لقاء الثلاثاء (63) | 11-10-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

رؤية قرآنية في الاختلاف

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول الرؤية القرآنية للاختلاف، وقال: الاختلاف في اللغة ضد الاتفاق، وله معاني عديدة على نسقين:

· الفرق، والتفاوت، والتنوّع، والتباين.

· النزاع، والخصومة، والخلاف، والتفرّق.

وقال: في البداية يحدث الفرق والتفاوت والتنوع والتباين في وجهات النظر ـ وهذا أمر طبيعي ـ ثم ينتهي ذلك ـ لأسباب عديدة ـ إلى حدوث النزاع والخصومة والخلاف والتفرّق ـ وهذا أمر غير طبيعي ـ ومن أسباب حدوث ذلك:

· سوء الإدارة للاختلاف بسبب نقص الخبرة.

· اتّباع هوى النفس والشيطان بسبب نقص التقوى.

وقال: النزاع والخصومة والخلاف والتفرق من الأمور التي لا يرتضيها الله الرؤوف الرحيم لعباده، ولا يرتضيها الطبع الإنساني السليم لما فيها من مخالفة الذوق الإنساني السليم، والفطرة الإنسانية السليمة، وتشتيت القوى، وتضييع الجهود والمصالح العامة والخاصة، والتأثير السلبي على الأمن والاستقرار والنظام والازدهار في الجماعات والمجتمعات والأوطان، وتؤدّي إلى تبادل الطعن والاتهام، وانتشار الضغينة والأحقاد، والضعف، والتخلّف، والهزيمة، والهلاك.

وقال: دعوى إنّ التصادم البيني يجلي الحقيقة ويبرزها، ويضخ دماء جديدة في الكيان، ويمهِّد الطريق للانتصار على السلطة أو الانتصار الأكبر ـ على حد تعبير صاحب الدعوى ـ بينما التراخي في المواجهة البينيّة يؤدّي إلى الضعف والفشل وضياع الحقيقة والحرج مع الجمهور، ليست دعوى صحيحة، بل هي من وساوس الشيطان الرجيم، فقد أمرنا الله تبارك وتعالى بوحدة الصف، ونهانا عن التفرّق والتنازع، قول الله تعالى: )وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ(([1]) وقول الله تعالى: )وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(([2]) فليس وراء التنازع والتفرّق إلا تضييع الحقائق والتشويش عليها، والضعف والفشل في تحقيق الأهداف، وليس العكس.

وقال: يشير القرآني الكريم إلى نوعين من الاختلاف، وهما:

  • اختلاف الفهم: وهو اختلاف طبيعي بين الناس لاختلاف الاستعدادات الروحية والعلمية والبدنية والظروف والعادات والتقاليد والتربية ونحوها، ويعتبر هذا الاختلاف من أسباب بقاء المجتمعات وصلاحها وتطوّرها ورقيّها المادي والمعنوي، قول الله تعالى: )أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(([3]) ويشمل هذا الاختلاف الفهم العلمي أو النظري، والفهم التشخيصي للموضوعات والأوضاع، وهو اختلاف محمود ما لم يصاحبه اتّباع هوى النفس، ومخالفة العقل والدين والوجدان السليم والضمير.
  • اختلاف البغي: وهو اختلاف شاذ وغير إنساني، لأنه يحصل بخلاف ما يمتلكه الإنسان من العلم والمعرفة، وذلك بسبب العناد والمكابرة، وهو ناتج عن خبث السرائر، وسوء الضمائر، واتّباع هوى النفس والشهوات والشيطان الرجيم، قول الله تعالى: )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(([4]) وظهور هذا الاختلاف وانتشاره وتمكّنه في المجتمعات قد يدل ـ بحسب الرؤية القرآنية ـ على غضب الله عز وجل بسبب تفشّي ذنب أو مجموعة من الذنوب في المجتمع، قول الله تعالى: )قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(([5]) وغضب الله العزيز الجبار ليس بالأمر السهل الذي يستخف به الإنسان أو يتجاهله، فليحذر المؤمنون جميعًا من أن يظهر بينهم هذا النوع من الاختلاف، وذلك بتجنب أسبابه.

وقال: لاختلاف البغي أسباب عديدة، منها:

  • التقليد الأعمى، قول الله تعالى: )قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(([6]).
  • حب السلطة، قول الله تعالى: )قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ(([7]).
  • حب الدنيا وزينتها وزخارفها والتعلق بالمصالح الدنيوية، قول الله تعالى: )زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا(([8]).
  • ·الشك والشبهات، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(([9]).
  • الخوف والضعف، كما كان حال حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش كتابًا يخبرهم فيه بأنّ الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) سائر إليهم بجيشه لفتح مكة المكرمة، رغم تأكيد الرسول على سرّية التحرّك، وقد أعطى حاطب الكتاب إلى امرأة لتوصله إلى قريش، وأعطاها أجرًا مقابل ذلك، فلما أخبر الله العليم الخبير الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، وبعث بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ومعه الزبير والمقداد إلى تلك المرأة وهي في الطريق إلى قريش، وجاءوا بالكتاب الذي كان عندها، فأحضر الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حاطبًا وسأله: ما حملك على هذا ؟ فقال: والله يا رسول الله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيّرت ولا بّدلت، ولكن ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، ولي بين أظهرهم ولد وأهل، فأردت أن اتّخذ عندهم يدًا ليحفظوني فيهم. وبعد أن عفى عنه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلمه بصدقه بعد أن كان قد طرده من المسجد، قال له: “قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ما جنيت، فأنزل الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ(([10]).
  • الكلام في العلم بغير علم ولا هدى ولا كتاب، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “لو سكت الجاهل ما اختلف الناس”([11]). وقال: ينتج عن هذا النوع من الاختلاف (أي اختلاف البغي) الافتراء والاختلاق والكذب والتدليس وإدخال ما ليس من الدين في الدين، وإحلال الأغراض الدنيوية محل الأغراض الإلهية والربانية، وذلك في سبيل الدفاع عن الباطل والظلم وإظهارهما بمظهر الحق والعدل لتحسين الصورة، حيث لا تقبل المجتمعات على اختلافها الباطل والظلم بعنوانهما الصريح، ولا يمكن ترويج الدعوات التي تحمل عنوان الباطل والظلم بعنوانهما الصريح في المجتمعات، فهذا مما لا يقبله المنطق، ولا تقبله السجية الإنسانية، فلابدّ من أن يلبس الباطل والظلم لباس الحق والعدل في سبيل تقبلهما وترويجهما في المجتمعات الإنسانية، قول الله تعالى: )إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ` يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ` قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ` الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ(([12]) وقول الله تعالى: )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(([13]) وهذا مما يؤدي إلى تغيير صبغة الدين الحنيف وآدابه وأهدافه، لينتهي الأمر إلى أن يصبح:
  • المنكر معروفًا يتعصّب له الناس جهلاً باسم الدين الحنيف!!
  • والمعروف منكرًا يحاربه الناس جهلاً باسم الدين الحنيف!!

وقال: ينبغي لكل من يطلب الحقيقة أن ينظر في أحوال المختلفين وأوضاعهم ومصالحهم وخسائرهم ومكاسبهم المادية والأدبية وراء الاختلاف لكي يستطيع أن يدرك الحقيقة، وعليه أن يهتم بالحقائق والوقائع في البحث، ولا ينبغي له أن ينخدع بالمظاهر الخادعة، والأقوال الزائفة.

وقال: الطريق للتغلّب على اختلاف البغي يكون في الحقيقة باللجوء إلى العقل وأصول الدين الحنيف لما تتميز به تعاليمه من هدى وواقعية علمية موائمة للفطرة الإنسانية، قول الله تعالى: )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(([14]) مع التحلّي بالتقوى والإخلاص لله عز وجل في الطاعة، والالتزام الصادق بخط الولاية، وأمر الولي ونهيه، قول الله تعالى: )كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ(([15]) وقول الله تعالى: )لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ` إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ(([16]).

وقال: لا تعتبر الأكثرية دليلا على الأحقية والصواب، قول الله تعالى: )أمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ(([17]) وقول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “ما اختلفت أمة بعد نبيهم، إلا ظهر أهل باطلهم على أهل حقهم”([18]) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): “جماعة أمتي أهل الحق وإن قلوا”([19]).

وقال: ينبغي لكل من يريد المساهمة في إيجاد الحلول للاختلافات التي تحصل بين المؤمنين أن يتوّفر على مجموعة من الشروط والصفات، لتكون مساهمته سبيلاً للحل، ولا تكون جزءً من المشكلة، منها:

  • أن يتحلّى بالواقعية والموضوعية والنزاهة.
  • أن يلم بالمشكلة ويسعى لإدراك الواقع كما هو.
  • أن يكون على بعد واحد من الجميع، ويسمع من الجميع، ولا يكون منحازًا لطرف على حساب الطرف الآخر.
  • أن يمتلك الشجاعة ليقول كلمة الحق والعدل لجميع الأطراف. قول الله تعالى: ) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(([20]).

التطورات في خيار المشاركة للعام 2010م

وبخصوص التطورات في خيار المشاركة للعام 2010م، قال: حدثت تغيرات مهمة في الدعوة للمشاركة في انتخابات هذا العام 2010م عنها في العام 2006م، منها:

  • عدم الزج بأسماء المرجعيات الدينية العليا في الترويج إلى المشاركة في انتخابات هذا العام مما ساعد على بروز العنوان السياسي لخيار المشاركة، وأزاح عن كاهل المواطنين الخوف من الذنب في الاختيار، فالمؤمنون أمام خيار سياسي، وليسوا أمام مفترق طرق مع الدين.
  • لم تطرح برامج للمشاركة في الحملات الانتخابية على غرار ما حصل في العام 2006م وذلك لأنّ التجربة قد أثبتت عدم القدرة على تحقيق أي برنامج وإن كان في غاية التواضع، فلم تتمكّن الوفاق ـ رغم محاولاتها ـ من تحقيق ما وعدت به الناخبين في انتخابات العام 2006م، مثل: تطيير عطية الله، والتعديلات الدستورية، وإصلاح توزيع الدوائر، ووقف التجنيس، والمحاسبة على تقرير البندر، وغيرها، ورغم الإعلان عن وجود ميثاق شرف يقضي بالاستقالة الجماعية في حال الفشل في تحقيق الوعود، إلا أن شيئًا من ذلك لم يحصل، وذلك لتغير الرؤية، وظهور قاعدة: “عدم التفريط في العمل البرلماني كأداة سياسية”.
  • الواقعية في الطرح من خلال التأكيد على إنّ التجربة الجديدة لن تكون أفضل من سابقتها.

وقال: لو برزت هذه الواقعية في تشخيص قيمة المشاركة في انتخابات العام 2006م لكانت الفرصة في تقريب وجهات النظر بين المؤمنين حينذاك كبيرة، لأن هذه القيمة المنخفضة للمشاركة لا تستحق الاختلاف مع أخوة النضال، ولأنها تفسح المجال لخيارات أخرى تتكامل معها، حيث أنها لا تصلح كخيار وحيد للمعارضة.

وقال: الفرصة لا تزال قائمة للتصحيح والتدارك، إذا توفرت بعض العوامل الرئيسية، منها:

· حسن الإدارة والتصرف.

· حسن القراءة للمؤشرات القائمة.

· جعل الخيارات بحجم التأسيس والقيمة.

وقال: هناك تأسيس آخر للمشاركة لم يُفعّل، وهو المشاركة على أساس المواجهة، وخلاصته: إنّ المعارضة يجب أن تكون دائمًا على خط المواجهة مع السلطة وفي جميع الساحات: (من داخل البرلمان ومن خارجه) ويدعو أصحاب هذا الرأي المعارضة للمشاركة، ويأخذون على الوفاق أنها لم تُفعّل المواجهة في البرلمان مع السلطة، ويقبل أصحاب هذا الرأي أطروحة التكامل بين خياري: المشاركة والمقاطعة، بشرط أن يقوم الخياران على أساس المواجهة مع السلطة.

وقال: نحن لا نشك في النوايا، وليست هي موضوع بحثنا، ولكن من الواجب علينا أن نقدّم ما لدينا من قراءات ونعرضها أمام الآخرين، ليختاروا بمحض إرادتهم ما يرونه في صالحهم، وهذا من النصيحة لله العزيز الحميد، ولعباده.

وقال: إني أرى في ظل المؤشِّرات الخطيرة الظاهرة في الوقت الحاضر، مثل: الهجمة القمعية، وتقييد حرية المنابر الدينية، والسعي لوضع اليد على الحالة الدينية برمتها، والتأسيس لولاية الأمر، ونحوها، مع ضعف أداء المعارضة، وفشلها في إدارة الاختلاف بينها، وعدم بلوغ حالة التضامن بينها حدها الأدنى ـ حتى الآن ـ إنّ علينا أن نستعد جيدًا للفجائع في الدين والدنيا التي قد تنتظرنا وراء المشاركة في الانتخابات لهذا العام!!

وقال: ليس من الصحيح القول بأنّ السلطة لا تريد مشاركة الوفاق في البرلمان، فهي تريد مشاركة الوفاق، ولكنها تريد إضعافها وتسعى لاحتوائها وفرض السيطرة عليها، ولا تريد احتكار الوفاق لتمثيل الطائفة الشيعية في البرلمان، وتسعى لتغييره، وقد شكر الملك في السر والعلن أصحاب الفضل في مشاركة الوفاق، واعتبرها سببًا لنجاح مشروعه، وقد سعت السلطة بكل وسيلة للقضاء على خط الممانعة، ويرى ـ بحق ـ بعض المراقبين بأنّ من أهداف الهجمة القمعية تغييب صوت المقاطعة عن الساحة أو إضعافه قبيل الانتخابات، وإحراج الوفاق وإضعاف موقفها والضغط عليها بهدف ابتزازها من قبل السلطة لتقديم بعض التنازلات.

وقال: أحذِّر من التأسيس للمشاركة على الوهن والضعف والقبول بالأمر الواقع واليأس من التغيير والإصلاح كما هو حاصل لدى الكثيرين، وذلك لأنه:

  • غير واقعي ويؤدّي إلى المزيد من التراجعات والخسائر المادية والمعنوية والبشرية.
  • ومخالف لنتائج التجارب التاريخية والعالمية والرؤية القرآنية، قول الله تعالى: )إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(([21]).
  • ومخالف للروح الإيمانية والتطلّع إلى الشهادة، قول الله تعالى: )الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ` فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ` إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(([22]) وقول الله تعالى: )وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ` وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(([23]).

وقال: لقد تبنى تحالف الكرامة الثلاثي (حق والأحرار والوفاء) خيار المقاطعة، ودعى المواطنين إلى الأخذ به والدعوة إليه بالتي هي أحسن، مع التوصية باحترام حقوق أصحاب خيار المشاركة، والحذر من التصادم معهم.

وقال: ينبغي علينا إيجاد التوازن الدقيق بين:

  • الحاجة إلى الدعوة لخيار المقاطعة.
  • والحذر من المواجهة البينية.

وقال: هذا من الحكمة التي عرفها المنهج الإسلامي في العمل، حيث يأخذ بعين الاعتبار كل شيء له دخل في معادلة الموقف، قول الله تعالى: )وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ` أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ` وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ(([24]) وقول الله تعالى: )اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ(([25]).

وقال: من الطبيعي أن تكون إدارتنا وأساليبنا في الدعوة إلى خيار المقاطعة في ظل الوضع المتأزم القائم حاليًا، تختلف عن إدارتنا وأساليبنا في الدعوة إليها لو كانت الظروف عادية وطبيعية.

وقال: سوف يصدر قريبًا ـ إن شاء الله تعالى ـ عن تحالف الكرامة الثلاثي ما يجدّد فيه الدعوة إلى المقاطعة.

وبخصوص إدارة التيار للأزمة، قال: لنا رؤيتنا في إدارة الأزمة، ولن أتبرّع بكشف أوراقنا للسلطة، والسلطة تعلم إنّ هناك عملاً قويًا وناجحًا، والسلطة في مأزق، وإذا وصلت القضية إلى المحكمة فسوف ينكشف مأزق السلطة بشكل واضح، ويعرفه الجميع ـ بإذن الله تعالى ـ فالتهم باطلة ولا أصل لها، وفريق الدفاع كبير (أكثر من 20 محامي) من كبار وخيرة المحامين في البحرين، وهذا بحد ذاته يشكّل حرجًا للسلطة، لأن هذا الفريق لا يعمل بأجر، وإنّما بدافع حسّه الوطني والمهني، وحبِّه للمواطنين، وحرصه على تحقيق العدالة، ووجوده يدل على إيمانه بعدالة القضية، ويكشف عن حجم التعاطف مع المتهمين، إضافة إلى ما وعدت به العديد من المؤسسة الحقوقية الدولية بتوفير مراقبين للمحاكمات، مما سيشكل سدًّا منيعًا أمام السلطة لحماية حق المتهمين.

مستقبل المملكة في البحرين

في البداية كان هناك طموح الحاكم للملكيّة، وجاء الميثاق لينصّ على هذه المسألة وتمّ الوصول إلى هذا الطموح، وأجد في هذه الأيام التأسيس بقوة لولاية الأمر، وأقدِّر بأن يكون الطموح وراء هذا التأسيس هو الحصول على لقب أمير المؤمنين ـ كما هو حاصل في المملكة المغربية ـ إلى أن النموذج الملكي في البحرين لن يكون على غرار النموذج المغربي، وإنما على غرار النموذج السعودي، فسوف تغلب فيه التوجّهات الوهابية من الناحية الدينية، مع الإبقاء على النشاط الفندقي وتجارة الرقيق الأبيض وما هو في هذا المسلك، وسوف يكون النموذج البحريني حالة فريدة في نوعها وتركيب عناصرها وشموليتها (أي شمولية النظام) بين النماذج الملكية العربية، وسوف يتطور التمييز الطائفي ضد الشيعة في البحرين في ظل أطروحة ولي الأمر إلى حالة أكثر سوء، فالتمييز الطائفي رغم قسوته في الوقت الراهن، فإنّه يحتفظ بشيء من الاعتراف بالآخر، أما التوجهات الوهابية في ظل أطروحة ولي الأمر فإنها سوف تسعى لإلغاء الآخر تمامًا، وتفرض رؤية مذهبية معيّنة باسم ولي الأمر على جميع المواطنين. وقال: في المملكة العربية السعودية تقوم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفرض وجهة النظر المذهبية بصورة عملية دون وجود تأسيس نظري خاص لأطروحة ولي الأمر ـ وهو يختلف عن العمل بالرأي الفقهي المشهور في مدرسة الخلفاء القائل بوجوب طاعة الحاكم ـ أما ما يحدث في البحرين في الوقت الحاضر فهو تأسيس نظري لأطروحة ولي الأمر بهدف فرض وجهة نظر مذهبية واحدة على كافة الطوائف، في ظل نظام ملكي شمولي.

وقال: المؤشرات الحالية التي ظهرت في التأسيس لأطروحة ولي الأمر على لسان ولي العهد ووزير العدل، مثل: الدعوة لاستنقاذ المنابر الدينية ـ على حد تعيرهم ـ وتقييد حرية التعبير، والسعي لفرض السيطرة التامة على الحالة الدينية برمتها لتشمل الأوقاف والزكاة (الخمس) والصناديق الخيرية وجمع التبرعات وغيرها، هي مؤشرات مثيرة للقلق بشكل مخيف جدًا، وتؤشِّر على نظام فريد من نوعه.

وقال: مما يثير القلق بشكل مخيف:

· إنّ الهجمة القمعية وصلت إلى طريق مسدود، إلا أن مشروع السلطة الأمني لم يكتمل بعد، فمسرحية الشبكة لا تتسع إلى اعتقالات جديدة للرموز والقيادات، ولا أحد يعرف كيف ستستكمل السلطة مشروعها الأمني وتحت أي عنوان وضمن أية مسرحية أمنية جديدة.

· وإنّ السلطة تسعي لفرض رؤية مذهبية معينة استنادًا إلى أطروحة ولي الأمر بهدف فرض السيطرة التامة على الحالة الدينية برمتها، مما سيؤدّي إلى مصادرة الحريات الدينية، وظهور تبعات مجتمعية أخرى خطيرة، وربما تسعى السلطة لتمرير هذا الأمر من خلال البرلمان، أو إضفاء الشرعية عليه بعد فرضه كأمر واقع بحجة وجوده في ظل وجود المؤسّسة التشريعية والرقابية.

وقال: أرجو أن يحسن المعنيون من أصحاب الشأن قراءة المؤشرات القائمة، وأن يقوموا بتدارك ما فاتهم من أمرهم قبل فوات الأوان، وإلا استوجب علينا جميعًا الاستعداد لاستقبال ما ينتظرنا من فجائع نوعيّة في الدين والدنيا، وهذه رسالة من محب أرجوا أن يحسن تقبلها، وأتمنى أن يكون ما سيحصل هو الفصل الأخير من فصول كتاب الشقاء التاريخي لهذا الشعب المظلوم.

دعوة الملك الجيش للنزول

وبخصوص دعوة الملك الجيش للنزول والمساهمة مع قوات الشرطة والحرس الوطني في المواجهة، قال: السلطة اعتقلت بعض رموزنا وشبابنا الناشطين بتهمة تشكيل شبكة إرهابية لقلب نظام الحكم (السّحَارة) باستخدام القوة (أي عن طريق حرق الإطارات) وعذّبتهم جسديًا ونفسيًا بقسوة، وهي تحاصر القرى، وتختطف الشباب بواسطة المرتزقة وتعرضهم للتعذيب، وتمارس العقاب الجماعي ضد أهلنا، والملك يدعو الجيش اليوم للنزول إلى جانب قوات الشرطة والحرس الوطني في ساحة المواجهة، رغم إنّ السلطة لم تجد عند أحد من المعتقلين قطعة سلاح واحدة، وهذا مما يثبت بوضوح تام وبدون أدنى شك ممارسة السلطة لإرهاب الدولة ضد أبناء الشعب المستضعف المظلوم.

وقال: أقول للملك: نزول الجيش لن يغير شيئًا على أرض الواقع، لأننا لا نواجهكم بجيش ولا بسلاح، وإنما نواجهكم بعقولنا وتراثنا الديني والعلمي والأدبي والقيمي، وبقضية ومطالب عادلة، وإرادة صلبة، وإدارة سياسية عاقلة، واساليب سلمية، وروح إنسانية لا تقبل الموت والفناء، ولم نخَف من استخدامكم العنف والإرهاب والقوة المفرطة ضدنا، فنزول الجيش لن يخيفنا، ولن يضيف لكم شيئًا، ولن يُغيّر علينا شيئًا، وأنتم في مأزق، وسبيلكم الوحيد للخرج من مأزقكم هو الاستجابة الواقعية لمطالب الشعب العادلة، أما الحلول الأمنية فلن تحل لكم المشكلة، ولن تخرجكم من مازقكم أبدًا..أبدًا.

اعتراض حركة موجة النقد المنفلت

وبخصوص موجة النقد المنفلت، قال: موجة النقد المنفلت السائدة بين جمهور المؤمنين في البحرين في الوقت الحاضر على خلفية الاختلاف بين خياري المشاركة والمقاطعة، هي من فجائع هذا الزمان الرديء، وقد ساعدت عليه مجموعة من الأخطاء في المنهج والأداء والمعالجات وردود الأفعال، ومن المؤسف أن بعض البائسين والمفلسين يحاول أن يتجاهل تلك الأخطاء وينسب موجة النقد المنفلت إلى منهج النقد الذي يقال بأني أتحمل مسؤولية تأسيسه.

وقال: في الوقت الذي أصرُّ على ضرورة ممارسة النقد العلمي الملتزم الذي يتحلّى بالموضوعية والنزاهة ونحوها من شروط وآداب النقد العلمي الملتزم، فإنّي أعلن براءتي من النقد المنفلت الذي لا يلتزم بآداب وشروط النقد العلمي.

وقال: النقد العلمي الملتزم هو ضرورة مجتمعية من أجل التصحيح والتطوير والارتقاء الفكري والروحي والعملاني، وهو فضيلة بين رذيلتين:

· التقديس الأعمى.

· والنقد المنفلت.

وقال: أنا أدعو إلى ممارسة النقد العلمي الملتزم، والكف عن ممارسة النقد المنفلت، وأرى في التقديس الأعمى وفي النقد المنفلت كارثة فكريّة وروحيّة وعملانية، تؤدّي إلى الفساد والهزال والتخلّف في الجماعات والمجتمعات والأوطان، وهما دليل العجز وعدم الثقة في النفس والخيارات والمواقف.

وقال: للنقد العلمي الملتزم معايير وشروط، منها:

· تحلّي الناقد بطيب السريرة وحسن الضمير.

· التزامه بالحق والعدل والفضيلة والموضوعية والنزاهة.

· تجنّب الهمز واللمز والألفاظ النابية والجارحة والمسيئة.

· أن يكون النقد عن علم ومعرفة.

· توخّي الناقد الحقيقة ومرضاة الله عز وجل والمصلحة العامة.

· أن يمتلك الناقد الجرأة والشجاعة الأدبية للكشف عن نتائج البحث بصدق وشفافية.

وقال: لقد جاهرت بالنقد أمام السلطة والمعارضة، ومارسته توخيًّا للحقيقة والمصلحة لإنسان هو من أعز الناس وأقربهم إلى قلبي ـ مع ما له من المكانة والمنزلة الرفيعة عندي ولم أُخل في ممارسة النقد بالأدب معه ـ وهو سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (أيّده الله تعالى) وقد أشير إلى أني قد جرّأت الآخرين على نقده، وأقول:

· إذا كان النقد الموجّه له علميًا ملتزمًا فأنا معه.

· وإذا كان نقدًا منفلتًا فأنا أبرء منه.

الدعوة لاتّباع سماحة الشيخ عيسى

وقال : أرى بأنّ هناك خطأ منهجي في الدعوة إلى القيادات والتسويق إليها يعتمد على أقوال الآخرين فيها بدلاً من النظر والتحليل لما تمتلك من أطروحات ومواقف ومشاريع وإنجازات، وهذا منهج غير واقعي ويدل على الإفلاس والخواء الفكري والروحي والعملي، ويسيء إلى القيادات نفسها وإلى الساحة والجماعة، ويؤدّي إلى تعطيل النقد وإلى التضليل والتخلّف، وهو شبيه بما تفعله بعض السلطات الطاغوتية المستبدة من نشر إعلانات الولاء للحاكم في الشوارع والأماكن العامة، وينطبق على أصحاب هذا المنهج ـ بجميع أطيافهم ـ قول الله تعالى: )لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(([26]).

وقال: يوجد منهجان في الترويج للقيادات:

  • منهج يقوم على أساس الإنجاز.
  • ومنهج يقوم على أساس قال فلان.

وقال: المنهج الثاني منهج تبريري وغير منطقي، وهو منهج مفلس ومضر.

وبخصوص ما نقل عنه من القول بمتابعة سماحة الشيخ عيسى، قال: يثار هذا الموضوع دائمًا في المحّطات الفاصلة التي يكون لي فيها رأي مخالف لرأي سماحة الشيخ عيسى (أيّده الله تعالى).

وقال: في الوقت الذي أصرُّ على ضرورة تقديم النظر في الأطروحات والمواقف والمشاريع والإنجازات على ما يقال في الأشخاص في معرض التقييم، وما أراه من غنى سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم ـ وهو الإنسان الكبير ـ عن الشهادة من صغير مثلي، فإنّي أرى في الأسلوب الترويجي المتبع ـ التذكير بهذه المقولة وتوظيفها ـ أنه من الأساليب المفلسة والمتخلّفة والمضرّة في التسويق للقيادة والمواقف والخيارات، وهو توظيف يفتقد إلى المنطق.

· فمن الطبيعي أن أقول ذلك حين كنت أرى سماحة الشيخ عيسى قيادة لي.

· ومن الطبيعي أن يبطل هذا القول حين انفصلت عن قيادة سماحته، واتّخذت لنفسي قيادة أخرى، وهذا حق من حقوقي.

وقال: ليس خارج السنن أن تتغيّر قناعة إنسان في إنسان آخر على ضوء نتائج التجارب، فمثلا: تغيرت قناعة أشخاص جهابذة ـ وهم هيئة ـ في كفاءة الشيخ المنتظري لقيادة الثورة الإسلامية بعد الإمام الخميني العظيم (قدّس سرّه الشريف) وكانت لهم أقوال عظيمة فيه قبل أن تتغيّر فيه قناعاتهم، بل تغيّرت ـ بحسب الظاهر ـ قناعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ وهو القادر بمشيئة الله تعالى على معرفة حقائق الناس والاطلاع على سرائرهم ـ في بعض ولاته، مثل : المنذر بن الجارود العبدي، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “إنّ صلاح أبيك غرّني فيك، وظننت أنك متبّع هديه وفعله، فإذا أنت فيما رقي إليَّ لا تدع الانقياد لهواك، وإن أزرى ذلك بدينك، ولا تسمع إلى الناصح، وإن أخلص النصح لك . بلغني أنك تدع عملك كثيرًا وتخرج لاهيًا متنزّهًا متصيّدًا، وأنّك قد بسطت يدك من مال الله لمن أتاك من أعراب قومك، كأنه تراثُكَ عن أبيك وأمك، وإني أقسم بالله لئن كان ذلك حقًا لجملُ أهلك، وشسع نعلك خير منك، وإنّ اللعب واللهو لا يرضاهما الله، وخيانة المسلمين وتضييع أموالهم مما يسخط ربك، ومن كان كذلك فليس بأهل لأن يسّد به الثغر، ويُجبى به الفيء، ويؤتمن على مال المسلمين، وأقبل حين يصل كتابي هذا إليك”.

فلما قدم عليه المنذر استجوبه فكان عليه من مال المسلمين ثلاثون ألفًا، فأنكر المنذر ذلك، فطالبه الإمام باليمين فأبى، فأودعه السجن.

وقال: أردت من هذين المثالين إثبات أصل الموضوع، وهو: ليس مستغربًا ولا نقيصة في أن تتغيّر قناعة إنسان في إنسان آخر على ضوء نتائج التجربة، وعلى ضوء تغيّر القناعة تتغيّر بالطبع المواقف، وليس من العقل ولا الدين ألا تتغيّر المواقف بتغيّر القناعة.

وقال: لم أقصد إثبات التشابه في أيٍّ من المثالين مع سماحة الشيخ (أيده الله تعالى).

التحلّي بالقيم في إدارة الاختلاف

وفي معرض الرد على التخوّف من ضياع المصالح في حال التمسك بالحالة القيمية في إدارة الاختلاف، قال: التخوّف من ضياع المصالح في حال التمسّك بالحالة القيمية في إدارة الاختلاف ليس في محلّه، ورفع شعار إدارة المصالح في إدارة الاختلاف مع الغير ليس صحيحًا، وهو يعكس غلبة النزعة الحسيّة، والتعلّق بالحياة الدنيا، وضعف الثقة بالله العزيز الحميد، فأصحاب هذا الاتّجاه قلقون دائًما ويخافون الفوت، وكأنّ التدبير بيدهم وحدهم، ويتوقّف على الأسباب المادية وحدها، وليس للغيب والتدبير الإلهي يد فيه، وهذا خلاف عقيدة المؤمنين وفهمهم للتدبير، قول الله تعالى: )مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ` لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(([27]).

وقال: التعلّق بالمصالح الماديّة في إدارة الاختلاف يفتقر إلى التسامي والإخلاص، ويبرز المصالح الخاصة للزعماء، ولا يعكس الاهتمام بالمصالح العامة إلى الناس، لأنّ الاهتمام بالمصالح العامة لا يتحقّق بالتخلّي عن الحالة القيمية والمبادئ.

وقال: إذا برز خطّان في أية ساحة من ساحات العمل.

  • خط يحرص على المصالح المادية والفئوية، ولا يراعي القيم والمبادئ وحقوق الآخرين في إدارة الاختلاف.
  • وخط يتمسّك بالقيم والمبادئ ويحفظ حقوق الآخرين.

فإنّ النصر في النهاية سوف يكون من نصيب الخط الثاني الذي يتمسّك بالقيم والمبادئ ويحفظ حقوق الآخرين، حتى وإن كانت الغلبة في البداية للخط الأول، لأنّ الناس سوف يدركون بعقولهم وفطرتهم وبالممارسة الخط النظيف والحريص على مصالحهم العامة، ويميلون إليه وينصرونه، لأنه لا مصلحة لهم في الانحياز إلى الخط الأول ونصرته.

وقال: قد ضربت في مناسبات سابقة مثلاً بصراع أهل البيت (عليهم السلام) مع خصومهم الأمويين والعباسيين، حيث كان أهل البيت (عليهم السلام) في غاية التمسّك بالحالة القيمية والمبدئية في الصراع مع الغير، وقد بالغ الأمويون والعباسيون في استخدام العنف والإرهاب ضد أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، بحيث يُخيّل للمراقب العادي ـ بحسب التقدير ـ إنّ الأمويين والعباسيين سوف يقضون تمامًا على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، إلا أن النتيجة، هي: بقاء أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وانتهاء الأمويون والعباسيون، قول الله تعالى: )وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ` وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ(([28]).

وقال: قد يكسب أصحاب النزعة الحسية الحريصون على المصالح المادية والفئوية الجولات الأولى في الصراع، ولكن أصحاب القيم والمبادئ الصادقون في الانتماء يكسبون الجولات الأخيرة وينتصرون على المدى البعيد وفي نهاية المطاف، فلا ينبغي أن يكون عندكم خوف أو قلق من خسارة بعض المصالح والمكاسب في الجولات الأولى، وكونوا على إيمان ويقين قاطع بأنّ المتّقين المبدئيين سوف ينتصرون على المدى البعيد ويكسبون المعركة في نهاية المطاف، فالمعركة ليست سياسية بحتة، وتيار الوفاء الإسلامي بانتمائه الإسلامي الأصيل قد اختار خط الدين والقيم والمبادئ، وثبت على هذا الخط في أحلك الظروف، والله هو المسدد والمعين والناصر.

وقال: التمسّك بالحالة القيمية لا يعني ولا بأي حال من الأحوال الضعف أو التخلي عن الحقائق والمصالح الحيوية للناس، ولا السماح بتضييعها، قول الله تعالى: )وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ(([29]) ولكن الإدارة القيمية تأخذ بعين الاعتبار جميع الاعتبارات، وتراعي التوازن بينها، وترتب الأولويات والمواقف على ضوء ذلك.

وقال: هذا ما أخذ به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في إدارة الاختلاف مع الخلفاء، فعلى الرغم من خطورة النتائج المترتبة على مخالفة الأمة لأهل البيت (عليهم السلام) وحجم الظلم الذي وقع على أمير المؤمنين وعلى زوجته فاطمة الزهراء (عليهما السلام) فقد أظهر الإمام علي (عليه السلام) الحق وبيّنه للناس بدون لبس، وحفظ المصلحة العامة ووحدة المسلمين، ولم يفرِّط في الحالة القيمية في إدارة الاختلاف، ولم يكن أسير البعد الواحد، ولا الحق النظري، وعلى نفس سيرته النيّرة سار أبناؤه الأئمة الأبرار الطاهرين (عليهم السلام) وعلى نفس سيرتهم يجب أن نسير.

وقال: نصيحتي لإخواني المؤمنين، أن تمسّكوا بالقيم والمبادئ ورعاية حقوق الآخرين في إدارة الاختلاف، وأثبتوا على ذلك ولا تضعفوا أمام بعض الخسائر المادية التي قد تضطرون لدفعها في البداية، ولا تخافوا الفوت، وذلك:

  • لأن طيب السريرة وحسن الضمير وعقيدة التوحيد تفرض ذلك.
  • ولأنه السبيل للمحافظة على إنسانية الإنسان وفيه غنى الروح الإنسانية وكمالها وسعادتها.
  • ولأنه السبيل إلى النصر والظفر وحفظ المصالح الحيوية للإنسان والفلاح على المدى البعيد، قول الله تعالى: )وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(([30]).
  • ولأن فيه رضا الله العزيز الحميد والجنة وسعادة الآخرة.

([1]) آل عمران: 103.

([2]) الأنفال: 46.

([3]) الزخرف: 32.

([4]) آل عمران: 19.

([5]) الأنعام: 65.

([6]) الزخرف: 24.

([7]) الزخرف: 24.

([8]) البقرة: 212.

([9]) هود: 110.

([10]) الممتحنة: 1.

([11]) البحار، ج78، ص81.

([12]) الذاريات: 8 ـ 11.

([13]) آل عمران: 71.

([14]) الروم: 30.

([15]) البقرة: 213.

([16]) هود: 118 ـ 119.

([17]) الأنبياء: 24.

([18]) كنز العمال، الحديث: 929.

([19]) تحف العقول. ص40.

([20]) الحجرات: 9.

([21]) آل عمران: 140.

([22]) آل عمران: 173 ـ 175.

([23]) الطلاق: 2 ـ 3.

([24]) الرحمن: 7 ـ 9.

([25]) الرعد: 8.

([26]) آل عمران: 188.

([27]) الحديد: 22 ـ 23.

([28]) القصص: 5 ـ 6.

([29]) البقرة: 42.

([30]) الصف: 13.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى