لقاء الثلاثاء (58) | 23-8-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

زيارة وفد المجلس العلمائي لمجلس الأستاذ

حضر مجلس الأستاذ لهذا الأسبوع وفدٌ كريمٌ من المجلس العلمائي مؤلّف من رئيس المجلس سماحة السيد مجيد المشعل، ونائبه سماحة السيد محسن الغريفي، وسماحة السيد هاني المعلم، وسماحة الشيخ فاضل الزاكي، وذلك في سياق الزيارات الرمضانية، وللتضامن مع تيار الوفاء الإسلامي والمعتقلين المظلومين في ظل التصعيد الأمني للسلطة ضد التيار واعتقال بعض رموزه، تجسيدًا منهم للأخوّة الإيمانية، وتأكيدًا منهم على وحدة المصير بين المؤمنين جميعًا، حيث ساهم التصعيد الأمني ضد المعارضة في رفع مستوى التفهم والتقارب بين المؤمنين ورص صفوفهم، وقد انعكس ذلك في خطاباتهم ومواقفهم وعلاقاتهم، بخلاف ما ترغب فيه السلطة، وما كانت ترمي إليه وراء تصعيدها الأمني ضد بعض قوى المعارضة.

المشعل: لا نتّجه لتسجيل العلمائي

وقد ألقى سماحة السيد مجيد المشعل رئيس المجلس كلمة قصيرة، وفي الردِّ على تصريحات وزير الداخلية الداعية إلى تسجيل الجهات غير المرخصة ـ والتي تشمل بالطبع المجلس العلمائي ـ قال: للمجلس العلمائي استراتيجيته، ومن غير الوارد أن يتّجه المجلس العلمائي نحو التسجيل، فللمجلس العديد من الوظائف الشرعية، وهو يمارس هذه الوظائف بدافع التكليف الشرعي، ولسنا بحاجة إلى إجازة من أحد لممارستها. كما أننا نتحرك وفق أطر شرعية منضبطة، كما قال الإمام الحسين (عليه السلام): “إنّي لم أخرج أشِرًا لا بَطِرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن أمر المعروف وأنهى عن المنكر” فنحن أكثر النّاس حرصًا على الأمن والنظام والحقوق والمصالح الوطنية، ولسنا بحاجة إلى دروس في الالتزام.

وقال: سنبقى على هذا الطريق، وإذا تطورت الأمور ووصلت إلى مستويات أعلى، فلكل حادث حديث، ونحن نأمل ألا تتوجّه الحكومة إلى التصعيد في مضايقة الناس في حقوقهم ومعتقداتهم، ونأمل أن يتم إطلاق سراح المعتقلين.

وقال: نعتقد بأنّ شيئًا من الحكمة كفيل بأنّ يؤدي إلى استتباب الأمور، والوصول إلى مستويات متقدمة من التفاهم مع الشعب.

التفكّر مخ العبادة

وقد بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري لهذا الأسبوع في مجلسه بالإجابة على سؤال حول التفكر، وقال: التفكر أفضل العبادة وهو مخ العبادة، وهو حياة قلب البصير، وعبادة المخلصين، ولكي تؤدي العبادات وظائفها التربوية، مثل: أن تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وأن يثمر الصيام التقوى، لابدّ أن يصاحبها التفكر، وبدون التفكير لا يمكن أن تؤدي العبادات وظائفها التربوية.

وقال: تعتبر المعرفة ـ أي معرفة الله ذي الجلال والإكرام ـ غاية جميع العبادات، مثل: الصلاة والصيام والحج وغيرها، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) “أوّل العبادة المعرفة به”([1]).

وقال: المعرفة التي هي غاية العبادة تؤدي بالضرورة إلى الاستقامة، قول الله تعالى: )فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(([2]) وقول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “التفكر يدعو إلى البر والعمل به”([3]) وكلما كانت المعرفة أكثير يقينًا وعمقًا، كانت الاستقامة أثبت وأشمل.

وقال: العارف الحقيقي لا يمكن أن يُؤثِر الحياة الدنيا على الآخرة، ولا يمكن أن يخضع للترهيب، قول الله تعالى: )الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(([4]) ولا يمكن أن يخضع للترغيب، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته”([5]).

وقال: الإنسان الذي يعرف الله ذي الجلال والإكرام، وتتحقّق له الاستقامة، تكون الحياة كلها لديه ساحة عمل وجهاد، قول الله تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(([6]) فهو لا يكتفي بأداء الطقوس العبادية، مثل : الصلاة والصيام والحج، بل تتحوّل حياته كلّها إلى ساحة طاعة وعمل وجهاد في سبيل الله عزّ وجل.

وقال: المعصية إما أن تكون نتيجة الجهل أو الغفلة أو العناد ـ كما كان إبليس ـ فمعصية إبليس لم تكن بسبب الجهل أو الغفلة، ولكن كانت ولا تزال بسبب العناد، وهذا حال بعض البشر، قول الله تعالى: )إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(([7]) ولكن الإنسان السوي، إذا حصلت له المعرفة، حصلت له الاستقامة، وكلّما كانت المعرفة أكثر يقينًا، كلما كانت الاستقامة أكثر ثباتًا وشمولاً.

الإنسان هو أكثر من يلحق الضرر بنفسه

وقال: لا أحد يستطيع أن يلحق ضررًا بأحد أكثر مما يلحق هو من الضرر بنفسه، فالطاعة والمعصية هي بيد الإنسان نفسه، ولا يستطيع أحد أن يفرض عليه المعصية، والطاعة ترفعه عند الله العزيز الحميد وتدخله الجنة، والمعصية تحطه عند الله جل جلاله وتدخله النار، ولا ضرر يلحق بالإنسان أكثر من سخط الله عز وجل والنار، والإنسان هو من يختار طريق سخط الله عز وجل والنار لنفسه بإرادته، وهو أكبر من أي ضرر يلحق أي ظالم أو متجبر بالإنسان.

وقال: كل ضرر يلحق بالإنسان في الدنيا بسبب أحد من الخلق، فهو دون سخط الله عز وجل والنار، وهذا مما يصبر الإنسان على الأذى في سبيل الله جل جلاله، ويعصمه من أن يكون ضحية الإغراء والترهيب.

وقال: كلُّ من يسير في طريق المعصية هو لم يعرف الله ذي الجلال والإكرام، ولم يعرف نفسه، فإن الله جل جلاله خلق الإنسان من الطين (الماء والتراب) ـ والحديث ليس عن أبينا آدم وأمنا حواء (عليهما السلام) وإنّما عنّي وعنك ـ فأنا وأنت مخلوقون من الماء والتراب (الطين) بدليل أننا نتغذى على النبات واللحوم، حيث إنّ كل بذرة من بذور النبات هي مصنع رباني لتحويل الماء والتراب إلى نبات، فبذرة التفاح تحول الماء والتراب إلى تفاح، وبذرة البرتقال تحول الماء والتراب إلى برتقال، وبذرة الرمان تحول الماء والتراب إلى رمان، وبذرة العنب تحول الماء والتراب إلى عنب، وبذرة البطيخ تحول الماء والتراب إلى بطيخ، وهكذا جميع النباتات على اختلاف أنواعها وأشكالها وألوانها، قول الله تعالى: )وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(([8]) ونحن نأكل النباتات التي تتحوّل إلى دم يُغذِّي جميع خلايا الجسم. واللحوم التي نأكلها أيضًا مخلوقة من تراب لأنّ الحيوانات التي نأكل لحمها تتغذّى على النبات، والنطفة والبويضة التي خلقنا منهما بشكل مباشر، مخلوقتان من الماء والتراب، وحينما يموت الإنسان فإنّه يتحلّل ويعود الى أصله وهو التراب.

وقال: انظروا إلى العقول والمشاعر الإنسانية عبر الأجيال المتعاقبة واختلاف المناطق، فإنّها تدل على نظام واحد، فأيُّ عظمة هذه التي تحوّل التراب إلى كائن عظيم كالإنسان.

وقال: إنّ النظام كما يدل على المبدأ فإنه يدل قطعًا على المعاد، فهل يليق بالإنسان الذي يعرف حقيقة نفسه، ويعرف مبدأه ومعاده، ويعرف هذا الرب العزيز الحميد أن يعانده ويسير على غير هداه؟!

وقال: الحقيقة الأكيدة التي لا لبس فيها ولا شك، ألاّ راحة ولا سعادة حقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة إلا بالسير على هدى الرب العزيز الحميد.

الصيام والنصر

وقال: الشخص الذي يصوم قربة لله تبارك وتعالى، فإنّ الصيام يولِّد لديه الصدق والإخلاص، لأنّ الصيام كفٌّ عن المفطِّرات لا يراه الناس ولا يسمعونه، فلا يعلم الصيام إلا الله سبحانه وتعالى، خلافًا للصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها، فإنها أفعال يراها الناس بأبصارهم ويسمعونها بآذانهم، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: “الصيام لي وأنا أجزي به”.

والصيام يعطي الإنسان صفاء النفس، وطهارة القلب، وشفافية الروح، والإرادة، والقوة المعنوية، والثبات، والتضحية في ذات الله جل جلاله، وهذه كلها من عوامل النصر الإلهي، والنصر لا يأتي حقيقة وواقعًا إلا من عند الله عز وجل، قول الله تعالى: )إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(([9]) والنصر الإلهي لا يتحصل بالأسباب المادية، وإنما بالصدق والإخلاص ونحوهما، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(([10]) فالانتصارات التي يعطيها الله إلى المؤمنين ليست بسبب العوامل المادية، ولكن بسبب الصفاء والصدق والإخلاص لله ذي الجلال والإكرام في النية، وعمل الصالحات، وما يعود بالخير والنفع الحقيقي على العباد، مع عدم إهمال العوامل المادية، قول الله تعالى: )وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(([11]).

جهاز الأمن الوطني أعمى منذ الولادة

وبخصوص الضربة الأمنية الأخيرة وخارطة الاعتقالات، قال: جهاز المخابرات الذي يسمى بجهاز الأمن الوطني، هو جهاز أعمى منذ الولادة، فالصور التي في ذهنه عن الشعب وعن المعارضة هي صور مشوّهة وغير واقعية، وكان هذا الجهاز في البداية أسير قوة استعمارية وهي بريطانيا، واليوم هو أسير سلطة مستبدة وطائفية.

وقال: خارطة الاعتقالات لا تدلُّ أبدًا على أن لدى جهاز المخابرات معلومات تدل على وجود شبكة فعلية، وأنه يتحرى الواقع، فالشبكة غير موجودة أصلاً، وخارطة الاعتقالات تدل على أنه يريد تركيب صورة لشبكة منسوجة من الخيال، والمعلومات التي يتكلم عنها هي معلومات مختلقة لا أساس لها بالمرة، فلديه سيناريو مرسوم من الخيال، وهو يعتقل ضحايا لتركيب الصورة حسب هذا السيناريو المرسوم من الخيال المريض، وهو سيناريو أسخف من سيناريو مسرحية الحجيرة.

وبخصوص الخلايا النائمة، قال: قام جهاز المخابرات بتسريب معلومات مختلقة عن خلايا نائمة في الخليج في ظلِّ الأخبار عن توقعات بضربة صهيونية إلى ايران، وقد أرادت السلطة الاستفادة من التوتر الإقليمي لتوريط دول المنطقة في جريمتها ضد أبناء الشعب الأبرياء، وذلك في ظل شعورها بالضعف والعجز عن الاستمرار في الحل الأمني بمفردها رغم كل ما جمعته من جحافل المرتزقة وما استخدمته من أصناف العنف والإرهاب والاستخدام المفرط للقوة، فلما تلاشت الأخبار عن توقع الضربة الصهيونية لإيران، تراجعت السلطة عن مزاعمها، ونفت ـ والحمد لله ـ وجود صلة بين الشبكة المزعومة والجمهورية الإسلامية في إيران، وقالت: هناك اتفاقية أمنية مع ايران.

وقال: إذا كانت السلطة غير مسؤولة عن التسريبات بشأن الخلايا النائمة، فعليها أن تحاكم الصحف التي ادّعت هذه التسريبات ونشرتها رغم كل ما تحمله من خطورة على الأمن الوطني للبحرين والأمن الإقليمي للمنطقة برمتها، وتشويه صورة أناس أبرياء من شعب دولة شقيقة.

الحل الأمني لا أفق له

وقال: ذكرت في مرات عديدة سابقة الدور المخابراتي في استهداف تيار الوفاء الإسلامي، ولم يكن ذلك الدور واضحًا للكثيرين آنذاك، وقد صنّف البعض كلامي في دائرة المبالغة، والكلام الذي لا دليل عليه، وقد أصبح هذا الدور في غاية الوضوح والإثبات في الوقت الحاضر، وقد قلت أيضًا: إن الحل الأمني لا أفق له، ولن يوصل السلطة إلى النتيجة التي تريدها وترغب فيها، فالسلطة في مأزق حقيقي، ولن تستطيع الخرج من مأزقها إلا بالحل سياسي، وقلت: نفسنا أطول من نفس السلطة، وإرادتنا أقوى من إرادة السلطة، والسلطة في مأزق ولا مخرج لها من مأزقها إلا بالحل السياسي العادل، وقلت: كلما توغّلت السلطة أكثر في الحل الأمني، كلما خسرت أكثر، فمرحبًا بالاعتقالات، فنحن لا نخاف من الاعتقال، وبالنا غير مشغول بالاعتقالات، وإنّما هو مشغول بالحلِّ السياسي، وتحقيق مطالب الشعب العادلة.

وقال: ما تقوم به السلطة من اعتقالات وتعذيب وجرائم الاختطاف ونحوه هي صرخات ألم هستيرية، وهي جرائم تنظر فيها المحاكم الدولية، وأتمنى أن يكون في السلطة إنسان راشد يقول لهم كفى خطئًا، وعلينا أن نرجع إلى الصواب قبل فوات الأوان.

الاعتقالات وحركة الاحتجاجات الشعبية

وبخصوص ربط الاعتقالات بالحركة الاحتجاجية، قال: هم يعلمون يقينًا بأنّ المعتقلين لا رابطة لهم بحركة الاحتجاجات الشعبية، وهم يعلمون من التجارب السابقة بأنّ الاعتقالات لا تؤدّي إلى تراجع حركة الاحتجاجات الشعبية، وإنما تزيدها شدّة واتساعًا، فالهدف ليس السيطرة على حركة الاحتجاجات الشعبية، وإنّما الهدف هو السيطرة على الدور السياسي القوي والمؤثر جدًا للقوى السياسية التي تعمل من خارج مؤسسات السلطة، وتتحرّك في الداخل والخارج على الملفات الساخنة المعلقة على الساحة الوطنية، مثل: المسألة الدستورية، والتجنيس السياسي المنهج، والتمييز الطائفي، وسرقة أراضي الدولة، والاستيلاء على الثروة الوطنية ومقدرات الشعب، ونحوها، فهي حركة خارجة عن سيطرة السلطة، وهي تريد أن تلجمها أو تقضي عليها، ولن يسعها ذلك، ولا بأي حال من الأحوال، والمخرج الوحيد للسلطة، هو أن تذهب سريعًا للحل السياسي الواقعي الذي يؤسس للاستقرار السياسي والأمني الدائم، ويحّقق مطالب الشعب العادلة، ويلبّي طموحاته المشروعة في العزة والكرامة والحياة الطيبة، فليس للشعب خيار غير هذا الخيار، أما الحل الأمني فلن ينفع السلطة بشيء، ولن يوقف حركة المعارضة الوطنية في المطالبة بالحقوق العادلة، ولن يوقف أنشطتها في الداخل والخارج، وكلّما تأخّر الحل السياسي أكثر، كلما كانت خسائر السلطة أكبر.

وقال: كانت للمعارضة مطالبها السياسية التي أعلنت عنها بوضوح، وكانت تسعى لتحقيقها بالأساليب السياسية البحتة، مثل: العرائض النخبوية والشعبية، والرسائل، والمسيرات والاعتصامات والندوات، ونحوها، ولم تكن حركة الاحتجاجات الشعبية موجودة، فلمّا لجأت السلطة إلى العنف والإرهاب، واستخدمت القوة المفرطة في قمع الأنشطة السياسية للمعارضة، مثل: الندوات والمسيرات والعرائض، وقامت بفبركة المسرحيات الأمنية للإيقاع بالرموز والناشطين واعتقلتهم وعرضتهم لأبشع أنواع التعذيب، اندلعت حركة الاحتجاجات الشعبية.

والخلاصة: الطريق إلى توقف حركة الاحتجاجات ليس المزيد من الاعتقالات، لأنها في الحقيقة بمثابة صب الزيت على النار، وإنما بإطلاق سراح جميع المعتقلين المظلومين، وإعطاء الحرية للتعبير، والتوقف عن قمع الأنشطة السياسية للمعارضة.

وقال: من يدّعي بأنّ الاعتقالات حصيرة التأثير على الانتخابات واهم ولم يستوعب ما يدور لأنه حصير تفكير خاص ضيق جدًا.

وقال: الأجواء الحالية ليست أجواء انتخابات، فإما أن ترجع السلطة المياه إلى مجاريها الطبيعية ـ والوقت أضيق من ذلك ـ أو تضطر إلى تأجيلها، وهذا ما أتوقعه، والقول بأنّ الاعتقالات تهدف للضغط على المعارضة لتقليل حركة الاحتجاجات في الشارع قبل الانتخابات، هذا محض خيال، لأنّ الاعتقالات لا تؤدّي إلى تراجع حركة الاحتجاج، وإنما تؤدّي إلى زيادتها شدةً واتساعًا، ولو كانت السلطة راغبة في تخفيف حدة الاحتجاجات لسارت في خيار التهدئة الذي مالت إليه ثم تغير مزاجها إلى خيار التصعيد الأمني السيء والفاشل جدًا، لأنها ترى القضاء على خط المعارضة الذي يعمل من خارج مؤسسات السلطة أهم من الانتخابات.

محاصرة مشروع السلطة الظالم

وقال: لقد نجحت المعارضة في محاصرة مشروع السلطة الظالم، ومنعت تقدمه للأمام، وفشلت السلطة في كسر الحصار الذي فرضته المعارضة على مشروعها التخريبي الظالم، حيث انكشف للرأي العام في الداخل والخارج أكذوبة الاصلاح، ورسخ الاعتقاد لدى المراقبين في الداخل والخارج بأن لا مصداقية لدعوى الإصلاح، وأصبحت السلطة تعيش القلق من عزوف المواطنين عن صناديق الاقتراع، ليس بسبب الاحتجاجات، وإنما بسبب الكفر بما سمي بمشروع الاصلاح، وبسبب القناعة بعدم جدوى التصويت، فلجأت إلى القمع والضربات الأمنية الهستيرية للانتقام من الذين تسببوا في محاصرة مشروعها التخريبي الظالم، وكشف أكذوبة الإصلاح للرأي العام في الداخل والخارج.

وقال: السلطة تتحدث عن كلفة أضرار الحركة الاحتجاجية التي وصلت إلى ملايين الدنانير، ونحن نسأل السلطة ونطالبها بأن تكشف لنا عن كلفة الاستيلاء على أراضي الدولة التي تقدّر بمليارات الدنانير، وعن السرقات من ميزانية الدولة ومن ميزانيات المؤسسات، وأن تكشف لنا عن أضرار التجنيس وكلفته المادية.

وقال: إذا كانت الأضرار وخسارة الملايين من الدنانير بسبب حركة الاحتجاجات تستثير حفيظة المواطنين وغيرتهم على وطنهم، فإنّ أضرار التجنيس وكلفته والاستيلاء على أراضي الدولة وسرقة مقدرات الشعب تستثير حفيظة المواطنين وغيرتهم على وطنهم أكثر.

المزيد من الوحدة

وبخصوص رفض جمعية الوفاق ضغوط السلطة لإصدار بيانات إدانة، قال: الحمد لله رب العالمين، فالرياح تجري بخلاف ما تشتهي السلطة، والأخوة في الوفاق مؤمنون والتصعيد لا يزيدهم إلا شعورًا أكثر بالمسؤولية، وتصعيد السلطة الأمني الأخير سوف يدفع ـ إن شاء الله تعالى ـ باتّجاه رص الصف الوطني وتقوية اللحمة أكثر، والدليل زيارة المشايخ من المجلس العلمائي الليلة لهذا المجلس.

وقال: أدعوا كافة المناطق والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمناطق والأفراد من النخبة والجماعات إلى إصدار بيانات التضامن مع المعتقلين والقوى السياسية المستهدفة والإدانة إلى تصعيد السلطة وانتهاكاتها البشعة ضد المواطنين الأبرياء، فلا بد أن يقول المواطنون كلمتهم فيما يدور، ولابدّ أن يتميّز باعة الضمائر بأثمان بخسة عن الصادقين الشرفاء الذين يقولون كلمة الحق وإن كلفهم ذلك أرواحهم.

من يحاكم من؟

وبخصوص ما توعّد به وزير الداخلية من المحاسبة، قال: توعّدنا وزير الداخلية بالمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة، ونحن نقول: إنّ الجرائم التي ارتكبتموها هي من الجرائم التي تنظر فيها المحاكم الدولية، وسوف ننظر من يحاكم من في محاكم الدنيا ومحاكم الآخرة، وهذا الكلام يشمل جلاوزته أيضًا.

وقال: يتوقّع الكثيرون أنّي على قائمة الانتظار للاعتقال وينتظرونه، وفي نفس الوقت أنا أشعر بالاطمئنان التّام ولا يوجد في نفسي مقدار شعرة من القلق، وذلك لسببين:

· لأنّي على قناعة تامّة بصواب ما أقوم به، وأنه مما يرضي الله العزيز الحميد عني، وإنّ للناس فيه خير وصلاح.

· ولأنّ وراء الاعتقالات خيرٌ كثيرٌ للناس، فالسلطة لن تستطيع الاستمرار في الخيار الأمني وسوف تذهب مرغمة إلى الحل السياسي، ونحن غير مهتّمين بالاعتقالات بقدر اهتمامنا بالحل السياسي، فلتعتقل من تشاء، فلن يزيدها ذلك إلا خسارة، وسوف تستمر الحركة المطلبية بخطى ثابتة، والمخرج الوحيد للسلطة من المأزق هو الحل السياسي الواقعي العادل.

إضاءة رمزية

وقال: من الواضح إنّ هدف القمعة الأمنية هو إدخال الخوف في قلوب الجماهير ورموز وقيادات المعارضة، ومن الواضح إنّ المعارضة غير خائفة، وقد نجحت في تثبيت معادلة جديدة في الساحة الوطنية، فلم تعد السلطة هي الطرف الوحيد الذي يمتلك الخيارات ويفرضها على المواطنين، فقد أصبحت للشعب خياراته المشروعة، وهو قادر على مزاحمة خيارات السلطة، وفرض إرادته الوطنية عليها.

وقال: كان المواطن في السابق يخاف من الحديث في السياسة مع أخيه وابن عمه، وهو يتحدث اليوم على أعلى المستويات بكل جرأة أمام الملأ من الناس في الشارع وفي المحافل العامة، وأصبحت عناصر المخابرات تتحرك كما تتحرك الفئران بين الناس. وقد أرادت السلطة إدخال الفزع في قلوب الناس من خلال المرتزقة في قوات الشغب، وقد وجدنا الناس يتحركون بشكل طبيعي وبدون خوف إلى جانب المرتزقة في قوات الشغب التي تعيث في الأرض فسادًا وبدون أن يكترثوا بهم!!

وقال: لقد ادّعى نمرود الربوبيّة، وقد صبر الرب الجليل على طغيانه، فلمّا وصل به التجبّر والغرور أن صوب سهما إلى السماء يريد بزعمه أن يقتل رب إبراهيم (عليه السلام) ابتلاه الله عز وجل ببعوضة حقيرة دخلت في رأسه فكان يتألم ويطلب أن يضرب على رأسه، فكان يضرب على رأسه حتى مات ذليلاً.

وقد ادّعى فرعون الربوبيّة أيضًا، وقرّر أن يستأصل بني اسرائيل، فلما تبعهم بهدف تصفيتهم جسديًا، أدركه الغرق، فلما أدركه الغرق قال آمنت، ولكن بعد فوات الأوان، قول الله تعالى: )وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ` آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(([12]).

الحل السياسي

وقال: اظهروا أعلى درجات التضامن مع المعتقلين وعوائلهم، قوموا بزيارات إلى عوائل المعتقلين، وقدّموا ما تستطيعون من الدعم والمساندة والمساعدات المادية والمعنوية لهم، فلا يضيعوا بحضرتكم، فإنّهم أمانة في أعناقنا جميعًا، ولكن مُدّوا بصركم إلى الحل السياسي، فقد بدأت بشائر إعادة السلطة لحساباتها، وعدّلت شيئًا من خطابها، والخير قادم ـ إن شاء الله تعالى ـ ببركة صمودكم وثباتكم، وعليكم التمسّك التّام بكامل حقوقكم العامة المشروعة، وليكن إصراركم على أن يكون الحل السياسي القادم حلاًّ جذريًّا يؤدّي إلى خلق أرضيّة للاستقرار السياسي والأمني الدائم، ويحقّق مطالب الشعب العادلة، ويلبّي طموحاته المشروعة، وارفضوا الحلول الترقيعيّة رفضًا قاطعًا، ولا تقبلوا بالالتفاف على مطالبكم من أي أحد، فلا تقبلوا بتعديلات طفيفة على دستور المنحة غير الشرعي، ولا بتقليل عدد أعضاء مجلس الشورى، ولا بتعديلات طفيفة أو وهمية على الدوائر الانتخابية، وإنما ليكن لكم الإصرار على:

· إسقاط دستور 2002م غير الشرعي.

· أن يكون مجلس الشورى المعيّن للشورى فقط، وليست لديه أية صلاحيات تشريعية أو رقابية.

· التوزيع العادل للدوائر الانتخابية.

· ألاّ يكون للمجنّسين أي دور في الانتخابات لا ترشيحًا ولا انتخابًا.


([1]) البحار، ج77، ص61.

([2]) هود: 112.

([3]) البحار، ج71، ص322.

([4]) آل عمران: 173.

([5]) النهج، الخطبة: 224.

([6]) التوبة: 71.

([7]) آل عمران: 19.

 ([8])الرعد: 4.

([9]) آل عمران: 160.

([10]) آل عمران: 123.

([11]) الأنفال: 60.

([12]) يونس: 90 ـ 91.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى