لقاء الثلاثاء (66) | 3-11-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين

سنّة الاستبدال في القرآن الكريم

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول سنّة الاستبدال في القرآن الكريم، وقال: للحديث عن سنّة الاستبدال في ظلِّ ظروفنا الراهنة أهميّة خاصّة، حيث التنبيه لكل مكلّف حول مسؤوليّته الخاصّة في الاختيار للمنهج الذي يسير عليه في العمل الإسلامي والقومي والوطني.

وقال: الاستبدال في اللغة: التغيير، وجعل شيءٍ عوضًا عن شيءٍ آخر، وجعل عقوبة أدنى عوضًا عن عقوبة أكبر، ونحوه، والأبدال في الاصطلاح: قوم من الصالحين، يقيم الله عز وجل بهم الأرض، إذا مات واحد منهم، جعل آخر بدلاً عنه، فلا تخلو الأرض منهم، حتى يخرج القائم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويقيم دولة العدل الإلهي.

وقال: لكي يكون الحديث عن سنّة الاستبدال مكتملاً، سوف أبدأ بالحديث عن الهداية الربانية للمخلوقات، فإنّ الله جلّ جلاله قد خلق جميع المخلوقات، وتكفّل بأن يوصل كلَّ مخلوق إلى غاية وجوده، قول الله تعالى: )الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ` وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(([1]) وهذا يشمل جميع المخلوقات في السماوات والأرض، مثل: الشمس والقمر والنجوم، والنباتات والحيوانات والحشرات ونحوها، والملائكة والجن والإنسان، ويتميّز الإنسان ـ ويشاركه في ذلك الجن ـ بالحاجة إلى التشريع لكي يصل إلى غاية وجوده، لأنّه يمتلك العقل والاختيار، ولهذا تكفّل الله عزّ وجل ببعث الأنبياء والرسل من أجل الهداية التشريعية للجن والإنسان، وترك الهداية التشريعية من الله الرحمن الرحيم للجن والإنسان، هو بخلاف الحكمة والرحمة واللطف الإلهي، ولهذا قال الله تعالى: )وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ` وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(([2]).

وقال: هناك أمور عديدة تتعلّق بضمان الهداية ذكرها القرآن الكريم، منها:

(1): ضمان سلامة وصول الرسالة إلى النبي، قول الله تعالى: )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ` إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ` لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا(([3]).

(2): ضمان حفظ الرسالة سالمة في قلب النبي، وضمان سلامة البيان، قول الله تعالى: )لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ` إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ` فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ` ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(([4]).

(3): ضمان استمرار بقاء الرسالة الصحيحة، وقابلية وصولها للأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل، قول الله تعالى: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(([5]).

وقد كلّف الله سبحانه وتعالى عباده بمعرفة الصراط المستقيم، والتمسّك به، والعمل وفق مقتضياته العقلية والدينية، ذلك قول الله تعالى: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([6]).

وقد ذكر القرآن الكريم فريقين من الناس في موقفهم من الدين، وبيّن صفاتهم.

(1): حزب الله، قول الله تعالى: )لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(([7]).

(2): حزب الشيطان، قول الله تعالى: )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ(([8]).

وقال: الصراع طوال التاريخ قائم بين هذين الحزبين:

  • حزب الله الذي يحمل الحق ويدعو إليه بصدق وإخلاص، ويمارس العدل والفضيلة في المجتمع.
  • وحزب الشيطان الذي يحمل الباطل ويدعو إليه، ويمارس الظلم والرذيلة في المجتمع.

وقال: سنّة الاستبدال تتكفّل ببقاء حزب الله (وهم حملة الدين الصحيح، والباذلين في سبيله النفس والنفيس) طوال التأريخ، بحيث لا يخلو منهم زمن من الأزمان، قول الله تعالى: )أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ(([9]) وقد جاء في الدعاء المروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: “واجعلنا ممن تنتصر به لدينك، وتعز به نصر وليك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإنّ استبدالك بنا غيرنا عليك يسير، وهو علينا كثير”([10]).

وقال: للأبدال مجموعة من الصفات، أهمها:

(1): الاستقامة على الدين الحنيف، وجوهرها الولاية بجميع امتداداتها: (الرسل، والأوصياء، والفقهاء) قول الله تعالى )وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(([11]).

(2): عمل الصالحات، قول الله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(([12]).

(3): الجهاد في سبيل الله بالنفس والنفيس، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ` إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(([13]) وقول الله تعالى: )هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(([14]).

وقال: لقد جمعت سورة العصر جميع هذه الصفات، قول الله تعالى: )وَالْعَصْرِ ` إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ` إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(([15]).

وقال: تحمل سنّة الاستبدال رسالة واضحة للرموز والقيادات الدينية والسياسية والنخب من طلاب العلوم الدينية وغيرهم والجماهير، بأن يكونوا على قدر المسؤولية الدينية والوطنية في اختيار المنهج الصائب الذي من شأنه أن يحقّق الأهداف الإسلامية والوطنية، ويصون الحقوق، ويقيم العدل في المجتمع الذي هو غاية الأنبياء والرسالات السماوية، قول الله تعالى: )لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(([16]) والتمسّك بهذا المنهج، وذلك بعيدًا عن المجاملة والعواطف، والوهن أو الطيش، وبعيدًا عن التعصّب والجمود والتقليد الأعمى، لاسيّما علماء الدين، نظرًا لما يمثّلونه في المجتمع الإسلامي من رمزيّة ودور، فإنّهم مسؤولون ومحاسبون بين يدي الله العزيز الجبّار في يوم القيامة، قول الله تعالى: )وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ(([17]) وليس وراء الإفراط أو التفريط سوى الخسارة في الدنيا والدين والآخرة.

وقفة ثانية مع نتائج الانتخابات

وحول نتائج الانتخابات الأخيرة التي حصدت فيها جمعية الوفاق (18: مقعدًا) قال: الحديث عن الانتخابات وعن نسبة المقاطعة وسواها، ليس المراد به النكاية بالإخوة في الوفاق ـ كما يردّد البعض ـ وإنما.

(1): هناك مشروعان يتوقّف عليهما مستقبل البلد ومصالح المواطنين، وهما:

  • مشروع المشاركة.
  • ومشروع المقاطعة.

وقد روّجت السلطة وبعض المشاركين إلى زعم المشاركة الجارفة، وإنّ المقاطعة لا تأثير ولا جماهيرية لها، بهدف خداع الرأي العام، وتوهين خيار المقاطعة، والتأثير على معنويات المقاطعين، تمهيدًا لعزل الخيار والإطاحة السياسية به، بعد أن فشلت محاولات الإطاحة الأمنيّة به، مما استوجب ردًّا يكشف الحقيقة بالأرقام.

(2): إنّ حفظ التوازن في العلاقات بين القوى السياسية يتطلّب كشف هذه الحقيقة، فإنّ بناء علاقة مع طرف ضعيف، يختلف عن بناء علاقة مع طرف قوي، ومن أهداف كشف الحقيقة بالأرقام:

  • ألا يطغى طرف على طرف، بزعم أنه يمتلك الشارع كله، والآخر لا تأثير له ولا جماهير تؤيّده.
  • وأن يبقى حجم المقاطعة مصدر قلق وضغط على السلطة من أجل فتح الطريق للإصلاح، والاستجابة لمطالب الشعب العادلة.

(3): إنّ مشاركة المقاطعين لا قيمة عملية لها في خدمة أهداف المعارضة، لأنّها لا تؤدّي إلى زيادة عدد مقاعد الوفاق أو المعارضة في البرلمان، وإنّ زيادة العدد إذا حصلت سوف تكون قليلة، وحتى لو كانت الزيادة كبيرة فلن تكسر هيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان، وسوف تزيد فقط نسبة المشاركة، وهذا مما يضفي الشرعية الشعبية والسياسية على مشروع السلطة، ولا يخدم أهداف المعارضة بأي شكل من الأشكال.

(4): إنّ المستفيد الحقيقي من السكوت عن بيان الحقيقة هي السلطة وليس الوفاق، والخاسر هما الوطن والشعب.

رؤية تيار الوفاء في الدعوة إلى المقاطعة

وقال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي في دعوته للمقاطعة لم يكن يستهدف تقليل حظوظ الوفاق من المقاعد الانتخابية، وإنّما تخفيض نسبة المشاركة في الانتخابات ـ مع إنّ التيار لم يجعل هذا هدفه الاستراتيجي ـ لكيلا تكون النسبة المرتفعة جواز سفر صالح لترويج المشروع الظالم للسلطة، الذي يسعى لفرض نظام شمولي ينتقص الحقوق الطبيعية الأساسية للمواطنين، وهو المشروع الذي يسعى خط الممانعة في المعارضة لإسقاطه، وفتح الطريق لتحقيق الإصلاح الحقيقي، والمشاركة الشعبية الفعلية في صناعة القرار، وتقرير المصير.

وقال: لقد لمّحت إلى هذا المعنى بشكل علني في مناسبات سابقة قبل الانتخابات، وذكرت هذا المعنى بوضوح تام لا لبس فيه لمن نقل لي القلق من فقدان الوفاق لبعض المقاعد في بعض الدوائر، وهو المعنى الذي تعلمه الكوادر الأساسية في تيار الوفاء المعنيّة بالموضوع بكل وضوح وشفافية، وعملت به. وقد ذكرت في مناسبات سابقة: بأنّ إرادة السلطة وليست صناديق الاقتراع هي التي سوف تتحكّم في نتائج الانتخابات، وهذا ما ثبت صدقه بالتجربة.

وقال: ما حصل هو دليل عملي على صحّة رؤية تيار الوفاء، ونجاح خطة عمله بشأن الدعوة إلى المقاطعة.

  • فنسبة المشاركة انخفضت بشكل كبير.
  • ولم تتأثر حظوظ الوفاق في الدوائر الانتخابية.

وقال: كان لدى التيار الحرص التام على خلق التوازن بين الدعوة إلى المقاطعة وبين مقتضيات الدعوة إلى التكامل وبين تجنّب المواجهة البينية.

وقال: إنّ السلطة تريد مشاركة جمعية الوفاق في البرلمان، وتعتبر هذه المشاركة عامل أساسي في نجاح مشروعها، وقد شكر الملك في تصريحات عامّة وخاصّة هذه المشاركة، وصرّح بأنّها نجاح لمشروعه، إلا أن السلطة لا تريد احتكار الوفاق للتمثيل الشيعي في البرلمان، ولها حلفاء تريد مشاركتهم، وكان من المتوقّع أن تستخدم السلطة الصناديق العامة لتمرير بعض حلفائها في دوائر الوفاق، إلا أنّ الهجمة القمعية قد غيرت المعادلة، ورأت السلطة إنّ مصلحتها هذه المرة في أن تبقى للوفاق جميع المقاعد، كعامل تطمين، بهدف كسر تضامنها مع المعتقلين، ولأهداف أخرى سوف تتّضح في المستقبل القريب.

وقال: لقد تمنّيت بكل صدق ألاّ تحتكر الوفاق تمثيل المعارضة في البرلمان، وهذا تشخيص سياسي مجرّد يرتبط بمصلحة الوطن والوفاق والمعارضة، ولا علاقة له بموقفي من المشاركة، وكنت أحمل هذا الرأي منذ العام 2001م ـ قبل الانقلاب على الدستور العقدي والميثاق ـ وذكرته في ندوة عالي المشهورة، حيث قلت بأننا مستعدّون للتخلّي عن مقاعد مضمونة من أجل حلفائنا، وكان سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (أيّده الله تعالى) يوافقني هذا الرأي، ويرى ضرورته لاستمرار التجربة ونجاحها، ولا أعرف المبرّرات الفعلية التي حملت الوفاق بعد ذلك على التخلّي عن هذا الرأي، وأعتقد بأنّ وجود ممثّلين لقوى المعارضة الأخرى إلى جانب ممثّلي جمعية الوفاق في البرلمان، هو أكثر فائدة وخيرًا لها وللمعارضة وللوطن من وجودها بمفردها واستقلالها بـ( 18 : مقعدًا ) في البرلمان، حيث تستفرد بها السلطة، وتحاصرها حصارًا طائفيًا في البرلمان، وتشوّه صورتها أمام الرأي العام في الداخل والخارج.

وقال: أعتقد بأنّ مراقبة أداء جمعية الوفاق ومحاسبتها هو عامل مهم في تحسين الأداء وتصحيح الموقف.

لغة الأرقام بشأن نتائج الانتخابات

وقال: لقد وقع الكثيرون في خطأ عدم التمييز بين نسبة المشاركة وعدد المقاعد التي حصلت عليها الوفاق، وقد أسّس هذه الخطأ إلى حالتين سلبيتين، وهما:

  • توهم المشاركة الجارفة.
  • قلق المحبّين لخط الممانعة من تقلّصه.

وقد ترتّبت على كلا الحالتين مشاعر ومواقف سلبيّة تقتضي بيان الحقيقية لتعود المياه إلى مجاريها الصحيحة.

وقال: أوّل هذه الحقائق، إنّ فوز الوفاق بـ (18: مقعد) لا يعكس حجم المشاركة والمقاطعة، وإنما يعكس الفارق بين حجم الوفاق وبين حجم الذين نافسوها في الانتخابات في الدوائر التي رشّحت فيها، حيث كانت.

  • نسبة الذين صوتوا للوفاق (47,5%).
  • ونسبة الذين صوّتوا لغير الوفاق (13,9%).
  • أما نسبة الذين قاطعوا، فهي (38,6%).

وذلك وفق إحصائية اعتمدتها في الأسبوع الفائت.

وقال: القول بأنّ حصد الوفاق لـ(18: مقعدًا) يوجّه ضربة قاضية للمقاطعين، هو خطأ، والإصرار عليه بعد البيان يدخل في دائرة الجهل أو التضليل.

وقال: لكي نعرف الحقيقة بشكل أوضح، ونأخذ بعين الاعتبار الكسالى والمرضى والعجائز ونحوهم، أذكر مقارنة بين نسب أخرى غير التي ذكرتها في الأسبوع الفائت، وهي:

  • نسبة المشاركة الرسمية في انتخابات العام 2002م مع مقاطعة المعارضة (54%).
  • نسبة المشاركة الرسمية في انتخابات العام 2006م مع مشاركة الوفاق (73%) بفارق زيادة (19%).
  • نسبة المشاركة في انتخابات العام 2010م بحسب جريدة الوسط (57,1%) وفي إحصائية تيار الوفاء الإسلامي (60,2%) أي بفارق زيادة (3,1%) فقط ـ بحسب إحصائية الوسط ـ وبفارق زيادة (6,2%) فقط ـ بحسب إحصائية تيار الوفاء ـ عن العام 2002م، وبفارق نقصان (15,9%) ـ بحسب إحصائية الوسط ـ وبفارق نقصان (12,8%) ـ بحسب إحصائية تيار الوفاء ـ عن العام 2006م، وهو فارق كبير محسوب إلى صالح المقاطعة، ويكشف بصدق عن الحجم الحقيقي للمقاطعة لكل خبير!!

وقال: بحسب إحصائية تيار الوفاء الإسلامي للأرقام الرسمية للانتخابات في العام 2010م، في الدور الأول، فإنّ:

  • الكتلة الانتخابية لجميع الدوائر (318672).
  • الأصوات المشاركة لجميع الدوائر (191850).
  • نسبة المشاركة لجميع الدوائر (60,2%).
  • نسبة المقاطعة لجميع الدوائر (39,8%).
  • أصوات الوفاق لجميع الدوائر (82838).
  • نسبة الوفاق لجميع الدوائر (43,2%).
  • نسبة الوفاق لجميع الدوائر في العام 2006م (62,7%) بفارق نقصان (19,5%).
  • الكتلة الانتخابية في الدوائر التي رشحت فيها الوفاق (181238).
  • الأصوات المشاركة في الدوائر التي رشحت فيها الوفاق (108051).
  • نسبة المشاركة في الدوائر التي رشحت فيها الوفاق (59,6%).
  • الأصوات المقاطعة في الدوائر التي رشحت فيها الوفاق (73187).
  • نسبة المقاطعة في الدوائر التي رشحت فيها الوفاق (40,4%).
  • أصوات الوفاق في الدوائر التي رشحت فيها (82030)
  • نسبة الوفاق في الدوائر التي رشحت فيها (45%).

وقال: إذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء فإنّنا نجد بأنّ الفضل يعود إلى المعارضة في ظل قيادة المقاطعين اليوم في حشد ما نسبته (90,3%) من الكتلة الانتخابية في العام 2001م للتصويت على الميثاق، وتسجيل ما نسبته (98.4%) بنعم للميثاق، وهي نسبة لم يستطع أي فريق سياسي في البحرين تسجيلها أو ادّعاء الفضل في الوصول لها حتى الآن، ومن خلال هذه المقارنة البسيطة، نتمكّن بشكل علمي تقييم قابلية كل فريق لإقناع الشارع بوجهة نظره.

قلق بشأن حيثيات المحاكمة وما صاحبها

وبشأن جلسة المحاكمة، قال: السلطة في موقف ضعيف لأسباب عديدة، أهمها:

  • بطلان التّهم في ذاتها.
  • بطلان الاعترافات لأنها جاءت تحت التعذيب وفي غياب المحامين.
  • قوّة فريق الدفاع.
  • وجود المراقبين الدوليين.
  • وجود وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية.

وقال: يستحيل إثبات التّهم في ظلِّ هذه الأسباب، ولكن نحن نعلم بأنّ السلطة لا تتّسم بالواقعيّة، ولهذا فنحن لا نعلم كيف سوف تتصرّف السلطة، ولا أقول القضاء، لأنّ القضاء عندنا في البحرين غير مستقل عن السلطة التنفيذية، ولا نستبعد صدور أحكام مشددة ضد المعتقلين الأبرياء.

وقال: كانت أجواء المحاكمة ممتازة من حيث الشكل، ولكننا نحمل قلقًا شديدًا، لأسباب عديدة، منها:

(1): لأنّ القضاء استجاب فقط للمطالب الشكلية التي تقدم بها فريق الدفاع، مثل: تغيير مكان سجن المعتقلين، وعرض بعضهم على الطبيب المختص، وضمان عدم تعرّضهم للتعذيب من جديد ـ ونحن في الواقع غير مطمئنين لهذا الضمان بشأن التعذيب ـ والموافقة على مقابلة المعتقلين لأهاليهم والمحامين، وتسليم أوراق الدعوى لفريق الدفاع، ولم تتم الاستجابة لأهم طلب تقدّم به فريق الدفاع وهو إعادة التحقيق تحت إشراف القضاء، لأنّ النيابة لم تكن محايدة أثناء التحقيق، وهو طلب جوهري يتعلّق بحق المتهمين، ومؤثِّر في مسار المحاكمة ونتائجها، وهو أحد أهم أسباب عدم اطمئنانًا لضمان عدم تعرّض المعتقلين للتعذيب من جديد.

(2): وبسبب ما تقوم به الصحافة شبه الرسمية من القذف والإساءة لفريق الدفاع، وهي حالة غير مسبوقة في البحرين، مع ما يتمتع به فريق الدفاع من حق توجيه الاتّهام لأي شخص أو جهة رسمية أو غير رسمية في الدفاع عن موكليه.

(3): وبسبب تصعيد الإجراءات الأمنية والاستفزازات التي تقوم بها قوات الشغب في القرى والأحياء السكنية المستهدفة بعد المحاكمة، فهي لا تزال تحاصر القرى والأحياء المستهدفة، وتقوم بإدخال قوات الشغب راجلين إليها، رغم الهدوء التام فيها، وعدم وجود حجّتها القديمة لهذا الاستفزاز، وهو حرق الاطارات.

وتسأل: من يريد هؤلاء تخويفهم؟!

وقال: ذكرت سابقًا إنّ ملف الشبكة أستكمل بمجرّد تحويل القضية للقضاء، أي: لا يمكن تقديم تهم جديدة، ولا متّهمين آخرين في نفس القضية، غير إنّ السلطة لم تستكمل بعد مشروعها الأمني، وهذا يعني أن علينا أن نتوقّع حدوث مسرحيات أمنية جديدة تستهدف أشخاصًا آخرين، وذلك في ظل عمل البرلمان الجديد، لا سيما إنّ السلطة لا تزال مستمرة في الاستفزاز الأمني للقرى والأحياء المستهدفة، بل إنّ الاستفزازات الأمنية قد ازدادت، مثل: إدخال قوات الشغب راجلة بأعداد كبيرة الى القرى والأحياء المستهدفة، مع أن حجّتها السابقة والمتمثِّلة في حرق الإطارات لم تعد موجودة.

وقال: إنّ هدف السلطة كان ولا يزال هو القضاء على خط الممانعة، وهذا ما صرّح به وزيري العدل والداخلية، ولن يتأتّى لها ذلك، لأن وجود تيار الممانعة أصبح متجذِّرًا، وأصبح وجوده يرتبط بقناعات راسخة تتعلّق بمطالب عادلة، ومنهج عمل إسلامي أصيل، وهي موجودة لدى شريحة واسعة من القيادات والنخب والجماهير.

وقال: يجب أن تعلموا بأنّ القوة الحقيقية ليس في حرق الإطارات، وإنما في العمل السلمي المحكم، ثقافيًا، وسياسيًا، وحقوقيًا، وإعلاميًا، وهذا ما يقلق السلطة وأرادت القضاء عليه ولا تزال، وعليه أنصح بتشكيل فرق عمل: ثقافية، وسياسية، وحقوقية، وإعلامية، ولدعم عوائل المعتقلين، وغيرها، على أن يعمل كل فريق على حدة، من أجل الدفع بالقضية الوطنية إلى الأمام، فهذا ما تخشاه السلطة ويحرجها أكثر من حرق الإطارات.

وقال: أنا أرى بأنّ الأفضل للقضية الوطنية هو العمل السلمي المحكم، ولكني أرفض علميًا وبشكل قاطع اعتبار حرق الاطارات من العنف، والتزم بالدفاع عن حقوق جميع المعتقلين.

وقال: المعتقلون دخلوا السجن من أجل مطالب وطنية عادلة، وليس من الحكمة أن تكون مطالبتنا بالإفراج عنهم على حساب هذه المطالب، وإلا كان حالنا، قول الله تعالى: )كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا(([18]).

وقال: إثبات خط الممانعة لوجوده لا يكون من خلال الأنشطة الانفعالية وغير المحسوبة، وإنّما من خلال البرامج والأنشطة المحسوبة، وقد ثبت بالتجربة فاعليّة دوره في المقاطعة، وحكمته في إدارة قضية المعتقلين، فقد رأى بأنّ السلطة قد ملأت بخطئها نصف الكأس، فركّز هو على ملأ النصف المتبقي، فلم يُشغل بشكل انفعالي بالأنشطة ذات الكلفة العالية، والتي طالبه البعض بها، جهلاً أو مكيدة، مثل: المسيرات والاعتصامات، حيث رأى بأنّ السلطة قد كفته عبالتها من خلال إعلامها الذي أظهر للرأي العام في الداخل والخارج وجود أزمة كبيرة في البلاد، فتوجّه هو للأنشطة: السياسية، والحقوقية، والإعلامية، المطلوبة منه فعلاً في هذه المرحلة، وقد ثبت من خلال سحب تهمة قلب النظام، وأجواء جلسة المحكمة، والضغوط السياسية الخارجية على السلطة، ومنها: ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الامريكية، وأمور أخرى، صحّة خطّة عمله.

وقال: نتمنّى صادقين بأن تتوجّه السلطة نحو التهدئة من خلال الاستجابة الواقعية العادلة لمطالب الشعب، وإنهاء هذه الأزمة بشكل يخدم الاستقرار والمصلحة الوطنية ـ كما هو التوجّه حاليًا على المستوى الإقليمي ـ وحصر اللعب في الملعب السياسي، وإبعاده عن المسرح الأمني، وذلك مع التأكيد على إنصاف الضحايا، ومحاسبة الجلادين، وهو أمر لن نتخلّى عنه، وإلا وقعنا في محذور التفريط في حقوق الضحايا، وإبقاء الباب مفتوحًا لتجدّد الجرائم وتكرارها، وهو أمر عقدنا العزم على أن نضع له حدًّا نهائيًا، ونحمي منه أبناء شعبنا المسالم المظلوم.

الهجمة القمعية وأطروحة التكامل

وقال: تكلّمت سابقًا عن جوانب من توقيت الهجمة القمعية، ومن خلال متابعتي لتطورات الأحداث المتعلّقة بالهجمة القمعية، توصّلت إلى نتيجة مفادها، إنّ أطروحة التكامل ربما تكون عاملاً مهما في الإسراع بالهجمة القمعية، حيث إنّ السلطة تعمل بكل وسيلة وبكل قوة من أجل التشطير الطائفي والعرقي بين أبناء الشعب، لتتمكّن من الاستفراد بكل جماعة وبكل بطائفة على حدة، لكي تنجح في تمرير أجندتها عليهم بسهولة، وقد تقدم تيار الوفاء بأطروحة التكامل، وتعرضت الأطروحة في البداية لهجوم شرس من قبل جماهير الوفاق، وجماهير حق والوفاء، ورأيت في ذلك الوقت بأنّ للعناصر المخابراتية دور رئيسي في إثارة هذه الهجمة، ودخلنا في حوارات ساخنة مع جماهيرنا حتى تمكنّا من الإقناع بها على نطاق واسع، وجعلناها مقبولة لديهم بشكل جيد، وقد اتّضحت الرؤية أكثر حول هذه الأطروحة بمرور الزمن، وأصبحت مقبولة أكثر لدى النخبة والجماهير، ويُعتبر تبنّي سماحة السيد عبد الله الغريفي (أيّده الله تعالى) لها مكسبٌ واضحٌ، وأرى من المهم أن تقول باقي الرموز والأطراف كلمتها فيها، لكي تمهِّد الطريق بحق لتطبيقها.

وقال: لقد أدركت السلطة بأنّ تيار الوفاء الإسلامي لم يتقدَّم بالأطروحة على أساس المناورة السياسية أو للاستهلاك الكلامي، وإنّما كان جادًّا وصادقًا في طرحها، وفي الوقت الذي يحتفظ التيار بتحالف استراتيجي مع حركتي: حق والأحرار، فإنّه قد نجح في إقامة علاقة مع الوفاق، وأصدر معها بيانًا مشتركًا يؤسّس للتعاون بينهما، مما يلغي المواجهة البينية، ويمهِّد الأرض بشكل جيّد لأطروحة التكامل، فيكون العمل المشترك القائم على أطروحة التكامل، يجمع بين العمل من داخل البرلمان، وبين العمل من خارجه، وهو أمر مقلق جدًا للسطلة لأنه ينقض ما تعمل من أجله من تشطير، وخلق أجواء الفتنة بين المواطنين، والتفريق بين أخوة الدين والنضال المشترك، فعجّلت بالهجمة القمعية، لتحقق هدف مزدوج، وتضرب عصفورين بحجر ـ كما يقول المثل الشعبي:

  • الإطاحة بأطروحة التكامل.
  • وتوسيع الشرخ بين المشاركين والمقاطعين من خلال اتباع سياسة العصى والجزرة التي شرحتها في الأسبوع الماضي.

وقال: لتيار الوفاء الإسلامي إيمان راسخ بأطروحة التكامل، وسوف يتابع السعي لتطبيقها على أسس واقعية ـ إن شاء الله تعالى.

وقال: لقد كان لتوقيت إعلان سماحة السيد عبد الله الغريفي (أيّده الله تعالى) عن تبنيه لأطروحة التكامل بعد صمت طويل أثرٌ سلبيٌ على قبول بعض الجماهير بها، رغم الأثر الحسن الذي تركه عند الكثيرين، وقد انعكس ذلك الأثر الحسن على الحوارات والمناقشات في المنتديات وغيرها، وأنا أدعو كبار أصحاب الشأن لأخذ زمام المبادرة بدعوة الأطراف المعنية للاجتماع في أسرع وقت ممكن.

وقال: أدعو الجميع إلى ترك التراشق حول المشاركة والمقاطعة، والدخول في المناقشات الجديّة والمعمّقة حول تطبيقات أطروحة التكامل وسبل العمل بها، وأناشد كبار الرموز الدينية والسياسية من جميع الأطراف بالدخول فيها، لأنه الأفضل في التطبيق الصادق والأنجح لها، ويعطيها قوة أكبر، مع التأكيد مجددًا على جدية هذه الدعوة وصدقها، وأنها بعيدة بحق وحقيقة، عن الابتزاز للغير، وعن توهم الشعور بالضعف.

وقال: التطبيق الصادق والجاد لأطروحة التكامل يقوم على أساس الاستراتيجيات والخطط والبرامج، وليس على أساس التعاون السطحي والعرضي في الملفات وبعض الفعاليات المشتركة.

وقال: أطروحة التكامل ليست أطروحة معلّقة في الهواء، وليست بغير قيود ولا شروط، وإنما هي أطروحة مرتبطة بالواقع ومكوّناته، وتؤثِّر فيها تطوّرات الساحة، ولكل تطور حسابه من حيث الشكل والمضمون، والقبول والرفض لها.

وبخصوص معالجة الملفات من داخل البرلمان، قال: رغبت السلطة ودعوتها أن يكون الحوار، وأن تُعالج الملفات تحت قبّة البرلمان ومظلته، ونحن نرى في البرلمان أنّه محرقة للملفات، وليس وسيلة لحلّها، وكانت المعارضة قد أجمعت في حوارها مع السلطة بواسطة وزير العمل السيد مجيد العلوي في العام ( 2004م ) على ألاّ تمرر التعديلات الدستورية من خلال البرلمان، وإنما يتم التوافق على آلية أخرى لتمريرها، كما رأت معظم قوى المعارضة أن يكون الحوار مع السلطة خارج قبة البرلمان، فليس غريبًا على تفكير المعارضة المطالبة بالحوار خارج قبة البرلمان، وأن تتم المعالجة للملفات من خلال آليات غير البرلمان، وهذا ما نطالب به نحن في الوقت الحاضر، وأظن إنّ معظم المعارضة على هذا الرأي بحكم وجودها خارج قبة البرلمان، ولا أظن أنها تقبل بأن تسلم مستقبلها ومستقبل البلاد إلى يد غيرها في ظل تجربة غير مشجعة في التنسيق والتعاون بين قوى المعارضة، وفي ظل مؤسسة برلمانية تتمتع السلطة التنفيذية بالهيمنة الكاملة عليها، وعلى كافة ما يخرج عنها.

وقال: يمكن إجراء العمل بأطروحة التكامل في واحد من جوانبها على هذا الأساس أيضًا.

وتعليقًا على مداخلة أحد الحضور حول إعطاء زخم لأطروحة التكامل بالإشارة إلى موقف المرجعيات الدينية منها، قال: لقد بيّنت في مناسبات سابقة عديدة موقف بعض المرجعيات الدينية العليا من أطروحة التكامل، ومن الهيئة القيادية المشتركة، والوقوف على بعد واحد من جميع المؤمنين العاملين على الساحة الوطنية، وقد بيّن سماحة الشيخ حسين النجاتي موقف آية الله العظمى السيد السيستاني (أيدهما الله تعالى) من هذه الأمور في إحدى خطب الجمعة.

وبخصوص الموقف من المشاركة والمقاطعة، قال: لا توجد فتوى ولا حكم شرعي يوجب على المؤمنين المشاركة أو المقاطعة، فكلا الخيارين السياسيان موجود على الساحة، ومتروك للمكلف العمل بقناعته أو بتشخيص من يثق بهم.

وقال: أن يرى المؤمن إنّ الصواب سياسيًا والمصلحة هما في خيار المشاركة أو المقاطعة، لا يسمح له بأن يفتي بوجوب العمل بالخيار، وذلك لاحتمال وجود المزاحم عقلاً، فمثلاً: يرى تيار الوفاء الإسلامي بأنّ الصواب سياسيًا والمصلحة الدينية والوطنية هما في خيار المقاطعة، ولكن ليس من حقه أن يفتي بوجوبه، ويسعى لفرضه باسم الدين على الناس، وذلك لاحتمال وجود المزاحم عقلاً، ولأنّ التيار لا يمتلك صلاحية الإفتاء، فنحن مقتنعون سياسيًا بخيار المقاطعة، ولكننا لا نمتلك صلاحية الافتاء، وفرض الخيار على الناس باسم الدين، فنحن نبرز قناعتنا بالخيار والدعوة إليه وفق ما هو مسموح به شرعًا، ونترك للناس الاختيار وفق قناعاتهم، وليس الدفع للقناعة مهما كان قويًا من الافتاء، ومن يقول بأنّ هذا الرأي لتيار الوفاء من العلمانية لأنّه ـ بحسب زعمه ـ يفصل بين الدين والسياسة، فهو لم يفهم الرأي، ولم يفهم الدين والشريعة فهمًا صحيحًا.

اتّباع القيادة

وبخصوص اتّباع القيادة، قال: الأشخاص يختلفون في تشخيص القيادة التي ينبغي أو يجب عليهم اتّباعها، ولكل شخص الحق في اختيار القيادة التي يطمئن إلى أمانتها وكفاءتها وسلامة منهجها، وأرى في اختيارنا للقيادة أن نركِّز على أمور مهمة، تنعكس آثارها على أوضاعنا الوطنية، منها:

  • التفكير في نوع القيادة: (الفردية أو الجماعية) وقد تقدّم تيار الوفاء الإسلامي بأطروحة الهيئة القيادية المشتركة، وهي أطروحة باركتها بعض المرجعيات الدينية الكبيرة، ولا زلنا ندعو إليها.
  • المنهج الذي تتبعه القيادة وأطروحاتها وبرامج عملها ومواقفها، بدلاً من التمسّك بالأشخاص بغض النظر عن مناهج عملهم وأطروحاتهم ومواقفهم، قول الإمام الصادق (عليه السلام): “إياك أن تنصب رجلاً دون الحجّة فتصدّقه في كلِّ ما قال”([19]).
  • تقبل القيادة إلى النقد والمحاسبة والنصح، فقد استند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في عزله إلى وإليه المنذر بن جارود العبدي إلى عدم تقبله للنصح، قوله (عليه السلام): “إنّ صلاح أبيك غرّني فيك، وظننت أنك متبّع هديه وفعله، فإذا أنت فيما رقي إليَّ لا تدع الانقياد لهواك، وإن أزرى ذلك بدينك، ولا تسمع إلى الناصح، وإن أخلص النصح لك”.

وقال: ينبغي الحذر من الجمود والاتّباع الأعمى، كما ينبغي الحذر من التسقيط والإساءة للغير بدون حق.

وقال: إذا كانت معرفة الحقيقة من شأنها أن تؤدي إلى تغيير التوجهات والمواقف لدى الناس في القضايا المصيرية: الدينية والقومية والوطنية، فإن إخفائها عن الناس يعتبر من الظلم والخيانة، وهو غريب جدا على سلوك المؤمنين الموحدين وتوجهاتهم العملية في الحياة، قول الله تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( ([20]).

وبخصوص التهويل حول إطلاق لفظ “إعلان السنابس” قال:

  • لفظ “إعلان السنابس” يعتبر لفظًا راقيًا، فلفظ إعلان يُطلق على مقرّرات مؤتمرات القمّة، فيقال مثلا: إعلان القاهرة، أو إعلان الخرطوم، أو إعلان بيروت، أو إعلان الرياض، أو إعلان دمشق، أو إعلان الرباط، ونحوها، فليس في إطلاق هذا اللفظ أي تجاهل لأصحاب القرار من الرؤساء وغيرهم!!
  • إنّ ما ورد في بيان مكبّرات الصوت الصادر عن تيار الوفاء الإسلامي من مضمون بخصوص “إعلان السنابس” كان مضمونًا راقيًا أيضًا، حيث كان فيه احترامٌ للسادة العلماء، وكان يؤسّس لوحدة الصف وتعزيز اللحمة والتلاحم بين مختلف الأطراف من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.

ولكن للأسف الشديد هناك من يقرأ ما في رأسه لا ما هو مكتوب، ويختار من الظنون أسوأها، وصدق أمير المؤمنين إذ يقول: “لو سكت الجاهل ما اختلف الناس”([21]).

وقال: من المعيب جدًا أن يقال عن تيار الوفاء الإسلامي بأنّه ضد العلماء، رغم أن أغلب قياداته هم من خيرة علماء الدين المشهود لهم بالعلم والتقوى، وفي مقدمتهم سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد (أيّده الله تعالى) وهو كان ولا يزال أستاذ بحث خارج في قم والبحرين.


([1]) الأعلى: 2 ـ 3.

([2]) الأنعام: 92 ـ 93.

([3]) الجن: 26 ـ 28.

([4]) القيامة: 16 ـ 19.

 ([5])الحجر: 9.

([6]) الأنعام: 153.

([7]) المجادلة: 22.

([8]) المجادلة: 19.

([9]) الأنعام: 89.

([10]) مفاتيح الجنان، ص 762.

([11]) المائدة: 56.

([12]) البقرة: 277.

([13]) التوبة: 38 ـ 39.

([14]) محمد: 38.

([15]) سورة العصر.

([16]) الحديد: 25.

([17]) الصافات: 24.

([18]) النحل: 92.

([19]) البحار، ج73، ص 151.

([20]) البقرة: 140.

([21]) البحار، ج78، ص81.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى