لقاء الثلاثاء (54)‌ | 5-7-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

جولة سريعة في روضة آية الله السيد محمد حسين فضل الله

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين الحديث الفكري لهذا الأسبوع حول الراحل الكبير سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله   وقال: عرفت اسم سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله (عطر الله تعالى مرقده الشريف) وشخصه الكريم في النصف الأول من عقد السبعينات من القرن الماضي (القرن العشرين) في بداية مشواري الثقافي حينما كنت طالبًا في جامعة الكويت، وقد قرأت كتبه المنشورة آنذاك، مثل: أسلوب الدعوة في القرآن الكريم، وقضايانا على ضوء الإسلام، وغيرهما، وسمعت خطابه الإسلامي المتميّز في دولة الكويت وفي البحرين في المواسم الثقافية التي كانت تقيمها جمعية التوعية الإسلامية آنذاك، وأنا والكثير من أمثالي مدانون له في تديننا وفي نصيبنا من الوعي في تلك الحقبة، وفي الصلابة الفكرية والسلوكية التي أبديناها في مواجهة المد اليساري وطوفان التحلّل في الجامعة والمجتمع آنذاك.

وقال: من الصعب الإلمام في حديث قصير بالأبعاد المختلفة لشخصيّة سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله، ولكن لنأخذ جولة سريعة في روضة حياته الفكرية والجهادية.

وقال: في السبعينات كانت هناك حركات إسلامية، مثل: حزب الدعوة الإسلامي، وجبهة العمل الإسلامي، وحركة جند الإمام u وحزب التحرير، وحركة الأخوان المسلمين، وغيرهم، ولم يكن موجودًا ما يصطلح عليه اليوم بـ(الإسلام السياسي) حيث كانت السرية والحالة الدعوية هي الغالبة على الأحزاب والحركات الإسلامية في تلك الفترة، وكان الفكر اليساري هو المهيمن على معظم قوى المعارضة، وكانت الحكومات تتبع غالبًا الفكر اللبرالي، وكانت لدينا حكومة يسارية في جنوب اليمن، وحكومة بعثية اشتراكية في العراق وأخرى في سوريا، والحالة الاسلامية ليست في قوتها.

وقد برزت في تلك الفترة شخصيات إسلامية واعية حملت على عاتقها مسؤولية توعية المسلمين وتأسيس الأحزاب والحركات الإسلامية في سبيل حمل الدعوة الإسلامية، ومواجهة الفكر اليساري بصورة خاصة والعلمانية بصورة عامة، وإقامة الدولة الإسلامية.

وكان اليساريون يصفون الإسلاميين في تلك الفترة بالرجعيين ويصنفونهم كجزء من الإمبريالية العالمية، وكثيرًا ما يتّهمونهم بالعمالة للحكومات والغرب.

وكان في مقدمة الشخصيات الإسلامية الرائدة، آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، وآية الله العظمى الشيخ محمد أمين زين الدين، وآية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، وسماحة العلامة الكبير السيد مرتضى العسكري، وسماحة الشيخ عبد الهادي الفضلي، وسماحة الشيخ علي الكوراني، والعلاّمة السيد قطب، والعلامة عبد القادر عودة، والعلامة المودودي، والمفكِّر الجزائري مالك بن نبي وغيرهم.

وقال: سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله كان من الرعيل الأول المؤسِّس لحركة الوعي والدعوة الاسلامية، وكان من أعمدة حزب الدعوة الإسلامي، وقد تثقَّف وتربَّى ذلك الجيل من الدعاة على فكر ومواعظ وسيرة السيد محمد حسين فضل الله والآخرين الذين ذكرتهم.

ولم نكن في ذلك الوقت نعرف بشكل جيد فكر الإمام الخميني والشيخ المطهري، وكنا نعرف العلامة الطبطبائي من خلال بعض كتبه، مثل: الميزان في تفسير القرآن، والقرآن في الإسلام، والنظرية السياسية في الاسلام، وأصول الفلسفة، وكانت لمجلة الهادي التي تصدر من قم المقدّسة دور توعوي مهم جدًا، وكان لكتب العلاّمة الشيخ محمد جواد مغنية دور مهم كذلك.

وبالنسبة لي شخصيًّا، كنت أستقي منها الكثير الكثير من الحجج في المحاججات الفكرية التي كنت أدخل فيها مع أساتذة الجامعة غير الإسلاميين، والطلبة وغيرهم، وكانت تتميز بالوضوح والتنوّع في مختلف حقول المعرفة، مثل: الفقه المقارن، والفلسفة، وعلم الكلام، والعقائد، والمسائل الإسلامية الخلافية، والمفاهيم العامة، وغيرها.

وقال: سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله (طيب الله تعالى مرقده الشريف) كان يمتلك عقلاً متنورًا، وقلبًا شفافًا طاهرًا، وحسًّا أبويًّا متميِّزًا، وشعورًا عميقًا بالمسؤولية الدينية والإنسانية تجاه قضايا الإنسان ومشاكل المجتمعات والأفراد.

وكان منفتحًا على كافة الثقافات القديمة والحديثة، وطرح المعالجات الإسلامية بلغة العصر لمختلف القضايا الفكرية والفقهية المعاصرة على الساحة الإسلامية، وجمع في إنتاجه الفكري بين الفقه والأصول والتفسير والسيرة.

ونظّر باستغراقٍ شديدٍ وشمولٍ للحركة الاسلامية في مختلف قضاياها بشكل استراتيجي يضع الحركة الإسلامية في طريق العالمية المفتوح، ويسهل عليها حركتها، ويفتح لها أبواب النجاح، وليس بشكلٍ محلِّيٍّ منغلق، ويُصعب عليها الحركة، ويغلق عنها أبواب النجاح.

وكان راعيًا مخلصًا وأمينًا للمقاومة وأبًا حنونًا للمقاومين ـ كما وصفوه هم بأنفسهم وهم أصدق القائلين ـ وكانت المقاومة بالنسبة لديه قضية استراتيجية تسمو فوق الخلافات والاختلافات السياسية والحزبية ونحوها، وكان دعمه للمقاومة والمقاومين مطلقًا، وقد أعرب ـ ربما في الساعات الأخيرة من حياته ـ عن أمله في زوال الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، وأنه لن يرتاح إلا بتحقّق هذا الأمل.

وقال: أهل الاختصاص الذين قرأوا كتب سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله   يجدون أنه أديب من الطراز الاول، وكان يقرأ للأدباء المتميِّزين، مثل: طه حسين، وعباس محمود العقاد، وغيرهما.

وقال: في الوقت الحاضر يُعتبر فكر آية الله السيد محمد حسين فضل † ومرجعيتها ملاذًا إلى الكثير من الشباب والشابات وبعض النخب والشرائح من المسلمين في أمريكا الشمالية والجنوبية، وأوروبا، وأفريقيا، وآسيا، وسببًا لإيمانهم والتزامهم بالدين الحنيف، ولولاه لكانوا ربما بعيدين عن الإسلام الحنيف، فالذي يربطهم بالإسلام الحنيف ويحملهم على الالتزام العملي به هو فكر سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله ¨ ومرجعيتها، فهم مدانين في تديّنهم بعد الله تعالى إليه، وهو كان رحمة لهم.

وقال: أتذكّر بأنّ البعض عاتبني على استشهادي فيما أكتب بأقوال سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله   فقلت له: كيف تريد مني ألا أستشهد بأقوال سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وأنا وغيري مدانين في تديننا إليه؟! وللحقيقة فإنّ كتب آية الله السيد محمد حسين فضل الله ¨ من المصادر الأساسية التي أرجع إليها.

وبخصوص الاختلافات، قال: لم أكن أرغب بالدخول في هذ الموضوع، ولكن بما إنّ الأخوة الأعزاء دخلوا فيه، فلندخل ولنأخذ منه عبرة.

وقال: لا يوجد مجتمع بشري ولا أصحاب دين ولا أصحاب مذهب لا توجد بينهم اختلافات، فالاختلاف ظاهرة طبيعية وصحية بين البشر، وهو سر من أسرار حراكهم في الحياة ونموهم وتطوّر مجتمعاتهم، فالعيب ليس في الاختلاف نفسه، وإنّما في إدارة الاختلاف، وسوء إدارة الاختلاف هو المسؤول عن المشاكل والمآسي بين المختلفين في طول الدنيا وعرضها.

وقال: نجد لدى سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله † ثلاث سمات بشأن الاختلاف في الرأي:

  • الشجاعة الأدبية في طرح الآراء والدفاع عنها بالحجة والبرهان بحسب ما يعتقد.
  • الالتزام بالحكمة والهدوء في طرح آرائه التي يُعبَّر عنها بالجريئة، فالتمسك بالحق الذي يراه الإنسان والدعوة إليه، لا يعني أبدًا إلغاء الحكمة في الطرح والتناول للمسائل الخلافية، قول الله تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(([1]).
  • التسامي في العلاقة مع من يختلف معهم.

وقال: البعض يتعاطى مع المختلفين معه بشكل غرائزي حيواني، فالحيوان حينما يغضب يهاجم ويغتال ويقتل، أمّا الإنسان فيمتلك عقلاً وضميرًا وله دين وقيم، ويجب أن يتعاطى مع المختلفين معه على أساسٍ إنسانيٍّ تتجسَّدُ فيه القيم وأحكام الدين الحنيف والقانون العادل، ولكن للأسف الشديد فإنّ الغالب في التعاطي مع المختلفين هو الشكل الغرائزي الحيواني، وهذا للأسف الشديد هو السائد بين المؤمنين والدّعاة.

وقال: على أرض الواقع هناك منهجان لدى العاملين الإسلاميين:

  • المنهج السلطوي: وهو منهج يقوم على المغالبة والمنافسة والسباق للسيطرة على المساجد والمآتم والمناطق ومصادر القوة ومنع الغير المختلف من المؤمنين منها، وهو منهج سلطوي في جوهره، وإن لبس العاملون به لبوس الدين والتقوى، وهو يُجسِّد بحق وحقيقة قول هارون الرشيد لولده المأمون: “إنَّ المُلْكَ عقيم ولو نازعتني عليه لأخذتُ الذي فيه عيناك”([2]) وهو منهج تتجلى فيه الحسابات المادية والخوف على الدنيا والمصالح وعدم الثقة التّامة بالله “.
  • المنهج القيمي: وهو منهج يركِّز على مرضاة الله سبحانه وتعالى وتحصيل المدد الغيبي منه (، ويتجلَّى فيه عمق الإيمان بالغيب، والثقة بالله ” والتوكّل عليه، والالتزام الصادق الظاهر والباطن بأحكام الدين وقيم السماء، ولا يقيم أصحاب هذا المنهج وزنًا للمصالح الدنيوية في مقابل مرضاة الله سبحانه وتعالى، ولا يخدعهم الشيطان بالخلط بين الدين واتباع الهوى وشهوات النفس، ويرون بأنّ النصر هو من عند الله وحده لا شريك له وليس بسبب المغالبة بالحق والباطل، وهذا المنهج يجسِّد بحق قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o: “والله  لَأُسلِمَنَّ‏ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورُ إلا عليّ خاصة، التماسًا لأجر ذلك وفضله، وزهدًا فيما تنافيتموه من زخرفة وزبرجة”([3]).

وقال: الالتزام العملي بالمنهج القيمي يحتاج إلى بصيرة ويقين لا يتزلزل أمام صنوف حالات التخويف والترغيب، وتربية روحيّة وأخلاقيّة راسخة.

وقال: النصر على المدى البعيد هو لأصحاب المنهج القيمي، ونصيب أصحاب المنهج السلطوي الخسران، والمنهج السلطوي هو السبب الرئيسي في تأخّر النصر عن المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وما بقيت الدنيا وبقي هذا المنهج.

وقال: لقد وجدنا التسامي لدى سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله † في علاقته مع من يختلفون معه، وهي حالة إنسانية راقية جدًا، وقد وجدنا في هذا الشأن حالة عظيمة لدى الإمام السيد علي الخامنئي — فهو المرجع الوحيد الذي يقف على رأس دولة عظيمة مثل إيران، ويمكنه أن يغطّي بمركزه في الدولة على كافّة المراجع في إيران ويهمِّشَهم، ولكن الذي يتأمّل الحال يجد الدور والبروز لكافّة المرجعيات، والساحة مفتوحة للذين يختلفون معه في إبداء الرأي وإظهار الموقف، وهو لا يزاحم بمرجعتيه المرجعيات الأخرى.

وقال: من المآسي التي تتعلّق بإدارة الاختلاف في العالم الإسلامي، بأنّ البعض لا يملكون الفهم المناسب للحياة، ويطرحون الاختلافات ذات الأبعاد العملية كما يطرحون المسائل في أبعادها النظرية، بدون الوعي بتفاعلاتها ونتائجها الخبيثة على أرض الواقع، مما خلق لنا مآسي ومصائب خطيرة هددت شخصيات وكيانات كبيرة في العالم الإسلامي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وبخصوص العمل المؤسسي، قال: المؤسّسات ليست كالدولة، ومن بيده مؤسّسات ليس كمن بيده دولة، إلا أنّه ليس متاح لكل المرجعيات إقامة الدولة، ولكن احتضان المرجعيات الدينية العليا للعمل المؤسّسي يكاد يكون ضرورة عملية، وهو متاح لجميع المرجعيات الدينية العليا.

فالعمل المؤسّسي يحفظ الإنجاز المرجعي بشكل تراكمي ترثه المرجعيات المتعاقبة، وتحوّله إلى نتاج نوعي غزير وشامل يصب في مصلحة الأمة ككل، بدلاً من الانتهاء والضياع أو التبعثر بعد فقد المراجع، وقد نجح سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله † في إقامة العمل المؤسّسي للمرجعية، وقد أسّس له وعمل وفقه قبل تسلّمه زمام المرجعية الدينية العليا.

وقال: المرجعية تمثِّل الخط القيادي الأوّل في الأمة، وما لم يتحوّل العمل المرجعي الى حالة مؤسّسية، فإنّ المرجعيّة لن تكون قادرة على إحداث التغيير المطلوب في الأمة، فالقرآن الكريم يربط التغيير بالعمل الجماعي، فكل الآيات التي تكلمت عن التغيير في الأوضاع العامة للمجتمعات تربطه بالعمل الجماعي (القوم) ولم أجد في القرآن الكريم ـ بحسب فهمي ـ آية تكلمت عن التغيير في المجتمعات من خلال الأعمال الفردية، قول الله تعالى: )ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(([4]).

وقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(([5])  فإذا كان العمل المرجعي عمل غير مؤسّسي، ولم ترتبط المرجعية بالحالة المجتمعية للأمة، فلن تكون قادرة على إحداث التغيير التي تطمح إليه الرسالة السماوية المباركة، لأنّ التغيير لا يكون إلا بالعمل الجماعي المنظَّم، ولن يكون بالعمل الفردي المبعثر، والمرجعية التي لا تتزعم الحالة الجماعية للعمل الإسلامي، لن يكون التغيير على يدها ممكنًا، وهذه نقطه في غاية الأهمية.

وقال: من معالم شخصيّة سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله   القيادية، هي المتابعة، وهذه أحد خصائص القائد والزعيم الناجح، فالقائد الناجح لا يكون إلا متتبعًا لشؤون الأمّة وأحوالها، وكان سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله ¨ من المتتبعين وبشكل مباشر ودقيق شؤون الأمّة وأحوالها العامّة، وحتى في مرضه لم يتخلَ عن هذه المسؤولية، وكان لدى سماحته اهتمامًا كبيرًا بالشأن البحريني، وقد وقف بصدق وإخلاص يتجلّى فيهما التّتبع وعمق الشعور بالمسؤولية والهوهوية إلى صف الشعب البحريني ونصرته في محنه المتعاقبة، وكان على بعد واحد من جميع الأطراف، وناصحًا للجميع، ولم ينحاز إلى طرف على حساب الأطراف الأخرى، وكان حرصه شديدًا على أن يكون رأيه جزء من الحل وليس جزء من المشكلة، وقد رفض الدعوات المتعاقبة له من السلطة لزيارة البحرين في العهد الجديد، لكيلا توظِّف الزيارة ضد قوى المعارضة.

وقال: في ختام هذه المداخلة أعزِّي صاحب العصر والزمان t وكافة المرجع العظام، والأمّة الإسلامية وأسرة الراحل الكبير سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله برحيله عنا، وعزاؤنا الحقيقي هو قول الله تعالى: )مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(([6]).

الأحكام الجائرة ضد معتقلي المعامير الأبرياء

وبخصوص صدور الأحكام الجائرة ضد معتقلي المعامير الأبرياء، قال: قبل أسابيع عديدة سأل أحد الأخوة الأعزاء هنا في هذا المجلس، كيف تنظر إلى مستقبل الوضع في البحرين، فأجبت بأنّنا سوف نستقبل أوضاعًا صعبة وأيامًا عصيبة، ولكن الفرج من ورائها ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد بدأت علامات الأوضاع الصعبة بالظهور، فمن الواضح أنّ الحكم الجائر على أبنائنا من شباب المعامير بالمؤبد ـ وهو حكم قد تجاوز كل التوقّعات ـ هو أوّل الثمار الخبيثة لقوانين الإرهاب الصادرة من مجلس العائلة الصوري المسمى زورًا وبهتانًا برلمان.

وسوف تتوالى ثمارها الخبيثة، وربما تصدر أحكامًا بالإعدام في الحالات القادمة، ونحن ندين بشدّة هذه الأحكام الجائرة، ولن يقف الشرفاء من أبناء الشعب حيالها مكتوفي الأيدي، ونحن في تيار الوفاء الإسلامي نربط مصيرنا بمصير أبنائنا المعتقلين، فإمّا أن يطلق سراحهم، وإمّا أن نلحق بهم.

وقال: هذه الأحكام سياسية بامتياز، ولا صلة لها بالقضاء النزيه المستقل، وهدف السلطة من ورائها هو احتواء قوى المعارضة والسيطرة على حركة الاحتجاجات الشعبية التي تزداد وتيرتها واتّساعها والتأييد السياسي والشعبي لها يومًا بعد يوم، وقد تحضر السلطة وراء هذه الأحكام الى اعتقالات نوعيّة قادمة.

وقال: إنّ السلطة لن تكون قادرة على تحمل زمن المؤبَّد من عدم الاستقرار، بل لن يدوم ظلم السلطة وجورها إلى هذا الزمن ـ بإذن الله تعالى ـ وإذا كانت السلطة تحضر من وراء هذه الأحكام المشدّدة الى اعتقالات نوعيّة تشمل بعض الرموز ما لم ترغمهم على الصمت، فإنّ الرموز لن يصمتوا، واعتقالات الرموز لن تضع حدًّا لمأزق السلطة، بل ستركسها في الوحل الذي لن تستطيع الخروج منه بسلام.

وقال: لا أرى الرشد في سلوك السلطة وتصرفاتها، وأرى بأنّها لا تبصر بما فيه مصلحتها، فهي تضرُّ بنفسها أكثر كما تضرُّ بمصلحة أبناء شعبها، وأرى بأنّها واقعة في الغرور بسبب التعويل على ثلاثة عوامل رئيسية:

  • فشل قوى المعارضة ـ لاسيما المحسوبة على الشيعة ـ في إدارة خلافاتها بالحكمة.
  • ما تمتلكه من جيوش المرتزقة والقوة.
  • الدعم الأمريكي غير المحدود لها.

وقال: لقد أعلنت أمريكا على ضوء اتفاقية توسعة القاعدة الأمريكية في البحرين قبل أسابيع بكلفة (580 مليون دولار) عن دعم غير محدود للسلطة على المستوى الخارجي والمحلي، فأمريكا تتحمّل قسطًا وافرًا من المسؤولية عن جرائم السلطة ضد أبناء الشعب الأبرياء من تجنيس وتمييز طائفي وانتهاكات لحقوق الإنسان وغيرها، وقد ابتليت الشعوب المستضعفة بتنكُّر الحكومات الأمريكية والغربية لمبادئها وجريها وراء مصالحها الاستعمارية البحتة في دعمها للحكومات الدكتاتورية المستبدة وتجاهلها لأنين الشعوب من وجع الحرمان وانتهاكات السلطات الشنيعة لحقوقها الطبيعية في الحياة.

وأمل الشعوب المستضعفة يكمن بعد الله ” في يقظة ضمائر شعوب العالم التي سوف تعاقب حكوماتها الاستكباريّة يقينًا، وإنّ السلطة في البحرين لتعيش الوهم الحقيقي بتعويلها على الدعم الامريكي ونحوه للخروج من مأزقها، فأمريكا لن تستطيع الخروج من مآزقها حتى تتفرّغ لإخراج السلطة في البحرين من مأزقها.

وقال: لقد علمت السلطة من التجارب إنّ الشعب البحريني شعب عصي تربّى على العزّة والإباء وهو غير قابل للتطويع على الذلّة والمهانة، والخيار الأمني لم يجدِ في الماضي، ولن يجدي في الحاضر، ولن يجدي في المستقبل، فلن تنكسر إرادة الشعب، ولن تنكسر شوكته، والخاسر هي السلطة.

فإن لم تتراجع السلطة عن سياستها الطائشة وتتوقف طائعة عن ارتكاب الجرائم ضد أبناء الشعب، فسوف تتراجع مرغمة ـ بإذن الله تعالى ـ ونتمنّى لها أن يكون تراجعها قبل أن تخسر كل شيء، فليس هنالك شعب في الدنيا يعطي الولاء لسلطة تناصبه العداء، وتسعى للقضاء عليه، والقاعدة في التأريخ: إنّ الشعوب تبقى والحكومات تتغيّر.

وقال: أرغب في التنبيه إلى مسألة في غاية الأهميّة، أخاطب بها عقول الجماهير والرموز والقوى السياسية وضمائرهم، إذا أردتم النجاح وتحقيق مطالب الشعب العادلة، فعليكم أن تنجحوا وتتحلّوا بالرشد أولاً وقبل كل شيء في إدارة اختلافاتكم بعيدًا عن الانفعال والتشنّج وضيق الأفق، فإذا لم ننجح في ذلك، فلن ننجح في تحقيق مطالب الشعب العادلة، وإذا كنتم لا تبصرون صواب هذا الكلام في الوقت الحاضر، فسوف ترون صوابه ـ بإذن الله تعالى ـ في المستقبل، وأرجوا ألاّ يكون بعضنا مسبّةً للأجيال القادمة، التي لن تكون لها مصلحة إلا في معرفة الحقيقة والانحياز إليها لا إلى سواها.

محوريّة دور الجماهير في تحقيق مطالب الشعب العادلة

وبخصوص إدارة الساحة في مواجهة مخططات السلطة، قال: يجب أن تلعب القوى السياسية دورًا قياديًّا في الرد على تجاوزات السلطة ووضع حد لجرائمها ضد أبناء الشعب الأبرياء، ولكن التعويل المطلق على مبادرات القوى السياسية، مثل: حق والوفاء والأحرار لتحقيق المطالب ليس صحيحًا، لأنّ هذه القوى هي عبارة عن مجموعة من أشخاص يمكن للسلطة السيطرة عليهم بأكثر من وسيلة، كالسجن وغيره، وقد لمستم حجم الفراغ الذي تركه مرض فضيلة الأستاذ حسن المشيمع، فإذا كان التعويل على الأشخاص والقوى السياسية، فيمكن أن ينتهي كل شيء، والمطلوب:

  • أن تقوم الرموز والقوي السياسية بأدوار قيادية في التوجيه والرد على تجاوزات السلطة والمطالبة بحقوق الشعب المشروعة.
  • أن تبقى لحركة الجماهير مساحة واسعة من الاستقلالية والأخذ بزمام المبادرة على ضوء الثوابت العامة الواضحة للجميع.

لتكن لدينا حركة سياسية منظمة بقيادة الرموز والقوى السياسية، وحركة شعبية غير مركزية في جميع المناطق، لنضمن بهذا حسن التوجيه والاستمرارية للحركة المطلبية الشعبية، حتى تتحقق المطالب، ولا تكون للسلطة القدرة على فرض سيطرتها على الحركة المطلبية وإرغامها على التراجع قبل تحقيق المطالب العادلة.

وقال: قد طالب تيار الوفاء الإسلامي الجماهير في بيان الانطلاق بتشكيل لجان مناطق لتنظِّم تحرّكات المناطق وإدارتها بشكل غير مركزي، وأنا أدعوكم إلى ما دعاكم إليه بيان الانطلاق بتشكيل هذه اللجان، وذلك لبروز الأهمية الكبرى لهذا الإجراء مناطقي.


([1]) النحل: 125.

([2]) بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج‏48/ ص: 131/ باب 6 مناظراته o مع خلفاء الجور وما جرى بينه وبينهم وفيه بعض أحوال علي بن يقطين.

([3]) نهج البلاغة (للصبحي صالح)/ ص: 102/ ومن خطبة له o لما عزموا على بيعة عثمان.

([4]) الأنفال: 53.

([5]) المائدة: 54.

([6]) البقرة: 106.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى