لقاء الثلاثاء (52) | 15-6-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.
في ظلال سورة الضحى
في بداية الجلسة تحدّث الأستاذ عبد الوهاب حسين عن سورة الضحى، وقال: لا أرغب في تعويدكم على ربط الحديث الفكري في لقائنا الأسبوعي هذا بما يُتلى من القرآن الكريم في بداية اللقاء ـ وقد تكرّر هذا مرّات عديدة ـ فرغبتي بأن نختار من المسائل الفكرية ما يرى الحضور الحاجة إلى الحديث فيها، وذلك بحسب:
- نظرهم إلى المسائل التي تشغل بالهم.
- والقضايا المثارة على الساحة الفكرية الداخلية أو الخارجية.
فهذا أكثر فائدة لنا، نظرًا إلى الحاجة العمليّة إليه، ولارتباطه بقضايا ومسائل فكريّة نعيشها فعلاً، مما يجعل للحديث قيمة عمليّة، وصدًا على أرض الواقع، رغم القيمة الدائمة للحديث عن سور القرآن الكريم وآياته، فالقرآن الكريم بصائر للناس، وهداية ورحمة للعالمين، واستجابةً إلى رغبتكم سوف أتحدّث اليوم حول سورة الضحى التي اختار لنا الأخ القارئ تلاوتها، وأرجو أن يتغيّر الحال في الأسابيع القادمة.
وقال: في السورة الشريفة المباركة تركيز هائل على البعد القيمي في الحياة، وهي مسألة جوهرية وفاصلة في مسيرة الإنسان حيث الاتجاه نحو الحق أو الباطل، نحو الخير أو الشر، نحو العدل أو الظلم، نحو الرقي والتمدن والاستقرار أو التخلف والبداوة والتيه في البراري والقفار، نحو اللين والعطف والحنان أو الشدة والجفاء والقسوة، نحو الهداية والحياة الإنسانية الطيبة وحفظ التوازن أو الضلال والحياة المادية وعمل الخبائث والفجور والانسلاخ من الإنسانية وتضييع النفخة الربانية الشريفة والإخلال بالتوازن والعيش كالأنعام، نحو السعادة أو الشقاء في الدنيا والآخرة…
وقال: قد ابتدأ الله سبحانه وتعالى السورة الشريفة بالقسم، قوله تعالى: )وَالضُّحَى ` وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى( والسؤال: لماذا يُقسم الله لعباده؟
وقال: أحيانًا يكون القسم من الله ( من أجل أن يلفت انتباهنا إلى عظمة الشيء الذي يُقسم به وقيمته الوجودية ومنفعته للإنسان في حياته، كأنّه يقول للناس: بأنّ لهذا الشيء قيمة، وله منفعة كبيرة في حياتكم، وعليكم الالتفات إلى ذلك والاستفادة منه في حياتكم وتأدية حق الشكر للمنعم به عليكم.
أو يلفت انتباهنا إلى آية من آياته ليدلَّنا بها على الحق والخير والعدل والفضيلة والجمال وراءها، وكثيرًا ما يكون القسم في القرآن الكريم حجّة دالّة على كون الحق هو في الجواب الوارد بعد القسم، مثل قوله تعالى: )لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(([1]) فإنّ حياة الرسول الأعظم الأكرم Q المصونة بعصمة من الله “، دالَّة بدون شك على سكرهم وعمهم بمخالفتهم له فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.
وقال: أشعر أحيانًا بأنّ وراء القسم سعيٌّ رباني لتنبيه عقول البشر عامّة، وعقول صنف من البشر قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة خاصة، فهو ( يريد من خلال الصدمة بالقسم لعقول هؤلاء أن تنفتح لآياته في الآفاق وفي أنفسهم، ولقلوبهم أن تلين لذكره ونعمائه، ولنفوسهم أن تطهر من الذنوب والخبائث، ولكن أحيانًا ومع الأسف الشديد حتى قسم الله ( لهم لا ينفع معهم، فعقولهم المقفلة بأقفال الجهل والغفلة والعصبية والرذيلة لا تلتفت إلى عظمة صاحب القسم وجلاله، ولا تلتفت إلى دلالات الأشياء والمعاني والأسماء التي يقسم بها، ولا تلين قلوبهم للمواعظ والتنبيهات والتحذيرات الصادقة يقينًا، فتأتيهم تحذيرات ربانية قاصمة للظهر تزول لعظمتها وجلالها السماوات الشداد والأرض والجبال، مثل: قول الله تعالى: )ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا(([2]) وقوله تعالى: )فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ(([3]) وقوله تعالى: )فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ(([4]) ويقول سبحانه وتعالى في ظلِّ ذلك كلِّه: )يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ(([5]) فهو الرؤوف الرحيم بعباده ويريد لهم جميعا الخير والسعادة.
وقال: هذا الصنف من البشر موجودٌ بيننا، وهذه التحذيرات ينبغي أن يأخذها المؤمنون الأعزاء أيضًا بعين الاعتبار، فلا يكفي للفوز والنجاة أن يُسمى الإنسان مؤمنًا ويقوم بأداء الشعائر الدينية، وإنّما المطلوب منه أن يستقيم على الشريعة المقدسة، ويحمل قيم الدين الحنيف ويجسدها في سلوكه ومواقفه وعلاقاته، ونحن نجد أحيانًا ـ للأسف الشديد ـ ظلم بعض المؤمنين لبعضهم، واستقواء بعضهم على بعض، بل قد يستقوي بعضهم بعدوِّهم على بعضهم الآخر، ويعمل لمصلحته على حساب مصلحة أخواهن المؤمنين، وقد يصف سلوكه بمحض الإيمان، ويصف سلوك أخواهن المؤمنين بأوصاف جاهلية غير لائقة، ليبرِّر لنفسه ظلمهم بغير حق، وهذه بلا شك تبريرات شيطانية ضالة.
وقال: ليحذر المؤمنون الأعزّاء من الحُجُب التي تفصل بينهم وبين الحق والمواعظ الصادقة، وتحول بينهم وبين النجاة من النار والفوز بالجنة، فإنِّي أجد أحيانًا للتعصّب بينهم واقعًا يحول فعليًّا بينهم وبين الحق والمواعظ الصادقة، بل يجعل الحق عند بعضهم باطلاً والباطل حقًا، فهم بسبب التعصّب لا يبصرون ولا يسمعون ولا يفقهون، وهم في غمرة التعصّب وسكرته يعمهون.
وقال: في السورة المبارك يخاطب الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم Q بالقول: )وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى( فهو خطاب الله سبحانه وتعالى إلى سيد الأنبياء والرسل q وخاتمهم، وفيه من التهذيب والتأديب الكثير الكثير، وهو القائل: “أدَّبني ربي فأحسن تأديبي”[6] وفيه درس وعبرة للرموز والقيادات، فلتتعلّم الرموز والقيادات التي تجعل نفسها فوق النقد والنصيحة من هذه الآيات الشريفة المباركة التواضع للحقيقة وتقبلّها بنفس راضية مطمئنة، فالصلاح لا يكون إلا مع الحقيقة وتقبّلها، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o: “فإنّه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يُعرضَ عليه، كان العمل بهما أثقل عليه”([7]) فلو أنّ أحد الصالحين وجّه نقدًا لعبد الوهاب ونصحه نصيحة صادقة أمام عامّة الناس، فهل يقبل عبد الوهاب منه هذا النقد وهذه النصيحة الصادقة، أم تأخذه العزّة بالإثم ويكابر؟!
وقال: الكثير منا ـ للأسف الشديد ـ لا يقبل النقد والنصيحة بالحق في السر والعلن، ويصنفها في دائرة العداوة والخصومة والضدية، وهذا خُلقٌ قبيح لا يليق بالمؤمنين، والبعض الآخر يُفرِط في النقد والنصيحة حتى يُخرجه الإفراط عن حدود اللياقة والأدب.
وقال: نحن نعلم بأنّ الرسول الأعظم الأكرم Q على الفطرة الإنسانية النقية لم تنجّسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها، وأنّه معصوم منذ ولادته، وطاهر مطهَّر من الذنوب لا يعصي الله ” طرفة عين أبدًا، وأنه قد بلغ من الكمال حتى دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى دنوًا واقترابًا من العلي الأعلى.
ولكنه مع ذلك مخلوق فقير في ذاته، وهو ليس بإله، ولا نصف إله، وليس له أي نصيب من الإلهية، فهدايته من الله وليست من نفسه، ولولا الهداية الربانية، والإمداد الغيبي، لما وصل من تلقاء نفسه إلى ما وصل إليه من الهداية والكمال والمقام الرسالي الشامخ، فكل ما لديه من الفضل والهداية والكمال هو من عند الله (، فلا هدى له Q ولا لأحد من الخلق إلا من عند الله الأحد الصمد، ولهذا نقول في تشهد الصلاة: “وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله” فالعبودية مقدَّمة على الإرسالية في الشهادة بفضله ومكانته وحمله الرسالة إلى العباد وهدايتهم إلى الحق والصراط المستقيم.
وقال: لنا في ذلك درس كبير، فالقرآن الكريم يريد أن يؤكِّد لنا بأنّ الحقائق الكبرى هي فوق العاطفة والمجاملة، فإذا أخضعت الحقائق الكبرى للعواطف والمجاملة لأيٍّ كان، فإنّ النتيجة هي الضلال وفساد العقيدة، وبالتالي: فساد الدنيا والآخرة، فيجب إظهار الحقائق وتعليمها للناس كما هي، وإنّا لنجد في القرآن الكريم آياتٍ ملفتة في إظهار الحقائق وبيانها للناس كما هي بدون أية مجاملة لأيِّ أحدٍ من الخلق أيٍّ كان، مثل: قول الله تعالى: )وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ` لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ` ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(([8]) ومع ذلك نجد من بعض المؤمنين التعامل مع الحقائق الكبرى بعاطفية وإدخالها في دائرة المجاملة، وقد يعادون لهذا السبب من يظهرها للناس كما هي، وهذا بخلاف المنهج القرآني والإيمانية العظيم.
وقال: هذا لا يعني أبدًا تجاهل الحكمة في طرح المفاهيم الحقة وبيانها للناس، قول الله تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(([9]) فالمطلوب هو سلوك الطريق الوسط، وذلك من خلال:
- الالتزام بطرح المفاهيم الحقَّة وبيانها للناس.
- مع مراعاة الحكمة في الطرق والبيان.
إيمان العقل والوجدان
وقال: العقيدة التي يدعوا إليها القرآن الكريم والتي يريد الله ( أن يكون عليها الإنسان، هي العقيدة التي يندمج فيها العقل مع الوجدان.
- فهي عقيدة واعية تخضع للدليل والبرهان، قول الله تعالى: )قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(([10]).
- وهي عقيدة يحركها الوجدان الصادق المنفعل مع الحق.
وقال: بدون هذا الاندماج لا تحقق العقيدة الغرض المطلوب منها، قول الله تعالى: )أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(([11]) فالخشوع حالة وجدانية تتولد من المحبة لله ذي الجلال والإكرام أو المخافة من الله “، قول الله تعالى: )إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا(([12]).
فالمطلوب:
- أن نعرف الله معرفة عقلية تستند إلى الدليل والبرهان.
- وأن تندمج هذه المعرفة مع العشق لله والمخافة منه.
فالوعي يضيء الطريق ويعطي البصيرة، والوجدان يوجد الرغبة ويحرك الإرادة نحو تحقيق الغاية والمراد.
وقال: هناك تعاطي غرائزي أعمى، مثل: تعاطي الأم مع ولدها بدافع الأمومة، فهي لا تقبل طعن الخصوم بحقه، وتبحث عن الأعذار لأخطائه الفادحة، وتحمِّل الآخرين مسؤوليتها ـ وإن كان ولدها سيّد المجرمين وقائدهم ـ وهناك تعاطي وجداني راقي، مثل: موقف أبي الفضل العباس o حينما نزل إلى ماء الفرات، وكان شديد العطش، ولكنه امتنع عن شرب الماء مواساة لأخيه الإمام الحسين o فهذا موقف وجداني راقي جدًا.
وقال: لقد ناقش الشيخ الأمين ¨ في كتابه التنزيه ـ إن لم تخني الذاكرة، فقراءتي لهذا الموضوع من زمن بعيد ـ الحكم الشرعي لأبي الفضل العباس o حينما نزل إلى المشرعة، ورأى بأنّ التكليف الشرعي في مثل حالة أبي الفضل العباس o لمّا أن تمكّن من الماء وهو شديد العطش هو شرب الماء.
وقال الأستاذ: نحن نعلم بأنّ أبي الفضل العباس o ليس معصومًا ـ بالمعنى الخاص للعصمة ـ ولكنه فقيه من الطراز الأوّل قطعًا، ولا دخل لي بين الفقهاء، ولكن إذا نظرنا إلى موقف أبي الفضل العباس o من الناحية الفعلية، نجد أنّه غير قادر فعليًّا على شرب الماء، لأنه يتعاطى مع الإمام الحسين o كإمام وسيد للوجود ومعشوق.
فقد نشأ منذ طفولته ونعومة أظفاره على عشق الإمام الحسين o وطاعته ـ والفضل في ذلك يعود إلى طيب معدنه وإلى تربية والدته أم البنين التي عرفت بصدق الولاء لأهل البيت q ـ وهذه العلاقة الإنسانية الراقية تجعل أبي الفضل العباس o غير قادر من الناحية الفعلية على شرب الماء، حيث علمه بالعطش الشديد للإمام الحسين o الذي انصهر تمام الانصهار في محبّته وعشقه، والله تعالى يقول: )لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(([13]) وأنبِّه هنا بأنّ هذا الكلام ليس فتوى، وهو فاقد لأصول الفتوى تمامًا، وإنّما هو تحليل فكري قد يصيب وقد يخطأ.
اللقاء مع الوفاق
وبخصوص اللقاء الذي عقد مؤخّرًا مع جمعية الوفاق، قال: اللقاء مع الوفاق كان جيّدًا، وقد حرص كلا الطرفين على إنجاحه، وقد جاء عقد اللقاء بعد أن كتب الإخوة في الوفاق رسالة إلى قيادة تيار الوفاء بناء على طلبه قبل 8 شهور، وقد اتفقنا في اللقاء على بعض الأمور الإدارية:
- أن يكون اللقاء دوريًّا كلَّ شهر تقريبًا.
- أن تُطرح جميع الملفات على بساط البحث، وأن يكون التناول للجوانب العمليّة.
- أن يكون هناك منسِّق من كل طرف، ويقوم المنسِّقان بترتيب اللقاءات وإعداد جدول الأعمال.
- أن يصدر بيان خبري عن اللقاء ـ وقد صدر فعلاً ـ وأن يصدر بيان يحتوي بعض التفاصيل، وقد اتفقنا على آلية كتابة البيان، وأتوقع أن يصدر قريبًا.
وقد أكّد الطرفان حق كل طرف في التعبير عن رأيه والإعلان عنه.
وفي الردِّ على احتجاج أحد الحاضرين على أصل اللقاء، قال: اللقاء مع الوفاق يأتي ضمن السياسة الثابتة للتيار، ولا حجّة لنا في رفض اللقاء، ولا مصلحة في ذلك، ولدينا ميزان في إدارة العلاقات والملفات، ولا خوف من التوقيت ونحوه.
وبخصوص سفينة المساعدات التي قالت الوفاق أنّها تنوي إرسالها لدعم أهالي غزّة، قال: دعم أهالي غزّة واجب ديني وإنساني لا ينبغي التساهل فيه، وإذا كانت الوفاق قادرة على تسيير سفينة مساعدات لأهالي غزّة، فعليها أن تفعل، وهنيئًا لها بذلك، ولها الفخر، ولا يُعاب عليها بأنّها تستفيد من ذلك في تعزيز موقعها على الساحة الوطنية.
المولوتوف وفلسفة العصيان المدني
وبخصوص استخدام المولوتوف في الاحتجاجات، قال: سمعت من يقول بأنّ نصيحة تيار الوفاء للمحتجّين بعدم استخدام المولوتوف قد عرَّت ظهورهم، وأرى بأنّ هذه قراءة مستعجلة وغير صحيحة، لأنّ التيار أثنى على المحتجّين ولم يذكرهم بسوء، ورأيه سياسي وليس شرعي، نصح به ولم يسعَ لفرضه، ولم يشنِّع بمن يخالفه، وفي تقدير قيادات تيار الوفاء بأنّه سبيل إلى تعرية السلطة وفضحها وليس تعرية المحتجّين وإضعافهم، لأنّ السلطة ستكون مدانة أكثر لاستخدامها القوّة المفرِطة ضد المحتجّين العُزّل في ظلِّ عدم استخدام المحتجِّين المولوتوف.
وقال: من يقول بأنّ المولوتوف أداة للدفاع عن النفس هو غير ملم بحقيقة الاحتجاجات وقواعد العصيان المدني، فالمحتجّون في الأساس يمارسون الاحتجاج السلمي وفق قواعد العصيان المدني وليسوا يستخدمون القوة في مواجهة قوّة السلطة، لتكون المولوتوف أداة لديهم للدفاع عن النفس.
وقال: في حرب غزّة قام الكيان الصهيوني بتدمير كل شيء في غزة بالصواريخ والطائرات، ولكن الرأي العام الشعبي في العالم ـ لاسيما في الغرب ـ لم يتفاعل مع الحرب كما تفاعل مع الاعتداء الصهيوني على أسطول الحرية، والسبب إنّ الحرب هي مواجهة القوّة بالقوّة ـ وإن كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية في الحقيقة لا تكسر حجرًا بينما صواريخ الكيان الصهيوني تدمِّر كل شيء تقع عليه ـ فالعنوان الرئيسي للحدث هو الحرب ومواجهة القوّة بالقوّة.
ولهذا لم ينتفض الرأي العام الشعبي في العالم ضد الحرب بالشكل المطلوب ـ رغم قسوة التدمير والنتائج البشعة للحرب ـ بينما انتفض الرأي العام الشعبي في العالم بشدّة لمّا اعتدى الكيان الصهيوني على أسطول الحرية، وذلك لأنّ الكيان الصهيوني استخدم القوّة المفرطة ضد متضامنين عُزّل، فوقع الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب في حرج شديد، وبدأت المساعي العالمية لفك الحصار عن غزة، وهذه هي فلسفة العصيان المدني.
تشديد الأحكام ضد المعتقلين
وبخصوص إصدار حكم بالسجن لثلاث سنوات في قضية تفجير أسطوانة غاز، قال: السلطة تعمل الآن على إصدار أحكامٍ ضد المعتقلين أشد من أي وقت مضى، فقد أصدرت حكمًا بثلاث سنوات على مّتهم بتفجير أسطوانة غاز، في حين كانت الأحكام في السنوات السابقة لنفس التّهمة لا تتجاوز ستة أشهر، وهذا يتزامن مع تزايد الاحتجاجات وفشل السلطة في السيطرة عليها، ويتزامن مع توسعة القاعدة الأمريكية وتصريحات السفير الأمريكي للصحف المحلية، فهذه تؤشِّر على دعم أمريكي غير محدود للسلطة ـ إقليميًّا ومحليًّا ـ وأعتقد بأنّ الأحكام المشدّدة، والدعم الأمريكي، ونحوها، لن تقدِّم حلاًّ يُخرج السلطة من مأزقها مع الشعب، والحل الوحيد أمام السلطة للخروج من المأزق هي الاستجابة السريعة لمطالب الشعب العادلة.
وقال: لا يوجد في الدستور نص يُقسِّم المواطنين إلى درجة أولى ودرجة ثانية، ولكن السلطة تميّز بين المواطنين بأسوأ من هذا، وتتعامل مع الشيعة ليس كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة بل كأعداء من الدرجة الأولى، وتقوم بعملية تطهير طائفي ضدهم من خلال التجنيس والتمييز الطائفي في التوظيف والتعليم والخدمات والثقل الانتخابي والإجراءات القضائية ونحوها.
وقال: الادّعاء بأنّ ولاء الشيعة لإيران لا يصمد أمام الحقائق التاريخية، وحبل الكذب قصير.
مرض الأستاذ حسن المشيمع
وبخصوص المرض الذي ألمّ بالأستاذ حسن المشيمع، قال: الأستاذ حسن المشيمع شخصية مهمّة جدًا على الساحة الوطنية، وله دور مشهود في خدمة الوطن والمواطنين، وقدَّم تضحيات عزيزة في هذا السبيل، وهو شخص يخشاه الأعداء، وغيابه سيترك فراغًا، وله علينا جميعًا حق الدعاء والتضامن معه ومع أسرته، وإن شاء الله تعالى ينجح المؤمنون في سد الضروري من الفراغ الذي يتركه غيابه القسري عن الساحة وتأدية أمانة التكليف والقيام بالواجب، وأملنا في الله تعالى كبير بأن يعود الأستاذ المبجّل سريعًا إلى أهله وشعبه وساحة جهاده سالمًا معافىً إنّ الله على كل شيء قدير وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
التسويق للخيارات مع احترام للعقل
وبخصوص تكذيب البعض ما نقلته قيادات تيار الوفاء عن آية الله العظمى السيد السيستاني قال: الكذب حرام، وهو من أقبح الذنوب وفواحش العيوب، ولا يَكْذُبُ الكذّابُ إلا من مهانة نفسه عليه ـ عافنا الله تعالى وإياكم من الكذب ـ وتكذيب المؤمنين بغير دليل قبيح وحرام أيضًا، وهو ليس من خلق المؤمنين، وقد وثّقنا ما نقلناه عن سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني بشكل مكتوب، والتثبّت من صحّته متاح للجميع، فإمّا أن يتم إثبات أن ما نقلناه غير صحيح، أو أن يكفَّ المكذِّبون عن هذا التكذيب ويرحموا أنفسهم ويرحموا الناس جميعًا من سوء عاقبة تكذيب المؤمنين.
وقال: ينبغي على المؤمنين وكافّة الشرفاء التأسيس لمواقفهم السياسية على أسس واقعية سليمة تحترم العقل والضمير وتصون كرامة الإنسان.
وقال: بعض الأنماط التي يستخدمها أفراد متحمّسون للتسويق إلى المشاركة، مثل: المبالغة في نتائج المشاركة، وإنّ الزهراء r تغضب علينا إذا لم نشارك، ونحوها ـ والحديث ليس عن الوفاق وإنّما عن أفراد يستخدمون هذا الأسلوب ـ فيها تسطيح للوعي، وعدم احترام لعقل الإنسان، وينبغي تقييم نتائج تجربة المشاركة بواقعية، والمشاركة في الأساس لم تقم على توقع نتائج كبيرة لها.
وقال: المقاطعة لم تُبنَ على أساس حرمة المشاركة شرعًا أو أنّها مساعدة للظالم ونحوه من التأسيس، فنحن نتبنّى المقاطعة وندعو لها على أسس سياسية وفق رؤية دينية، ولا نتبنَّى هذا النوع من الطرح، ونرى بأنّ التغيير من الداخل أمر غير ممكن، وطريق الإصلاح منحصر بالعمل من خارج هذا البرلمان الصوري، والدعوة إلى التكامل قائمة.
برنامج المقاطعة
وبخصوص برنامج المقاطعة، قال: الكلام حول برنامج المقاطعة أسمعه كثيرًا، وأتعجّب منه أكثر، وأرى في الإصرار عليه استغفال ومحاولة لتضليل البسطاء من الناس وتجهيلهم، ولدي سؤالان وجوابان:
السؤال (1): إذا نظرنا لخيار المقاطعة كخيار في نفسه، هل يقبل أن نضع له برنامجًا أم إنّ وضع برنامج له يدخل في دائرة غير الممكن؟
الجواب (1): لا يقول أحد من السياسيين بأنّ وضع برنامج للمقاطعة أمر غير ممكن في نفسه، أو أنه لا يوجد أحد قادر على وضع هذا البرنامج، فإذا كان خيار المقاطعة مطلوب لنا كخيار سياسي على الساحة الوطنية في سبيل تحقيق مطالبنا العادلة، ووضع البرنامج أمر ممكن ومتاح لنا، ولم يكن هذا البرنامج موجودًا، فعلينا أن نعمل على وضعه ومواصلة الطريق في سبيل تحقيق المطالب، وليس الإعراض عن الخيار بحجّة عدم وجود برنامج للمقاطعة، فهذه حجّة واهية وغير مقبولة منطقيًّا وعمليًّا، وأعتقد بأنّ العلة الحقيقية هي في الإرادة وليست في وضع البرنامج .
السؤال (2): أيهما أصعب وضع برنامج للمقاطعة أم وضع برنامج للمشاركة؟
الجواب (2): من الواضح لدى العارفين بأنّ وضع برنامج للمشاركة أصعب كثيرًا من وضع برنامج للمقاطعة، فالمشاركة الجديّة في الحياة البرلمانية تتطلّب وضع برامج دولة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها، ووضع حلول تشريعية للمشاكل التي تعاني منها، وفرض رقابة صارمة على أداء السلطة التنفيذية، ونحوه.
والمنطقي إنّ الشخص أو الطرف الذي لا يستطيع وضع برنامج للمقاطعة هو لا يستطيع قطعًا أن يضع برنامجًا للمشاركة، فلا يصحُّ منّا بأن نطالبه بأن يعدل خياره من المقاطعة إلى المشاركة، وإنّما نطالبه ـ إذا جاز لنا ـ باعتزال العمل السياسي بسبب عدم كفاءته.
عمل حق والوفاء تمرّد على القانون
وبخصوص عمل تيار الوفاء خارج إطار قانون الجمعيات، قال: عمل حركة حق وتيار الوفاء وبعض المؤسّسات، يمثل تحديًّا قانونيًّا صارخًا للسلطة، ويُحرجها أمام الجمعيّات السياسية التي تعمل تحت مظلّة قانون الجمعيات، فهو تمرّد علني على قانون الجمعيات الظالم، وهذا التمرّد يفرض على السلطة أمرًا واقعًا جديدًا لا تريده وبخلاف رغبتها وإرادتها، ومن شأنه أن يساهم في تصحيح وضع الجمعيات السياسية، والتأسيس لقانون عادل للأحزاب، مما يعود بالإيجاب على الساحة السياسية الوطنية.
وبخصوص الاحتجاجات، قال: لقد ارتفعت وتيرت الاحتجاجات الشعبية واتّسعت رقعتها وزادت دائرة التأييد والدعم لها سياسيًّا وشعبيًّا، وهي تُشكِّل في الحقيقة ضغطًا على السلطة وإحراجًا أمنيًّا وسياسيًّا لها، وقد فشلت السلطة عمليًّا في السيطرة عليها، وهي تتطلّع ببؤس لمن يساعدها شعبيًّا في ذلك.
ويربط المراقبون بين تأسيس تيار الوفاء وتصاعد وتيرة الاحتجاجات واتساع رقعتها، وتتهم بعض الصحف المحسوبة على السلطة وغيرها حركة حق وتيار الوفاء بالمسؤولية عنها، وتيار الوفاء ينفي أي ارتباط عضوي له مع هذا الحركة الشعبية الاحتجاجية، ولكنه يؤكد بشكل صريح حق الاحتجاج، ويدافع عمليًّا عن المحتجّين، ويحمي حقوقهم.
وقال: وعلى صعيد آخر، نجحت قوى الممانعة المقاطعة للانتخابات في الوصول إلى المؤسسات الدولية ومصادر صناعة القرار في الخارج، ونجحت في إحضار عدد من المراقبين الدوليين وممثلي المنظمات الحقوقية لحضور جلسات محاكمة المعتقلين المظلومين، وقد أصدرت منظمة هيومان رايت ووتش تقريرًا بعنوان: “التعذيب يبعث من جديد في البحرين” والفضل فيه يعود في المقام الأول إلى جهود المؤسّسات التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، وهذا كله يدل ـ بحسب التقييم الواقعي ـ على إنّ العمل من خارج البرلمان والأطر الرسمية ممكن ومثمر عمليًّا، وقد أنجز فعلاً ما لم ينجزه العمل من داخل الأطر الرسمية.
وقال: إنّ الضغوط التي تمارسها القوى السياسية والمؤسَّسات التي تعمل من خارج الأطر الرسمية على السلطة تصب في مصلحة المؤسسات التي تعمل ضمن الأطر الرسميّة، حيث أنّها تُحمِّل السلطة على تخفيف ضغوطها على هذه المؤسسات وتحسين وضعها وتقديم بعض المكتسبات إليها، بهدف المحافظة على وجودها ودورها في العمل ضمن مشروع السلطة في مقابل وجود ودور القوى السياسية والمؤسسات التي تعمل خارج مشروع السلطة وخارج مؤسساتها الرسمية، وتمنع توجه الجماهير صوبها والالتفاف حولها.
وقال: لولا وجود القوى السياسية والمؤسسات الحقوقية التي تعمل بشكل ناجح من خارج الأطر الرسمية، لكانت مضايقات السلطة للمؤسسات التي تعمل ضمن الأطر الرسمية هائلة جدًا، فالقوى السياسية والمؤسسات الحقوقية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية تضغط على السلطة وتتلقى ضرباتها، لتخفّف بذلك عمليًّا الوطأة على المؤسسات التي تعمل ضمن الأطر الرسمية وتمهِّد الطريق لها للحصول على بعض المكاسب والدعم من السلطة، فليس من الصحيح أن تنظر هذه المؤسسات للقوى السياسية والمؤسّسات العاملة خارج الأطر الرسمية بعين المنافسة والريبة، وليس في مصلحتها أو في مصلحة الوطن إضعافها والقضاء عليها، والأفضل هو العمل بأطروحة التكامل.
والخلاصة: إنّ وجود القوى السياسية والمؤسسات التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، يُمثِّل مصلحة وطنية أكيدة وكبيرة.
[6] بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج16 / ص: 210/ باب 9 مكارم أخلاقه وسيره وسننه Q وما أدبه الله تعالى به.
([7]) كافي (ط – دار الحديث)/ ج15/ 785/ خطبة لأمير المؤمنينo .