لقاء الثلاثاء (50) | 31-5-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.
من هم المستضعفون
تحدّث الأستاذ في هذا الأسبوع في عدد من المسائل الفكرية بناءً على رغبة الحضور وأسئلتهم، وبخصوص المستضعفين، قال: المستضعفون في اللغة: هم الضعفاء العاجزون، والمراد بالمستضعفين في الدين هم الجاهلون بمعارف الدين الحنيف وغير القادرين على إقامة شعائره الواجبة عن قصور وضعف، ولأسباب خارجة عن اختيارهم، وليس عن استهانة وتقصير وإهمال وسوء اختيار، وهم معذورون عند الله (، لأنّهم لا يملكون أهليّة الخطاب بالتكليف، فقد أكَّدَ الإسلام الحنيف على إنّ التكليف والمسؤولية يدوران مدار الحجّة، والحجّة إما داخليّة وهي العقل، أو ظاهرة وهم الأنبياء والأوصياء q قال الإمام الصادق o: “حجّة الله على العباد النبي، والحجّة فيما بين العباد وبين الله العقل”([1]).
- فالطفل قبل البلوغ ليس بمكلّف ولا مسؤولية شرعيّة عليه في يوم القيامة، لأنه لا يمتلك النُّضج العقلي الذي يؤهله إلى تلقي التكليف وتحمّل مسؤوليته.
- والمجنون الذي لا يملك الوعي بمسؤولية التكليف، والأبله الذي لا يدرك الواضحات لقصور عقله، ليسا بمكلّفين ولا مسؤولية شرعيّة عليهما في يوم القيامة، لأنّهما لا يمتلكان النُّضج العقلي الذي يؤهِّلهما لتلقّي التكليف الشرعي وتحمّل مسؤوليته مهما كان عمرهما.
والمجنون الإدواري (الذي يكون مجنونًا في حالة وسويًّا في حالة أخرى) يسقط عنه التكليف في حالة الجنون، ويثبت عليه حينما يكون سويًّا، والذي لا يعي بعض التكاليف، مثل: الصلاة، ولكنه يعي البعض الآخر، مثل: حرمة القتل، يسقط عنه التكليف الذي لا يعيه، ويثبت عليه التكليف الذي يعيه.
- ومن لم تبلغه الرسالة ولم يكن معاندًا للحق ولا مستكبرًا عليه، ولكن الرسالة لم تبلغه، ولو أنّها بلغته أو عرف الحق لاتّبعه، فهذا يسقط عنه التكليف، قول الله تعالى: )وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا(([2]) وقول الله تعالى: )رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(([3]).
ومن أحيط به من قبل أعداء الحق والعدل في مكان لا سبيل له فيه إلى تلقي معارف الدين وإقامة الشعائر الدينية الواجبة، ولا سبيل له للخروج من المكان، بسبب: ضعف التفكير، أو تقييد حرية السفر والخروج من المكان، أو المرض، أو ضعف الإمكانيات، ونحوها من العوامل الخارجة عن إرادته واختياره، فهو غير مكلَّف ولا مسؤولية شرعية عليه في يوم القيامة، لأنّ التكليف في هذه الحالة غير ممكن وخارج عن دائرة الوسع والطاقة، قول الله تعالى: )لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ(([4]) وتكون مسؤوليته بحدود ما بلغه من الرسالة، وما يحكم به العقل، فإذا ارتكب ما يخالف العقل يؤاخذ به.
وقال: يجب التمييز بين القصور والتقصير، فالتكليف يسقط مع القصور ولا يسقط مع التقصير، قول الله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ` إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ` فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا(([5]).
- فمن يستطع الهجرة ولم يهاجر لا يسقط عنه التكليف ولا تسقط عنه المسؤولية، فهؤلاء ليسوا بمستضعفين حقيقة، لأنّ في مقدورهم الخروج من حومة الاستضعاف إلى الحرية والقوة، ولكنّهم رضوا بالذل والهوان وهتك الحرمات ولم يخرجوا، فهم محاسبون على تقصيرهم أمام الله ( في يوم القيامة.
- والذين يستطيعون أن يتعلَّموا معارف الدين الحنيف حيث التعلم متاح لهم ولكنهم لم يتعلموا، كما هو حال الكثيرين في العالم الإسلامي، حيث تتيسَّر لهم قراءة القرآن والحديث والاطلاع على كتب العقيدة والفقه والأخلاق والسيرة وغيرها من الكتب الإسلامية ولكنَّهم اشتغلوا بالتلفاز والكمبيوتر واللعب ونحوها ولم يقرؤوا ولم يطلعوا، فهؤلاء لا يسقط عنهم التكليف الشرعي، ولا تسقط عنهم المسؤولية الشرعية في يوم القيامة، لأنَّهم مقصِّرون وليسوا قاصرين، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(([6]).
وقال: المستضعفون سياسيًّا، هم: الذين فرض عليهم الطغاة والمستبدون والمستكبرون الظالمون القيود وصادروا حرياتهم بحكم القوة أو القانون الجائر من أجل قهرهم والغلبة عليهم وسلبهم حقوقهم الطبيعية والأساسية في الحياة وتسخيرهم في سبيل تحقيق مآرب الحكام الخبيثة ومصالحهم الخاصة، ولم يكونوا قادرين فعليًّا على الوقوف في وجوه هؤلاء الظلمة والدفاع عن أنفسهم وانتزاع حقوقهم الطبيعية منهم.
فهؤلاء يجب عليهم أن يتحيّنوا الفرص ويعملوا بإرادة جديّة وصبر وجَلَد على بناء قوتهم وصيانة كرامتهم الإنسانية وترتيب أوضاعهم للخروج من الاستضعاف واسترجاع حقوقهم الطبيعية في الحياة، وإن تطلّب الأمر من بعضهم الهجرة من أجل تنمية القوّة والاستعداد للمواجهة فعليهم أن يفعلوا ذلك، ولا يجوز لهم الاستسلام والقبول بالأمر الواقع، فهو مذموم ومرفوض عقلاً وشرعًا.
ويجب على المؤمنين مساعدة المستضعفين الذين يسعون من أجل التحرّر من الاستضعاف وتقديم العون المادي والمعنوي لهم والدفاع عنهم، قول الله تعالى: )وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا(([7]) وقد كتب الله ” على نفسه نصرة المستضعفين، إذا هم عملوا بجد وإخلاص من أجل التحرّر من الاستضعاف وأخذوا بالأسباب المفروض عليهم أن يأخذوا بها من أجل تحرّرهم، قول الله تعالى: )وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(([8]).
أحوال الإنسان في البرزخ وفي يوم القيامة
وبخصوص أحوال الإنسان في البرزخ وفي يوم القيامة، قال: لكلِّ قولٍ ولكلِّ فعلٍ ولكلِّ موقفٍ حقيقةٌ ملكوتيةٌ، قول الله تعالى: )فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(([9]) فللإيمان وللنفاق حقيقة ملكوتية، وللصدق والكذب حقيقة ملكوتية، ولكل كلمة يقولها الإنسان حقيقة ملكوتية، وللصلاة وللصيام ولكل فعل حَسَنٍ أو قبيح يفعله الإنسان في الحياة الدنيا حقيقة ملكوتية، ولكلِّ موقفٍ خاصٍّ أو عام يتّخذه الإنسان في الحياة حقيقةٌ ملكوتيةٌ، وهذه الحقيقة الملكوتية موجودة في عالم الدنيا، إلا إنّ الناس يتفاوتون في معرفتها والشعور بها في عالم الحياة الدنيا، وإنّها تظهر للجميع ويعرفونها في عالم الآخرة: (عالم البرزخ والقيامة) قول الله تعالى: )لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(([10]).
وقال: إنّ الحقيقة الملكوتية لأقوال الإنسان وأفعاله ومواقفه العامّة والخاصّة في الحياة، هي علّة ما يتنعّم به أو يتعذّب به في عالم الآخرة (عالم البرزخ والقيامة) حسيًّا ومعنويًّا.
- فهناك في الجنَّة نعيمٌ حسيٌّ، مثل: المسكن والملبس والمأكل والمشرب والمنكح، ونعيم معنوي، مثل: النظر القلبي إلى الله تبارك وتعالى ومحادثته، وهو النعيم الأكبر، وهو مقام أهل المعرفة والذكر في عالم الدنيا، قول الله تعالى في الحديث القدسي: “يا عبادي الصديقين!! تنعّموا بعبادتي في الدنيا فإنّكم تتنعّمون بها في الآخرة”([11]) وقوله تعالى في الحديث القدسي: “أنا جليس من ذكرني”([12]).
- وهناك في النار عذاب حسي، مثل: حرق الجلود بالنار، وشراب الحميم (الماء شديد الحرارة) وطعام الغسلين (القيح الذي يسيل من جلود أهل النار المحروقة) أو الضريع (نبات كثير الشوك) واليحموم (الدخان شديد الحرارة) وغيرها من أصناف العذاب الحسي، وهناك عذاب معنوي، مثل: احتجاب الله تبارك وتعالى عنهم وعدم تكليمه لهم، قول الله تعالى: )كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(([13]) وقول الله تعالى: )وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ(([14]) وهو العذاب الأكبر، وهو مقام الملحدين والمكذبين بالآخرة.
وقال: إنّ قابلية الإحساس لدى الإنسان باللذّة والألم وقدراته تتطوّر وترتقي كثيرًا في عالم الآخرة عمّا كانت عليه في عالم الدنيا، فيكون قادرًا على إدراك وتحمّل درجات عالية وصنوف من اللذّة والألم والقيام بأفعال لم يكن قادرًا على إدراكها وتحمّلها والقيام بها في عالم الدنيا، وهذا ما يفسِّر انتفاع الإنسان بكل ما ينعم الله تبارك وتعالى به عليه من قصور وزوجات وأطعمة وأشربة وغيرها، ممّا لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر.
الاختلاف في الرأي والحاجة إلى النقد وآدابه
وبخصوص الاختلاف في الرأي، قال: الاختلاف هو علّة الحركة والنمو والحياة في الوجود، ولولا الاختلاف لما كانت هناك حركة ولا نمو ولا حياة في عالم الأشياء، وهو ما أطلق عليه صدر المتألهين الشيرازي ¥ مصطلح (الحركة الجوهرية) فمن خلال الاختلاف تحدث حركة الشمس والقمر والنجوم وسائر الأفلاك ويحدث الليل والنهار وتتحوّل البذرة إلى شجرة والنطفة إلى كائنٍ حيٍّ وتحدث حركة البناء والعمران والتحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية ونحوها على الأرض.
وقال: على الصعيد الروحي والمعنوي: يمكن أن يرفع الاختلاف الإنسان إلى أعلى عليّين، ويمكن أن ينزل به إلى الدَرك الأسفل في نار جهنم، قول الله تعالى: )وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ` فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ` قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ` وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(([15]) والمطلوب من الإنسان أن يُحسن إدارة الاختلاف ليعود عليه الاختلاف بالنتائج الإيجابية البنّاءة، أما النتائج السلبية فهي بسبب سوء إدارة الاختلاف، وليست بسبب الاختلاف في نفسه، وعلينا كمؤمنين أن نتحلّى بأخلاق الإسلام، ونتقيّد بأحكامه، ونكون حكماء وراشدين في إدارة الاختلاف بيننا، ليكون ذلك سبيلاً لصعودنا إلى أعلى الدرجات الحضارية ومنازل القرب من الله ذي الجلال والإكرام، وأن نحذر من جعل الاختلاف ينزل بنا إلى درجة الهمج الرعاع والدرك الأسفل من جهنم.
وبخصوص ممارسة النقد والحاجة إليه، قال: الحركة الفكرية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها كلّها في حاجة ماسة إلى النقد البنَّاء، لأنّه لا حريّة ولا إصلاح ولا تقدّم مع غياب النقد البناء والتقييم الموضوعي النزيه.
وقال: النّقدُ البنّاء يمتزج بالحبِّ والإخلاص ويهدف إلى إجلاء الحقيقة والوصول إلى الأفضل من خلال التحليل والتقييم العلمي الموضوعي والكشف عن الإيجابيات والسلبيات (المحاسن والعيوب) وفق ميزان الفن (المهنة) والجودة، وتقديم المقترحات والحلول والبدائل لتأكيد الإيجابيات وتصفية السلبيات. ويقوم النقد البناء على أصول وقواعد، وله شروط وآداب، والممارسة المهنة للنقد البناء تحتاج إلى ثقافة واسعة، وبصيرة نافذة، وتجرد علمي من أجل الحقيقة والصواب، وهي غير متاحة للجميع.
وقال: مع إنّ ممارسة النَّقد تدخل في دائرة حق التعبير وهو حقٌّ للجميع، إلا أنه ينبغي لمن لا يمتلك المؤهلات للنّقد البنّاء، أن يكون على حذر شديد لكيلا يدخل نقده في دائرة النقد الهدّام. أما النّقد الهدّام فَوَرَاءه روحٌ سوداويّة، وله نتائج سلبيّة خطيرة، وهو النّقد الذي يخضع إلى هوى النفس والمزاج الشخصي، ولا يستند إلى أصول صحيحة وقواعد ثابتة، ويهدف إلى التنفيس عن الأحقاد والانتقام والإساءة إلى الغير.
وقال: يعتبر النّقد الذاتي أكثر النقد أهميّة للأفراد والجماعات، والمراد به أن يقوم الفرد أو الجماعة بتقييم أطروحاتهم ومواقفهم ليقفوا بأنفسهم على قيمتها الحقيقية والفعليّة، وما يكتنفها من أخطاء ونقص أو قصور، ويعتبر النقد الذاتي من الممارسات المقدسة الراقية، ويمثِّل قمّة السمو والشفافية والإخلاص في الجهاد والنضال الوطني والنصيحة للناس، ومن أرقى سبل المراقبة والمحاسبة للنفس، وهو السبيل للتنوير الذاتي والحؤول دون وقوع النفس في الممارسات المميتة أو القاتلة.
وقال: نقد الرموز والقيادات مطلوب، والإساءة إليهم والسعي لتعطيل مهامهم القيادية مرفوض، ونتائجه خطيرة جدًّا، لأنه يؤدّي إلى الفشل وفرط العقد، ولا يصح منع النقد العلمي تحت عنوان الإساءة وتعطيل المهام القيادية، ولا تصح الإساءة والتعطيل تحت عنوان النقد وحرية الرأي، ولا تكفي النية ولا التشدّق بالكلمات المنمّقة ولا عنونة النقد بالبنّاء ليكون النقد كذلك، وإنّما يجب الالتزام بأصول النقد البنّاء وشروطه ليكون النّقد بناءً حقيقةً وواقعًا.
وقال: عن نفسي وفيما بيني وبين ربِّي، حينما يتكلّم أحدٌ عنّي كرمزٍ فإنّي أتضايق في داخلي وأشعر بالخجل حيال ما يبديه سائر الناس من صدق وتضحيات، وأمنيتي أن يحصل لي التوفيق لأداء التكليف الشرعي وخدمة هؤلاء الناس والنصيحة لهم.
الحوار مع السلطة والإجراءات الأمنيّة والنشاط السياسي الخارجي للسلطة مؤخّرًا
وبخصوص الحوار مع السلطة والإجراءات الأمنيّة والنشاط السياسي الخارجي للسلطة مؤخّرًا، قال: مطالب الشعب مطالب إصلاحية عادلة، ولا تطرح فصائل المعارضة الرئيسية حتى الآن تغيير النظام، إلا إنّ السلطة لم تستمع لنداء العقل والضمير والواجب، وترفض الاستجابة إلى مطالب الشعب العادلة، وقد لجأت إلى التصعيد الأمني والعمل الدبلوماسي في الخارج بهدف محاصرة المعارضة ولجمها وتشويه صورة الحركة الاحتجاجية في طريق القضاء عليها.
فقد لجأت السلطة مؤخّرًا إلى إجراءات أمنية عديدة، منها: تشكيل محكمة خاصّة لمحاكمة المشاركين في الاحتجاجات، ونصب كاميرات أمنية في الطرق العامة والمناطق الحيوية، وسعيها لتشكيل فرق أمنيّة مجتمعيّة، وحرب الأرزاق بالرجوع إلى جهاز الأمن الوطني وطلب عدم ممانعته في التوظيف والحصول على السجلاّت التجاريّة، واستخدام الذخيرة الحية (الشوزن) ضد المحتجين، وما تسرّب من نية السلطة لاعتقال بعض رموز وقيادات خط الممانعة، ونحوها.
وقامت بنشاط دبلوماسي خارجي، مثل: زيارة الملك ووزير الخارجية إلى بريطانيا، ثم زيارة ولي العهد في الأسابيع الأخيرة إلى الكونجرس الأمريكي بشأن جلسته التي عقدها حول عودة التعذيب في البحرين من جديد، ودعوة مجموعة من المؤسسات الأمريكية المعنيّة بالعلاقات العامّة إلى البحرين بهدف احتواء تأثير المعارضة البحرينية في أوساط الكونجرس، وغيرها.
والسؤال: هل من شأن هذا التصعيد الأمني من السلطة ونشاطها الدبلوماسي في الخارج أن يُحاصر خط الممانعة ويلجمه ويقضي على الحركة الاحتجاجية في الشارع، ويجبر المعارضة على القبول بالأمر الواقع والرضوخ إلى السلطة باعتبارها قدرًا لا فكاك منه والقبول بها على جميع الأحوال؟
الجواب: اعلموا وتيقنوا بأنّ كل هذه الإجراءات تدلُّ على:
- إنّ خط الممانعة قد ملك القدرة على الفعل في الداخل والخارج الذي من شأنه أن يضغط على السلطة ويلجؤها إلى القيام بردود فعل غير رشيدة ومضرة بها في الداخل والخارج.
- ضعف السلطة في مواجهة الاحتجاجات وعدم قدرتها على الإمساك بزمام الأمور.
- إنّ السلطة تعيش في مأزق أمني وسياسي وحقوقي وحرج شديد في التعاطي مع خط الممانعة.
وقال: لقد عقدت المعارضة العزم على مواصلة الطريق، وانكسر حاجز الخوف لدى الجماهير، وخط الممانعة يزداد قوةً وجرأة وتجذّرًا ورسوخًا وحضورًا ولن يتراجع إلى الوراء ـ إن شاء الله تعالى ـ وكل الإجراءات الأمنية التي لجأت إليها السلطة لن تنفعها بشيء، بل ستعود عليها بالضرر، وستجعل الشعب البحريني أقرب إلى تحقيق أهدافه، وهذا يضع السلطة اليوم بين خيارين:
- إما الاستجابة لمطالب الشعب العادلة.
- وإما أن تخسر الكثير وقد تخسر كل شيء.
وقال: هذا الواقع ينشئ على الجماهير مسؤولية التضامن الفعلي والجدي مع خط الممانعة، وينشئ على خط الممانعة مسؤولية الجد في بناء هياكله وتأهيل كوادره ليكون قادرًا بحق على الاستجابة لاستحقاقات المرحلة القادمة من جميع الجوانب وعلى كافة المستويات.
وقال: النظام في البحرين ليس قَدَرًا مفروضًا على الشعب البحريني في جميع الأحوال، فكرامة الإنسان تفرض أن يختار الشعب حكومته بنفسه، فالحاكم إنسان، والمحكوم إنسان، وليس للحاكم أن يفرض إرادته على الشعب ـ وهم أناس مثله ـ بدون رضاهم، وإلا يكون قد انتهك كرامتهم وانتقص إنسانيتهم، وهذا ليس من حقِّه، ولا يُقرِّه عقلٌ ولا دين ولا يمثِّل حالة إنسانية مقبولة.
ولهذا تنصُّ الدساتير في جميع الدول الحديثة على أنّ الشعب هو مصدر جميع السلطات، وهذا يعني أن تُعبِّر الحكومة عن إرادة الشعب، وتكون أمينة على مصالحه، فإذا لم تكن كذلك جاز له تغييرها واستبدالها بغيرها.
وحكومة البحرين إذا استمرّت في انتهاك حقوق الإنسان وتقييد حريات أبناء الشعب بغير حق، ولم تستجب لمطالب الشعب العادلة، فإنّ العقل والدين والمواثيق الدولية تعطي شعب البحرين الحق في تغيير حكومته واستبدالها بغيرها، ولهذا قلت بأنّها ليست قَدَرًا مفروضًا على الشعب البحريني في جميع الأحوال، وقد تخسر كل شيء إذا استمرّت في تجاوزاتها وانتهاكاتها للحقوق والحريّات المشروعة لأبناء الشعب، فالمطلوب منها: أن تستمع لصوت العقل والضمير والواجب، وأن تغيّر أسلوبها في التعامل مع الشعب الأبي وتحترم إنسانيته وتستجيب لمطالبه العادلة وتعطيه حقوقه المشروعة.
أسطول الحرية
وبخصوص ما تعرّض له أسطول الحرية، قال: ما قام به الكيان الصهيوني ضد أسطول الحرية وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، هو جريمة يندى لها جبين الإنسانية، ويؤشِّر على مدى الضعف والضيق الذي يعيشه الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة.
وقال: لقد تغيّر ميزان القّوة العسكرية لصالح المقاومة، وأصبح هناك توازن رعب بين المقاومة والكيان الصهيوني، ولم يعد الكيان الصهيوني يمتلك كلمة الفصل في المنطقة ـ كما كان في الماضي ـ بل لم يعد قادرًا على حماية نفسه، وكان يعتمد في السابق ولا زال على دعم الحكومات في أمريكا والغرب والحكومات العميلة في العالم العربي.
ثمَّ جاءت قوافل شريان الحياة لتكشف عن يقظة الضمير لشعوب العالم، ودخول الشعوب على خط المقاومة المدنيّة الشعبيّة لصالح الشعب الفلسطيني المظلوم، وهذا يعني إنّ الكيان الصهيوني قد تورّط في مأزق آخر لا يقل خطورة عن المأزق العسكري، وهو خائف من أن يخسر هيبته وسيطرته أمام تمرّد شعوب العالم ووقوفها ضدّه لصالح الضمير الإنساني وإلى صف الشعب الفلسطيني المظلوم، فقام بهذه الجريمة البشعة ليضع حدًّا أمام تمرّد شعوب العالم ضد سلطته الغاشمة.
إلا إنّ جريمته لن تنجح في كسر المقاومة الشعبية المدنية، ولن تتوقف قوافل شرايين الحياة، بل الجريمة سوف تزيد من عنفوان المقاومة الشعبية المدنية، وسوف يزداد تدفّق قوافل شرايين الحياة إلى غزّة وتحدِّي إجراءات الكيان الصهيوني، ولن ينفع الكيان الصهيوني أمام هذا الواقع الشعبي الجديد وقوف الحكومات إلى صفِّه، وهو واقع لا يقل أهميّة عن التوازن العسكري الجديد الذي صنعته المقاومة في المنطقة، مما سيدفع أمريكا والكيان الصهيوني بأن يوعزا إلى مصر بفتح معبر رفح، وقد تُفتح غيره من المعابر، بهدف إخراج الكيان الصهيوني من المأزق الخطير الذي تورّط فيه عسكريًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا وحقوقيًّا، وهذا يؤشِّر على:
- واقعيّة أطروحة زوال الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة، وقرب تحققه على أرض الواقع إن شاء الله تعالى.
- صحّة خيار المقاومة على كافة الأصعدة والمستويات، مما يرفع الروح المعنويّة لدى الشعوب العربية والإسلامية، ويعزِّز سياسة الرفض والمقاومة لديها على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
وقال: هناك مفارقات غريبة يحسن أن نقف عليها ونتأمّل فيها جيّدًا لنفهم حقيقة ما يدور حولنا وما يحدث في مجتمعاتنا العربية لنأخذ الدروس والعبر، منها:
(1): مشاركة دول غير عربية في أسطول الحرية بهدف فك الحصار المفروض ظلمًا وعدواًنا على غزّة هاشم، بينما تشارك حكومات عربية في فرض الحصار، لأنه لا غيرة قوميّة ولا إسلاميّة لديها، ولأنّها لا تملك قرارها بيدها فقد رهنته بيد غيرها من أعداء الأمة.
(2): إنّ معظم المشاركين في أسطول الحرية هم من أحرار العالم من غير العرب، وهذا لا يعني إنّ الأحرار في الشعوب العربية أقل اهتمامًا وغيرةً على الشعب الفلسطيني المظلوم من غيرهم، وإنّما لأنّ الحكومات العربيّة المستبدّة، تضيّق الخناق على الشعوب العربية، وتمنعها من التعبير عن رأيها، وعن تقديم العون والمساعدة لأشقائهم الفلسطينيين، فما لم تنجح الشعوب العربيّة في التخلّص من الحكومات الدكتاتورية المستبدّة في دولها، وتملك زمام القرار بيدها، فلن تكون قادرةً على القيام بالواجب وتقديم الخدمة المناسبة لقضاياها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة.
الاهتمام بالدراسة والاستعداد للامتحانات
وبخصوص فترة الامتحانات في المدارس والجامعات، قال: باختصار شديد جدًّا، نحن نعيش أوضاعًا صعبة، ولن نستطيع أن نخرج منها إلا بأناس صعبين في عقولهم وإرادتها، وما لم نمتلك هؤلاء الناس الصعبين في عقولهم وإرادتهم ونضعهم في مكانهم المناسب، فلن ننجح في التغلّب على أوضاعنا الصعبة وتحقيق أهدافنا المشروعة.
إنّ السلطة لا تخاف من عددنا، ولا تخاف من كلامنا، ولا تخاف من حركتنا، وإنّما تخاف من عقولنا، بأن يكون لنا تفكير صائب وإرادة فولاذية صلبة. ولن تخاف من وجود الأناس الصعبين في عقولهم وإرادتهم، الذين يمتلكون الفهم والقدرة على التشخيص الصائب ووضع الأمور في نصابها، ويمتلكون الإرادة الجدية القادرة على تفعيل ذلك الفهم والتشخيص الصائب، ما لم يكن هؤلاء في المكان المناسب لهم بيننا، أمّا إذا كانوا مهمَّشين أو محاصرين أو ما شبه ذلك، فلن يكونوا مصدر خوف وقلق للسلطة.
وقال: يجب علينا:
- أن نهتم بالدراسة اهتمامًا بالغًا، وأن نبذل من أجلها المال والجهد، لأنّها السبيل بعد الله ” إلى الخلاص، وأن نحصل على الشهادات العلمية من خلال الكفاءة الفعلية وليس من خلال الغش ونحوه، فالشهادات العلمية التي تأتي من خلال الغش ونحوه لا تنفع وإنّما تضر.
- أن نصبر طويلاً على حرب الأرزاق التي تشنُّها السلطة علينا، ولا يدفعنا ما تقوم به السلطة ضدنا إلى اليأس، لأنّ اليأس هو الحال الذي تريد السلطة أن توصلنا إليه في سبيل استمرار فرض إرادتها وسلطتها علينا واستلاب حقوقنا المشروعة إلى الأبد.
- أن نحرص على خلق الأناس الصعبين في عقولهم وإرادتهم، وأن نسعى لاكتشاف الموجودين منهم بيننا ووضعهم في المكان المناسب لهم، وأن نُخلِص إليهم ونُقدِّم لهم كل أشكال العون وألوان المساعدة، وأن نقف إلى صفِّهم في نضالهم من أجل خلاصنا حتى تتحقّق مطالبنا المشروعة وننال حقوقنا الطبيعية والأساسيّة كاملةً.
([1]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج1/ ص: 25/ كتاب العقل و الجهل.
([11]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج2/ 83/ باب العبادة.
([12]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج2/ ص: 496/ باب ما يجب من ذكر الله ” في كل مجلس.