لقاء الثلاثاء (57) 26-7-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.
ليلة النصف من شعبان
تحدّث الأستاذ عبد الوهاب حسين في الحديث الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع حول ليلة النصف من شعبان، وصاحبها الإمام الحجة القائم المهدي (عليه السلام) وقال: ليلة النصف من شعبان ليلة بالغة الشرف، وأنها أفضل الليالي بعد ليلة القدر، فيها ولد بقية الله في الأرض صاحب العصر والزمان الإمام الحجة القائم المهدي المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) في سر من رأى في العام: (255هج) وهو الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً، ويسير بالجميع إلى الحياة الطيبة والكمال والسعادة، مما يزيدها شرفًا ومنزلة عند الله تبارك وتعالى، ويزيد في بركاتها للناس، وفيها تفتح أبواب الرحمة، ويستجاب الدعاء، وتغفر الذنوب الكبار، وتقبل التوبة، وتستحب فيها أعمال كثيرة، منها :
· الغسل فإنه يخفف الذنوب ويوجب الرحمة.
· وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي أفضل أعمال هذه الليلة، ولزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة فضل عظيم، وهي توجب غفران الذنوب، وأقل ما يُزار به الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة الشريفة المباركة، أن يصعد الزائر سطحًا مرتفعًا، فينظر يمنة ويسرة، ثم يرفع رأسه إلى السماء، ويزوره بهذه الكلمات “السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته” ويوجد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التأسيس لبناء علاقة وثيقة بين ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضة الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وقد تحدّثت عن هذه العلاقة في مناسبات سابقة، ولا يتّسع المجال للحديث عنها في هذه الليلة، وأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لزيادة الحديث عنها في مناسبات قادمة.
· والإحياء بالصلاة والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن إلى الصباح، وفي الحديث: “من أحيا هذه الليلة لم يمت قلبه يوم تموت القلوب” (مفاتيح الجنان).
وقال: قد أمر الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار من أهل البيت (عليهم السلام) بإحياء ليلة النصف من شعبان والتقرب إلى الله تبارك وتعالى فيها بالعمل الصالح، قال زيد بن علي (رضي الله تعالى عنه): “كان الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يجمعنا جميعًا ليلة النصف من شعبان ثم بجزيء الليل أجزاء ثلاثة، فيصلّي جزء، ثم يدعو ونؤمن على دعائه، ثم يستغفر الله تعالى ونستغفره ونسأله الجنة حتى ينفجر الصبح”([1]) فهذه الليلة غنيمة من غنائم الله تبارك وتعالى للعباد، فهنيئًا لمن اغتنمها وفاز بها، وعاش قضية صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وسار على منهجه، وجعل رضاه غاية مقصوده بعد رضا الله عز وجل. ويستحب صيام الـيوم الـ (15 من شعبان).
الإمام المهدي قرّة عيون المؤمنين
وقال: الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو النعيم وقرّة عيون المؤمنين وسلواهم في الحياة الدنيا، لا يستوحشون في ظلِّ الإيمان والتعلّق به ـ مهما كانت قسوة الظروف التي يعيشون فيها ـ فهم يشعرون بالأنس والرضا مع أنين آلام الظلم والقمع والإرهاب، وفي ظلمات السجون، ومن وراء رنين سياط المعذبين والجلادين التي تمزِّق أجسادهم، لأنهم يقدِّرون نعمة الولاية حق قدرها، فهي النعيم الحقيقي لديهم في هذه الحياة، ويستشعرون من ورائها المواهب الإلهية والنجاة من الضلال والطمأنينة والكرامة والحياة الطيبة والسعادة والكمال، ويعرفون بها معنى الحياة، فالحياة السعيدة عندهم ليست بالمال والطعام والنكاح ونحوها، وليس في الدنيا في نفسها عندهم أي نعيم حقيقي، وإنما النعيم الحقيقي والسعادة الحقيقية بالإيمان والسير مع إمامهم في طريق الكمال وطي منازله بالصبر والكفاح، ومنه الصبر على أذى المشركين والظالمين والمستكبرين ومقاومتهم، فالجروح والسجون والشهادة في سبيل الله عز وجل مع الإمام والسير على منهجه من السعادة الحقيقية لدى المؤمنين الصادقين في إيمانهم، لأنها تؤدي بهم إلى رضوان الله تبارك وتعالى والفناء فيه والبقاء به، وإلى نعيم الجنة الذي لا يزول، وبدونه العلقم والشقاء في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.
وقال: الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو بقية الله عز وجل وذخيرته في الأرض، قول الله تعالى: )بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(([2]) فهو أنس المؤمنين وسلواهم في هذه الحياة مهما قست بهم الظروف وادلهمت الخطوب، وهو الأمل الكبير الذي ينتظرون الفرج وقطع دابر الظلمة على يديه إلى الأبد، وانتصار الحق على الباطل، وبسط العدل الإلهي والسلام بين الناس، وانتصار النور المطلق على الظلام، واستقرار القيم الإنسانية الرفيعة، وحل مشاكل الإنسان الرئيسية في الحياة، لكي يشعر جميع الناس بالغنى الروحي وبالأمن والطمأنينة والسرور والسعادة.
وقال: من يؤمن بالإمام الحجّة المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يشعر بالأمل دائمًا، ولا يشعر باليأس أبدًا، ويعتقد جازمًا بأنّ للظلم والعذاب نهاية، وإنّ يد الله عزّ وجل فوق أيدي الظالمين والمستكبرين، وهو المنتقم منهم شرَّ انتقام ويخزيهم في الدنيا على يدي وليه وابن أوليائه الحجة بن الحسن العسكري (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) فمهما قست الظروف وادلهمت الخطوب فإنّ الفرج قادم، والأمل متحقّق لا محالة، قول الله تعالى: )وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(([3]) فلابدّ للفجر أن يشق عنان السماء، وللشمس أن تشرق على الأرض، مما يحملهم والشوق يملأ قلوبهم ونفوسهم على التحمّل والصبر ومواصلة درب الجهاد والكفاح وتقديم التضحيات الجسيمة في سبيل الإيمان والعدل والعزة والكرامة.
والخلاصة: الانتظار عامل اتصال بين الإنسان وبين خالقه الأحد الصمد، وباعث على الأمل، ومحرّك للنشاط، وعامل بناء إيجابي للحياة.
ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملأت ظلمًا وجورًا
وقال: هناك أطروحة تقول بأنّ علينا في زمن الغيبة أن نعيش مترقّبين لليوم الموعود بدون أن نقوم بمسؤولية تحكيم الإسلام الحنيف في حياتنا، لأنّ تحكيم الإسلام الحنيف في جميع مجالات الحياة هي مسؤولية الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ولسنا مكلّفين بها في زمن الغيبة. وترى طائفة من أصحاب هذه الأطروحة وجوب ترك الباطل والظلم والفساد والسماح لها بالرواج والانتشار وعدم مواجهتها، لأنّ انتشار الباطل، ورواج الظلم، وشيوع الفساد، وحيث لا يوجد ناصر لدين الله عز وجل إلا هو، فإنّ يد الله عزّ وجل تمتدُّ لنصرة الحق والعدل، ويأتي الإذن للمصلح الأكبر المهدي المنتظر (عجل تعالى فرجه الشريف) بالظهور. ويستدلُّ أصحاب هذه الأطروحة على أطروحتهم بالأحاديث الشريفة عن الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) التي يقول فيها: “المهدي منا أهل البيت…. يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت قبله ظلمًا وجورًا”.
وقال: الانتظار تطلّع إلى الأفضل، ومقاومة إلى الباطل والظلم والفساد والتخلّف، ودعوة إلى الاصطفاف مع أهل الإيمان، والاستعداد الشامل، والتهيّؤ التّام، والتمهيد الجدي للظهور المبارك، حتى ينتصر الحق بشكل كامل ونهائي على الباطل، قول الله تعالى: )وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(([4]).
وقال: لدينا في الحقيقة أكثر من ميزان عدل لرفض هذه الأطروحة التي تدعو إلى إهمال المسؤولية الدينية واللامبالاة، منها:
- إنّ الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة تدل على عدم انقطاع أنصار الحق في أيِّ زمن من الأزمان، مثل: قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(([5]) وقول الله تعالى: )فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ(([6]) ونحوها من الآيات الشريفة، وقول الرسول الأعظم الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة”([7]).
- إنّ هذه الأطروحة تؤدّي إلى تعطيل الأحكام الشرعية، مثل : الدعوة إلى الله جلّ جلاله، قول الله تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(([8]) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قول الله تعالى: )كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ(([9]) والجهاد في سبيل الله عز وجل، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(([10]) وهذا التعطيل لا يتّفق مع العقل والفطرة ومع الموازين الشرعية، يقول الشيخ رضا المظفر: “ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”([11]).
- إنّ انتصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونجاحه في إقامة دولة العدل الإلهي العالمية، يحتاج إلى إمكانيات علمية وعسكرية واقتصادية وأنصار يتحلّون بالإخلاص والصلاح ويقومون بخلق المقدمات اللازمة، ويمهّدون الأرضية المناسبة لتحقيق هذا الهدف السماوي العظيم، وهذه عوامل يجب توفيرها قبل الظهور الشريف، وإنّ فقدانها هو الذي يؤخّر الظهور، وليس لأنّ الباطل والظلم والجور لم تنتشر بما فيه الكفاية في الأرض، وكأنّ انتشار الباطل ورواج الظلم والجور هو الغاية والمطلب!! فتوفير الإمكانيات والعوامل المذكورة هو الذي يؤدي إلى الظهور وليس انتشار الباطل والظلم والجور وفقدان الأنصار والاستعداد للظهور المبارك، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء، أن لا يقارُّوا (لا يسكتوا) على كظة (اعتداء) ظالم، ولا سغب (هضم حقوق) مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقية آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة (مخاط) عنز”([12]) وقد روي عن الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: “يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه”([13]) وجاء في الروايات: إنّ ثلاثمائة وثلاثة عشر من خواص الأنصار وهم قادة الصف الأول، يبايعونه في يوم الجمعة أو السبت (بحسب اختلاف الروايات) في العاشر من المحرم عند الكعبة الشريفة، ثم يجتمع إليه جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل يتحرّك بهم من مكّة إلى المدينة، ثم يجتمع إليه الأنصار من اليمن ومصر والعراق والشام وغيرها، ويدخل العرب في طاعته سلمًا وحرًبا في مدة قصيرة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ويواصل تحرير العالم حتى يقضى على جميع قوى الظلم والظلام، ويقيم دولة العدل والنور الإلهي العالمية.
والخلاصة: إنّ الانتظار في زمن الغيبة واجب من الواجبات الإسلامية، ويعني خلق الأنصار الذين يتحلّون بالصدق والإخلاص والصلاح، ويقومون بالإعداد الشامل، والتوطئة التامّة للظهور المبارك، وليس الإهمال واللامبالاة وترك التكاليف الشرعية.
وأما عن المراد من امتلاء الأرض ظلمًا وجورًا، فهو: وجود قوى استكبارية وطاغوتية عملاقة تنشر الظلم والجور والفساد في كل مكان في الأرض، ولا يسلم أحد من ظلمها وجورها، فهو يطال الجميع ويشمل القوى المؤمنة الصالحة التي تسير على منهج الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتعمل على التمهيد لظهوره الشريف، كما هو حاصل اليوم للجمهورية الإسلامية في إيران، وحزب الله في لبنان، وغيرهما، فوجودهم المبارك لا ينفي امتلاء الأرض ظلمًا وجوًرا، لأنه يشملهم، وهم من ضحاياه.
عناوين أخرى
لقد تحدث الأستاذ في عناوين أخرى في الموضوع، مثل: الفرج الشخصي والفرج العام، وغيره، تركنا تغطيتها هنا، لأن الأستاذ قد تناولها في كلمة سابقة تحت عنوان: (نحن والإمام الحجّة) وقد قمنا بتغطيتها، ولا حاجة للتكرار.
الأدوار ومستويات الوعي
وقال: كل دور يقوم به الإنسان في الحياة، يتطلّب مستوى من الوعي لا يتحقق بدونه، فإذا كانت قضيّة صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) قضية عالمية، فإنّ العاملين على هذه القضية يجب أن يمتلكوا أفقًا عالمياً، ويمتلكوا من الوعي بحجم هذه القضية، وبدون ذلك لا يستطيعوا خدمة القضية خدمة فعلية وحقيقية.
وقال: الساحة الوطنية غير منفصلة في الحد الأدنى عن الساحة الإقليمية، فمن لا يمتلك الوعي بحجم الساحة الإقليمية، لا يصح منه أن يحرّك حجرًا من مكانه على الساحة الوطنية.
وقال: هذا الوعي قد يمتلكه الشخص بنفسه، وقد يحرزه من خلال السير الواعي وراء القيادة التي يعلم يقينًا بأمانتها وقدرتها ووعيها اللازم وسلامة منهجها، وهذه الكليات العامة يستطيع الإنسان السوي العادي ـ مهما كان مستواه التعليمي ـ التمييز والاختيار وتحمل المسؤولية الدنيوية والأخروية فيها.
وقال: في جميع الأحوال ينبغي أن تكون مساحة التحرك وحجمه، بمقدار الوعي وليس بأكثر منه.
تصنيف القوى السياسية والتعاون معها
وبخصوص تحالفات تيار الوفاء وعلاقاته مع القوى السياسية، قال: لتيار الوفاء الإسلامي فهمه وتصنيفه الواضح للقوى السياسية التي يتعاون معها على الساحة الوطنية، وهو يتعاون معها من خلال فهمه لها وفق الثوابت التي يؤمن بها وبما يخدم أهدافه المشروعة. ومن واضحات العمل السياسي، أن التعاون لا يعني أن القوى التي يتم التعاون معها هي في مستوى واحد من التصنيف، فالتعاون يكون على أساس المشتركات في السياسة والمصالح والأهداف، وقد يكون بين قوى تختلف إيديولوجيا وسياسيا، مثل: تعاون الأحزاب أو الدول اللبرالية مع الاشتراكية، والإسلامية مع المسيحية، ونحوه، فالاختلاف السياسي والإيديولوجي لا يمنع من التعاون على المشتركات، قول الله تعالى: )قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(([14]).
وقال: لا ينبغي أن نشغل أنفسنا كثيرًا بالحديث عن التصنيفات، وقد يكون الحديث عن التصنيفات مضرًّا كثيرًا بقضايانا ـ وهذا ما حدث فعلا ـ حيث يتم حرف بوصلة الاهتمام بواسطة القوى المتربّصة عن القضايا المهمة وتوجيهها نحو الاشتغال الفارغ وغير المنتج بالجدل حول التصنيفات، والمطلوب أن نشتغل على هدم معاقل الباطل والظلم والفساد، والعمل على الإصلاح والبناء الحضاري السليم.
جوهر المقاومة واحد وأشكالها مختلفة
وبخصوص المقاومة وأشكالها، قال: جوهر المقاومة واحد، وهو: الرفض والمواجهة والبناء، ولكن أشكالها مختلفة، فالرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مقاومًا في مكّة المكرمة قبل الهجرة الشريفة وفي المدينة المنورة بعد الهجرة الشريفة، ولكن شكل المقاومة التي اتبعها في مكة المكرمة قبل الهجرة الشريفة، كان مختلفًا عن شكل المقاومة التي اتّبعها في المدينة المنورة بعد الهجرة الشريفة، وجميع الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) كانوا مقاومين، إلا أنهم اتّبعوا أشكالاً مختلفة في المقاومة، فالمقاومة للباطل والظلم والفساد والتخلف تقوم على أساس عقيدة التوحيد الثابتة، أما أشكال المقاومة فهي تختلف باختلاف الإمكانيات والظروف الموضوعية للمكان والزمان والأشخاص وغيرها، مما يجعل أصل المقاومة وجوهرها ثابت، وأشكالها متغيرة.
التهديد الجدِّي لخط الممانعة
وبخصوص ما يتعرّض له خط الممانعة من تهديد، قال: وجود ما يُطلق عليه خط الممانعة يمثّل ـ بحسب تقديري ـ حاجة وطنية ضرورية، من أجل خلق التوازن وإيجاد الأرضية لتحقيق المطالب الشعبية العادلة، والخط يتعرّض في الوقت الحاضر إلى استهداف أمني ومخابراتي شديد، والاستهداف الأمني غير غائب ويدركه الجميع، وهناك تحريض مستمر من قبل بعض العناصر للسلطة من أجل التصعيد ضد رموز خط الممانعة والزيادة في استخدام العنف ضد جماهيره، وقد وصل التحريض إلى درجة الدعوة الصريحة المعلنة إلى استخدام الرصاص الحي وعدم الاكتفاء باستخدام الشوزن.
أما الاستهداف المخابراتي فقد بدأت بعض الشخصيات المهمّة في إدراكه بشكل أفضل والتحدّث عنه، إلا أنه لا زال خفي على الكثيرين، وقد وقع في شراكه ـ بحسب النتائج ـ رموز وقيادات ونخب، وأرى ضرورة حذر الجميع ـ لاسيما الرموز والقيادات ـ من الدور التخريبي الخبيث الذي تلعبه بعض عناصر المخابرات في صفوف الجماهير والنخب والقوى السياسية ـ لاسيما قوى المعارضة ـ والدور المخابراتي لا يستطيع أحد أن يستبعده نظريًّا، ولكن من الناحية الفعلية لم تتخذ الرموز والقيادات حذرها اللازم من هذا الدور ولم تحصن نفسها فعليا ضده.
وقال: البلد قادم على انتخابات برلمانية وبلدية قريبة جدًا، وهناك قلق لدى السلطة والمشاركين من عزوف الجماهير في الشارعين: (السني والشيعي) عن صناديق الاقتراع، كموقف سياسي يتمثل في المقاطعة للانتخابات لدى قطاع واسع من الشيعة، ولعدم الشعور بجدوى الاقتراع في القطاع الأوسع من الشارع السني، وقطاع من الشارع الشيعي.
وقال: تواجه السلطة على صعيد الشارع الشيعي مشكلتان:
· إنّ الخلافات في العائلة الحاكمة قد أضرت ببعض علاقاتها التقليدية المهمّة مع بعض العوائل الشيعية.
· انتشار موجات الغضب والاحتجاجات الشعبية في كل مكان من المناطق الشيعية.
وقال: لهذا فرموز السلطة يسعون في الوقت الحاضر إلى ترميم الأضرار التي لحقت بعلاقاتهم التقليدية المهمة مع بعض العوائل الشيعية ـ ولهذا جاء تجديد الزيارات والمصالحات العائلية ـ والبحث عن مخرج مؤقّت للسيطرة على المأزق الأمني، مما يضع احتمالات قويّة لاتّخاذ بعض الخطوات التي تسمح بالانفراج الأمني المؤقّت لفترة الانتخابات، إلا أنّ ذلك لا يعني أبدًا انتهاء أزمة السلطة مع خط الممانعة واستهدافها له، فسوف تعود للاستهداف الأمني والمخابراتي المركّز للخط بعد الانتخابات، وسوف نعيش أيامًا عصيبة وشديدة علينا كثيرًا، مع علم السلطة بأنّ الحل الأمني لن يوصلها إلى نتيجة، ولكنها تأمل بأن يقلّل التصعيد الأمني من خسائرها في مرحلة البحث عن حل سياسي للأزمة، وقد تحدّثت في مرّات سابقة عن هذا الموضوع، وقلت: بأنّها تعّول على التجنيس في قلب المعادلات السياسية، وقد تُقدم على اعتقال بعض رموز وقيادات خط الممانعة لتحاورهم وهم أسرى في السجون بهدف السيطرة عليهم والتحكّم بشكل أفضل في نتائج الحوار، ولهذا ينبغي على رموز وقيادات وجماهير خط الممانعة أن يستعدّوا كثيرًا لتصعيد السلطة الأمني ضد الخط، ولمرحلة البحث عن حل سياسي للأزمة، وإنّ النتائج سوف تتوقف على ما يتحلون به من البصيرة والوعي والصبر والتحمّل وطول النفس ووحدة الصف والمواقف وما ينجحون في إيجاده من الاستعدادات لمثل هذه الظروف.
وقال: ينبغي على الجماهير في سبيل المحافظة على خط الممانعة، واستمراره في أداء دوره، ونجاحه في تحقيق أهدافه:
· أن تمدّه بالكوادر المخلصة والتي تمتلك القدرات والمواهب، فهو في أمسِّ الحاجة إليها.
· الالتفاف حول الخط وحمايته من الأعداء، وقد أكّدت مرارًا على ضرورة تشكيل لجان المناطق.
· الوعي بالدسائس التي تحاك ضد الخط، والحذر الشديد من الوقوع في شراكها.
وقال: المطلوب من قوى خط الممانعة في الوقت الحاضر أن تتحصّن بالتالي:
· سياسة رشيدة واضحة، وبرامج عمل فاعلة.
· الصبر والشجاعة والتحمّل، والجرأة في تنفيذ البرامج واتّخاذ الخطوات المطلوبة، والاستعداد التام للبذل وتقديم التضحيات اللازمة.
· التركيز على المطالب والسعي لتحقيق الأهداف، وترك التراشقات والمواجهات البينيّة، وعدم الاشتغال بالقضايا التافهة.
· العمل على المدى القريب بالاستجابة المناسبة للقضايا الآنية، مثل: ملف المعتقلين، والعمل على المدى البعيد بالسعي لتوفير كل ما هو لازم لتنمية الحالة الدينية ـ ومنها الاستعداد الشامل للظهور المبارك لولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان الإمام الحجة المهدي المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) ـ وكل ما هو لازم لتنمية الحالة الوطنية وتحقيق المطالب الشعبية العادلة.
وقال: تيار الوفاء الإسلامي يهتم بالبعد الديني بشكل أساسي إلى جانب الاهتمام بالأبعاد المجتمعية الأخرى، ويعتبر ذلك جزء من الأمانة على الثقة الكبيرة الممنوحة للتيار من جماهيره الأوفياء، لأنّ الاهتمام بالأبعاد المجتمعية مع الإهمال للجانب الديني، يعني إفناء عمر الإنسان فيما لا يعود عليه بالفائدة في الآخرة، قول الله تعالى: )وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(([15]) وهذا خلاف الأمانة وفق المعيار الديني الذي يلتزم به التيار بشكل مطلق.
وقال: الإيمان عنصر أساسي للاستفادة من العمل السياسي في الآخرة، وهو عنصر أساسي لزيادة جرعة الإخلاص والحماس والانضباط والاستعداد للبذل والتضحية، وتحصيل المدد الغيبي من الله عز وجل، مما يعطي فرصة أكبر للنجاح في تحقيق الأهداف المطلوبة.
وقال : إنّ تنمية الحالة الدينية ـ ومنها الاستعداد الشامل للظهور المبارك لولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان الحجة المهدي المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) ـ وتنمية الحالة الوطنية وتحقيق المطالب الشعبية العادلة، يحتاج إلى العمل الجماعي المنظم، وتوحيد الصفوف، قول الله تعالى: )إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ(([16]) فالأعمال الفردية لا توصل إلى النتائج المطلوبة، والفرقة مضرة بالعمل الإسلامي والوطني، وينبغي السعي لتوفير العوامل اللازمة لتحقيق الوحدة، والابتعاد عن الأخطاء لتجنب الفرقة والاختلافات المضرة.
الاتهام الظني للمحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري
وبخصوص الاتهام الظني للمحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قال: مشروع الشرق الأوسط الجديد لم ينته بعد، وما عجزت أمريكا والكيان الصهيوني وحلفاء هذا المحور عن تحقيقه بالحرب وقوة السلاح، يسعون إلى تحقيقه بالدهاء والسياسة، والمحكمة الدولية هي أحد الأدوات الأساسية المهمة في هذا المسعى الشيطاني الخبيث، وأعتقد بأنّ قيادات حزب الله المظفّر تمتلك من الخبرة والتسديد ما تواجه به هذا المسعى الخبيث، وإنّ الحزب يمتلك من القوّة والدّعم ما يمكنه من المواجهة والصمود والقدرة على إحباط هذا المسعى والانتصار عليه. ولكن يجب الانتباه جيدًا إلى خطورة الأمر، وإنّ الهدف ليس هو القضاء على حزب الله فحسب، وإنما حزب الله مجرد حلقة من حلقات محور المقاومة للمشروع الصهيو/ أمريكي، والمطلوب صهيونيًا وأمريكيًا ولدى عرب الاعتدال وغيرهم من حلفاء هذا المحور المشؤوم، هو القضاء على محور المقاومة ككل، الذي يشمل الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا وحركات المقاومة في فلسطين والعالم العربي أجمع، فكل الشعوب والقوى التي ترفض المشروع الصهيو/ أمريكي معنيّة بما يجري في لبنان وما تقوم به المحكمة الدولية في الوقت الحاضر، ويجب أن تكون لها مواقفها التي يجب عليها إظهارها والتعبير عنها بشكل صريح ومعلن، ونحن في تيار الوفاء الإسلامي نعلن عن تضامننا الصادق مع حزب الله المظفّر في مواجهة الاستهداف الخبيث له من المحكمة الدولية، ونعلن بأننا مع المقاومة في كل الخطوات التي تتخذها في مواجهة هذا الاستهداف الخبيث من المحكمة غير الشرعية.