لقاء الثلاثاء (34) | 11-1-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

إحياء ذكرى عاشوراء

بخصوص إحياء ذكرى عاشوراء، قال الأستاذ: سوف أتحدث عن هذا الموضوع في ثلاث نقاط، وهي:

النقطة (1): عامة المؤمنين الأعزاء يقومون بإقامة المآتم والبكاء على مصائب أهل البيت ^ بحكم التربية الدينية المحترمة لهم، ومن أجل الحصول على الثواب الجزيل من الله الغني الحميد في يوم القيامة، حيث إنّ الرسول الأعظم الأكرم Q وأهل البيت ^ قد حثّوا المؤمنين على إقامة المآتم والبكاء. أما الخواص من المؤمنين فإنّهم ينظرون إلى إقامة المآتم والبكاء على مصائب الأولياء الصالحين من الأنبياء والأوصياء ^ على أنه مكونٌ أساسيٌّ لتربيتهم الروحيّة وشرطٌ لتكاملهم المعنوي وسيرهم إلى الله ذي الجلال والإكرام، وبدونه تفسد روحيّتهم، وتتدهور إنسانيّتهم، ويصابون بالنكوص والتراجع في سيرهم إلى الله الكبير المتعال، فهم ينظرون إلى إقامة المآتم والبكاء، كنظرهم إلى الصلاة والصيام والحج والزكاة من جهة صلتها بالروح وتزكية النفس وكمال الإنسانية. واستنادًا إلى هذه الرؤية لدى خواص المؤمنين، فإنّ إقامتهم إلى المآتم والبكاء على مصائب الأولياء الصالحين من الأنبياء والأوصياء ^ لا تتأثر بتقادم الزمن، فهم يقيمون المآتم ويبكون على المصاب بعد حدوثه بألف سنة، وكأنّه حدث الساعة، بدون فرق ـ مع تفاوتهم في النظر والتحمل والكمال ـ لأنهم يتعاطون مع ذات الحدث وماهيته، وليس هو مجرد تعبير عن عاطفة إنسانيّة نبيلة تتأثّر بمرور الزمن وتخبو، وقد جعل الله تبارك وتعالى للأوقات أحكامًا وآدابًا رحمةً بالعالمين.

فبنظر الخواص من المؤمنين: إنّ العلاقة الروحيّة التي تربطهم بالأولياء الصالحين من الأنبياء والأوصياء ^ هي علاقة جوهرية ولا تتأثر بالزمن، لهذا السبب:

  • فرض الله سبحانه وتعالى على المؤمنين الإيمان بجميع الأنبياء ^ وليس بخاتم الأنبياء Q.
  • وقرن الشهادة لمحمد Q بالنبوّة بالشهادة لله بالوحدانية.
  • وفرض الصلاة على النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين في التشهد في الصلاة، فهذه الصلاة مؤثرة وجوهرية في إيمان المؤمنين الآن وفي عصر النبوة بدون فرق، فهي ليست شكلية أو من أجل مجرد الحصول على الثواب الجزيل من الله الغني الحميد في يوم القيامة.
  • وفرض على المؤمنين مودة أهل البيت ^ فمودة علي وفاطمة والحسن والحسين وجميع الأئمة ^ جوهرية في إيمان المؤمنين في كل زمان وليس فقط في زمانهم وحياتهم ^ فهي ليست شكلية أو من أجل مجرد الحصول على الثواب الجزيل من الله الغني الحميد في يوم القيامة.

قال الله تعالى: )قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ(([1]).

وقال الله تعالى: )قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(([2]).

وقال الله تعالى: )قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(([3]).

والخلاصة: إنّ مودة أهل البيت ^ واجبة على المؤمنين في كل زمان ومكان، وهي مسألة جوهرية في إيمانهم، وتعود بالفائدة عليهم في أنفسهم بصيانة أرواحهم وإنسانيتهم من الفساد وإثرائهما، وأن أهل البيت ^ ومودتهم، هما السبيل إلى الله تعالى، فمن ضيّع ولايتهم ومودتهم فقد ضيع السبيل إلى الله الغني الحميد، وسلك سبيل الضلال والخسران المبين، والذين يعترضون على إقامة المآتم والعزاء والبكاء على الأولياء الصالحين من الأنبياء والأوصياء ^ هم في حجاب عن الحق والحقيقة، ويعيشون في الظلام والتيه.

النقطة (2): إنّ القيمة الحقيقيّة لإقامة المآتم على مصائب الأولياء الصالحين من الأنبياء والأوصياء ^ هو الاقتراب الروحي والمعنوي منهم، والاقتداء بهم، والتخلّق بأخلاقهم، والبكاء هو تحريك إيجابي لمشاعر الإنسان في الطريق الصحيح، وإعطاؤه قوة دفع للاقتراب والدنو من الأولياء الصالحين ^ ومن يبكي وهو في مكانه لا يغادره، فهو ساذج مسكين.

قال الله تعالى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا(([4]).

فمن لم يقترب روحيًّا ومعنويًّا منهم، ولم يقتدِ بهم، ولم يتخلّق بأخلاقهم، فهو لم يُقم العزاء بحق وحقيقة، ولم يستفد الاستفادة المنشودة من البكاء عليهم.

وقال: إنّ تضحية الإمام الحسين o هي من أجل الإصلاح وإقامة العدل الإلهي بين الناس، وإقامة المأتم والبكاء على الإمام الحسين o يجب أن يكون بهدف تحريك الناس نحو الإصلاح وإقامة العدل الإلهي بين الناس. فكلُّ مؤمنٍ يقيم العزاء ويبكي على الإمام الحسين o بحقٍّ وحقيقة، فهو يسعى بشكلٍ تلقائي في الإصلاح، وإقامة العدل بين الناس، والإعداد للظهور المبارك للإمام الحجة المهدي # ولو كلّفه ذلك نفسه، ولسان حاله يقول ما قاله الإمام الحسين o في يوم العاشر من المحرم.

إلهي تركت الخلق طرًّا في هواك وأيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعتني في الحـب أربـــــًـــا لما مال الفؤاد إلى سواك

وقد صدق الإمام الخميني حينما قال: “كل ما لدينا هو من عاشوراء” وإنّ حزب الله المظفر هو في الحقيقة ثمرة من الثمار المباركة لعاشوراء الحسين o وأنا أعتقد بأنّ ثورة الإمام الحسين o هي من أعظم الأسرار الربّانية في تدبير المسيرة التاريخية للإنسان، وتتجلّى فيها الحكمة البالغة للربِّ السميع البصير. فمن الجهل المركّب حصر المنبر ومواكب العزاء بين جدران الحدث التاريخي واللطم والبكاء على مجرد المصاب بدون أن يكون له مردود إيجابي مقصود ومستهدف في تكامل الإنسان الروحي والمعنوي وسيره إلى الله ذي الجلال والإكرام وسلوكه ومواقفه العامة في الحياة، ثمَّ الدعوة إلى فصل المنبر ومواكب العزاء عن قضايا الناس وشؤون الحياة العامة.

النقطة (3): إنّ قول البعض بأنّ ثورة الإمام الحسين o هي استثناء من بين سيرة الأئمة الأطهار ^ وإنّ الأصل في سيرتهم o هي المسايرة أو المعايشة مع الظلم والظالمين، هو من الجهل المركّب، ولا يشتريه العاشقون بفلس واحد ولا يقيمون له وزنًا.

  • فالإمام الحسن السبط الزكي o كان حاضرًا في كربلاء في يوم العاشر من المحرم، ومشاركًا في القتال إلى صف أخيه الإمام الحسين o وذلك من خلال وصيّته لابنه القاسم o وتحريضه له فيها على القتال إلى صف عمّه سيد الشهداء الإمام الحسين o والاستشهاد بين يديه.
  • والرسول الأعظم الأكرم Q وجميع الأئمة الأطهار ^ كانوا حاضرين في كربلاء الشرف والإباء في العاشر من المحرم ومشاركين في القتال إلى صف الإمام الحسين o وذلك من خلال تكرارهم لثورة الإمام الحسين الشهيد o ومباركتهم لها، وتحريضهم المؤمنين على إقامة المآتم والبكاء على مصاب الإمام الحسين o وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله تعالى عليهم) والاقتداء بهم والسير على نهجهم في الرفض والمقاومة، فكلّهم كانوا شركاء حقيقيون في ثورة الإمام الحسين o وهي تعبّر عنهم جميعًا، وتجلّي لروحيّتهم وشريعتهم ومنهجهم المشترك في الحياة.

ومن الجهل المركّب أيضًا، القول: بأنّ شعار العزّة والكرامة وهيهات منّا الذلة، شعار مرحلي مؤقّت وليس هو شعار عام وصالح لكل زمان مكان. فالعزّة بحسب الفطرة والرؤية القرآنية مسألة جوهريّة في حقيقة الإيمان، يفسد الإيمان بدونها، وهي سبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، فلا إيمان حقيقي، ولا فوز ولا فلاح، بدون أن يحتفظ الإنسان بالعزة والكرامة في نفسه وفي سلوكه ومواقفه في الحياة.

قال الله تعالى: )وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(([5]).

وقال الإمام الصادق o: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا وَلَمْ يُفَوِّضْ‏ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلًا أَمَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ )وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ( فَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ عَزِيزاً وَلَا يَكُونُ ذَلِيلًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَعَزُّ مِنَ الْجَبَلِ إِنَّ الْجَبَلَ يُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالْمَعَاوِلِ وَ الْمُؤْمِنَ لَا يُسْتَقَلُّ مِنْ دِينِهِ شيء”([6]).

تقييم أداء المعارضة ومستقبل الأوضاع في البلاد

وبخصوص تقييم أداء المعارضة ومستقبل الأوضاع في البلاد، قال: تنقسم فصائل المعارضة إلى قسمين، هما:

  • قسم يعمل ضمن الأطر الرسمية التي وضعتها السلطة (قانون الجمعيات السياسية والبرلمان) وهي الجمعيات السياسية.
  • وقسم يعمل من خارج الأطر الرسمية، مثل: تيار الوفاء الإسلامي، وحركة حق، وحركة أحرار البحرين، وغيرهم.

ولا يوجد اختلاف حول هذا التقسيم العام لفصائل المعارضة، وأرى بأنّ مستقبل أوضاع البلاد يتوقف على تأثير ودور هذه القوى السياسية، ولهذا ينبغي أن يكون لنا تقييم موضوعي محايد لهذين الخيارين قبل كل شيء. وأعتقد بأنّ التقييم الموضوعي يأخذ بعين الاعتبار ثلاث حقائق أساسية، وهي:

الحقيقة (1): إنّ قوى المعارضة تُجمع على عدم شرعية دستور (2002م) وقد صرّح فضيلة الشيخ علي سلمان بهذه الحقيقة في ليلة العاشر من محرم لهذا العام.

الحقيقة (2): إنّ البرلمان الحالي عاجز عن تقديم حلول مناسبة عادلة للقضايا الوطنية.

الحقيقة (3): إنّ قانون الجمعيات لا يحقّق طموح القوى السياسية، وقد وصف سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) هذا القانون بأنه ظالم ولا يمكن الصبر عليه وحرّض على السعي لإسقاطه.

وهذه الحقائق الثلاث تصوِّب قطعًا خيار العمل من خارج الأطر الرسمية، ويمكن لنا وضع ثلاثة خيارات لمجموع قوى المعارضة، وهي:

الخيار (1): أن تعمل جميع قوى المعارضة ضمن الأطر الرسمية، وأجزم بخطأ هذا الخيار على ضوء الحقائق الثلاث السابقة الذكر، ولو عملت جميع قوى المعارضة ضمن الأطر الرسمية، لكان ذلك منها بمثابة الانتحار الجماعي، ولتعطّلت بذلك حركة الإصلاح الحقيقي في البلاد، وأصبح الفساد والتفرّد بالسلطة أمرًا واقعًا لا سبيل لصدّه والقضاء عليه. فالحقائق الثلاث توجب العمل من خارج الأطر الرسمية للضغط على السلطة من أجل أن تفتح الطريق أمام الإصلاح الحقيقي، والشراكة الشعبية في صناعة القرار وتحديد المصير.

الخيار (2): أن تعمل جميع قوى المعارضة من خارج الأطر الرسمية، وأعتقد بأنها لو فعلت لأسقطت حتمًا قانون الجمعيات السياسية، ولفرضت قانونًا مناسبًا للأحزاب، إلا أن بعض قوى المعارضة لا تقوى على هذا.

الخيار (3): أن يعمل بعض قوى المعارضة من خارج الأطر الرسمية، ويعمل بعضها الآخر ضمن الأطر الرسمية، على أن يكون بينهم تكامل في الأدوار وتعاون.

والخيار الثالث في رأيي هو الحل الوسط الذي ينبغي العمل به في ظل اختلاف الآراء، بشرط أن يكون ثقل المعارضة ومحور تحرّكها في الظروف الراهنة هو العمل من خارج الأطر الرسمية، ويكون العمل ضمن الأطر الرسمية بمقدار الضرورة فقط. وأتمنى أن تستوعب الرموز والقيادات الدينية والسياسية والمجتمعيّة هذه الحقيقة في المعادلة السياسية، وأن يكون هناك دعم حقيقي وصادق للقوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، فعلى هذا الدعم، وحسن إدارة الاختلاف، يتوقف المستقبل المشرق لحركة الإصلاح الوطني المنشود، وليس أقل من دعم حق القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية في العمل بحرية.

وقال: نحن في تيار الوفاء الإسلامي أعربنا عن استعدادنا التّام للتكامل والتعاون مع جميع قوى المعارضة، إلا أنّ بعض الجمعيات السياسية لم تقبل بذلك حتى الآن، وبعضها قبل على استحياء، ولم نجد منهم توجُّهًا حقيقيًّا للتعاون والتنسيق، وقد ظهر ذلك بوضوح في تجاهل الجمعيات السياسية للقوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية في مسيرة البنزين وعريضة التجنيس وغيرهما.

وبخصوص دعوى عدم الاعتراف بشرعية دستور 2002م من قبل المشاركين، قال: يجب أن نميّز بين الشرعيّة الدستورية والشرعيّة السياسيّة، فالمشاركة في نفسها لا تضفي الشرعية على دستور المنحة في الفقه الدستوري، لأنها ليست من الآليات المُعترف بها لمنح الشرعيّة للدساتير الجديدة وللتعديلات الدستورية، ولكن المشاركة تعطي الشرعية السياسية والاعتراف العملي. وأعتقد بأنّ المصداقيّة في دعوى عدم الاعتراف بدستور 2002 من المشاركين في الانتخابات، تقتضي رفض القَسَم عليه، فإذا فعلوا ذلك، يكونوا قد اتّخذوا موقًفا قويًّا ذو مصداقية سياسية وأخلاقية، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من المقاطعين في حقيقة المواقف، ويكون الاختلاف بينهما في الشكل فقط، ويقدّموا بذلك خدمة كبيرة للحركة الإصلاحية.

وقال: إذا مدّ الملك يده إلينا بصدق، فسوف نمد إليه يدنا بصدق، وهذا ما تجسَّد في موقفنا من ميثاق العمل الوطني رغم الألم الشديد الذي أصابنا والتضحيات الجسيمة التي قدمناها أثناء انتفاضة الكرامة الشعبية المباركة. ولمّا حدث الانقلاب على الميثاق والدستوري العقدي كان لنا موقف وطني رافض لهذا الانقلاب غير المشروع ولنتائجه، وهذا شيء منطقي وعادل. فنحن مع الإصلاح والسلام، ولكننا نرفض الانقلاب ونعارضه.

موقف تيار الوفاء من مسيرة البنزين

وبخصوص موقف تيار الوفاء الإسلامي من مسيرة البنزين، قال: لم تُنسِّق الجمعيات السياسة معنا بشأن مسيرة البنزين، وكانت لنا ملاحظات جوهريّة عليها، وبعد الدراسة قرّرنا التزام الصمت مراعاةً لإخواننا في المعارضة الداعين إلى المسيرة. ولا أريد الآن الخوض في هذه الملاحظات، فلا زالت الأسباب الداعية للمراعاة قائمة، وإنما أريد فقط التنبيه إلى إنّ دعوة الجمعيات السياسية إلى مسيرة البنزين تُثبت القناعة بثلاث حقائق أساسية، وهي:

• عجز الأدوات البرلمانية في المجلس الوطني الحالي عن إيجاد الحلول المناسب والعادلة للقضايا الوطنية المهمة.

• محوريّة دور الشارع والجماهير لإنجاز الإصلاح في المرحلة الراهنة.

• ضرورة المواجهة السياسية الجادّة مع السلطة في الظروف الراهنة لإنجاز أي تقدم حقيقي في عملية الإصلاح الوطني.

وهذا ما تنادي به القوى السياسية المقاطعة التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، وإذا ثبتت الجمعيات السياسية على هذا المنهج، ونَسَّقَت مع القوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، فإنَّها سوف ُتساهمُ من خلال ذلك في خلق أرضيّةٍ جيّدة للتقارب بين قوى المعارضة التي تعمل ضمن الأطر الرسمية، والتي تعمل من خارج الأطر الرسمية، مما يعود بالمصلحة على مسيرة الإصلاح الوطني والمواطنين كافّة.

قضية الأستاذ عبد الهادي الخواجة

وبخصوص سفر الأستاذ عبد الهادي الخواجة إلى فلسطين، قال: لقد تعرّض الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة، وهو مناضل شريف إلى ظلمٍ كبيرٍ من ذوي القربى، وقال: يُعتبر الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة كموظِّفٍ حقوقي في الأمم المتحدة مكسب كبير لشعب البحرين، ولأنه محسوب على قوى المعارضة، وله مواقف وطنية مشهودة، فالسلطة متضايقة كثيرًا منه، وتُسخِّر كافّة إمكانياتها للإضرار به، وتشويه سمعته في الداخل والخارج. والذين اعترضوا على سفر الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة إلى فلسطين من المحسوبين على السلطة والموالاة عليهم أن يسألوا السلطة ويحاسبوها على الطائرة التي أرسلتها إلى تل أبيب، ودعوة ولي العهد ووزير الخارجية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب إلى فلسطين العزيزة.

أما اعتراض بعض المحسوبين على المعارضة فهو محصورٌ بين:

• السذاجة من البعض الذين وقعوا في فخ المناكفين وإعلام السلطة.

• والمناكفة السياسية من البعض الآخر لمجرّد أنهم يختلفون سياسيًا مع الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة، ولم يحفظوا له حق الأخوة الدينية والوطنية.

فالأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة موظف حقوقي في الأمم المتحدة، وذهب إلى فلسطين من أجل نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم والمساهمة في كسر الحصار عنه، وليس من أجل الدعاية للكيان الصهيوني والتطبيع معه. فالمستفيد من سفر الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة إلى فلسطين هم الفلسطينيون، والمتضرِّر هو الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة. وليس من الدين والمنطق أن موظف حقوقي مسلم في الأمم المتحدة، يستطيع المساهمة في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم وكسر الحصار عنه، يمتنع عن القيام بهذا الواجب الديني والإنساني المقدس، لمجرد أن السبيل إلى هذه النصرة لا يكون إلا بالسفر عبر مطار تل أبيب!!

إنّ الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة قام بواجب ديني وإنساني مقدس، ونحن في تيار الوفاء الإسلامي نرتضي ونؤيِّد هذا الدور النبيل والشريف من الأستاذ المناضل الشريف عبد الهادي الخواجة وندعمه، ونهنِّئ الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة على التوفيق الإلهي له إلى هذه الخدمة الدينية والإنسانية في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم ونشد على يديه. وقد أوضح سماحة الإمام السيد علي الخامنئي (أيده الله تعالى) الجانب الديني في المسألة، فينبغي على الذين أساؤوا إلى الأستاذ الفاضل عبد الهادي الخواجة باسم الدين أن يعتذروا له، خوفًا من الله عزّ وجل ومحبة فيه.

انتهاك السلطة لحرمة الشعائر العشوائية وموقف تيار الوفاء الإسلامي

وبخصوص انتهاك السلطة لحرمة الشعائر العشوائية هذا العام، قال: درجة السلوك العدائي الذي أبدته السلطة تجاه شعائر عاشوراء هذا العام غير مسبوق، ولا يمكن تفسيره ـ كما ذهب البعض ـ بأنّه مجرد سلوك تحضيري للعام القادم الذي يصادف فيه العاشر من المحرم يوم العيد الوطني، وإنّ السلطة تبعث برسائلها إلى الشيعة من الآن بأن يقلّلوا من مظاهر السواد والاحتفاء بعاشوراء لصالح العيد الوطني في العام القادم، لكيلا يطغى الاحتفاء بعاشوراء على الاحتفال بالعيد الوطني ويفشله.

وقال: إنّني أعتقد بأنّ المسألة أكبر من ذلك، فالسلطة بالإضافة إلى سعيها المستميت في تحويل الشيعة إلى أقليّة وتهميش دورهم وفرض إرادتها المطلقة عليهم، فإنّها قد سعت منذ زمن طويل وبأسلوب هادئ للقضاء على كل المظاهر العلمية والتاريخية والأثرية التي تبرز الطابع الشيعي للبلاد، وهي تسعى الآن للقضاء بكل قسوة على المظاهر المعاصرة التي تبرز الطابع الشيعي للبلاد، ومنها المساجد وشعائر العزاء، لأن الأساليب الناعمة لن توصلها إلى هدفها، وهو فرض إرادتها الدينية والمذهبية على الشيعة إلى جانب فرض إرادتها السياسية المطلقة عليهم، لتكون هي وحدها صاحبة القرار حتى في إقامة الشعائر الدينية، فما تريده يكون، وما لا تريده لا يكون. ولهذا فهي تضيّق الخناق على بناء المآتم والمساجد للشيعة، وتمنعها في بعض المناطق منعًا مطلقًا، وتقلّل عدد المساجد الخاصّة بالشيعة وتكثر عددها الخاص بالسنة في المناطق المختلطة، مثل: مدينة عيسى ومدينة حمد، حتى تصل النسبة إلى مسجد واحد للشيعة مقابل عشرة مساجد للسنّة، رغم إنّ الأكثريّة ـ ظاهرًا ـ في هذه المناطق هم من الشيعة، وتقوم ببناء مساجد للسنة في مناطق الشيعة، مثل: سترة، وتقوم بممارسة العنف والإرهاب للحدِّ من شعائر العزاء في مختلف المناطق، وفي هذا العام بشكل عدائي فاضح، وهذا يتطلّب موقفًا شاجبًا ورافضًا من جميع القوى السياسية الوطنية الشريفة ومؤسّسات المجتمع المدني، لأنّه اعتداء سافر على الحقوق الطبيعية للإنسان، ويهدّد السلم الأهلي، ويشعل نار الطائفية بين المواطنين.

وقال: ينبغي أن أسجل ملاحظة مهمة، وهي: أننا نرحب ببناء مساجد للسنّة في المناطق الشيعة وغيرها، لأنّ المساجد هي لله سبحانه وتعالى، والاعتراض إنما هو على السلوك الطائفي البغيض للسلطة الجائرة.

وبخصوص موقف تيار الوفاء، قال: إنّ تيار الوفاء الإسلامي يقوم بإعداد بيان موقف بشأن الانتهاكات العدائية لشعائر العزاء، ويسعى للقاء مع الرموز الدينية والسياسية والمجتمعية والخطباء للتشاور معها بشأن هذه الانتهاكات، لأنّ المسألة في غاية الأهمية، وينبغي السعي لخلق قاعدة واسعة لموقف مشترك ينبع من الجميع، وليس اتّخاذ موقف خاص من تيار الوفاء أو غيره، لأّن المواقف الخاصة بتيار الوفاء أو غيره سوف تكون أصغر كثيرًا من هذه القضية الدينية والوطنية الكبيرة.

نتائج اللقاء مع سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني

وبخصوص نتائج لقاء وفد تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق إلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيده الله تعالى) أكّد الأستاذ في البداية بأنّه الناطق الرسمي باسم تيار الوفاء الإسلامي، وإنّ حديثه عن نتائج الزيارة ليس تصرّفًا شخصيًّا، وإنّما هو بقرار من قيادة التيار من حيث الشكل والمضمون والتوقيت.

وقال: قبل الخوض في نتائج اللقاء مع سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيده الله تعالى) أريد ذكر نقطتين:

النقطة (1): إنّ سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيده الله تعالى) وهو من دعاة الوحدة المشهود لهم بالتقوى والطهارة الروحية البالغة، وقد لعب دورًا مشهودًا في دفع الفتنة الطائفية، والحفاظ على وحدة العراق، وعلى دماء المسلمين من السنة والشيعة، يتعرّض في هذه الأيام إلى هجمة شرسة من قبل زمر التكفير والفتن الطائفية. وهذه الهجمة لا تُعبِّر عن مجرد قناعات فكرية أو عقائدية، وإنما هي ترتبط بأجندة استكبارية في العالم الإسلامي، حيث لا يخفى على أحد أطماع قوى الاستكبار العالمي في العالم الإسلامي، وسعيها الحثيث وبكل الوسائل لفرض هيمنته عليه والسيطرة على ثرواته وخيراته. والسبيل إلى فرض هذه الهيمنة هو إضعاف المسلمين وتفريقهم وإشعال نار الفتنة الطائفية بينهم، والرادع هو وحدة صف المسلمين وتكاتفهم مع بعضهم.

وقال: نحن في تيار الوفاء الإسلامي ندين بشدّة هذه الهجمة الجاهلية النكراء على رمز من رموز الإسلام العظام، ونقف بكل صدق وإخلاص إلى صف جميع دعاة الوحدة والسلام في العالم الإسلامي، ونستنكر دعوات التكفير والقتل وإثارة الفتن الطائفية البغيضة بين المسلمين. ونعتقد بأنّ الإنسان الطبيعي يرفض بفطرته هذه الدعوات الشيطانية الشوهاء، ولا يمكن أن يقبل بأن يكون الدين الحق يسمح بقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في دور العبادة، مثل: المساجد والمآتم والكنائس وغيرها، وفي الأسواق والطرقات والأماكن العامة، لمجرّد الاختلاف معهم في الدين أو المذهب أو الفكر العلمي أو السياسي أو غيره. وقد استنكر القرآن الكريم على اليهود ما هو أقلُّ من ذلك بكثير من توجهاتهم العنصرية، قول الله تعالى: )وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(([7]) فكيف يقبل بقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ لمجرّد أنهم من دين أو مذهب مختلف؟!

النقطة (2): أننا وجدنا سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيده الله تعالى) مطّلعًا وعارفًا بأوضاع البحرين، وبسبب ذلك كان يعيننا في أثناء اللقاء على الوصول إلى النتائج المطلوبة ويسهّلها لنا. ولا أخفيكم أنني قبل اللقاء كنت أعيش القلق من احتمال سوء الفهم بسبب قصر وقت اللقاء الذي قد لا يسمح لنا بإعطاء الصورة الواضحة والتعبير الكافي عن رأينا، ولهذا طلبت من سماحة السيد محمد رضا (حفظه الله تعالى) اللقاء به بعد اللقاء مع والده لتدارك النقص الذي قد يحصل في اللقاء مع والده، وقد وافق على ذلك، إلا إنّ اللقاء مع والده كان كافيًا، ليس بسبب شطارتنا، وإنّما بسبب اطلاعه (أيده الله تعالى).

وبعد هاتين النقطتين آتي إلى نتائج اللقاء مع سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (أيده الله تعالى) وألخصها في أربعة بنود، وهي:

(1): ضرورة أن يعترف كل طرف من المؤمنين بحق الأطراف الأخرى من المؤمنين في العمل واختيار مناهج عملهم ومرجعياتهم الدينية والسياسية، وأن يتجنّبوا جميعًا التسقيط وسلب الشرعيّة عن بعضهم.

(2): إنّ النصيحة التي صدرت من سماحته (أيده الله تعالى) بالمشاركة في الانتخابات البحرينية في عام (2006م) هي نصيحة مبنيّة على الأصل العام الأوّلي، وليست نصيحة خاصّة بالبحرين، بمعنى: أنه في كل بلد في العالم الإسلامي تُجرى فيه انتخابات، فإنّ سماحته (أيده الله تعالى) ينصح المؤمنين بالمشاركة فيها ترشيحًا وانتخابًا، ومن الممكن أن يكون لهذا الأصل استثناء بناءً على الظروف الموضوعيّة في بعض البلاد.

(3): إنّ سماحته (أيَّده الله تعالى) يحترم أنظار المشاركين والمقاطعين في البحرين، ويرى بأنّ قرار المشاركة أو المقاطعة يتَّخذُه أبناء البلد أنفسهم، وخصَّ بالذكر ثلاث شرائح، هم: العلماء، والمثقفين، وذوي الخبرة بالشأن السياسي، فهو ليس مع أحد القرارين وليس ضده، وأكّد بأنّه يقف على مسافة واحدة من الجميع ويحوطهم جميعًا بأبوّتِه الروحيّة والمعنويّة.

(4): أكّدَّ حق المؤمنين في المطالبة بحقوقهم العادلة من السلطة، وذلك بالأساليب السلميّة المشروعة، وأنه ينصح المؤمنين بالحكمة والتّأني في ذلك. ونصح بأن يعمل المؤمنون على توحيد صفوفهم، وأن يكونوا رحماء بينهم، وطلب منَّا بذلَ الجهدِ في السعي لتشكيل الهيئة المشتركة التي تضم الرموز الأساسية العلمائية والسياسية، وهو أحد الخيارات التي طرحها تيار الوفاء الإسلامي لتوحيد صفوف المؤمنين وقال سماحته (أيده الله تعالى) بما معناه: كلّما نجحتم في توحيد صفوفكم بشكل أفضل، كانت فرصتكم لتحقيق مطالبكم العادلة أكبر.

وقال الأستاذ عبد الوهاب: نحن متمسِّكون بهذه التوجيهات والنصائح النورانية من المرجعية الرشيدة، وسوف نعمل بها بكل حرص وصدق وإخلاص ـ إن شاء الله تعالى ـ ومن الله تعالى نبتغي العون والتسديد والقبول.

وبخصوص سعي تيار الوفاء الإسلامي لتوحيد صفوف المؤمنين، قال: لقد تقدَّم تيار الوفاء الإسلامي بمجموعة من الخيارات في سبيل توحيد صفوف المؤمنين، ولم يرد أحد من المعنيين بها عليها أو يتقدموا بخيارات بديلة عنها، وإنّ تيار الوفاء الإسلامي، ومن منطلق تكليفه الشرعي ومسؤوليته الوطنية، سوف يواصل مساعيه لتحقيق هذا الهدف الإسلامي والوطني النبيل والضروري، وما التوفيق إلا بيد الله عز وجل، وهو المستعان على كل شيء، إنّ الله واسع خبير.


([1])  الشورى: 23.

([2]) سبأ: 47.

([3]) الفرقان: 57.

([4]) الأحزاب: 21.

([5]) المنافقون: 8.

([6]) الكافي (ط – الإسلامية)/ ج‏5/ ص: 63/ باب كراهة التعرض لما لا يطيق.

([7]) آل عمران: 75.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى