لقاء الثلاثاء (65) | 25-10-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
العزم صورة جمالية في الحياة
بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول العزم، وقال: العزم في اللغة: هو الجد والاجتهاد والصدق في الأمر، والتصميم والصبر والثبات فيه، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(([1]) وعزم على الأمر: أراد فعله، وعزم الأمور: هي الأمور التي تظهر فيها المنافسة والصراع والتحدي، ويجب فيها العزم والصبر والثبات، ولا يُوفّق إلى الدخول فيها إلا أهل الهمم العالية، الذين لديهم القدرة على تحمّل الصعاب والمشاق، وطول النفس في المعاناة، وأولو العزم: هم الأشخاص أصحاب العزيمة الصادقة الذين يتحلّون بالصمود والصبر والاستعداد للبذل والتضحية في سبيل تحقيق ما يتطلعون إليه من آمال وأهداف، وأولو العزم من الرسل: هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم جميعًا الصلاة والسلام) الذين عزموا على أمر الله عز وجل فيما عهده إليهم، وصبروا في سبيل التبليغ بدعوته، وتحملوا المشاق والمتاعب الجمّة في سبيل اجتياز الصعاب والعراقيل والمعوقات التي تقف في وجه دعوتهم، ولم يستسلموا ولم يقبلوا بالأمر الواقع الذي سعى الطغاة لفرضه عليهم وعلى المستضعفين من الناس، وقدّموا التضحيات الجسام في سبيل تطبيق الدعوة وتحقيق اهدافها، ولم يهنوا، ولم يحزنوا، ولم يتراجعوا قيد شعرة أمام التحديات والصعوبات والعراقيل والفجائع التي أصابتهم في سبيل ربهم العزيز الحميد، وفي سبيل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
والعزيمة: هي الإرادة المؤكدة.
والعزم في الفلسفة: هو التصميم وعقد القلب على الفعل بحيث لا يبقى فيه وهن ولا تردد، أو هو جزم الإرادة بعد التردد إما بسبب تقليب الآراء والخيارات المختلف قبل الإقدام على الفعل، وهي مرحلة قبل العزم، قول الله تعالى: )وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(([2]) أو بسبب الشهوات والنزعات النفسية أو الأمور الخارجية، قول الله تعالى: )وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ(([3]) فالإنسان حينما يقلب الأمور بين عدّة خيارات، فهذه مرحلة ما قبل العزم، وإذا كان لديه تردد بسبب الشهوة ونحوها، فهذا خلاف العزم، ولكنه حينما يخرج من دائرة تقليب الآراء والخيارات المختلفة ومن التردد، وينعقد قلبه على الفعل، وتحصل لديه حالة التصميم، ويأتي بالفعل على هذا الأساس فإنه يدخل في دائرة العزم.
ولا يستخدم العزم في المفهوم الفلسفي إلا في المواطن التي يكون فيها الفعل مسبوقًا بالفكر والروية، وذو العزم: هو من يقرن العمل بالفكر والنظر والرويّة، فمن يقدم على فعل تحت تأثير الانفعال والاستعجال وبدون رويّة ولا تفكير، فلا يدخل في دائرة ذوي العزم، ويمثّل العزم المرحلة الأخيرة من مراحل التفكير في الأسباب الداعية إلى الفعل الإرادي التام.
ويقابل العزم: الإحباط والانزواء واليأس من التغيير والإصلاح بسب تدهور الأوضاع والصعوبات المادية والمعنوية التي تواجه الإنسان في الحياة، أو بسبب العقد النفسية وضعف الحالة الروحية ونحوها لدى الإنسان، فالإنسان المحبط والمنزوي الذي يتخلى عن مسؤولياته في الحياة تحت تأثير الإحباط والكسل ونحوهما، واليائس من التغيير والإصلاح، فهو لا عزم له، ووضعه مخالف لروح الإيمان والتوحيد، قول الله تعالى: )وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(([4]).
وقال: بحسب الرؤية القرآنية البصيرة: يوجد العزم لدى الإنسان المؤمن في الظروف القاهرة والحالات العصيبة من خلال.
· الثقة بقدرة الله عز وجل، قول الله تعالى: )وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ` وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}([5]).
· والقيام بوظيفة التكليف الإلهي، فحينما يكون على الإنسان تكليف، ويرى نفسه ملزمًا ـ بحسب إيمانه ـ بالقيام به، فإنّه يقوم به، ولا ينزوي، ولا ييأس، مهما كانت الظروف والصعوبات والمعوّقات والتحديات التي تواجهه، ولا يستصغر نفسه ولا قدره، ولا يترك القيام بمسؤولياته الشرعية في الحياة، ولا يعلّقها على نظرة الآخرين إليه ومواقفهم منه، قول الله تعالى: )طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ(([6]).
وقال: اليأس من التغيير ومن الظفر بالمطلوب في شريعة المؤمن حرام، قول الله تعالى: )يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(([7]).
وقال: العزم يولِّد الصبر والصمود والثبات وطول النفس والقدرة على تحمّل المعاناة والأذى وتحمل الصعوبات والمشاق في سبيل نيل المطلوب، قول الله تعالى: )فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ(([8]).
وقال : يجب أن يواكب العزم التوكل على الله تعالى، قول الله تعالى: )فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(([9]) حيث أن التوكل يؤدي إلى خلق التوازن في النظر والاعتبار بين الغيب وبين الشهادة، فيأخذ المتوكل بالأسباب الطبيعية، ولا ينسى الله عز وجل، ولا ينكر ربوبيته وتدبيره ونعمته وفضله في جميع الأمور والأشياء، فلا يصاب المتوكل بالغرور الذي يؤدي به إلى الطغيان والانحراف، قول الله تعالى: )فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(([10]) فإذا كان لدى الإنسان عزم وجلد ولم يكن هذا العزم مرتبطا بالله جل جلاله فإنه يتحول إلى طغيان، وهذه نتيجة طبيعية للتمسك بأسباب القوة الطبيعية والغفلة عن الله عز وجل.
وقال: يجب أن يصاحب العزم التقوى، قول الله تعالى: )وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([11]) لكي يبقى العمل في دائرة الحق والعدل والخير والفضيلة والصلاح، ولا ينحرف إلى الباطل والظلم والشر والرذيلة والفساد.
وقد ذكر القرآن الكريم موارد عديدة للعزم، منها:
(1): الصبر على المصيبة، قول الله تعالى: )وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([12]).
(2): التضحية والصبر على الأذى في المواجهة، قول الله تعالى: )لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([13]).
(3): التسامح وسعة الصدر، قول الله تعالى: )وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([14]).
وقال: الموردين: (الثاني والثالث) أكثر مصداقية للعزم من المورد الأول.
والخلاصة: إنّ العزم الذي يقترن فيه العمل بالفكر والرويّة، ويصاحبه الصبر والثبات والتضحية، ويلزم صاحبه صراط الحق والعدل والخير والفضيلة والصلاح، يرسم صورة جمالية فاعلة وقوية وبناءة في الحياة، ويمنع الإحباط واليأس من التغيير والإصلاح أمام قوى البطش والجريمة والخذلان، ومن تسوِّل المكرمات والحقوق من الطغاة والمتجبرين والمستكبرين، ويؤسس لدولة الحق والعدل والقانون.
وقفة مع نتائج الانتخابات
وبخصوص نتائج الانتخابات، قال: أعلنت الستة رسميًا عن نتائج الانتخابات، ونشرت الارقام الرسمية لها، وقد جاء وفق هذه الأرقام.
- إنّ نسبة الذين صوّتوا في الانتخابات: (67%).
- ونسبة الذين صوّتوا في الدوائر التي رشّحت فيها جمعية الوفاق: (61%).
- ونسبة الذين صوتوا لجمعية الوفاق: (47,5%).
- ونسبة الذين قاطعوا الانتخابات في الدوائر التي رشحت فيها جمعية الوفاق: (38,6%).
- ونسبة الذين صوّتوا لغير الوفاق في الدوائر التي رشحت فيها: (13،9%).
وقال: هناك مجموعة عوامل أدت إلى رجحان كفّة المشاركة، منها:
(1): إعطاء الفرصة الكاملة للمشاركين لتسويق المشاركة، فكانت هناك الخيام الانتخابية، وفُتحت لهم أبواب المساجد والمآتم والمنتديات، وشمّر علماء الدين الداعمين لخيار المشاركة عن سواعدهم في الدعوة إليها، وحضروا الخيام الانتخابية، ودعموا المترشّحين، وقد صرف المشاركون مئات الآلاف من الدنانير في حملاتهم الانتخابية ـ وبعضهم حصل على دعم حكومي سخي ـ واتّبعوا كل وسيلة متاحة للتسويق إلى خيار المشاركة. وفي المقابل فُرِضَ حصار وطوق أمني شديد على المقاطعين، فقد اعتقلت السلطة معظم رموزهم، ولم تكن لهم خيام، ولم يسمح لهم بتنظيم الندوات، ومنعوا حتى من إقامة الأمسيات الدعائية لمعتقليهم، وذلك رغم قصر عمر وجودهم التنظيمي على الساحة، وعدم تمكّنهم من استكمال بناء وحداتهم التنظيمية، وضعف إمكانياتهم المادية إلى درجة الشح، مما فرض بشكل قسري اختلال ميزان القوّة لصالح المشاركين، ولم يكن واقعيًا مطالبة تيار الممانعة بخلق التوازن مع المشاركين في ظلِّ هذه الظروف غير الطبيعية والقاسية جدًا على المقاطعين.
(2): التحشيد للمشاركة على أساس طائفي في كلا الشارعين: السني والشيعي، مما حرّك الكثيرين لكي يذهبوا إلى التصويت بدافع الحس الطائفي ونصرة أبناء طائفتهم، وليس بدافع الحس الوطني، والقناعة بجدوى المشاركة، وهذا بالإضافة إلى دوره في التحشيد إلى المشاركة، فإنه يخدم أجندة السلطة في التشطير الطائفي البغيض.
(3): حدّة الصراع بين المعارضة وبين السلطة، مما دفع الكثير من الذين لا قناعة لهم بالمشاركة إلى التصويت بهدف نصرة قوى المعارضة المشاركة في الانتخابات، لاعتقادهم بأهمية ذلك في الصراع المرير مع السلطة، لاسيما مع تطبيق قوى المعارضة لأطروحة التكامل التي قدّمها تيار الوفاء الإسلامي، وتبنّاها سماحة السيد عبد الله الغريفي (حفظه الله تعالى) في خطبته التي دعا فيها إلى مساندة خيار المشاركة في الليلة قبل الأخيرة للانتخابات.
(4): توظيف الدين في الدعوة للمشاركة، فالكثير من الذين ذهبوا للتصويت، ذهبوا بدافع الدين، وليس بدافع القناعة السياسية بالمشاركة.
(5): دور الختم في الجواز الذي يثبت المشاركة في خلق موجة من الخوف لدى الكثير من العجم بأن تسحب الجنسية منهم إذا هم امتنعوا عن التصويت ـ وليس بحادثة سحب جواز سماحة الشيخ حسين النجاتي (أيده الله تعالى) وعائلته رغم مكانته العالية ببعيدة عنهم ـ وخوف رجال الأعمال والتجار من فقدان الأعمال والامتيازات التي يحصلون عليها من السلطة، وخوف الكثير من عامّة الناس من حرمانهم من الخدمات الأساسية، مثل: الإسكان، والتعرّض للصعوبات أثناء السفر ونحوه.
دلالات نتائج الانتخابات
لقد صرّح الملك بأنّ نسبة المشاركة تعتبر دعمًا لمشروعه، وردًّا على المشككين فيه، ونحن نقول:
(1): موقفنا من مشروع الملك مبني على أصول واقعية: علمية وعملية، يستوجب على السلطة والمشاركين الرد عليها، ومن الواضح إنّ الملك يعتبر المشاركة إنجاحًا لمشروعه، والمقاطعة مواجهة مع هذا المشروع.
(2): إنّ كوننا أقليّة لا يلغي مسؤوليتنا الوطنية وتكليفنا الشرعي نحو وطننا الغالي وأبناء شعبنا المظلومين، ولا يدخل اليأس من التغيير والإصلاح إلى قلوبنا المؤمنة بالله العزيز الحميد، فالأيام دول بين الناس، قول الله تعالى: )إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(([15]).
(3): إنّ نسبة المقاطعة الفعلية، هي نسبة موجعة للسلطة فعلا، وكانت السلطة قلقة جدًا قبل الانتخابات من ارتفاع نسبة المقاطعة ـ وقد ذكرت ذلك مرارًا في مناسبات سابقة على الانتخابات ـ فعمدت إلى الهجمة القمعية لتقليل نسبة المقاطعين، لكي توحي إلى الرأي العام في الداخل والخارج بأنّهم أقليّة، وإنّ مشروع السلطة ناجح، لا سيما وقد صرح سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) بأنه لم يعد هناك وجود لمشروع الإصلاح، وظهرت مجموعة من التقارير الحقوقية والخبرية من مؤسسات دولية تؤكد على ذلك. ومع كل ما فعلته السلطة، وما ذكرته قبل قليل من أسباب أثّرَت إيجابيًا لمصلحة المشاركة، فإنّ نسبة المقاطعة قد زادت في هذا العام على النسبة في العام 2006م، فقد انخفضت نسبة المشاركة ـ بحسب التصريح الرسمي ـ من (73%) في العام 2006م إلى (67%) وهناك تقديرات تقول بأنّ النسبة أقل من (60%) فالمقاطعة قد كسبت أنصارًا جدد ـ رغم تأثير العوامل التي ذكرتها قبل قليل ـ ولم تخسر أنصارها.
(4): إن للمقاطعين برامج عملهم في الداخل والخارج على المستوى السياسي والحقوقي والقانوني والإعلامي، وهي برامج مؤثرة ونتائجها موجعة أيضًا، بدليل هذه الهجمة القمعية المنهجية الشاملة وغير المسبوقة عليهم، ونحن نعتبر تصريح الملك بحد ذاته اعترافًا عمليًا منه بوجود المقاطعين، وبتأثيرهم على مجرى الأحداث على الساحة الوطنية، ورسم صورة المستقبل.
وقال: نحن نحترم الذين شاركوا ونقدّر نسبة ما حصلوا عليه من أصوات، ولكن هذا لا يلغي وجود المقاطعين وحقوقهم، ولا يلغي خيارهم ودورهم على الساحة الوطنية، ومطالبتهم ـ من قبل البعض ـ بالانزواء والجلوس في بيوتهم، يعبّر عن فهم ضيق، وعقلية استبدادية، وخشية منهم، مع التنبيه إلى إنّ الغرور هو أحد أهم العوامل التي توقع الإنسان في الأخطاء الفادحة، فعلينا جميعًا أن نتّسم بالواقعية في التفكير والحسابات، وأن نحذر كثيرًا من الطيش والغرور.
وقال: في أية ديمقراطية في العالم تلغي الأكثرية دور الأقليّة وتطالبها بالانزواء؟!
وقال: لا يعتبر التحليل الموضوعي لمزًا، ولا النقد العلمي الملتزم تجريحًا.
وقال: بعض الأساليب الخاطئة في إدارة الحملات الانتخابية، قد أحدثت جروحًا غائرة في جسم المعارضة ـ بما فيه التحالف السداسي ـ مما من شأنه أن يؤثِّر في وضع المعارضة المستقبلي ـ كما صرّحت بذلك بعض قياداتها.
وقال: أحذِّر من الانفعال والتسرّع في معالجة القضايا الخلافية بين قوى المعارضة، فإنّ ذلك يصبُّ في خدمة السلطة وحدها، والخاسر هو الشعب والمعارضة.
وقال: رغم إنّ قرار منع مظاهر الفرح بعد الفوز في الانتخابات لم يتم، إلا أنه في الحقيقة لا معنى له، وهذا لا يعني إنّ تضامن جمعية الوفاق لا معنى له، بل هو مطلوب منهم، وسوف نسعى إليه، فقضيتنا واحدة، ومصيرنا واحد، والاختلاف هو في أساليب العمل، ومن حق كل طرف أن يعمل وفق قناعاته، وليس لأحد أن يصادر منه هذا الحق، وهذا مما أثبتناه في البيان المشترك بين جمعية الوفاق وتيار الوفاء.
وبخصوص تشكيلة المجلس، قال: لقد خسرت جمعيتي الأصالة السلفية والمنبر الإخوانية أكثر من (50%) من مقاعدهم في البرلمان، وهذا يدل على رغبة السلطة في تغيير لون وجهها الطائفي في البرلمان، والتخفيف من عبأ الإسلام المتشدّد من على عاتقها.
· لترمي بالمسؤولية عن المعالجات الطائفية في البرلمان مستقبلاً على عاتق جمعية الوفاق.
· ولتجعل الوفاق بصبغتها الإسلامية في مواجهة المستقلّين البرجماتيتين، ولكي تمرّر القوانين التي تخدم السياحة غير المقيّدة ونحوها بسهولة أكبر.
دلالات حصول جمعية الوفاق على (18: مقعدا)
وبشأن حصول جمعية الوفاق على (18: مقعدا) قال: لا شك في أن جمعية الوفاق تتمتع بتأييد جماهيري واسع، فهذه مسألة مفروغ منها، وثابتة بالحس والأرقام، ولكن أريد أن أشير إلى بعض الدلالات السياسية المهمة الأخرى لحصول جمعية الوفاق على هذا العدد من المقاعد البرلمانية والبلدية، منها:
(1): إنّ هذا العدد من المقاعد لا يعكس حجم المؤيدين للمشاركة في مقابل حجم المقاطعين، وإنما يعكس حظ الوفاق في مقابل حظ الآخرين المشاركين معها في العملية الانتخابية في الدوائر التي رشّحت فيها، فكان حظ الوفاق (47,5%) وحظ المنافسين لها (13,9%) أما حظ المقاطعين فكان (38،6%).
(2): إنّها رسالة تطمين عملية من السلطة إلى جمعية الوفاق، والمجلس العلمائي والرموز العلمائية الداعمين لجمعية الوفاق، بأنّهم جميعًا ليسوا مستهدفين من قبل السلطة في الهجمة القمعية الأخيرة، وقد سبق لوزير الداخلية أن صرّح بذلك إلى الصحافة المحليّة، وذكر بأنّ المستهدفين هي المنظمات التي تعمل خارج القانون، وذكر بالاسم: تيار الوفاء الإسلامي، وحركة حق، وحركة أحرار البحرين.
وقال: رسالة التطمين هذه تقوم على أساس قدرة السلطة على التحكم في نتائج التصويت من خلال الصناديق العامة العشرة، وذلك باستخدام العسكريين والمجنّسين المقيمين خارج الحدود ـ وهذا مما تقرّ به جمعية الوفاق وثبت بالتجربة في العام 2006م ـ ولم تستخدم السلطة هذه الورقة للتأثير على حظوظ جمعية الوفاق ـ وهذا في غاية الوضوح ـ بل إنّ النائب الوفاقي (خليل مرزوق) قد صرّح لبعض وسائل الإعلام الخارجية، بأنّ بعض المجنّسين في دائرته قد صوّتوا إلى صالحه، وهناك أقوال: بأنّ مجنّسين قد صوتوا لمرشحي الوفاق في دوائر أخرى!!
(3): إنّ هذه النتيجة قد أسقطت بشكل جازم مقولة إنّ الهدف من الهجمة القمعية هو التأثير على حظوظ جمعية الوفاق في البرلمان، ومن الوهم وغير العلمي الاعتقاد بأنّ الفضل في النتيجة يعود إلى حجم المشاركين!!
(4): إنّ السلطة تريد أن توحي من خلال هذه النتيجة إلى إنّ المقاطعين هم شرذمة قليلون، وأنه لا تأثير ولا جماهيرية لهم، وهذا خلاف الواقع، فنسبة الذين قاطعوا الانتخابات في الدوائر التي رشّحت فيها جمعية الوفاق ـ بحسب الإحصائيات الرسمية ـ هي: (38,6%) وهي نسبة ليست بالقليلة، والفارق بينها وبين المشاركين أقل من (9%) حيث إنّ نسبة الذين صوّتوا لجمعية الوفاق، هي: (47,5%) وإذا أخذنا بعين الاعتبار العوامل التي خدمت المشاركة ـ وقد ذكرتها قبل قليل ـ فإنّ النتائج ستكون صاعقة لمن توهّم المشاركة الجارفة.
وقال: لكن التحقير والتقليل من شأن المعارضين هو في الحقيقة سلوك جميع السلطات الطاغوتية المستبدة ومن على شاكلتها دائما، قول الله تعالى: )وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ` فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ` إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ` وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ` وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ(([16]).
وقال: مما يؤسف له إنّ هذا السعي للتحقير والتقليل من شأن المقاطعين، قد جرى على لسان السلطة والموالاة وبعض قيادات المعارضة المشاركة في الانتخابات ـ قبل الانتخابات وبعدها ـ حيث استخفّهم الشعور بالأكثرية.
وقال: ربما يدل إجماعهم على هذا الوصف والتحقير للمقاطعين.
- على تداول هذا المعنى بينهم في جلساتهم الخاصة، وليس مجرّد اشتراك بينهم في الشعور والموقف بسبب الصدفة.
- أو على تلقفه بينهم من خلال التصريحات العامة ونحوها لالتقاء إرادتهم عليه.
وقال: لقد حذّرت قبل قليل من الغرور باعتباره أحد أهم العوامل التي توقع الإنسان في الأخطاء الفادحة.
وقال: أعتقد بأنّ من الأهداف الذي ترمي إليها السلطة وراء إثبات أن المقاطعين أقليّة، هو:
- الإيحاء بتقبّل الجماهير والقوى السياسية الأساسية والفاعلة لمشروع السلطة.
- والاستفراد بالمعتقلين والمنظمات التي ينتمون إليها من أجل جرد الحساب معهم وتصفيتهم، وسوف تقول السلطة للعالم: بأنّها لا تستهدف الشيعة والمعارضة، بدليل إنّ أكبر كتلة في البرلمان هي كتلة شيعية معارضة، ولن تستطيع الوفاق عمليًا أن تفعل شيئًا لوقف جرائم السلطة، كما هو معلوم بالتجربة والتحليل العلمي.
وقال: إنّ السلطة تتبع سياسة العصا والجزرة للتأثير على الجمعيات السياسية والمجلس العلمائي والرموز العلمائية المؤيدة للمشاركة من أجل منع تضامنهم مع المعتقلين والمنظمات التي ينتمون إليها، وتتمثل الجزرة في التطمينات لهم بأنهم غير مستهدفين في الهجمة القمعية، والمطلوب منهم عدم التضامن مع المعتقلين والمنظمات التي ينتمون إليها ـ كما جاء في تصريحات وزيري العدل والداخلية ـ وتتمثل العصا في العقوبات التي يمكن أن تنزلها السلطة بهم، كما حدث من حجب المواقع الالكترونية، ووقف صدور النشرات الصحفية، وحل مجلس إدارة جمعية البحرين لحقوق الإنسان.
والخلاصة: إذا التزموا بما هو مطلوب منهم فسوف يكونوا في مأمن، ويمكن أن يكافؤوا، وإذا لم يلزموا بما هو مطلوب منهم فيمكن أن ينزل بهم العقاب.
وقال: كان في يد السلطة ملف الأحوال الشخصية تحرّكه كورقة للابتزاز السياسي القذر للطائفة الشيعية ـ بحسب رغبتها وحاجتها ـ وقد أصبح لديها الآن ملف آخر، وهو المرسوم بقانون رقم 11 للعام 1999م الخاص بمكبّرات الصوت، مما يجعل الوفاق بكتلتها الكبيرة في تحدّي صعب جدًا، ووضع حرج لا تحسد عليه، وعليها أن تتحمّل مسؤوليتها الدينية والوطنية، في إحقاق الحق والدفاع عن المظلومين ـ لاسيّما المعتقلين ـ فحصولها على أكبر كتلة يُحمّلها مثل هذه المسؤولية أمام الله عز وجل والتاريخ، وأملي من الوفاق أن تتبع منهج المقاومة والتحدّي من داخل البرلمان، وتجعل خيار المشاركة جزء من خيار المواجهة مع السلطة، والله العزيز الجبار في عونها.
وقال: ثبت بالتجربة وبشكل قاطع إنّ السلطة التنفيذية تتمتع بهيمنة كاملة على البرلمان، وإنّ حصول جمعية الوفاق على (18: مقعدًا) لن يغيّر شيئًا في ميزان القوى في داخل البرلمان، ولن يعطي جمعية الوفاق القدرة على حل أيٍّ من الملفات بخلاف ما تريده السلطة، إلا إنّ ذلك لا يعفيها من المسؤولية، وإلا كانت مشاركتهم عبث وفق كل المقاييس.
وقال: ينبغي تفعيل المراقبة الشعبية لأداء الكتلة ومحاسبتها شعبيًا بهدف التصحيح، وهذا ما دعا إليه سماحة السيد عبد الله الغريفي (حفظه الله تعالى) في دعوته لدعم خيار المشاركة قبل ليلتين من الانتخابات.
وقال: قاعدة: “عدم التفريط” لا تجعل ـ علميًا ـ خيار المشاركة بمستوى الخيار الاستراتيجي، ولكن جمعية الوفاق تتصرف عمليًّا ـ حتى الآن ـ وكأنّ خيار المشاركة خيارٌ استراتيجيٌ!!
وقال: أرغب في الوقوف على مسألة من خلال الأرقام، وهي: إنّ نسبة المصوّتين للوفاق قد بلغت (47،5%) ونسبة المقاطعين في الدوائر التي رشّحت فيها الوفاق قد بلغت (38،6%) بما مجموعه (86،1%) والباقي (13،9%).
والسؤال: أيهما أكثر تأثيرًا في الضغط على السلطة وتحقيق الإصلاح: اجتماع الكتلة التي تشكل ما نسبته (86،1%) على المشاركة أم على المقاطعة ؟!
وأجاب: إنّ إجماع هذه الكتلة الضخمة على المشاركة لن يغيّر شيئًا في ميزان القوة في داخل البرلمان، ولن يفقد السلطة التنفيذية هيمنتها الكاملة على البرلمان، بل سيجعل هذه الكتلة الضخمة برمتها رهينة بيد السلطة التنفيذية.
أما لو أجمعت هذه الكتلة الضخمة على المقاطعة فسوف تُشكّل بدون شك ضغطًا هائلاً على السلطة لا يمكنها تجاوزه، مما يفتح الطريق بحق أمام الإصلاح بنسبة أكبر.
وقال: ليس من الحكمة قطعًا الإجماع على المشاركة، فهذا من شأنه ترسيخ مشروع السلطة الظالم، وقطع الطريق على الإصلاح، فإذا لم نستطع الحصول على إجماع هذه الكتلة على المقاطعة، فليس أقل من التنوّع والتكامل بين المشاركة والمقاطعة.
وطالب الأستاذ الجميع بالاتّزان وعدم الانفعال والاستعجال في معالجة الاختلافات البينية، وبالمحافظة على اللحمة، وصيانة حقوق الأخوة الدينية والوطنية.
اختيار طريق ذات الشوكة
وقال: لقد اختار تيار الوفاء الإسلامي منذ تأسيسه طريق ذات الشوكة، لأنه السبيل الوحيد ـ بحسب تقديرنا ـ لإحقاق الحق وتحصيل الحقوق الطبيعية المشروعة لأبناء شعبنا المظلوم، قول الله تعالى: )وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ` لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(([17]) وكنا نعلم من قبل التأسيس بأننا سنكون مستهدفين من عدة أطراف إذا قمنا بالتأسيس، وأننا سنُرغم على تقديم تضحيات مادية ومعنوية جسيمة في سبيل الاستمرار وتحقيق النجاح ـ وهذا ما دلّت عليها ظروف التأسيس ـ فنحن نعلم منذ البداية بأنّ طريقنا هو طريق ذات الشوكة، وأنّه طريق التضحيات والفداء، ولكنا عقدنا العزم على المضي قدمًا، وكنا نسير على هدىً واضح، فقمنا بوضع الخطط والبرامج العملية، وقمنا بتنفيذها، وسنستمر فيما قمنا به من أجل مرضاة الله عز وجل، ومن أجل مصلحة هذا الشعب.
وقال: إنّ السجن والقتل والتضحيات المادية والمعنوية ليس من شأنها أن توقفنا عن الاستمرار في هذا الخيار القرباني العظيم، ولن نستوحش ـ بإذن الله تعالى ـ الطريق لكل سالكيه، ولن يفت في عضدنا ـ إن شاء الله تعالى ـ خذلان المتفرّجين، وشماتة الشامتين، وقسوة الظالمين وطغيانهم وإرهابهم، بل سيزيدنا ذلك ـ بإذن الله تعالى ـ إيمانًا بعدالة قضيتنا، وسلامة منهجنا، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، قول الله تعالى: )الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ` فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ` إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(([18]).
وقال: ليس واردًا لدينا خيار التسجيل ضمن قانون الجمعيات أو المشاركة، فعلاقتنا مع الإصلاح علاقة حاسمة لا رجعة عنها ـ إن شاء الله تعالى ـ والتسجيل ضمن قانون الجمعيات والمشاركة في هذا البرلمان ـ بحسب تشخيصنا ـ معيقان عن تحقيق الإصلاح، وسبيل لضياع الحق والحقوق، ونحن مستعدّون للتضحية من أجل الإصلاح وتحقيق مطالب الشعب العادلة، ولكل مواطن، ولكل طرف، الحق في الأخذ بالخيار الذي يرى فيه الحق والصواب والسبيل للوصول إلى تحقيق أهدافه المشروعة.
وقال: ليس من شأن القمعة الأمنيّة ولا غيرها من الأساليب الباطلة أن تحملنا على التخلّي عن هذا الطريق الناصع الذي اخترنا السير فيه، ولن نرضخ للأمر الواقع الظالم، ولن نقبل به، ولن نمضيه، ولن نوقع عليه بأي شكل من الأشكال، وذلك: )لِيُحِقّ (الله) الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(([19]).
وقال: قوى الممانعة تتحرّك في الداخل والخارج، وقد ثبت بالتجربة إنّ تحرّكها مؤثِّر ومنتج، بدليل الاعتقالات والهجمة القمعية الشاملة ضد قوى الممانعة، وقد اخترنا دفع الثمن من أجل تأدية تكليفنا الشرعي، وتحمّل مسؤوليتنا الوطنية، ويُعتبر التحرك السياسي والحقوقي والإعلامي الذي قام به خط الممانعة في مواجهة الهجمة الأمنية تحرّك غير مسبوق، وسوف تشاهدون آثاره ـ بإذن الله تعالى ـ إذا بدأت المحاكمات.
وقال: إذا كان خط الممانعة لا تأثير له، فلماذا الاستقواء عليه بالخارج، والسعي للحصول على دعم المرجعيات الدينية لخيار المشاركة في مقابل خيار المقاطعة، بدلاً من مقارعة الرأي بالرأي والحجّة بالحجّة؟!
وبخصوص الحصار المفروض على قوى الممانعة، قال: لقد فُرض علينا حصارٌ شديدٌ، وقد نجحنا في كسر هذا الحصار، بعد أن أدرنا الصراع مع السلطة بحكمة، ولم ندخل في مواجهة بينية مع إخواننا الذين شاركوا في فرض الحصار علينا باسم الدين والمصلحة العامة، وهي أسطوانة لازالت ـ للأسف الشديد ـ تستخدم ضدنا إلى اليوم.
وقال: إذا كانت رغبة السلطة من وراء الهجمة القمعية القضاء على خط الممانعة، فلن تتحقّق رغبتها، وستجرُّ وراءها الخيبة والحسرة والخسران وسوء الطالع.
وقال: لدى السلطة خشية كبيرة من وجود تيار الوفاء الإسلامي، وهناك تشخيص بأنّ تيار الوفاء هو المرشّح لكي يرث تراكمات الساحة، نظرًا لرؤيته الدينية، ومنهجه السياسي، وما يمتلكه من إرادة وتصميم وطول نفس واستعداد للتضحية، وتقدّم شعبيته يومًا بعد يوم.
وقال: من حق السلطة أن تخشاه!!
الهيئة القيادية وأطروحة التكامل
وقال: لدى تيار الوفاء الإسلامي إيمان عميق بأطروحة التكامل، وليس لديه أي قلق من اختلاف القناعات، فاختلاف القناعات أمر طبيعي وإيجابي، فمن شأنه أن يفتح الأفق بشكل واسع لفهم أفضل للأوضاع، ويفتح الطريق لتعدّد الخيارات، وقوّة المواقف، والقلق إنّما يحدث مع قلّة الخبرة، وعدم القدرة على إدارة الاختلاف في الرأي.
وبخصوص المشاركة والمقاطعة، قال: لدينا خيارات عدة، منها:
- المشاركة المطلقة.
- المقاطعة المطلقة.
- المزاوجة بين المشاركة والمقاطعة، إما على أساس تنوع المنهج، وإما على أساس وحدة منهج المواجهة في الداخل والخارج، وهو الخيار الذي أفضِّله.
وقال: للأخذ بأطروحة التكامل أكثر من خيار، منها:
- أن يكون الأخذ بها في ظل الاتباع لهيئة قيادية مشتركة تضم الرموز العلمائية والسياسية.
- أن يكون الأخذ بها بين الأطراف السياسية، وتكون الرموز العلمائية في الخارج منها.
وقال: يعتبر الخيار الأول (في ظل الاتباع لهيئة قيادية مشتركة) هو الخيار الأفضل والأكمل، وهو الخيار الأكثر جدية، وهو الخيار القادر على تجاوز العقبات، ورسم خطط العمل الاستراتيجية والتكتيكية بشكل أفضل.
أما الخيار الثاني (بين الأطراف السياسية) فهو خيار سوف يصاحبه نقص وخلل كبير بسبب بقاء الرموز العلمائية في خارج التشكيلة، مع أنهم جزء مهم جدًا في المعادلة، والأخذ به لا يدل ـ بحسب تقديري ـ على الجديّة التامة في العمل بأطروحة التكامل.
وقال: وجود الهيئة لا يضفي الصبغة الطائفية عليها، لأنّ المطلوب من العمل الوطني المشترك ليس إلغاء الخصوصيات المذهبية، وإنّما تحقيق المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وقد أقرّت المواثيق الدولية حق جميع الطوائف في حفظ خصوصياتها المذهبية، ولكن بدون تمييز، والمطالبة بإلغاء الخصوصيات المذهبية مطالبة غير واقعية، ولن تكون مقبولة إلا في سوق المزايدات الوهمية.
وقال: رغم العوامل التي أدّت إلى الخلل في التوازن بين الدعوة إلى المشاركة وبين الدعوة إلى المقاطعة، وكانت لصالح دعوة المشاركة ـ وقد ذكرتها في بداية الجلسة ـ إلا إنّ تيار الوفاء الإسلامي قد طبّق خطّته بشأن الدعوة إلى المقاطعة، والتي تقوم على أساس بقاء خيار المقاطعة قائمًا وقويًا وقادرًا على السير في طريقه نحو تحقيق أهدافه، وعدم التعارض مع أطروحة التكامل، وهذا ما عكسه في أدبياته الخاصة بالانتخابات، بدءً برؤيته في الانتخابات، وانتهاءً ببيان الدعوة لتفعيل أطروحة التكامل، ولم نكن مجرّد زاهدين.
وقال: يعتبر اتّساع رقعة القبول بأطروحة التكامل والدعوة إلى الأخذ بها بعد التجاهل لها، والعزوف عنها، والانتقاد الشديد لها، هو مكسب كبير أدّت إليه النظرة الواقعية، والتأمّل الموضوعي في نتائج التجارب، مع التنبيه إلى إنّ القبول بأطروحة التكامل لا يتمُّ إلا بالاعتراف الصادق بوجود الآخر وصيانة جميع حقوقه، وتعتبر سياسة الإلغاء، والنظرة الفوقية، وتعليب القرارات من أجل تمريرها، من خصوم أطروحة التكامل.
وقال: من الوهم التصديق بأنّ نتائج الانتخاب تضع مفتاح الحل بيد المشاركين، وإنّ أطروحة التكامل سوف تُطبّق وفق شروط الطرف الآخر، فما يدور على الساحة يثبت للبصير، بأنّ خط الممانعة فاعل أساسي لا يمكن تجاوزه، ولن يستطيع أحد فرض تسوية ما على خط الممانعة، فقد ثبت بالتجربة بأنّ لخط الممانعة إرادته المستقلّة ودوره الفاعل، وإنّ تجاهله هو من الغرور ولا يلغي إرادته ولا دوره على الساحة الوطنية.