لقاء الثلاثاء (61) | 27-9-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
الولاية جوهر العبودية لله
ابتدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين الحديث الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع عن الولاية، وقال: حقيقة الولاية هي الاستقامة على الدين، وهي جوهر العبودية لله ذي الجلال والإكرام، فلا استقامة حقيقية على الدين، ولا عبودية خالصة لله عز وجل بدون الولاية، ولهذا جاء وصف الموالي بالمؤمن في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام).
وقال: من ثمار الولاية الأمن والسرور في الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: )أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(([1]) وهما من ثمار الاستقامة أيضا، قول الله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(([2]).
وقال: للولاية في اللغة أكثر من معنى، منها:
- الربوبية والتدبير.
- الحكم والسلطة والتصرف.
- القرب والدنو.
- المحبة والنصرة.
وقال: بين هذه المعاني ترابط وثيق، ويؤدي بعضها إلى البعض الآخر، ولا أرغب الآن في الدخول إلى بحث اللغة، ولكن سينكشف الترابط ـ إن شاء الله تعالى ـ في سياق الحديث الفكري.
وقال: الولاية على الإنسان بحكم العقل والدين هي في الأصل لله وحده لا شريك له، لأنّه خالق الإنسان ومالكه، وبيده وحده تدبير جميع شؤونه في الحياة، ولا يمكن أن تثبت الولاية بشكل مستقل عقلا لأحد من الخلق، إلا إنّ مقتضى حياة الإنسان على الأرض في الحياة الدنيا يفرض ولاية الحكم لبعض البشر على البعض الآخر، ولهذا أعطى الله عز وجل ولاية الحكم والتدبير والتصرف لمن يستحقها من البشر، ومن تكون ولايته طريقًا لتحقيق الغايات الربانية، وتحقيق التنمية والازدهار والفلاح والسعادة للإنسان في الحياة الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: )إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ` وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(([3]).
وقال: الولاية في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي:
- للرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
- ومن بعده لأئمة أهل البيت (عليه السلام).
- وفي عصر الغيبة للفقيه الجامع للشرائط، قول الإمام صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء): “وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم”([4]).
وهنا تبرز مجموعة من الحقائق الأساسية، منها:
- إنّ الولاية درجات، وهي تتفاوت بتفاوت درجات أصحابها، وليس لأحد من الولاية أكثر مما أعطاه الله جل جلاله منها.
- إنّ الولاية لا تُعطى لمن لا يستحقها من الظالمين، قول الله تعالى: )وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(([5]) ولا تُعطى للضعفاء الذين لا يصمدون في المواجهة، ولا يقدرون على تحقيق الأهداف الربانية، لأن فيه نقض للغاية، وهو خلاف الحكمة والعقل.
وقال: طاعة أولي الأمر واجبة، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ(([6]) وفي الحديث الشريف: “من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية” والخلاف بين المسلمين في المراد من أولي الأمر.
وقال: من ضروريات العقل والدين، إنّ الله جلَّ جلاله لا يمكن أن يفرض طاعة من تؤدي طاعته إلى خلاف طاعته، وخلاف مقاصد الدين والشريعة، ولا يوجد إجماع بين فقهاء مدرسة الخلفاء على طاعة الحاكم الفاسق.
وقال: في مقابل الولاية توجد الطاغوتية، والذي يقابل الولي هو الطاغوت، فكل من فرض طاعته في مقابل طاعة أولياء الله فهو طاغوت، وأولياء الله عز وجل في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هم: الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) والفقيه الجامع للشرائط.
وقال: على ضوء ذلك ندرك المعاني الأخرى للولاية:
· فلا محبة لله ذي الجلال والإكرام ولا طاعة له بدون الولاية لأولياء الله.
· ولا قرب ولا دنو من الله ذي الجلال والإكرام بدون الولاية لأولياء الله.
· ولا نصرة لله ولدينه بدون الولاية لأولياء الله.
وفي المقابل: تكون طاعة الطاغوت معصية لله عز وجل، وسببا للبعد عن الله ومقته، ومحاربة لله ولدينه، وعاقبتها النار وبئس المصير.
وقال: ينبغي أن يعرف الإنسان حقيقة الولاية وما يلزم عنها، ويتمسك بها، ويعمل بما يلزم عنها، لكي يسلم له دينه وآخرته، ويفوز بالسعادة الأبدية، ويأمن من الخوف والفزع في الدنيا والآخرة، ولا يحزن على شيء مما يفوته من زخارف الدنيا وزينتها، فلا شيء فيها يساوي شيئا من نعيم الولاية ورضوانها.
تصريح وزير الداخلية
وبخصوص تصريح وزير الداخلية الذي ذكر فيه تيار الوفاء، قال: صرّح وزير الداخلية في مقابلة له مع تلفزيون البحرين بشأن الهجمة القمعية الأخيرة، وقد نقلت التصريح الصحف المحلية، وقد زعم الوزير في تصريحه إنّ المعالجة قد بدأت منذ (10: سنوات) وشملت إجراءات سياسية واجتماعية، ولم تقتصر على المعالجة الأمنية، مشيرا إلى قرار توقيف قانون أمن الدولة وإلغائه، وفصل النيابة العامة عن وزارة الداخلية، ووجود البرلمان، ومشاريع الإسكان والتأمين ضد التعطل والدعم الذي تقدمه الحكومة لذوي الدخل المحدود، ونحوه، وأشار إلى حرية الرأي والتعبير، وكلها في زعمه سبقت أي تشديد في الإجراءات الأمنية، وقال: “على العكس نحن اتّهمنا بأننا متخاذلون في أداء واجبنا لفترة طويلة كنا نستمع ولكن الانضباط هو الذي جعلنا نحافظ على أداء عملنا لعل وعسى أن الناس تدرك هذا الأمر وفي الواقع الكثير استمعوا إلا المجموعة التي لم تدخل في هذا الإطار”.
وقال: “الصحيح أن هذه العملية محدودة ومحصورة وهي موجهة ضد الجماعات والتنظيمات غير القانونية التي حاولت أن تضع نفسها خارج القانون، والقانون يسري على كل ما هو موجود من مواطن أو مقيم وبالتحديد هناك عدد من التنظيمات مثل ما يسمى بحركة حق أو حركة أحرار البحرين أو ما يسمى بتيار الوفاء الإسلامي، ومن يتبع هذه المجموعات”.
وقال: “الأساس في هذا الأمر اليوم أن نحتكم إلى القانون وأؤكد على الالتزام بالقانون وهذا في الواقع هو العدل والإنصاف والحسم فبدون سيادة القانون تعم الفوضى وأؤكد اليوم يجب أن يكون فيه سيادة للقانون ويلتزم به الجميع”([7]).
وقال الأستاذ: لننظر من الذي صبر على من.
· السلطة صبرت على المعارضة؟
· أم إن الشعب والمعارضة صبرا كثيرًا على السلطة؟!
وقال: لن أتكلّم عن التاريخ الدامي الذي سبق الاستقلال، وسأقتصر على ما بعد الاستقلال، لأنه قريب ومعاصر ولا يمكن تكذيبه!!
وقال: لقد صوّت الشعب في الاستفتاء الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة على عروبة البحرين واستقلالها عن إيران، على أن يقوم نظام ديمقراطي تحت حكم آل خليفة، وعلى هذا الأساس تمّ تشكيل هيئة تأسيسيّة وضعت دستور 73 العقدي، ثم جرت على ضوئه انتخابات تشريعية، ولم تمض على الانتخابات التشريعية سوى (18: شهر) حتّى انقلبت السلطة على إرادة الشعب، فحلت البرلمان، وعطلت العمل بالدستور ـ بشكل غير دستوري ـ وفرضت قانون أمن الدولة الذي رفض البرلمان تمريره، واعتقلت العشرات من أبناء الشعب منهم أعضاء كانوا في البرلمان المنحل، وقد استشهد بعض المعتقلين تحت التعذيب داخل السجن. ثمّ جاءت انتفاضة الكرامة الشعبية الذي بلغ فيها عدد المعتقلين (15000: معتقل) وأنا أنقل هذا الرقم عن لسان أندرسون، وسقط قرابة (40: شهيدًا) ولما جاء الميثاق تناسى أبناء الشعب آلامهم وأحزانهم وصوتوا بـ(نعم) على الميثاق، ولم يمضِ سوى عام واحد فقط حتى انقلبت السلطة مجددًا على الدستور العقدي وميثاق العمل الوطني، وفرضت دستور المنحة بإرادة منفردة، وبنت عليه مؤسسة برلمانية صورية، تمتلك السلطة التنفيذية الهيمنة الكاملة عليها، وقد سبقت عمله بحزمة من القوانين واعطتها الحصانة ضد التعديل من المؤسسة البرلمانية، ثم قامت بتمرير عدد من القوانين الجائرة من خلال المؤسّسة البرلمانية الصورية، مثل: قانون الإرهاب الذي أدانته الأمم المتحدة والعديد من المؤسسات الحقوقية الدولية، وقانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات، ونحوها، وقمعت الأنشطة السياسية السلمية للمعارضة، مثل: الندوات والمسيرات والاعتصامات بالقوة المفرطة، وأذكر هنا بمحاصرة جمعية وعد وهي جمعية سياسية مرخصة لمجرّد أنّي كنت سأشارك في ندوة هناك، وقامت بفبركة المسرحيات الأمنية من أجل الإيقاع برموز المعارضة واعتقالهم، وآخرها الشبكة المزعومة التي تعيش البلاد في ظل أزمتها في الوقت الحاضر، وقد شمل الاعتقال أشخاص معاقين جسميًا وعقليًا، مثل: جعفر القيم من النويدرات، وعرضت المعتقلين للتعذيب النفسي والجسدي القاسي، وقيدت حرية التعبير فأوقفت نشرة والوفاق، ونشرة وعد، الخ.
وقال: من صبر على من؟!
هل السلطة صبرت على المعارضة، أم الشعب والمعارضة صبرا طويلاً على السلطة رغم كل هذه التجاوزات والجرائم البشعة التي طالت كل شيء في التاريخ الطويل؟!
وقال: هذه الحقائق التي ذكرتها هي في الحقيقة مسبّبات ثورة وليس مجرّد انتفاضة أو حركة مطلبيّة سلميّة!!
وقال: لقد ذكر وزير الداخلية بأنّ الهجمة القمعية الأخيرة تستهدف حركة حق، وحركة أحرار البحرين، وتيار الوفاء الإسلامي، وهذا التصريح يدلُّ على عمق المأزق الذي وقعت فيه السلطة، وتخبّطها في محاولاتها الخائبة للخروج منه، فهذا التصريح يدل على أنها تستهدف حرية التنظيم والانتقام من المناضلين الشرفاء وليس القضاء على حركة الاحتجاجات الشعبية ـ كما أعلنت السلطة في بداية الهجمة القمعية ـ وبهذه المناسبة أوصي الجماهير بتشكيل لجان عمل شعبية، مثل: لجان لرعاية أسر المعتقلين، ولجان إعلامية، تكتب في المنتديات، وتتصل بالرأي العام في الداخل والخارج، لتوصل إليه رأي المعارضة، وتكشف انتهاكات السلطة، وممارساتها المخالفة للمواثيق الدولية، ولجان تدرس الخيارات السياسية وتتواصل مع الرموز والقيادات والقوى السياسية، وغير ذلك من الأنشطة السلمية الحضارية، ومنها: الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات بالتي هي أحسن.
وقال: لقد جاء في سياق تهديد وزير الداخلية التحريض الصريح في بعض الصحف التابعة للسلطة على اعتقالي واعتقال سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد.
وقال: لقد جربت السجن لسنوات عديدة، فأنا أعرفه وأعرف معاناته جيدًا وأعرف السجانين، وأنا لا أخاف السجن ولا أخاف السجانين، وهذا ما تعرفه السلطة وجلاوزتها جيدًا، ولا تملك السلطة أكثر من أن تنزع روحي من جسدي، وهي لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا أن يأذن الله عزّ وجل، وإن هي فعلت: يكون لي شوف الشهادة، ولقاتلي خزي الدنيا وعذاب النار في الاخرة.
والخلاصة: السلطة لا تمتلك ما تمنعني به عن التعبير الحر والمسؤول عن رأيي، فقد اخترت طريقي الذي ينتهي إليه مصيري المحمود ـ إن شاء الله تعالى ـ بمحض إرادتي، وأنا مستعد للسير فيه حتى النهاية، وعلى الطرف الآخر أن يختار لنفسه.
وقال: ربما يكون الخيار القادم للسلطة في ظل فشل القمعة الأمنية والفضائح التي صاحبتها هو القتل للتخلص من بعض المعارضين لسياستها.
وقال: من الأمور التي أساءت السلطة كثيرًا أثناء الهجمة القمعية الأخيرة ـ وقد جاءت على خلاف رغبتها ـ بروز حالة التضامن بين كافّة أطراف المعارضة (من يعمل من داخل الأطر الرسمية، ومن يعمل من خارجها) وتحاول السلطة وبعض كتابها البائسين كسر هذه الحالة وتفكيكها، ويدخل في ذلك تصريح وزير الداخلية الأخير، الذي حاول فيه أن يمدح الأطراف التي تعمل من داخل الأطر الرسمية ويطمئنها بأنّها غير مستهدف، وذكر المستهدفين بالاسم، وسار عل منواله بعض كتاب السلطة البائسين.
وقال: لقد ثبت بالتجربة لكل بصير وحدة المصير بين كافة أطراف المعارضة، ومن لا يرى ذلك فهو أعمى لا يرى الشمس في واضح النهار، ونرى في كل مؤمن تقي، وكل وطني شريف، بأنه فوق أن يخضع لإغراء السلطة وتخويفها، وكل من يخضع لإغراء السلطة وتخويفها، فإننا في غنى عنه بالله العزيز الحميد، وبالمؤمنين الأتقياء، والوطنيين الشرفاء، فمن يخضع لإغراء السلطة وتخويفها، يصدق عليه قول الله تعالى: )لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وأوضعوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(([8]).
وقال: نحن في عملنا نؤدي التكليف الشرعي، ونتحمّل المسؤولية الوطنيّة في الدفاع عن حقوق المواطنين، ولن نستوحش الطريق لقلّة سالكيه، ولن نتخلّى عن التكليف لقلّة من معنا.
ضرورة احترام الرأي الآخر
وبخصوص مواقف سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (أيّده الله تعالى) قال: حينما طرح تيار الوفاء الإسلامي رأيه بأن تكون المرجعية على بعد واحد بين المؤمنين، ردَّه سماحة الشيخ، واعتبره من الحيادية التي قد تؤول إلى الخيانة، فسماحة الشيخ ـ من الناحية العلميّة ـ يرفض الوقوف على الحياد بين المختلفين، فهو لن يقبل ـ بحسب الفهم العلمي ـ بأن يقف على الحياد بين السلطة والمعارضة أو بين الظالم والمظلوم، فما يصفه البعض بالحياد في موقف سماحة الشيخ في الأزمة الأخيرة، هو ـ بحسب الفهم العلمي ـ يعبّر عن قناعته بما هو صواب وليس حيادًا.
وقال: يجب علينا أن نحترم قناعته، ولنا الحق في أن نوافقه أو نختلف معه، ولنا الحق في أن نعبّر عن رأينا الموافق أو المخالف له بكل وضوح، بشرط احترام الرأي الآخر، وعدم الإساءة إلى صاحبه، وأن نأخذ المصالح العامة بعين الاعتبار.
وقال: الاختلاف لا يلغي التكليف الشرعي إذا كان علينا تكليف شرعي نحو من نختلف معهم، ولا يلغي المسؤولية إذا كانت علينا مسؤولية نحو من نختلف معهم، ولا يلغي الحقوق إذا كانت علينا حقوق نحو من نختلف معهم.
وقال: ذكرت في شهر رمضان المبارك بأن الصيام يؤدي إلى صفاء النفس والارتقاء الروحي بالإنسان ليجعل منه إنسانا عظيما، يرتقي فوق الصغائر والاختلافات، ليكون في مواقفه وعلاقاته بمستوى التكليف الشرعي والقيم السماوية العالية، وعلينا كمؤمنين أن ننظر إن كنا كذلك أو أنّا متخلفين عنه.
وبخصوص ما يطرحه البعض بأن خط الممانعة تورط في الأزمة وهو يطلب النصرة من الذين يختلف معهم، قال: هذا قول مغرور وجاهل.
- فوحدة المصير ثابتة بحكم التجربة، وهي واضحة لكل بصير وضوح الشمس في واضح النهار، والبناء عليها فوق الاختلافات الموجودة بين قوى المعارضة في نظر كل كيس فطن.
- والتناصر بين المؤمنين ثابت بنص القرآن الكريم، ولا يلغيه الاختلاف الحاصل بينهم، والروح المتسامية لدى المؤمنين تدور مدار التكليف الشرعي والقيم السماوية، وليس مدار التحزب والأنانية والاتفاق أو الاختلاف بين المؤمنين، قول الله تعالى في وصف المؤمنين: )وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ(([9]).
- إنّ تأكيد تيار الوفاء الإسلامي على وحدة المصير ودعوته لوحدة صف المؤمنين وقوى المعارضة لم يكن بالأمر الجديد الذي ظهر بظهور الأزمة، وإنّما هو ملازم لمسيرة التيار منذ الانطلاقة الأولى، فقد ورد هذا في بيان الانطلاق، ولم يتوقف سعي التيار من أجل تحقيقه من ذلك الحين وحتى الآن.
- إننا في تيار الوفاء الإسلامي نقوم بواجب التكليف الإلهي، وسوف نمضي في أداء التكليف ما دام التكليف قائمًا، ولن نستجدي أحدًا، فالنصر هو من عند الله وحده لا شريك له، ونحن أغنياء بالله عن كل أحد سواه، ونؤمن بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله عز وجل لنا، والحساب والجزاء على الله جل جلاله في يوم القيامة، وهو يحكم بين العباد فيما اختلفوا فيه، وهذه إضاءة من عقيدة التوحيد، وليست من الغرور في شيء.
عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم
وقال: ليس لأحد الحق في أن يفرض آراءه ومواقفه على الآخرين، فلكل الحق في أن تكون له آراؤه ومواقفه، وللآخرين الحق في موافقته أو مخالفته، قول الله تعالى: )فَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ(([10]) وقول الله تعالى: )فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ` لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ(([11]).
وقال: على كلِّ شخص وعلى كلِّ طرف أن يهتم بتحديد تكليفه الشرعي ومسؤولياته الدينية والوطنية وفق منهجه وقناعاته الفكرية والسياسية والعملية، وأن يحملها كاملة غير منقوصة، وأن يترك للآخرين ممارسة حقّهم في تحديد تكليفهم الشرعي ومسؤولياتهم الدينية والوطنية وفق مناهجهم وقناعاتهم الفكرية والسياسية والعملية، وأن يحملوها كاملة غير منقوصة، وعليه أن يحب للآخرين ويرضى لهم ما يحبه لنفسه وما يرضاه لها، ويكره لهم ويأبى ما يكره لنفسه ويأبى، وألاّ يبخس أحدًا من الناس حقه، ولا يشغل نفسه بتحديد تكليف الآخرين ومسؤولياتهم نيابة عنهم، فهذا ليس من مسؤوليته ولا من واجباته بعد أن يخرج هو من عهدة واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حق لله عز وجل وللأخوة الإنسانية عليه، وليس من حق أحد أن يفرض آرائه ومواقفه على الآخرين بغير إرادتهم، وهو سلوك غير منتج، وفيه تضييع للوقت والجهد، وتضييع لبوصلة التوجه، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(([12]) وقول الرسول الأعظم الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): “ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنيا مؤثِّرة، وشحًّا مطاعًا، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك، وذر عوامهم”([13]) وفي الآية المباركة والحديث الشريفة تطمين للمؤمنين على سلامتهم، وأن سلوك غيرهم لن يضرهم بشيء إذا هم قاموا بما عليهم من الواجبات والمسؤوليات.
البعد الروحي والقيمي في تقييم المواقف
وحول الحراك الذي يسود الساحة، قال: هناك شيء يريحني كثيرا في ظل الأزمة الراهنة، وهو أن الناس انفتحت في الحوار وفي تقييم المواقف للأشخاص والأطراف على الحالة الروحية والقيمية، وهذا شيء في غاية الأهمية في المنهج الذي أؤمن به، فلم يسيطر عليهم الخوف، ولم تشغلهم المصالح المادية عن الله عز وجل والآخرة، وهذا يدخل ضمن الغايات الربانية للبلاء، قول الله تعالى: )فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(([14]).
وقال: أكبر آفة من شأنها أن تفسد روحية الإنسان وتقتل إنسانيته هي الغفلة، ولهذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “عباد الله!! زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، وتنفّسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ”([15]).
وقال: علينا أن نحذر من الشيطان الرجيم كثيرًا، فالشيطان خبير واسع الخبرة، وخبرته أطول من عمر الإنسان بكثير، وهو شديد الخبث والمكر والعداوة للإنسان، وله من أساليب الكيد والخداع الكثير، وقد نجح بخبرته الواسعة وخبثه الشديد في أن يخرج أبونا آدم وأمنا حواء ( عليهما السلام ) من الجنة، قول الله تعالى : )يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(([16]).
وقال: الشيطان عالم في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان وعلم الكلام، وفي الطب والهندسة وعلم النفس والإدارة والحرب والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وغيرها، وله أساليب خبيثة كثيرة في اصطياد الإنسان والوصول إلى عقله وقلبه وفرض السيطرة الشيطانية عليه، وهو بعلمه وخبرته يأتي لكل شخص بما يناسبه، فيأتي لعالم الدين بما يناسبه، وللعابد بما يناسبه، ويأتي للطبيب والمهندس بما يناسبهما، وللتاجر ورجل الأعمال بما يناسبهما، وقد يتوهم هذا المسكين الغافل بأن وساوس الشيطان وما أوحاه إليه، يمثل قناعة محضة خاصة به!!
وقال: لا سبيل للإنسان في مواجهة الشيطان الرجيم، إلا الاستعادة الصادقة بالله السميع العليم، وفرض الحراسة المشددة على أبواب قلبه، وتطهيره من الرجس والخطايا والذنوب لكيلا يدخله الشيطان الرجيم، ويبقى منزلا خالصا لله ذي الجلال والإكرام.
المشاركة في ظل الأوضاع الراهنة
وحول الانتخابات القادمة في أكتوبر من هذا العام 2010م، قال: كنّا في العام 2002م نقول عن المشاركة بأنها تعطي الشرعية السياسية لدستور المنحة، وترسخ الواقع الفاسد، وتعيق حركة الإصلاح، وقلنا قبل الهجمة القمعية الأخيرة ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ إنّ التجربة في الأعوام الثمانية السابقة قد أثبتت عدم جدوى المشاركة، وهذا ما هو رائج في الشارع السني أكثر من الشارع الشيعي، وكانت نسبة مشاركة الشارع الشيعي في انتخابات العام 2006م أكبر من نسبة مشاركة الشارع السني، والسبب هو عدم قناعة الشارع السني بجدوى المشاركة، في الوقت الذي طُرح خيار المشاركة في الشارع الشيعي بقوة، وأُسند إلى الدين، وأُدخلت أسماء المرجعيات الدينية العليا والرموز السياسية الكبيرة في الترويج إلى المشاركة، حتى وصلت القناعة لدى البعض بأنّ عدم المشاركة من الذنوب، وعاقبتها النار.
وقال: يوجد رأي شائع في وسط الشارع السني، يقول: بأنّ السنة لم يستفيدوا من المشاركة، وإنّ الذين استفادوا من المشاركة هم الشيعة، وسبب هذا الرأي: بأنّ البرلمانيين السنة لا يتكلمون كثيرًا عن إنجازات المشاركة، بينما يتكلم البرلمانيون الشيعة كثيرا عن إنجازات المشاركة ليواجهوا بذلك خيار المقاطعة المطروح في الشارع الشيعي كقرار سياسي مكين، ولكن الحقيقة: إنّ المشاركة لم تخدم الناس، وإنّ التجربة لم تتمكّن من تشكيل قناعة بها، ولكي نعرف حقيقة الانجازات التي يتكلم عنها المشاركون، علينا أن نعود للحقبة التي تمّ فيها تعطيل الحياة البرلمانية منذ أغسطس من العام 1975م وحتى أكتوبر من العام 2002م لنجد بأنّ الإنجازات التي يذكرها المشاركون لا تختلف عن الانجازات التي تحققت في تلك الحقبة، وفي ظل مجلس الشورى بعد تشكيله للهروب من مطالبة الشعب بعودة الحياة البرلمانية، حيث قدمت الحكومة خدمات الإسكان والتعليم والصحة ونحوها للمواطنين، فقد كان هناك نمو، ولم تتوقّف هذه الخدمات، وليس هذه هي الإنجازات التي يطمح إليها المواطنون من وراء الحياة البرلمانية، وما تنفقه الدولة على البرلمان الحالي هو ضياع لثروة الشعب ووضعها في غير محلها، وقد وصف البعض مكافأة النواب الضخمة بالرشوة الخسيسة.
وقال: واليوم في ظل الهجمة القمعية أضيف عامل آخر، وهو إنّ المشاركة تعني تطبيع ما هو غير طبيعي، وتشكّل غطاءً شعبيًا لانتهاكات السلطة القمعية.
وقال: طرح المشاركة كخيار استراتيجي يعلوا فوق الهجمة القمعية هو طرح غير صائب، وفيه تبدّل للتأسيس السابق للمشاركة على قاعدتي: دفع الضرر، وعدم التفريط في العمل البرلماني كأداة سياسية، ويدل هذا الطرح ـ بحسب رأيي ـ على خطأ في النظر وفي الحسابات السياسية، فلو فرضنا جدلاً بأنّ الاعتقال قد شمل سماحة الشيخ عيسى قاسم أو فضيلة الشيخ علي سلمان (حفظهما الله تعالى من كل سوء) هل ستقول الوفاق بأنّ المشاركة خيار استراتيجي وتذهب إلى صناديق الاقتراع رغم ذلك الاعتقال؟!
وأجاب: لا أعتقد بأنها سوف تذهب إلى المشاركة رغم ذلك الاعتقال، والذهاب إلى المشاركة في ظل الهجمة القمعية الأخيرة، يدل على إنّ الوفاق لا ترى بأنّ الهجمة القمعيّة وصلت إلى المستوى الذي يعطّل خيارها في المشاركة، وأرى في ذلك عدم إدراك إلى حقيقة هذه الهجمة القمعية وأبعادها، وعدم إدراك إلى وحدة المصير، وخطأ في الحسابات السياسية. فمصير الوفاق لا ينفصل عن مصير تيار الوفاء، ومصير سماحة الشيخ عيسى لا ينفصل عن مصير الشيخ المقداد، فإذا سقط تيار الوفاء الإسلامي ـ ولن يسقط بإذن الله تعالى ـ فسوف تحكم السلطة الخناق على جمعية الوفاق، وإذا نجحت السلطة في إسكات صوت سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد، فلن يستطيع سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم أن يتحدث بنفس الحرية التي يتحدث بها اليوم، فينبغي على الجميع أن يدركوا وحدة المصير بينهم، وأن يضعوا أيديهم يدًا بيد ليحافظوا على مكتسباتهم، ولن ينفعهم الندم إذا ابتلوا بالتفريط وضاعت منهم المكتسبات التي بذل الشعب من أجلها النفيس، وزهقت من أجلها أرواح الشهداء.
النار أعظم تهلكة للإنسان
وفي معرض الإجابة على سؤال عن التهلكة، قال: التهلكة تصيب الأمم التي تستكبر على الحق، وتكذب الرسل، وتعرض عن آيات الله عز وجل، وتملأ الأرض بالظلم والفساد، وليس من التهلكة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله عز وجل، وإنّما التهلكة في تعطيل هذه الفرائض، وإلا كانت الشهادة في سبيل الله قبيحة، وهذا ما يدلُّ عليه قول الله تعالى: )وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(([17]) حيث أمر الله تبارك وتعالى بالأنفاق من أجل الجهاد في سبيل الله عز وجل لكي يمنع الناس عن أنفسهم وعن مجتمعهم التهلكة بتعطيل فريضة الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولكن للأسف الشديد هناك فهم خاطئ جدًا للآية الشريفة المباركة، هو ضد معناها الواضح ومقاصدها الحقيقية.
وقال: من أعظم الجهاد في سبيل الله كلمة حق أمام سلطان جائر، وكل ما فيه إعزاز للدين والمؤمنين، ومن الجهاد في سبيل الله عز وجل المطالبة بالحقوق العامة المشروعة، والمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل: الإسكان والتعليم والصحة ونحوها، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “لنا حق فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الأبل وإن طال السري”([18]).
وقال: أعظم تهلكة للإنسان هي دخول النار، ومن أسباب دخول النار تعطيل فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، فالأولى بالإنسان أن ينقذ نفسه من نار جهنم، والدنيا بمجموعها لا تساوي أن يكون مصير الإنسان إلى النار ولو إلى ساعة واحدة.
وقال: التَقِيَّة شُرِّعت لحفظ النفس وحفظ الدين وسلامة المجتمع وصلاحه، وحفظ النفس يأتي في طول حفظ الدين وسلامة المجتمع وصلاحه، وليس في عرضهما، فلا تقية على حساب الدين وسلامة المجتمع وصلاحه، فلم تُشرَّع التقية لتفتح الباب على مصراعيه للفساد والظلم لكي يعما الأرض ويُذل عباد الله ببسط الظالمين أيديهم على العباد، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به، شركاء ثلاثة”([19]) فالسكوت يحثُّ الظالم على التمادي في ظلمه وطغيانه، وفي الأخلاق: الظلم قبيح، والقبول به قبيح أيضًا.
وقال: بلعم ابن باعوراء هو أحد الأمثلة للحالات التي يكون فيها العلم طريقًا إلى النار، وهذه الحالة يمكن أن يتكرّر ظهورها في المجتمعات طوال التاريخ، ولو كانت حالة فردية لا تقبل الظهور مكرّرًا في المجتمعات عبر التاريخ الطويل، لما ذكرت أصلاً في القرآن الكريم.
([4]) كمال الدين وتمام النعمة. التوقيع: 4. ص440.
([7]) الوسط، العدد 2941، السبت: 25/ سبتمبر/ 2010م ـ الموافق: 16/ شوال/ 1431هـ.