لقاء الثلاثاء (35) | 18-1-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.
الدين والسياسة
قال الأستاذ: هناك حقيقة مؤكّدة في الرؤية الإسلامية، وهي: إنّ الدين لا ينفصل عن الحياة والسياسة، ولكن ينبغي التمييز بين حالتين:
- أن يدخل الدين على السياسة، فيُزيّن الدين السياسة، ويجعل منها سياسة مبادئ وقيم وخير ومنفعة للناس.
- أن تدخل السياسة على الدين فتشين السياسة الدين، وتجعل منه دين منافع ومصالح مادية ودنيوية، ويكون الدين، وتكون السياسة، ضارين بالناس.
وبخصوص توظيف الشعائر من أجل الترويج السياسي، قال: هناك فرق بين الترويج للأشخاص والأحزاب على حساب الوحدة، وبين الترويج للمبادئ والقيم الإسلامية التي تصبُّ في خدمة الحالة الإسلامية وترسيخها، وخدمة المصالح الإسلامية والوطنية العليا.
وقال: الإسلام هو دين التوحيد، والمؤمن الموحِّد يلتزم بوحدة الصف الإسلامي استجابة لنداء الله سبحانه تعالى، قوله: )وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا(([1]) ولدعوات الرسول الأعظم الأكرم Q وأهل بيته الطيبين الطاهرين ^ وهذه حالة إيمانية تعبّديّة. ولكن هناك حالة إيمانية أرقى، وهي إنّ الإنسان المؤمن الموحِّد الذي يرتبط بالإله الواحد، ويعيش حقيقة التوحيد، لا يكون توجّهه في الحياة بما هو موحِّد إلا وحدويًّا، وبما يعود بالفائدة والمصلحة على كل الناس، ويكون عادلاً ومنصفًا حتّى مع الأعداء، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(([2]).
وقال: الدين يُثري إنسانيّة الإنسان، ويسمو به ويطهِّرُه ليدخله إلى ساحة الطهارة والقدس الإلهي، وثمن التعبّد به جنّة الخلد، والنظر إلى وجه الله ذو الجلال والإكرام. فالدين ذو علاقة بماهيّة الإنسان وجوهر وجوده، ويضيف قيمة حقيقية لوجوده، فلا يمكن لإنسان يعرف حقيقة الدين، ويكون صادقًا في تديّنه، ثمّ يبيع الدين بأيّة مصلحة ماديّة أو دنيويّة مهما عظمت في حساب الدنيا والمادة. قال الرسول الأعظم الأكرم Q: “يا علي لإن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خير لك ممّا طلعت عليه الشمس”[3] فإنّ ثواب هداية إنسان واحد، خيرٌ للإنسان من ملك الدنيا جميعًا. وإنّ الإمام الحسين o قد ضحّى بنفسه وأهل بيته وخيرة أصحابه من أجل الدين والآخرة، ومن يفعل ذلك فإنّه يضحّي بالدنيا كلّها لو كانت ملكًا خاصًّا له من أجل الله الغني الحميد والآخرة، فعنده: إنّ الدنيا كلها لا قيمة لها في مقابل مرضاة الله والآخرة.
وقال: هذه الحالة الإيمانية الراقية، ليست خاصّة بالرسول الأعظم الأكرم Q وبالأنبياء والأوصياء o وإن كان لهم قدم السبق والتقّدم والفضيلة فيها، بل تجدها لدى كل من يسير بإرادة وقصد ووعي للشهادة في سبيل الله الغني الحميد، فمن يُقدم على الشهادة في سبيل الله تبارك وتعالى بإرادة ووعي، فإنّه لا شكّ يُضحّي بالدنيا كلّها لو كانت ملكًا خاصًّا له، لأن ملك الدنيا ليس أعز لديه من نفسه، قال الرسول الأعظم الكرم Q: “فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بَرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِر”[4].
تيار الوفاء والتربية الروحيّة
قال الأستاذ: المنطلق الأساس في عمل تيار الوفاء الإسلامي هو العبادة لله سبحانه وتعالى على أسس عقائدية صحيحة: صافية ونقيّة، والتزام عملي وتقيّد دقيق بالأحكام الشرعيّة، فهو لا يريد الأشخاص ولا يريد الساحة لنفسه، وإنّما يريدهما لله سبحانه وتعالى ولمصالح العباد. ولهذا فهو حريصٌ كلُّ الحرص على التربية الفكرية والروحيّة للعاملين ضمن التيار وللنخب والجماهير التي تلتفُّ حولَه، وتوجيههم لأن يكون عملُهم من أجل الحصول على مرضاة الله سبحانه وتعالى ومرضاة صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وحفظ مصالح العباد وصيانتها. وليس من أجل كسب المصالح المادية والدنيوية الخاص، وتحت تأثير العصبية الحزبية أو غيرها من العصبيات الجاهليّة.
وقال: هذا التوجّه عندنا ليس خيارًا حرًّا من بين مجموعة خيارات أخرى مقبولة، وإنّما هو الخيار الوحيد المقبول أمامنا، حيث أنّه الخيار الوحيد المفروض علينا من الله عز وجل، ولا خيار آخر مقبول عندنا بحكم العقل والدين والفطرة. ولو خالفنا هذا الخيار، وهدرنا أعمار الناس وطاقاتهم وأموالهم في خيارات سياسية بحتة لا ترتبط بالله عز وجل وبمصيرهم الوجودي في الآخرة، لكنا بحق ظالمين لأنفسنا وللمؤمنين والناس أجمعين.
قال الله تعالى: )وَالْعَصْرِ ` إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ` إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(([5]).
وقال: إنّ أعمارنا وأنفسنا وطاقاتنا ومواهبنا أمانة من الله عز وجل لدينا، وثمنها الوحيد هو الجنة، ولا ثمن يساويها غير الجنة. وتيار الوفاء الإسلامي لا يريد أن يستقطب الناس ويستنفذ جهودهم وطاقاتهم وأموالهم في غير ما خُلِقوا من أجله، ويرتبط بمصيرهم الوجودي في يوم القيامة، لكيلا يكون ظالما لنفسه وللمؤمنين والناس أجمعين.
وقال: أنتم تسمعون منّي هذا الكلام، واعلموا أنّه ليس من أجل الاستهلاك، وإنّما هو إيمان وقناعة، ونحن في الطرح الداخلي للعاملين في التيّار، أكثر حرصًا وتشديدًا على هذا الطرح منه في الطرح الخارجي لعامة الناس.
وقال: التربية الروحيّة والأخلاقيّة أهم كثيرًا من الوعي السياسي، فالوعي السياسي مهم، وهو شرط من أجل حماية الدين والمصالح العليا للعباد، ولكن النضج الروحي والأخلاقي أكثر أهميّة منه، مع كامل الحرص على تحصيل الوعي السياسي.
وقال: أعتقد جازمًا بأنّ الإنسان الذي يمتلك النضج الروحي، يكون أكثر تهيؤًا من غيره ـ مع تساوي القابليات الأخرى ـ لتحصيل الوعي السياسي، ويستطيع بشكل أفضل وأسهل أن يتجاوز العديد من العقبات وحل الكثير من المشاكل.
قال الله تعالى: )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(([6]).
وقال الله تعالى: )وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا(([7]).
وقال الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً(([8]).
وقال أمير المؤمنين o: “لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقًا، ثم اتّقى الله لجعل له منها مخرجًا”[9].
فالله عزّ وجل هو المتكفّل بهداية المؤمن وإرشاده وتوجيهه لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
انتهاك حرمات المؤمنين
وبخصوص الإصرار من البعض على طرح عدم شرعيّة تحرّك التيار، قال: التيار مطمئن إلى شرعيّة عمله، ومن يطلب الحقيقة يجدها في بيان الحجّة وبنود نتائج اللقاء مع سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيّده الله تعالى).
وقال: القاعدة التي ينبغي على المؤمنين العمل بها في علاقاتهم من بعضهم، هي: أن يعذر بعضهم بعضًا في العمل بقناعاته الشرعيّة، ولا يصحُّ من مؤمنٍ أن يفرض قناعته الشرعية على غيره من المؤمنين، وحقيقة القول عن جماعة من المؤمنين: بألاّ شرعيّة لعملهم، هو تفسيقهم، لأنّ عدم شرعيّة عملهم، تعني عدم التزامهم بالضوابط الشرعيّة في العمل، وتفسيق المؤمنين إثمٌ كبيرٌ لا يقترفه مؤمن.
وقال: يجب أن نميّز بين أطروحتين:
- أطروحة تكشف عن منزلة شخص ما، وتقول مثلاً: بأنّ فلان من الناس أو العلماء أو الفقهاء صالح والعمل معه فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى ومصلحة للدين والعباد.
- وأطروحة تقول بأنّ الاختلاف العلمي أو السياسي مع فلانٍ من الناس (من غير المعصومين) من العلماء أو الفقهاء فسق وخروج عن الدين.
وقال: الأطروحة الأولى حق، والأطروحة الثانية إثمٌ كبير.
وقال: أنا شخصيًا أعتقد بأنّ سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (أيّده الله تعالى) هو أهم شخصيّة إسلاميّة بعد الحجّة # في الوقت الحاضر، وذلك نظرًا للدور الإسلامي العظيم المتميِّز الذي يقوم به، ولا يجاريه فيه أحد غيره من الفقهاء فضلاً عن غيرهم، وأرى بأنّ العمل على ضوء منهجه وإرشاداته وتوجيهاته فيه مرضاةٌ لله سبحانه وتعالى، ولكن لا أستطيع القول بأنّ الاختلاف العلمي أو السياسي معه (مع مراعاة الجوانب الشرعية المتعلِّقة بالولاية) فسقٌ ومخالفٌ للدين، بل أرى في هذا القول إثمٌ ومعصية لله عز وجل، فينبغي أن نميّز بين الأمرين.
وقال: الردّ بالمثل على المعتدين حق، قول الله تعالى: )فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(([10]) ولكن الأرقى أن نكون متسامحين ورحماء لاسيما مع المؤمنين، قول الله تعالى: )وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ` إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ` وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(([11]).
وقال: البعض منكم قد يجزع من هذا الكلام، ويعتبره تقييدًا يضعف الموقف ويقوي الطرف الآخر ويؤخِّر النصر، ولكن الحقيقة: إنّ هذا الجزع هو من الحسابات الماديّة لدى أصحاب الدنيا والجارين وراءها، وللمؤمنين حساب آخر يرتبط بالله سبحانه وتعالى. فاعلموا أنّنا إذا عملنا بهذه النصيحة الربانيّة، وعلم الله ( منا الصدق والإخلاص، فإنّه ( يُعجّل لنا النّصر والظفر ويساعدنا على حل المشاكل والسيطرة عليها، لأنّ سلامة القلوب من الأمراض الروحية، هي من أقوى عوامل النصر، وكسب العقول والقلوب أكثر أهمية من كسب المواقف السطحية من أجل النجاح وتحقيق الأهداف الإسلامية والوطنية.
والخلاصة: رحمتكم بالمؤمنين ليست ضعفًا، وليست سببًا لخسران المعركة وتأخر النصر، بل هي سبب للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
نتائج زيارة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيّده الله تعالى)
وبخصوص ما أُثير حول دقّة ما أعلن عن نتائج الزيارة لسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيده الله تعالى) قال: نحن ندّعي بأنّ ما نقلناه كان في غاية الدقة والأمانة، وإذا تجاوزنا مسألة الأدب الشرعي المفترض في التعامل مع المؤمنين، حيث لا يسمح بأن يُكذِّبَ المؤمنُ أخاه المؤمن، فإنّ في وسع كل من يشكُّ في دقّة أو سلامة ما نقلناه، أن يتّصل بمكتب آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيّده الله تعالى) أو بوكيله في البحرين ويستفسر عن حقيقة ما نُقِل، فالاتّصال اليوم متاح للجميع عبر الهاتف أو الانترنت، وذلك عوضًا عن سوء الظن والتشكيك في المؤمنين، ولكيلا يحمل المشكك على ظهره حطب ووزر تكذيب المؤمنين.
وقال: تمنّيت أن يكون التّعامل مع ما نقل أكثر أدبًا ونضجًا.
وقال: قال الرسول الأعظم الأكرم Q: “كلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقُّ بها”([12]) وقال أمير المؤمنين o: “الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق”([13]) فبين المؤمن والحكمة حبٌ وصداقة، وهو يطلبها من كلِّ أحد، ويخضع إليها، ويعمل بها قربةً لله تعالى. ولكنّي وجدت من خلال الكثير الكثير من التجارب، بأنّ بعض المؤمنين بسب التعصّب والتحزّب والجهّل البسيط والمركب، يخاف من الحقيقة ويهرب منها وكأنّها نار تلسعه. وهذا شيء مؤسف ومحزن للغاية، فالمؤمن يجب أن يكون صديقًا للحقيقة، ومذعنًا لها، ومتعبِّدًا بها دائمًا، فعلاقته مع الحكمة والحقيقة علاقة وجود ومصير، وليست علاقة شكلية تتساوى فيها أطراف القضية من الناحية الوجودية الواقعية في ماهية وجوده وكماله ومصيره، وليس من مصلحة الإنسان المؤمن ـ بحسب عقيدة التوحيد ـ أن تكون بينه وبين الحقيقة خصومة بأيِّ حالٍ من الأحوال.
وقال: تيّار الوفاء الإسلامي لم يذهب إلى المرجعيّة ابتداءً في هذا الموضوع، وإنّما فُرض عليه فرضًا حينما طُرح بعض المؤمنين عدم شرعيّة عمله، وتمّ التسويق للمواقف السياسية والسعي لفرضها على المؤمنين باسم المرجعيّة، فما كان من تيار الوفاء الإسلامي إلا الذهاب إلى المرجعية من أجل إدخال الطمأنينة إلى قلوب المؤمنين، وهي معالجة هادئة وموضوعية، ولم يتعرّض التيار في معالجته بالسوء لأحد من المؤمنين، وإنّما البعض رفض مجرد المعالجة!!
وقال: نحن مع كل جهد تبذله المرجعية أو غيرها في سبيل توحيد صفوف المؤمنين.
إسكان النويدرات
وبخصوص التطورات الأخيرة في إسكان النويدرات، قال: مشروع توزيع الأراضي كان أحد الخيارات التي طرحتها وزارة الإسكان ورفضتها اللجنة الأهلية، وكان ضمن الخيار أن تتكفل الوزارة ببناء مأتمين: واحد للرجال، وآخر من النساء. والآن وبعد أن فرضت الحكومة إرادتها في توزيع الوحدات الإسكانية، عادت وطرحت مشروع توزيع الأراضي كأمر واقع، وأصبح الدكتور عبد علي محمد حسن في الواجهة، وأسندت إليه مهمة التوزيع، وحشر أخير الوزير أحمد عطية الله ضمن المشروع أيضًا، وهناك جدل كبير بين الأهالي حول:
- دور الدكتور عبد علي محمد حسن.
- وعدالة توزيع الأراضي.
- وحشر الوزير عطية الله في المشروع.
وأُلخِّص رأيي في كافّة جوانب الموضع وباختصار شديد في النقاط التالية:
(1): عطيّة الله متّهم من قبل الشعب وقوى المعارضة بشأن دوره في قضية تقرير البندر، والمطلوب محاكمته وليس شكره بسبب ظهوره ـ كما يطلب البعض ـ في مشروع توزيع الأراضي. هذا وقد وصل طموح الوزير أحمد عطية الله أن يُموِّل مهرجان يُقام بمناسبة التصويت على الميثاق بالقرب من مشروع النويدرات الإسكاني!!
(2): إنّ الحقيقة الأدبيّة لحشر الوزير أحمد عطية الله في مشروع توزيع الأراضي في النويدرات، هي: كمن يُقدِّم لقمة العيش لإنسان، ويساومه في مقابل ذلك على شرفه!!
(3): سياسيًّا وفي ظلِّ فشل تجربة المشاركة البرلمانية، وإصرار السلطة على عدم تقديم أي تنازل في الملفات الرئيسية: مثل: الدستور، والتجنيس، وتوزيع الدوائر الانتخابية، وغيرها، مع رغبتها في استمرار المشاركة، فإنّها تحاول تقديم الدعم للمشاركين بإنجازات وهميّة خارج المهام البرلمانية تخدع بها الرأي العام، منها ما يحصل في مشروع توزيع الأراضي في النويدرات، حيث حُشِرَ النائب الدكتور عبد علي في مشروع توزيع الأراضي.
وقال: إنّ مهمة توزيع الأراضي في المشروع هي من مهام مؤسسات الدولة، وإسناد المهمة إلى نائب في البرلمان تصنّف في دائرة الفساد الإداري، والهدف السياسي هو الترويج إلى المشاركة، ودعم طرف سياسي على حساب طرف سياسي آخر، مما يؤسِّس للمواجهة البينيّة، والإضرار بالسلم الأهلي بين أهالي القرى الأربع. فحينما يكون هناك خلاف حول الأحقيّة وعدالة التوزيع مع تصدّي النائب للمهمِّة، فإنّ الصراع والخلاف سيكون بين الناس وبعضهم البعض وليس مع السلطة.
والخلاصة: ينبغي أن تُسند مهمّة التوزيع إلى مؤسّسات الدولة، وأن يرفع النائب المحترم يده عن ذلك، وإنّي له في ذلك من الناصحين.
ضرب السلم الأهلي للطائفة الشيعية
وقال: السلطة تسعى اليوم لضرب السلم الأهلي للطائفة، وهناك أكثر من مؤشِّر يدُّل على ذلك، ومثال ذلك ما حدث في قرية المالكية حيث حُرِقَت سيارة النائب البلدي، فنقل الخلاف من كونه خلافًا بين السلطة والناس إلى خلاف بين الأهالي أنفسهم.
وقال: الخلاف السياسي هو أقل خطرًا بكثير من تهديد السلم الأهلي بين الناس، ولهذا وقفت بقوّة ضدَّ الدعوات التي من شأنها أن تضرُّ بالسلم الأهلي بين الناس، مثل: الدّعوة لتشكيل لجان أمنيّة أهليّة وغيرها، بالرغم إنّ بعض الدعاة لم يكن يضمر السوء من وراء دعوته. وإنّي أوصي كاّفة المؤمنين بالحذر الشديد من أن يكون لهم أي دور في الإضرار بالسلم الأهلي، وعليهم أن يتضامنوا فيما بينهم بوعي، ويمارسوا أدوارهم السياسية والمجتمعية بحذرٍ شديدٍ ورشد.
وقال: الدين والأمانة والضمير تُوجِّب علينا ألا نجعل من الخلافات السياسية وسيلة للإضرار بالسلم الأهلي بين الناس، ومن غير الرشد:
- أن يسمح الإنسان لنفسه بأن يجعل من المكاسب السياسية مبررًا للإضرار بالسِّلم الأهلي.
- أو تحويل الخلافات السياسية إلى خلافات فكرية وعقائدية. فالراشد في تفكيره وسلوكه ومواقفه، يقوم بتجميد الخلاف السياسي ـ إذا اقتضى الأمر ـ في سبيل المحافظة على الوحدة الفكرية والعقائدية، لأنّ وجود الوحدة الفكريّة والعقائديّة من شأنه أن يساعد ويسهل معالجة الخلافات السياسية، والعمل على تحويل الخلاف السياسي إلى خلاف فكري وعقائدي، يُعقِّد الخلافات ويضع العقبات في وجه الحلول ويصعبها، وهو من عمل الشيطان الرجيم.
البحرين: بحران من الولاء
وبخصوص التعدّي على شعائر عاشوراء، قال: نُقِلَ إنّ أحد العظماء المعاصرين، قيل له: “إنّ البحرين بحر من الولاء” فرد: “بل بحران من الولاء”.
وقال الأستاذ: إنّ السلطة تسعى في الحقيقة لضرب هذه الحالة والقضاء عليها بكل وسيلة، وأقول للسلطة: إنّها تستطيع أن تؤذي أبناء شعبها من الشيعة، ولكنها لن تستطيع القضاء على هذه الحالة الروحيّة أو النيل منها، فهي حالة تاريخية متجَذِّرَة، وقد تكوَّنَت بعين الله عز وجل ورعايته الغيبية لها، وهي أقوى من السلطة، ولن تستطيع السلطة أن تنال منها شيئًا، بل ستزيدها بالإساءة إليها اتّقادًا وشعاعًا.
وقال: هناك خاصيّة تميّز بها الدين الإسلامي الحنيف من بين سائر الأديان، وهي: أنه وبعد مرور أكثر من (14: قرن) من الزمن، فإنّ المسلم المتديّن اليوم، يقرأ القرآن ويتعبّد بحماسة لا تقل عن حماسة الجيل الأول، وبوعي لا يقل عن وعيه بل يزيد عليه وعيًا!!
وقال : حينما يبلغ الإنسان مرتبة من التعليم والثروة والوجاهة، فإنّه يصبح عادةً أقل حماسة واهتمامًا بالعادات والتقاليد، ولكن الأمر يختلف كثيرًا في شأن الشعائر الدينية الإسلامية، فإنّه مع تقدّم المجتمعات وتطوّرها، فإنّ الاهتمام بها لا يقل، وإنّما يزيد ويتطوّر بتطوّر العصر وتقدّمه، وأردت من هذا الكلام الوصول إلى نتيجة مهمة، وهي: إنّ مؤسّسة الموكب المؤلّفة من ثلاثة عناصر، وهي: (المنبر، والمسيرات الجزائية، والزيارة) قد أسّسها الأئمة من أهل البيت ^ وقد أثبتت هذه المؤسّسة قوتها ونجاحها رغم أنف الجميع، إلى درجة أنّها أقوى من القائمين عليها من غير المعصومين ^ فمنها يستمد القائمون عليها قوتهم، ولا تستمد هي قوتها منهم.
أثر الفقر على الارتقاء الروحي
وبخصوص تأثير الفقر على الارتقاء الروحي، قال: جوهر الإنسان هو الروح، ولكن حينما يفقد الإنسان حاجاته الماديّة الأساسيّة في الحياة، مثل: الغذاء والملبس والمسكن، فإنّ ذلك لا يضرُّ فقط بالحالة الماديّة والجسميّة للإنسان، وإنّما يترك تأثيره السلبي الخطير جدًا على حالته الروحيّة والعقليّة، قال الرسول الأعظم الأكرم Q: “كاد الفقر أن يكون كفرًا”([14]) وقال: “اللهم إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر، فقال رجل: أيُعدلان؟ قال: نعم”([15]) وقال أمير المؤمنين لابنه الحسن ‘: “لا تلم إنسانًا يطلب قوته، فمن عُدِمَ قوته كثر خطاياه. يا بني الفقير حقير لا يُسمع كلامه، ولا يُعرف مقامه، لو كان الفقير صادقًا يسمّونه كاذبًا، ولو كان زاهدًا يسمّونه جاهلاً. يا بني من ابتلي بالفقر ابُتلي بأربع خصال: الضعف في يقينه، والنقصان في عقله، والرقِّة في دينه، وقلّة الحياء في وجهه، فتعوّذ بالله من الفقر”([16]) وقال: “إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك” وقال: “الفقر في الوطن غربة”([17]) وقال: “الفقر مذهلة للنفس، مدهشة للعقل، جالب للهموم”([18]) فإذا عاش الإنسان الفقر فإنه يعيش غريبًا وهو في وطنه، بل يعيش الغربة حتى عن النفس.
وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية توفير الحاجات المادية الأساسية للإنسان في الحياة، قول الله تعالى: )فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ` إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ` وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى(([19]) وفرض الإسلام الحنيف على الحكومات أن تكفل لمواطنيها توفير هذه الحاجات، وفرض على المواطنين التضامن فيما بينهم في سبيل توفيرها، فبدونها لا يمكن أن يتحقق السلم الأهلي والوطني.
وقال: ينبغي لدول العالم أن تتضامن فيما بينها في سبيل توفير هذه الحاجات لجميع الشعوب في العالم، لأنه لن يكون هناك سلام عالمي بدون توفير هذه الحاجات لجميع الشعوب في العالم.
مظاهر قديمة للتضامن الشعبي بين المواطنين
وقال: آباؤنا كانوا يعيشون حالة عامة من الفقر والحرمان، وقد جاؤوا بوسائل تضامنية رائعة للتغلّب على الفقر في بعض الحالات المفصليّة في الحياة الشخصيّة للأفراد، فمثلاً:
- إذا تزوّج شخص ما، فإنّ أهالي القرية أو المنطقة والأصدقاء يقدّمون نِحْلَة للعروس ـ كلٌّ بحسب جوده واستطاعته ـ وكانت هذه النِّحلة تساعد الزوجين على توفير حاجاتهما الأساسية لتأسيس عش الزوجية.
- وإذا قدم مولود جديد للأسرة، فإنّ أهالي القرية أو المنطقة والأصدقاء يقدّمون نِحلة للطفل ـ كل بحسب جوده واستطاعته ـ وكانت هذه النِّحلة تساعد الأبوين على توفير الحاجات الأساسية للطفل.
وقال: لقد كانت النِّحلة وسيلة تضامنية واعية لدى آبائنا، ولكنها تحوّلت اليوم إلى مجرّد عادة نمارسها بغير وعي، بل أصبحت عبئًا تُثقل كاهل بعض الأسر.
دور لجان المناطق
وبخصوص تأهيل الجماهير للقيام بأدوارهم في العمل الإسلامي والوطني، قال: هذا التأهيل لا يأتي عن طريق الندوات والمحاضرات، وإنما عن طريق ورش العمل، وتيار الوفاء الإسلامي يستطيع عمل بعض هذه الورش، ولكن الأهم هو دور لجان المناطق التي دُعِيَ تيار الوفاء إلى تشكيلها في القيام بهذه الورش وتنظيمها، والتيار سيقوم بتقديم ما يستطيع تقديمه من أجل إنجاحها.
وقال: المطلوب هو الانفتاح والاستفادة من طاقات ومواهب وقدرات كل من يرغب في المساهمة الايجابية في العمل سواء كان من الوفاق أو أمل أو وعد أو غيرهم، فالانغلاق لا ينتج القوة والنجاح، وإنما ينتج الضعف والفشل، وتقف وراءه عدم الثقة بالنفس.
وبخصوص أهمية لجان المناطق، قال: دور لجان المناطق الذي يعكس دور الجماهير ليس شكليًّا، وإنما هو دور جوهري يتوقف عليه نجاح تيار الوفاء في البقاء والاستمرارية وتحقيق الأهداف، فإذا كان تيار الوفاء هو عبارة عن مجموعة أشخاص، فبإمكان السلطة ضربهم والقضاء عليهم بسهولة كبيرة، ولكن حين يكون حالة جماهيرية واسعة، فإن السلطة تعجز عن مواجهته والقضاء عليه.
والخلاصة: الحالة الجماهيرية هي الحاضن لتيار الوفاء الإسلامي، وهي الضامن بعد الله عز وجل لاستمرار بقائه ونجاحه في تحقيق أهدافه، فلابدَّ من ترسيخ الحالة الجماهيريّة وتفعيل دور الجماهير.
[3] بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج32/ ص: 448/ باب 12 باب جمل ما وقع بصفين من المحاربات والاحتجاجات إلى التحكيم.
[4] الكافي (ط – الإسلامية)/ ج5/ص: 53/ باب فضل الشهادة.
[9] كافي (ط – دار الحديث)/ ج15/ ص: 477/ حديث قوم صالح o.
([12]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج8/ ص: 167/ حديث الناس يوم القيامة.
([13]) بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج2/ ص: 99/ باب 14 من يجوز أخذ العلم منه و من لا يجوز و ذم التقليد و النهي عن متابعة غير المعصوم في كل ما يقول و وجوب التمسك بعروة اتباعهم ^ و جواز الرجوع إلى رواة الأخبار و الفقهاء الصالحين.
([14]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج2/ص: 307/ باب الحسد.
([15]) كنز العمال: ج6، ص493، الحديث: 16687.
([16]) بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج69/ ص: 47/ باب 94 فضل الفقر والفقراء وحبهم ومجالستهم والرضا بالفقر و ثواب إكرام الفقراء و عقاب من استهان بهم.
([17]) نهج البلاغة (لصبحي صالح)/ ص: 478/ الحكمة 56.