لقاء الثلاثاء (55) | 12-7-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

من خصوصيات الإنسان الوجودية

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري في مجلسه لهذا الأسبوع وتعقيبًا على بعض الأطروحات حول الإنسان، وقال: يمتاز الإنسان بالعقل والاختيار، وهو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يصنع ماهيته بنفسه، فيصنع لنفسه باختياره ماهية ملائكية، أو يصنع لنفسه باختياره ماهية شيطانية، أو يصنع لنفسه باختياره ماهية حيوانية.

وهو الكائن الوحيد الذي يمتلك حراكًا واسعًا في حياته، فتختلف أنماط المعيشة لديه في المجتمعات المختلفة، وتختلف الحضارات التي يشيدها وتتفاوت في الكم والنوع تفاوتًا غير محدود، فبين حضارات الماضي وحضارات الحاضر، وحضارات الدول الفقيرة وحضارات الدول الغنية تفاوتًا شاسعًا، وبين الحضارات التي تُشيَّد على أسسٍ ماديّة وضعيّة، وبين الحضارات التي تُشيِّد على أسسٍ روحيّة سماويّة تفاوتًا نوعيًّا، ولا تستطيع العقول في الوقت الحاضر أن تتصوّر شكل ومضمون ودرجة ازدهار وتقدّم الحضارة الإنسانية في المستقبل البعيد بعد الظهور الشريف لولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان t وأساليب الحياة فيها.

وقال: توجد تصورات حول التقاء الإنسان بأصناف أخرى من الموجودات في آخر الزمان، حيث يحتمل بعض علماء الطبيعة والدين احتمالاً قويًّا وجود كائنات حيّة في عدد من الكواكب البعيدة عنّا، قول الله تعالى: )وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ(([1]).

وقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o: “هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض، مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور”([2]) ـ وليس هذا وقت التحقيق العلمي في هذه المسألة ـ.

وتوجد تصورات حول التقارب بين عالم الغيب وعالم الشهادة والالتقاء بين العالمين بشكل مذهل في نهاية مطاف مسيرة الإنسان على الأرض، حتى تضيق الدنيا بتطور عقل الإنسان ومساحة حركته الحضارية والاستكشافية والتسعيرية، وتستنفذ الدنيا غاية وجودها، ليكون الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة في سياق تطور وجودي طبيعي للإنسان.

وقال: يمتاز الإنسان بحاجته إلى التشريع لتنظيم شؤون حياته المختلفة: (الفردية والمجتمعية) ويشاركه في ذلك الجن، ولا يختلف العقلاء من بني الإنسان في الاعتقاد بهذه الحاجة، بل يجمعون على أنّها ضرورة قصوى لا تستقيم حياة الإنسان بدونها، ولكنهم يختلفون في صاحب الحق في وضع التشريع للإنسان.

  • فهناك من يقول: بأنّ وضع التشريع هو من حق الإنسان نفسه.
  • وهناك من يقول: بأنّ وضع التشريع للإنسان هو حقٌّ خاصٌّ لله وحده لا شريك له، وواجب منه تعالى للإنسان.

أي: يجب من الله تبارك وتعالى وضع التشريع الذي يحتاجه الإنسان لتنظيم حياته وتحقيق غاية وجوده، وهذا ما تقول به جميع الأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام الحنيف.

ويؤيد هذا الرأي الرشيد: إنّ الله ” خلق جميع الكائنات ووضع لها النظام الخاص بها الذي يتكفل بإيصالها إلى غاية وجودها، والإنسان هو أفضل الموجودات وأكرمها على الله تبارك وتعالى، ووصول الإنسان إلى غاية وجوده يتوقف على التشريع المناسب له في الحياة، الذي يطابق حقيقة وجوده، ويصلح حاله في الدنيا والآخرة (مطابقة التشريع للتكوين والغاية من الوجود) قول الله تعالى: )الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ` وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(([3]) ويغطِّي جميع الاحتياجات المادية والأدبية والمعنوية للإنسان، ويصون حقوقه، ويحفظ مصالحه الجوهرية.

والله سبحانه وتعالى هو وحده العالم بحقيقة الإنسان وجميع احتياجاته المادية والأدبية والمعنوية، وبما يصلحه في الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: )أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(([4]) وإنه لخلاف الحكمة قطعًا أن يتخلّى ربُّ العزّة والجلال عن وضع التشريع للإنسان، قول الله تعالى: )وَمَا قَدَرُواْ اللَهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ(([5]).

وهو قادر على ذلك، قول الله تعالى: )مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(([6]) وهو وحده صاحب هذا الحق لا يشاركه فيه أحد.

وقال: تعتبر الحالة التشريعية حالة حضارية متقدّمة في حياة الإنسان، ويعتبر تقدّم الحالة التشريعية وشموليتها لجميع جوانب الحياة ودقتها وتغطيتها للجزئيات المهمّة والالتزام بها من معالم تقدّم الحضارة وازدهارها، وقد حرص الإسلام الحنيف على إدخال الإنسان في دورات تدريبية واجبة لتربية الحس التشريعي لديه، مثل: دورة الحج والصيام، حيث الكثافة التشريعية ودقة المحاسبة والجزاء، وأخرى مستحبة، مثل: الاعتكاف.

وقال: حين نتكلّم عن التشريع يلزم الكلام عن القيادة التي تضع التشريع موضع التطبيق، وعن الدولة التي تحتضن التشريع والقيادة معًا، والقيادة الحقيقية ـ وفق الرؤية الإسلامية وحكم العقل ـ ينبغي أن تتوفّر على شروط عديدة، منها:

  • أن تكون على بصيرة في أمر الدين والحياة، قول الله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(([7]).

وفي الحديث الشريف، قول الإمام الصادق o: “العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق فلا يزيده سرعة السير إلا بعدًا”. وفي رواية: “كالسائر على السراب بقيعة”.

  • أن تمتلك رؤية عمل ومنهج واضح بهدف النهضة والبناء الحضاري المتقدِّم، قول الله تعالى: )كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(([8]).

وقول الله تعالى: )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ(([9]).

فكل عمل لا يستند إلى رؤية واضحة مستمدة من العقل المستنير والكتاب، فإنه لا قيمته حقيقية له في الحياة، بل يشكل خطرا على حياة الإنسان ومصالحه الحيوية.

  • أن تمتلك الشجاعة والإرادة الجديّة لتنفيذ المشروع الحضاري الذي تؤمن به وتدعو الناس إليه، قول الله تعالى: )يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(([10]). والإرادة الجديّة تقترن بالفاعلية التي تضع حدًّا فاصلاً بين الادّعاء والحقيقة.

الحالة القيمية لدى الإنسان

وقال: هناك حالة أكثر تقدّمًا من الحالة التشريعية (وضع القانون) في الحالة الحضارية للإنسان وهي الحالة القيمية، فالإنسان يحتاج إلى القيم العالية في سبيل سموه الروحي وبناء حضارة إنسانية رشيدة ومتوازنة، تُشبع كافّة الحاجات المادية والأدبية والمعنوية للإنسان.

وقد عرّف بعض العلماء الإنسان بأنه حيوان أخلاقي، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يعرف القيم الأخلاقية، مثل: الحق والخير والعدل والفضيلة والجمال، ويستطيع أن يمثِّلَها ويستفيد منها ويتقدّم على أساسها في حياته على جميع الأصعدة: (الروحيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعمرانيّة والتكنولوجيّة وغيرها من جوانب وأساليب الحياة).

فكلّما كان الإنسان أكثر التزامًا بالقيم العالية في علاقته مع ربِّه ومع غيره من البشر، مثل: الوالدين والأخوة والعشيرة والجيران والشركاء في الوطن، وعلاقة القائد مع الأتباع، والتلميذ مع المعلم، وعلاقة الإنسان مع عدوه وصديقه، ونحوها، وعلاقته مع الطبيعة، كلّما كان أكثر إنسانيةً وأكثر تمدّنًا وحضاريّةً، فيجب أن تتجلّى القيم الأخلاقية العالية في جميع علاقاتنا، حتى مع الأعداء، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللَهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( ([11]).

وقال: أرى ثمَّةَ خللٌ واضح في الحالة القيمية لدينا في عملنا الإسلامي، وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض ـ وقد سلطت الضوء على هذه الحالة في الأسبوع الماضي في الحديث عن المنهج السلطوي والمنهج القيمي في العمل الإسلامي ـ وقد دخل الخلل القيمي في علاقة الأولاد مع الوالدين، وفي علاقة التلاميذ مع الأساتذة، وفي علاقة الأتباع مع القادة، ونحوها، وكثيرًا ما يحدث ذلك بسبب اللبس في فهم الحقوق الخاصة، مثل: حق التعبير عن الرأي، والوعي في الاتِّباع، والمسؤولية الفردية عن الرأي والسلوك والمواقف، ونحوها، ويحدث اللبس بسبب:

  • تجريد هذه الحقوق عن الحكمة وعن الآداب العامة في ممارستها.
  • وتجريدها عن البعد المجتمعي، والنظر إليها في صورة فردية بحتة، فإنَّ الحالة المجتمعية ترمي بظلالها على ممارسة الحقوق الخاصة ـ وهذه حالة واقعية ـ والمطلوب: هو ممارسة الحقوق الخاصة في بعدها المجتمعي، وعدم النظر إليها في صورة فردية بحتة.

وقال: ينبغي للتلميذ أن يناقش الأستاذ ويُعبِّر له عن رأيه بوضوح تام، وينبغي للولد أن يناقش والديه ويُعبِّر لهما عن رأيه بوضوٍح تام، ولكن باحترام تام أيضًا، ومن القبيح أن يُظهر التلميذُ نفسَه لأستاذه، أو يُظهر الولدُ نفسَه لوالديه بمظهر المعلِّم والواعظ أو يتكبَّر عليهم أو يماحكهم.

وقال: ينبغي أن نراعي الأدب والقواعد في التعامل مع القيادات الناصحة للأتباع بالحق، بالإخلاص لها في النصيحة، وعدم مماحكتها (التمادي في اللجاجة معها) والتلطف في التعامل معها، وطاعتها فيما لا يغضب الله “، وترك معاندتها وما يسوؤها بغير حق، والتعاون معها على الخير والنفع العام.

وقال: الحالة القيمية عندنا كمؤمنين فيها خلل واضح على أكثر من صعيد، وما لم نصحِّح جوانب الخلل القيمي في عملنا الإسلامي والوطني وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض ـ على المستوى الفردي والمجتمعي ـ وفي علاقتنا مع الطبيعة، فلن نتقدَّم حضاريًّا، ولن نصل إلى مستوى رفيع في العمل الإسلامي والوطني، ولن نحصل على النّصر من عند الله “، ولن نحصل على المدد الغيبي، لأنّ النّصر من عند الله ” ونزول المدد الغيبي يحتاج إلى الصدق والإخلاص، وهو لا يحصل إلا بتطوّر الحالة القيمية لدينا، وتطهّرنا من الأنانية والحسابات الحزبية الضيقة ونحوها.

وقال: من شأن الخلل القيمي أن يؤدِّي إلى:

  • تأخير النصر.
  • وإطالة زمن المعاناة.
  • وإنزال البلاء، قول الله تعالى: )فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(([12]).

وقال: إنّ الدوائر الخمس للتشريع (الواجب، والحرام، والمستحب، والمكروه، والمباح) قد جعلت الحالة القيمية في امتداد طولي للحالة القانونية، فإنّ عناية الإنسان المؤمن والتزامه في دائرة المستحبات والمكروهات، وتقرّبه إلى الله تعالى في العمل والترك في دائرة المباحات، تخرج الإنسان المؤمن من دائرة الالتزام التشريعي (القانوني) إلى دائرة الالتزام القيمي، وهذه نكتة فكرية لطيفة ومهمة جدًّا.

وقال للالتزام القيمي ثلاث مستويات:

  • الالتزام التجاري: وهو الالتزام بالقيم الأخلاقية من أجل المصالح الخاصة، مثل: حسن المعاملة التي يظهرها التاجر للزبائن بهدف الاحتفاظ بهم وعدم انتقالهم إلى تاجر آخر أحسن معاملة منه، وأخلاق المرشَّحين وخدماتهم وقت الانتخابات بهدف كسب أصوات الناخبين وعدم ذهابها إلى مرشَّحين آخرين.
  • الالتزام المجتمعي: وهو الالتزام بالقيم الأخلاقية التي يريدها المجتمع إرضاءً له وللحصول على الوجاهة والمكانة الاجتماعية، وفي مثل هذه الحالة، قد يقف الفرد مع الباطل ويمارس الظلم ويفعل القبيح من أجل إرضاء المجتمع الذي يعيش فيه، وقد تتعارض القيم مع بعضها باختلاف المجتمعات، فما يكون خيرًا بالنسبة إلى مجتمع، قد يكون شرًّا بالنسبة إلى مجتمع آخر.
  • الالتزام التقرّبي (التعبّدي): وهو الالتزام بالقيم الأخلاقية بما هي في نفسها تقرّبًا لله تبارك وتعالى ومن أجل مرضاته والمحافظة على المصالح الحيوية للناس جميعًا، وفي هذه الحالة، لا يمكن أن يقف الإنسان مع الباطل، ولا يمكن أن يمارس الظلم، ولا يفعل القبيح، وقد يقف الفرد ضد أبناء جلدته وضد أحب الناس إليه، وقد يتخلّى عن مصالح دنيوية كبيرة خاصة به، إذا تعارض الوقوف إلى صفهم مع الحق والعدل والخير والفضيلة، لتكون مواقفه دائمًا مع الحق والعدل والخير والفضيلة ومع مرضاة لله تبارك وتعالى، قول الله تعالى: )قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(([13]).

المنهج الانفعالي والمنهج البصير في العمل

وقال: يجب أن نميز في العمل بين منهجين:

  • منهج يقوم على الاستجابة الانفعالية للأحداث ويحدِّد مواقفه في الشأن العام على هذا الأساس.
  • ومنهج بصير يستند في مواقفه إلى رؤية واضحة بعيدة المدى، وإلى تكتيكات مُحكمة مناسبة لكل ظرف، وبحسب الرؤية الواضحة والتكتيكات المحكمة يحدِّد ما هو الموقف المطلوب في كل مرحلة وفي كل ظرف ـ وهذه مسؤولية القيادة وواجبها ـ فتكون المواقف مبنيّة على رؤية واضحة وتكتيكات محكمة، وليست وليدة لحالة انفعالية مؤقّتة وعمياء.

وقال: قد تفرض الرؤية الواضحة والتكتيكات المحكمة مواقف مغايرة تمامًا للمواقف التي يتّخذها أصحاب المنهج الأول.

وقال: المنهج البصير هو المنهج الذي سار عليه الرسول الأعظم الأكرم Q حيث اهتم ببناء العقيدة الراسخة والتربية الروحية العميقة للمسلمين، وامتنع عن المواجهة العسكرية في مكة المكرمة قبل الهجرة الشريفة، ثم بدأ المواجهة العسكرية بعد الهجرة الشريفة إلى المدينة المنورة.

وقال: هو المنهج الذي سار عليه الأئمة المعصومين من أهل البيت q فكان صلح الإمام الحسن o مع معاوية في مرحلة، وثورة الإمام الحسين o ضد يزيد بن معاوية في مرحلة أخرى، ونحو ذلك.

قول الله تعالى: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ (في مكة المكرمة قبل الهجرة الشريفة) فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ (في المدينة المنورة بعد الهجرة الشريفة) إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً(([14]) حيث كان جماعة من أصحاب الرسول الأعظم الأكرم Q يتعرّضون إلى الأذى الشديد من قريش، فيذهبون إلى الرسول الأعظم الأكرم Q ويطلبون منه الإذن لهم بالقتال والمواجهة العسكرية ضد قريش دفاعا عن أنفسهم، فيجيبهم الرسول الأعظم الأكرم Q بأن كُفّوا أيديكم (أي عن القتال) فإنّي أُمرت بالعفو (أي عدم القتال) فلمّا كتب الله عز وجل على المسلمين القتال بعد الهجرة الشريفة إلى المدينة المنورة، تراجعت روحيّة هؤلاء المتحمسين عن القتال!! وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال؟! وهذا التراجع في الروحية عن القتال سببه إنّ الرغبة فيه أوّل مرّة لم تكن وليدة رؤية واضحة، وإنّما كانت وليدة حالة انفعالية مؤقتة، ولمّا جاء وقت الصحو من الانفعال زالت الرغبة في القتال بزوال المؤثر.

 ونظرًا لأهميّة الحالة وخطورتها على الوضع العام للمسلمين، فقد تناول القرآن الكريم الحالة في موضع آخر منه، قول الله تعالى: )وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ (في مكة المكرمة قبل الهجرة الشريفة) فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ (في المدينة المنورة بعد الهجرة الشريفة) رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ(([15]) وتناولها بشكل آخر في موضع ثالث، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ(([16]) والخطاب في الآية الشريفة المباركة موجَّه لمجموعة من الصحابة كانوا يتمنّون الفوز بالشهادة قبل معركة أحد، حيث حدَّثَهم الرسول الأعظم الأكرم Q عن الثواب العظيم الذي ظفر به الشهداء الكرام في معركة بدر، وكانت تمنيات هؤلاء النفر تُحلِّق في الفراغ خارج نطاق التجربة وصحو الواقع، فلما جدَّ الجد في معركة أحد، ورأوا الموت يدور من حولهم وفوق رؤوسهم، انهزموا وولّوا مدبرين، وتركوا الرسول الأعظم الأكرم Q يواجه مصيره مع نفر قليل جدًا من أصحابه المخلصين، وكان في مقدِّمتهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد وبخ الله تبارك وتعالى المنهزمين وعاتبهم لمخالفة أقوالهم أفعالهم، مما يعكس الفرق الكبير بين الخطاب الانفعالي الفارغ والمواقف الصادقة، وبين المواقف التي تستند إلى الانفعال المؤقت، والمواقف التي تستند إلى الإيمان الراسخ، والرؤية الواضحة المستمدة من العقل المستنير والكتاب المنزل من عند الله عز وجل.

ونخلص مما سبق إلى الدروس المهمة التالية:

  • إنّ المنهج الانفعالي غير قادر على الاستمرار والثبات على المدى البعيد، حيث إنّ الحماس الذي يصاحب الانفعال يمكن أن يتلاشى في حالة الصحو والوقوف أمام الحقيقة، فالثبات لا يكون إلا مع الإيمان ووضوح الرؤية.
  • إنّ المنهج الانفعالي لا يمكن أن يحدث التغيير المطلوب أو يشيد نهضة حضارية.
  • إنّ الإنسان المؤمن الواعي يتحلّى بالحذر الشديد في اتّخاذ المواقف التي تتعلق بالشأن العام، ويراقب نفسه ويحاسبها كثيرًا، ولا تخالف أقواله أفعاله، ويتحلى بالصمود والثبات في السراء والضراء، ويتوجه بجميع أفعاله ومواقفه العامة إلى الله سبحانه وتعالى.

والمطلوب: أن نعمل بإيمان راسخ، ونتّخذ مواقفنا وفق رؤية واضحة، وأن نحذر من الانفعال والاستعجال، لاسيما في المواقف التي تتعلق بالشأن العام، لأنها تمس حياة الآخرين ومصالحهم الحيوية في الحياة.

الإدلاء والاعتداد بالنفس

وبخصوص سؤال أحد الحضور عن قول الله تعالى بشأن قارون: )قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي(([17]) قال: هناك آفتان معنويتان تشكِّلان خطرًا جديًّا على العاملين، وهما:

(1) ـ الإدلاء: وهو أن يزكِّي المرء نفسه، والله يقول: )فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى(([18]) ويعتقد ببراءة نفسه من الذنب، ويعتد بعمله، ويمن به على الله عز وجل، ونحو ذلك من الأوهام الباطلة، وقد نهى الله عز وجل عن الإدلاء، قول الله تعالى: )يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(([19]) والإدلاء محبط للعمل، قال الإمام الصادق o: “مرّ عالم بعابد وهو يصلّي، فقال: يا هذا كيف صلاتك؟ قال: مثلي يسأل عن هذا؟ قال: ثمّ بكى، قال العالم: وكيف بكاؤك؟ فقال: إنّي لأبكي حتّى تجري دموعي، فضحك العالم، وقال: تضحك وأنت خائف من ربّك، أفضل من بكائك وأنت مدلّ بعملك، إنّ المدلَّ بعمله ما يصعد منه شيء”([20]) وقد جاء في الحديث: “إنّ التقي يدخل إلى المسجد ويخرج وهو فاسق، ويدخل الفاسق إلى المسجد ويخرج وهو تقي” وذلك في حال دخول التقي إلى المسجد وهو يحمل عقدة الإدلاء، ودخول الفاسق إلى المسجد وهو بين الخوف والرجاء، فيخرج في هاتين الحالتين التقي من المسجد وهو فاسقا، ويخرج الفاسق من المسجد وهو تقيًّا.

(2) ـ الاعتداد بالنفس: وذلك بأن ينسب الإنسان الفضل فيما يصل إليه من النعم والخيرات إلى تدبير نفسه وخبرته واجتهاده، وينسى فضل الله تبارك وتعالى وفضل الآخرين عليه، قول الله تعالى: )إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لتنوا بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ` وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ` قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي(([21]) وقد ردَّ الله تعالى على قارون بقوله تعالى: )أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ(([22]) ويعتبر الاعتداد بالنفس فتنة حقيقية للإنسان، قول الله تعالى: )فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(([23]).

وقال: الاعتداد بالنفس لا يكون في تحصيل المال والثروة فحسب، وإنّما يدخل أيضًا في الجوانب السياسية والعسكرية وغيرها، كما حدث للمسلمين في معركة حنين إذ أعجبتهم كثرتهم حيث بلغ عدد الجيش أثنى عشر ألف مقاتل، وهو جيش يقل نظيره في ذلك العصر، فقال بعضهم: “لن نغلب اليوم من قلة”([24]) فهُزموا في تلك المعركة، وقد سجّل القرآن الكريم ذلك الدرس ليكون عبرة لمن وراءهم، قول الله تعالى: )لَقَدْ نَصَرَكُمُ للهِ في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ لأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ(([25]).

فالواجب على المؤمنين التحلي بالصدق والإخلاص لله عز وجل في نية العمل، والسعي لتحصيل رضاه سبحانه وتعالى، والاعتقاد الجازم بأنّ النصر من عنده، والتوكّل عليه وحده لا شريك له ـ مع عدم التفريط في الأسباب الطبيعية التي هي من جوهر التوكّل طبعًا ـ قول الله تعالى: )وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(([26]) وقول الله تعالى: )إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(([27]) فيعترفوا لله بالفضل عليهم في تحقيق النصر إذا ظفروا به ويشكروه على ذلك، قول الله تعالى: )إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ` وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا ` فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(([28]) وعدم الاغترار بالقوّة والعدد والعتاد والتعويل عليها دون الله عز وجل، ففي ذلك مفسدة للدين، وتأخير للنصر، وفقدان لسكينة النفس، وزيادة المعاناة للإنسان.

وقال: إنّ التقاتل الحزبي على الإمساك بالمساجد والمآتم والمناطق والسعي لإقصاء الآخرين والتباهي بالكثرة وحساب العدد، هو من آثار الروح الحسية المتعلقة بالسلطة والمادة، والغافلة في حقيقة الأمر عن الله الواحد القهار.

تيار الوفاء لا يسحب الشرعية عن عمل الآخرين

وبخصوص دور تيار الوفاء وشرعية الآخرين، قال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي حريص كل الحرص على تمتين العمل الوطني المشترك وتفعيله، ويبذل وسعه من أجل ذلك، ويرى بأنّ الكثير من المآسي التي حلّت بالوطن هي من الثمار الخبيثة لسوء إدارة المعارضة لخلافاتها وفشلها في تنظيم صفوفها. وتيار الوفاء حريص كل الحرص على أن يكون في عمق الحدث، ولا يحرص على الظهور في صورة الكاميرا، وهو لا يفعل خلاف ما يقول أو يعتقد. وتيار الوفاء الإسلامي له رؤيته الشرعية الأصيلة في عمله، وهو حريص كل الحرص على توفير الشرعية التامة لعمله، ولا يسحب الشرعية عن عمل الآخرين، وليس ذلك من صلاحياته الشرعية أو غير الشرعية، وكلُّ كلامٍ يُنقل عنه بخلاف هذا فهو محض كذب، والتيار يعمل على نزع فتيل الاختلافات بين قوى المعارضة وتعزيز العمل المشترك بينها، وتنظيم صفوفها بشكل أفضل، لتكون قادرة على الاستجابة بشكل أفضل للاستحقاقات الوطنية في المستقبل.

قال: لدينا اختلاف في المنهج وفي التشخيص للكثير من القضايا مع الأخوة في الوفاق وغيرهم، وقد نرى خطأ مواقفهم في الكثير من القضايا والمسائل الوطنية، ولكن كيف نعالج ذلك؟ وأين تكمن مصلحتنا الإسلامية والوطنية؟

وقال: هناك أسلوبان للمعالجة:

  • أسلوب يعالج الاختلافات والأخطاء التي يراها بالشكل الذي يعزِّز الاختلاف ويخلق التوتّر بين الأطراف.
  • وأسلوب يعالج الاختلافات والأخطاء التي يراها بالشكل الذي يخلق أرضية للتقارب ويفتح الطريق إلى العودة وتصحيح الأخطاء.

وقال: تيار الوفاء الإسلامي يتبنّى الأسلوب الثاني الذي يخلق أرضية للتقارب بين قوى المعارضة ويفتح الطريق إلى العودة وتصحيح الأخطاء، وليس ذلك على حساب المصلحة الوطنية، بل من أجلها قربة لله تعالى، وعلى حساب هوى النفس وشهواتها، وليس على حساب بيان الحقائق الكبرى، فتيار الوفاء حريص كل الحرص على طرح الحقائق وبيانها للناس كما هي، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة.

التحديات التي تواجه خط الممانعة

وبخصوص التحديات التي تواجه خط الممانعة، قال: تواجه خط الممانعة صعوبات جمّة، وقد كشفت الأحكام الجائرة ضد المعتقلين الأبرياء والحشود الأمنية غير المسبوقة التي أحاطت بمسيرة التجنيس التي دعا إليها التحالف الثلاثي (حق والأحرار والوفاء) عن الاستهداف وحجم هذه التحديات.

وقال: إذا أرادت قوى الممانعة وجماهيرها أن تكون الجهة التي ينتصر الله عز وجل بهم لدينه ولعباده، فعليهم أن يتوفَّروا على الشروط التالية:

  • التحلّي بالصدق والخلاص في النية لله تبارك وتعالى، وإظهار الحالة القيمية في العمل الإسلامي والوطني في أبهى صورها.
  • النجاح في نظم أمورهم، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): “أوصيكم بتقوى الله ونظم أموركم”([29]) ومن نظم الأمر حُسن إدارة الاختلاف، والتذلّل للمؤمنين.
  • بناء الكوادر التي تمتلك العلم والخبرة.
  • امتلاك الإرادة الجديّة في العمل والاستعداد التّام للبذل والفداء والتضحية.

قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(([30]).

وقال: إنّ تجربة مسيرة التجنيس قد أثبتت بالدليل الحسي المشهود أنّ جماهير خط الممانعة على درجة عالية جدًا من الانضباط، فرغم أنّهم كانوا غاضبين وموتورين بسبب الأحكام الجائرة، ورغم الاستفزاز الشديد الذي أظهره التواجد الأمني غير المسبوق، إلا أنّ الجماهير المشاركة في المسيرة كانوا على درجة عالية جدًا من الانضباط، ولم يظهر منهم أي سلوك غير منضبط أو غير رشيد، مما يجعل من كلِّ الكلام الذي يروَّج عنهم بأنّهم طائشين ومنفلتين بأنّه كلامٌ ظالم ولا صحّة له ولا أساس، والتجربة خير دليل.

وبخصوص المعتقلين، قال: المعتقلون اعتقلوا دفاعًا عن القضايا الوطنية والكرامة، فيجب أن تأخذ المطالبة بالإفراج عنهم إلى جانب العنوان الحقوقي عنوانًا سياسيًا، حيث تبرز المطالب السياسية كعنوان أساسي في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، ولا يصحُّ تجريد المطالبة بالإفراج عن المعتقلين من المطالب السياسية التي اعتقلوا ودخلوا إلى السجن وعذبوا من أجلها.

وقال: يجب أن يكون التضامن مع المعتقلين ومع أهاليهم تضامنا علنيًا وعاليًا، فمن شأن ذلك أن يرفع الروح المعنوية للمعتقلين وأهاليهم، وأن يوفِّر أجواء أفضل لحرية الرأي والتعبير والمطالبة بالحقوق العادلة لأبناء الشعب.

وقال: إنّ تيار الوفاء يتبنّى القيام بأعمال تضامنيّة مع المعتقلين وأهاليهم تشارك فيها جميع القوى السياسية وجميع المناطق، وينبغي الحذر من التحزّب وأمثالَه في التعاطي مع قضية المعتقلين، فإنّ التحزّب والطائفية ونحوهما في مثل هذه القضايا يعكس بشاعة الأنانية والفقر في القيم الإنسانية والمعنوية.

وقال: لقد أثبتت التجارب بأنّ شريحة واسعة تكتفي بالكتابة وراء الكيبورد والكلام في المجالس، وقد تسمح لنفسها بتجريح القيادات وإبراز أخطاء أبطال الميدان، ولكنها تنسحب إلى الوراء وتكتفي بالمراقبة من فوق التل حين المواجهة وبروز خطر الاعتقال ونحوه، ولا تجد لها حضورا في المسيرات والاعتصامات ـ لاسيما إذا صاحبتها تهديدات أمنية ـ وقد يسوِّل الشيطان لهذه الشريحة بأن تنظر لنفسها بأنّ وظيفتها الإرشاد والوعظ والتنظير، وأنّها فوق الممارسة ومواجهة الأخطار التي هي من مهام البسطاء من الناس الذين هم غيرها.

دور العلماء الروحانيين

وبخصوص دور العلماء الروحانيين، قال: أحاديث أهل البيت تؤكِّد على أن مقاليد الأمور هي بيد العلماء الربانيين، وهذا يعني أن يكونوا في مقدمة المدافعين عن الحقوق والمضحين في سبيلها، ومن لا تتوفر فيه الشروط، ومنها: الكفاءة والشجاعة والمواساة للناس، فليس من العلماء الذين تضع الشريعة المقدسة مقاليد الأمور بأيديهم.

وقال: تبنّي القيادة لا ينفصل عن الرؤية التي تؤمن بها، وعن المنهج الذي تلتزم به، وعن المشروع الذي تعمل من أجله، وعن الصفات التي تتحلّى بها، ومنها: أن تمتلك الإرادة الجدية لتحقيق الأهداف والاستعداد التّام للتضحية في سبيلها. وكلُّ قيادة لا تمتلك رؤية واضحة، وليس لها مشروع نهضة، أو لا تمتلك الإرادة الجدية للتغيير والاستعداد التّام للتضحية في سبيل تحقيق أهداف المشروع، هي قيادة باطلة لا قيمة لها في ميزان العقل والدين.

فضيلة الأستاذ حسن المشيمع رمز إسلامي ووطني

وبخصوص دعوة فضيلة الأستاذ حسن المشيمع إلى الثورة والانتفاضة ضد السلطة، قال: فضيلة الأستاذ حسن المشيمع زعيم إسلامي ووطني، وله كامل الحق بأن يبثَّ رؤاه، ولأتباعه الحق في العمل بها، ونحن نحترم ذلك الحق ونقدره. وتيار الوفاء يحتضن كل عمل سياسي معارض، وكل احتجاج سلمي، ولا يضع فيتو ضد أي حق لأي مواطن كان. ويرى تيار الوفاء الإسلامي ضرورة المحافظة على استقلالية حركة الشارع الاحتجاجية بحيث لا ترتبط عضويًا بالقوى السياسية، ويكون دور الرموز والقوى السياسية هو التوجيه والإرشاد العام للحركة الاحتجاجية والترشيد في حال الضرورة، لأنّ الارتباط العضوي بين القوى السياسية وحركة الشارع الاحتجاجية، يضرُّ بالقوّة السياسية وبالحركة الاحتجاجية، إلا أنّ التيار لا يحارب وجهات النظر الأخرى، ويحمي حقوقها على الساحة الوطنية.

وقال: هناك توجّهان على الساحة الوطنية بخصوص العلاقة بين القوى السياسية وحركة الشارع الاحتجاجية، وهما:

  • توجّه يدعو إلى تدخّل الرموز والقوى السياسية بشكل مباشر في توجيه وقيادة حركة الشارع الاحتجاجية.
  • وتوجّه يدعو إلى استقلالية حركة الشارع الاحتجاجية عن الرموز والقوى السياسية، ويكون دور الرموز والقوى السياسية هو التوجيه والإرشاد العام للحركة الاحتجاجية والترشيد في حال الضرورة.

وقال: أطلب من الأخوة أن يدقِّقوا كثيرًا ويبحثوا عن الأبعاد المختلفة لإصرار بعض الجرائد والأقلام المحسوبة على السلطة على السعي لإثبات وقوف حق والأحرار والوفاء وراء حركة الشارع الاحتجاجية والقصد وراء هذا الإصرار.


([1]) الشورى: 29.

([2]) التفسير الأمثل.

([3]) الأعلى: 2 ـ 3.

([4]) الملك: 14.

([5]) الأنعام: 91.

([6]) الحج: 74.

([7]) يوسف: 108.

 ([8])إبراهيم: 1.

([9]) المائدة: 68.

([10]) مريم: 12.

([11]) المائدة : 8.

([12]) الأنعام: 42.

([13]) التوبة: 24.

([14]) النساء: 77.

([15]) محمد: 20.

([16]) آل عمران: 143.

([17]) القصص: 78.

([18]) النجم: 32.

([19]) الحجرات: 17.

([20]) البحار، ج72، ص317 ـ 318 رقم29.

([21]) القصص: 76 ـ 78.

([22]) القصص: 78.

([23]) الزمر: 49.

([24]) فقه السيرة، ص421.

([25]) التوبة: 25.

([26]) آل عمران: 126.

([27]) آل عمران: 160.

([28]) سورة النصر.

([29]) النهج، الكتاب: 47.

([30]) المائدة: 54.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى