لقاء الثلاثاء (45) | 26-4-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

أضواء على سورة يس

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حديثه الفكري لهذا الأسبوع بالتعقيب على الآيات التي تليت في بداية اللقاء من سورة يس.

وقال: لقد اختار لنا الأخ العزيز مشكورًا التلاوة للآيات الأولى من سورة يس، وهذه السورة من أهم السور القرآنية ـ إذا صحَّ التعبير ـ ولها فضل عظيم، وتُسمّى بقلب القرآن، ويُستحب للمؤمن قراءتها في كل صباح وقبل النوم، وأيضًا تُستحب قراءتها على الإنسان المحتضر، ويُستحب قراءتها لمن دخل المقابر.

وهذه السورة المباركة تجمع أصول الحقائق، وتُقدِّم بعض التجارب التاريخية المفيدة للإنسان في الحياة وهدايته إلى الحق وتوعيته بمسؤولياته في الحياة وتنبِّهه إلى مصيره وغاية وجوده، ففيها استعراض إلى جهاد الأنبياء q المتواصل ضد الشرك والانحراف، وتنبيه الناس إلى حجاب الغفلة والتعصّب وتوعيتهم من الجهل، وتُقدِّم السورة المباركة نموذجًا من مواقف الأمم من أنبيائهم q وهم أصحاب القرية التي قيل إنها أنطاكية.

وفي السورة تذكير بنعم الله تعالى على عباده وتنبيه إلى آياته التي لا حصر في السماوات والأرض وفي نفس الإنسان، والتذكير بعداوة الشيطان الرجيم للإنسان والتحذير من اتّباعه وطاعته، وتذكير بأيام الله “، والتأكيد بألا ناصر للإنسان إلا الله (، وتذكير بالبعث والحساب والثواب والعقاب، وغيره، مما يولِّد لدى الإنسان الشعور العميق بالمسؤولية، لتتجسَّد فيه أصدق معاني العقيدة والرسالة، وأروع القيم الإنسانية المشرقة، ليبتعد بذلك عن الأعمال السيئة والمواقف السلبية في الحياة، ويتحفَّزَ بصدقٍ وإخلاصٍ وصفاءِ نيةٍ إلى الأعمال الصالحة والمواقف الإيجابيّة القويّة في الحياة، لتتحقّق بذلك أهداف الإسلام الكبرى وتتجسّد غاياته المثلى في الحياة.

وفيما يتعلّق بمواقف الأمم من أنبيائهم q نجد الرحمة تتدفّقُ من قلوب الأنبياء q ومشاعرهم الإنسانية النبيلة وحرصهم الشديد على أقوامهم، حتى كشف الله ( لنا عن مشاعر أحد الأنبياء تجاه قومه بعد أن قتلوه وانتقل إلى جوار ربه شهيدًا سعيدًا مغفورًا له، قول الله تعالى: )قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ` بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(([1]) ولهذا السبب صبروا على أذى قومهم ولم يشعروا بالضعف أمام التهويل الكلامي من معارضيهم وكثرة مخالفيهم وقوتهم.

وفي المقابل نجد التكبّر والتعّصب الأعمى والتعسّف والطغيان لدى الأقوام، ورفضهم لرسالات الأنبياء العظام q وهديهم، قول الله تعالى: )وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(([2]) ومقابلة إحسان الأنبياء الذين يريدون لهم الحياة والهداية والخير والسعادة بالتهويل الكلامي والإساءة والقتل، فتكون هذه المواقف غير الإنسانية سببًا لغضب الله عز وجل عليهم فينزل عليهم العذاب ويقضي على وجودهم في الحياة، فهذه هي العاقبة السيئة والمصير الأسود للتعصّب الأعمى والتعسّف ونكران الجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة فلنحذر من هذا.

وقال: الحالة الطبيعية للإنسان السوي هي الاستماع واتّباع أحسن القول، والإنسان المؤمن ـ بحكم إيمانه ـ يكون أكثر حرصًا على معرفة الحق واتّباعه، قول الله تعالى: )الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ(([3]) إلا إنّ الإنسانَ إذا ابتلي بالتعصّب الأعمى باسم الدين، فإنّه يكون أكثر خطرًا على الحقِّ والعدل من غيره، وليس عليكم إلا أن تنظروا لما يجري في العراق لتعلموا كيف تُرتكبُ أفظع الجرائم ضدَّ الأبرياء باسم الدين.

وقال: إنّ الدين هو في الحقيقة أعظم مربِّي للإنسان على الحق والعدل والخير والفضيلة، ولكن إذا ابتلي الإنسان بالتعصّب الأعمى باسم الدين فإنّه يتحوّل إلى أكبر مجرمٍ على وجه الأرض.

والمؤمن حينما يقرأ سورة يس في كل صباح فإنّه يتربّى على حبِّ الحق والعدل والخير والفضيلة وعمل المعروف وعرفان الجميل ومقابلة الإحسان بأحسن منه، ويعرف خطورة التعسف والتعصب الأعمى وإضلالهما عن الحق فيتعوذ بالله منهما ويحذر منهما أشد الحذر، فتكون له هذه السورة المباركة نورًا وشفاء لنفسه من كل داء، وتكون عليه بركة ورحمة، فيعمُّه بسببها خيرُ الدنيا والآخرة، ويُدفع عنه بسببها شرُّ الدنيا والآخرة.

وحينما تُتلى هذه السورة المباركة على الإنسان في ساعة الاحتضار فإنّه ـ إن شاء الله تعالى ـ يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من التعصّب الأعمى ـ إن كان قد ابتلي به ـ ومن كل ذنب، ويذهب إلى ربه متعبِّدًا بالحق والعدل والخير، فيموت ريان[4]، ويُبعثُ ريان، ويدخل الجنة وهو ريان ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا تتحصّل هذه الفوائد إلا إذا قرأ الإنسان المؤمن القرآن بتدبّرٍ وفهم، فيكون له القرآن رفيقًا ومؤنسًا ونورًا ودليلاً إلى الخيرات كلِّها ورحمةً وشفيعًا يوم القيامة وحجابًا من النار.

في ظلال فاطمة الزهراء

وبمناسبة ذكرى وفاة السيد الطاهرة فاطمة الزهراء r وبناء على طلب الحضور تحدّث الأستاذ عن هذه السيدة الجليلة، فقال: ذكرى وفاة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء r غنيّة جدًا بالدروس والعبر للناس عمومًا وللمؤمنين خصوصًا، فمن خلال السيدة الزهراء r نتعلّم القيمة الإنسانية الرفيعة للمرأة ولدورها في الإسلام، وليس لمدّعي ـ مع وجود الرؤية المضيئة التي يقدمها الإسلام الحنيف عن فاطمة الزهراء r وعن علاقتها مع أبيها ـ بأن يزعم بأنّ الإسلام الحنيف ينتقص حقَّ المرأةِ في شيء، فهذه السيدة الجليلة قد بلغت من الكمال ـ بحسب الرؤية الإسلامية ـ حدًّا تفوّقَت به على جميع الأنبياء السابقين q وأصبحت حجّة ومثلاً أعلى للإنسانية الكاملة والقدوة الحسنة لكل مؤمن ولكلِّ إنسان يعتزُّ بإنسانيّته وكرامته على مدار التاريخ، ليستنيروا بهداها، ويأخذوا بتعاليمها، ويستردوا بخطاها، ويعملوا بسيرتها المشرقة على حياة العز والجهاد والفضيلة، فقد روي عن الإمام الحسن العسكري o قوله: “نحن حجة الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا”([5]).

وقال: فاطمة الزهراء r هي سيدة نساء العالمين، فهي متقدِّمة في كمالها على مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم، وقد قال الله تعالى عنهما: )وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ` وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ(([6]) فهي قدوة حسنة في صفاء الروح وطهارة النفس وصلتها بالله ذي الجلال والإكرام وعبادتها له وطاعته، وفي الإيثار وبساطة العيش والزهد في الحياة، وفي تحمّلها للمسؤولية وجهادها لنفسها وجهادها في سبيل الله وخدمتها للناس والسهر على هدايتهم ومصالحهم انسجامًا مع تعاليم دينها والقيام بوظيفتها الدينية والمجتمعية التي كلّفها بها الدين الحنيف.

فعن جهاد النفس يكفينا ما جاء في سورة الإنسان، قول الله تعالى: )وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ` إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ` إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا(([7]) فلم يكتفِ أهل هذا البيت بالصيام قربة لله تعالى، وإنّما التصدّقُ بطعام الفطور والاكتفاء بالماء، وتحمُّل الجوع لمدة ثلاثة أيام.

وروي أنّه ذات مرّةٍ قدم الرسول الأعظم الأكرم Q من سفره فرآها وقد اشترت ستارًا لباب بيتها وسوارًا من فضة، فتجاوز عنها وقد عُرف الغضب في وجهه، وعرفت الزهراء r ماذا يُثقل روحَّ أبيها، فنزعت الستار عن بابها، وخلعت السوار من يدها، وبعثت بهما مع ولديها الحسنين p وقالت لهما: اقرءا أبي السلام، وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا فشأنك به، فانفرجت أسارير الرسول الأعظم الأكرم  Qوقال: “ما لآل محمد وللدنيا، فإنّهم خُلقوا للآخرة”[8].

وكانت الزهراء r صاحبة رأي حصيف ومواقف وجهاد، ولم تكن لتُغيِّر تحت الضغوط رأيًا أو موقفًا اقتنعت بصحّتِه وصوابه. فكانت تقف في طفولتها إلى صفِّ أبيها تسانده في دعوته وتدفع عنه أذى قريش، وتحمّلت معه محنة الحصار في شعب أبي طالب، وغمرت أبيها بحبِّها ورعايتها له بعد وفاة أمِّها خديجة بنت خويلد r وكانت تخرج مع أبيها في حروبه تسقى المقاتلين وتداوي الجرحى، ثمَّ قامت بكل إرادة وعزم وتصميم وجرأة وثبات بدورها في إظهار الحق وتوضيح الحقائق والدفاع عن حق الولاية الشرعية لأمير المؤمنين o وقادت أول معارضة نسائية في التاريخ الإسلامي، وتحمَّلَت في سبيل ذلك الكثير من العناء والأذية، وقدَّمت حياته ثمنًا كريمًا من أجل دينها والعدل بين الناس.

وقال: انظروا إلى هذه المرأة الجليلة التي كانت رحمةً للعالمين كيف اضُطهدَت بعد أبيها وقابل الناس إحسان أبيها وإحسانها بالإساءة والنكران، فهضمت حقوقها الماديّة والمعنويّة حتى ذهبت إلى أبيها حزينة مظلومة ولم تتجاوز العشرين من عمرها الشريف، وقد حمل التعصّب بعضهم على القول بأنّ فيها خصال من النفاق!! فاحذروا من التعصّب الأعمى فإنّه يُعمي عن الحق والخير، ويؤدِّي إلى كبائر الإثم والعدوان، وإياكم ونكران الجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة وظلم العباد وهضم حقوقهم الماديّة والمعنويّة، فإنّ عاقبة ذلك سيئة في الدنيا والآخرة، وهو سبب لسلب البركة والخيرات ونزول العذاب على الخلق في الدنيا قبل الآخرة.

ما كُتِبَ عن تيار الوفاء في بعض الصحف

وبخصوص ما كتبته إحدى الصحف عن تيار الوفاء، قال: لن أناقش ما أوردته تلك الصحيفة، لأنّه لا مصداقيّة لها ولا مصداقيّة لمن تحدَّث فيها، ومناقشة فاقد المصداقية غير مستساغٍ لدى العقلاء، ولكن أذكر بأنّه بفضل جميل وتضحيات الشرفاء من الذين يتنكّر هؤلاء القوم لهم ويشتمونهم ويحرِّضون عليهم أصبحت لهم جمعيات سياسية وأصبحوا قادرين على الكلام، ولولا تضحيات أولئك الغيارى لكانوا حتى اليوم يخافون من الحديث في السياسة حتى مع أنفسهم.

إنّ هؤلاء القوم لا يعرفون الجميل ولا يستحون، ولا زالوا يعيشون ـ وهم في القرن الحادي والعشرين ـ بعقليّة زمن الكهوف، فكهوف الموالاة المظلمة، وكهوف الأنانيّة والمصالح الخاصّة الضيّقة، وكهوف الأميّة السياسيّة والحقوقيّة ونحوها، ليست بأقل ظلمةً وتخلّفًا من ظلمات زمن الكهوف، فلا يكاد هؤلاء القوم يفقهون حديثًا.

وأمّا بخصوص التحريض على الاعتقال فربَّما أولئك يقيسون الناس على أنفسهم، حيث لا نصيب لهم ولا ذكر في النضال والتضحية ويخافون من نعال الموتى، أما من قضى حياته في النضال ضد الطواغيت والمستبدين والمستكبرين والدفاع عن حقوق المظلومين، فهو لا يخاف السجن وسياط الجلادين والمعذبين، بل يخاف المعذبون والجلادون من نظرات عيونهم.

وقال: نحن نعلم بأنّنا نعيش في دولة بوليسية ظالمة لا تحترم حقوق الإنسان وحريات المواطنين، ولا تأخذها في المعارضين الشرفاء إلاًّ ولا ذِمّة، فكل من يطالب بحقوقه العادلة في هذه الدولة فإنّه سوف يُواجه بالتهويل الكلامي وتشويه السمعة وتعريض حياته للخطر، ولا رادع يردع القائمين على هذه السلطة من داخل أنفسهم عن البطش والتنكيل بالمعارضين السياسيين والمدافعين الشرفاء عن حقوق الإنسان، ولن يصمد في وجوههم إلا الأقوياء من الرساليين وأصحاب المبادئ. ومن جهتي فإنِّي أسعى ليكون لسان حالي قبل لسان مقالي فاضحًا لظلم وطغيان المستبدين والمستكبرين، وأرى بأنّ جلوسي هنا وكلامي ليس كافيًا في فضحهم، وقد يخدع هذا الوضع السُّذَّجَ والبسطاء، وإنّ دخولي السجن وحصولي على الشهادة أبلغ في فضحهم، فإذا كانوا عازمين فليأتوا من ساعتهم هذه أو من ليلتهم هذه ليحصل لي الشرف وتحصل لي الكرامة بذلك.

وقال: ما أريد التنبيه إليه هو الأمر الذي استفزَّ القائمين على هذه الصحيفة والمتحدِّثين فيها والمحرِّضين المتوارين الذين يقفون وراءهم لمثل هذا الحديث عن تيار الوفاء الإسلامي الذي يتشرّف بالدفاع عن المحرومين والمظلومين والمستضعفين. الأمر ليس كما زعموا من تأييد تيار الوفاء الإسلامي لحركة الاحتجاجات الشعبية ودفاعه عن حقوق المحتجين، فهذا الأمر ليس بالشيء الجديد، ولكن الجديد الذي استفزَّ هؤلاء وحملهم على هذه الحملة المسعورة هو أطروحة التكامل، لأنّ القائمين على السلطة وهم المحرِّكون الفعليون لهذه الحملة، يعوِّلون كثيرًا لتنفيذ أجندتهم الشيطانية الخبيثة على توظيف الخلافات بين قوى المعارضة لإضعافهم وشغل بعضهم ببعض، وقد وجدوا إنّ من شأن أطروحة التكامل ـ لو كتب الله تعالى العمل بها ـ أن توحِّد صفوف المعارضة وتقوِّيها لتهدم أجندة السلطة في الاستفراد بالسلطة والاستئثار بالثروة وهضم حقوق المواطنين وظلمهم.

وقد سبق أن قلت: بأنّ السلطةَ هي أكثر من استفزَّتُه أطروحةُ التكامل، وسوف تعمل على محاربتها بمن يقوم بالحرب نيابة عنها، وسوف تقوم بخداع بعض الأصدقاء والأحبة للقيام بهذا الدور العدواني بغير قصد، فهو أبلغ في تحقيق الهدف، وللأسف الشديد هناك من الأصدقاء والأحبة من بلع الطعم، واحذروا أن تكونوا منهم.

أطروحة التكامل من جديد

وبخصوص أطروحة التكامل، قال: هناك رؤيتان في تقييم هذه الأطروحة:

  • رؤية تقوم على نظرة شاملة لمكونات الساحة الوطنية وتأثيراتها، وللإدارة السياسية على المدى الطويل للمسيرة الوطنية بما يحقق مطالب المعارضة الاستراتيجية في نهاية المطاف.
  • ورؤية تُركِّز على خياري المقاطعة والمشاركة وإدارة الموقف فيهما، بوصفهما خيارين استراتيجيين ومفصليين على الساحة الوطنية.

وتيّار الوفاء يتبنّى الرؤية الأولى.

وقال: هناك منهجان في إدارة العلاقة بين المشاركين والمقاطعين:

  • منهج يدعو للرحمة وحفظ حقوق الأخوة والمراعاة لهم قدر المستطاع.
  • ومنهج يدعو إلى إثبات الوجود في الساحة لكي يقتنع الطرف الآخر للاعتراف بالغير والحوار معه مما يعود بالمصلحة على الجميع.

وتيّار الوفاء يزاوج بين المنهجين ـ حيث لا تعارض بينهما ـ ويحرص على إدارة موقف المزاوجة بتوازن وحكمة.

وقال: هناك أطروحة تدعو إلى ترك التنظير في مسألة التكامل، والتركيز على السعي العملي لوضعها موضع التطبيق، ومن المساعي العمليّة لوضعها موضع التطبيق الإعلان عن برامج عمل في الملفات المهمة مثل: المسألة الدستورية والتجنيس والمعتقلين وأملاك الدولة ونحوها، فإنّ من شأن ذلك أن يخلق واقعًا قويًّا يُقنعُ الآخرين ويأتي بهم إلى طاولة الحوار ويمهِّد الأرض لتقبّل أطروحة التكامل.

وبخصوص رفض حركة حق لأطروحة التكامل، قال: النقد الذي نقله الأخ العزيز على لسان الأستاذ الفاضل حسن المشيمع في مجلسه العامر في ليلة الجمعة لأطروحة التكامل، اعتبره شيئًا جميلاً ومفيدًا، حيث إنّ البعض يُشكل علينا تمسّكنا بأطروحة التكامل رغم عدم تقبّل الإخوة في جمعية الوفاق لها حتى الآن، وها نحن قد وجدنا الآن اختلاف حليف استراتيجي لنا حول الأطروحة، فالاختلاف في الرأي وارد حتى بين الحلفاء، فلا يصحُّ أن نعتبره أساسًا لنسف الاستراتيجيات، والمطلوب من أيِّ طرفٍ يمتلك استراتيجية ذات قيمة هو الصبر على مواجهة الصعوبات واختلاف آراء الأطراف المعنية بها حولها في البداية، ومعالجة جميع ذلك حتى يستطيع الطرف الرائد للاستراتيجية من الوصول بها إلى مرحلة التطبيق، ولا يصحُّ جعل الصعوبات أو عدم تقبّل بعض الأطراف لها في البداية سببًا للتخلِّي عنها، وإلا لسقطت جميع الاستراتيجيات، فلا توجد استراتيجية ذات قيمة لا تواجهها صعوبات أو لا تختلف الآراء حولها في بداية طرحها ـ لاسيما إذا كانت تأسيسًا جديدًا ـ ونحن نعتبر الحوار الدائر حول أطروحة التكامل شيئًا إيجابيًّا ودليل صحة وعافية، والبقاء ـ إن شاء الله تعالى ـ مع توفّر الإرادة والحكمة هو للأصلح، وقد وصلنا من خلال الحوارات ومنها الحوار في هذه الليلة إلى تقبل الأطروحة من حيث المبدأ والمطالبة بدقّة وسلامة التطبيق لها، وهذا شيء جميل.

وقال: على المروِّجين التوقّف عن القول بأنّ أطروحة التكامل هي وليدة الضغط على التيّار، فمعارضة التيّار للسلطة ومواجهته لها في غاية الوضوح، وممارسته النَّقد العلمي لأطروحات ومواقف من يختلف معهم ظاهرة وصريحة وجريئة، وقد دفع ولا يزال يدفع ثمن ذلك.

وبخصوص موقفه الشخصي، قال: إذا كان مراد المدّعين ما أُظهره من الود والرحمة للمؤمنين، فأقول لهم: إنِّي أتشرف ليس بتقبيل تراب نعال علمائهم فحسب، بل بتقبيل تراب نعال أطفالهم ومجانينهم، وهذا لا يأتي بأيِّ حال على حساب الصواب من المبادئ والمواقف.

وبخصوص التكالب عليه، قال: أنا بشر أتألم كما يتألم البشر، ولكن إذا كانت نتيجة هذا التكالب الخلوص لله سبحانه وتعالى، فإنّ سعادتي فيه لا في غيره، وأقول يا الله:

ليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صحَّ منك الود فالكل هيِّنٌ وكلُّ من فوق التراب تراب

وقوف المرجعية على مسافة واحدة من المؤمنين

وبخصوص الاختلاف حول مبدأ وقوف المرجعية على مسافة واحدة بين المؤمنين، قال: مبدأ وقوف المرجعية على بعد واحد من المؤمنين لم يأتِ به تيّار الوفاء الإسلامي من عند نفسه بل سبقته المرجعيات العليا في الطائفة إليه، والتيّار أخذ بما أسّست له المرجعيات العليا في الماضي والحاضر، ويعبر عن منهجها الإسلامي ووظيفتها الشرعية في العلاقة مع القوى السياسية من المؤمنين، فليس على هذا المبدأ ما حُمل من مآخذ، وإذا صحّت هذه المآخذ فهي مأخوذة على المرجعيات الدينية العليا قبل أن تؤخذ على تيّار الوفاء الإسلامي.

قال سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ’: “أنه يحترم أنظار المشاركين والمقاطعين في البحرين، وأنه يقف على مسافة واحدة من المشاركين والمقاطعين ويحوطهم جميعًا بأبوّته الروحيّة والمعنويّة” وقال مثل ذلك عن القوى السياسية في العراق.

وقال الإمام الخميني ¥: “وواضح أنه لو كان اختلاف بين الأفراد والأجنحة المرتبطين بالثورة فهو سياسي حتى لو أضفي عليه ظاهر عقائدي، فهم مشتركون في الأصول والمبادئ، وهذا هو سبب تأييدي لهم.

إنهم أوفياء للإسلام والقرآن والثورة، وقلوبهم تتحرّق إخلاصًا للبلد والشعب، ولكل منهم ـ فيما يتعلّق بتقدّم الإسلام وخدمة المسلمين ـ مشروع وآراء يعتقد أنّ بها يكون النجاح”([9]) وأدعو هنا للتأمّل بشكل خاص في جملة “وهذا هو سبب تأييدي لهم” فهي أبلغ في الموقف من القول بالوقوف على مسافة واحدة.

وقد جاء في كتاب: (حاكمية الإسلام بين النظرية والتطبيق: ج2، ص115) تحت عنوان: (القيادة على مسافة واحدة من الجميع) قول آية الله العظمى الإمام الخامنئي ’: “لا أريد توجيه الخطاب إلى تيار سياسي بعينه، وإنما أوجّه خطابي إلى الجميع، فليس هناك من فارق بالنسبة لي بين هذا التيار السياسي أو ذاك، والملاك عندي هو سبيل الله وطريق الإسلام ومنهج الإمام ورعاية مصالح الشعب والحرص على مستقبل البلاد، ولا يفرق بالنسبة لي إن كان فلان تابعًا لخط (ألف) والآخر تابعًا لخط (ب) وكلامي هو إنّ الجميع يجب أن يتحلَّوا بالوعي واليقظة”.

ومن الناحية العملية: فإنّ هذا الطرح ليس فيه إضعاف لموقف المرجعية أو تقليص لنفوذها أو إعطاء المبررات للابتعاد عنها أو إبعاد بعض المؤمنين واقتطاعهم منها ونحوه، وإنَّما هو طرح من شأنه أن يقوي موقف المرجعية، ويوسِّع دائرة نفوذها ليشمل جميع المؤمنين والقوى السياسية، والاقتراب منها، وضم الجميع إليها.

  • فالطرح سليم من وجهة النظر الشرعية.
  • وإيجابي في الموقف العملي من المرجعية.

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان

وبخصوص المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنت السلطة عن تشكيلها مؤخرًا، قال: يُفترض أن تكون المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مؤسسة مستقلّة وتمثِّل المجتمع المدني، ولكن التشكيلة لا تدلُّ على ذلك، وهي تشكيلة غير ذكيّة، فإذا قورنت بمثيلتها في الأردن مثلاً، نجد أنّها هناك موالية للسلطة، ولكن التشكيلة هناك ذكية لأنها مؤلَّفَة من كوادر متخصِّصة وتمتلك كفاءة في عملها وتمارس دورها الموالي للسلطة بشكل مهني، أمّا هنا فليس الأمر كذلك.

وأرى بأنّها سوف تحاول التشويش على عمل المؤسسات الحقوقية الشعبية، مثل: مركز البحرين لحقوق الإنسان وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، وتشويه سمعة المعارضة والحركة المطلبية، ولكنّها لن تؤثر على المؤسسات الحقوقية الشعبية مهنيا، ولن تنجح في حجب الحقيقة ووصولها إلى الرأي العام والضمير الإنساني في الداخل والخارج، لأنّ المؤسسات الحقوقية الشعبية تمتلك كفاءة مهنية، وتمارس عملها بحرفية، وقد كسبت مصداقية دولية انتزعتها من فم التنين، ولن تستطيع المؤسسة الجديدة التأثير عليها من هذا الجانب، ولكنّها سوف تنجح في التشويش والمشاغبة فقط. وأنصح المؤسسات الحقوقية الشعبية أن تسعى لكشف عدم مصداقيّة هذه المؤسّسة من خلال التركيز على عملها، مثل: إرسال محمد الأنصاري مبعوثًا عنها إلى واشنطن لمواجهة نشطاء حقوق الإنسان الأجانب الذين سيتحدّثون عن انتهاكات حقوق الإنسان والعودة إلى التعذيب من جديد في البحرين، أكثر من التركيز على عدم مصداقية أشخاصها، لأنّ التركيز على الأشخاص قد يُحسب في دائرة الغيرة والتشهير أكثر منه في دائرة المهنة والواجب.


([1]) يس: 26 ـ 27.

([2]) يس: 46.

([3]) الزمر: 18.

[4] هكذا المنقول بحسب الموقع، ولغةً: ريان بمعنى الامتلاء.

([5]) تفسير أطيب البيان: ج13، ص 235.

([6]) التحريم: 11 ـ 12.

([7]) الإنسان: 8 ـ 10.

[8] مناقب آل أبي طالب ^ (لابن شهرآشوب)/ ج‏3/ ص: 343.

([9]) ريادة الفقه الإسلامي ومتطلبات العصر 87.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى