لقاء الثلاثاء (31) | 16-11-2009

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

التقاطع بين منهجين

قال الأستاذ: لا أريد الحديث بلغة غير مفهومة، ولا الدخول في تفاصيل غير مناسبة، ولكن هذا لا يمنع من تناول بعض المسائل الفكرية والروحية القيمة بأسلوب مناسب إن شاء الله تعالى.

وقال: في معرض الحديث عن تأثير عاشوراء على واقعنا، وما يُثار حوله من غبار هنا وهناك، أريد التحدّث في البداية عن التقاطع بين منهجين حول الإنسان.

المنهج (1) النازل: هو المنهج لعرفاني العظيم الذي عبر عنه الإمام الحسين o أجزل تعبير وأجمله في دعاء عرفة.

وقال: إنه لشيء جميل أن يصادف حديثنا عن تأثير عاشوراء على واقعنا، أيام الحج الإبراهيمي العظيم، وأن نستدل في حديثنا بنص للإمام الحسين o من دعاء له في عرفة، لنستحضر العشق الحسيني والإبراهيمي لله ذي الجلال والإكرام الذي يتجلى في هاتين المناسبتين.

يقول الإمام الحسين o: “كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَ مَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الْآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ وَ لَا تَزَالُ عَلَيْهَا رَقِيباً وَ خَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيبا”([1]).

هذا النص يدل على إنّ العلم بوجود الله (واجب الوجود) وصفاته لا يحتاج إلى دليل من خارج العقل، فهذا العلم راسخ في النفس الإنسانية، وظاهر في العقل بشكل تام. فالعقل اليقظ أول ما يتلفت إلى شيء ويعلم به، فإنه يلتفت ويعلم بوجود الله (واجب الوجود) وصفاته، ويكون هذا العلم ضروريًا وغير قابل للنقض. ولو إنّ العقل شطب وجود الله ( من علمه، فإنّه منطقيًا لا يستطيع إثبات الوجود الحقيقي لأي موجود آخر. فالعقل يحصل على العلم بوجود الله سبحانه وتعالى وبصفاته أولاً، ثم يستطيع نزولاً أن يثبت الوجود والصفات لسائر الموجودات.

ومن نتائج هذا المنهج في موضوع حديثنا: يجب أن تبدأ انطلاقة الإنسان في الحياة من علمه بالله ذي الجلال والإكرام والتعلّق به، ثم يصبغ حياته كلها بصبغته، أي: أن يكتسب صبغته وصفاته، ويتخلّق بأخلاقه.

وقال: أعمال الإنسان على ثلاثة أقسام:

• عمل يرضي الله U، فهو عمل خالد وجزاؤه الجنّة.

• وعمل يغضب الله (، فهو عمل باقٍ وجزاؤه النار.

• وعمل لا يُغضب الله (، ولكن أُريد به غير وجه الله سبحانه وتعالى، فهو عمل يفنى بفناء من عُمل لأجله، فكلُّ عملٍ مرتبطٌ بالفاني فهو يفنى بفنائه.

المنهج (2) الصاعد: وهو نظر الإنسان إلى إنسانيته، فللإنسانية قيمة، ومن لا ينظر إلى إنسانيته لا قيمة إنسانية له. والإنسان العاقل يرى أن يكون عمله يخدم إنسانيته وينميها، وكل عمل لا يخدم إنسانيّة الإنسان لا تكون له قيمة فعليّة. والكلُّ يُجمِع إنّ ماهيّة الإنسان وحقيقته الفعليّة ليست واحدة، فالإنسان يصنع ماهيّته بنفسه من خلال عقيدته وعمله، وهو المخلوق الوحيد الذي يمتلك هذه الخاصية. فهو:

• يستطيع أن يخلق من نفسه موجودًا روحانيًّا على غرار الملائكة.

• ويستطيع أن يخلق من نفسه مخلوقًا شيطانيًّا على غرار إبليس.

• ويستطيع أن يخلق من نفسه موجودًا تافهًا لا قيمة له، على غرار السباع والهوام.

ونقطة التقاطع بين المنهجين: إنّ الإنسان لا يستطيع أن يُنمّي إنسانيّته ويسمو بها، ما لم يرتبط صعودًا بالله ذي الجلال والإكرام. فالحقيقة الإنسانية لا يصلحها ولا ينمّيها ولا يسمو بها إلا الارتباط الوثيق بالله ذي الجلال والإكرام، وإنّ الانقطاع عن الله U، يحوِّل الإنسان إلى شيطان أو مجرّد حيوان، قول الله تعالى: )أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا(([2]).

الإمام الحسين العاشق لله ذي الجلال والإكرام

وقال: إنّ الإمام الحسين وفي ذروة المواجهة في كربلاء، قال: إلهي تركت الخلق طرًّا في هواك، وأيتمت العيال لكي أراك، فلو قطّعتني في الحب إربًا، لما مال الفؤاد إلى سواك.

فإنّ هذه الأبيات الرائعة جدًا، تعبّر عن حالة العشق التي يعيشها الإمام الحسين o لله ذي الجلال والإكرام، وهي تمثّل قمّة الحالة الروحيّة التي وصل إليها الإمام الحسين o في مسيرته العبادية لله سبحانه وتعالى.

وقال: حينما نتتبَّع الكثير من النصوص المرويّة عن الإمام الحسين o نجد حالة العشق بارزة متجليّة فيها بشكل واضح ومتميز، وإنّ هذه الحالة تجلّت في أروع صورها وأصدقها في الكلمات التي قالها في ذروة المواجهة مع أعداء الله U في كربلاء في يوم العاشر من محرم في عام 61هـ.

وبسبب هذه الحالة العشقية المتميزة، فقد نقل الرواة: إنّ وجه الإمام الحسين o كان يزداد إشراقًا كلّما اشتدّ وطيس المعركة، وعلة ذلك: أنه يقاتل صادقًا من أجل الوصول إلى معشوقه الأول، وقد اقترب وقت الوصال، فليس بينه وبين الوصول إلى معشوقه الأول حيث المُنى والسعادة الأبديّة التي يطمح إليها، سوى طعنة حرملة وسيف الشمر (عليهما اللعنة أبد الآبدين).

وقال: الخلاصة التي أريد الانتهاء إليها من الحديث:

• من يكون عاشقًا لله ذي الجلال والإكرام، لا يكون إلا سالكًا لطريق ذات الشوكة، ولا يمكن أن يقبل بمهادنة الظالمين والركون إليهم.

• من يطمح في الوصول إلى قمة الإنسانية التي وصل إليها الإمام الحسين o يجب عليه أن يسلك طريق ذات الشوكة، وأن يصبغ حياته كلها بصبغة الإمام الحسين o ويكتسب صبغته وصفاته ويتحلّى بأخلاقه الكريمة.

تأثير عاشوراء على واقعنا

وبخصوص تأثير عاشوراء على واقعنا، قال: من يحاول أن يفصل عاشوراء عن واقع الحياة والسياسة، ويحصر الإحياء في الرثاء والبكاء على الواقعة المأساوية المحصورة في الزمان والمكان، فإنه يقوم بعملية فصل قسري، ويدعو إلى حالة غريبة وشاذة عن منهج الإمام الحسين o وأهدافه، ومنهج الإمام الحسين o هو منهج الإسلام، وأهدافه هي أهداف الإسلام، وباختصار شديد: لو جاء أصحاب هذا الطرح الشاذ بمليون دليل، فلن يدخل واحد منها إلى عقول العاشقين وقلوبهم.

وقال: من الغريب والسخيف، أن يروّج البعض بكثرة إلى، القول: بأنّ ثورة الإمام الحسين o حالة شاذّة بالنسبة إلى باقي الأئمة ^ وأنّه لا يصح الأخذ بالشاذ، وترك العام في سيرة الأئمة ^.

وقال في التعليق على ذلك الطرح:

• إنّ ثورة الإمام الحسين o حجّة شرعيّة على جميع المؤمنين، والقول بأنّها شاذة بالنسبة إلى باقي الأئمة ^ دليل على الجهل بالضروري من الثقافة الإسلامية في مدرسة أهل البيت ^.

• إنّ ثورة الإمام الحسين ^ وشهادته هي بحق حالة استثنائية في العشق الإلهي، وهي منهج كل العاشقين لله ذي الجلال والإكرام في الحياة.

• إنّ الإمام الحسين o حظي بمساحة من الاهتمام لدى الرسول الأعظم الأكرم Q ولدى الأنبياء قبله والأئمة ^ لم يحظَ بها غيره من الأئمة الأطهار ^.

جيل قرآني فريد

وعلى صلة بالموضوع، قال : للعلامة السيد قطب & كتاب اسمه: (معالم في الطريق) وهو كتاب قيّم جدًّا وجدير بالقراءة، وفي هذا الكتاب فصل بعنوان: (جيل قرآني فريد) يتكلم فيه عن صناعة الجيل الأول من صحابة الرسول الأعظم الأكرم Q وجوهر الموضوع: إنّ الكثير من الصحابة كان يكتفي بأن يقرأ في اليوم الواحد عشر آيات من القرآن الكريم، ثم يجاهد نفسه في باقي اليوم على تطبيقها، وإنّ هذا الأسلوب التربوي العظيم، هو الذي صنع ذلك الجيل القرآني الفريد من الصحابة، الذي حمل الإسلام العظيم إلى الآفاق، وفتح أعظم الإمبراطوريات في العالم، فالذي صنع ذلك الجيل القرآني الفريد، ليست كثرة القراءة للقرآن الكريم، وإنما تطبيق القرآن والعمل به.

وقال: هذه مسألة منهجيّة في غاية الأهميّة بالنسبة إلى فهم الإسلام العظيم، فالقرآن الكريم لم يُنزل لكي يتبارك الناس بقراءته، وإنما أُنزل لكي يُعمل به، ولكي تصطبغ حياة الناس بصبغته. فالقرآن هو التجلّي العلمي المكتوب لله ذي الجلال والإكرام، وهو صبغة من صبغته، وحينما نصبغ حياتنا بصبغة القرآن الكريم، فإننا نصبغها في الحقيقة بصبغة الله ذي الجلال والإكرام.

وقال: حينما نجلس في مأتم العزاء للإمام الحسين o فقيمة الإحياء للمصيبة لا تتمثَّل في مجرّد الرثاء والبكاء، وإنّما فيما يصنعه ذلك الرثاء والبكاء من القرب المعنوي للإمام الحسين o واكتساب صبغته الإنسانيّة والتخلّق بأخلاقه الكريمة، وما لم يكن للرثاء والبكاء هذا التأثير، فليس للإحياء قيمة حقيقيّة.

وقال: هذا الكلام ينطبق على الزيارة أيضًا، فالزيارة معناها أن تكون قريبًا من المزار، وليس المراد القرب المادي، وإنّما القرب المعنوي، لأنّ القرب المادي ليس له قيمة في نفسه، وقيمته في أن يساهم في القرب المعنوي من المزار، فكم من الأشخاص كانوا قريبين جدًا مكانًا من الرسول الأعظم الأكرم Q ومن أهل بيته الطيبين الطاهرين ^ ولكنهم كانوا بعيدين جدًا عنهم معنويًّا، وكان بعضهم أعداء ألدّاء لهم رغم قربهم المادي منهم.

وقال: هذا ينطبق أيضًا على الصلاة: فأحد معاني الصلاة الزيارة، فالمصلِّي هو في حالة زيارة لله ذي الجلال والإكرام، وقيمة هذه الزيارة، أن يكون الزائر قريبًا معنويًّا من المزار، أي: أن يكتسب صبغته وصفاته، ويتخلّق بأخلاقه، وما لم يفعل فلا قيمة لصلاته.

قال الله تعالى: )اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(([3]).

والخلاصة: إنّ قيمة إحياء عاشوراء، وزيارة أحد الأئمة ^ والوقوف على ضريحه الشريف، هو أن تكتسب صبغته الإنسانية، وتقتدي به، وتتخلَّق بأخلاقه الكريمة.

عظمة المكان وعظمة صاحب المكان

وقال: إنّ الكثير من المؤمنين إذا دخلوا إلى ضريح أحد الأئمة ^ يشعرون بالخشوع والقشعريرة في أجسامهم وتنهمر دموعهم تلقائيًّا وبغير إرادة منهم.

والسؤال: هل هذه الحالة هي وليدة الشعور بعظمة المكان من حيث الشكل، لما فيه من الذهب والزخرفة، أم أنها وليدة الشعور بعظمة من يسكن الضريح؟

وقال: البعض تأخذه عظمة المكان من حيث التأثُّر بالشكل ويكون منشغلاً به، والواجب التوجّه إلى العظمة الحقيقية التي تتمثَّل في عظمة ساكن الضريح، وأن نعلم بأنّ تعظيم المكان والاهتمام به وتزيينه وزخرفته، ما هو إلا تعبير مادي عن الشعور بالعظمة الحقيقية لساكن الضريح.

قول الشاعر:

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار.

وقال: من يكون لديه الشعور بالعظمة الحقيقية، تظهر لديه نفس الحالة السابقة من الخشوع حينما يزور الأئمة المظلومين في البقيع، مثل: الإمام الحسن، والإمام علي بن الحسين السجاد، والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق ^ رغم ما يحوط قبورهم من الإهمال وربما التحقير، بسبب العصبيّة والجهل، والحرمان الظالم للمحبِّين من حق التعبير عن شعورهم الصادق تجاه أئمتهم الطاهرين ^.

الحالة الروحيّة وتقدّم الأمم

وبخصوص تأثير المقدَّس على واقع الحياة، قال: للمقدَّس تأثير سحري وعظيم إذا أُدخِلَ بشكلٍ صحيحٍ على واقع الحياة، فإنّه يكسبه الطهارة والعظمة والحيويّة والاستقامة والنشاط وقوّة التأثير، وكلّما جرّد الواقع وجرّدت الأحداث من القدسيّة، كلّما قلَّت طهارتُها وحيويُّتها واستقامتها وقوة تأثيرها، فلابدّ أن نجعل للمقدَّس مكانًا في حياتنا، مع التأكيد على ضرورة الابتعاد عن التقديس الأعمى والخاطئ، مثل: وضع المقدَّس في غير محلِّه، وتقديس غير المقدس، أو إعطائه أكثر مما يستحق.

وقال: مما يؤسف له، إنّ الحالة الغالبة على العرب هي الجفاف الروحي، بخلاف شعوب إسلامية أخرى، مثل: الشعب الإيراني، والشعب الاندونيسي، التي تعيش حالة روحيّة عالية، تُولِّد تفاعلاً أكثر مع المقدسات، ينعكس إيجابيًّا على واقعهم ومجمل حياتهم، بالطهارة والحيويّة والاستقامة وقوّةُ التأثير.

بيان الملك حول حقوق الإنسان

وبخصوص بيان الملك الخاص بحقوق الإنسان، قال: لم أطَّلع حتى الآن على نص البيان، ولكن بصورة عامّة، هناك تجاوزات شنيعة للسلطة في البحرين لحقوق الإنسان، وملف البحرين ليس أبيضًا في هذا المجال، وقد نجحت المعارضة بواسطة المؤسّسات الوطنيّة الشعبيّة لحقوق الإنسان في نقل الملف إلى المؤسّسات الدولية، والسلطة إلى اليوم لا تزال تضيف صفحات سوداء جديدة إلى سجلها في انتهاك حقوق الإنسان، فقد سمعنا بالأمس واليوم عن نقل بعض المعتقلين الجدد إلى المستشفى بسبب تدهور صحَّتَهم نتيجة لما تعرَّضوا من التعذيب وسوء المعاملة. والبيان هو محاولة التفافية في مواجهة ما تتعرّض له السلطة من ضغوط خارجية، وبهدف قطع الطريق أمام المؤسّسات الحقوقيّة الشعبيّة التي نجحت في إيصال الملف إلى المؤسّسات الدوليّة. وعلى السلطة أن تعلم بأنّ المعالجة الصحيحة التي يجب عليها أن تخطوها، هي:

• مصالحة أبناء شعبها والإفراج الفوري عن كافّة المعتقلين السياسيين بدون قيد أو شرط.

• محاسبة الجلاّدين وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة.

• وجبر ضرر الضحايا.

بيان البرلمان لدعم التدخل السعودي ضد الحوثيين في اليمن

وبخصوص صدور بيان من البرلمان البحريني تأييدًا للتدخّل السعودي ضد الحوثيين في اليمن، قال: دوافع إصدار البيان هي دوافع طائفية بامتياز، وهذه الممارسات الطائفية المقيتة، هي بمثابة صب الزيت على النار في أتون الأجندة الطائفية في المنطقة، وليس فيها أية منفعة للإسلام أو لشعوب المنطقة، وإنّما هي تنفيس حقير عن الحقد الطائفي الأعمى، وفيها مرضاة الشيطان وقوى الاستكبار العالمي.

وقال: للأسف الشديد إنّ البرلمان البحريني بدلاً من تحذيره الحكومات والشعوب في المنطقة من الوقوع في الفتنة الطائفية، ونصيحته للحكومات بالرشد في السياسة، والاستجابة لمطالب شعوبها العادل، والسعي لمناصرة الشعوب المظلومة، فقد زجَّ نفسَه ببلاهةٍ ـ تحت تأثير الحقد الطائفي الأعمى ـ في شأن داخلي لدولة أخرى، ووقف إلى صفِّ السلطات المستبدة ضدَّ طائفةٍ من شعبٍ عربيٍّ مسلم يتعرّضُ للظلم والقتل لمجرّد أنه يطالب بحقوق عادلة، وهذا التدخّل الأبله غير الرشيد وغير المهني من البرلمان البحريني بتأييد التدخل السعودي في الشأن الداخلي اليمني، من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه للتدخُّلات الخارجيّة في شؤون بلدان المنطقة.

التصويت الإلكتروني تزوير لإرادة الشعب

وبخصوص الانتخابات النيابية في عام2010م، قال: تيار الوفاء الإسلامي انتهى من إعداد رؤيته حول الموقف من الانتخابات القادمة، وسوف تطرح للتفاوض مع القوى السياسية في بداية عام 2010م ـ إن شاء الله تعالى ـ وسوف يكون التفاوض على ثلاثة مستويات:

• التحالف.

• التنسيق والتعاون.

• التفاهم.

وقال: لن أستبق الأحداث بالإعلان الآن عن أي شيء حول الموقف من الانتخابات القادمة. ولكن هناك مسألة قديمة طُرِحَت في انتخابات 2006م، ولم تقبل بها المعارضة، ولم يُعمل بها في انتخابات 2006م، وقد ظهرت بدايات مبكرة تسويقية للعمل بها في انتخابات 2010م، وهي مسألة التصويت الإلكتروني.

وقال: لست خبيرًا في الجانب الفني للموضوع، وأترك هذا الجانب لأهل الاختصاص، ولكن من الناحية السياسية ـ وبغض النظر عن نتائج البحث الفني ـ هناك في الوقت الحاضر هاجس لدى السلطة والقوى السياسية المشاركة بانخفاض الإقبال الجماهيري على التصويت في الانتخابات القادمة، وربما يكون الملاذ المقبول لديهم جميعًا للتخلُّص من هذه المشكلة، هو التوافق على الاقتراع الإلكتروني.

وقال: بغضِّ النظر عن موقفنا القادم من الانتخابات في عام 2010م، فإنَّ قبول أية جهة سياسيّة بالاقتراع الإلكتروني في ظل التخوف من ضعف الإقبال الجماهيري على التصويت في الانتخابات القادمة، يُعدّ قبولاً بالتزوير لإرادة الشعب، وهو موقف لا يدل على المصداقية والنزاهة، ويجب رفضه وإدانته شعبيًّا.

استئناف محاكمة معتقلي كرزكان

وبخصوص استئناف النيابة العامة لحكم براءة معتقلي كرزكان، قال: من الناحية القانونية فإنه يحق للمدّعي العام أن يستأنف الحكم، والحكم بالبراءة ـ في تشخيصنا ـ كان حكمًا سياسيًا، وليس حكًما قضائيًا خالصًا ـ مع الاحتفاظ بكل التقدير والشكر والتثمين للجهد الاستثنائي المخلص الذي قام به فريق الدفاع ـ وأرى بأنّ قيام النيابة العامة بالاستئناف لحكم براءة معتقلي كرزكان هو قرار سياسي من جهات سياسية، وليس مجرّد إجراء قانوني. ونحن نعتقد جازمين بأنّ متّهمي كرزكان أبرياء من التّهمة الباطلة التي وجّهت إليهم، ونحن نعلم، والسلطة تعلم، بأنّ نقض حكم البراءة في الاستئناف لن يكون حدثًا عاديًا، وعواقبه لن تكون عادية، وإن شاء الله تعالى تدرك الحكومة والقضاء ذلك، ويتصرف الجميع من وحي المسؤولية والمصلحة الوطنيّة العليا، وأن يسمحوا للوطن بأن يتماثل للشفاء.

منهج عمل تيار الوفاء الإسلامي

وفي معرض ردّه على مداخلة أحد الحاضرين التي دعا فيها تيار الوفاء الإسلامي للتصعيد في قبال السلطة من أجل تحقيق المطالب، قال: التيّار لا يتَّبِع سياسة المناكفة مع السلطة ولا مع غيرها، فهو تيّار إسلامي أصيل ـ إن شاء الله تعالى ـ ويراعي ـ استنادًا إلى منهجه الإسلامي الأصيل ـ البُعدَ الإنسانيَّ في تحرّكِه، وهنا أُنبِّه إلى بعض السياسات الخاطئة التي تلجأ إليها بعض القوىّ السياسية، منها:

• إنّ بعض القوى السياسية لا تمتلك القدرة أو ليست لديها الفرصة للطرح المنتج للقضايا أو للملفات، وفي سبيل إثبات وجودها على الساحة، تقوم بخلق الزوبعتان السياسية والأمنية، أو تقوم بالمنافات السياسية مع الغير، وتقتات على ذلك لتعيش على الساحة السياسية وتستمر في وجودها.

• إنّ بعض القوى السياسية حينما تستشعر توجّه السلطة لتحقيق بعض المشاريع والإصلاحات، تقوم ببعض الأنشطة، مثل: المسيرات والاعتصامات ونحوها للمطالبة بتحقيق تلك المشاريع والإصلاحات، مع علمها المسبق بتوجه السلطة لتحقيقها، وذلك بهدف أن يحتسب ذلك الإنجاز لها، لأنّها عاجزة عن تحقيق الإنجازات الحقيقية، وهي تبحث عن الإنجازات الوهميّة لتخدع به الرأي العام لتبرير وجودها ولتبرير منهج عملها، فهم من الفئة التي قال الله تعالى عنهم: )لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(([4]).

ونحن في تيار الوفاء الإسلامي نتنزّه ونسمو بجماهيرنا وبوعيهم عن مثل هاتين السياستين، ونعتبرهما سياستين غير إنسانيتين وغير إسلاميتين، لأنهما تُفرِّطان في جهد الإنسان ووقته بشكل عبثي وغير منتج، ونعتقد بأنّ الإنسان أكرم من أن نتصرف في وقته وجهده بهذا الشكل العبثي، ونرى بأنّ الله U وصاحب العصر والزمان لا يرضيان عن مثل هاتين السياسيتين العبثيتين، وأنهما مضرّتان بالوعي وبالمصالح الإسلامية والوطنية العليا.

وقال: نحن في تيّار الوفاء الإسلامي نمتلك الإرادة الجديّة في تحقيق المطالب، وهذا يفرض علينا:

• الأخذ بمنهج المقاومة، وبالأساليب المشروعة الفاعلة لتحقيق هذه المطالب.

• التصدّي الصريح والواضح في الملفات والقضايا التي يتبنّاها، لأنّ غياب هذا الشكل من التصدِّي يؤثِّر سلبًا على مصداقية التيار وأناسه، ويقلِّل من فرص نجاحه في تحقيق المطالب. فالتيّار لن يتوارى خلف الستار في القضايا والملفات التي يتبنّاها على الساحة الوطنيّة، وسوف يكون تصدِّيه صريحًا وواضحًا، وقد برزت هذه السياسية في الملفات التي تصدى لها فيما سابق، وستبرز في الملفات التي سيتصدّى لها فيما هو قادم:

• الاستعداد لاستحقاقات العمل والحركة المطلبية على المدى البعيد، وعدم الاكتفاء بالحاجات الوقتية.

• تحريك الجماهير وتفعيل دورهم وتنظيمه شعبيًّا في الحركة المطلبية المشروعة.

• رصد الفرص المواتية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتهيئة القدرة على اغتنامها.

• مواجهة ثقافة التخويف والتثبيط الهابطة، التي هي في الأساس ثقافة غير إنسانية وغير إسلامية.

• الخروج من دائرة التنظير إلى دائرة العمل، من خلال برامج عملية فاعلة.

وقال: للسلطة أطراف إقليمية ودولية تدعمها، ويجب على التيار وعلى سائر قوى المعارضة الفاعلة، أن تشمل هذه الأطراف بالخطاب والاهتمام المناسبين.

وقال: التيار سيُعلنُ قريبًا عن موقفه من عيد الشهداء، وهو ملتفت إلى العلاقة بين عيد الشهداء ورحيل قائد انتفاضة الكرامة الشعبية المباركة العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري، وهذا مُثبَت في رؤية التيار لعيد الشهداء.

وبخصوص نتائج الزيارة للعراق، قال: التيار لا يزال عند وعده بالشفافية، وما خلص إليه التيار من نتائج الزيارة قد تمّ تثبيته بشكل كامل من أجل مقاومة النسيان، وبقي التوقيت المناسب للإعلان، في سبيل تجنُّب الأخطاء، وتحصيل نتائج أفضل.

وقال: التّيار لا يتَّبِع سياسة المناكفة مع الآخرين، لا السلطة ولا غيرها، وقد ذكرت ذلك بوضوح تامٍّ في اللقاء المفتوح مع أهالي جدحفص في مسجد الإمام علي o ليلة الاثنين الفائتة، فالتيّار لا يوقِّت مواقفه ولا يحدِّدها على أساس مناكفة الآخرين، مثل: مضايقتهم أو تفويت الفرص عليهم ونحوه، وإنّما على أساس مرضاة الله سبحانه وتعالى، ومرضاة صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وما تتطلب مصالح العباد.

وقال: ليس في سياسة المناكفة للمؤمنين ومضايقتهم وتفويت الفرصة عليهم مرضاة لله U ولصاحب الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وليس فيها مصلحة حقيقية للإسلام والمسلمين.

وبخصوص مضايقات البعض من المؤمنين لتيار الوفاء، قال: نحن في تيار الوفاء ننأى بأنفسنا عن سياسة المناكفة، ونسعى لجمع الشمل على كلمة سواء، ولدينا وضوح في الرؤية، ورؤيتنا تقوم على أربعة مستويات، وهي:

• تشكيل قيادة مشتركة، فإن فشلنا يأتي المستوى الثاني.

• التنسيق والتعاون على المشتركات، فإن فشلنا يأتي المستوى الثالث.

• التفاهم على تجنُّب العداوة والمواجهة البينيّة، فإن فشلنا يأتي المستوى الرابع.

• قول الله تعالى على لسان هابيل لأخيه قابيل: )لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(([5]).


([1])  بحار الأنوار (ط – بيروت)/ ج‏64/ص: 142.

([2]) الفرقان: 44.

([3]) العنكبوت: 45.

([4]) آل عمران: 188.

([5]) المائدة: 28.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى