لقاء الثلاثاء (60) | 20-9-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

حينما تكون النعمة طريقًا إلى النار

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول النعمة، وقال: نِعَم الله الجواد الكريم (المادية والمعنوية) على عباده، هي في الأصل من أجل خير الإنسان وسعادته وطريقا إلى الجنة والرضوان، ولكن الإنسان قد يجعلها بسوء اختياره سببا إلى الشقاء وطريقًا إلى النار. وقال: لا يتسع المقام إلى التفصيل في هذا الموضوع الآن، ولكن سأتكلم بإيجاز حول ثلاث من النعم الأساسية، وهي: الهداية، والعلم، والرزق الواسع.

أولاً ـ الهداية: هداية الله سبحانه وتعالى العامة إلى عباده من خلال بعث الأنبياء (عليهم السلام) وإنزال الكتب السماوية، وهي من الواجبات التي فرضها الله تبارك وتعالى على نفسه لعباده، ومن مقتضيات الحكمة والرحمة والكمال، وهي السبيل إلى كمال الإنسان وسعادته وفوزه بالجنة والرضوان، ولا سبيل للإنسان إلى الكمال والسعادة والنجاة من النار ـ في الأصل والحالات الاعتيادية ـ والفوز بالجنة والرضوان سوى بالهداية الربانية، ولكن الهادية الربانية العامة للناس، قد تكون سببًا لشقاء البعض منهم، وذلك بسبب سوء اختيارهم. وقال: لكي تكون هذه المسألة واضحة للجميع ـ إن شاء الله تعالى ـ أشير إلى صنفين من الناس:

• صنف من الناس لم تبلغهم الرسالة ـ وهذه حالة استثنائية ـ وهؤلاء بمقتضى الرحمة الإلهية في مأمن من العذاب في يوم القيامة، وذلك لقاعدة قبح العقوبة بدون بيان، قول الله تعالى: )مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(([1]) مع التنبيه إلى اختلاف المفسّرين حول هذه المسألة، وتفريق العلماء بين المآخذة على الأصول التي يستقل العقل ببيانها، والفروع التي لا تتم الحجة فيها إلا ببيان الأنبياء ( عليهم السلام ) لها.

• وصنف من الناس بلغتهم الرسالة ولكنهم لم يستجيبوا لها، وخالفوها إلى غيرها، وهؤلاء يكونون عرضة للمآخذة والعقاب بسبب سوء اختيارهم، وتكون الرسالة في هذه الحالة سببًا لشقائهم ودخولهم النار ووقوعهم في العذاب، وقد جاء في الدعاء المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) قبل الدخول في صلاة الليل: “اللّهم ارحمني بهم (أي بمحمد وأهل بيته) ولا تعذّبني بهم، واهدني بهم ولا تضلّني بهم”([2]).

ثانيًا ـ العلم: العلم في الأصل سببٌ إلى الخير والنجاة من النار وطريقٌ إلى الكمال والسعادة والفوز بالجنة والرضوان، ولكن العلم قد يصبح سببًا إلى الشر وطريقًا إلى النار والشقاء في الآخرة، وذلك في بعض الحالات، منها:

(1) إذا اقترن العالم بالحسد: فيكون الحسد المقترن بالعلم سببًا إلى الشقاء، وطريقًا إلى النار والعذاب.

• كما كان إبليس (عليه اللعنة) حيث كان يعبد الله سبحانه وتعالى لآلاف السنين في صفوف الملائكة (عليهم السلام) وبسبب حسده إلى ولي الله آدم (عليه السلام) أصبح الشيطان الرجيم، وطرد من ساحة القدس، قول الله تعالى: )قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ` قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ` قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ` وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(([3]).

• وكما كان ابن باعوراء حيث كان من علماء بني إسرائيل في عهد نبي الله موسى (عليه السلام) وكان عالمًا مستجاب الدعوة، ولكن بسبب حسده لولي الله موسى بن عمران (عليه السلام) انسلخ من آيات الله، وأصبح من الأشقياء، قول الله تعالى: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ` وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(([4]).

(2) إذا اقترن العلم بالطمع: إنّ الظالمين والمستكبرين يطمعون في شراء ذمم العلماء ويستفيدون منهم أكثر من غيرهم، فإذا كان العلم لدى العالم مقترنًا بالطمع، فإنّه يبيع علمه ودينه وآخرته للظالمين والمستكبرين من أجل الرئاسة وحب الدنيا وزخارفها وزينتها، وقد يتورّط في آثام عظيمة لا يتورّط فيها غير العلماء، مثل شريح القاضي الذي أفتى بجواز قتل الإمام الحسين (عليه السلام) فكان العلم سببا لشقائه، وسبيلا إلى دخوله النار وبئس المصير.

(3) إذا اقترن العلم بالوهن والضعف: إنّ العديد من المسؤوليات الدينية والدنيوية تترتّب على العلماء أكثر من غيرهم، فإذا اقترن العلم لدى العالم بالوهن والضعف، فإنّ العالم يتخلّى عن واجباته الشرعيّة في الظروف الصعبة، وقد يُقحم الأمّة في خيارات خاطئة خطيرة تضرها في دينها ودنياها، ولهذا اشترط الفقهاء (رضوان الله عليهم) الشجاعة في الخلفاء والقيادات الدينية المتصدية للشأن العام، فمن لا يجد في نفسه الشجاعة لقبول التحدي واتّخاذ المواقف القوية الصائبة في الأوقات العصيبة، فعليه أن يبتعد عن التصدي للشأن العام حفاظًا على دينه وآخرته، وصيانة لمصالح العباد، فإذا لم يفعل، فإنّ علمه يكون وبالاً عليه، وسببًا إلى شقائه، قول الله تعالى: )فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(([5]) وقول الله تعالى: )وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(([6]). وقال: هناك حالات أخرى، مثل: الغرور، أترك الحديث عنها، وأكتفي بالحالات الثلاث المذكورة من أحوال العلماء.

ثالثًا ـ الرزق الواسع: الرزق الواسع من الله الكريم لعبد من عباده، هو في الأصل سببٌ إلى الخير والسعادة وسبيلٌ إلى الجنة والرضوان، ولكن بسبب سوء اختيار الإنسان، قد يصبح الرزق الواسع سببًا إلى الشر والشقاء وطريقًا إلى النار، وذلك في حال وظف الإنسان الرزق الواسع في مواقعة الذنوب والخطايا، فصاحب الرزق الواسع كما تنفتح له أبواب الخير والسعادة أكثر من غيره، تنفتح عليه أبواب الشر والشقاء أكثر من غير، فبالرزق الواسع يستطيع أن يسافر إلى بلدان العالم ويشتري الحسناوات والضمائر ويلهو أكثر من الفقير المحروم، فإذا فعل ذلك كان المال والرزق الواسع سببًا إلى شقائه، وطريقًا إلى النار وبئس المصير. والخلاصة: ينبغي على الإنسان أن يعرف نعم الله الواسع الكريم المادية والمعنوية عليه، وأن يشكرها ويؤدّي حقها عليه كما فرض الله سبحانه وتعالى وشرّع وهدى، لتكون سببًا إلى سعادته، وطريقًا إلى الجنّة والرضوان، وأن يحذر من توظيفها في غير مكانها فتكون سببًا إلى شقائه، وطريقًا إلى النار.

المعارضة البحرينية والإرهاب

وبخصوص علاقة المعارضة البحرينية بالإرهاب، قال: زَعِمت السلطة في البحرين بأنّها اكتشفت خليّة تعمل على تفخيخ السيارات من أجل تفجيرها في أماكن حساسة في البحرين، وقد اعتقلت شخصين بهذه التهمة، وزَعِمَت بأنّ سماحة الشيخ محمد حبيب المقداد، وفضيلة الأستاذ حسن المشيمع، هما من يقوم بالتمويل لهذه العمليات، وقد نصحتُ السلطة في مرّات عديدة سابقة بالتوقّف عن إخراج مثل هذه المسرحيات السخيفة، لأنّ الإرهاب وتفخيخ السيارات وقتل الأبرياء ليس من ثقافة المعارضة الدينية والوطنية، وهذه المسرحيات الأمنيّة المفبركة لن تحل مشاكل السلطة، ولن تخرجها من مأزقها، بل من شأنها أن تصعّب على السلطة الخروج من المأزق الأمني إلى الحل السياسي الواقعي العادل، وتزيد في معاناة المواطنين وأحزانهم وآلامهم البيولوجية والنفسية.

وقال: نحن لا نواجه السلطة بجيش ولا دبابات ولا رشاشات ونحوها، وإنما نحمل في عقولنا وضمائرنا القرآن الكريم، والكافي والبحار، والصحيفة السجادية ومفاتيح الجنان، والجواهر والحدائق، وتفسير الميزان وتفسير مواهب الرحمن، وتحرير الوسيلة والفتاوى الواضحة، ونحوها، ونواجه السلطة بما يولّده لدينا هذا التراث العظيم من نور وإيمان ووعي وإرادة صلبة، فنصمد في المواجهة وننتصر ـ بإذن الله تعالى ـ ونحصل على مطالبنا العادلة، وننجز أهدافنا المشروعة. وقال: الانتصار بهذه الأدوات المعنوية ثابت بالتجربة التاريخية، فقد فعل بنو أمية بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم الأفاعي الظالمة التي يندى لها جبين التاريخ والإنسانية، مثل: القتل، والسجن، والتعذيب داخل السجون، والملاحقات، والتشريد، ونحو هذا، وكل من عاش في ذلك الزمان ورأي ذلك البطش والظلم والجور والتضييق الشديد على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، ولم يحمل روح الإيمان الصحيح، فقد توهّم بقاء بنو أمية إلى الأبد، وقدرتهم على تصفية أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، إلا أن بنو أمية قد ذهبوا جميعًا إلى ربهم مرتهنين بأعمالهم، وبقي أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم. ثمّ جاء بنو العباس وفعلوا بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم أسوء مما فعله بنو أمية، ثمّ ذهب بنو العباس مرتهنين بأعمالهم وبقي أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم. وقال: أنا على يقين بحقيقتين:

(1): إنّ آل خليفة لن يبقوا إلى الأبد في السلطة، وهذه حقيقة قطعيّة يسلّم بها جميع العقلاء من آل خليفة وغيرهم.

(2): ظهور القائم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهذه حقيقة يجمع عليها المسلمون والأديان السماوية، وتعيشها البشرية قاطبة بفطرتها وسلامة وجدانها، ونحن والحمد لله رب العالمين نسير على خطه ومنهجه في الحياة، ونحمل قضيته وأهدافه، ولن يصيبنا اليأس والقنوط مهما جلّت الخطوب وعظمت الرزايا، وظهوره المبارك، يعني ضرورة بقائنا، وضرورة انتصارنا.

وقال: أريد أن أبعث برسالتين:

الرسالة (أ) لحكّام آل خليفة كأفراد: إنّكم إذا عملتم على بقاء الحكم لآل خليفة من خلال البطش والظلم الجور، فاعلموا بأنّ الحكم يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم، ثم إنّكم ميّتون ومبعوثون للحساب والجزاء في يوم القيامة، وعاقبة الظلم والجور النار، ولن ينفعكم بقاء حكم آل خليفة شيئًا إذا كان مصيركم إلى النار، فاعملوا من أجل مرضاة الله عز وجل والجنة، قبل أن تعملوا من أجل بقاء حكم آل خليفة، واحرصوا في حكمكم على نشر الحق وإقامة العدل، واحذروا من عاقبة الظلم والجور.

الرسالة (ب) لحكام آل خليفة كمجموع: أنتم تكتبون صفحات تاريخكم بأنفسكم.

• فإذا حكمتم بالعدل بين الناس، فإن صفحات تاريخكم ستكون بيضاء نيرة، وتكونوا مكان المدح والثناء من التاريخ والمؤرخين وسائر الناس.

• وإذا حكمتم بالظلم والجور فإن صفحات تاريخكم ستكون سوداء مظلمة، وتكونوا لعنة التاريخ والمؤرخين والملائكة والناس أجمعين. وقال: لقد انتهى الزمن الذي يستطيع فيه الحكام إسكات الأصوات الحرة، وإخفاء الحقائق، وتزوير التاريخ، فكل شيء في هذه الأيام يسجل ويوثق من حينه، وتصل المعلومات من أقصى الدنيا إلى أقصاها، فاختاروا كيف تكتبون صفحات تاريخكم.

معنويات المعتقلين تحت التعذيب في سجون السلطة

نقل المحامون عن فضيلة الشيخ عبد الهادي المخوضر أنه قال للمحق في النيابة العامة: لقد تعرضت للتعذيب لمدة (90: ساعة) وأنا أرى بأنّ دستور 2002 غير شرعي، ونحن نطالب بديمقراطية صحيحة، وهذا رأيي ولن أغيره حتى أموت.

وقال: البعض تجاهل هذه المقولة التي هي شرف للمناضلين ولم ينقلها عن لسان المحامين، وحرص البعض على تداول القول بأنّ المعتقلين مرعوبين، ومعنويات بعضهم منهارة، بهدف النيل من المعتقلين، والتأثير السلبي على معنويات أسرّهم وسائر المواطنين، ونقول لهؤلاء: إذا صحَّ ما تقولونه عن المعتقلين الشرفاء، فلا تثريب على المعتقلين رغم ذلك، فهم بشر، وقد أدّوا ما عليهم بحسب وسعهم وطاقتهم، والتثريب إنّما هو على الذين لم يقولوا كلمة الحق، ولم ينصروا المظلومين والمستضعفين، وتكفينا شهادة القرآن وشهادة الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقهم، فحينما تعرض عمار بن ياسر (رضي الله تعالى عنه) للتعذيب من قبل قريش، أعطاهم بلسانه ما أردوا، حيث سب الرسول الأعظم الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذكر آلهتهم بخير، فقال قوم: كفر عمار، فلما أُطلق سراح عمار بن ياسر ذهب إلى الرسول الأعظم الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حزينًا يبكي، فشمله بلطفه وحنانه، وجعل يمسح دموع عينيه بيده الكريمة، وقال له: كيف تجد قلبك؟ قال عمار: مطمئنًا بالإيمان، فقال له: “إن عادوا لك فعد لهم بما قلت” وأنزل الله تبارك وتعالى قرآنا في هذه الحادثة، قول الله تعالى: )إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ` مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(([7]) فلا تثريب على من أكره على قول كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، وقد روي عن الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: “رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا”([8]).

وقال: ربما يكون التعذيب الذي تعرض له معتقلونا الشرفاء هو أعظم من التعذيب الذي تعرض له عمار بن ياسر ومن كان معه من الصحابة الأجلاء في تلك الحادثة، فإنّ أساليب قريش في التعذيب كانت بدائية، وأساليب السلطة البحرينية في التعذيب ممنهجة، وبوسائل حديثة متطوّرة، هي آخر ما انتجته عقليات شياطين الإنس في هذا المجال، وقد استوردتها السلطة من جميع أنحاء العالم.

سحب جنسيّة سماحة الشيخ النجاتي وعائلته

وبخصوص سحب جنسية سماحة الشيخ النجاتي وعائلته، قال: سماحة الشيخ حسين النجاتي من مواليد مدينة المحرق، وعائلته تسكن البحرين لأكثر من قرن ونصف، وهو مفخرة علميّة للبحرين وأهلها، وله دور حضاري ووطني بارز على الساحة الوطنيّة، فقد أسّس حوزة النور النسائية للعلوم الدينية، ومجلة الحكمة، ويقدّم الدعم والمساندة للعديد من الأنشطة الاجتماعية، مثل: رعاية الأيتام والفقراء، وهو مستحق للجنسية بحسب القانون، وقد طالبت المعارضة السلطة من زمن بعيد بحل مشكلة البدون وإعطائهم الجنسية البحرينية، لأسباب إنسانية، ولأنهم يستحقونها.

وقال: سحب جنسيّة سماحة الشيخ حسين النجاتي وجنسيّات عائلته في الوقت الذي تعطى الجنسيّة البحرينية بشكل واسع يخرج عن دائرة المعقول لكل من هب ودب من غير المستحقّين لأسباب سياسيّة ذات بعد طائفي بغيض، وجلّهم من الأميين، ولهم ثقافات وعادات وتقاليد مخالفة لثقافة وعادات وتقاليد أهل البحرين، ولا يتكلّمون بلغة أهلها، مما خلف العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية والثقافية، وحمل المعارضة بجميع أطيافها على رفض التجنيس السياسي ومقاومته، وهذا يكشف في الواقع عن حقيقة التجنيس السياسي الممنهج وأبعاده، ويدل على أن سحب جنسيّة سماحة الشيخ حسين النجاتي جاء بدوافع سياسية، ولتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية، منها:

(1): تخويف شريحة واسعة من المواطنين البحرينيين، وهم المواطنون من أصل إيراني، بهدف إبعادهم عن الشريحة الأوسع وهم المواطنين العرب، وتعطيل دورهم المعارض للسلطة، والذي يصب في المصلحة الوطنية المشتركة، وهذا يدخل ضمن سياسة التشطير التي تتبعها السلطة للمواطنين على أسس طائفية وعرقية في سبيل إضعافهم وفرض سيطرتها التامة عليهم.

(2): إنّ ما يتمتّع به سماحة الشيخ حسين النجاتي من مستوى علمي كبير، وثقة كبيرة لدى المرجعيات الدينية العليا للطائفة الشيعية، مما يُجعل له ثقل كبير ومستقبل على مستوى الزعامة الحوزوية، بالإضافة إلى ما يتحلّى به من واقعيّة في التفكير والعمل، مما يجعل منه داعمًا للمعارضة في مشاريعها الوطنية الصادقة، وهذا من شأنه أن يخلق قلقًا شديدًا للسلطة نحوه يحملها على السعي للتخلص منه قبل استفحال أمره، وفرض نفسه عليها كأمر واقع.

(3): إنّ سماحة الشيخ حسين النجاتي هو أحد ستّة من كبار علماء البحرين تعوّدوا على إصدار بيانات مشتركة حول القضايا المهمة على الساحة الوطنية، وقد أصدروا بيانًا مشتركًا حول الهجمة القمعية الأخيرة للسلطة على المعارضة دعوا فيه السلطة إلى الحوار وإطلاق سراح المعتقلين، وقد أغضب البيان السلطة، مما دفعها إلى تكليف ما يسمى بالمجلس الإسلامي الأعلى بإصدار بيان للرد على بيان العلماء الستة.

وسحب جنسية سماحة الشيخ حسين النجاتي (أيده الله تعالى) هو في الحقيقة من باب التخويف لهؤلاء العلماء للضغط عليهم في سبيل تخفيض سقف خطابهم ومطالبهم، ورفع أيديهم عن القضايا الوطنية، وإلا فإن سيف الجنسية سيجري على آخرين منهم، مثل: سماحة الشيخ الربيعي، وعلى آخرين قريبين منهم. تطورات قمع حرية الرأي والتعبير. وبخصوص قمع حرية الرأي والتعبير، قال : لقد سمعنا عن توقيف سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد عن الخطابة لمدّة أسبوعين، والإساءة الكبيرة لسماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم في جريدة الوطن على خلفية خطبته ليوم الجمعة، وتوقيف نشرة الوفاق ونشرة وعد عن الصدور، وإنذار جمعية أمل بخصوص نشرتها، وهذا يدلُّ بكل وضوح على أبعاد الهجمة القمعيّة، وأنّها لا تهدف إلى القضاء على حركة الشارع الاحتجاجية ـ كما زعمت السلطة ـ وإنّما القضاء على حرية التعبير والتنظيم وتهميش دور المعارضة على الساحة الوطنية، وقد تحدثت فيما سبق عن أهداف السلطة في قمع القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، وفي هذه الليلة سوف اقتصر على بيان الأهداف التي ترمي إليها السلطة وراء قمع الجمعيات السياسية التي تعمل ضمن الأطر الرسمية، وهي ثلاثة أهداف رئيسية:

(1): كسر حالة التضامن بين هذه الأطراف وبين القوى السياسية والمؤسسات الحقوقية التي تعمل خارج الأطر الرسمية والتي تعرضت بعض كوادرها ومؤيديها للاعتقال والتعذيب والتشهير، حيث كانت السلطة تعول على موجة التخويف التي خلقتها، وعلى الاستحقاق الانتخابي لكسب القوى السياسية المعارضة التي تعمل ضمن الأطر الرسمية إلى صفها ووقوفهم ضد زملائهم في التنظيمات والمؤسسات التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، والتي تتعرض بعض كوادرها ومؤيديها للاعتقال والتعذيب والتشهير والإساءة، ولكن السلطة تفاجأت بالمواقف التضامنية المشرفة من المجلس العلمائي، وجمعية الوفاق، وجمعية وعد، وجمعية أمل، مما وحّد الجماهير، وأعاق حالة الاستهداف للقوى والمؤسسات التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، فغضبت السلطة عليهم، وغضب الموالون لها، وصبوا جميعا جام غضبهم عليهم من أجل كسر حالة التضامن هذه، لكي تواصل السلطة عملها في استهداف التنظيمات والمؤسسات التي تعمل خارج الأطر الرسمية وباقي كوادرها.

(2): تخويف هذه الأطراف من أجل تخفيض سقف خطابهم، فلا يصرحوا بقناعتهم بعدم شرعية دستور المنحة كما حصل في المؤتمر العام لجمعية الوفاق، ولا يتعرضوا إلى أحوال وأوضاع ومخالفات القائمين على السلطة كما تفعل جمعية الوفاق وجمعية وعد وجمعية أمل في نشراتهم.

(3): تخويف هذه الأطراف لكي يكفّوا عن طرح الملفات الحساسة وملاحقتها، مثل: ملف أملاك الدولة، وملف التجنيس، والفساد المالي والأخلاقي، سواء في البرلمان أم خارجه.

وقال: الدرس البليغ الذي يجب أن تتعلمه جميع رموز وأطراف المعارضة من هذه الهجمة القمعية، إنّ مصيرهم واحد، وأن يتصرفوا بناءً على هذا الأساس.

• فلا ينفصل مصير سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم، وسماحة السيد عبد الله الغريفي، عن مصير سماحة الشيخ المقداد، وسماحة الشيخ النجاتي.

• ولا ينفصل مصير جمعية الوفاق وجمعية وعد وجمعية أمل، عن مصير تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق وحركة أحرار البحرين.

وقال: مالم يتصرّفوا على هذا الأساس ويبنوا عليه مواقفهم، فسوف تتمكّن السلطة منهم جميعًا، وتفرض إرادتها المطلقة عليهم.

وقال: وهذا يتطلّب منهم أن يجلسوا مع بعضهم، ويتحرّكوا معًا ضمن خطّة عمل مشتركة بينهم، وإنّ تيار الوفاء الإسلامي يتبنّى هذا الرأي، ويدعو إليه، وسوف يتحرّك مع كافّة قوى المعارضة من أجل وضعه موضع التطبيق إن شاء الله تعالى.

الموقف من الانتخابات القادمة

وبخصوص الانتخابات، قال: ليست هذه أجواء انتخابات، وقرار التأجيل لا زال ممكنًا ـ بحسب تقديري ـ وهنا أرغب في التنبيه إلى بعض المسائل المهمة:

(1): إنّ الاستهداف لقوى المعارضة لم يصل بعد إلى مداه النهائي، وأن السلطة سوف تواصل عملية الاستهداف لقوى المعارضة بجميع أطيافها (من يعمل من داخل الأطر الرسمية، ومن يعمل من خارجها) ولكن هذا لا يدلُّ على قوّة السلطة، وإنّما يدلُّ على حاجتها إلى الحل السياسي، وإعادة توزيع الأوراق من جديد، فهي تدرك بأنّ مشروعها قد انتهى ولم يعد موجودًا على أرض الواقع، وهي تسعى إلى إنهاك قوى المعارضة من أجل تقليل خسائر السلطة في الحلِّ السياسي القادم، وإعادة توزيع الأوراق، ويجب على المعارضة أن تدرك ذلك، وألاّ تخاف ولا تستعجل، وألاّ تقبل بأقلَّ من الحلِّ السياسي الواقعي العادل، الذي ينصف الشعب، ويحقّق مطالبه العادلة، ويوفِّر الأرضيّة للاستقرار الأمني والسياسي الدائم، ويضع حدًّا لمسلسل الأزمات والفبركات الأمنيّة والمعاناة الكارثية للمواطنين، ويلبّي طموحاتهم إلى العزّة والكرامة والحياة الطيّبة والازدهار.

(2): إن أمام السلطة خياران:

• خيار تأجيل الانتخابات: وفي هذه الحالة سوف تُعجِّل السلطة في تصفية الحساب مع قوى المعارضة، وقد تشمل تصفية الحساب مواقف صعبة، مثل: حل المجلس العلمائي ـ وربما بعض الجمعيات السياسية ـ واعتقال بعض رموز المعارضة الأساسية، وسحب الجنسية عن عدد من الشخصيات البارزة، وفرض المزيد من الحصار على الخطاب الديني، وجمع التبرعات للأعمال الخيرية من خلال الصناديق الخيرية وغيرها، ونحو ذلك.

• خيار إجراء الانتخابات في وقتها: وفي هذه الحالة سوف تلجأ السلطة إلى تخفيف الهجمة القمعية بالمقدار الذي يسمح بإجراء الانتخابات في وقتها، ثم تلجأ إلى التصعيد وتصفية الحساب مع المعارضة بعد الانتخابات مستظلة بشرعية البرلمان، وربما تورط البرلمان في اتّخاذ بعض الخطوات ضد المواطنين الأبرياء، وهنا تكمن خطورة المشاركة، فإن ورائها تقع المسؤولية عن الإطاحة برؤوس كبيرة، وتمهيد الطريق إلى جرائم شنيعة.

(3): من أفضل الردود على السلطة وإرباكها في هذه الظروف هو انسحاب قوى المعارضة من الانتخابات، فقوى المعارضة مستهدفة بالمشاركة وبدونها، ومن الخطأ النظر لاتّخاذ الموقف إلى عدد المعتقلين فحسب والاستهانة به ـ كما يفعل البعض ـ وإنّما يجب النظر إلى أبعاد الهجمة القمعية ـ وقد ظهرت خيوطها للكثير ممن كان يجهلها ـ والتمسّك بالموقف القيمي والشرعي في نصرة المظلومين، قول الإمام السجاد (عليه السلام): “اللّهم إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره”.

وقال: الانسحاب من الانتخابات، وإن كان من شأنه زيادة جرعة الاستهداف ضد قوى المعارضة التي تعمل حاليًا ضمن الأطر الرسمية، إلا أنه يسحب الغطاء الشرعي عن جرائم السلطة، ويساهم في إعادة توزيع الأوراق بشكل أفضل لصالح المعارضة، مع التنبيه إلى توجّه السلطة إلى تقليص عدد مقاعد جمعية الوفاق في المجلس، وهذا يتوقّف على إرادة السلطة التي تمتلك مفاتيح التحكم في نتائج التصويت من خلال أصوات المجنسين الذين يسكنون خارج الحدود والعسكريين والصناديق العامة وغيرها، وليس على إقبال جمهور الوفاق على صناديق الاقتراع، وهناك قلق شديد لدى الأطراف المهتمة بالعملية الانتخابية من حجم هذا التقليص.

(4): يجب أن نميّز بين حالتين في الموقف من الانتخابات:

الحالة (أ): في الوضع السابق قبل الهجمة القمعية على المعارضة، وكان البحث يدور حول الخيار الأفضل للمعارضة، هل هو المشاركة، أو المقاطعة، أم المزاوجة والتكامل.

الحالة (ب): في الوضع الحالي في ظل الهجمة القمعية، وهنا دخلت في البحث دلالة المشاركة المعنوية في ظل الأوضاع القائمة.

• وأرى بأنّ المشاركة في ظلِّ هذه الأوضاع الشاذّة تعني تطبيع الوضع غير طبيعي وإعطائه صفة المقبولية، والإيحاء بأنّ خيار المشاركة هو خيار استراتيجي لا يقبل التأثر بهذا المستوى من جرائم السلطة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وهذا تأسيس جديد غير التأسيس السابق المبني على قاعدتي: دفع الضرر، وعدم التفريط في العمل البرلماني كأداة في العمل السياسي، وهو تأسيس مخالف للواقع ولنتائج التجربة.

• وأرى بأنّ الذهاب إلى صناديق الاقتراع في ظل هذه الأوضاع الشاذة والقاسية، هو مما يفسد الروحية الطاهرة والوجدان السليم للإنسان، مع التأكيد على أن هذا مجرد رأي، يمكن أن يُقبل أو يُرفض ويرد.

التضامن مع عوائل المعتقلين

وبخصوص التضامن مع عوائل المعتقلين، قال: زارني عدد من الأشخاص (نساء ورجالاً) من مناطق مختلفة، وكانوا يحملون مشكورين مبالغ لمساعدة عوائل المعتقلين، ولم أستلم المبالغ رغم إيماني العميق بشرف التصدي لتوصيل هذه المساعدات إلى مستحقيها، والثواب العظيم من عند الله تبارك وتعالى لهذا العمل الإنساني والوطني النبيل، والسبب أنّني أرى ضرورة إبعاد تقديم المساعدات لعوائل المعتقلين عن التجاذبات الحزبية، فلا يحسب هذا العمل على طرف سياسي فينكفئ غيره عنه، وأوصي بتشكيل لجنة في كل منطقة تتصدى لمتابعة أحوال عوائل المعتقلين، وجمع التبرعات وتقديم المساعدات المطلوبة إليهم، وتمنع بعض السيئين من استغلال الفوضى في جمع التبرعات لوضع اليد على ما تستطيع الحصول عليه، وعلى هذه اللجان التواصل بشأن عملها مع كافّة القوى السياسية والمؤسسات الحقوقية، والتنسيق معها، وإنّ تيار الوفاء الإسلامي سوف يقوم ـ إن شاء الله تعالى ـ بواجباته نحو كافة المعتقلين وعوائلهم.


([1]) الإسراء: 15.

([2]) مفتاح الفلاح. ص259.

([3]) الحجر: 32 ـ 35.

([4]) الأعراف: 175 – 176.

([5]) محمد: 35.

 ([6])آل عمران: 139.

([7]) النحل: 105 – 106.

([8]) تفسير العيّاشي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى