لقاء الثلاثاء (47) | 10-5-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
في ظلال سورة الواقعة
بدأ الأستاذ حديثه الفكري لهذا الأسبوع بالتعليق على التلاوة من سورة الواقعة، وقال: لقد اختار لنا الأخ العزيز مشكورًا تلاوة الآيات الأولى (1 ـ 57) من سورة الواقعة، وهي من السور المتميّزة في القرآن الكريم، فكل القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة، ولكن هناك سور لها تميّزها في القرآن الكريم، منها سورة الواقعة، وقد جاء الحثُّ على الإكثار من قراءتها، وروي في فضلها إنّ:
- من قرأها لم يكتب من الغافلين.
- ومن قرأها كل ليلة لا تصيبه الفاقة أبدًا.
- ومن قرأها كل ليلة قبل أن ينام لقي الله ” ووجهه كالقمر ليلة البدر.
- ومن قرأها كل ليلة جمعة أحبه الله وحببه إلى الناس أجمعين، وكان من رفقاء أمير المؤمنين o.
وقال: مطلع السورة، قول الله تعالى: )إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ` لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ( والمراد من الواقعة القيامة، وقد سُمِّيَت بهذا الاسم لحتميّة وقوعها، وكأنّها واقعة في نفسها، فهي حادثة. حادثة لا محالة، ولا يمكن أن يتخلّف حدوثها عن الوقوع، ولا يمكن أن يصدِّق العقل السليم عدم حدوثها بأيِّ حالٍ من الأحوال، ففي السورة تأكيد تلو تأكيد على حتميّة حدوثها، فحدوثها مؤكَّد لا شكَّ فيه أبدًا أبدًا ولا بأيِّ درجةٍ من درجات الشك، وإن كان لدى أيَّ إنسانٍ شكٌّ أو تكذيب في وقوعها فهو بسبب طغيان تأثير الذنوب على نفسه وسوء تفكيره، قول الله تعالى: )وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ` وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ` إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ` كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ` كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(([1]).
أمّا العقل السليم فهو يؤمن بها عن يقين لا يدانيه شك، لأنّ الإيمان بالقيامة فرع من الإيمان بحكمة الله تبارك وتعالى في الخلق لاسيما خلق الإنسان الذي أكرمه الله تبارك وتعالى بالعقل والاختيار وسَخَّرَ له كلُّ الموجودات، فليس من الحكمة أن ينتهي وجود هذا الإنسان إلى التراب وعدم المسؤولية، فبدون الإيمان بالقيامة لا يمكن الإيمان بحكمة الله تبارك وتعالى، قول الله تعالى: )أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ` يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(([2]) ولأنّ الإيمان بالقيامة فرع من الإيمان بالقدرة الإلهية، وكل من فهم حقيقة الوجود وفهم حقيقة الإنسان والحياة لابدَّ أن يعلم حتمية حدوث يوم القيامة.
وقال: من ميزات يوم القيامة، قول الله تعالى: )خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(.
- خافضة لأعداء الله المجرمين الذين ملكوا العزة والقوة في الدنيا بالباطل من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة والباشوات أولئك المتكبرين والمتغطرسين والظالمين للناس في عالم الدنيا، ولكنّهم في عالم الآخرة ينكشفون على حقيقتهم المتدنية في الوجود، فيذلّهم الله العزيز الجبّار حتى أنهم يتمنّون لو يكونوا ترابًا، قول الله تعالى: )يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا(([3]) فلا يستجاب لهم، ويأتيهم الجواب، قول الحق: )ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ` إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ(([4]).
الجدير بالذكر: ألاّ أحد من البهائم والحشرات يدخل النار، ولكن هؤلاء المتغطرسون يدخلون النار صاغرين، فهم في الحقيقة والواقع وفي ميزان العدالة الوجودي أقل شأنا من البهائم والحشرات.
- رافعة لأولياء الله المتقين والصالحين الذين كانت عزّتُهم الواقعيّة والحقيقيّة بالله عزّ وجلَّ وبرسوله الكريم Q وبالعمل الصالح في الحياة الدنيا، وإن كانوا من الفقراء والمستضعفين والمحرومين من حقوقهم الطبيعيّة الأساسيّة في الحياة، مثل: المأكل والملبس والمسكن اللائق الذي يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية، ومن المظلومين المطاردين من قبل الجلاوزة في الليل والنهار والمحرومين من الأمن والاستقرار والمقهورين في غياهب السجون يتلوّوَن تحت سياط الجلادين وفنون تعذيبهم لا لشيء إلا لأنّهم يطالبون بحقوقهم الطبيعية المغتصبة من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة والباشوات، فيرفعهم الله سبحانه وتعالى بكرمه، ويقال لهم في يوم القيامة: )سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(([5]) ثمّ يستجدي منهم أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة والباشوات الماء والرزق، قول الله تعالى: )وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ(([6]) فيأتيهم الجواب من المستضعفين الذين أسكنوا الجنة بفضل الله عليهم: )قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(([7]).
وقال الأستاذ: الآيات الشريفة المباركة تتحدث عن ثلاث شرائح في يوم القيامة.
(1) السابقون المقرَّبون: وهم الأبرار وأصحاب عليين، قول الله تعالى: )كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ` وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ` كِتَابٌ مَرْقُومٌ ` يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ(([8]) وهؤلاء هم شريحة الذين أنعم الله سبحانه وتعالى عليهم من الأنبياء والأوصياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وهؤلاء يكون حسابهم في القبر ويدخلون بعد الحساب إلى جنة البرزخ، ولا حساب عليهم في يوم القيامة، فهم يدخلون الجنة بغير حساب.
(2) أصحاب المشأمة المبعدين عن رحمة الله “: وهم الفجّار وأصحاب سجّين، قول الله تعالى: )كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ` وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ` كِتَابٌ مَرْقُومٌ ` وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(([9]) وهؤلاء هم المكذِّبين بالآخرة من الطواغيت والمستكبرين والظالمين للعباد، وهؤلاء يكون حسابهم في القبر أيضًا ويدخلون بعد الحساب في القبر إلى نار البرزخ، قول الله تعالى: )النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(([10]) فلا حساب عليهم في يوم القيامة، ويدخلون النار بغير حساب.
(2) أصحاب اليمين وأصحاب الشمال: وهم الذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، فهم ليسوا من الفريقين السابقين (السابقين والفجار) قول الله تعالى: )وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(([11]) وهم المرجون لأمر الله تعالى، قول الله تعالى: )وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(([12]) وهؤلاء لا يحاسبون في القبر بعد الموت، ويكون حسابهم في يوم القيامة، وينقسمون إلى قسمين:
- أصحاب اليمين: وهم الذين ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولو بالشفاعة، فيدخلون الجنة، قول الله تعالى: )فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(([13]).
- أصحاب الشمال: وهم الذين ترجح سيئاتهم على حسناتهم ولا تنفع معهم الشفاعة، فيدخلون النار.
روي عن الإمام الصادق o أنه قال: “إنّما يُسألُ في قبره مَنْ مَحَضَ الإيمانَ محضًا أو مَحَضَ الكفرَ محضًا فأمّا ما سوى هذين فإنّه يُلهى عنه”([14]).
وقال الأستاذ: في نهاية هذا الحديث أرغب في الإشارة إلى ثلاث ملاحظات مهمِّة عسى الله تعالى أن ينفعنا بها، وهي:
الملاحظة (1): من السابقين فئة تكون لذَّتُهم العظمى ليست في اللذات الحسية في الجنة، مثل: المأكل والمشرب والحور العين والسكن في الغرفات، ونحوها، وإنّما بالنظر إلى الله سبحانه وتعالى والحديث معه، قول الله تعالى: )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ` إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(([15]) وهؤلاء هم أصحاب المعرفة الحقيقية بالله ذي الجلال والإكرام والمتنعّمون بعبادته في الحياة الدنيا، فقد جاء في الحديث القدسي: “يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم تتنعمون بها في الآخرة”([16]).
الملاحظة (2): ليس كل من يدخل النار يخلد فيها، فهناك من يدخل النار لفترة من الزمن تطول أو تقصر ثمَّ يخرجُ منها ويدخل إلى الجنّة، ولا يخلد في النار إلّا من استولى الخُبْثُ على كامل وجوده وليست لديه أية قابلية لدخول الجنّة الطاهرة، فهو فاقد لقابلية الدخول إلى الجنة بالكامل، وذلك بسبب استيلاء الخُبث عليه تمامًا، فيكون من الخالدين في النار أبد الآبدين.
الملاحظة (3): روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o أنه قال (ما معناه): إنّ جلوسه في المسجد أحبُّ إليه من جلوسه في الجنة، لأنّ جلوسه في الجنة فيه رضا نفسه أما جلوسه في المسجد ففيه رضا الله سبحانه وتعالى، وهذا القول الشريف منه o يدل على مستوى الرقي الروحي لديه، الناتج عن عمق المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام والفناء فيه والبقاء به، مما جعل من لذة العشق والتعلّق بالله ذي الجلال والإكرام واللذَّات الروحيّة والمعنويّة لديه في عالم الدنيا أكثر قيمةً وأكثر أهميةً من اللذَّات الحسيّة حتى وإن كانت في الجنة، وقد قيل عن سورة الواقعة بأنها سورة أمير المؤمنين o.
وقال الأستاذ: هنا أرغب في تناول مسألة لأنصف بها عامّة الناس الذين قال عنهم أمير المؤمنين o: “وإنّما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الناس”([17]) حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله على لسان هود o: )وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(([18]).
وقال: بهذا الصدد أسأل: أيهم أقرب إلى روحيّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o وعرفانه؟
- من نطلق عليهم الرموز والقيادات؟
- أم العامة من الناس؟
وأجاب: أنا ومن هم على شاكلتي من البائسين الذين يُطلق عليهم قيادات ورموز يمكن أن تحوم حولنا شبهة حب الذات والأنانية والبحث عن المصالح، ويمكن أن يكون بعضنا يحمل في نفسه ـ والعياذ بالله تعالى ـ مشروع بلعم ابن باعوراء، الذي انسلخ من آيات الله تعالى بعد العلم بها عن يقين، وذلك تحت تأثير الشهوات وحب الدنيا والحسد لولي الله الأعظم موسى بن عمران o قول الله تعالى: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ` وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(([19]).
وقال: أمّا العامة من الناس هؤلاء الذين يضحّون بأنفسهم من أجل الدين وخدمة العباد، وقد يضحّوا بأنفسهم من أجلي أنا ومن أجل أمثالي من البائسين، هؤلاء قد بذلوا كل ما يملكون ولم يستبقوا لأنفسهم شيئًا وليس لهم من قصد سوى مرضاة الله سبحانه وتعالى وخدمة عباد الله، فهم أقرب إلى روحيّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب o وعرفانه منّا نحن الذين يقال عنّا رموز وقيادات حتى يَثْبُت العكس.
وقال: يجب أن نكون على حذر شديد، فالعلم لا يكفي، وحب الدنيا والرئاسة والحسد أخطر شيء على الإنسان، والكون في بيئة صالحة لا يمنع من الانحراف، فبين أبناء الأنبياء والأوصياء q وأزواجهم من كان مثالاً في الكفر، قول الله تعالى: )ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(([20]).
وقول الله تعالى: )وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ` قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(([21]) وقد يحمل الصدق والإخلاص في البحث عن الحقيقة من يعيش في بيئة الكفر إلى أعلى درجات الإيمان والقرب من الله العلي الأعلى، كما كان حال سلمان الفارسي وغيره.
ملف التجنيس هو أخطر الملفات وأكثرها حساسية
وبخصوص ملف التجنيس، قال: ملف التجنيس السياسي الممنهج هو أخطر الملفات الوطنيّة وأكثرها حساسيّة، فالتجنيس السياسي الممنهج هو في واقع الأمر استبدال شعبٍ أصيلٍ بشعبٍ مستوردٍ معظمه من المرتزقة العاملين في الأجهزة الأمنيّة والمؤسَّسات العسكرية من أجل القيام بالوظائف القذرة في قمع السكان الأصليين من المعارضة المطالبين بحقوقهم الطبيعية المسلوبة ظلما من القائمين على السلطة.
وقال: التجنيس السياسي الممنهج عمل غير مشروع، ومخالف لفلسفة الدولة والحكومة الإنسانية، وفيه خطر بالغ على حاضر الوطن ومستقبله، وهو خطر شامل ومتعدِّد الأبعاد والوجوه سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا.
وقد نجحت السلطة في البداية في تضليل جزء من الشارع السني تحت تأثير الحس الطائفي ـ الذي تعمل على تغذيته باستمرار ـ فالتزم الصمت وأخذ دور المراقب، ولكن الشارع السني اليوم يعي جيّدًا من خلال التجربة التي يعيشها في المدارس والمناطق السكنية ومؤسسات الخدمة المدنية حقيقة التجنيس السياسي الممنهج (التوطين) ويعي خطورته على حاضر الوطن ومستقبله، وعلى مصالح السكان الأصليين من السنة والشيعة، ولهذا فإنّ الشارع السني قد بدأ بالمشاركة الفعلية في الأنشطة الاحتجاجية المناهضة للتجنيس السياسي الممنهج، ولم تبقَ إلا فئة من أصحاب المصالح الخاصة والمشربين بالحس الطائفي إلى النخاع تدافع عن هذا التجنيس غير الشرعي.
وقال: المعارضة تسعى وتبذل جهودًا مضنية من أجل الحصول على معلومات دقيقة حول التجنيس السياسي الممنهج، وتقوم بتوثيق ما تحصل عليه من معلومات، إلا أننا في واقع الأمر نعيش في دولة بوليسية يعتبر الوصول إلى المعلومة من المحرَّمات وجريمة تعاقب عليها الشرطة وليس بحق كما في الدول الديمقراطية، فهناك صعوبات جمّة تواجه الحصول على المعلومات، فهو ليس بالأمر السهل في الدول البوليسيّة، وقد رفضت السلطة بصلافة يقلُّ نظيرها إعطاء المعلومات لنوَّاب الشعب عن التجنيس السياسي الممنهج، مما يؤدِّي بالطبع إلى نقص المعلومات الدقيقة عن التجنيس السياسي لدى قوى المعارضة.
جدوى العمل من خارج مؤسَّسات الدولة
وبخصوص جدوى العمل من خارج البرلمان، قال: لقد ثبت بالتجربة عجز العمل من داخل البرلمان عن حل الملفات الساخنة، مثل: المسألة الدستورية، والتجنيس السياسي، والتمييز الطائفي، وسرقة الأراضي، والاستحواذ على الثروة وأملاك الدولة، ونحوها، ولا يوجد اختلاف لدى قوى المعارضة حول جدوى العمل من خارج البرلمان، فجميع قوى المعارضة ترجع إلى الشارع في تحريك الملفات الساخنة، وقد رجعت جمعية الوفاق ـ وهي القوة السياسية الوحيدة للمعارضة التي لها وجود في البرلمان وتمتلك أكبر كتلة فيه ـ إلى الشارع في ملف التجنيس وغيره وهددت بالرجوع إلى الشارع لمنع صدور قانون الأحوال الشخصية، فالذين يشكِّكون في جدوى العمل من خارج البرلمان لحساب العمل من داخل البرلمان لا يفكرون بشكل منطقي، ولا يعون بشكل علمي التجربة وما يقولون!! والمطلوب هو التفكير من أجل إبداع برامج فاعلة لكل الملفات وامتلاك الإرادة الجدية لتنفيذها.
وقال: من الناحية العمليّة: استطاعت القوى السياسية التي تعمل من خارج مؤسّسات الدولة فرضه على السلطة كأمر واقع، والوصول إلى مصادر صناعة القرار السياسي في الخارج، وإلى المؤسسات الحقوقية العالمية وكسبت ثقتها، وأثَّرت على الرأي العام في الداخل والخارج، ونجحت في تحريك الشارع والجماهير في الداخل لصالح الملفات الوطنية الحيوية، مما يدل علميا وعمليا على جدوى العمل من خارج مؤسسات الدولة.
وبخصوص خطاب سماحة الشيخ عيسى قاسم حول البرلمان، قال: خطاب سماحة الشيخ عيسى الأخير فيه تقدم إلى الأمام سياسيًّا، فقبل العام 2006م كان الحديث منحصرًا حول رأي سماحة الشيخ عيسى بالمشاركة، وعلى ضوء التجربة خرج لنا خطاب آخر لسماحته بالمقاطعة، فإذا أضفنا خطابه الذي هدَّد فيه بالمقاطعة الشاملة التي يدعو لها العلماء وتكون أقوى من المقاطعة في العام 2002م ما لم تُقدِّم السلطة بعض التنازلات وتتحقّق إنجازات مقنعة من داخل البرلمان، إلى خطابه الجديد الذي شخَّصَ فيه ضآلة صلاحية البرلمان والمضادّة لها من السلطة المضادّة التي تفشلها، نجد بأنّ سماحة الشيخ قد أسّس علميًّا وسياسيًّا لخيار المقاطعة، وهذا تقدّم مهم جدًا.
وقال: لقائل أن يقول: بأنّ خطاب سماحة الشيخ الأخير لا يدلُّ علميًّا وسياسيًّا على رفض خيار المشاركة، وهذا برأيي تصوّر صحيح، ولكنه يُضعف خيار المشاركة سياسيًّا، ويقلِّل من أهميّة المشاركة، ويمنع ربط مصير الشعب والمعارضة بها كخيار وحيد، ويؤسِّس علميًّا وسياسيًّا لواقعيّة خيار المقاطعة، والنتيجة العلمية والسياسية التي يجب أن تُبنى على هذا الخطاب ليست بأقل من الجمع بين الخيارين ـ كما أسَّسَت له أطروحة التكامل ـ وهذا ما ندعو الجميع للعمل به.
وأرى بأنّ الرجوع إلى الوراء والجدل غير النافع حول تراجعات سماحة الشيخ عيسى عن بعض خطاباته لا يدلُّ على الرشد السياسي، وعلينا جميعًا أن نبني إيجابيًا ونتحرّك إلى الأمام في سبيل توحيد صفوفنا وتحقيق مطالبنا المشروعة.
وقال: الدعوة إلى التكامل من خلال العمل من داخل البرلمان لا تدلُّ على فهم صحيح إلى الساحة، ولا استيعاب واعي إلى التجربة البرلمانية الحالية، ولا تنسجم علميًّا وسياسيًّا مع الخطاب الأخير لسماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم .
المستقبل لخيار المقاطعة
وبخصوص واقع المقاطعة، قال: المستقبل هو لخيار المقاطعة، فقد أخذ موقعه على الساحة الوطنية، وأصبح يجتاز الصعوبات التي وضعت أمامه ويتقدم للأمام بخطى ثابتة وبوتيرة أسرع من العادة، وسوف يأتي بالثمار الطيبة المنشودة ـ إن شاء الله تعالى ـ فلا فرصة لدستور المنحة للبقاء، فسوف يسقط هذا الدستور غير الشرعي، وسوف يأتي الشعب بالدستور الذي ينشده وبالمؤسسة البرلمانية التي تعبر عن إرادته تعبيرًا صادقًا، إلا إنّ هذه النتيجة الكبيرة لن تأتي دفعة واحدة، وإنّما يحصل التقدّم نحوها تدريجيًّا، والتحوّل يحدث فعلاً لصالحها وبوتيرة أسرع من العادة وبشكل متصاعد، فنحن نسير في الطريق الصحيح وسوف نصل إليها ـ إن شاء الله تعالى ـ رغم أنف من لا يريد.
وقال: خيار المقاطعة ليس موجّهًا ضد المشاركين، وإنّما هو من أجل تحصيل حقوقنا العادلة وتحقيق مطالبنا المشروعة من السلطة، ونحن نتطلّع إلى أن نكون مع الأخوة في الوفاق وسائر قوى المعارضة في خندق واحد من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، والردود الانفعالية على ظهور تيار الوفاء أمر طبيعي في نفوس البشر، إلا إنّ الحقائق سوف تجمعنا في نهاية المطاف، إنّهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا برحمتك يا أرحم الرحمين.
وبخصوص البيان المشترك حول الدعوة إلى المقاطعة، قال: البيان المشترك الداعي إلى المقاطعة لا يتعارض مع أطروحة التكامل، فقيادة تيّار الوفاء لديها إيمان راسخ بأطروحة التكامل وهي متمسِّكة بها وسوف تسعى لوضعها موضع التطبيق ـ إن شاء الله تعالى ـ ومبدأ الدعوة إلى المقاطعة قائمٌ إلى صفِّ أطروحة التكامل، وقد وضعت أطروحة التكامل والدعوة إلى المقاطعة في وقت واحد ضمن رؤية واحدة متكاملة.
وقال: السلطة وآخرون يعتقدون بأنّ عبد الوهاب هو عمود خيمة تيار الوفاء، فإن سقط هذا العمود سقطت بسقوطه الخيمة (التيار) ولهذا فهم يُركِّزون عليه، وينسبون الأطروحات والمواقف إليه، وأنا أقول لهم: افيقوا من هذا الحلم، فالتيار أكبر من عبد الوهاب ومن غيره، ولم يعد التيار يتوقف في وجوده وعمله على شخص بعينه، وإنّ أطروحات ومواقف التيار تصنعها قيادات وهيئات التيار ككل، وينبغي أن تُربط بهم جميعًا وليس بأشخاص.
قمع العزاء وإحياء ذكرى مايكل جاكسون
وبخصوص قمع عزاء فاطمة الزهراء r في مدينة حمد، قال: من عجائب هذا الزمن الرديء في البلاد التي عرف عنها الولاء التاريخي الراسخ لأهل البيت q أن يُمنع العزاء على السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء r بواسطة قوات الشغب من المرتزقة في ذكرى شهادتها، وتُستخدم الذخيرة الحيّة لتفريق المعزِّين المسالمين، بينما تتبنَّى الحكومة إحياء ذكرى وفاة مغني البوب الأمريكي الشاذ مايكل جاكسون.
مسلسل حرق المدارس
وبخصوص مسلسل حرق المدارس، قال: لقد بدء المسلسل بمدرسة الحد، واتّضح إنّ وراءه مجنّسين ولأسباب جنائيّة ـ كما في تصريح وزارة الداخلية ـ ثمَّ نُفاجأ باستمرار مسلسل حرق المدارس وانتقاله من منطقة إلى أخرى بشكلٍ مثيرٍ إلى الريبة والشك، وهي حوادث مرفوضة ومدانة بشدة، ويقيني أنّها مفتعلة في سبيل تشويه حركة الاحتجاجات الشعبية والتحريض عليها، وتُذكِّرنا بالحوادث المفتعلة المشابهة لها في زمن انتفاضة الكرامة الشعبية في التسعينات، ويمكن أن يكون لمسلسل حرق المدارس علاقة بالحديث عن تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق في إحدى الصحف المحليّة.
وأقول: الشهادة والاعتقال شرف للمناضلين، وأدعو الحكومة إلى التعلّم من التجارب وعدم تضييع الفرص، فقد قدَّمَ ميثاق العمل الوطني فرصة ذهبيّة إلى السلطة لنسيان الماضي المظلم وتحسين علاقتها مع الشعب المظلوم والسعي المشترك مع قوى المعارضة لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للوطن، إلا أنّها ضيعت الفرصة بالانقلاب على الميثاق والدستور العقدي وفرض دستور المنحة، وقد تسبّب هذا الانقلاب في عودة الاضطراب الأمني والسياسي إلى البلاد، مما يدلُّ على عدم رشد السلطة في الحكم، والسلطة بدلاً من السعي لتصحيح أخطائها فإنها تتمادى في الخطأ وتزيد الساحة اشتعالاً، مما يدلُّ على تخبُّطِها وعدم قدرتها على المسك بأزمّة الأمور في البلاد.
وما لم تصحِّح السلطة سلوكها فهي الخاسر الأكبر، ونحن ننظر إلى الشهادة والتضحيات كواجب ديني ووطني، ولن نأسف عليها، وسوف يحصل الشعب على حقوقه العادلة وتتحقّق مطالبه المشروعة ببركة هذه التضحيات، ولكن السلطة قد لا تتاح لها الفرصة لتعويض خسائرها المادية والمعنوية والتاريخية!!
قضية آل حبيل في سترة
وبخصوص قضية آل حبيل في سترة، قال: تُعتبر قضيّة آل حبيل في سترة فضيحة كبرى لجهاز الأمن والمخابرات، حيث:
- الاعتداء على أشخاص أبرياء من المواطنين بأسلوب هو الأقرب إلى أسلوب العصابات منه إلى سلوك رجال الأمن وأجهزة الدولة.
- وتحريك وحدات قوات الأمن وفرض الحصار على المنطقة بأكملها لأسباب شخصيّة.
- وترويع الأبرياء الآمنين من أبناء الشعب، وتخريب الممتلكات الخاصة من قبل قوات الشغب.
- واستمرار التجاوزات وعدم انتهائها إلى الآن.
وقال: لو كنّا في دولة يحكمها القانون، لتمَّت محاكمة المتسبِّبين في كل هذه التجاوزات في محكمة عسكرية، ومعاقبتهم على تجاوزاتهم الخطيرة، وتعويض المتضرِّرين، بدلاً من مطاردة الأبرياء من آل حبيل، وفرض الحصار الظالم على المنطقة بأكملها، وترويع الأبرياء وتخريب ممتلكاتهم المتواضعة أصلاً.