لقاء الثلاثاء (46) | 3-5-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.
الثقافة الإسلامية بين الثبات والتجدد
في الإجابة على سؤال بخصوص الثبات والتجدّد في الثقافة الإسلامية، قال الأستاذ: توجد في الثقافة الإسلامية أربعة محاور رئيسيّة، وهي:
(1): محور العقيدة.
(2): محور الشريعة.
(3): محور القيم.
(4): محور المفاهيم العامة.
وقال: في كلِّ محور من هذه المحاور الأربعة توجد ثوابت وله مرتكزات، فالعقيدة ترتكز على العقل، والشريعة ترتكز على الكتاب والسنة والعقل، والقيم ترتكز على الفطرة، فالإنسان السوي يميل بفطرته إلى الحق والعدل والخير والجمال، وينفر من الباطل والظلم والشر والقبح، وتعتبر الحالة القيمية للإنسان هي المسؤولة عن صعود الإنسان إلى المقامات العالية في التكامل الإنساني ليكون أفضل من الملائكة، أو نزوله حتى يصل إلى درجة الانسلاخ من إنسانيته ودخوله في حظيرة البهيمية والشيطانية، قول الله تعالى : )وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ(([1]).
وقول الله تعالى: )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ(([2]).
وقال: وجود الثوابت لا يعني الجمود، وإنّما تقوم الثوابت بوظيفة ضبط المعرفة في مسارها الصحيح في حقول المعرفة المختلفة، وتضع حدًا فاصلاً بين الحق والباطل والجهل والعلم، ففي الرؤية الإسلامية هناك حق وباطل، وهناك علم وجهل، والحق هو ما يطابق الواقع، وكذلك العلم، وبدون الثوابت قد تخرج المعرفة عن مسارها الصحيح وتميل لغير الحق، ويترتب على ذلك خروج الإنسان عن المسار الصحيح والصراط المستقيم في الحياة، وهو مسار وصراط له واقعيته وفعليته في الحياة، وليس هو من وضع الإنسان ومخترعاته، قول الله تعالى: )اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ` صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(([3]) وقول الله تعالى: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([4]) فالإسلام الحنيف يختلف في هذا عن:
- السفسطائية التي تجعل الإنسان معيارًا للخطأ والصواب، فالحقُّ يختلف باختلاف الأشخاص، مما حمل السفسطائيين على الزعم والتباهي بأنّهم يستطيعون أن يبرهنوا على النظريات المتناقضة بأدلّة منطقيّة متساوية.
- والبرجماتية التي تجعل صدق الفكرة مرتبط بنتائجها، مما يجعل الحق نسبي يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأماكن.
- والحداثية التي تنفي القداسة عن جميع النصوص، فلا يوجد نص مقدس لا يجوز نقده، ولا تُلزِم القارئ بضوابط منطقية أو دلالية في فهم النصوص، وإنّما تعطيه حق التحليق الحر في فضاء النصوص وفهمها كما يرغب وبحسب تجربته وخبرته الشخصيّة وبدون قيود، وتجعل فهمه هو المعيار وليس شيء آخر.
وهذا يختلف عمّا يطرحه بعض علماء الأصول عن تفاوت درجات الفهم العلمي للنصوص لدى العلماء وانتقال الفهم إلى ما وراء الدلالة المباشرة، فهذا التفاوت في جميع الأحوال والدرجات والمستويات له ضوابطه العلميّة التي تضفي عليه القيمة العلميّة أو تنفيها عنه. كما يسمح منطق الحداثية لها بأن تعطي للخرافات والأساطير قيمة قد تضعها كنصوص إلى جانب نصوص القرآن الكريم.
وقال: التجدّد حالة متحقّقة في الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، ولازمة لعالمية الدين الإسلامي الحنيف وصلاحيته لكل زمان ومكان، حيث تختلف الثقافات باختلاف الأزمان والأماكن، فإذا كان الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية في حالة جامدة فإنّ الإسلام لا يمكنه استيعاب المتغيّرات الفكرية والثقافية التي تختلف باختلاف الأزمنة والأماكن، وقد قيل عن القرآن الكريم أنّه يجري في الأحداث مجرى الماء في النهر، أي أنّه يستوعبها ويتجدّد فهمه بتجدِّدها.
ثم تلى قول الله تعالى: )وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً(([5]) وقول الله تعالى: )وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا(([6]) وقال: زيادة العلم على قسمين:
- زيادة في الكم أو أفقية: وذلك بأن يحصل المرء على معلومة جديدة لم يكن يعرفها من قبل في أي حقل من حقول المعرفة.
- زيادة نوعيّة أو عموديّة: بأن يحصل على عمق أكثر وفهم أفضل وأبعاد جديدة في ذات المسألة، فمثلاً: علم المؤمنين بعقيدة التوحيد متفاوت، وذو أبعاد مختلفة: (فلسفية وكلامية وعرفانية وغيرها) حتى الأنبياء q يتفاوت علمهم بعقيدة التوحيد.
وقال: مسيرة الإنسان العلمية في معرفة الله سبحانه وتعالى لا تنقطع ولا تنتهي ولا يمكن أن تنتهي ولا تحد أبعادها حتى قيل بأنّها تتعدّد بتعدّد النفوس، لأنّ الله سبحانه وتعالى مطلق، والإنسان محدود، وعلم المحدود بالمطلق لا يمكن أن ينتهي، وتجارب الإنسان ومشاربه الفكريّة والروحيّة متعدّد، مما يؤدِّي إلى اختلاف المعرفة وتعدّد أبعادها ومشاربها، قول الله تعالى : )يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ(([7]) فهو كدح مستمر ومتواصل ولا يمكن أن ينتهي ولا يمكن أن يحد في أبعاده المختلفة أبدًا .
وقال: الشريعة تمتد وتشمل حقولها جميع مساحة الحياة: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيرها، وهي صالحة لكل زمان ومكان، واختلاف المكان واختلاف الزمان كل منهما يضيف بتنوعه فهمًا جديدًا ويضيف أبعادًا جديدة للشريعة الإسلامية السمحة.
وبخوص ما تضيفه العلوم الطبيعية والإنسانية، قال: الطبيعة كتاب الله المحسوس، وهي دالَّة على وجود الله سبحانه وتعالى وعلى صفاته وأسمائه، قول الله تعالى: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ(([8]) فكلّما زادت معرفة الإنسان بالطبيعة، كلَّما زادت معرفته بالله تبارك وتعالى وعبادته والتقرّب إليه أكثر، قول الله تعالى: )إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(([9]).
وقال: العلوم الإنسانية أيضًا تساهم في توسيع وتعميق الفكر الإسلامي وفهم نصوصه المعصومة، لأنها تفتح مجالات وتقدم خبرات جديدة للمعرفة.
وأيضًا الأدوات العلمية والتكنولوجيا والمناهج. فالأدوات العلمية الحديثة والتكنولوجيا تساهم في تقديم فهم أفضل وأسهل لبعض النصوص والمعارف الإسلامية، مثلاً: على ضوء الأدوات العلمية الحديثة والتكنولوجيا نستطيع أن نفهم بشكل أفضل وأسهل قول الله تعالى: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(([10]) وقول الله تعالى : )قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ(([11]) حيث حصل الانتقال الحسي السريع جدًا للرسول الأعظم الأكرم Q من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ولعرش بلقيس r من مملكة سبأ في اليمين إلى مملكة سليمان o في فلسطين، فالعلوم والتكنولوجيا الحديثة تجعل مثل هذا الانتقال في دائرة المعقول والممكن والحاصل فعلاً بواسطة التكنولوجيا الحديثة، وإن كان الانتقال المشار إليه في القرآن الكريم قد حصل بتأثير عامل ملكوتي (غير حسِّي).
وبخصوص المنهج، قال: لقد اتّبع العلماء الاستدلال العقلي في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وكان التصوّر بأنّ المنهج الاستقرائي خاص بالطبيعة، ثمّ جاء الشهيد السعيد محمد باقر الصدر ¥ وأثبت وجود الله سبحانه وتعالى من خلال منهج الاستقراء، وهذا يعني إنّ المناهج العلميّة والرياضيّة الصحيحة يمكن أن تساهم في تعميق الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية وتطويرهما وتجديدهما.
وقال: يجب أن نعلم بأنّ كل رأي وكل فكره وكل منهج يضعه غير المعصوم فهو قابل للأخذ والعطاء والرد والقبول ولا حصانة له ضد النقد والرد على أسس علميّة صحيحة.
أطروحة التكامل ليست بدعة عبد الوهاب أو تيار الوفاء
لقد كان الأستاذ غاضبًا جدًا في هذه الليلة وعلى غير العادة، وذلك بسبب الإصرار على تناول أطروحة التكامل والتشنّج والحديّة في تناولها، وقال: نصيب فكرة التكامل في الرؤية التي تقدّم بها التيار للانتخابات القادمة جملة واحدة، ولكن هذه الجملة اليتيمة في الرؤية استطاعت بقدرة قادر أن تسرق الأضواء كلَّها عن مناقشة كل ما جاء في الرؤية لتركِّز المناقشات في المنتديات والمجالس وغيرها بشكل سلبي في هذه الجملة اليتيمة من الرؤية، حتى في هذا المجلس الذي تكرَّر فيه التحذير من ذلك يتمُّ الإصرار على تناولها وبشكل متشنّج وحاد، وذلك على حساب المسألة الجوهرية في الرؤية المتعلقة بالمشاركة والمقاطعة في الانتخابات وغيرها من المسائل المستجدة والملحّة، وهذه حالة غير اعتيادية وغير طبيعية، وهناك مجموعة من الدلائل على إنّ هذه الحملة ليست بريئة، منها:
(1): إنّ تناول هذه المسألة صرف الأنظار عن مناقشة المسألة الجوهريّة في الرؤية وهي المشاركة والمقاطعة والمسائل الأخرى المستجدَّة والملحّة على الساحة الوطنيّة وخارجها، واعتبار هذه المسالة على أنّها الكل في الكل، حتى أننا لم نستطع في هذه الليلة مناقشة أيّة مسألة أخرى.
(2): تناول المسألة بالشكل الذي يؤدِّي إلى تفتيت المعارضة عمومًا وخط الممانعة خصوصًا، وذلك على نقيض الغرض منها وهو توحيد كلمة المعارضة ورصّ صفوفها ـ وهو المطلب الذي طالما نادت به جماهيرنا ـ فالمسألة يتمُّ تناولها بالشكل الذي يرسِّخ الاختلاف ويعمِّقَه أكثر بين المشاركين والمقاطعين، ويضيف إليه السعي لخلق الاختلافات بين المقاطعين أنفسهم، حتى عدَّ البعضُ أطروحة التكامل الوسيلة لتدمير خط الممانعة!!
(3): انتشار الحملة في كلِّ مكان وتعدّد أطرافها مع الاشتراك في الألفاظ ونمط الطرح، مما يدل على وحدة المنبع أو المصدر.
(4): اطّراد التناول وانتقاله من جانب إلى آخر، فكلّما أوضح التيار جانب من جوانب التناول انتقل التناول والتشكيك إلى جانب آخر، مما يدلُّ على إنّ التناول مقصود وله أهداف محددة:
- ففي البداية قيل: إنّ لفظة التكامل غير صحيحة والصحيح هو التعاون والتنسيق.
- ثمّ قيل: إنّ أطروحة التكامل تفيد التقارب مع المشاركين على حساب المقاطعين.
- ثم قيل: إنّ الأطروحة غير صحيحة لأنّ الطرف الآخر لا يقبلها.
- ثم قيل: إنّ الأطروحة صحيحة في نفسها ولكن الظروف غير مناسبة لتطبيقها.
- ثم قيل: إنّ الأطروحة صحيحة في نفسها ومطلوبة ولكن هناك خلل في التطبيق مع أن الأطروحة لم تطبَّق بعد.
- ثمّ قيل ـ كما سمعنا اليوم ـ إنّ الأطروحة صحيحة ولكن المشكلة في التنازلات التي تُقدَّم، والحديث عن لقاءات سريّة ونحوها بدون دليل.
وقال: إنِّي بحق لا أدري من أين جاءوا بالحديث عن التنازلات واللقاءات السرية، واعتبر هذا القول إساءة بليغة، بل هو أسوء ما قيل حتى الآن، لما يحمله من التشكيك في النوايا وفي الحالة القيميّة التي طالما أكَّدَ التيار على أهميّتها في العمل السياسي.
(5): لقد صاحب الحملة وصف التيّار بأوصاف غير لائقة، مثل: الانبطاحية والتخلِّي عن الجماهير والقضايا الوطنية وبيع دماء الشهداء ونحوها من الأوصاف التي لا تتسع لها أطروحة التكامل بأيِّ حالٍ من الأحوال، وحمل البشارة بانتهاء تيار الوفاء وقراءة الفاتحة عليه.
(6): إنّ هذا التناول يتمُّ بلسان ما يعرف بخط الممانعة وباسمه، ويعتبر هذا اللسان عدم استجابة جمعية الوفاق للأطروحة أساسًا لرفضها من جهة، ومن جهة ثانية ينال هو من الأطروحة كل هذا النيل، فهو يعطي لنفسه حق الفهم الخاص للأطروحة ورفضها على أساس فهمه لها، ولكنّه لا يعطي الأخوة في الوفاق نفس هذا الحق!!
(7): ينبغي التنبيه إلى مفارقة غريبة بين الموقف من أطروحة التكامل التي تقدّم بها تيار الوفاء في رؤيته حول الانتخابات والموقف من دعوة فضيلة الأستاذ حسن المشيمع الأخيرة للتعاون التي أطلقها في تأبين المرحوم سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في العام 2007م، فهناك وجدنا التأييد للدعوة والاستنكار لعدم التجاوب ـ وهذه هي الحالة الطبيعية ـ وهنا وجدنا الاستنكار للأطروحة بدلاً من الاستنكار لعدم التجاوب معها، مع العلم بأنّ الجمهور هو نفس الجمهور ـ وهذه حالة غير طبيعية وغريبة على السجيّة الطيّبة لجماهيرنا ـ مما يدل على دخول عنصر غريب يقوم بالتغذية المريضة وتحريك الموقف وإدارته وفق معادلة جديدة، وليس العنصر هو الاختلاف بين لفظ التكامل ولفظ التعاون ـ كما يتوهّم البعض ـ فهذا الاختلاف بين اللفظين مهما كان لا يمكن أن يجر إلى هذا المستوى وإلى هذا النوع من الاختلاف بين الموقفين.
وقال: لقد بلغ تناول هذه المسألة من التهويل إلى درجة أنّه يضع تيّار الوفاء بين خيارين:
- إما أن يتخلّى عن أطروحة التكامل.
- وإما أن تكون النتيجة تدمير خط الممانعة!!
وقال: القبول بهذا الطرح يجعلنا )كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا(([12]).
وقال: هذه الحملة المسعورة غير بريئة، والمستفيد الوحيد منها هي السلطة، فالسلطة هي من يريد لنا الاختلاف والتصادم دائمًا، ولا تريد لنا التوافق وحسن الإدارة لاختلافاتنا، وهي من يقف وراء هذه الحملة المسعورة في الأساس، وقد تقدّمت هذه المرّة خطوة إلى الأمام، فهي لم تلعب كالعادة على الاختلافات الموجودة بيننا، بل نجحت في اختلاق الاختلاف واصطنعته واستفزّتنا على خلاف قناعاتنا، ثمَّ لعبت على الاختلاف الذي اختلقته في غفلة منا نحن أصحاب الشأن، وقد استخدمت تصريحات بعض المؤمنين كوقود شديد الاشتعال لتغذية هذه الحملة المسورة.
وقال: أطروحة التكامل هذه ليست بدعة ابتدعها عبد الوهاب أو تيار الوفاء الإسلامي، وليست هي بالشيء الجديد ليقال بأنّها وليدة ضغوط ونحوه، فالأطروحة كانت موجودة قبل أن يوجد تيار الوفاء، ولم تكن محل خلاف بين قيادات المعارضة، والأدلّة الحسية والوثائق هي التي تنطق بذلك.
وقال: أنا مأخوذ بما يحدث حول هذه المسألة، ونجاح عناصر السلطة في استفزازنا ضد قناعاتنا وتأليبنا على بعضنا البعض، وما وصل إليه الجدل والتشنّج والتهويل حول هذه المسألة، وهذا هو سبب تأثُّري الشديد وحزني البالغ وغضبي في هذه الليلة.
وقال: راجعوا كتاب ذاكرة شعب ـ لقد أسميته ذاكرة شعب لكي لا ننسى ـ فسوف تجدون بأنّ أطروحة التكامل قديمة، فقد جاء فيه ( ج1 ص 426 ) ما نصه: “أرى كجزء من الحل في هذه المرحلة التي تمرُّ بها ساحتنا الوطنية وفي ظلِّ الظروف العصيبة القائمة في التيار والوطن العزيز، التي يمتحن فيه كل مؤمن وكل مواطن شريف، أنه ينبغي علينا جميعًا تعزيز ثقافة القبول بالتعدّد المنهجي في العمل الإسلامي والوطني استنادًا إلى آداب وأحكام إسلامنا العظيم، وثوابت تاريخ نضالنا الوطني المجيد، التي تمنع بكلِّ تأكيد التنازع والصراع والاحتكاك والتسقيط والتخوين بين القوى الإسلامية والوطنية الشريفة، وتؤكِّد على حق الاختلاف وحرية التعبير عن الرأي بكافة مستوياتها، وإمكانية التعاون على القواسم المشتركة إسلاميًّا ووطنيًّا وتكامل الأدوار بين كافّة القوى الإسلامية والوطنية التي تتفق على الأهداف، وإن اختلفت مناهج عملها” وتاريخ هذا النص هو ( 13/ أكتوبر/ 2005م ).
وجاء فيه (ج2 ص 304) ما نصه: “هناك فهمان لما اقترحه فضيلة الأستاذ حسن المشيمع على الرموز والقيادات والقوى الدينية والسياسية:
الفهم الأول: أن تترك الرموز والقيادات والقوى الدينية والسياسية قناعاتها الخاصّة وتنزل على رأي واحد وقيادة واحدة.
الفهم الثاني: أن يحتفظ الجميع بقناعاتهم ومناهج عملهم وقياداتهم، وأن يلتقوا على المشترك بينهم )قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ(([13]) وأن ينسِّقوا بينهم في سبيل التكامل وعدم التصادم بينهم.
وأرى بأنّ المطلوب هو الفهم الثاني وليس الأول” وتاريخ هذا النص هو (10/ مارس/ 2007م).
وقد أشار بيان الانطلاق إلى التكامل في ثلاثة مواضع:
(1): ما نصه: “ونرى بأنّ المسؤولية في غاية الضخامة، ونريد أن تتكامل جهودنا ومساعينا مع بقية المخلصين من أبناء هذا الشعب” (ص 12 ـ 13).
(2): ما نصه: “إنّ هذه المرحلة الخطيرة لتفرض على كافة فئات الشعب وأطيافه، أفراده ومؤسساته، أن يؤسِّسوا لمرحلة جديدة تقوم على: وحدة الكلمة، والانسجام، ورصّ الصفوف، والتنسيق، والتلاقي، والتمسّك بالعمل المشترك: الإسلامي والوطني، فلم يعد بالإمكان أبدًا القبول بثقافة التعصّب والتشتيت والإقصاء، ففي ذلك إضعاف للجميع، وتشتيت للطاقات الخلاّقة للشعب، وتقوية للنظام الظالم الذي يضطهد الجميع.
ولا نعني بالوحدة هنا إلغاءَ الموجودات والقناعات وتغييب الرأي الآخر؛ وإنّما هي الوحدة التي تقوم على تفهم الآخر والاعتراف به، وتنوّع الأدوار وتكاملها، والعمل على ضوء المشتركات، وعدم إضعاف الآخرين، والحذر من إضاعة البوصلة وتحويل الصراع إلى غير وجهته” (ص 18 ـ 19).
(3): ما نصه: “نؤكِّد على الدور المحوري المنظم للجماهير، ونرى بأنّه السبيل الوحيد بعد الله سبحانه وتعالى في ظل الوضع الراهن إلى الإصلاح الحقيقي، وتحقيق المطالب الوطنية العادلة، فقد ثبت بالتجربة عجز المشاركة في مؤسسات السلطة عن التغيير والإصلاح، ولم يبقَ خيار سوى الرجوع إلى الجماهير، وهذا لا يُلغي التحرّك عبر الآليات الأخرى، ولا يُعدُّ بديلاً عنها، وإنّما يُكملها ويعزِّز دورها”.
وقال: واضح من خلال النصوص إنّ بيان الانطلاق قد ذكر التكامل ونظر له بشكل أكثر توسّع وأكثر تأكيد مما جاء في رؤية التيار حول الانتخابات القادمة، علمًا بأنّ د. عبد الجليل السنكيس ـ وهو قيادي أساسي في حركة حق ـ قد شارك في صياغة هذا البيان، مما يدلُّ على الاشتراك في الأساس في هذه الأطروحة.
والسؤال: لماذا كل هذه الضجّة حول أطروحة التكامل في هذا الوقت؟
الجواب: لسببين أساسيين، وهما:
- ما تمثِّله الاستحقاقات الانتخابية من فرصة ذهبية لبث الفرقة والتناحر بين قوى المعارضة.
- إنّ ما ذكر فيما سبق عن أطروحة التكامل كان مجرّد تنظير، أمّا ما ذكر في رؤية التيار للانتخابات فهو سعي لوضع التنظير موضع التطبيق.
وبخصوص الإشكال حول جدوى التكامل مع عدم جدية كافّة الأطراف فيه، قال: لكل طرف سياسي الحق في تقييم جدوى التكامل، ليجد ما يكفي من الأسباب لقبول الدخول في التكامل مع الأطراف الأخرى أو رفضه.
وقال: إنّ أطروحة التكامل ليست وليدة هذه الساعة، فهي ليست أطروحة مستعجلة، وإنّما هي وليدة حوارات واسعة وقناعات راسخة ـ سوف تكشف عنها الأيام إن شاء الله تعالى ـ وأنا متفائل رغم كل الصعوبات والحملات المسعورة بأنّ المستقبل هو لهذه الأطروحة، وإنّ هذه الحملة المسعورة هي دليل قوّة هذه الأطروحة وصوابيتها، وسوف نصبر ونكافح من أجل وضعها موضع التطبيق ـ إن شاء الله تعالى ـ رغم أنف الأعداء.
وقال: إنِّني على ثقة تامّة بأنّ قوى المعارضة بإخلاصها لدينها ووطنها سوف تتغلّب ـ بإذن الله تعالى ـ على الاختلافات الحاصلة بينها وتحسِّن إدارتها بشكل أفضل في المستقبل، قول الله تعالى: )عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(([14]) فإذا كان الوصول إلى المودّة بين بعض المشركين والمؤمنين ممكنًا من خلال تحوّل المشركين إلى الإسلام والإيمان، فهو أكثر قربًا بين المؤمنين المختلفين من خلال نجاحهم في إدارة اختلافاتهم بشكل أفضل وتوصُّلهم إن لم يكن إلى الوحدة فإلى التكامل والتعاون بينهم، إنّهم يرونه بعيدًا، ونراه قريبًا برحمتك يا أرحم الراحمين.