الشعبية المباركة في التسعينات في هدم هذا الجدار من الخوف، فانطلق المواطنون في التعبير عن آرائهم بحرية، وظهرت المسيرات والاعتصامات وانتشرت في كل مكان، وبعد ميثاق العمل الوطني سعت السلطة من أجل احتواء حركة المعارضة، وكان هناك منحى يؤسِّس إلى ترسيخ المكتسبات، ومنحىً آخر يسعى لإلغائها، وقد نفَّذت السلطة الانقلاب على الدستور العقدي، وميثاق العمل الوطني، وفرضت دستور المنحة بإرادة منفردة على الشعب بعد تقديرها ـ في ظل تطمينات وصلتها ـ بأنّ المعارضة سوف تستسلم وتقبل بالأمر الواقع، وقد جاء قرار المقاطعة الذي اتّخذته المعارضة للانتخابات في العام 2002م بخلاف توقّعات السلطة، وفي ظل الإصرار على المقاطعة الذي كان باديًا حتّى العام 2004م كادت السلطة أن تقدّم بعض التنازلات المهمة في سبيل مشاركة المعارضة في الانتخابات، إلا أنّها تراجعت بعد أن صدرت رسائل من المعارضة تفيد بمشاركتها غير المشروطة في انتخابات العام 2006م. وفي ظل المشاركة الواسعة في انتخابات العام 2006م ودعوة العلماء لهذه المشاركة، والزج بأسماء المرجعيات الدينية العليا فيها، توقّعت السلطة أنّ المقاطعة ستنتهي إلى الأبد، وأنّ مشروع السلطة سيبقى أمرًا واقعًا مفروضًا على الجميع، غير أنّها تفاجأت برسوخ خط الممانعة واتّساعه، وقد أصاب السلطة والمشاركون القلق من المقاطعة لانتخابات العام 2010م، فأقدمت السلطة على الهجمة القمعية من أجل القضاء على خط الممانعة المتمرد على مشروعها في سبيل إسكات صوته والإبقاء على صوت المشاركة وحيدًا في الساحة، إلا أنّ خط الممانعة قد نجح رغم شدة التضييق عليه في الإبقاء على خيار المقاطعة قويا على الساحة، وإرادة السلطة الآن هو الاستمرار في برنامجها الأمني الشرس، بهدف إعادة جدار الرعب الذي كان موجودًا قبل انتفاضة الكرامة الشعبية، في سبيل محاصرة خط الممانعة الذي ثبت بالتجربة قوته، والقضاء عليه.
(3): لقد طالت الاعتقالات في هذا الأسبوع كوادر من جمعية الوفاق، وهذه الاعتقالات هي في الحقيقة تفعيل عملي إلى سياسة العصا والجزرة، فهناك تطمين إلى جمعية الوفاق والجمعيات السياسية والمجلس العلمائي بأنّهم غير مستهدفين في الهجمة القمعية، والمطلوب منهم هو عدم التضامن مع المعتقلين والمنظمات التي ينتمون إليها ـ كما جاء في تصريحات وزيري العدل والداخلية ـ فإذا هم التزموا بما هو مطلوب منهم فإنّهم سوف يبقون آمنين، وإذا لم يلتزموا فسوف يطالهم العقاب والاعتقالات، وقد يتمُّ التهديد بحلِّ المجلس العلمائي وغيره، وقد تجمع الأوراق للابتزاز السياسي الخبيث، وعلى الأخوة في جمعية الوفاق والجمعيات السياسية الأخرى والمجلس العلمائي أن يدركوا:
- حقيقة المصير المشترك الذي يجمعهم مع إخوانهم من القوى السياسية المقاطعة التي تعمل خارج قانون الجمعيات السياسية.
- وإنّ أي ضعف سيظهر منهم، فإنه سينقل السلطة في التعامل معهم من الضغط السياسي عليهم إلى الابتزاز السياسي القذر لهم!!
وفي الإجابة على سؤال: السلطة شريك أم متهم، قال: النظام في البحرين ـ بحسب الدستور العقدي ـ وراثي، ولكن انقلاب السلطة على الدستور العقدي قد هدم الأساس الذي تقوم عليه شرعيّة ممارسة السلطة، وإنّ الجرائم التي ارتكبتها السلطة، مثل: التجنيس السياسي الطائفي الممنهج، والتمييز الطائفي، والسيطرة على أملاك الدولة ومقدرات الشعب، ونحوها، والانتهاكات الشنيعة التي ارتكبتها السلطة ضد أبناء الشعب، مثل: الاعتقالات التعسّفية، والاختطافات، والتعذيب الجسدي والنفسي الممنهج، والاعتداءات الجنسية للمعتقلين التي طالت علماء دين شرفاء معروفين، فإنّ السلطة يجب أن تكون متّهمة.
وقال: الحقوق متبادلة بين الحاكم والمحكوم، قول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): “أمّا بعد!! فقد جعل الله لي عليكم حقًا بولاية أمركم، ولكم عليّ من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحقُّ أوسع الأشياء في الواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه”([25]) وقال (عليه السلام): “ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقًا افترضها لبعض النّاس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضًا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض”([26]).
وقال: هناك مفارقة غريبة لدى بعض المؤمنين، ففي الوقت الذي يلتزمون فيه باللين والمرونة في التعامل مع السلطة مع كل جرائمها ضد أبناء الشعب، فإنهم يواجهون إخوانهم المؤمنين بالتشدّد والتصلّب في المواقف والعلاقات.
المستقبل معقود على مواقف المواطنين الشرفاء
وبخصوص الموقف والمستقبل، قال: الأمر متروك لكم، هل تقبلون بالأمر الواقع الظالم الذي ينتقص حقوقكم الطبيعية وتعيشون في ذلٍّ وهوان، أم تصرّون على الرفض لهذا الواقع ومقاومته حتى يتحقّق الإصلاح الحقيقي، وتتمُّ الاستجابة لمطالب الشعب العادلة، وتتحقّق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
وقال: إنّ الاستسلام لإرادة السلطة والقبول بالأمر الواقع، في الوقت الذي يؤدّي لأن يعيش المواطنين في الذلِّ والهوان والتخلّف، فليس من شأنه تقليل الخسائر المادية والبشرية، بل من شأنه أن يُغري السلطة بمزيد من القمع والابتزاز والتسلّط في سبيل ترسيخ هذا الواقع الظالم وعدم السماح بالتمرّد عليه، مما يشير إلى خسائر مادية وأدبية وبشرية أكبر، وهذا ما ثبت بالتجربة في كل المجتمعات عبر التاريخ كله. أمّا المقاومة فإنّها تحافظ على العزة والكرامة للمواطنين، وتدخل الخشية إلى قلوب القائمين على السلطة، فتحاسب في تصرفاتها، مما يقلّل من الخسائر المادية والأدبية والبشرية، ويكسر القيد المفروض على الشعب، ويفتح الطريق للإصلاح الحقيقي، وتحقيق مطالب الشعب العادلة.
وقال: يجب أن تعلموا بأنّ الهجمة القمعية.
- إذا قابلها الشعب بالصبر والصمود والتصميم على الاستمرار، فإنّها تؤدّي إلى تجذّر خط الممانعة، وتزيد في قوته واتساع رقعته، وتفعل إرادة الشعب، وتمهد الطريق للإصلاح الحقيقي في البلاد.
- وإذا قابلها الشعب بالاستسلام والقبول بالأمر الواقع، فإنّها تؤدّي إلى ترسيخ هذا الواقع الظالم الذي ينتقص حقوق المواطنين، ويقيد حرياتهم الأساسية، ويمنع من الوصول إلى الإصلاح الحقيقي، وتحقيق مطالب الشعب، بل يؤدي إلى تضييق مساحة الإصلاح الصوري، ويغري السلطة بمزيد من التسلط والقمع وتقييد حريات المواطنين وانتهاك حقوقهم ومقدّساتهم.
وقال: إذا ما أراد المواطنون الثبات والوصول إلى غاياتهم المشروعة، فعليهم بالمرونة والتنويع في أساليب المطالبة بالحقوق، وابتداع أساليب سلميّة جديدة فاعلة تتناسب مع المستجدات الأمنية على الساحة، فالجمود على أساليب محدّدة ومكشوفة، من شأنه أن يؤدّي إلى الهزيمة.
وقال: في الطبيعة: الشجرة التي تنبت إلى جانب جدار، فإنّها تتكيّف بالميل من أجل أن تبقى وتنمو، فإرادة البقاء ـ وليس الضعف ـ هي التي فرضت عليها هذا الميل، وهذه سنّة عامّة في الطبيعة، ومن لا يستطيع التكّيف لا يستطيع البقاء.
منع سماحة الشيخ المقداد من الصلاة
وبخصوص منع سماحة الشيخ المقداد (أيّده الله تعالى) من الصلاة في سترة/ القرية، قال: إذا كان المنع بضغوط من السلطة ـ والمؤشرات لا تدل على ذلك ـ فإنّ العلماء في بيانهم وفي إعلان السنابس، قد طالبوا المؤمنين ـ بما لا يحتمل التأويل ـ بعدم الرضوخ إلى السلطة السياسية بشأن استقلالية المساجد والمآتم والشأن الديني، وعدم الاستجابة إلى طلباتها التي تمس باستقلالية الشأن الديني والمؤسسات الدينية. وأما إذا كان المنع بتدخّل من قبل بعض المؤمنين، فهذه دكتاتورية ليست بأقل قبحًا من دكتاتورية السلطة، والمنع لا يعكس رأيًا أو توجّها عامًّا بين الناس في هذه المنطقة، ولم يعكس رأيًا أو توجّهًا عامًّا في المناطق التي سبق أن مُنع فيها سماحة الشيخ المقداد من الصلاة، وإنّما هي آراء شخصية وحزبية سيئة، قال الله تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(([27]).
وقال: في الحقيقة: إذا جاء المنع بتدخّل من بعض المؤمنين، فهو أقبح قطعًا من منع السلطة، وهذا أمر في غاية الخطورة، ويتطلّب تدخّلاً من العلماء أصحاب الكلمة والشأن في الموضوع.
وقال: ما أقبح أن تجتمع إرادة السلطة مع إرادة بعض المؤمنين على محاصرة مؤمنين آخرين ومضايقتهم وتشويه سمعتهم، ومنع سماحة الشيخ المقداد (حفظه الله تعالى) وهو العالم الفاضل المعروف بالتقوى والصلاح من الصلاة في المساجد التي هي بيوت الله تعالى، قول الله تعالى: )وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا(([28]).
وقال: كنّا نناقش في السبعينات ـ حين كنا طلبة في الجامعة ـ دكتاتورية اليسار المعارض، واليوم نقف أمام دكتاتورية بعض المؤمنين المحسوبين على المعارضة للسلطة، وقد حاصرت السلطة المساجد بقوات الشغب، ومنعت سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد، وسماحة الشيخ محمد حبيب المقداد (حفظهما الله تعالى) والمصلّين من الصلاة بالقوة، والمؤشرات تدلُّ ـ وفقًا للممارسات ـ على أن هؤلاء المحسوبين على المعارضة من المؤمنين ـ كما كنّا نقول عن دكتاتورية اليسار المعارض في السبعينات ـ لو أنهم يمتلكون سجونًا وقوات شغب، لما كانوا في حال أفضل من السلطة!!
وقال: أنصح المؤمنين بأن يبتعدوا عن هذا العمل القبيح والمنزلق الخطير، وأطلب من الرموز العلمائية أن تتحمّل مسؤوليتها وتتدخّل لكي تضع حدًّا لهذا العمل المشين، وعلى المؤمنين جميعًا أن يتصرّفوا بالحكمة في مواجهة هذا الأمر، ويتجنّبوا كل ما يعود بالضرر على وحدة المؤمنين، ويفتح الطريق لأعدائهم بالدخول بينهم، وتمكينهم منهم.
علاقة القيادة مع قاعدتها
وبخصوص علاقة القيادة مع قاعدتها، قال: يجب أن نميّز بين القيادة التي تتمتّع بحق الولاية الشرعية، وغيرها من قيادات المؤمنين، فهناك خصوصيّات للقيادات التي تتمتّع بحق الولاية الشرعية، وهم: الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) والولي الفقيه، لا تتمتّع بها قيادات المؤمنين الأخرى التي لا تتمتع بحق الولاية الشرعية.
وقال: هناك أخطاء تحدث بسبب عدم التمييز بين هذين الصنفين من القيادة، وسوف أقتصر في الإجابة على السؤال على القيادات التي لا تتمتع بحق الولاية الشرعية، وإنما ارتضاها المؤمنون واختاروها لأنفسهم من أجل تنظيم شؤونها وتحصيل حقوقهم ومطالبهم في المجتمعات المختلفة.
وقال: حتى القيادة التي تتمتع بالولاية الشرعية، فإنها لا تلغي إرادة الأمة، فقد ميّز القرآن الكريم بين أمرين:
- أمر الله سبحانه وتعالى، وحكمه الخضوع والتسليم المطلق له، قول الله تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا(([29]).
- أمر الناس، وحكمه الرجوع إليهم ومشاورتهم فيه، قول الله تعالى: )وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ(([30]) ولهذا أمر الله جل جلاله رسوله الكريم بالرجوع إلى الناس في الأمور التي تعود إليهم، قول الله تعالى: )وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(([31]).
وقال: القائد يجب أن يمثِّل الأمة في التعبير عن إرادتها وصون مصالحها ـ بما لا يخالف إرادة الله عز وجل طبعًا ـ وليس له الحق في أن يستقل عنها في اتّخاذ القرارات التي تتعلّق بشؤونها ـ بخلاف من يمتلك الولاية الشرعية، فإنّ له الحق بحكم ولايته الشرعيّة في التصرّف بناءً على تشخيصه في بعض الأمور ـ والنّاس يجب أن يختاروا قيادتهم بناءً على نتائج التجارب، وقناعتهم بصواب منهج عملها، ولهم أن يعزلوا القيادات التي اختاروها لأنفسهم، إذا ثبت أنها تتصرف بخلاف إرادتهم، أو إذا رغبوا في ذلك.
وقال: ليس من المنطق والدين التقليل من شأن العامّة من النّاس، وانتقاص حقوقهم في المشاركة في القرارات المتعلّقة بالشؤون العامّة في المجتمع والدولة، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدّمت في الدين فضيلته بفوق أن يعاون على ما حمله الله من حقه، ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه” وقال (عليه السلام): “وإنّما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم”([32]).
وقال: الأمّة في حالتها الشعبية غير المنظمة لا تستطيع وضع الرؤى والخطط والبرامج، ولكنها تستطيع أن تسهم في ذلك، وعلى القيادات أن تُصغي إليها، وتفتح الطريق إلى مساهماتها.
وقال: القائد من خلال تجرّده إلى الله سبحانه وتعالى والحق والعدل، وقربه من الأمة، وتعلّقه بها، وحرصه الشديد على مصالحها، يستطيع أن يقرأ توجّهاتها، ويتعرّف على إرادتها، ويستطيع من خلال ما يتمتّع به من مواهب، وما يتميّز به من قدرات، أن يعكس ذلك في بلورة مناهج العمل والرؤى والبرامج، ليتقدّم بها إليهم، ويقرّوه عليها.
وقال: تيار الوفاء الإسلامي تأسّس في الأصل على الرأي الآخر البديل، وقد واجهته صعوبات، ولا زالت، وهو مستمر في مواجهتها، وهو يقوم بتكليفه، ويمتلك إرادة الصمود، وسوف ينتصر، ولن يرضخ ـ بإذن الله تعالى ـ ولن يستسلم إلى الأمر الواقع.
وقال: إرادة الصمود والاستمرار لا تعني الجمود على أسلوب بعينه، بل تعني المرونة في التعاطي مع وسائل وأساليب العمل، والقدرة على التكيف مع المستجدات على الساحة، مع الثبات على المبادئ والأهداف وعدم الخروج عن الطريق الموصل إليها.
وقال: هذا هو منهج الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهج الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) فالرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقاتل في مكة المكرمة قبل الهجرة، وقاتل في المدينة المنورة بعد الهجرة الشريفة، والإمام الحسن (عليه السلام) عقد الصلح مع معاوية، بينما ثار الإمام الحسين واستشهد مع الخيرة من أهل بيته وأصحابه.
وقال: اختلاف المواقف ليس بسبب اختلاف المزاج، وإنما بسبب اختلاف الظروف التي تؤدي إلى اختلاف المواقف بشكل واقعي سليم عقلاً وشرعًا.
وقال: تيار الوفاء مستمر في القيام بواجباته، ولكن ليس من الصحيح مطالبته بالتحرّك في ظل الهجمة القمعية التي تستهدف وجوده ورموزه كما لو كان الوضع طبيعيًا.
مسائل متفرّقة
وبخصوص أطروحة التكامل، قال: لدى تيار الوفاء الإسلامي إيمان راسخ بأطروحة التكامل، غير إنّ الحديث عنها أصبح مأساويًا ومؤلمًا، في ظل المواقف المخيّبة للآمال، ونمط التعاطي معها، وأساليب مناقشتها.
وقال: هناك من يتوهّم بأنّ تقدّم تيار الوفاء الإسلامي بأطروحة التكامل كان من أجل ابتزاز الآخرين والضغط عليهم بهدف تغيير قناعاتهم، وهناك من يتوهّم بأنّ تقدّم تيار الوفاء الإسلامي بأطروحة التكامل كان من أجل استجداء الآخرين ومغازلتهم والتقرّب المذل إليهم، وهناك بالطبع من فهم الموقف بشكل سليم، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وأعتقد بأنّ الجميع سوف يلجأ إلى هذه الأطروحة الحكيمة والمنصفة للجميع، إذا كانت ثمّة مراجعة للأطروحات والمواقف في المستقبل.
وقال: الأطروحة ليست معلّقة في الهواء، وإنما هي مرتبطة بالواقع ومكوناته، ويتأثّر الموقف بشأنها بالمستجدات على الساحة، وبالتفاصيل المعروضة المتعلّقة بها، وقد عرضنا الكثير من التفاصيل المتعلقة بها، مثل: التكامل في ظل الهيئة القيادية المشتركة، وأنّ التطبيق الجاد لها يكون بدخول كبار العلماء، وأنّ التكامل الجاد يبنى على الاستراتيجيات والخطط والبرامج المشتركة، وليس على مجرّد الاشتراك في بعض الفعاليات، والتعاون السطحي في معالجة بعض الملفات.
وبخصوص القراءة النقدية، قال: لا يصح النقد العلمي من الجاهل إلى العالم في أي مجال من مجالات المعرفة، ولا من غير صاحب الاختصاص إلى صاحب الاختصاص، والقراءة للنص السياسي بشكل صحيح ـ وهي قراءة تختلف عن قراءة المدلول اللفظي ـ لا تنفصل عن قائلها وظروفها، فيجب أن تؤخذ شخصية صاحب النص وخبرته ومكانته ودوره وإمكانياته العلمية والأدبية والمادية والظروف التي قيل فيها النص بعين الاعتبار في قراءة النص، وإلا وقع القارئ في القراءة الخاطئة للنص.
وبخصوص خيار المقاطعة، قال: عدم الإجماع على خيار المقاطعة لا يُسقط الخيار، وإذا كانت الأقليّة تقف اليوم خلف هذا الخيار فهذا لا يقلِّل من قيمته، ولا يعني بقاء الوضع على ما هو عليه، فإنّ ميزان القوى قابل لتغيير، فقد تصبح الأقليّة أكثريّة، والأكثريّة أقليّة، فهذا هو حكم التجارب التاريخ الذي أقرّه القرآن الكريم، قول الله تعالى: )إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(([33]) وإنّ الحصار المفروض علينا اليوم لن يفت ـ بإذن الله تعالى ـ في عضدنا، ولن يصيبنا باليأس، فقد حوصر سيد الكون محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ـ وكانوا أقلية مستضعفين ـ في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات، حتى أنهم كانوا لا يجدون ما يأكلون، ثم نصره الله على أعدائه، ووعده بأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، قول الله تعالى: )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(([34]).